أحدث المقالات

ترجمة: مشتاق الحلو

أولى ملوك القاجار اهتماماً منقطع النظير بالطقوس والتقاليد والشعائر الدينية، ويعتقد بعض الباحثين أنّ الهدف من وراء ذلك كان تشبيه أنفسهم بملوك الصفوية؛ لإغفال الناس وانتهاز الفرص. في المقابل يرى آخرون أنّهم كانوا يتمتّعون بدرجة من القدرة السياسية والنفوذ الاجتماعي لممارسة الحكم، مما يغنيهم عن مثل هذه الأعمال، وأنّ اهتمامهم بهذه الطقوس نابعٌ من صدق إيمانهم واعتقادهم وخلوص نيتهم([1])، لكن مما لا شكّ فيه، أنّ تديّن القاجار لم يتجاوز الظاهر، وكانت الأبعاد العلمية والمعرفية للدين في عزلة عن مسرح الحياة في تلك الفترة.

لقد أدّت المبالغة في هذا الأمر إلى تشويه صورة الدين وطقوسه، بحيث اعتبر بعض الباحثين ملوك القاجار على مذهبٍ غير مذهب عامّة الناس؛ إذ كانت عقائدهم متأثرةً بشكل كبير بالنزعات الصوفية التي كانت تروّج في البلاط من قبل الوزيرين المهمّين لهذه السلالة: الميرزا آغاسي والميرزا آغا خان النوري، ومن أهم الأمور التي مهّدت لظهور هذا المذهب المستقل، ابتعاد ملوك القاجار عن العلماء، خاصة بعد الملك فتح علي شاه، أي بعد أن نالوا السلطة، ولم يعودوا يحتاجون للعلماء لإضفاء الشرعية على حكمهم([2])، فتمادوا في ذلك، حتى قاموا بتحديد العلماء وعملوا بخلاف رأيهم، ولم يخشوا أن يتهمهم أحدٌ بالخروج عن الدين([3])، وكمثال على ذلك، يمكننا ذكر تجاهلهم طلب جميع العلماء الحدّ من انتشار الصوفية والفرق القريبة منها في البلاد.

وبغض النظر عن دوافع القاجار من وراء الاهتمام بالمظاهر الدينية، سواء كانت عن إخلاص أو رياء، هناك نصوص كثيرة تذكر هذا الأمر، خاصة عن المتقدّمين منهم. أحد أهم هذه المظاهر، هو تقاليد إقامة المآتم على أهل البيت، فقد حظيت mالتشابيهn باهتمام أكبر من بينها، وكان الترويج لها أكبر ممّا سواها.

العزاء في عصر تأسيس الدولة القاجارية ـــــــ

ليس لدينا ما يؤكّد اهتمام آغا محمد خان ـ مؤسّس السلالة القاجارية ـ بإقامة العزاء، لكن نقل لنا التاريخ التزامه بالصلاة والصيام، وذهابه ماشياً على الأقدام لزيارة الإمام الرضا%، ومخالفته شرب الخمر وتعاطي المخدرات، وصنعه ضريحاً مذهّباً للإمام علي %، وأمور أخرى من هذا النوع([4])، وقد شهدت فتوى الميرزا القمّي المشهورة بحلية إقامة التشابيه، رواجاً واسعاً لها في هذه الفترة، خاصة مع العلاقة الوثيقة التي كانت تربط الميرزا بالملك القاجاري، لكنها لم تشمل سائر العلماء واختصّ بها الميرزا فقط([5])، وينقل التاريخ عن اهتمام الملك فتح علي شاه بالمظاهر الدينية، وخاصة إقامة المآتم، أكثر مما نقله عن آغا محمد خان؛ فمنذ اعتلائه العرش، اهتم بإعمار الأماكن الدينية وقبور الأئمة وأبنائهم وبناء المساجد والمدارس الدينية، كالمدرسة الفيضية في مدينة قم([6])، وكان يقيم المأتم الحسيني في بعض ليالي الجمعة، خاصة في شهر رمضان المبارك، وأشهر محرم وصفر، وكان يبكي فيها بشدة، وقد لقي المأتم الحسيني والتشبيه في عهده اهتماماً بالغاً، وأقيمت أول خيمة عزاء للحسين%([7])، أما إدارة مراسم التشابيه فكانت تحت إشراف شخص الملك وبعض أفراد أسرته([8]).

وتشير التقارير ومدوّنات الرحّالة، أنّ هذا التظاهر بالتديّن لم يتوقف على شخص الملك، بل شاركه فيه سائر رجال البلاط وأفراد الأسرة المالكة أيضاً؛ حيث كانوا يتسابقون للتظاهر بالتديّن والاهتمام بهذه الطقوس؛ فقد جاء في تقرير جيمز موريه في أسلوب المأتم الحسيني الذي كان يقيمه الملك وأهل البلاط، ما يلي: لم ينقطع بكاء الوزير، أمين الدولة، يضع يده على وجهه ويبكي بصوت عال لشدّة الحزن والألم، ويئنّ محمد حسين خان المروي بين حين وآخر. وقد رأيت بعضهم يبكي حقيقةً، وقطرات الدمع تنهمر على خدّيه، لكن أحسّ بأنّ حزن أكثرهم إمّا تمثيل، وإمّا ناشئ عن القصّة التراجيدية التي يشاهدونها، وتثير الحزن لديهم. لا يكفّ الملك عن البكاء طيلة المراسم، ويضطر خدمه إلى التشبّه به، أمّا عامة الناس فيزيدون من حدّة اللطم حين المرور بالغرفة التي نجلس نحن فيها([9]).

وقد خلقت هذه الالتزامات وجهاً مقبولاً للملك لدى العلماء والمراجع آنذاك([10])، ما أعانه كثيراً في حربه ضدّ الروس([11])، فقد كتب جهانكير ميرزا في تقريره عن حرب إيران والروس، ما يلي: في محرّم سنة 1242هـ، حيث كانت إيران تخوض المرحلة الثانية من الحروب، نصبت خيم العزاء في معسكرات منطقة القوقاز، وأقيمت المآتم فيها. كان الجندي الإيراني يتحمّس للقتال والتضحية إثر استذكاره ملحمة كربلاء. وما إن دخل شهر محرم، حتى نصبت خيم العزاء لإقامة المآتم على سيد الشهداء. وكان العلماء الأعلام والمجتهدون، كالملا محمد النراقي، والآخوند الملا محمد الدامغاني، يحرّضون الجيش على الجهاد، ويثيرون الحماس فيهم، بعد ذكر مصائب سيّد الشهداء. ومن ثمّ يمرّ جيش الإسلام في مجموعات من أمام عباس ميرزا، نائب السلطنة، ويبدي شوقه وحماسه للقتال.

علاقة السلطان القاجاري بالفقهاء والمتصوّفة ـــــــ

بشكل عام، كانت العلاقة وثيقةً تربط الملك فتح علي ببعض العلماء، كالميرزا القمي، خلافاً لآغا محمد خان، بحيث كان الملك يطيع أوامرهم، ويتبعهم تماماً([12])، فقد جاء في قصة حاج بابا الإصفهاني، في وصف علاقة الملك فتح علي بعلماء الدين، ما يلي: كانت سياسة الملك حفظ العلاقة الحسنة بعلماء الدين؛ إذ علم بتأثيرهم على أفكار عامّة الناس، فكانوا التحدّي الوحيد أمام سلطة الملك المطلقة؛ لذلك كان الملك يجلّ أبا القاسم [الميرزا القمي، المجتهد الأكبر في إيران] بزيارته مشياً، وبالاستماع إليه والجلوس إلى جنبه. وهذا فخرٌ نادراً ما يحصل عليه أحد، كما كان الملك يتردّد راجلاً طيلة فترة تواجده في قم، ويولي الفقراء اهتماماً كبيراً([13]).

ظهر الملك محمد القاجاري بمظهر المتنسّكين وأخلاق المتصوفة، وقد يكون هذا الأمر ناتجاً عن تأثره بوزيره المتصوّف الميرزا آغاسي؛ إذ كان محلّ اهتمام الملك، بحيث أعطاه لقب mقطب عالم الشريعة والطريقةn، وعدّ نفسه مريداً وتابعاً له. وقد أضعف ذلك ـ إلى جانب دفاع آغاسي الشديد عن المتصوفة ـ العلاقةَ بين الفقهاء والملك([14])، لكن على الرغم من ذلك وبسبب اعتقاد الملك ووزيره شاعت المآتم الحسينية، خاصة التشابيه، وإقامة خيم العزاء في عهدهم. ويعدّ تطوّر تدوين نصوص المسرحيات التي تروي واقعة كربلاء وتطوّر المواكب والمواعظ قبل المسرح، وتنافس أبناء العائلة المالكة والأعيان في إقامة خيم العزاء والمسرح.. من امتيازات هذا العهد([15]).

يقول أحد السوّاح الروس، في تقريره عن شهر محرم في طهران، في أول عام من حكم الملك محمد: تقام طقوس محرّم في طهران بأبّهة وجلال، تنصب في الأيام الأولى من محرم خيم سوداء مرتفعة، في نقاط مختلفة من المدينة. يعتلي الخطباء المنبر داخل هذه الخيم، ويأتون على ذكر المصائب التي حلّت في هذه الأيام بصوت مرتفع، ويبدو الحزن على وجوه الناس، ويشرعون بالبكاء والنحيب، كما يجتمع في الليل كثير من المعزين مرّةً أخرى في هذه الخيم، ويوقدون المشاعل، ويبكون لساعتين أو ثلاث أو حتى طوال الليل، يلطمون ويصرخون mيا حسينn. بل يشتدّ الحماس ببعضهم أحياناً حتى يجرح نفسه جروحاً عميقة بأدوات حادّة؛ ويتعالى الصراخ في شوارع طهران، بحيث يتصوّر الإنسان أنّ جيشاً هجم على المدينة، يقوم بذبح الناس([16]).

الشعائر في عصر ناصر الدين القاجاري ـــــــ

يجب الاعتراف بأنّ الملك ناصر الدين كان أكثر ملوك القاجار اهتماماً بالشعائر المذهبية الشيعية؛ فمثلاً، كان يهتم كثيراً بالتشابيه، لا سيما تشابيه أمير المؤمنين%، كما كان يتقيد بالصلاة، وينظم الشعر في مدح الأئمة، وقد اهتمّ بإعمار ضريح الإمام الحسين% في كربلاء، وزار العتبات المقدّسة عام 1288هـ([17])، ويقول السيد صالح الشهرستاني عن سفر الملك ناصر الدين إلى كربلاء: حين وقف الملك ناصر الدين إلى جانب ضريح الإمام الحسين% يزوره، ألقى أحد الخطباء محاضرةً مؤثرة حول مصائب الحسين، وقال في حديثه: mنادى الإمام الحسين% في أشدّ ساعات يوم عاشوراء: هل من ناصر ينصرني؟n. ثمّ قال: mأتى ناصرك، وهو واقف في حضرتك لنصرتكn؛ فضجّ الناس بالبكاء، وكان الملك ناصر الدين أشدّهم بكاءً، حتى نزع التاج وألقاه أمام الضريح؛ لشدة تأثره بالموقف([18]). ولأوّل مرة، يصبح كل من يوم ميلاد الإمام علي% والإمام المهدي من الأعياد الرسمية التي تحتفل بها الحكومة في ذلك العهد.

لكن لم تلق بعض نشاطات الملك ناصر الدين الدينية قبول العلماء، كنظم الشعر في مدح الأئمة% ونسبته إليه([19])، ويشير البروفيسور حامد الغار إلى وجود فوارق بين نمط تديّن الملك فتح علي والملك ناصر الدين ـ بوصفهما المثالين البارزين للتديّن القاجاري ـ فيقول: وإن لم يخل تديّن الملك فتح علي من الشوائب السياسية، لكن يبدو أنّه عارٍ من الرياء. على الرغم من ذلك، لم يحظ تديّنه بالقبول من قبيل تديّن العلماء، ومن الطبيعي أن لا يحظى تدين الملك ناصر الدين الذي كان مصحوباً بالعمليات الاستعراضية، واختلف عن التديّن المقبول لدى عامة الناس بنفس الدرجة من الرضى، سعى الملك فتح علي بطاعته للعلماء أن يلبس رداء قداستهم، فيما سعى الملك ناصر الدين لتأسيس نمطه الخاص في التدين مستقلاً عن الآخرين([20]).

وأهم ما يميّز هذا العصر رواجُ المآتم الحسينية، وخاصة التشابيه والتمثيل، بشكل لا نظير له([21])، ويشير عبد الله المستوفي إلى كثرة هذه المآتم، في تقريره عن الوضع العام في تلك الفترة، قائلاً: كان يقام في مدينة طهران ما بين مائتين إلى ثلاثمائة مأتم، خلال العشرة الأولى من محرم، سواء المجالس التي يقيمها الأشراف أو عامة الناس([22])، ومن الواضح أنّ هذا الأمر ما كان ليتحقق لولا مساعدة الحكومة، وأهم عمل قام به الملك ناصر الدين لدعم هذا الأمر هو بناء mخيمة عزاء الدولةn؛ فكانت فاخرةً لا نظير لها، وقد خطرت له هذه الفكرة بعد سفره إلى أوروبا، وقد كانت خيمة عزاء كبيرة موجودة في طهران منذ عام 1849م، لكنها لم تحظ بقبول الملك؛ لذلك أمر ببناء خيمة عزاء جديدة على غرار mقاعة ألبرت هال الملكيةn Royalbal Albert Hall في لندن، بعد سفره إلى بريطانيا عام 1873م. كما أمر ببناء خيمة عزاء في ضواحي نياوران عام 1856م/1273هـ، لكي يتمكّن من رؤية التشابيه في عاشوراء إن كان في عام من الأعوام خارج طهران([23])، ويقول كارلا سرنا عن سبب بناء mخيمة عزاء الدولةn: قبل سفر الملك إلى أوروبا، كانت التشابيه تقام في القصر الملكي وتحت الخيمة. وفي محرم سنة 1218هـ/1846م، سقطت إحدى الخيام إثر عاصفة شديدة، وأيّة حادثة سيئة في هذا الشهر، كانت تعدّ من علائم غضب الرب.. فبنى الملك ناصر الدين بعد عودته من أوروبا خيمةَ عزاء بأسلوب حديث إلى جانب القصر الملكي([24]).

جاء في تقرير جيمز ويلز، عن مقدمات إعداد مسرحية عن واقعة كربلاء، ويبدو أنّها كانت في خيمة عزاء الدولة: بعد أن تُعدّ جميع لوازم المسرح، يأمر من يسمّونه mنواب والاn بفتح الأبواب، وإدخال النساء.. وما إن تفتح الأبواب حتى تهرع النساء بالدخول، ويسعين للحصول على أفضل مكان للجلوس، فنساء الأشراف كنّ يبعثن بخادماتهنّ ومعهن ما يفترشنه؛ كي يهيئنّ لهنّ المكان في خيمة العزاء عند وصولهن، وكثيراً ما يحصل تدافع وشجار حين دخول النساء، لكنه لا يدوم طويلاً، حيث يُسكت الخدام المنظمون جميع الحضور بعصيّهم، ويصل عدد النساء إلى خمسة أو ستة آلاف. وبعد عدّة دقائق، يفتح الباب الثاني ويدخل الرجال بضجيجهم، ويصطفون في الجانب الأيمن من خيمة العزاء مقابلَ المنصّة، ثم يعلن صوتُ المدفع دخولَ الخطباء والنعاة إلى المجلس، فيعتلي أحدهم المنبر ويجلس عليه بوقار وأدب، ويجلس الآخرون إمّا على الدرجات السفلية للمنبر أو حوله، ثمّ ينصت الحضور للخطيب، فيبدأ بصوت معتدل قائلاً: mبسم الله الرحمن الرحيمn، وبعد الحمد والثناء لله تعالى، يقرأ موجزاً من المصائب التي حلّت بالإمام الحسين، وما إن يذكره بالاسم حتى تعلو أصوات الحضور بالبكاء والعويل، ويصرخ بعضهم: mيا حسين! تعتصر قلوبنا ألماً على مصابكn، ثم يصرخ الخطيب بأعلى صوته: mحسن حسين ـ حسن حسينn، ويلطم بقوّة على صدره العاري، فيقلّده الرجال من دون تأنٍّ، ويصرخون بصوتٍ واحد: mحسن حسينn. ويؤدّي هذا الضجيج إلى انفعال المستمعين فيبكون بشدّة، وبعد بكاء طويل، ينزل الخطيب ويذهب لشأنه، ثم تدخل فرقة عزف الأمير mنواب بالاn..

وبعد الانتهاء من العزف، تدخل عدّة فرق بالترتيب التالي: الفرقة الأولى مجموعة من السقاة، يحمل كل واحد منهم قربةً على كتفه. يصرخ بعضهم ويقول ما يثير شجون الحضور، حين سير هؤلاء بين الحضور من الرجال والنساء، قائلاً: mإنّ الحسين مات من أجل قطرة ماءn. ويقول الآخر: mيا حبيبي! يا حسين!n. وبعد السقاة، تدخل فرقة الدراويش يضربون على ظهورهم وأكتافهم العارية بسلاسل من حديد ويردّدون: mحسن حسينn. ثم يأتي دور مجموعة مختارة، نذرت سفك دمها في مأتم الحسين، وترتدي ثياباً بيضاء، كالشهداء الذين يلبسون الكفن في ساعة الحرب، ويضربون رؤوسهم وجباههم بالسيوف، فتسيل دماؤهم، وتثير أحاسيس خاصة حين تلوّث ثيابهم البيضاء، ويكثر بعض المتعصّبين من الضرب بالسيف على رأسه حتى يقع على الأرض مغشياً عليه من شدّة النـزف، فيثير بذلك حزن الحاضرين ويزيد بكاءهم، وبعد خروج هذه المجموعات، تدخل فرقة عزف نواب بالا، وتشرع بالعزف بقوة، ثم يدخل الممثلون إلى خيمة العزاء..([25]).

الصراع في العهد الناصري بين المراثي والمسرح الحسيني ـــــــ

جاء في تقرير بنيامين عن التشابيه في العهد الناصري: تقام التشابيه في كافة أنحاء إيران بشكل مختصر أو مفصّل، وأهمّها ما يقيمه البلاط الملكي ويحضره الملك.. وتقام هذه التشابيه في خيمة عزاء الدولة، ولا يسمح عادةً للأجانب بحضورها([26])، ويقول يعقوب إدفارد بولاك، طبيب الملك ناصر الدين، عن رواج التشابيه في العهد الناصري: راجت التشابيه بشكل لا يمكن لأحد من الأعيان التغاضي عنه، على الرغم من تكاليفها الباهظة؛ إذ عليهم القيام بضيافة الحضور بالشراب طوال فترة المسرحيّة، وبعشاء ملكي بعد المسرح، أضف لذلك أجور الممثلين، وبما أن جميع الأعمال متوقفة طوال شهري محرم وصفر، والدخل معلّق، تؤدي إقامة هذه المراسم إلى تخريب بيوت كثيرة، ووقوع عوائل في الدَّين([27])، وقد لعب تأسيس خيمة عزاء الدولة، مع ما كان يوليها الملك من اهتمام، دوراً مهماً في إشاعة التشابيه في ذلك الوقت، وأدى رواج هذا التقليد إلى انحسار الأنموذج القديم، أي مجالس النعي والرثاء، وتعدّدت الأسباب في تفوّق التشابيه على المآتم القديمة، لكن أهمّها طبيعة التشابيه المسرحية، التي جذبت الناس إليها وسايرت ذوقهم السطحي. وترجيح التشابيه على المجالس من قبل عامة الناس أدى ـ أيضاً ـ إلى تزلزل أركان المراثي، وضعف محتوى المآتم الحسينية؛ إذ طغى الإطار التمثيلي للتشابيه على محتواها وهو تبيين مصائب أهل البيت؛ وكانت هذه نتيجة طبيعية لحالة الرياء والمباهاة التي كانت طاغيةً على توجّه الملك والبلاط؛ فتهيأ مناخٌ مناسب لظهور رؤى سطحية ومادية وخرافية بمرور الأيام، خاصّة وأنّ هناك فارقاً جوهريّاً بين التشابيه والمراثي؛ وهو أنّ الغلبة في مجالس الرثاء للخطيب ومقاليد الأمور بيد العلماء؛ أمّا التشابيه فليس لهذا الفريق فيها موقعٌ أو دور بل الأمر بيد عامّة الناس؛ وهذا هو السرّ في مخالفة العلماء والمتديّنين لها، أو عدم اهتمامهم بها ولا دعمهم لها، بل قد أعلنوا مخالفتهم لها كلّما وجدوا مجالاً لذلك، وقد نسب بعضهم مخالفة العلماء إلى حسدهم لممثلي المسرح؛ لتفوّقهم عليهم في التأثير على الناس([28]).

انحصرت مخالفة العلماء والفقهاء ـ حسب الظاهر ـ بأمور كحرمة تشبيه المعصومين وحرمة تشبّه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، ويقول الدكتور ادوارد بولاك في رحلته: mلا يجيز المؤمنون المتعصّبون المسرح [التشابيه]، ويعدّونه اعتداءً على الأئمة، ومن أنماط الوثنيةn([29])، لكنّ هاجسهم الحقيقي كان مواجهة إشاعة الخرافات، وانحسار حضورهم الاجتماعي وصعود نجم الملك. وقد خالف هذه الطقوس، إضافةً للعلماء والمتدينين، بعض المصلحين داخل جهاز الحكم أيضاً، ويمكننا ذكر mأمير كبيرn، رئيس الوزراء القاجاري، مثالاً على ذلك؛ فقد سعى جاهداً للقضاء على التشابيه، وحث العلماء على دعمه وحصل على إجازة من إمام جمعة طهران آنذاك، لكن كان نفوذ هذه الطقوس في حياة الناس أقوى من أن تؤثر عليها جهود أمير كبير أو مخالفة العلماء؛ فأصبحت مجالس الرثاء والمآتم ـ التي كانت لا تزال طاقةً بيد العلماء لتحريك عواطف الناس الدينية ـ لا تحظى بالتوجه والاهتمام كالتشابيه([30]).

وتجدر الإشارة إلى أنّ موقف العلماء لم يكن موحّداً إزاء التشابيه؛ فلم يرفضها جميعهم. بل رجّح بعضهم ـ كالشيخ جعفر مجتهد الشوشتري ـ إجراء تعديلات مصداقية عليها، لما كانت تتمتع به هذه الطقوس من محبوبية لدى الحكومة، ويقول اعتماد السلطنة في كتاب المآثر والآثار حول التعديلات التي تصدّى لها: رأى في المنام ما يدلّ على كذب هذه القصة [عرس القاسم بن الحسن%]؛ فكتب إلى الملك شارحاً له الأمر، وبعد المفاوضات، منع حفل عرس القاسم في التشابيه([31])، وقد أيّد بعض العلماء هذه الطقوس، أو أوحى بتأييده من خلال سكوته، كما عدل بعض المخالفين عن رأيهم بمرور الأيام، منهم المرجع الشيعي الكبير الميرزا محمد حسين النائيني؛ إذ أعلن في فتواه المشهورة المؤرّخة m5 ربيع الأول، عام 1345هـn، أنّه عدل عن رأيه في تقييد الحكم بجواز لبس ثياب الجنس الآخر؛ لذلك لا يرى إشكالاً في mالتشبيه والتمثيل الرائج في المآتم الشيعيةn، وفي ما يلي نص فتواه حول إقامة المآتم:

نص فتوى الميرزا النائيني في مظاهر العزاء الحسيني ـــــــ

«بسم الله الرحمن الرحيم

إلى البصرة وما والاها، بعد السلام على إخواننا الأماجد العظام، أهالي القطر البصري، ورحمة الله وبركاته.

قد تواردت علينا في (الكرّادة الشرقية)، برقيّاتكم وكتبكم المتضمّنة للسؤال عن حكم المواكب العزائية وما يتعلّق بها؛ إذ رجعنا بحمده سبحانه إلى النجف الأشرف سالمين، فها نحن نحرّر الجواب عن تلك السؤالات، ببيان مسائل:

الأولى: خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرق والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه، وكونه من أظهر مصاديق ما يقام به عزاء المظلوم، وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد. لكن اللازم تنزيه هذا الشعار العظيم عما لا يليق بعبادة مثله من غناء أو استعمال آلات اللهو، والتدافع في التقدّم والتأخر بين أهل محلّتين، ونحو ذلك. ولو اتفق شيء من ذلك، فذلك الحرام الواقع في البين هو المحرّم، ولا تسري حرمته إلى الموكب العزائي، ويكون كالنظر إلى الأجنبية حال الصلاة في عدم بطلانها.

الثانية: لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحدّ المذكور، بل وإن تأدى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى. وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات، فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً، وكان من مجرّد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها، ولا يتعقّب عادةً بخروج ما يضرّ خروجه من الدم، ونحو ذلك، كما يعرفه المتدرّبون العارفون بكيفية الضرب، ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة، ولكن اتفق خروج الدم قدر ما يضرّ خروجه، ثم يكون ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام آمناً من ضرره، ثم تبيّن ضرره منه. لكن الأولى ـ بل الأحوط ـ أن لا يقتحمه غير العارفين المتدرّبين، ولا سيما الشبّان الذين لا يبالون بما يوردون على أنفسهم لعظم المصيبة وامتلاء قلوبهم من المحبّة الحسينية، ثبّتهم الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

الثالثة: الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون، وإن تضمّنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى؛ فإنّا وإن كنا مستشكلين سابقاً في جوازه وقيّدنا جواز التمثيل في الفتوى الصادرة منّا قبل أربع سنوات، لكنا لمّا راجعنا المسألة ثانياً اتضح عندنا أنّ المحرم من تشبيه الرجل بالمرأة هو ما كان خروجاً عن زيّ الرجال رأساً، وأخذاً بزيّ النساء، دونما إذا تلبّس بملابسها مقداراً من الزمان بلا تبديلٍ لزيّه، كما هو الحال في هذه التشبيهات. وقد استدركنا ذلك أخيراً في حواشينا على العروة الوثقى. نعم يلزم تنزيهها أيضاً عن المحرّمات الشرعية، وإن كانت على فرض وقوعها لا تسري حرمتها إلى التشبيه، كما تقدم.

الرابعة: الدمّام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقّق لنا إلى الآن حقيقته؛ فإن كان مورد استعماله هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع وتنبيه الراكب على الركوب وفي الهوسات العربية ونحو ذلك، ولا يستعمل فيما يطلب فيه اللهو والسرور، كما هو المعروف عندنا في النجف الأشرف، فالظاهر جوازه، والله العالم.

5 ربيع الأول، سنة 1345هـ.

حرّره الأحقر محمد حسين الغروي النائيني([32])»

لم تنحصر إقامة التشابيه على أيام الحداد، بل كانت تقام تشابيه الفرح والسرور أيضاً في ذكرى مولد الرسول2، والأئمة الأطهار^([33])، وقد شاعت هذه الطقوس بين الناس ونفذت في أعماقهم إلى حدّ كانوا ينذرون إقامتها لقضاء حوائجهم([34])، أو يقيمونها تعبيراً عن شكرهم لعودتهم سالمين من السفر، أو استعادتهم صحّتهم، أو العودة من الزيارة، حتى ـ كما ينقل أحمد كسروي في تاريخ الحركة الدستورية الإيرانية ـ أقاموا تشابيه الفرح، كعرس القاسم، في أعراسهم([35])؛ فكانت حاضرةً في حياتهم على مدار السنة.

رواج التطبير في العهد الناصري القاجاري ـــــــ

ومما امتازت به طقوس المأتم في هذه الفترة، رواج التطبير والضرب بالموسى، وإن كانت هذه التقاليد رائجةً منذ سنين، لكنّها اتسعت وشاعت في هذه الفترة بشكل غير مسبوق. وهناك ثلاثة آراء حول جذور هذه التقاليد؛ فيرى جماعة ـ منهم الدكتور علي شريعتي ـ أنّها وما شابهها من تقاليد كتعليق الأقفال بالجسم، والضرب بالسلاسل، وحتى التشابيه، اقتبسها ملوك الصفوية من الطقوس المسيحية التي كانت تقام باسم mمصائب المسيحn في ذكرى استشهاده، فكانوا يمثلون المصائب والمحن التي حلّت به وبالحواريين في قالب مسرحيات، ولازالت هذه الطقوس تقام سنوياً في mاللوردn([36])، ويعتقد آخرون بأنّ العرب أدخلوها على المآتم، فهي تشبه تقاليدهم من حيث شكلها وإطارها، فيما ترى جماعة ثالثة أنها انتقلت من أتراك آذربايجان إلى الفرس والعرب، لاسيما التطبير والضرب بالموسى. وعبد الله المستوفي من الجماعة الأخيرة حيث يرى أنّ المؤسس الأصلي هو الفاضل الدربندي.

يقول المستوفي عن رواج التطبير والضرب بالموسى في العهد الناصري: الضرب بالموسى من الأعمال التي أدخلها هذا الملا [الفاضل الدربندي] في طقوس عاشوراء، أو على الأقل روّج لها، وصوّر هذا الفعل الحرام موجباً للثواب، وتقبّل ذلك الأتراك الجهلة، وأصبحت هذه المخالفة الصريحة للشرع من تقاليد المأتم الحسيني ومن الأعمال المثاب عليها. أما ردّات شاحسين [الملك حسين]، واحسين، واحيدر! صفدر! قبل التطبير، فردّات تركية، يعتقد بها الأتراك ويردّدونها، وإن شاركهم في ذلك بعض أهل العراق، فليسوا بالحسبان من حيث العدد([37]).

ويروي بنيامين عن التطبير في العهد الناصري ما يلي: كنتُ مقيماً في طهران عام 1884م، وكانت مجموعات تجوب الشوارع وتبدي انفعالات شديدة وغير مسبوقة.. وفي هذه الأثناء، ظهر جماعة يرتدون ثياباً بيضاء، وقامات (سيوف) في أيديهم؛ فإذا بهم يرفعونها بحماس ويضربون بها رؤوسهم، فتسيل الدماء من رؤوسهم ومن تحت القامات، وتصبغهم باللون الأحمر. ما أبشعه من منظر! لا يمكنني نسيانه أبداً، يغمى أحياناً على من يلطمون بحماس، أو ينزفون بشدة فيقعون أرضاً، وقد يموتون إن لم يسعفهم أحد([38]).

وقوع الانقسام الشيعي في قضية التطبير وأمثاله ـــــــ

اختلف العلماء حول الضرب بالقامات والموسى، كما في التشابيه؛ فعدّ المدافعون ذلك شكلاً من انفعال محبّي أهل البيت حين سماعهم المصائب التي حلّت بهم، ويذكرون قصّة السيدة زينب حين رأت الرؤوس على الرماح، فضربت رأسها بالمحمل، وجرت دماؤها، ساعين بذلك لإضفاء الشرعية على هذا التقليد المبتدع، ناظمين في مضمونه أشعاراً. في المقابل، استند المخالفون إلى قاعدة mلا ضرر ولا ضرارn، وعدّوا ذلك بدعةً خطيرة لما تحمله من ضرر بالنفس. وقد ظهر هذا الاختلاف بين علماء الشيعة أيضاً؛ إذ ألّف السيد محسن الأمين العاملي كتاباً تحت عنوان: رسالة التنزيه في أعمال الشبيه حول حرمة هذا العمل، وكونه mمرضياً للشيطانn. بعد فترة، أفتى السيد أبو الحسن الإصفهاني ـ أحد مراجع الشيعة ـ بحرمة التطبير وإيذاء النفس في المآتم الحسينية ليدعم بهذه الفتوى كتابَ محسن الأمين.

في المقابل، أجاز الميرزا النائيني التطبير في الفقرة الثانية من فتواه المشهورة، كما كتب الميرزا هادي الخراساني الحائري رسالةً في تأييده عام 1348هـ، وذلك بعد ثلاث سنوات من فتوى النائيني، وأسماها mرسالة شريفة ومقالة منيفة في جواز التشابيه وضرب القامات والطبول في عزاء سيّد الشهداءn([39])، وفيما يلي نصّ فتوى السيد أبي الحسن الإصفهاني في حرمة التطبير: «إنّ استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم في مواكب العزاء بيوم عاشوراء، إنما هو محرم وهو غير شرعي»([40]).

انتهت هذه الخلافات إلى ما انتهت إليه التشابيه؛ إذ حصل التطبير وما شابهه من تقاليد على إقبال عامة الناس، وأصبح جزءاً لا يتجزء من مظاهر التديّن المتعصّب؛ فلم تحقّق مخالفة العلماء أيّ نتائج، بل ظهرت جبهة بين الناس لمواجهة العلماء المخالفين، وضاقت بهم السبل، حتى أصبح الناس يقولون بعد شرب الماء في هذه المراسم: mإشرب الماء والعن الأمين [السيد محسن الأمين]n([41])؛ فأصبحت فتوى الميرزا النائيني ذريعةً لعزل من خالف التطبير من العلماء.

وفيما يلي مقاطع من رسالة الميرزا هادي الحائري الخراساني في تأييد التطبير وسائر تقاليد المأتم: «… ولا أرى أخفّ كلم ولا أدق قلم على خلاف شيء من هذه الدعوة الإسلامية والتظاهر الديني [القامة وسائر طقوس العزاء التي أصبحت محلّ خلاف]، إلا نفثة من السموم الأموية، ونزعة مروانية شوّشت بعض الآراء الراكدة والأوهام الجامدة، والتشبّث بقاعدتي: حرمة اللهو ولا ضرر في المقام قصورُ نظر؛ حيث إنّ قصد التلهيّ إنما هو ملاك صدق اللهو في هذه الأمور المعتادة، وهو مفقود بالحسّ والعيان زيادةً على ما يقتضيه الأصل في فعل المسلم، فضلاً عن الغريق في بحر الوداد، الحريق بلهيب المصائب. والنظر إلى ما تواتر وثبت بالضرورة من أخبار الحث إلى الزيارة في تلك الأزمنة مع ما كانت عليه من شدّة الخوف وأعظم الخطر ونهاية التقية، يهدم أساس هذه التسويلات، وتحمّل المشاق الدنيوية لنيل المثوبات الأخروية ضروريّ جميع الملّيين، وإنما تقصر عنها همم هذا العصر الجديد، القاصرة على الموادّ الطبيعية عن التوجه إلى الأسرار الغيبية، وإلا فالعياذ بالله، انجرّ إلى توهم الضرر في البكاء من خشية الله تعالى، وفي التعازي، وهو إنكار ضروريّ المذهب والملة الإسلامية»([42]).

ينبغي الاعتراف بأنّه كانت بين العلماء والمراجع أيضاً جبهة مؤيّدين لهذه الطقوس أكثر عدداً وأثقل وزناً لدى الناس، وخير دليل على ذلك، القائمة الطويلة التي ذكرها مؤلّف كتاب: عزاداري از ديدكاه مرجعيت شيعة، والتي تضمّنت أسماء كثير من العلماء والمراجع تحت عنوان: mجماعة من أعاظم الفقهاء ومراجع تقليد الشيعة في العالم، وأصحاب الكلمة النافذة، الساعين في النهي عن المنكر، والمطاعين من قبل الشعب والحكومة، يعلمون ويرون ويسمعون بمواكب التشابيه وضرب السلاسل والقامات في مأتم الحسين المظلوم%، ولم يخالفوها، بل أقرّوها وأمضوا العمل بها، وحكموا بجوازها واستحبابهاn. وقد ذكر في هذه القائمة أسماء عظماء الشيعة، من السلف إلى المعاصرين، كالشيخ الحرّ العاملي، الشيخ مرتضى الأنصاري، الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، الشيخ جعفر الشوشتري، الحاج ملا علي الكني، الشيخ فضل الله النوري، الآخوند كاظم الخراساني، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، وآخرين.

الدربندي ودوره في إشاعة التطبير والخرافة ـــــــ

إذا وافقنا نصر الله المستوفي على دور الملا آغا ابن عابد الشيرواني، المعروف بالفاضل الدربندي وملا آغا دربندي، في إشاعة التطبير في تلك الفترة، فيجب الاعتراف بأنّه لم يكن الدور الوحيد له في المآتم آنذاك، ولعل كتابه: إكسير العبادات في أسرار الشهادات، لعب دوراً مهماً في ذلك؛ فهو ـ ككتاب روضة الشهداء للواعظ الكاشفي ـ كتاب مقتل وخاص ببيان مصائب سيد الشهداء% وأنصاره، وقد ترك كلا الكتابين آثاراً متشابهة؛ إذ جاءا لسدّ نفس الثغرة وتلبية نفس الحاجة، ولقيا استقبالاً واسعاً من قبل الناس، كل في فترة انتشاره ـ الأول في أيام تأسيس الحكم الصفوي، والآخر في قمّة ازدهار العهد القاجاري ـ كما حظيا بالتقدير عينه من قبل أهل الفنّ، بيد أنّ كتاب أسرار الشهادة كان تفوّق على الروضة في ترويج القصص الخرافية المجعولة حول واقعة كربلاء.

يقول مؤلّف ريحانة الأدب في تعريف الملا آغا الدربندي وكتاب أسرار الشهادة: mتضمّن الكتاب الغث والسمين، لما تمتّع به مؤلّفه من شغف وحبn، وينقل عن صاحب أعيان الشيعة: mنقل الدربندي الكثير من القصص الواهية في مؤلّفاته، مما لا يصدقه العقل ولا شاهد من النقل عليهn([43])، وللمحدّث النوري في اللؤلؤ والمرجان نفس الرأي، وعلى الرغم من تأكيده على إخلاص الفاضل الدربندي ومدى حبّه لأهل البيت، ينقل قصّة تأليف أسرار الشهادة، كمطلع على الموضوع، قائلاً: «وفد يوماً سيّد خطيب عربي من الحلّة إلى كربلاء، وقدّم للشيخ عبد الحسين الطهراني مخطوطات قديمة، ورثها عن أبيه، بقلم أحد علماء جبل عامل، تتضمّن روايات عن حياة أهل البيت ومصائبهم. وبعد أن اطلع عليها الشيخ، وجد فيها كثيراً من الأكاذيب الواضحة والأخبار الواهية؛ لذلك نهى السيد العربي عن نقلها. لكن يبدو أنّها وقعت في يد الفاضل الدربندي، الذي كان يسكن العتبات العاليات آنذاك، وكان مشغولاً بتدوين أسرار الشهادة؛ فنقل تلك الروايات وأضاف إليها من عنده، وزاد على أخباره الواهية المجهولة، وفتح باب طعن مخالفيه والسخرية منهم والاستهزاء بهم على مصراعيه. ووصل به الأمر حيث عدّ جيش الكوفة ستمائة ألف راكب ومليوني راجل، وهيأ بذلك ميداناً وسيعاً للخطباء، لا يضيق بهم مهما صالوا وجالوا فيه، ومادة غزيرة لا ينتهي بها الافتراء على العظماء، وحجّتهم أنّ الفاضل الدربندي قال كذا»([44]).

ويعتبر الشهيد مرتضى مطهري في الملحمة الحسينية أنّ عمل الملا آغا الدربندي في تأليف أسرار الشهادة، كان استخداماً لوسيلة غير مقدّسة لهدف مقدّس([45])، لكنّ نهاية إقبال الناس على الدربندي لم تكن لمصلحته، إذ اتخذت مواعظه على المنبر منحى آخر؛ فصار ينتقد أرباب السلطة لتصرفاتهم غير الأخلاقية. لذلك قرّر الملك إنهاء محاضراته بالاستعانة بإمام جمعته، فأبعده إلى كرمانشاه([46])، وبحسب المجموع، كما كان للدربندي وكتبه دور في ترويج المآتم آنذاك، كذلك أثّر بشكل كبير في إدخال الروايات الكاذبة والخرافية وإشاعتها، وتسطيح مستوى هذه المآتم.

لم يكن الدربندي وكتابه العاملَ الوحيد في الجعل ودخول الأخبار الواهية عن واقعة كربلاء إلى المآتم والتي بلغت ذروتها آنذاك.. فإقبال الناس على قصصٍ كهذه أدّى إلى غلبة الطابع البطري على الطابع الديني في المآتم والتشابيه، مما هيأ أرضية خصبة لظهور أمثال هذا الكتاب. ويمكننا ذكر طوفان البكاء للميرزا إبراهيم الجوهري، ومحرق القلوب للملا مهدي النراقي كشواهد على كتب شاطرت روضة الشهداء وأسرار الشهادة في خلط الغث بالسمين والصدق بالكذب، ودعمت الطابع القصصي على حساب انحسار الطابع التاريخي المستند.

حركة النقد الشيعية لتحريف واقعة كربلاء في العصر القاجاري ـــــــ

وقد اتخذ بعض العلماء موقفاً معارضاً لهذا التيار، وجابهوا تحريف واقعة كربلاء بكتب ورسائل نقدية. ومن أهم هذه الكتب، كتاب لؤلؤ ومرجان للميرزا حسين النوري الطبرسي المعروف بالمحدّث النوري، عام 1319هـ، وكتاب أسرار المصائب ونكات النوائب في ذكر غرائب الأطايب من آل أبي طالب، لعلي بن محمد تقي القزويني النجفي عام 1323هـ؛ ففي كلا الكتابين، بدأ المؤلفان ـ وهما من علماء النجف ـ بمباحث مفصّلة حول الكذب وقبحه وإثمه، ثم تناولا التحريفات والأكاذيب الرائجة آنذاك حول واقعة كربلاء، وتطرّقا إلى بعض المصاديق كنايةً؛ فانتقد مؤلف لؤلؤ ومرجان ما ورد في أسرار الشهادة واللهوف لابن طاووس، ومنتخب الطريحي، واعترض مؤلّف أسرار المصائب.. على كتاب محرق القلوب ومؤلّفه الملا النراقي، ويعكس قول المحدث النوري المشهور في خاتمة كتاب لؤلؤ ومرجان، قوّةَ التحريف ووسعة نطاقه: mجدير بنا اليوم أن نقيم مآتم، يبكي فيها الشيعة على مصائب الحسين الحديثة، المصائب التي أحلّها الخطباء الكذّابون بهn. ويشير القزويني النجفي في أسرار المصائب إلى إشاعة القصص المختلقة حول واقعة كربلاء في العهد القاجاري، ويقول: «أسمع وأرى هذه الأيام انتشار الأخبار المختلقة والروايات المجعولة، التي تأتي بالدمار على الدين وشريعة سيّد المرسلين، وبالذرائع لاستهزاء المخالفين، إنّ رواج هذه الأكاذيب أعظم مصاب لأهل البيت، وإن كانت تقرأ في المآتم ومجالس الرثاء، لكنّها ليست سوى بدعة في الدين، أتت في قالب مصائب الحسين%، وهي مما يدمي قلبه، جاء بها بعض العوام؛ لأنهم استحسنوها ـ حسب عقيدتهم السخيفة ـ وأوردها بعض العلماء في مؤلّفاتهم غافلين، ولحقتها مفاسد عظيمة.. وحاصل الكلام: إنّه لا تجوز قراءة هذه الأكاذيب والقصص المختلقة الباطلة في المآتم ومن على المنابر ـ وهو أمر متعارف اليوم ـ وينبغي أن لا تكتب أو تقرأ حتى بقصد تكذيبها؛ إذ يؤدي ذلك إلى مداولتها لفترة من الزمن، وقد تُكتب على أوراق ثم تسقط بيد الأجيال القادمة، فيعتمدون محتواها؛ لأنهم وجدوه على أوراق قديمة»([47]).

ويصف المحدّث النوري في كتاب لؤلؤ ومرجان الرثاء الكاذب في العهد القاجاري، فيقول: «أما هذه الجماعة [خطباء الكذب والزور]، فكلّما اعتلوا المنبر، أتوا بخبر جديد، وزرعوا بذور الكذب في أيّ مجلس حضروه، وما إن يجدوا فتوراً في تفاعل المستمعين حتى يحيكوا خبراً جديداً، وإن جاؤوا بخبر صحيحٍ أتوا له من عندهم بفروع وحواشي كثيرة؛ لذلك لا تحصى الروايات التي ينقلونها في كتاب، ويعجز حتى الكرام الكاتبين عن إحصائها.. أما النتيجة البديهية لذلك، فإهانة المذهب والأمّة الجعفرية، وإعطاء الذريعة بيد المخالفين للسخرية والاستهزاء والطعن، وأن تقاس سائر أحاديث الإمامية ورواياتهم على هذه الأخبار الواهية والقصص الكاذبة، حتى كتبوا أنّ الشيعة بيت الكذب، وإن أنكر أحد عليهم ذلك يكفيهم الإتيان بكتاب المقتل المعروف لإثبات صدق مدّعاهم»([48]).

ويعاتب النوري في موضع آخر من الكتاب قائلاً: «إجمالاً، سكوت أصحاب النفوذ أدّى إلى جرأة هؤلاء القوم الظالمين [خطباء الكذب والزور] وعدم مبالاتهم؛ إذ يأتون بالأكاذيب الغريبة وبألحان مطربة، حتى في المراقد الشريفة، وخاصة مزار صاحب المأتم سيد الشهداء (أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء) في مختلف الأوقات، لا سيما في الأسحار ـ وهي ساعات البكاء والاستغفار ـ فيظلمّ المقام الأنور، وتبتعد أفواج ملائكة الرحمة، ويلهى الناس عن العبادة والإنابة والتضرّع إلى الله، ويدخلون في زمرة mالصادّين عن سبيل اللهn، لكن لا يمنعهم أحدٌ عن ذلك، بل يتعجبون أحياناً لعدم استجابة الدعاء تحت تلك القبّة السامية، ولا يعلمون أنّه لم تبق هناك قبّةٌ ولا حرم ولا ملك ولا فيض، بل أصبح المكان ملعباً لفريق من الناس، ومكسباً لبعض آخر؛ من أموال الدنيا أحياناً، ومن الأمور الدينية أحياناً أخرى. وقد تسرّى فساد هذه الجماعة إلى الآخرين؛ إذ يعقد منذ فترة القصاصون حلقات الرواية والاحتيال في الصحن المقدّس، بتلفيق قصص طويلة، ويستمرّون في سرد الأكاذيب الواضحة ثلاث ساعات، ويجتمع حولهم جمع من الهمج الرعاع؛ لو أقيم هذا الاجتماع القذر الملعون من قبل الجبّار المنتقم (جلّ جلاله) في الصحراء بعيداً عن الحظر، لكان لزاماً على المسلمين تفريقه ومنعه. فكيف الحال، والمكان هو الصحن الشريف، الذي يرقد تحته آلاف من المؤمنين والأخيار، ومحلّ عبرة واتعاظ ودعاء وتلاوة القرآن، وفوقه معراج الملائكة ومختلفهم، ومن جاوره مشغولٌ بالبكاء والصلاة والاستغفار لزواره، وبالطبع ليس هؤلاء الزوار المشغولين بالمنكر القبيح، أو معينين عليه، أو يمرّون غير آبهين به، ولا ملتفتين لقبحه، ناهيك عن استنكاره أو منعه؛ فجدير بأهل العلم والبصيرة أن يقيموا مجالس لذكر مصائب سيد الشهداء الجديدة، ويحصوا الظلم الذي يلحق بالإمام ليلاً ونهاراً من زواره ومجاوريه وخدّامه وحملة علومه والعبّاد والمتنسّكين، ويعطوها لمؤمن مخلص؛ ليقرأها في مجالس المتقين والمتديّنين ذوي الغيرة، فيكتوون بنارها ويبكون لألم المصاب، ويدعون الله لتعجيل فرج ناشر العدل والأمان، وباسط الفضل والإحسان، وقامع الكفر والنفاق والعدوان»([49]).

ثمّ يدعو العلماء لمواجهة المآتم التي ظلّلتها الأكاذيب والروايات الباطلة، ويخاطبهم معاتباً: «كان جديراً بالفقهاء الراسخين وحماة الدين المبين، صيانة حصن الأمة الأحمدية والطريقة العلوية بأفضل ممّا هو الحال عليه اليوم، وأن يبعدوه عن هذا الخزي والعار [مجالس الرثاء المنطوية على الكذب والخديعة]، ويطهّروا ساحة المذهب الجعفري الطاهرة من دنس هذه القاذورات، ويمنعوا نشر أمثال ذلك الكتاب [منتخب الطريحي] والنقل عنه ولا يدعوا الخطباء ـ الذين لا يميّزون بين الصحيح والسقيم ـ يستندون إليه؛ وإذا لم يستجيبوا، فلا يدعوهم إلى المجالس والمآتم، وإن دُعوا إلى مجلسٍ لا يحضروه، وإن حضروه غير عالمين بوجود أولئك، فليتركوا المجلس غير آبهين بأحد، لإعلاء كلمة الحق والنهي عن الفعل المنكر، وفي ذلك فائدة عظيمة في تنبيه هذه الجماعة والتزامهم بما أمروهم والعمل على أساس صحيح، لا أن يجلسوا ويستمعوا ويشجّعوا بقولهم: mأحسنتn وmطيب الله أنفاسكمn، بعد فراغ الخطيب من الدعاء»([50]).

مظاهر جديدة أخرى في العصر القاجاري: الرسومات والشموع و.. ـــــــ

ظهرت في عهد الملك ناصر الدين تقاليد أخرى ـ غير التطبير ـ في طقوس المأتم الحسيني ومظاهر التديّن لدى عامة الناس، وغالباً ما كانت حديثةً وغير مسبوقة، ظهرت إمّا بأمر من الملك ـ الذي كان على دين غير دين العلماء ـ أو نمت في المناخ الذي أوجده هو نفسه، ومن جملة هذه التقاليد mالاعتقاد بالرسوماتn، وmواحد وأربعون منبراًn؛ فممّا امتازت به هذه الفترة، رواج رسومات تمثل أهل البيت وخاصة الإمام علي%؛ وكما ينقل المؤرخون والرحّالة، كان أكثر الناس يحتفظون برسم للإمام علي% في بيوتهم آنذاك. وبالطبع بقي وجه الإمام مظلّلاً في هذه الرسومات؛ إذ كانوا يعتقدون بأن لا رسام يمكنه رسم تلك الملامح، وانفرد الملك برسم كبير كامل لوجه الإمام %، وكان يقيم احتفالات رسمية لتكريمه وإجلاله، وقد حملت هذه المراسم طابع mالعبادةn، الأمر الذي واجه مخالفةً علنية من قبل العلماء، وإن لم تؤثر هذه المخالفة كثيراً على عامّة الناس.

يذكر إدوارد بولاك رواج تلك الرسومات في العهد الناصري، وردّة فعل العلماء حيال ذلك، فيقول: «يعتقد هؤلاء [الشيعة] بالرسوم والتصاوير، وتجد في كافة بيوت الفقراء رسماً يمثل الإمام علياً%، نُحت على الخشب من دون دقّة أو مهارة؛ إذ يقولون: إنه كان في غاية الجمال واللطف، حيث لا يمكن لرسّام تصويره، ولذلك يبقى وجهه مظلّلاً، ويظنّ الملك بأنّ الرسم الحقيقي [النسخة الأصلية] للإمام علي% مُلكه وحده. ويبدو أنه جُلب من الهند، ويحتفظ به في صندوق ذهبي مزخرف جميل، وحين يأتون به يقف جميع من في البلاط إعظاماً وإجلالاً له، وحتى شخص الملك يبالغ في إظهار الاحترام والتعظيم له. وقبل عدّة سنوات ابتكر نهجاً لتكريم رسم الإمام علي.. لكنّ مشاركة العلماء في هذه المجالس كانت بإكراهٍ شديد؛ لأنهم وجدوا في هذه المراسم نوعاً من عبادة الصورة، الأمر الذي يخالفه ـ بصراحة ـ نصّ القرآن الكريم»([51]).

ويصف بنيامين إحدى هذه الرسوم في العهد الناصري، يقول: «كان إلى جانبي [في خيمة العزاء] رسمٌ كبير لنبيّ الإسلام، منصوباً على الحائط، صوّر هذا الرسم ملامح خيالية للنبي محمد2، ويظهر فيه النبي في أيام شبابه لابساً عمامةً خضراء على رأسه، وينظر إلى الأمام بوجهٍ بشوش»([52]).

التقليد الآخر كان تقليد mالأربعين [أو الواحد والأربعين] منبراًn، ويعني ذلك أن ينذر الناس ـ لقضاء حوائجهم ـ الذهاب في ليلة عاشوراء إلى أربعين [أو واحد وأربعين] مأتماً أو خيمة عزاء، يرثى الحسين فيها، فيوقدون شمعةً في كلّ منها، وقد خصّص في خيم العزاء مكان لذلك ـ كماء السبيل ـ وبالطبع، كانت هذه التقاليد تمتزج في المناطق المختلفة بتقاليد سكّان تلك المناطق وطقوسهم، فتأخذ صوراً مختلفة([53]).

ويبدو أنّ هذا التقليد لم يكن حكراً على طبقة معينة، بل كان متبعاً حتى من قبل أهل البلاط؛ فنجد اعتماد السلطنة يكتب في مذكّراته، تحت عنوان حوادث عام 1300هـ: mذهبت الليلة إلى أربعين مأتماً، التي أذهب إليها كلّ عامn([54]).

وقد تعود جذور هذا التقليد إلى اعتقاد الإيرانيين قبل الإسلام بقداسة النور وكونه واسطةً بين الإنسان والربّ([55]).

يقول المستوفي عن هذا التقليد: «كنّا نرى جماعةً في ليلة عاشوراء، بعضهم حفاة، يحملون أكياساً أو صناديق مليئة بالشموع، فيذهبون لخيم العزاء والمآتم التي يرثى فيها الحسين نهاراً، ويؤدّون نذرهم في إيقاد واحد وأربعين شمعة في واحد وأربعين مأتماً.. كان أولئك الناس من كافّة الطبقات، حتى بعض الأثرياء كانوا يقومون بذلك التقليد ومعهم المصباح والخدم والفراش.. كان الفراش يحمل صندوق الشمع، وما إن يصلوا إلى المنبر حتى يوقد السيّد شمعةً، ويقبّل المنبر بإخلاص تام»([56]).

الخطابة والمواعظ في العهد الناصري ـــــــ

وتبعاً لانتشار المآتم والتشابيه في العهد الناصري، لاقت الخطب والمواعظ رونقاً أيضاً، وظهر عدد كبير من الوعّاظ في كافة أنحاء البلاد، يعتلون المنابر ويلقون الخطب والمواعظ، من أبرزهم الملا آغا الدربندي الذي مرّ ذكره، وآخرون ملأ صيتُهم أرجاء إيران آنذاك، منهم: الحاج الميرزا أحمد الإصفهاني، والحاج الملا أحمد واعظ الخوانساري، والسيد إسماعيل البهبهاني ـ والد السيد عبد الله البهبهاني، أحد قادة الحركة الدستورية ـ والملا إسماعيل واعظ السبزواري، والشيخ جعفر الشوشتري، والسيد قاسم روضه خوان ـ المعروف ببحر العلوم ـ وقد لقّب الملك ناصر الدين بعد وفاته ابنه، السيد علي أكبر روضه خوان، بـ mأشرف الواعظينn([57])، وعموماً، أهمّ ما امتاز به تقليد الخطابة والموعظة في هذه الفترة، وطيلة العهد القاجاري، هو تأليف الكتب والرسائل التي تتضمّن نصوص الخطابة والموعظة.

يصنّف البروفيسور السيد حسن الأمين هذه النصوص في ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الكتب التي تضمّ مجموعة مختلفة من محاضرات خطيب معيّن في فترة محددة، كفوائد المشاهد ونتائج المقاصد، التي تتضمّن مجموعة محاضرات الشيخ جعفر الشوشتري في أيام الجمعة من شهري رمضان ومحرم، وقام بجمعها ونشرها أحدُ مستمعيه، وهو محمد بن علي أشرف الطالقاني.

القسم الثاني: الكتب التي دوّنت لتكون أنموذجاً للخطابة، أو مادة أوليّة لمجموعة محاضرات متشابهة، وكانت بمثابة كتب تعليمية للوعّاظ آنذاك، منها: عنوان الكلام للملا محمد باقر الفشاركي الإصفهاني، وأنيس العهد ومونس اللحد للملا صدر الدين القزويني، ومجالس الواعظين للسيد إسماعيل الحسيني الأردكاني، ومجالس نظامية للميرزا رفيع نظام العلماء التبريزي.

القسم الثالث: ما كان يكتبه الخطباء قبل المحاضرة أو بعدها، ومن ثم قاموا بطبعه ونشره، كمجالس المتقين التي تتضمّن خمسين خطبة، وقد ألّفها الملا محمد تقي البرغاني في عهد الملك محمد القاجاري([58]).

انحسار المظاهر الحسينية في نهاية العهد القاجاري ـــــــ

وعلى الرغم من أنّ المآتم أخذت بالاتساع والانتشار في عهد الملك ناصر الدين، لكنّها انحسرت في نهاية هذا العصر، ويمكننا ذكر ثلاثة أسباب لذلك:

1 ـ رواج التشابيه واتّساعها من حيث الكيف والكم على حساب المآتم، في منافسة غير متكافئة؛ لدعم الملك والبلاط للتشابيه، ولما تمتّعت به من صفات جذبت إليها الجمهور.

2 ـ ظهور الطابع الصوفي وميل الناس إليه، وانتشار الروايات الضعيفة والمختلقة في المآتم، مما أفقدها غناها ومحتواها القديم.

3 ـ طغيان التغرّب، ومعارضة المثقفين للمآتم، وحملة التضعيف للعقائد، وفقدان الإحساس بالمسؤولية، الأمور التي وصلت ذروتها آنذاك([59]).

بعد فترة وجيزة، سرى الانحسار إلى التشابيه أيضاً، وقد يكون السبب الرئيس في ذلك هو عدم حضور الدوافع الدينية والإخلاص في هذه المجالس، ولدى القائمين عليها والمشاركين فيها؛ فقد دخلتها النوازع والأهواء والمنافسات والتفاخر والرياء؛ حتى عبّر جان كالمار عن ذلك بقوله: mأصبحت المآتم مجالس أهل الدنياn([60])، وبالطبع، اعترض بعض المصلحين ورجال الدين على تلك الحالة، كرسالة مسلك الإمام في سلامة الإسلام التي كتبها الشيخ أسد الله الممقاني([61])، لكنّ هذه الاعتراضات لم تثمر كسابقاتها. يقول الشيخ أسد الله الممقاني، معترضاً على وضعية المآتم في أيام الحركة الدستورية: «إنّ المآتم أولى الأمور وأفضل وسيلة لنشر الإسلام والطريقة الشيعية الحقّة.. بشرط أن يراعى فيها النظام والأصول الصحيحة. لكن للأسف، عبثوا بالأمر وبهذا المؤتمر الديني السنوي، حيث لا يمكن وصفه؛ فتجد أناساً لملئ فراغهم يدخلون هذا الشأن، فيما هم في جهل مطبق، فيسبّبون الوهن لهذا التقليد العظيم. وقد وصل الأمر إلى حدّ يضطرّ صاحب المجلس في المدن الكبيرة إلى دعوة عشرين أو خمسة وعشرين خطيباً. أمّا القرى والأرياف، فيهجم عليها عشرون أو ثلاثون من هؤلاء، من أول محرم إلى يوم عاشوراء، ويقوم الجدال والنزاع بينهم، فعلى المؤرخين تدوين عدّة وقائع كربلاء لكل عام، فالناس مساكين، وقعوا رهائن بأيدي هذا الصنف»([62]).

بدأ مسلسل التقهقر هذا منذ نهاية عهد الملك مظفر الدين القاجاري، واشتدّ مع بدء الحركة الدستورية مطلع القرن العشرين، وإن أبدى الملك مظفر الدين ـ كأبيه ـ تعلّقه بإقامة المآتم والتشابيه، ونقلوا كثيراً عن بكائه في مجالس الرثاء([63]). يقول المستوفي عن انحسار المآتم في مطلع الحركة الدستورية، وردّة فعل المتديّنين على ذلك: «منذ أن جعل الأثرياء المآتم أداة تفاخر ومباهاة، وحضرها المستمعون لقضاء الوقت، وترك الخطباء الجوانب الأخلاقية واعتمدوا الرياء.. احتلّت الألفاظ مكان المعنى وروح المآتم، وانتهج الناس نمط الملا آغا الدربندي، وأصبحت الرؤيا حقيقة والخيال واقعاً. ينقل الخطباء الأخبار الضعيفة ـ وذلك هيّن ـ ويُدخلون فيها صياغات وتعابير من عندهم، وينسبون أشنع الأكاذيب لأهل بيت النبي باسم mلسان الحالn، لقد حاكوا ما خطر لهم لإنجاح منبرهم، وحث النساء على الصراخ والنواح. بدأ هذا الحال منذ نهاية عهد الملك ناصر الدين، واشتدّ يوماً بعد يوم، حتى وصل ذروته في عهد الملك مظفر الدين، فأضعف إيمانَ الناس واعتقادهم. وقد شرع بعض المتديّنين بانتقاد هذه الحالة، حيث وجدوها تخالف روح المأتم، وكان هدفهم الإصلاح، لكنّ جماعة ممّن لم يتجرؤوا على طعن المأتم إلى ذلك اليوم، انتهزوا ظهور هذه الانتقادات لزعزعة أساس المآتم. في خضم هذه المعركة، دخلت الحركة الدستورية المعترك.. فجعل السادة الذين لا علم لهم بالمعارف الإسلامية، رجالَ الدين وكلّ ما يرتبط بالدين هدفَ سهامهم، فحرّضوا الناس للخروج عن الدين قدر استطاعتهم»([64]).

ويقول في موضع آخر حول أفول المآتم والتشابيه أيام الحركة الدستورية: «تقلّص عدد المآتم ـ خاصة التشابيه ـ في الخمس عشرة أعوام الماضية التي انطلقت فيها الحركة الدستورية، وحتى المواكب قلّت بشكل ملحوظ؛ فلم تدع مشاكل الحياة الأخرى مجالاً لهذه المستحبات، وقد سرى ضعف الإيمان من الأثرياء إلى الطبقات الفقيرة، وانحصرت المواكب بليلة عاشوراء ويومه، والأربعين، والثامن والعشرين من صفر؛ وظهرت تقاليد جديدة في المآتم، حيث تتجوّل مجموعة تشبه أنصار الطف أو أعداءه مع المواكب. أما التقليد الآخر فهو إقامة mمأتم الليلة الأولىn، حيث يزدحم عامة الناس ـ خاصّة النساء ـ للتفرج على هؤلاء، لما يذكّرهم بالتشابيه السابقة، ومن كان يريد إقامة المأتم لأهل البيت والبكاء عليهم حقيقةً، كان يشارك في مراسم مأتم الليلة الأولىn([65]).

ظهرت في هذه الفترة أيضاً، ابتكارات وتقاليد جديدة في المأتم، من أهمها: الاحتفال بمولد الإمام الحسين%([66])، والآخر انتشار مراسم mمأتم الليلة الأولىn، التي اعتبرها عبد الله المستوفي تقليداً تركيّاً mوفَدَ مع الملك مظفر الدين إلى طهرانn([67]). يقول المستوفي عن إقامة مراسم mمأتم الليلة الأولىn في طهران، في عهد الملك مظفر الدين: «تبدأ هذه المراسم بعد غروب الشمس من ليلة الحادي عشر من محرم، ويراعى في هذا المأتم ـ قدر المستطاع ـ البساطة وانعدام ظواهر التجمّل والتكلف، وحتى قلّة الأنوار، ولم يكن هناك خطيب أيضاً. تأتي المواكب من مختلف أحياء المدينة، ويدخلون إلى خيمة العزاء وهم يردّدون المراثي باللغة التركية، سواء كانوا أتراكاً أم فرساً، ما معناه: أيها الشيعة! جئنا إلى مأتم الليلة الأولى؛ لنعزّي زينب الحزينة.

لم تحمل هذه المواكب أعلاماً أو مصابيح أو مشاعل. يوقد بعض الناس شمعةً لكي لا يسقطوا في الطرق المظلمة المتعثرة، وتقرأ المراثي أيضاً من دون ضوضاء وصخب، إنّهم يجلسون أحياناً ويقرأون المقطع الأول من الرثاء، ثم يقومون ويقرأون المقطع الثاني وهم يمشون، وبهذه الطريقة ـ ما بين جالسين وماشين ـ يطوفون في المجلس ويخرجون، وبالطبع يفسح لهم المجال من قَبْل لذلك»([68]).

آخر سلاطين القاجار وحالة العزاء الحسيني ـــــــ

كان الملك محمد علي يتشبّه بالمقدّسين، ويقيم خيمة عزاء في شهر محرم، ويدعو الخطباء أحياناً، ويقول كسروي عن تظاهر الملك محمد علي بالتدين، حين كان ولياً للعهد: علينا أن نضيف إلى مساوئه [الملك محمد علي] تظاهره بالتديّن؛ إذ كان يقيم كلّ سنة في العشرة الأولى من محرم خيمةَ عزاء، وينطلق ليلة عاشوراء حافي القدمين في الطرق إلى أربعين مسجداً، ليوقد فيها الشمع [إشارة إلى تقليد الأربعين منبر]. أما في شهر رمضان، فكان يحضر في مسجد الحاج الشيخ محمد حسين في إحدى ليالي الإحياء الثلاث، ويأتمّ به. كما كان يطبع كتب الدعاء. وفي شهر محرّم من عام انطلاق الحركة الدستورية، عثر الشيخ محمد حسين على رواية جديدة (نسخة جديدة) من زيارة عاشوراء؛ فطبعها الملك محمد علي دون تأنٍّ في مطبعته الخاصة، ووزعها على الناس([69]).

لكنّه ـ خلافاً لأسلافه من القاجار ـ كان مشهوراً بالفسق أيضاً، فقد نقلت إلى جانب روايات تديّنه قصصٌ عن فسقه. يقول ناظم الإسلام الكرماني عن أفعال الملك محمد علي المتناقضة: «كان يتظاهر بالتديّن، لكن لم يتقيّد بدينه، وكان يعتبر نفسه مسلماً، لكنّه قصف المسجد والمعبد بالمدفعية. كان يظهر الاعتقاد بالقرآن لكنه أحرق القرآن. كان يبدي الودّ للسادة، وفي الوقت عينه يقتلهم؛ فقد حكم بقتل السيد جمال الدين الإصفهاني، وهتك حرمة السيد عبد الله البهبهاني والسيد محمد الطباطبائي. كان يظهر الحبّ والوفاء لسيّد الشهداء الإمام الحسين (أرواحنا فداه)، ويشارك في مراسم التطبير في يوم عاشوراء، ويمسح وجهه بدم رأسه، ويوقد ليلة عاشوراء ألف شمعة وشمعة في غرفته، ويوقد أربعين شمعةً في أربعين مأتم، لكنه لم يراع حرمة شهر محرم؛ فأرسل في أيام عاشوراء برقيةً تأمر بالهجوم على تبريز وقتل أهلها ونهبهم، وهم يقيمون المآتم. كان يجري الدم من رأسه يوم عاشوراء فيُغمى عليه، وفي الليل يشرب من الخمر والمسكرات ما يفقده وعيه. كان يرغب بالغلمان المُرد رغبتَه بالحسناوات»([70]).

أمّا الملك أحمد ـ آخر ملوك القاجار ـ فكان بعيداً عن هذه الأمور، وقضى معظم أيام ملكه القصيرة في أوروبا.

استخلاص واستنتاج ـــــــ

إجمالاً، لم تفقد المآتم في العهد القاجاري هيمنتها وتأثيرها في مختلف الحوادث السياسية والاجتماعية، على الرغم من كلّ التحوّلات التي شهدتها. ويقسّم السيد حسن الأمين العهد القاجاري إلى ثلاث فترات، من حيث التغيّرات التي طرأت على مجالس الوعظ والخطابة:

1 ـ تبدأ الفترة الأولى من قبل العهد القاجاري إلى نهاية حكم الملك فتح علي القاجاري، ولم تستخدم الخطابة آنذاك كما ينبغي كأداة دعائية أو أداة إرشاد ديني وثقافي، بل أقبل الناس في تلك الفترة على المراثي والتشابيه التي كانت تُقام في خيم العزاء والحسينيات.

2 ـ ظهر في الفترة الثانية ـ أي من نهاية حكم الملك فتح علي إلى أوائل حكم الملك مظفر الدين ـ صنف جديد من المتعلّمين، باسم mالوعاظn، واحتلوا مرتبةً أعلى من النعاة وقراء المراثي؛ فشكّلت المواعظ الأخلاقية والدينية والقصص الهادفة والشروح اللطيفة محتوى الخطابة في تلك الفترة.

3 ـ بدأت الفترة الثالثة مع ظهور توجهات السيّد جمال الدين الأسدآبادي [الأفغاني] المناهضة للاستبداد، وبلغت ذروتها مع الحركة الدستورية، وقد استخدم كثير من الخطباء المنبرَ لدعم حركة الشعب الإيراني التحرّرية، قبال السلطة القاجارية([71]).

ويمكننا ذكر مصاديق تاريخية كثيرة لهذا التحوّل؛ فقد ظهرت هذه المجالس بمظهر الملجأ للمحتجّين، وأجبرت الحكومة على التراجع في أحداث عام 1323هـ، التي أثارها رئيس الجمارك، نوز البلجيكي ـ حيث انتشرت صورة له مرتدياً زيّ رجال الدين في حفلة تنكّرية، وأثارت حفيظة العلماء والناس ـ وفي معارضة معاهدة رويتر([72])، كذلك في مسار الحركة الدستورية، تحصّن دعاة الدستور في مسجد الملك، ثم في ساحة السفارة البريطانية، واستعانوا بخطيبٍ لرفع معنويات الناس وتحريك التعصّب الديني لديهم([73])، وقد استعان السيد محمد الطباطبائي بالسلاح نفسه في إحدى خطبه، وقارن بين استبداد القاجار واستبداد بني أمية الذين قتلوا الحسين%([74]).

*     *     *

الهوامش

(*) باحث متخصّص في الاجتماع الديني.

([1]) صادق زيبا كلام، ما جكونه ما شديم؟ [كيف أصبحنا على ما نحن عليه؟]: 113، (ريشه يابي علل عقب ماندكي إيرانيان)، طهران، روزنه، 1382ش/2003م.

([2]) حامد الكار، دين ودولت در إيران (نقش علما در دوره قاجار) [الدين والدولة في إيران ـ دور العلماء في العصر القاجاري]: 240، ترجمة: أبو القاسم سري، طهران، طوس، 1369ش/1990م.

([3]) ما جكونه ما شديم؟: 112.

([4]) دين ودولت در إيران: 81.

([5]) حسين آباديان، انديشه دينى وجنبش ضد رجی در إيران [الفكر الديني وحركة مناهضة رجي في إيران]: 43، طهران، مؤسسة مطالعات التاريخ المعاصر لإيران، 1376ش/1997م.

([6]) دين ودولت در إيران: 89.

([7]) علي رضا شجاعي زند، مشروعيت دين واقتدار سياسی در إيران: 192، طهران، تبيان، 1376ش/1997م.

([8]) لاله تقيان، درباره تعزيه وتئاتر در إيران [حول التعزية والمسرح في إيران]: 49، طهران، مركز، 1374ش/1995م.

([9]) المصدر نفسه: 56.

([10]) الحائري: 356.

([11]) لطف الله آجداني، علما وانقلاب مشروطيت إيران [العلماء والثورة الدستورية في إيران]: 16، طهران، اختران، 1383ش/2004م.

([12]) انديشه دينی وجنبش ضد رجی در إيران: 41؛ وماشاء الله آجوداني، مشروطية إيراني: 74، طهران، اختران، 1383ش/2004م.

([13]) حاجی بابای اصفهانی، جيمز موريه: 403، ترجمة: مهدي افشار، طهران: علمي، 1377ش/1998م.

([14]) انديشه دينی وجنبش ضد رجی در إيران: 45.

([15]) درباره تعزيه وتئاتر در إيران: 49، 50.

([16]) سفرنامه [رحلة] فيودور كوف: 241، ترجمة: اسكندر ذبيحان، طهران، فكر روز، 1372ش/1993م.

([17]) دين ودولت در إيران: 240؛ ومحمد باقر مدرّسي بستان آبادي، شهر حسين يا جلوه کاه عشق [مدينة الحسين أو مظهر العشق]: 408، قم، دار العلم، 1380ش/2001م؛ وانديشه دينی وجنبش ضد رجی در إيران: 47؛ محمد بن علي ناظم الإسلام الكرماني، تاريخ بيداری إيرانيان: 100، طهران، أمير كبير، 1381ش/2002م.

([18]) السيد صالح الشهرستاني، اشكواره كربلا، [تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي%]: 287، قم، قيام، 1382ش/2003م.

([19]) دين ودولت در إيران: 243.

([20]) المصدر نفسه: 240.

([21]) مهدي أمين فروغي، هنر مرثيه خوانى (فنّ الرثاء): 69، طهران، نيستان، 1380ش/2001م.

([22]) عبد الله المستوفي، شرح زندکانی من يا تاريخ اجتماعى وادارى دوران قاجاريه [قصة حياتي، أو التاريخ الاجتماعي والإداري للعصر القاجاري] 1: 301، طهران، كتاب فروشي زوار، 1343ش/1965م.

([23]) المصدر نفسه: 244.

([24]) كارلا سرنا، مردم وديدنی های إيران (سفرنامه) [إيران، شعبها، وأماكنها السياحية]: 182، ترجمة: غلام رضا سميعي، طهران، نشر نو، 1363ش/1984م.

([25]) تشارلز جيمز ويلس، تاريخ اجتماعي إيران (در عهد قاجارية): 267 ـ 269، ترجمة: جمشيد دو دانكه ومهرداد نيكنام، طهران، نشر طلوع، 1366ش/1987م.

([26]) يعقوب ادوارد بولاك، إيران وإيرانيان: 286، ترجمة: كيكاوس جهانداري، طهران، خوارزمي، 1361ش/1982م.

([27]) المصدر نفسه: 236.

([28]) روح الله خالقي، سركذشت موسيقي إيران [تاريخ الموسيقى الإيرانية] 1: 336، طهران، صفي عليشاه، 1376ش/1997م؛ ودين ودولت در إيران: 212؛ وتعزيه، نيايش ونمايش در إيران [التشابيه، المناجاة والتمثيل في إيران]: 19، إعداد: بيتر تشلوفسكي، ترجمة: داوود حاتمي، طهران، علمي فرهنكي، 1367ش/1988م؛ ومردم وديدني هاي إيران (سفرنامه): 200.

([29]) إيران وإيرانيان: 236.

([30]) دين ودولت در إيران: 211، 212.

([31]) المصدر نفسه: 244.

([32]) علي رباني خلخالي، عزاداري از ديدكاه مرجعيت شيعه: 46 ـ 48، قم، مكتب الحسين، 1415هـ.

([33]) تعزيه، نمايش ونيايش در إيران: 19.

([34]) إيران وإيرانيان: 236.

([35]) أحمد كسروي، تاريخ مشروطه إيران: 110، طهران، مؤسسة انتشارات دانشكاه، 1382ش/2003م.

([36]) علي شريعتي، تشيع علوي وتشيع صفوي (مجموعه آثار): 170، 171، طهران، جابخش، 1382ش/2003م.

([37]) شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري دوران قاجاريه: 276، 277.

([38]) إيران وإيرانيان: 284.

([39]) عزاداري از ديدكاه مرجعيت شيعه: 103.

([40]) محمد صحتي سردرودي، تحريف شناسي عاشورا وتاريخ امام حسين%: 214، طهران، مؤسسة انتشارات أمير كبير، شركة جاب ونشر بين الملل، 1383ش/2004م.

([41]) بهروز رفيعي، تراجيدي كربلا: جامعه شناسي، فصلية حوزة ودانشكاه، ع33: 195.

([42]) عزاداري از ديدكاه مرجعيت شيعه: 104.

([43]) محمد علي مدرّس، ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية واللقب أو الكنى والألقاب 2: 217، تبريز، كتاب فروشي خيام.

([44]) حسين النوري الطبرسي، لؤلؤ ومرجان: 190، تصحيح وتحقيق: ع. م. ركني، قم، بيام مهدي#، 1381ش/2002م.

([45]) مرتضى مطهري، خدمات متقابل إيران وإسلام: 90 ـ 97، طهران، صدرا، 1383ش/2004م.

([46]) دين ودولت در إيران: 255.

([47]) رسول جعفريان، تاريخ تشيّع در إيران از آغاز تا قرن دهم هجري: 878، قم، أنصاريان، 1380ش/2001م.

([48]) لؤلؤ ومرجان: 136، 216.

([49]) المصدر نفسه: 238، 239.

([50]) المصدر نفسه: 219، 220.

([51]) إيران وإيرانيان: 223.

([52]) المصدر نفسه: 288.

([53]) السيد أحمد وكيليان، نذر ونياز در عاشوراي حسيني، مجموعة مقالات مؤتمر محرم وثقافة الشعب الإيراني الثالث: 103، طهران، سازمان ميراث فرهنكي كشور، 1383ش/2004م.

([54]) اعتماد السلطنة، جهل ويك منبر رفتم وناخوش شدم، صحيفة همشهري، 23/ 6/ 84ش(2005م)، نقلاً عن: روزنامه خاطرات اعتماد السلطنة: 203.

([55]) شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري دوران قاجاريه 1: 302.

([56]) المصدر نفسه: 301، 302.

([57]) هنر مرثيه خواني: 141، 142.

([58]) نقل بإيجاز عن: هنر مرثيه خواني: 139.

([59]) شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري در دوران قاجاريه 3: 460؛ ودرباره تعزيه وتئاتر در إيران: 50؛ وانديشه ديني وجنبش ضد رجي در إيران: 51 ـ 52.

([60]) درباره تعزيه وتئاتر در إيران: 50.

([61]) علما وانقلاب مشروطيت إيران: 209.

([62]) المصدر نفسه: 209، 210.

([63]) تاريخ بيداري إيرانيان: 103.

([64]) شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري دوران قاجاريه 1: 316، 317.

([65]) المصدر نفسه: 460.

([66]) تاريخ بيداري إيرانيان: 559.

([67]) شرح زندكاني من يا تاريخ اجتماعي واداري دوران قاجاريه 3: 460.

([68]) المصدر نفسه: 460، 461.

([69]) تاريخ مشروطه إيران: 162، 163.

([70]) تاريخ بيداري إيرانيان: 201.

([71]) هنر مرثيه خواني: 144.

([72]) تاريخ بيداري إيرانيان: 187؛ ودين ودولت در إيران: 271، 272، 357، 358.

([73]) دين ودولت در إيران: 213.

([74]) المصدر نفسه: 370.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً