أحدث المقالات

قراءة نقدية فاحصة

الشيخ أحمد الواعظي(*)

ترجمة: حسن علي مطر

مقدّمة ــــــ

تؤكِّد النظريّة القائلة بـ (تاريخيّة النصّ) على تأثُّر النصّ بما يكتنفه من الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ السائد في عصره.

وإنّ هذه المقالة تناقش هذه النظريّة التي صدع بها نصر حامد أبو زيد في ما يتعلق بـ (تاريخيّة القرآن)؛ إذ يعتقد أبو زيد بأنّ القرآن إنّما هو (نتاجٌ ثقافيّ). من هنا يكون (مفهوم القرآن) الجذريّ مفهوماً تاريخيّاً، وعليه يجب تفسيره انطلاقاً من هذه الحقيقة. إنّ الدلالات اللغويّة الموجودة في القرآن لها قابليّة الانضواء تحت دائرة (التأويل الخلاّق)، الأمر الذي يتيح للمفسِّر إمكان أن يُعيد صياغتها طبقاً للواقعيات الاجتماعيّة واللغويّة لعصره. وإنّ الغاية من تأويل القرآن يجب أن تقوم على فهم (المغزى)، دون (المعنى) المتعلِّق بعصر النزول. يترتَّب على هذه النظريّة أنْ تكون هناك في القرآن أجزاء لا يمكن تطبيقها على الواقع الثقافيّ واللغويّ المعاصر، ويجب اعتبارها مجرَّد (شواهد تاريخيّة).

إنّ أهمّ إشكال يواجه نظريّة نصر حامد أبو زيد هو أنّها تحصر القرآن ضمن الأطر الضيّقة التي يقتضيها عصر النزول، والقول بإمكان تسلُّل المضامين الباطلة المنبثقة عن الجهل والتخلُّف الثقافيّ الذي كان سائداً في ذلك العصر وتسرُّبها إلى تضاعيف الوحي السماويّ.

 

1ـ الفصل بين تاريخيّة الفهم وتاريخيّة النصّ ــــــ

تنزع إلى تاريخيّة الفهم كافّة النظريّات التفسيريّة التي تمنح المفسِّر وأفقه المفهوميّ سهماً في إيجاد المعنى عند تحليل وقراءة النصّ. والسرّ في ذلك أنّ الإيمان بالدور المحوري للقارئ في عمليّة تكوين مفهوم النصّ ـ أي العالم الذهنيّ للمفسِّر، والمناخ الهرمنوطيقي، إلى غير ذلك من العناصر ـ هو الذي يكوِّن مفهوم النصّ. وإنّ مفهوم النصّ ليس له أيُّ تعيُّن وتحقُّق قبل القراءة، ومستقلاًّ عن التدخل المضموني لعقائد وتوجُّهات وانتماءات المفسِّر. وبالتالي فإنّ ما يقوم به المفسِّر ليس تسليطاً للضوء على مفهوم متعيِّن على نحوٍ سابق، بل هو يُسهِم إسهاماً مباشراً في عمليّة تكوين وظهور مفهوم النصّ. وحيث إنّ الأفق المفهومي للمفسِّر ومحيطه الهرمنوطيقي من الأمور التاريخيّة والمتأثِّرة بالظروف الاجتماعيّة والثقافيّة لحقبته التاريخيّة فإنّ فهمه للنصّ سيكون أمراً تاريخيّاً، وإنه سيخضع لا محالة للتغيُّر تبعاً لتغيُّر الظروف التاريخيّة والاجتماعيّة، وفي ظلّ تغيُّر الأفق المعنويّ والمفهوميّ للمفسِّر.

إنّ تاريخيّة الفهم تبدأ بالهرمنوطيقا ما قبل الفلسفيّة([1])، إلاّ أنّ صياغتها التحليليّة والفلسفيّة تبرز على نحو خاصّ في الهرمنوطيقا الفلسفيّة لـ (هيدغر) و(غادامير).

إنّ (غادامير) يواكب (نيتشه) و(هوسرل) و(هيدغر) في القول بتحديد الفهم ضمن حصار (أفق الفهم). ويصرّ على القول بأنّ الأفق الذهنيّ للمفسِّر يوجّه المساحة الفكريّة، كما يفرض قيوداً على الفهم أيضاً([2]). ومن وجهة نظره فإنّ الأفق والظرف الهرمنوطيقي لمفسِّر النصّ الناتج عن أحكامه وآرائه المسبَقة ليس بالأمر الثابت، بل هو في تغيُّر مستمرّ ومتواصل ضمن العمليّة الإدراكيّة والتحليليّة([3]). إنّ الوجه في تاريخيّة الفهم من ناحية الهرمنوطيقا الفلسفيّة يكمن في أنّ الفهم في هذه الرؤية عبارة عن امتزاج الأفق المفهوميّ للمفسِّر بالأفق المفهوميّ للنصّ، وحيث إنّ الأفق المفهوميّ لكلّ مفسِّر محصورٌ ومحدودٌ ضمن إطار عصره وظرفه الزمنيّ، وواقع ضمن إطار تعاطيه مع بيئته وتعامله مع الآخرين من بني عصره، فإنّه يتأثَّر لا محالة بهذه الأجواء، وإنّ الإدراك والتفسير الناتج عن تدخُّل مثل هذا الأفق والمناخ سيكون لا محالة تاريخيّاً، وخاضعاً للظرف الزمنيّ أيضاً([4]).

أمّا (تاريخيّة النصّ) فهي من وادٍ آخر؛ إذ ترتبط بمقولة تأثُّر مفهوم النصّ بالأرضيّة التاريخيّة (historical context)، والظروف والحقائق الثقافيّة والتاريخيّة لعصر ظهور النصّ.

إنّ لموضوع تاريخيّة النصّ جذوراً تاريخيّة أيضاً، وهناك العديد من التقريرات المختلفة عنها.

من باب المثال: يذهب (رودولف بولتمان)(1976م) إلى الاعتقاد بأن الأصول الدينيّة في الكتب المقدَّسة متأثِّرة بالآراء والأفكار السائد في عصر تدوين تلك النصوص الدينيّة. ومن هنا نجد تلك النصوص مشتملةً على الأساطير، وليست لها أيّ سنخيّة مع الأفكار والآراء العلميّة السائدة في عصرنا. وخلافاً لليبراليّين الكلاميّين الأوائل، الذين كانوا يضعون هذه العناصر الأسطوريّة جانباً، يذهب (بولتمان) إلى ضرورة نقض الأساطير (demythologizing) في النصوص المقدَّسة، ويرى أنّ مهمة الإلهيّات المعاصرة تكمن في التسلُّل عبر هذه الأساطير، من أجل استكشاف (المغزى) الذي استهدفه الكتاب المقدَّس من وراء هذه العناصر التاريخيّة والأسطوريّة. وعليه يكون ما قيل مختلفاً عن المراد. وإنّ نقض الأساطير يساعد على فهم المراد الكامن وراء روح النص([5]).

كما يقدّم (رولان بارت) تقريراً آخر عن تاريخيّة النصّ. فمن وجهة نظره يعوم النصّ عبر التاريخ والثقافات، ويكتسب عبر مسيرته المتواصلة معاني جديدة، بحسب الجغرافيا والشرائط الإنسانيّة والاقتضاءات التاريخيّة، وينفصل عن معانيه القديمة.

يرى (بارت) أنّ النصّ يجب فهمه وتفسيره بعيداً عن هذا المنشأ التاريخيّ وسلطة المؤلِّف. في التاريخيّة المنظورة لـ (بارت) يعتبر كلّ نصٍّ وثيقة تاريخيّة تتألَّف من عدّة رموز وكلمات عبور (code)، وليس من الضروريّ أن يتمّ فكّ هذه الرموز والشيفرات بالرجوع إلى المنشأ التاريخيّ للنصّ (المقطع الزمنيّ والتاريخيّ لظهور النصّ)، بل إنّ النصّ في اللحظة الراهنة، وعند إجراء العمليّة التفسيريّة، يكون محاطاً بالرموز والشيفرات المعاصرة التي يجب قراءة النصّ من خلالها وفي ضوئها([6]).

في الوقت الذي يشير فيه نصر حامد أبو زيد إلى تاريخيّة الفهم يؤكِّد بشكل خاصّ على تاريخيّة القرآن، ويقدِّم لذلك تقريراً خاصّاً. ويرتِّب على هذا التقرير لوازم معرفيّة ودينيّة خاصّة.

إن هذه المقالة تسعى إلى دراسة هذا التقرير، وبيان نقاط ضعفه ونقصه، وما يترتَّب عليه من اللوازم الباطلة.

 

 2ـ نظرية نصر حامد أبو زيد حول (تاريخيّة القرآن) ــــــ

إنّ نظريّة نصر حامد أبو زيد تستهدف الوصول إلى إدراك تاريخيّ وعلميّ للنصوص الدينيّة. وهذا يستلزم في حقيقته بحثاً حول القرآن بوصفه نصّاً تاريخيّاً وبشريّاً ولغويّاً. وإنّ هذا ـ بزعمه ـ يحتاج بدوره إلى تحدّي الفهم التقليديّ والسائد في علوم القرآن والحديث، الذي يصرّ عليه الخطاب الدينيّ السائد، كما يحتاج إلى صياغة قراءة نقديّة وجديدة لعلوم القرآن وطبيعة النصّ الدينيّ على أسس الإيمان بتاريخيّة القرآن، واعتبار النصّ القرآنيّ نتاجاً ثقافيّاً.

إنّ ما قام به الأقدمون، من أمثال: بدر الدين الزركشي(794هـ) في (البرهان في علوم القرآن)؛ والسيوطي(910هـ) في (الإتقان في علوم القرآن)، من وجهة نظر نصر حامد أبو زيد، يصبُّ في سياق حفظ التراث والذاكرة الفكريّة والثقافيّة للحضارة الإسلاميّة، التي هي رغم قيمتها الثقافيّة تقوم على نوع من التصوُّر الدينيّ للنصّ (القرآن)، الذي هو نتاج للنزعة الرجعيّة في الثقافة العربيّة ـ الإسلاميّة.

يرى أبو زيد أنّ أدنى تعريف يمكن تقديمه عن هذا التصوُّر التقليديّ هو أنّه يفصل النصّ القرآنيّ عن نسيج التيّارات الواقعيّة والتاريخيّة، وبالتالي فإنّه يبعد القرآن عن طبيعته الحقيقيّة بوصفه نصّاً لغويّاً ونتاجاً ثقافيّاً وتاريخيّاً، ويُحوِّله إلى أمر مقدَّس وروحانيّ([7]).

ومن وجهة نظر نصر حامد أبو زيد فإنّ خطاب التنوير في العالم الإسلاميّ لم يستطع كسر الحصار الذي فرضه الخطاب الدينيّ الغالب، ولم يتمكَّن من التأسيس للآفاق المعرفيّة الجديدة، وعجز عن صياغة الوعي التاريخيّ العلميّ في ما يتعلَّق بالنصوص الدينيّة؛ وذلك بسبب تجاهل البُعد التاريخيّ في القرآن، وعدم الالتفات إلى الجانب البشريّ والثقافيّ فيه. وللخروج من هذا المأزق، والوصول إلى الوعي العلميّ والتاريخيّ بالنصوص الدينيّة، يتعيّن علينا الانتقال إلى الضفّة المقابلة للخطاب الدينيّ الذي يعتبر الله هو المتكلِّم والناطق بالنصوص الدينيّة، ويمنح النصّ الدينيّ قداسة وروحانيّة، ويلبسه ثوباً ميتافيزيقيّاً. ومن هنا يجب علينا أن نركِّز انتباهنا على الجانب التاريخيّ والبشريّ والثقافيّ من النصّ الدينيّ، ونهتمّ بالواقع التاريخيّ والاجتماعيّ والثقافيّ الذي أحاط بالوحي من جميع جوانبه([8]).

من وجهة نظر نصر حامد أبو زيد يعتبر النصّ القرآنيّ في ذاته وجوهره (نتاجاً ثقافيّاً)([9])؛ أي إنّ هذا النصّ قد تكوَّن طوال أكثر من ثلاثة وعشرين سنة في صلب الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ لعصر النزول. وعليه فإنّ إضفاء المسحة القدسيّة والصبغة الميتافيزيقيّة على هذا النصّ إنّما هو سعيٌ إلى إخفاء الوجه الثقافيّ والتاريخيّ لهذا النصّ، الأمر الذي يحول دون الفهم العلميّ لهذه الظاهرة. إنّ الله عندما أرسل الوحي إلى النبيّ| فقد اختار النظام اللغويّ الحاكِم على مستقبل الوحي. وخلافاً للرؤية التي يروِّج لها الخطاب الدينيّ المعاصر (التقليديّ) فإنّ اختيار اللغة ليس مجرَّد اختيار لوعاءٍ فارغ. إنّ اللغة أهمّ وسيلة تساعد الناس على فهم العالم وتحديد نظامه. وعلى هذا الأساس لا يمكن الحديث عن لغةٍ بمعزل عن الثقافة والواقع الاجتماعيّ. وإنّ سماويّة منشأ النصّ لا ينفي واقعيّة محتواه وتاريخيّته، ومن هنا فإنّه لا يتنافى مع انتسابه إلى ثقافةٍ بشريّة ووعاءٍ اجتماعيّ وتاريخيّ خاصّ. وفي ما يتعلَّق بالقرآن حيث لا يمكن إخضاع مُنزِل الرسالة ومنشئها الإلهيّ، ووضعه على طاولة البحث، كان من الطبيعيّ أن يتمّ البحث العلميّ حول النصّ القرآنيّ من خلال الواقع والثقافة. وإنّ ذلك (الواقع) هو الظرف الذي تشكَّلت فيه حياة مَنْ نزل عليه الوحي، والمخاطَبين الأوائل بالقرآن، وأحاطت به الثقافة التي تمثِّل اللغةُ أبرزَ معالمها. وعلى هذا الأساس فإنّ قَصْدَنا إلى الواقع والثقافة في دراسة النصّ القرآنيّ بمعنى الخوض في الأمور التجريبيّة. ومن خلال تحليل هذا النوع من الأمور يمكننا الوصول إلى فهمٍ علميٍّ لظاهرة النصّ الدينيّ([10]).

إن تأكيد نصر حامد أبو زيد على (البُعد التاريخيّ) للنصوص الدينيّة، وانتقاده للخطاب الدينيّ التقليدي؛ بسبب تجاهله وغفلته عن (البُعد التاريخيّ للوحي)، إنّما يقوم على تعريفٍ وفهم خاصّ لـ (البُعد التاريخيّ)؛ إذ من الواضح أنّ الخطاب الدينيّ السائد والتقليديّ يدرك خضوع النصّ الدينيّ للبُعد التاريخيّ، ولذلك يتّم البحث في تفسير القرآن والفقه عن أسباب النزول والأحداث التاريخيّة، التي تشكِّل رافعة أو حاضنة تاريخيّة لنزول الآيات والسور. كما يتّم البحث في الناسخ والمنسوخ، وتغيير الأحكام بسبب تغيُّر الظروف والأوضاع التاريخيّة (تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد).

إنّ مراد نصر حامد أبو زيد من البُعد التاريخيّ في النصوص الدينيّة (تاريخيّة المفاهيم)، بمعنى أنّ مضمون ومفهوم كلمات ومفردات النصوص السماويّة إنّما هي تاريخيّة؛ بسبب تاريخيّة اللغة المستعملة في الوحي، وهي ممتزجةٌ بالواقع الخارجيّ والثقافيّ لعصر النزول([11]). من هنا يتَّضح أنّ مراده من صياغة الرؤية التاريخيّة ـ العلميّة في ما يتعلق بالنصوص الدينيّة يذهب إلى ما هو أبعد من مجرَّد البحث عن الحقائق التاريخيّة، والاهتمام بحوادث عصر نزول الوحي، الذي هو من سنخ ما يقوم به المختصّون في حقل التاريخ. إنّ ما أراده أبو زيد من وراء هذه الرؤية، بدلاً من الاستناد إلى معرفة الحوادث التاريخيّة لعصر النزول، يقوم على معطيات العلوم اللغويّة الخاصّة، ولا سيّما في بحث النصوص([12]).

 

 3ـ نتائج القول بتاريخيّة القرآن، وفقاً لنصر حامد أبو زيد ــــــ

إنّ القول بتاريخيّة النصوص الدينيّة والسماويّة، طبقاً للتقرير الذي يقدِّمه نصر حامد أبو زيد، تترتَّب عليه نتائج وثمار تميِّز رؤيته حول قراءة وفهم النصوص الدينيّة وتكوين المعرفة الدينيّة عن الرؤية التقليديّة والسائدة، ويُشكِّل مادّة طلاقٍ واضحٍ بين الفهم الدينيّ لنصر حامد أبو زيد وبين ما يدعوه (الخطاب الدينيّ).

ويمكن بيان أهمّ النتائج التي تترتَّب على رؤية أبو زيد على النحو التالي:

 أـ ضرورة التفكيك بين (المعنى) و(المغزى) ــــــ

يقوم اعتقاد نصر حامد أبو زيد على أنّ ارتباط النصوص بالواقع الاجتماعيّ يؤدّي عند التعاطي مع النصوص الدينيّة والتقليديّة إلى التفكيك بين زاويتين مرتبطتين ببعضهما:

الزاوية الأولى تتعلَّق بإدراك وفهم الدلالة الأصليّة. وهذا الأمر هو من سنخ التاريخ بمعناه الاجتماعيّ. ولتحقيق هذه الغاية يجب وضع النصوص في نسيجها الاجتماعيّ والثقافيّ، ودراسة الحاضنة التاريخيّة واللغويّة السائدة في ذلك العصر.

أمّا الزواية الثانية فإنّها تتعلَّق بفهم النصوص من خلال الالتفات إلى النسيج الثقافيّ والاجتماعيّ الراهن، والذي هو في الحقيقة تأويلٌ للنصّ، وقراءته قراءةً إبداعيّة وفقاً للنسيج الاجتماعيّ المعاصر (دون النسيج الثقافيّ والاجتماعيّ لعصر صدور النصّ)([13]).

يقول نصر حامد أبو زيد: «نعتمد هنا على التفرقة بين (المعنى) و(المغزى)، وهي تفرقةٌ مطروحةٌ في مجال دلالة النصوص بشكلٍ عامّ، وإنْ كنّا سنقدِّم لها تكييفاً خاصّاً يناسب طبيعة النصوص موضوع تحليلنا. المعنى يمثِّل المفهوم المباشر لمنطوق النصوص الناتج عن تحليل بنيتها اللغويّة في سياقها الثقافيّ، وهو المفهوم الذي يستنبطه المعاصرون للنصّ من منطوقه. وبعبارة أخرى: يمكن القول: إنّ المعنى يُمثِّل الدلالة التاريخيّة للنصوص في سياق تكوُّنها وتشكُّلها… والفرق بين المعنى والمغزى من منظور دراستنا هذه يتركَّز على بُعدَيْن غير منفصلَيْن: البعد الأوّل: أنّ المعنى ذو طابع تاريخيّ، لا يمكن الوصول إليه إلاّ بالمعرفة الدقيقة لكلٍّ من السياق اللغويّ الداخليّ والسياق الثقافيّ الاجتماعيّ الخارجيّ. والمغزى ـ وإنْ كان لا ينفكّ عن المعنى، بل يُلامسه وينطلق منه ـ ذو طابعٍ معاصر، بمعنى أنّه محصَّلة لقراءة عصر غير عصر النصّ»([14]).

إنّ نصر حامد أبو زيد ـ كما يصرِّح بذلك ـ قد اقتبس التمايز بين (المعنى) ـ الذي هو مراد وهدف الزاوية الأولى من قراءة النصّ ـ وبين (المغزى) ـ الذي هو الهدف من الزاوية الثانية لقراءة النصّ ـ عن (إريك هيرش)، في ما ذهب إليه من الفصل بين المعنى اللفظيّ (verbal meaning)، والمعنى بالنسبة إلى (significance)([15]).

 ب ـ تغيُّر دلالة النصّ والقول بعدم ثبات معنى النصوص ــــــ

طبقاً لتحليل أبو زيد تعتبر النصوص الدينيّة (نصوصاً لغويّة)، بمعنى أنّها تتعلَّق بإطار ثقافيّ خاصّ ومحدَّد، وأنّها قائمة على أساس قوانين ثقافيّة، وأنّ اللغة والنظام اللغويّ يشكل صُلب نظامها المفهومي. وطبعاً فإنّ هذا لا يعني أنّ النصوص متأثِّرة تأثُّراً محضاً بالنظام اللغويّ والأسس الثقافيّة؛ فإنّ النصوص ضمن تأثُّرها بواقع النظام اللغويّ والاحتكاك بثقافة عصرها تبدع منظومتها الدلاليّة الخاصّة، وبذلك تقوم بإعادة تكوين لغة وثقافة عصرها. ومن خلال تبعيّته لـ (سوسور) في الفصل بين اللغة (languet)، والخطاب (parol) يذهب إلى القول بأنّ (اللغة) عبارة عن نظام مفهوميّ يلجأ إليه الناس في صياغة خطابهم. وعليه فإنّ كلّ خطاب ونصّ خاصّ يحكي عن منظومة لغويّة جزئيّة ضمن نظام عامّ كامن في ذاكرة الناس، وإنّ بين (اللغة) و(الخطاب) علاقة ديالكيتكيّة. وبذلك فإنّ النصوص الدينيّة تتعاطى من جهة مع واقعيتها اللغويّة والثقافيّة، وتتأثَّر بها من جهة أخرى. إنّ دلالات النصوص مفعمةٌ بالوقائع والعناصر التاريخيّة والثقافيّة السائدة في عصرها. وعليه يُوجد هناك أُفق مشترك للتعاطي والتعامل، ولكن هناك إمكانيّة لإعادة صياغة وتغيير هذا الأفق المشترك في ظل تغيُّر الواقعيّات اللغويّة والثقافيّة، وتغيُّر الآفاق التفسيريّة([16]).

قال نصر حامد أبو زيد: «ليس معنى القول بتاريخيّة الدلالة تثبيت المعنى الدينيّ عند مرحلة تشكُّل النصوص، ذلك أنّ اللغة ـ الإطار المرجعيّ للتفسير والتأويل ـ ليست ساكنةً ثابتة، بل تتحرّك وتتطوّر مع الثقافة والواقع. وإذا كانت النصوص ـ كما سبقت الإشارة ـ تساهم في تطوير اللغة والثقافة، من جهة أنّها تمثِّل (الكلام) في النموذج السوسيريّ، فإنّ تطوّر اللغة يعود ليحرِّك دلالة النصوص، وينقلها في الغالب من الحقيقة إلى المجاز»([17]).

يذهب أبو زيد إلى القول بأنّ هذه القابليّة على التحوُّل والتغيُّر المفهوميّ إنّما هي اقتضاءٌ من داخل النصّ، ومن لوازم لغويّة وبشريّة النصوص الدينيّة، وارتباطها بالواقع الثقافيّ والاجتماعيّ، لا أنّها تفرض عليها من الخارج كنتيجة لقراءتها قراءةً مُأَدْلَجة. بل الأمر على العكس من ذلك تماماً، فإنّ الاعتقاد بثبات مفهوم النصّ الدينيّ وعدم تحوُّله وتغيُّره بتغيُّر الأفق الثقافيّ والاجتماعيّ، وعدم مواكبة النصّ للتغيُّرات اللغويّة والثقافيّة، إنّما هو تأويلٌ يُفرَض على النصّ من الخارج. إنّ هذا النوع من القراءة الأيديولوجيّة والنفعيّة للنصّ ليست في الحقيقة تأويلاً، ولا تفسيراً، بل هي (تلوينٌ) وقراءةٌ مغرضةٌ تخلو من الإبداع([18]).

 

 ج ـ استحالة التفسير الحياديّ للنصّ ــــــ

إنّ الاتجاه التفسيريّ الذي يسلكه أبو زيد يدفعه إلى نوع من القراءة المحافظة، التي تجعل القارئ هو المحور. فهو من جهةٍ يصرِّح بموافقته الحلقة التفسيريّة الحديثة التي تذهب إلى عدم وجود قراءة حياديّة للنصّ، وأنّ مراده من الحلقة التفسيريّة الحديثة هو الاتّجاهات التفسيريّة المعاصرة، التي ترى للنصوص مساحة مفهوميّة مستقلّة عن المؤلِّف ونيّته، وترى العلاقات المفهومية للنصّ متأثِّرة بالقارئ، ومعرفته، ووعيه، المتأثِّر بدوره بزمانه ومكانه. ولكنّه من جهةٍ أخرى يعمد ـ من خلال نفي التأويل المُؤَدْلج والمنظومة المعرفيّة لتأويل النصّ أيديولوجيّاً ـ إلى التفريق بين (التأويل) و(التلوين)، ويستلهم ما قام به القدامى من الفصل بين التأويل والتفسير المقبول، وبين التفسير والتأويل المذموم، فيقول بأنّ التأويل المغرِض للنصّ (التلوين) مذمومٌ، وأنّ نفي إمكان التفسير والتأويل الحياديّ للنصّ لا يعني فتح الأبواب أمام تلوين وتأويل أيديولوجيٍّ ومغرِضٍ للدين([19]).

إنّ الهدف من قراءة النصّ ـ من وجهة نظر نصر حامد أبو زيد ـ هو الوصول إلى مضمونة ومحتواه، الذي هو مفهوم عصريٌّ منسجمٌ مع الاقتضاءات اللغويّة والثقافيّة لعصر القارئ. إلاّ أنّ هذا الهدف لا يجب أن يقترن بفرض الأيديولوجيّة على النصّ. إنّ فحوى ومضمون النصّ يجب أن يُصاغ من خلال الالتفات إلى المعنى الأصليّ للنصّ في زمن الخطاب. إنّ وجود الفحوى والمضمون الثابت والمحدَّد للنصّ بشكلٍ مسبقٍ يشكِّل حائلاً جديداً أمام النصّ، ويمنع من قراءته وتأويله بشكلٍ مبدِعٍ.

ويرى أبو زيد إمكانيّة الفصل بين نوعين من الدلالة: فهناك دلالات في النصّ تعمل على إبراز (المعنى)؛ وهناك دلالات أخرى تعمل على إبراز (المغزى والفحوى).

إنّ كُلاًّ من هاتَيْن الدلالتَيْن لها سهمٌ في التأسيس لدلالة النصّ، وكأنّ للنصّ مستويين من الدلالة، وإنّ الدلالة النهائيّة للنصّ تنشأ من التأليف بين هذين المستويين من الدلالة.

وإنّ المستوى الأوّل يمثِّل المعنى التاريخيّ والأصليّ للنصّ، ويشكِّل المستوى الظاهري؛ وأمّا المستوى الثاني والأعمق (مستوى الباطن) فهو المستوى الذي ينطوي على المضمون والفحوى.

إنّ هذه المباني التي يذكرها أبو زيد تنطوي على اعتراف بأنّ النصّ؛ بوصفه نظاماً دلاليّاً، لا ينحصر في حدود الواقعيّات الزمانيّة والثقافيّة والاجتماعيّة لعصر صدور النصّ، وأنّه يحتوي على دلالات وعناصر لا تقتصر على الدلالات التاريخيّة والزمانيّة والمكانيّة لعصر الصدور، وأنّه يخاطب الأجيال القادمة والعصور المقبلة، وأنّ القراءة المبدعة للنصّ تقوم على كشف هذا النوع من الدلالات، وتأويلها طبقاً للظروف الثقافيّة واللغويّة المتغيِّرة والمتجدِّدة([20]).

إنّ دفاع أبو زيد عن عدم إمكان التفسير والتأويل الحياديّ للنصّ إنّما هو ناشئٌ عن هذا المبنى، الذي يعتبر الإنسان بما له من رواسب ثقافيّة واجتماعيّة هو محور فهم النصّ في عمليّة التفسير والتأويل، بمعنى أنّ النصوص، كما هي من الناحية الوجوديّة منبثقةٌ عن الوقائع اللغويّة والتاريخيّة والحقائق الاجتماعيّة والثقافيّة لعصر صدور وحدوث النصّ، لا تُفهم من الناحية المعرفيّة إلاّ بتأثيرٍ من الواقعيات الاجتماعيّة والثقافيّة لعصر المفسِّر.

يذهب أبو زيد من خلال إيجاد تقابلٍ بين الاتجاه غير التاريخيّ إلى النصّ والاتجاه التاريخيّ إلى النصّ، الذي يدافع عنه، إلى القول: «إذا كان الفكر الدينيّ يجعل قائل النصوص ـ الله ـ محور اهتمامه ونقطة انطلاقه فإنّنا نجعل المتلقّي ـ الإنسان ـ بكلّ ما يُحيط به من واقع اجتماعيّ تاريخيّ هو نقطة البدء والمعاد. إنّ معضلة الفكر الدينيّ أنّه يبدأ من تصوُّرات عقائديّة مذهبيّة عن الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة، وعلاقة كلٍّ منهما بالأخرى، ثمّ يتناول النصوص الدينيّة، جاعلاً إيّاها تنطق بتلك التصوّرات والعقائد. وبعبارة أخرى: نجد المعنى مفروضاً على النصوص من خارجها»([21]).

 

د ـ تحدّيات الاجتهاد القائم على تفوّق النصّ ــــــ

إنّ الأسس التي يعتمدها أبو زيد بشأن ماهية النصّ وربطها بالحقائق الثقافيّة والاجتماعيّة، وفصله بين (المعنى) و(المغزى)، وإصراره على ضرورة الذهاب إلى ما هو أبعد من المعنى التاريخيّ للنصّ، والاهتمام بالمغزى والمضمون العصري للنصّ بوصفه الهدف النهائي من تأويله، يجعله أمام الاجتهاد السائد في مجتمعات أهل السنّة. يؤمن أبو زيد بأنّ الخطاب الدينيّ التقليديّ يقول بإمكانيّة إعادة فهم النصّ. كما يؤمن أيضاً بأنّه من خلال الالتفات إلى الظروف الزمانيّة والمكانيّة يحصل تجدُّد في عمليّة الاجتهاد، إلاّ أنّ هذا الاجتهاد لا يتجاوز مستوى فهم الفقهاء، لأنّه يحشر خطاب الاجتهاد الدينيّ في زاوية من النصوص الفقهيّة والتشريعيّة. ويخالف كلّ نوعٍ من أنواع الاجتهاد في مجال الأمور الاعتقاديّة أو القصص الدينيّة([22]).

أمّا المشكلة الأخرى التي تترتَّب على الاجتهاد المنظور للخطاب الدينيّ فتكمن في تجاهل الواقعية التاريخيّة ـ الثقافيّة للنصّ. وإنّه من خلال تصلُّبه على المعنى التاريخيّ والأصليّ للنصّ يُعيد المجتمع إلى الوراء، ليصل من خلال الغفلة عن انسيابيّة معنى النصّ إلى القول بثباته وجموده. وبعبارة أخرى: إنّ النصّ، وكذلك الواقعيّة التي ينبثق عنها النصّ، تتحوَّل إلى أسطورة، وإنّ تحوُّل الواقعيّة واللغة والثقافة لا يتكفَّل بأيّ تأثير في تحوُّل مفهوم النصّ، وبذلك فإنّ الخطاب الدينيّ والاجتهاد المنظور له يخضع لسطوة النصّ([23]).

 

 هـ ـ التنزُّل بالنصوص السماويّة إلى مجرَّد شواهد تاريخيّة غير قابلة للتوظيف ــــــ

بلحاظ إمكان التأويل المبدع وتوسيع رقعة دلالة النصوص المفهوميّة إلى آفاق وعصور أبعد من الواقعيّة الثقافيّة والاجتماعيّة المحيطة بعصر حدوث النصّ، أو استحالة مثل هذه التوسعة، فإنّ النصوص الدينيّة من وجهة نظر نصر حامد أبو زيد تواجه ثلاثة مستويات من الدلالة:

الأوّل: عبارة عن الدلالات التي لا تعدو كونها شواهد تاريخيّة، لا تقبل التأويل المجازيّ([24])، ولا غيره.

والثاني: يشمل الدلالات التي تقبل التأويل المجازيّ.

والثالث: يطلق على الدلالات التي هي حصيلة استعادة التعريف بالواقع الثقافيّ والاجتماعيّ المهيمِن على النصّ، وتوسيع مفهوم النصّ من خلال السعي إلى إدراك مضمونه ومحتواه طبقاً للواقع الثقافيّ واللغويّ المعاصِر.

يذهب أبو زيد إلى القول بأنّ ما يتعلق بالمستوى الأوّل من دلالات النصّ الدينيّ، حيث تتغيَّر الظروف الاجتماعيّة والثقافيّة لعصر صدور النصّ تغيُّراً كاملاً، حتّى لم يَعُدْ لها من أثرٍ في اللحظة الراهنة، تكون هذه المضامين والمفاهيم والدلالات قد أصبحت جزءاً من التاريخ، ولم تَعُدْ لها سوى قيمة تاريخيّة، كأنْ يُقال: كان هذا النوع من الأفكار والأحكام موجوداً في تلك الحقبة التاريخيّة. ومن باب المثال: إنّ أحكاماً من قبيل: أخذ الجزية من أهل الكتاب، أو الأحكام المرتبطة بالعبيد والإماء، تدخل في المستوى الأوّل من دلالات النصوص الدينيّة، التي لا يمكن تطبيقها على واقعنا الراهن؛ بسبب اختلاف الأوضاع الثقافيّة والاجتماعيّة التي تحكم العلاقات المتبادلة بين البشر. إنّ هذا النوع من الدلالات لا هو يقبل التأويل المجازيّ، ولا يمكن لنا التوغُّل في مضامينها وفحواها، بل يمكن التنويه بها لمجرَّد الاستشهاد التاريخيّ، والقول بأنّ العلاقة بين المسلمين وغيرهم في تلك الحقبة التاريخيّة كان يسودها هذا النوع من الأحكام([25]).

كما يذهب أبو زيد إلى تصنيف النصوص المتعلِّقة بالسحر والحسد والجِنّ والشياطين، ممّا هو مذكور في القرآن الكريم، في خانة دلالات المستوى الأوّل، واعتبارها من قبيل الشواهد التاريخيّة. من وجهة نظر أبو زيد كان الواقع الثقافيّ لعصر النصّ يؤمِن بالسحر. وبالالتفات إلى هذا المبنى القائل بأنّ النصوص الدينيّة من الناحية اللغويّة والثقافيّة نصوصٌ بشريّة، وأنّ النبيّ بوصفه متلقِّياً للوحي مرتبطٌ بثقافة عصره، فمن الطبيعيّ أن يتطرَّق هذا المضمون إلى النصوص الدينيّة. وإنّ ما قيل في شأن السحر يصدق على الحسد والأوراد والتعويذات (مثل سورة الفلق) أيضاً. وإنّ وجود هذه الأمور في النصوص الدينيّة لا يدلّ على واقعيّتها، بل هي مجرَّد شواهد على وجودها في ثقافة عصر نزول الوحي.

يعمد أبو زيد إلى تخطئة الذين يؤكِّدون على وجود ظواهر من قبيل: السحر والحسد لمجّرد ذكر الألفاظ الدالّة عليها في النصّ القرآنيّ، ويقول بأنّهم قد أخطؤوا في اعتبار الدالّ والمدلول شيئاً واحداً([26]). وخلاصة القول: إنّه؛ وبسبب عدم وجود موقع من الإعراب لهذه المضامين في الثقافة البشريّة المعاصرة، فإنّ تاريخ صلاحيّة النصوص الدينيّة التي تشير إلى هذه الأمور يكون منتهياً، وتكون هذه النصوص جزءاً من الماضي، وليس هناك أيّ إمكانيّة لإعادة صياغتها مفهوميّاً بما يتناسب والعصر الراهن.

 

 4ـ نظريّة أبو زيد، نقد ودراسة ــــــ

إنّ تحليل وتقرير أبو زيد عن تاريخيّة النصّ بشكل عامّ، وتاريخيّة النصّ الدينيّ بشكل خاصّ، موضع نظرٍ ونقدٍ من جهات متعدّدة. وسوف نشير في ما يلي إلى أهمّ الإشكالات الواردة عليه باختصار، رغم أنّ ما سنذكره لا يشكِّل إلاّ جزءاً في أبحاثه التي تستدعي النقاش؛ إذ لا تكفي هذه المقالة لتغطيتها بأجمعها.

أـ إن العمود الفقري لوجهة نظر أبو زيد يتمثَّل في اعتقاده بأنّ هذه النصوص هي (نتاج ثقافيّ)، وأنها رغم مصدرها السماويّ ذات جنبة بشريّة، وأنّها متأثِّرة بالواقع التاريخيّ ـ الاجتماعيّ لعصر نزول الوحي. من هنا يجب أن تقع موضوعاً لقراءة علميّة ـ تاريخيّة، ولا يمكن تعميم المعنى التاريخيّ والأصليّ لهذه النصوص على جميع الأزمنة، بل إنّ المعنى الأصليّ لهذه النصوص يخضع للوضع الثقافيّ والتاريخيّ لعصر النزول، ولابدّ من أجل تعميمها على سائر العصور من تأويلها مجازيّاً، وسبر فحواها ومضمونها.

إنّ أوّل خللٍ وضعفٍ يواجهه هذا التحليل يكمن في استعمال عبارة (النتاج الثقافيّ)؛ إذ يوجد في الحدّ الأدنى تقريران يمكن إبداؤهما حول هذه العبارة: أحدهما: متطرِّف؛ والآخر: معتدل.

وإنّ مراد أبو زيد في استعماله لهذه العبارة أقرب إلى التقرير المتطرِّف.

إنّ جميع الآراء التي لا ترى الارتباط بين اللفظ والمعنى ذاتيّاً، وترى تدخل العنصر الإنسانيّ في إيجاد هذا الارتباط ـ سواء من طريق الوضع التعيينيّ أو من طريق الوضع التعيُّنيّ الحاصل من كثرة الاستعمال ـ تفتح باباً أمام حضور العلاقات الثقافيّة والاجتماعيّة في الحقل اللغويّ. إنّ الاحتياجات والعلاقات الإنسانيّة والروابط الاقتصاديّة والثقافيّة وسائر العناصر الطبيعيّة تؤثِّر في إثراء المفردات والاستعارات والأمثال، وطريقة استعمال اللغة، وما تشتمل عليه المفردات من ثقل إيجابيّ أو سلبيّ، وما إلى ذلك من الأمور اللغويّة. وإنّ التغيُّرات الحاصلة عبر القرون والأزمنة تؤثِّر في رقعة هذا النوع من الروابط البشريّة والاجتماعيّة، وتتدخَّل طبعاً في الواقعيّة المتعيِّنة لأيّ لغة من اللغات. ومن هذه الناحية يمكن القول: إنّ النصوص المتوفِّرة في أيّ لغةٍ من اللغات تتأثَّر عبر المسار التاريخيّ للتغيُّرات الحاصلة في تلك اللغة بالثقافة والعلاقات الاجتماعيّة السائدة في المجتمع بشكلٍ غير مباشر. طبقاً لهذا التقرير المعتدل لا يوجد هناك ارتباطٌ مباشر بين النصّ وبين الثقافة والمتغيِّرات الاجتماعيّة، بل إنّ هذا الارتباط إنّما يحصل من طريق اللغة، بمعنى أنّ تلك العناصر الثقافيّة والاجتماعيّة التي تمكَّنت من التأثير في اللغة ستجد مساحةً للحضور والظهور في النصّ؛ لأنّ كلّ كاتِبٍ ومتكلِّم يعمد إلى توظيف اللغة بوصفها أداةً لنقل المعاني والمفاهيم؛ بغية إيصال مراده، وإذا كانت اللغة تحتوي على بعض المحدوديّات والاقتضاءات والقيم الخاصّة فإنّها لا محالة ستظهر في النصوص المتوفِّرة.

أما التفسير المتطرِّف لتأثير الثقافة والعلاقات الاجتماعيّة في النصوص فيذهب إلى القول بأنّ كلّ نصّ إنّما هو في الأساس انعكاس للعلاقات الثقافيّة والمعتقدات السائدة في المرحلة التاريخيّة لحدوث النصّ، وأنّ كاتب النصّ ينسجم ويواكب بالضرورة تلك المعتقدات والعلاقات القائمة في عصره، بحيث إنّ النصّ لا يمكن أن يكون شيئاً آخر غير نتاجٍ ثقافيّ لعصره.

يُفهم من طيات كلام أبو زيد أنه يميل إلى هذا الاتجاه المتطرِّف؛ حيث نجده يقول ـ مثلاً ـ: «الواقع إذاً هو الأصل، ولا سبيل لإهداره. من الواقع تكوَّن النصّ، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمُه، ومن خلال حركته بفعّاليّة البشر تتجدَّد دلالته. فالواقع أوّلاً، والواقع ثانياً، والواقع أخيراً»([27]).

ويقول في موضعٍ آخر: «إذا كانت النصوص الدينيّة نصوصاً بشريّة بحكم انتمائها للغة والثقافة في فترة تاريخيّة محدَّدة ـ هي فترة تشكيلها وإنتاجها ـ فهي بالضرورة نصوصٌ تاريخيّة، بمعنى أنّ دلالتها لا تنفكّ عن النظام اللغويّ الثقافيّ الذي تُعَدّ جزءاً منه. من هذه الزاوية تمثِّل اللغة ومحيطها الثقافيّ مرجع التفسير والتأويل»([28]).

وبذلك يلاحظ أنّه يتمّ في هذا التقرير المتطرِّف الانتقال من دور الثقافة والمجتمع في العلاقات المفهوميّة للنصّ، والمحور المعنويّ للمؤلِّف والنصّ إلى الوقائع الثقافيّة ـ التاريخيّة لعصر صدور النصّ، وتغدو دلالة النصّ تابعاً للمتغيِّر الثقافيّ والاجتماعيّ. وعلى حدّ تعبير نصر حامد أبو زيد: إنّ الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ هو الذي يكوّن كلّ نصّ بجميع تفاصيله. إنّ هذا التقرير المتطرِّف لا يستند إلى أيّ دليل.

والإشكال الآخر الذي يرِدُ على هذا التقرير هو أنّه لم يحدِّد تأثير العناصر التاريخيّة والثقافيّة بشكلٍ مضبوط.

فمثلاً: نجد نصر حامد أبو زيد ينتقي بعض الأمثلة، من قبيل: السحر والحسد والربا والرّق والجِنّ والشيطان، ممّا هو مذكور في القرآن، ويعتبره انعكاساً للعناصر والواقع الثقافيّ السائد في عصر نزول الوحي، في حين هناك عناصر أخرى في الرقعة الاعتقادية للناس في تلك الحقبة الزمنيّة، فلماذا لا يتمّ التطرُّق إليها أسوةً بالأمثلة السابقة؟ من باب المثال: الله، والربّ، والعبادة، فإنّها من جملة الأمور التي كان يعتقد بها الناس في عصر النبيّ الأكرم|. فقد صرّح القرآن الكريم بهذه الحقيقة، وهي أنّ أهل الحجاز والمشركين المعاصرين للنبيّ كانوا يعتقدون بالله بوصفه خالقاً للسماوات والأرض، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (لقمان: 25)، فكانت مشكلتهم تكمن في شركهم في الربوبيّة. وعليه فإنّهم كانوا يؤمنون بأصل الربوبيّة، وأنّ كلّ أمور العالم والشؤون المرتبطة بالإنسان وسائر المخلوقات والظواهر تقع تحت القيموميّة والربوبيّة لوجود الذات الإلهيّة، رغم ابتلائهم بالقول بتعدُّد الأرباب والشرك في الربوبيّة، فانحرفوا عن توحيد الله وحصر الربوبيّة فيه سبحانه وتعالى. وعلى هذا هل يصحّ القول بأنّ ورود مضامين من قبيل: الله؛ بوصفه خالقاً، والربوبيّة والمربوبيّة، في القرآن الكريم كان ناشئاً من كونه انعكاساً عن الثقافة السائدة في عصر النزول، على غرار وجود لفظ الجِنّ والشيطان في القرآن؟!

ب ـ إنّ اعتبار بشريّة وتاريخيّة الوحي على نحو ما يقرِّره نصر حامد أبو زيد تترتَّب عليه محاذير كلاميّةٌ واضحة، يشهد العقل والنقل على بطلانها وعدم صوابيّتها. وإنّ من أهم تلك المحاذير تسرُّب الأباطيل والأمور الخاطئة إلى القرآن، في حين يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصّلت: 42). كما يحكم العقل بأنّ صدور الكذب والباطل من جهة الله سبحانه وتعالى مخالفٌ لحكمته.

المحذور الآخر هو أنّ الاصرار على كون القرآن (نتاجاً ثقافيّاً)، وأنّ الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ هو المكوِّن للنصّ الدينيّ، لا ينسجم مع الاعتقاد بوجود الحقيقة القرآنيّة وراء الألفاظ. وإنّ أبو زيد، رغم اعتقاده بالمنشأ الإلهيّ للقرآن، يذهب إلى نفي أيّ وجودٍ مسبَقٍ للقرآن، ويرفض هذه المسألة الاعتقاديّة القائلة بأنّ القرآن الذي أوحي إلى الرسول| يشتمل على مراتب وجوديّة عالية وروحانيّة، وإنّ ما نزل على قلبه الشريف إنّما هو نتيجة للتنزُّل عن تلك المراتب الوجوديّة.

قال نصر حامد أبو زيد ما معناه: «إنّ النصّ القرآنيّ في ذاته وجوهره نتاجٌ ثقافيّ، أي إنّ هذا النصّ قد تكوَّن طوال هذه الفترة الممتدّة لأكثر من ثلاثة وعشرين سنة. وهذه حقيقة لا غبار عليها. وما محاولة إضفاء الوجود الميتافيزيقيّ السابق للقرآن إلاّ محاولةٌ لإخفاء هذه الحقيقة الواضحة. وبالتالي سيؤدّي ذلك إلى سلب إمكانيّة المعرفة العلميّة لظاهرة النصّ القرآنيّ. إنّ الإيمان بالمنشأ الإلهيّ والسماويّ للقرآن، وتبعاً لذلك القول بالوجود السابق للوجود العينيّ في الثقافة والواقع، مسألةٌ لا تتعارض ودراسة النصّ القرآنيّ من طريق معرفة الثقافة التي يتنسب إليها القرآن»([29]).

وهناك من الآيات ما يكشف عن حقيقة أنّ القرآن النازل يشتمل على أصل ومرتبة وجوديّة أسمى، وأنّها من ناحية الرتبة والمنزلة مقدّمة وسابقة على القرآن الملفوظ الذي نزل بالتدريج، من قبيل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الواقعة: 77 ـ 80و﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فيِ لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (البروج: 21 ـ 22و﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ (الزخرف: 3 ـ 4).

ومن الناحية العقليّة فقد ثبت في محلّه أنّ لكلّ وجود في نشأته المادّيّة مراتب وجوديّة أسمى في عالم المثال والعقل، والوجود الأسمى هو الذي يعبَّر عنه بتطابق عوالم الوجود. طبقاً لهذا المبنى العقليّ فإنّ القرآن كذلك يحتوي على مراتب ووجودات أسمى وأعلى تؤلِّف الحقائق المتعالية للقرآن النازل. وعلى أيّ حالٍ فإنّ دعوى اعتبار القرآن نتاجاً للحوادث والوقائع الثقافيّة والاجتماعيّة لعصر النزول، دون أن يكون لها أيّ سابقة ماهويّة، مخالفٌ لصريح العقل والنقل.

ج ـ أشرنا إلى أنّ الفرضيّة الأصليّة لنصر حامد أبو زيد تقوم على دراسة النصوص الدينيّة دراسة علميّة ـ تاريخيّة. وغايته ـ من خلال القول ببشريّة وتاريخيّة النصّ الدينيّ ـ الوصول إلى الاعتقاد بأنّ المفهوم الأصليّ للنصّ الدينيّ ينتمي إلى الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ لعصر النزول. من هنا يكون للنصّ صفة تاريخيّة، ويكون محصوراً داخل إطار الواقع الثقافيّ واللغويّ لعصره. وعليه يجب علينا في العصر الراهن ـ الذي نعيش فيه ظروفاً مختلفة عن الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ الذي كان سائداً في عصر حدوث النصّ الدينيّ ـ أن نطبِّق النصّ الدينيّ بما ينسجم مع الواقع الثقافيّ ـ الاجتماعيّ لعصرنا([30]).

وعلينا، بدلاً من الاكتفاء بالمعنى الأصليّ والتاريخيّ، أن نبحث عن مغزى النصّ، وأن نصل إلى هذا المغزى والفحوى من خلال تأويل دلائل النصّ مجازيّاً. وقد صرّح نصر حامد أبو زيد بأنّه قد استعار مسألة الفصل بين المعنى والمغزى من (إريك هيرش)، والصفحات الأولى من كتابه (الاعتبار في التفسير).

يَرِدُ على هذا الأمر نقدان: أحدهما: على فهم نصر حامد أبو زيد لكلام (إريك هيرش)؛ والآخر: يتعلَّق بأصل نظريّة الوصول إلى المغزى من طريق التأويل المجازيّ.

أما في ما يتعلَّق بالنقطة الأولى فنقول: إنّ فصل أبو زيد بين (المعنى) و(المغزى) ليس فيه أيّ انسجام مع الفصل الذي يراه هيرش بين المعنى (meaning) وبين الدلالة أو المغزى (significance)؛ فإنّ ما يقوله هيرش بشأن المعنى أو المعنى اللفظي (verbal meaning) يتحدَّد وفقاً لقصد المؤلِّف ونيّته، فهو أمرٌ ثابتٌ لا يقبل التغيير أو التبديل، وليس له أدنى صلة بما وراء قصد المؤلِّف، في حين أنّه طبقاً لتصوير أبو زيد لا نجد لـ (المعنى) أيّ مساحة لقصد (intention) المؤلِّف. وفي نقطةٍ مغايرةٍ لإريك هيرش يمنح محوريّةً للواقع الاجتماعيّ والنسيج الثقافيّ، وكذلك فهم المعاصرين للنصّ.

ولكي يتَّضح هذا الاختلاف يمكن الرجوع إلى تعريف نصر حامد أبو زيد لـ (المعنى)، حيث يقول: «المعنى يمثِّل المفهوم المباشر لمنطوق النصوص الناتج عن تحليل بنيتها اللغويّة في سياقها الثقافيّ، وهو المفهوم الذي يستنبطه المعاصرون للنصّ من منطوقه. وبعبارة أخرى: يمكن القول: إنّ المعنى يمثِّل الدلالة التاريخيّة للنصوص في سياق تكوُّنها وتشكُّلها»([31]).

إنّ المعنى من وجهة نظر (هيرش) أمرٌ ثابت وغير سيّال؛ لأنّه مرتبطٌ بقصد ونيّة المؤلِّف في لحظة إيجاده للنصّ.

أما من وجهة نظر نصر حامد أبو زيد فإنّ المعنى عبارة عن شيء سيّال وغير ثابت؛ لأنّ دلالة معنى النصّ عنده مرتبطةٌ بدلالات لم تتكوَّن إلاّ في نسيج الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ. وعليه فمن خلال تغيير الوضع الثقافيّ والاجتماعيّ يسري هذا التغيُّر إلى مدلول ومضمون تلك الدلالات. وعلى أيّ حال فإنّ فهم نصر حامد أبو زيد للمعنى يختلف اختلافاً كاملاً عن فهم (هيرش) للمعنى.

أما الأمر الآخر فهو أنّ رؤية نصر حامد أبو زيد لـ (المغزى) لا تتناسب ورؤية (هيرش) للدلالة والمغزى أيضاً.

فمن وجهة نظر (هيرش) تكون جميع الأمور التي تحدث لمعنى النصّ (المراد للمؤلِّف) بعد الفراغ منه، ابتداءً من النقد والتقييم والحكم، وصولاً إلى تغيير المؤلِّف لرأيه في شأن نصّه المتقدّم، داخلةً ضمن دائرة (المغزى)، كما هو الحال بالنسبة إلى أمور من قبيل: (استنطاق النص)، وتطبيق معناه على الظروف والشروط والموقعيّات الجديدة، حيث تدخل بأجمعها في نطاق (المغزى).

أمّا (المغزى) عند نصر حامد أبو زيد فهو ليس شيئاً مرتبطاً بالمعنى، بل هو الهدف والغاية من قراءة النصّ. وخلافاً لنظريّة هيرش القائلة باعتبار (المغزى) مسبوقاً بـ (المعنى)، وأنّه لا يمكن الوصول إلى المغزى إلاّ بعد الفراغ من تحديد وتعيين المعنى، يذهب نصر حامد أبو زيد إلى عدم الاعتراف بمثل هذه الأسبقيّة، فلا يؤمن بتقدُّم أو تأخُّر المغزى عن المعنى، ويقيم علاقة ديالكتيكيّة متبادلة بينهما، بل إنّه يرى حتى كشف (المعنى) حركة تبدأ من (المغزى)، حيث يقول: «يمثِّل اكتشاف الدلالة العودة والرجوع إلى الأصل، في حين يمثِّل الوصول إلى المغزى الهدف والغاية من فعل القراءة.. إنّ التأويل حركة متكرِّرة بين بُعدَيْ (الأصل) و(الغاية)، أو بين (الدلالة) و(المغزى)، حركة بندوليّة، وليست حركة في اتّجاهٍ واحد. إنّها حركة تبدأ من الواقع [المغزى لاكتشاف دلالة النصّ] الماضي، ثمّ تعود الدلالة لتأسيس المغزى، وتعديل نقطة البداية. وبدون هذه الحركة البندوليّة بين المغزى والدلالة يتبدّد كلاهما، وتتباعد القراءة عن أفق التأويل، لتقع في وهدة التلوين.. ومن الضروريّ هنا التأكيد أنّ المغزى الذي يمثِّل نقطة البدء في القراءة مغزىً افتراضيّ جنينيّ قابل للتعديل أو النفي أو الإثبات، طبقاً لما تنتجه القراءة من دلالةٍ»([32]).

إنّ المشكلة في المغزى الذي يريده نصر حامد أبو زيد تكمن في أنّه ينتهي إلى نوعٍ من التفسير السيّال والنسبيّ؛ لأنّه أوّلاً: يمنح للقارئ إذناً بتوسيع معنى النصّ، وتخليصه من الدلالة التاريخيّة، وتحريره من حصار الواقع الثقافيّ واللغويّ لعصر النزول أو تكوين النصّ.

وثانياً: يسمح له بتأويل تلك الدلالات اللغويّة القابلة للتأويل بما ينسجم والواقع الثقافيّ والاجتماعيّ للعصر الراهن، واللجوء إلى (قراءة عصريّة للنصّ)، يطلق عليها تسمية (مغزى النصّ).

وعليه فإن مغزى النصّ يتحوَّل ويتغيَّر بحسب القارئ وانتماءاته الثقافيّة والتاريخيّة، وبحسب التطوُّرات اللغويّة.

وفي هذا التقرير الذي يقدِّمه أبو زيد عن المغزى لا يمكن لنا أن ننسب ما يعتبر مغزى النصّ والغاية النهائيّة من القراءة إلى الله سبحانه وتعالى وصاحب النصّ الدينيّ بأيّ ميزان أو قبّان. علينا في مواجهة معنى النصّ أن نستنبط في الحدّ الأدنى الهدف النهائيّ للمتكلِّم من كلامه في الأجواء الدينيّة والمناخ الإيمانيّ، والحال أنّه طبقاً لتقرير نصر حامد أبو زيد لا يكون المغزى شيئاً آخر غير تأويل النصّ، وتطبيقه على الواقع الثقافيّ لعصر القرّاء المتعدِّدين والكثُر في مهد التحوُّلات والمتغيِّرات التاريخيّة. إنّ إصرار أبو زيد على وجوب تعاطي المغزى مع المعنى، وعدم الابتعاد كثيراً عن التأويل الكاشف عن المغزى من المعنى الأصليّ والتاريخيّ، لا يحلّ مشكلة الانتساب، ولا يُثبت الوجه الذي يمكن من خلاله نسبة هذا المغزى إلى الله سبحانه وتعالى.

د ـ إنّ من الأمور التي تدعو إلى العجب في كلام نصر حامد أبو زيد تأكيده على عدم الوجود الخارجيّ والحقيقيّ لأمورٍ من قبيل: السحر والجِنّ والشياطين والحسد والتعويذات وما إلى ذلك، ممّا ورد في القرآن الكريم. وإنّ هذه الأمور ـ من وجهة نظره ـ لم تذكر في القرآن إلاّ لكونها من الأمور التي كانت تشكِّل جزءاً من معتقدات الناس في عصر الرسول الأكرم|. ومن هنا فإنّه يحكم على جميع الآيات الدالّة على هذه الأمور بأنّها تنتمي إلى الشواهد التاريخيّة، وتكون جزءاً من الماضي، ولن يكون فيها أيّ مضمون ينفع الإنسان المعاصر البعيد كلّ البعد عن هذه الأمور الخياليّة، ولا يمكن توظيف هذا النوع من النصوص الدينيّة في عمليّة التأويل المجازيّ للوصول إلى المغزى([33]).

إنّ هذا الكلام باطلٌ وغير منطقيّ من جهتين:

الأولى: إنّه لم يقدّم أيّ دليل على عدم واقعيّة هذه الأمور. وإذا صار البناء على عدم الاعتقاد بوجود كلّ ما لا يخضع للتجربة والإحساس؛ اعتماداً على غلبة التجربة، وانطلاقاً من الإيمان بالفلسفة الوضعيّة، كان هناك متَّسعٌ كبيرٌ لعدم الإيمان بأكثر من هذه الأمور التي لا يمكن مشاهدتها بالعين؛ لكونها وجودات غير مادّيّة، من قبيل: الله والملائكة، وصولاً إلى الجنّة والجحيم والمعاد، ومطلق (الغيب) في قبال (الشهادة)، وبذلك يتعيّن على أمثال نصر حامد أبو زيد إنكار هذه الأمور بأجمعها. مضافاً إلى أنّ الحِسّ والتجربة والمعطيات العلميّة المستندة إليها لا تحتكر لنفسها حقّ امتلاك (لسان الحصر)، ولا يمكنها أن تنفي الوجودات والروابط الحقيقيّة الكامنة وراء نطاق التجربة. ومن هنا فإنّ كشف الروابط التجريبيّة بين الظواهر المادّيّة لا يمكنه أن ينفي تأثير العناصر غير المادّيّة، من قبيل: الدعاء والمعجزة والإرادة الإلهيّة، على حوادث العالم المادّيّ.

الثانية: إنّه لا اعتقاد جماعة من الناس، ولا تغيُّر هذه المعتقدات من قبل جماعة أخرى، يمكن أن يعتبر ميزاناً ومعياراً لإثبات وجود شيء أو عدم وجوده. فلا إيمان الماضين بأمورٍ غير محسوسة، من قبيل: الجِنّ أو الشياطين، يشكِّل دليلاً وشاهداً على وجود هذه الأمور، ولا إنكار شريحة كبيرة من الغربيّين المعاصرين لهذه الأمور يشكِّل دليلاً منطقيّاً على عدم وجود هذه الأمور. وعليه من العجيب أن يجزم نصر حامد أبو زيد ـ وبشكلٍ غير منطقيّ ـ بعدم وجود هذه الحقائق، رغم صريح كلّ هذه الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة وغير النبويّة بوجودها. وكأنّه غفل عن حقيقة أنّ المجتمع المشرِك الذي كان يعيش في الحجاز، وفي عصر نزول القرآن، كان مسبوقاً بأديان توحيديّة وإبراهيميّة، وأنّ جملةً من اعتقادات الناس آنذاك كانت تعود بجذورها إلى تلك الرواسب الإلهيّة والتوحيديّة. كما صرّح الكثير بأنّ هناك مفاهيم رئيسة في النصّ السماويّ كانت معهودةً عند العرب في أيّام الجاهليّة وعصر النزول، من قبيل: الله والنبيّ والقيامة والجنّة والجحيم والملائكة والجِنّ والشفاعة والتقوى والكرامة والكفر والإسلام والإيمان والوحي والغيب والدنيا والآخرة ويوم الحساب، وحتّى بعض مفردات الفقه الإسلاميّ([34]). وهذا لا يعني أنّ القرآن في ذلك كان متأثِّراً بثقافة عصره، بل يعود سببه ـ بالأحرى ـ إلى تجذُّر الأديان التوحيديّة في تلك الأرض، وإنّ القرآن قد نزل في سياق استمرار سلسلة النبوّات والأديان التوحيديّة السابقة.

هـ ـ تشتمل بعض عبارات نصر حامد أبو زيد على تصويرٍ خاطئ عن نتائج الاعتقاد بسماويّة النصّ الدينيّ وعدم بشريّته. ومن باب المثال: انظر إلى قوله: «إنّ القول بإلهيّة النصوص، والإصرار على طبيعتها الإلهيّة تلك، يستلزم أنّ البشر عاجزون بمناهجهم عن فهمها، ما لم تتدخّل العناية الإلهيّة بوهب بعض البشر طاقات خاصّة تمكِّنهم من الفهم. وهذا بالضبط ما يقوله المتصوِّفة. وهكذا تتحوَّل النصوص الدينيّة إلى نصوصٍ مستغلقة على فهم الإنسان العاديّ ـ مقصد الوحي وغايته ـ، وتصبح شفرة إلهيّة لا تحلّها إلاّ قوّة إلهيّة خاصّة. وهكذا يبدو وكأنّ الله يكلِّم نفسه، ويناجي ذاته، وتنتفي عن النصوص الدينيّة صفات (الرسالة) و(البلاغ) و(الهداية) و(النور)»([35]).

لا يخفى على المطَّلعين على أبحاث العرفاء وعلماء الإسلام البارزين أنّهم لا يقولون أبداً بعدم إمكان التوصُّل المتعارف إلى ظواهر القرآن، وعدم إمكان فهمه للعاديّين من الناس؛ بسبب القول بسماويّة القرآن، واشتماله على حقائق عالية سابقة، وتنزُّل تلك الحقيقة القرآنيّة من المراتب الوجوديّة العالية، واشتمالها على البطون. بل إنّ ما يؤكِّدون عليه هو استحالة أن يبلغ الاعتياديّون والمتعارفون من الناس فهم الحقائق الباطنيّة والمراتب الفوقانيّة لحقيقة القرآن. ومن باب المثال: نجد العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي ـ وهو من العرفاء الاتقياء الذين يقولون بوجود حقائق باطنيّة للقرآن ـ يقول: «إنّ القرآن ممّا يناله الفهم العاديّ»([36])؛ و«إنّ القرآن يذكر صراحة أنّه إنّما يخاطب الناس ويكلّمهم ببيان يقرب من أفق عقولهم»([37]).

وفي الختام نذكِّر بأنّ تقرير نصر حامد أبو زيد ليس هو وحده التقرير الممكن لبيان (تاريخيّة النصّ). كما أنّ ما قيل في نقده ليس هو النقد الوحيد الذي يمكن توجيهه إلى نظريّة نصر حامد أبو زيد؛ فقد أعرضنا عن بعض ما يستحقّ النقد في كلماته حول (تاريخيّة القرآن)؛ رعايةً للاختصار، على أمل أن تكون هناك كفايةٌ في ما قيل.

 

الاستنتاج ــــــ

ليس هناك نصٌّ يولَد من الفراغ. فهو لا محالة ناظرٌ ـ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ـ إلى الواقع االثقافيّ والاجتماعيّ لعصره.

إنّ تأثير الواقع الثقافيّ لعصر ظهور النصّ على محتوى النصّ يمكن أن يأتي من طريق اللغة (توفّر بعض العناصر الثقافيّة في النسيج اللغويّ)، كما يتأتّى من طريق تأثُّر المعتقدات والاتّجاهات التي ينتمي إليها المؤلِّف بالمقتضيات الثقافيّة والاجتماعيّة لعصره.

وتَرِدُ هذه المسألة في شأن النصّ السماويّ أيضاً؛ إذ إنّه ناظرٌ بوجهٍ من الوجوه إلى أحداث عصر النزول وواقع هذا العصر ثقافيّاً واجتماعيّاً؛ حيث إنّه نزل لغاية هداية المخاطَبين وإرشادهم وتربيتهم، وعليه لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ في محاورته المخاطَبين وهدايتهم. إلاّ أنّ هذا الارتباط والاهتمام بمسائل عصر النزول لا يعني تحوُّل القرآن الكريم إلى مجرد (نتاج ثقافيّ) أو (نصّ تاريخيّ)، بحيث يُحشر في نطاق ذلك العصر الضيِّق والحقبة الزمنيّة المحدودة، دون أن تكون فيه منفعةٌ للأجيال والعصور الأخرى، أو أن يشتمل على مسائل باطلة وغير صائبة، ناتجة عن الجهل والتخلُّف الثقافيّ الذي كان مهيمناً على تلك الحقبة التاريخيّة.

لقد ذهب نصر حامد أبو زيد من خلال تفسيره الخاطئ لـ (تاريخيّة النصّ السماويّ) إلى اعتبار القرآن (نتاجاً ثقافيّاً) لعصر النزول، مرتِّباً على ذلك المحذورَيْن الآنفَيْن، اللذَيْن مرّ نقدهما بالتفصيل في طيّات هذه المقالة.

إنّ القرآن الكريم، رغم اهتمامه بمسائل وأحداث العصر النبويّ، لم يكن متأثِّراً بالعناصر الباطلة الموجودة في الثقافة والمجتمع الجاهليّ، بل سعى إلى التعاطي معه من خلال التوجُّه الإصلاحيّ، والعمل على مواجهة ما فيه من الأباطيل.

 

الهوامش

___________________

(*) باحثٌ وأستاذ في الحوزة والجامعة، متخصص في مجال الدراسات الهرمنوطيقية، رئيس كلية الفقه في دفتر تبليغات إسلامي، له مؤلّفات عدّة.

([1]) يمكن لنا الإشارة من باب المثال إلى جوهان جوستاف درويسن (Johann Gustav Droyesen 1808  ـ 1884). حيث ذهب في مقالته (كانْت والمنهج)، التي كتبها عام 1867م، إلى استحالة تقديم تفسير وفهم حقيقيّ في كافة العلوم التاريخيّة، القائمة على فهم وتفسير الوثائق والحوادث والنصوص. ومن خلال الفصل بين العلوم التجريبية والعلوم التاريخيّة ـ بالالتفات إلى روح الفلسفة الوضعيّة التي كانت مهيمنة على ذلك العصر ـ آمن بالنـزعة الحقيقيّة في العلوم التجريبيّة، أمّا في ما يتعلق بالعلوم التاريخيّة فذهب إلى القول بأنّها من الأمور التي تفهم من خلال التحقيق.

Gorndin Jean, Introduction to Philosophical Hermeneutics, Yale university press 1999, PP. 80 ـ 84.

)[2]) Gdamer Hans, Truth and Method, Caoninuum, P. 302.

)[3]) Ibid, P. 306.

([4]) لقد صرّح غادامر في الصفحة 309 من كتاب (الحقيقة والمنهج) باتّصاف جميع العلوم الإنسانيّة بالتاريخيّة، ويرجع سرّ ذلك إلى البحث في تاريخيّة الموقع الهرمنوطيقي للعلماء والمفكِّرين. ومن وجهة نظره قد بقيت هذه النقطة حبيسة الهرمنوطيقا الرومنطيقيّة في القرن التاسع عشر. ومن هنا كان هؤلاء ينشدون الفهم العينيّ الذي يتجاوز التاريخ في ما يتعلَّق بالعلوم الإنسانيّة، وتهميش الأمور المرتبطة بالموقعيّة التاريخيّة والمسائل الخاصّة المتعلِّقة بالأفق المفهوميّ.

([5]) أحمد الواعظي، در آمدي بر هرمنوتيك: 175، ط5، قم، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، 1386هـ.ش؛ وكذلك: إيان باربر، علم ودين: 148 ـ 150، 460 ـ 465، ترجمة: بهاء الدين خرّمشاهي، طهران، مركز نشر دانشگاهي، 1362هـ.ش.

Osborne Grant, The Hermeneutical Spiral, Intervasity Press, 1991, P. 372.

([6]) كولن فارد، بست مدرنيسم: 267، ترجمة: علي مرشدي زاده، طهران، نشر قصيده سرا، 1384هـ.ش.

([7]) نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص: 10 ـ 12، ط2، بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، 1994م.

([8]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الدينيّ: 188 ـ 190، القاهرة، سيناء للنشر، 1992م؛ وكذلك: المركز الثقافيّ العربيّ، الدار البيضاء ـ بيروت، ط3، 2007م.

([9]) يقول نصر حامد أبو زيد في هذا الشأن: «إنّ هذا النصّ غير منفصل عن مجتمعه أو ثقافته، كما أنّه غير منفصل عن مستقبِل الوحي، الذي هو رسول الله، وهذا هو أساس وجوهر الكتاب: مسألة تاريخيّة وزمنيّة النصّ القرآنيّ، وارتباطه الوثيق بالثقافة التي ينتمي إليها. وبعد ذلك نصل إلى تأثير النص القرآنيّ في الثقافة. وبطبيعة الحال لم يكن بإمكان هذا النصّ أن يؤثِّر في الثقافات التالية… وبذلك نصل إلى حقيقة مفادها أنّ القرآن نتاجٌ ثقافيّ» (نصر حامد أبو زيد، معناي متن: پژوهشي در علوم قرآن: 505 ـ 506، ترجمة: مرتضى كريمي نيا، طهران، طرح نو، 1380هـ.ش.

([10]) نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ: 24.

([11]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الدينيّ: 82 ـ 83. وعلى الرغم من تأكيد نصر حامد أبو زيد على تاريخيّة النصّ القرآنيّ فإنّه لا يغفل عن تاريخيّة فهم القرآن، ومن هنا فإنّه يصف القرآن بالتحرُّك وعدم الثبات. وبعبارة أخرى: من وجهة نظره فإنّ القرآن بلحاظ إفاضة النصّ أمرٌ ثابت، وأمّا بلحاظ المفهوم فهو أمرٌ متغيِّر. وإنّ هذا التغيُّر من جهةٍ وليد تاريخيّة اللغة والمجتمع وامتزاج اللغة بالثقافة والمجتمع (تاريخيّة النص)، كما هو من جهةٍ أخرى رهنٌ ببشريّة تفسير القرآن. فما أن يتصدّى الإنسان ـ حتّى إذا كان نبيّاً ـ لتفسير القرآن فإنّ هذا يؤدّي إلى قابليّة الفهم والتفسير للتغيُّر. من هنا نجد نصر حامد أبو زيد يقول: «إنّ القرآن نصٌّ دينيّ ثابتٌ من حيث منطوقه، لكنّه من حيث يتعرّض له العقل الإنسانيّ ـ ويصبح (مفهوماً) ـ يفقد صفة الثبات، إنّه يتحرّك وتتعدَّد دلالته. إنّ الثبات من صفات المطلق والمقدّس، أمّا الإنسانيّ فهو نسبيّ متغيِّر، والقرآن نصٌّ مقدّس من ناحية منطوقه، لكنّه يصبح مفهوماً بالنسبيّ والمتغيِّر، أي من جهة الإنسان، ويتحوّل إلى نص إنسانيّ (يتأنسن)… النصّ منذ لحظة نزوله الأولى ـ أي مع قراءة النبيّ له لحظة الوحي ـ تحوّل من كونه (نصّاً إلهيّاً)، وصار فهماً (نصّاً إنسانيّاً)؛ لأنه تحوّل من التنـزيل إلى التأويل. إنّ فهم النبيّ للنصّ يمثِّل أولى مراحل حركة النصّ في تفاعله بالعقل البشريّ. ولا التفات لمزاعم الخطاب الدينيّ بمطابقة فهم الرسول للدلالة الذاتيّة للنصّ، على فرض وجود مثل هذه الدلالة الذاتيّة» (انظر: نقد الخطاب الدينيّ: 99 ـ 100، طبعة المركز الثقافيّ العربيّ، ط3).

([12]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الدينيّ: 189، القاهرة، سيناء للنشر، 1992م.

([13]) المصدر السابق: 114.

([14]) المصدر السابق: 217.

([15]) المصدر السابق: 220 (الهامش 142).

([16]) المصدر السابق: 193 ـ 194.

([17]) المصدر السابق: 198.

([18]) المصدر السابق: 207 ـ 208.

([19]) المصدر السابق: 113 ـ 114.

([20]) المصدر السابق: 115 ـ 118.

([21]) المصدر السابق: 189 ـ 190.

([22]) المصدر السابق: 83 ـ 84.

([23]) المصدر السابق: 98 ـ 99.

([24]) ليس المراد من التأويل المجازيّ هنا شيئاً آخر غير التوسُّع في مفهوم النصّ، بمعنى أننا بدلاً من التوقُّف عند المعنى الأصليّ والحقيقيّ للنصّ نجد متَّسعاً في تطبيق النصّ على الواقع الثقافيّ واللغويّ المعاصر ـ انطلاقاً من الواقعيّات الثقافيّة واللغويّة لعصر تشكُّل وتكوين النصّ ـ، فلا نحشر أنفسنا داخل المفهوم الأصليّ والحقيقيّ للنصّ. وبعبارة أخرى: إنّ المفهوم الأصليّ والحقيقيّ يكمن في البحث والتنقيب عن المعنى، وإنّ التأويل المجازيّ يرفض التصلُّب والجمود على دلالة اللغة التاريخيّة ـ التي هي انعكاس عن ثقافة ومعتقد عصرٍ بخصوصه ـ كما يرفض التصوير الأسطوريّ والأيديولوجيّ للنصّ الذي يسعى ـ من خلال الاستناد إلى بعض العقائد الميتافيزيقيّة والأيديولوجيّة ـ إلى تجاهل التحوُّل الذي يطرأ على الواقع والثقافة، ويواصل إصراره على المفهوم الأوّليّ والأصليّ للنصّ. كما أنّ التأويل المجازيّ ينسجم مع التأكيد على الفهم الظاهريّ واللفظيّ للنصّ أيضاً. ومن وجهة نظره فإنّ اعتراض القرآن على فهم اليهود الظاهريّ لآياتٍ، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ (المائدة: 12)، حيث قالوا؛ نتيجةً لفهمهم الظاهريّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ (آل عمران: 181)، شاهدٌ ودليلٌ على ضرورة قراءة وتأويل آيات القرآن تأويلاً مجازيّاً.

([25]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني: 203 ـ 204، القاهرة، سيناء للنشر، 1992م.

([26]) المصدر السابق: 205 ـ 207.

([27]) المصدر السابق: 98.

([28])  المصدر السابق: 198.

([29]) نصر حامد أبو زيد، معناي متن: 68.

([30]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني: 217، القاهرة، سيناء للنشر، 1992م.

([31]) المصدر السابق: 217.

([32]) المصدر السابق: 116.

([33]) المصدر السابق: 203 ـ 207.

([34]) السيد هداية الله جليلي، وحي در همزباني با بشر وهملساني با قوم، مجلّة كيان، العدد 23: 42، 1373هـ.ش

([35]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني: 179، القاهرة، سيناء للنشر، 1992م.

([36]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 20، قم، منشورات جامعة المدرِّسين في الحوزة العلميّة في قم، 1350هـ.

([37]) المصدر السابق 3: 292.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً