أحدث المقالات

مطالعةٌ رصديّة في أهمّ مفاصل البحث

     مديات البحث وطبيعته

من المسائل الحديثيّة المهمّة التي ظهر الاهتمام بها مبكّراً لدى العلماء الأقدمين مسألة تواتر الحديث، وهي مسألة أخذت بالتبلور مع ملاحظتهم وجود فارق جلي بين نوعين من الأحاديث: أحدهما يورث العلم في النفس، ويحملها على التصديق بمفاده؛ بينما لا يرقى الآخر إلى هذه المرتبة، وإنّما يبقى على مسافة من إفادة العلم، مسافةٍ تتفاوت قصراً وطولاً بحسب اختلاف الحالات والظروف والملابسات.

ومن الملاحظ أنّ المساهمات التي يُمكن رصدها في هذا المجال متنوّعة في انتماءاتها؛ حيث تتوزّع على علم الكلام وعلم المنطق وعلمَيْ الفقه وأصوله وعلم الحديث الذي تأخَّر في استحضار هذا البحث إلى حظيرته، قياساً إلى ما سبقه من علوم. وقد انسحب تنوّع الانتماء هذا على طبيعة العطاءات المسجّلة، فجاءت متنوّعة في ألوانها، ثريّة في ما اشتملت عليه من ملاحظات وتأمُّلات، الأمر الذي يجعل من صبّها في قالب واحد متجانس خطوة ضروريّة على طريق رسم صورة متكاملة، عارية من الثغرات المترشّحة من كلّ علم إذا أخذ على حدة ومقطوعاً عن سائر العلوم.

ونحن في الوقت الذي نقرّ فيه بوقوف الأقدمين وقوفاً واضحاً على الكثير من مفاصل البحث وجزئيّاته، والتفاتهم إلى كثيرٍ من نكاته، فإنّ هذا لا يمنعنا من الإقرار في آن بأنّ الصورة المرسومة على ضوء تلك العطاءات المتنوّعة، وضمن أطرها المحدودة، بقيت عاجزة عن معالجة كلّ الجوانب، والإجابة عن كلّ التساؤلات.

ورغم تقدُّم المسلمين تاريخيّاً في الإفادة من النزعة الاستقرائيّة في تفسير تواتر الحديث، إلاّ أنّ التقدّم الحقيقي الذي شهده هذا البحث في القرن العشرين ربما يدين بشكل أوضح إلى تنامي العلوم التجربيّة في أوروبا ابتداءً من القرن السابع عشر الميلادي، وخاصّة بعد دخول نظريّة الاحتمال الرياضيّة على خطّ تفسير الدليل الاستقرائي عند جملة من فلاسفة الغرب.

وإذا قصرنا النظر على عطاءات علم أصول الفقه الشيعي الإمامي خاصّة، وضمن ما وصلنا من مصنّفاته ومؤلّفاته، فإنّنا نلاحظ في الفترة التي سبقت هيمنة التيّار الأصولي على الساحة المعرفيّة داخل الحوزات العلميّة الإماميّة بروز نزعة المحاكاة النسبيّة لما جاء في كتب أهل السنّة، والتي جاءت بلا شكّ أكثر ثراءً وتنوّعاً وخوضاً في غمار البحث، حتّى إذا ساد التيّار الأصولي، وجافى طرق البحث المعهودة، نَقَلنا من مشكلة المحاكاة إلى مشكلة التجريد النظري الذي أغرق فيه نفسه، مبتعداً بالبحث عن نطاقات المعالجة التي تناسب طبيعته.

ولكنّ هذا المشهد اختلف بصورة جوهريّة في النصف الثاني من القرن العشرين على يد المفكّر الإسلامي الكبير الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي مكّنته منزلته العلميّة الجامعة ـ وخاصّةً مع تأسيسه مذهباً معرفيّاً جديداً (المذهب الذاتي في المعرفة) ـ من تقديم تصوّر لبحث التواتر في بناءَيْه السفلي والعلوي، أقلّ ما يُمكن أن يوصف به هو أنّه يعبِّر عن أكمل تصوُّر قدّمه إلى اليوم عالمٌ مسلم في هذا المضمار؛ حيث أسّس لتفسير الدليل الاستقرائي تأسيساً معرفيّاً دقيقاً، مشاداً على مفهوم العلم الإجمالي، ومفسّراً على ضوء نظريّة الاحتمال الرياضيّة. ثمّ جاء بحث التواتر مفردةً من مفردات هذا الدليل. وقد تمكّن من تفسير مختلف مفاصل هذا البحث تفسيراً منطقيّاً، منسجماً مع بنائه السفلي، ومتجانساً مع قطعات بنائه العلوي.

إلاّ أنّ المقال الحالي لن يطال في مدياته التطوّر الأخير الذي شهده بحث التواتر على يد الشهيد الصدر، ولن يقف طويلاً عند بدايات تبلور التفسير الاستقرائي للتواتر على يد علماء الأصول. كما سيستثني ما سجّله الغربيّون ابتداءً من القرن السابع عشر في مضمار الخبر المفيد لليقين. بل يحصر مهمّته في الحقبة الزمنيّة الأولى التي شهدت نشأة البحث، وظهور الطرق الأوّليّة المطروحة لمعالجته، فاصلاً عنه كذلك فرعاً مهمّاً من فروعه، وهو البحث في أقسام الخبر المتواتر. وسنحاول في المستقبل بإذن الله تعالى أن نخصِّص لكلّ مستثنى من هذه المستثنيات دراسةً مستقلّة تستوعبه باختصار.

وإنّ طبيعة البحث الحاكمة عليه هي ـ بالدرجة الأولى ـ الرصد والتوصيف، حيث لم نخُضْ في تحليل البنى السفليّة إلاّ لمماً؛ يُـبرّر لنا ذلك أنّ عمليّة الاستشكاف تنطلق من أعلى إلى أسفل، فشكّلت دراستنا هذه مرحلة الاستشكاف الأولى. إضافة إلى إيماننا بأنّ أكثر العطاءات المسجّلة لم يتعدَّ إطار تسجيل الملاحظات العلويّة، ولم يكن مبنيّاً على رؤى سفليّة واضحة، وهو أمرٌ جدُّ طبيعيٍّ في سياق تطوّر العلوم وتكاملها، ولا يعبّر ـ بأيّ شكل من الأشكال ـ عن قصور أو تقصير.

 

    التواتر في اللغة والأدب والتاريخ

لبس مصطلح (التواتر) لباساً اصطلاحيّاً خاصّاً بعد دخوله إلى البيئة المعرفيّة لعلوم الكلام والمنطق والفقه والأصول والحديث. وحيث إنّ هذا المصطلح قد اكتسب معنى معرفيّاً خاصّاً، مستمدّاً من حقول المعرفة التي طاف بها، فإنّ من المناسب أن نطلّ على ما يُقصد منه خارج هذا الإطار. ومن هنا رأينا من المناسب أن نسلِّط الضوء على المراد من التواتر في معاجم اللغة أوّلاً، ثمّ في الشعر ثانياً، وفي الأدب والتاريخ ثالثاً، وفي كلمات المعصومين^ رابعاً. وسنلاحظ أنّ المعنى الشامل الذي يُمكن حمل كافّة الاستعمالات عليه هو (التتابع).

1ـ قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(175هـ): «المواترة: المتابعة… وقيل: ﴿تَتْراً﴾ (المؤمنون: 44): أي رسولاً بعد رسول»([1]). وفي غريب الحديث لابن سلاّم(224هـ): «قال أبو عبيدة: الوتيرة المداومة على الشيء: مأخوذ من التواتر والتتابع»([2])، وأضاف محمد بن أحمد الأزهري(370هـ): «والخبر المتواتر أن يُحَدِّثه واحد عن واحد، وكذلك خبر الواحد مِثلُ التواتر»([3]). وجاء في تعريف الصاحب بن عبّاد(385هـ) للوتيرة: «والوتيرة…: الفترة عن العمل والمشي، والمداومة على الشي‌ء؛ مأخوذٌ من التواتر»([4]). وأضاف الجوهري(393هـ) إلى كلام الخليل: «والمواترة: المتابعة. ولا تكون المواترة بين الأشياء إلاّ إذا وقعت بينهما فترةٌ، وإلاّ فهى مداركةٌ ومواصلةٌ»([5]). وهو ما ذكره ابن فارس(395هـ)([6]). وقال الراغب(502هـ): «والتواتر: تتابع الشي‌ء وتراً وفرادى»([7]). وفي شمس العلوم للحميري(573هـ): «[التواتر]: تواترت الإِبل: إذا جاء بعضها في إِثر بعض، كذلك الأخبار والكتب»([8]).

وفي اللسان لابن منظور(711هـ)، بعد تكراره تعريفات السابقين: «والخبر المتواتِر: أن يحدِّثه واحد عن واحد. وكذلك خبر الواحد مثلُ المتواتر. والمواترة: المتابعة، ولا تكون المواترة بين الأشياء إلاّ إذا وقعت بينها فترة، وإلاّ فهي مداركة ومواصلة»([9]). ولم يخرج عن الإطار المتقدّم كلٌّ من الفيّومي(770هـ)([10])، والفيروزآبادي(817هـ)([11])، والزبيدي(1205هـ)([12])، والطريحي(1087هـ)([13]).

ونستطيع على ضوء النصوص المتقدِّمة أن نسجّل ما يلي: 1ـ إنّ التواتر هو التتابع. 2ـ إنّ التواتر هو التتابع مع تخلُّل فترة. 3ـ إنّ أحد معاني التواتر هو التوقّف والفتور. 4ـ إنّ الخبر المتواتر هو الذي يحدِّثه واحدٌ عن واحد، وورد أنّه الخبر الذي يحدّثه واحدٌ بعد واحد.

وعلى هذا الأساس نلاحظ المناسبة في تسمية الخبر الذي يحدّث به جماعة بالمتواتر؛ لأنّ الرواة يتتابعون في الإخبار عن وقوعه. ولا يضرّ اشتراط تخلُّل الفترة في المقام؛ لأنّ إخباراتهم لا تقع عادةً في لحظة واحدة. ثمّ إنّه يكفي وجود المناسبة كما لا يخفى، ولا يشترط تطابق المعنى الاصطلاحي مع المعنى اللغوي. وبهذا لا يهمّنا أن يكون الخبر المتواتر هو الخبر الذي يحدّثه واحدٌ عن واحد، أم واحدٌ بعد واحد؛ إذ حتّى لو قلنا: إنّ المقصود من البَعديّة هنا الطوليّة في الإخبار، بمعنى أن يحدّث واحدٌ عن واحد، فإنّ التتابع محفوظٌ في الحالتين.

2ـ وإذا كان التواتر في كثيرٍ من كلمات اللغويّين متقوّماً بوجود فترة زمنيّة بين مفرداته، فإنّه ليس في الاستعمال بأزيد من مجرّد التتابع، وإنْ كانت أكثر الموارد تتضمّن ـ بحسب الدقّة ـ الفرجة والفاصل بين مفرداته.

ولسنا نجد حاجةً إلى تسجيل النصوص الشعريّة الكثيرة الواردة في هذا المجال، وإنّما نكتفي بالإحالة إلى جملة من الموارد: منها: ما ورد في شعر راشد بن عبد ربّه، الذي قاله لرسول الله| في الأصنام([14])، وما قاله عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة الزهري، وكان ممَّنْ أدرك حياة النبيّ|([15])، والفضل بن العبّاس في قضيّة صفّين، ردّاً على عمرو بن العاص([16])، وإبراهيم بن المدبّر([17])، وسليمان بن وهب([18])، وليلى الأخيليّة في رثاء محبِّها توبة بن الحمير الخفاجي([19])، وغير ذلك([20]).

3ـ أمّا في النصوص الأدبيّة والتاريخيّة المتقدِّمة فقد ورد أنّ العرب قالت في وصف الماء: «غدير ترقرقت فيه دموع السحائب، وتواترت عليه أنفاس الرياح الغرائب»([21]). وورد في التاريخ الحديث عن تواتر الكتب على كسرى حول إرهاصات ولادة النبيّ|([22]).

ومّما ورد حول تواتر الكتب: «وتواترت عليّ كتب جماعة من أهل ذلك، من قريب البلدان وبعيدها، يسألون الزيادة من فضله ونعمته»([23]). وقد ورد هذا المعنى في ما قاله الموصلّي حول أصناف التصريع والترصيع والتجنيس([24])، وفي الكتب السلطانيّة([25])، وفي كلام ابن سيرين(110هـ)([26])، وابن زكريّا الرازي(313هـ)([27])، والشريف الرضي(406هـ)([28])، وابن سينا(428هـ) في قانونه([29])، إلى غير ذلك الكثير من موارد استعمال مادّة التواتر بمختلف اشتقاقاتها. وهي كلّها بمعنى التتابع والتوالي([30]). ويظهر من بعضها أنّ التواتر هو التتابع بلا فرجة، خلافاً لما جاء في كثيرٍ كلمات اللغويّين المتقدِّمة، ومنها ما جاء في التذكرة الحمدونيّة: «…لأنّ العاقبة تكون لنا على المداومة، لا المداولة، والدائرة تدور عليهم على المواترة، لا على المناوبة»([31]).

4ـ أمّا في نصوص المعصومين^، فقد ورد عن رسول الله|: «عجِّلوا ردّ ظروف الهدايا؛ فإنّه أسرع لتواترها»([32]). وفي دعائه| الذي رواه أمير المؤمنين×: «…خيرك لي شاملٌ، وفضلك عليّ متواترٌ، ونعمتك عندي متّصلة… فلك الحمد متواتراً متوالياً متَّسقاً»([33]). وقد ورد هذا المعنى في العديد من أدعية أمير المؤمنين×([34])، والإمام زين العابدين×([35])، من قبيل: دعاء يوم الجمعة([36])، ودعاء السحر من شهر رمضان المبارك([37])، وأدعية شهر رمضان المبارك([38])، وفي زيارة أمير المؤمنين× المرويّة عن الإمام الباقر×([39])، وكذلك في حديث الإمام الرضا×([40]) وفي زيارته([41])، وزيارة الإمام الجواد×([42])، وزيارة الأئمّة^([43]).

والمهمّ في المقام أنّ تواتر الأخبار بمعنى تتابعها ورد في كلام الإمام الرضا× في محاججته مع رأس الجالوت والهربذ بعد وروده خراسان؛ فقد قال×: «أرأيتَ ما جاء به موسى من الآيات شاهدتَه؟ أَليس إنّما جاءت الأخبار من ثقات أصحاب موسى أنّه فعل ذلك؟! قال: بلى، قال: فكذلك أيضاً؛ أَتَتْكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم، فكيف صدَّقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى؟! فلم يَحِرْ جواباً… فما عذركم في ترك الإقرار لهم؛ إذ كنتم إنّما أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة بأنّه جاء بما لم يجئ به غيره؟!»([44]).

 

     بدايات التكوّن

إذا كان التواتر في اللغة بمعنى التتابع، فقد طبّقه الإمام الرضا×(203هـ) على الأخبار في مناظرته المتقدِّمة مع رأس الجالوت والهربذ، كما رأينا([45]). ونسب إلى هشام بن الحكم(199هـ) أنّه ذهب إلى أنّ «خبر المتواتر[ين] يوجب العلم، ولو كانوا كفّاراً»([46]).

واعتبر محمد بن إدريس الشافعي(204هـ) في الرسالة أنّ «أقلّ ما تقوم به الحجّة على أهل العالم حتّى يثبت عليهم خبر الخاصّة» هو «خبر الواحد عن الواحد، حتّى يُنتهى به إلى النبيّ أو مَنْ انتهى به إليه دونه»([47]). كما نقف له في كتاب الأمّ على النصّ التالي: «فقلت له حدِّد لي تواتر الأخبار بأقلّ ممّا يثبت الخبر، واجعل له مثالاً لنعلم ما يقول وتقول؟ قال: نعم، إذا وجدت هؤلاء النفر الأربعة الذين جعلتهم مثالاً يروون واحداً، فتتّفق روايتهم أنّ رسول الله حرّم شيئاً، أو أحلّ شيئاً، استدللتُ على أنّهم بتباين بلدانهم، وأنّ كلاًّ منهم قَبِل العلم عن غير الذي قَبِله عنه صاحبه، وقَبِله عنه مَنْ أدّاه إلينا ممَّنْ لم يقبل عن صاحبه، أنّ روايتهم إذا كانت هذا تتّفق عن رسول الله فالغلط لا يمكن فيها. قال فقلتُ له: لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعةٍ في بلدٍ، ولا إنْ قبل عنهم أهل بلدٍ، حتى يكون المدني يروي عن المدني، والمكّي يروي عن المكّي، والبصري عن البصري، والكوفي عن الكوفي، حتّى ينتهي كلّ واحدٍ منهم بحديثه إلى رجلٍ من أصحاب النبيّ، غير الذي روى عنه صاحبه، ويجمعوا جميعاً على الرواية عن النبيّ؛ للعلّة التي وصفت؟ قال: نعم؛ لأنّهم إذا كانوا في بلدٍ واحدٍ أمكن فيهم التواطؤ على الخبر، ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدانٍ مختلفة»([48]).

وقال الجاحظ(255هـ) في رسائله السياسيّة: «…فما غاب عنك ممّا قد رآه غيرك ممّا يدرك بالعيان فسبيل العلم به الأخبار المتواترة، التي يحملها الوليّ والعدو، والصالح والطالح، المستفيضة في الناس، فتلك لا كلفة على سامعها من العلم بتصديقها؛ فهذا الوجه يستوي فيه العالم والجاهل. وقد يجي‏ء خبر أخصّ من هذا، إلاّ أنّه لا يعرف إلاّ بالسؤال عنه، والمفاجأة لأهله، كقوم نقلوا خبراً، ومثلك يحيط علمه أنّ مثلهم في تفاوت أحوالهم، وتباعدهم من التعارف، لا يمكن في مثله التواطؤ، وإنْ جهل ذلك أكثر الناس. وفي مثل هذا الخبر يمتنع الكذب، ولا يتهيّأ الاتّفاق فيه على الباطل»([49]). وقال في كتاب العثمانيّة: «وليس بين الأشعار وبين الاخبار فرقٌ إذا امتنع في مجيئها وأصل مخرجها التباعد والاتّفاق والتواطؤ»([50]).

أمّا أبو نصر الفارابي(339هـ) فقد قسَّم الخبر إلى: عامّ؛ وخاص: «فالعامّ منه ما أتى من الأخبار المتواترة من الجهات المختلفة الأجناس والبلدان والألسنة والآراء، على غير تواطؤ من الجماعات التي يجوز عليها التواطؤ على نقل الكذب. والخبر الخاصّ ما لم يكن كذلك، بل كان المخبر به واحداً أو جماعة متواطية عليه؛ فإنّ خبر الجماعة مع التواطؤ يكون خاصّاً. والأوّل يجب تصديقه، والثاني لا يجب تصديقه، إلاّ بعد النظر في الاستدلال عليه»([51]).

وعرّف أبو عبدالله محمد الخوارزمي الكاتب(387هـ) الخبر المتواتر بقوله: «هو ما رواه جماعة من الصحابة، وقد اتَّفق عامّة الفقهاء على قبوله»([52]). وقال معاصره أبو الحسن عليّ بن عمر المالكي(397هـ): «ومذهب مالك& قبول الخبر الذي قد اشتهر واستغني عن ذكر عدد ناقليه؛ لكثرتهم. وهذا هو الخبر المتواتر الذي يوجب العلم ويقطع العذر، ويشهد على مخبره بالصدق، ويرتفع معه الريب»([53]).

وابتداءً من مرحلة الجصّاص أحمد بن عليّ الرازي(370هـ) ـ سواءٌ أكان ذلك على يديه أم على يدي غيره ـ أخذ قيدٌ جديد بالظهور في تعريف الخبر المتواتر، وهو ما يرتبط بإحالة العادة تواطؤ المخبرين على الكذب.

فقد عرّف الجصّاص الخبر المتواتر بأنّه «ما تنقله جماعةٌ لكثرة عددها لا يجوز عليهم في مثل صفتهم الاتّفاق والتواطؤ في مجرى العادة على اختراع خبرٍ لا أصل له»([54]).

وقال الشيخ المفيد(413هـ): «والتواتر الذي وصفناه هو ما جاءت به الجماعات البالغة في الكثرة والانتشار إلى حدٍّ قد منعت العادة في اجتماعهم على الكذب بالاتفاق، كما يتفق لاثنين أن يتواردا بالإرجاف. وهذا حدٌّ يعرفه كلّ مَنْ عرف العادات»([55]).

وأوضح السيد المرتضى(436هـ) ـ إذا اعتمدنا تعبيرنا المعاصر ـ أنّ وقوع الحادثة فعلاً كافٍ لتفسير صدق المخبرين، أمّا عدم وقوعها فمتوقِّف على كذبهم جميعاً([56]).

وقال معاصره أحمد بن علي الخطيب البغداداي(463هـ): «فأمّا خبر التواتر فهو ما خبر به القوم الذين يبلغ عددهم حدّاً يعلم عند مشاهدتهم بمستقرّ العادة أنّ اتّفاق الكذب منهم محالٌ، وأنّ التواطؤ منهم في مقدار الوقت الذي انتشر الخبر عنهم فيه متعذِّر، وأنّ ما خبروا عنه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله، وأنّ أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية إلى الكذب منتفية عنهم»([57])؛ حيث أضيف إلى الحدّ قيدٌ مهمّ، وهو «إحالة العادة»، التي عرّفها معاصره الباقلاّني(403هـ) بأنّها تكرّر الشيء على طريقة واحدة([58]).

ومن هنا اعتبر الملاّ محمد صالح المازندراني(1081هـ) أنّ في هذا القيد «إشارة إلى أنّ الامتناع [مستند] إلى العادة، لا إلى العقل؛ إذ التجويز العقلي بالتوافق على الكذب ـ بمعنى إمكانه بحسب الذات ـ واقعٌ، إلاّ أنّ هذا لا ينافي امتناعه عادةً، كما في سائر الممتنعات العادية»([59])، وهو ما ذكره القارصي(1160هـ)([60]).

أمّا سيف الدين الآمدي‏(631هـ) فقد عرّف القضيّة المتواترة بأنّها «كلّ قضيّة أوجب التصديق بها خبر جماعة يؤمن معهم التواطؤ على الكذب، كالعلم بوجود مكّة وبغداد ونحوه»([61])، وقال: «وإنّما التواتر في اصطلاح المتشرِّعة عبارة عن تتابع الخبر عن جماعة مفيد للعلم بمخبره»([62]).

واللافت أنّ ابن النفيس(687هـ) أرجع الإحالة إلى العقل، لا إلى العادة، فقال: «الخبر المتواتر هو خبر أقوامٍ بلغوا في الكثرة إلى حدٍّ يمنع العقل من توافقهم في ذلك على الكذب، فلذلك هو يفيد القطع»([63]). ولعلّ مراده ما يلحظه العقل من استحالة ذلك عادةً.

وقيَّد العلاّمة الحلّي(726هـ)([64])، والسبكي(771هـ)، بعبارة «بنفسه»، في قولهما: «خبر جماعةٍ يفيد بنفسه العلم بصدقه»؛ إذ «قد يقع العلم لا بنفس الخبر، بل إمّا بقرائن زائدة أو غيرها. والمتواتر ليس ذاك»([65]). فأضافا قيد «بنفسه» لإخراج العلم الحاصل من القرائن. وهو قيدٌ مهمّ. بينما أطلق معاصرهما الشهيد الأوّل(786هـ) ذلك على مطلق العلم، فقال: «ما بلغ رواته إلى حيث يحصل العلم بقولهم»([66]).

ولهذا فالكثرة قد تكون جزء علّة لحصول العلم إذا انضمّت إليها القرائن، وقد تكون علّة تامّة لذلك مع عدم وجود القرائن([67]). وقد مثَّل المحقِّق النراقي(1209هـ) للعلم المستفاد من إخبار الجماعة بنفسه بالعلم بمكّة والبلدان المعروفة([68]).

والآن نرجع إلى الشريف عليّ بن محمد الجرجاني‏(816هـ) الذي عرّف الخبر المتواتر بأنّه «الخبر الثابت على ألسنة قومٍ لا يتصوَّر تواطؤهم على الكذب»([69]).

ولن نقف كثيراً عند نقل الحدود التي تكرَّرت في الكتب بنحوٍ مشابه، ولكنّنا سنقف عند كلام الميرزا القمّي، صاحب القوانين(1231هـ)، الذي نقل التعريف المشهور، وأشكل عليه بأنّهم اشترطوا في التواتر تعدّد المخبرين وكثرتهم إلى حدٍّ يؤمن تواطؤهم على الكذب عادةً، ولا ريب أنّ مقتضى ذلك أن يكون للكثرة مدخليّة في حصول العلم، بحيث لو لم تكن لم يحصل العلم. ومن هنا رجَّح تعريف الخبر المتواتر بأنّه «خبر جماعة يؤمَن من تواطؤهم على الكذب عادةً، وإنْ كان للوازم الخبر مدخليّة في إفادة [تلك] الكثرةِ العلمَ»([70]).

كما انتهى الميرزا القمّي إلى أنّ كثيراً ممّا نعتقد حصول العلم لنا به من جهة التواتر ليس منه، بل هو من جهة أنّ أهل العصر قاطبة مجمعون على ذلك؛ إمّا بالتصريح؛ أو بظهور أنّ سكوتهم مبنيٌّ على عدم بطلان هذا النقل([71]). وهو ما لم يرتضِه صاحب الفصول(1254هـ)([72]).

 

     موقع القضيّة المتواترة على خارطة المعرفة

يُمكننا أن نستخلص ممّا تقدّم أنّ الخبر المتواتر عندهم هو خبر جماعة تحيل العادة تواطؤها على الكذب. وينبغي أن يكون مرادهم من إحالة العادة ذلك أنّنا نلاحظ بالاستقراء ـ وبحسب المتكرِّر خارجاً ـ أنّه لا يخبر أشخاصٌ كثيرون عن موضوعٍ واحد ثمّ يتّفق أن يكونوا كلُّهم كاذبين. وإلاّ فالامتناع نفسه دائماً عقليّ، كما قرّره المتأخّرون.

ولكنّنا لن نستطيع فهم حقيقة الموضوع إلاّ إذا نظرنا إلى كلمات المناطقة ـ الذين كان بعضهم من علماء الأصول ـ؛ وذلك بهدف فهم طريقة تعاملهم مع الخبر المتواتر من ناحية معرفيّة.

من الركائز التي يقوم عليها المنطق الأرسطي وجود معارف قبليّة لدى الإنسان، تشكِّل مبدأ توالد المعارف البعديّة. وهو ما أسماه أرسطو(322ق.م) اسم (الأوائل) أو (المبادئ). وأكّد أنّه يعني بهاتين الكلمتين المعنى نفسه، فقال: «ومعنى أنّه من الأوائل هو أنّه من مبادئ مناسبة؛ وذلك أنّي إنّما أعني بالأوّل والمبدأ معنىً واحداً بعينه. ومبدأ البرهان هو مقدّمة غير ذات وسط، وغير ذات الوسط هي التي ليس توجد أخرى أقدم منها»([73]).

ومبرّر الاعتقاد بوجود معارف قبليّة تشكّل منشأً للمعارف البعديّة ـ كما يقول شمس الدين الشهرزوري(القرن السابع) ـ هو «أنّ التصوّرات والتصديقات لا يجوز أن تكون كلّها ضروريّة، وإلاّ لما فقد أحد علماً من العلوم، ولا كلّها نظريّة، وإلاّ لزم الدور أو التسلسل. فإذاً بالضرورة بعضها ضروريّ، كتصوّر الوجود، وأنّ الواحد نصف الاثنين؛ وبعضها نظريّ، كتصوّر الملك، وحدوث العالم. وتنتهي النظريّة إلى القسم الضروريّ، حتّى لا يلزم دورٌ، ولا تسلسل‏»([74]). وهو الموجود في مختلف المتون المنطقيّة([75]). والمراد من انتهاء النظري إلى الضروري ابتناؤه عليه، لا إفضاؤه إليه. ولذلك اشترطوا في النظر «أن يكون المطلوب فيه علم الاكتساب، لا علم الضرورة»، كما ذكره أبو مظفّر السمعاني(489هـ)([76]). طبعاً هذا لا يعني اختلاف النظري عن الضروريّ في طبيعته الكاشفة من حيث كونه علماً، بل هما على حدٍّ واحد، كما يقرّره عبد الملك الجويني (الأشعري)(478هـ)([77]).

وبعد التقسيم الثنائي للمعارف إلى ضروري يشكّل بداية المعرفة، ونظري يعبّر عن ثمارها البعديّة، قسَّموا مبادئ المعرفة نفسها إلى طوائف، المهمّ منها هو المبادئ اليقينيّة للمعرفة. فقسَّموها ـ كما عند ابن سينا(428هـ) ـ إلى «الأوليّات والضروريّات والمحسوسات والمجرّبات والمظنونات والمتواترات والوهميات والمشهورات والمسلّمات والمقبولات…‏»([78]). وقد عرّف الأخير المتواترات بأنّها «الأمور المصدّق بها، من قبل تواتر الأخبار، التي لا يصحّ في مثلها المواطاة، لا على الصدق ولا على الكذب؛ لغرض من الأغراض، كضرورة تصديقنا بوجود الأمصار والبلدان الموجودة وإنْ لم نشاهدها»([79]).

وعندما وصل إلى الحديث عن المقدّمات التي منها تتألّف البراهين قال: «هي المحسوسات، كقولنا: الشمس مضيئة؛ والمجرّبات، كقولنا: الشمس تشرق وتغرب، والسقمونيا تسهل الصفراء؛ والأوّليات كقولنا: الكلّ أعظم من الجزء، والأشياء المساوية لشي‏ءٍ واحد متساوية؛ والمتواترات، كقولنا: إنّ مكّة موجودة»([80])، وقال في موضع آخر: «وأمّا المتواترات فمثل تصديقنا بوجود بلاد وناس لم نرَهم تصديقاً في غاية من الثقة»([81]). وقال في الإشارات والتنبيهات: «القضايا التواتريّة، وهي التي تسكن إليها النفس سكوناً تامّاً، يزول معه الشكّ؛ لكثرة الشهادات، مع إمكانه، بحيث تزول الريبة عن وقوع تلك الشهادات على سبيل الاتفاق والتواطؤ. وهذا مثل اعتقادنا بوجود مكّة، ووجود جالينوس وأقليدس وغيرهم»([82])، وهو ما كرَّره تلميذه بمهنيار  بن المرزبان(458هـ)([83]).

ثمّ إنّ ابن الغيلان(القرن5) اعتبر أنّ «المقدّمات كلّها تنحصر في ثلاثة عشر قسماً: المحسوسات، والمجربّات، والمشهورات بالحقيقة، والمتواترات، والوهميّات، والأوّليّات، والمقبولات، والمشهورات في بادى الرأي، والمظنونات والمشبّهات، والمخيّلات، واللواتي تعرف بقياسات هي في الطبع، واللواتي تعرف بقياسات تكتسب وليس في الطبع…. وأمّا المتواترات فمثل تصديقنا بوجود بلاد وناس لم نرَهم تصديقاً في غاية من الثقة»([84]).

واعتبر عمر بن سهلان الساوي‏(540هـ) أنّ المتواترات من «موادّ القياس البرهاني؛ لأن المطلوب من البرهان هو اليقين»([85]). وعرّفها بأنّها «القضايا التي يحكم بها؛ بسبب إخبار جماعة عن أمرٍ تنتفي الريبة عن تواطئهم واتّفاقهم على تلك الأخبار، فتطمئنّ النفس إليها، بحيث لو أرادت التشكك فيه امتنع عليها، وهذا مثل اعتقادنا بوجود مكّة ومصر وبغداد، ووجود نبيّنا محمد؛ بسبب تواتر الشهادات وكثرتها، بحيث لم يبق للشكّ فيه إمكان»([86]).

ولدينا نصٌّ مهمّ جدّاً من شأنه أن يفيدنا لاحقاً في التوفيق بين مختلف الأقوال حول ضروريّة العلم الحاصل من التواتر أو نظريّته، وهو قول أبي البركات هبة الله بن عليّ بن ملكا البغدادي‏(547هـ)، الذي أسند فيه الضرورة في القضيّة المتواترة إلى الحسّ والعقل معاً؛ باعتبار أنّ العقل يحكم بذلك وفقاً لما أدركه من الحسّ([87]).  وهو ما كرَّره من بعده الفخر الرازي(606هـ) ([88])، وقطب الدين الرازي(766هـ) في المحاكمات([89])، وفي تحرير القواعد([90]).

ونصل إلى شيخ الإشراق(587هـ) الذي قسَّم مبادئ البرهان اليقينيّة إلى: أوّليّة؛ ومشاهدات؛ وحدسيّات. واعتبر أنّ القضيّة المتواترة من الحدسيّات([91])، ولكنّه جعلها في موضع آخر في عرضها([92]). وقد صرّح الشهرزوري بإدراج شيخ الإشراق المتواترة في الحدسيّات([93]). وعلّل شارحه قطب الدين الشيرازي(715هـ) ذلك باعتبار «احتياج الكلّ إلى الحدس»([94]). وعرّف القضيّة المتواترة أثناء شرحه لحكمة الإشراق قائلاً: «هي قضايا يحكم بها الإنسان لكثرة الشهادات يقيناً»([95])، وأضاف: «المتواترات: وهي قضايا يحكم العقل بها بواسطة كثرة الشهادات من المخبرين، بشرط عدم امتناع المخبر عنه، والأمن عن التوافق على الكذب، وانتهائها إلى مَنْ شاهد المخبر عنه، كالحكم بوجود مكّة والمدينة والهند والوقايع العظام، فتوافق المخبرين وإنْ لم يلقَ بعضهم بعضاً يوجب اليقين»([96]). وهو ما قرّره في رسائل الشجرة الإلهيّة([97]).

وقد نبّه الخواجة نصير الدين الطوسي(672هـ) إلى أنّ «المتواترات أيضاً يشتمل على تكرار وقياس، إلاّ أنّ الحاصل بالتواتر هو علم جزئيّ من شأنه أن يحصل بالإحساس. ولذلك لا يعتبر التواتر إلاّ في ما يستند إلى المشاهدة. فحكم المتواترات حكم المحسوسات. ولذلك لا يقع في العلوم بالذات‏»([98]). وأخرجها من الأوليّات في كتابه التجريد في المنطق، واعتبر أنّ الأساس في مبادئ الأقيسة اليقينيّة هي الأوّليّات، وما عداها متفرِّع عنها([99]).

وعلّق العلامة الحلّي(726هـ) على ذلك بالقول: «أقول هذه قضايا تسمى قضايا قياساتها معها، وفطرية القياس أيضاً. وهي قضايا يحكم بها العقل؛ لوسائط لا يخلو الذهن عنها البتّة. فهي تشابه الضروريات لعدم انفكاك العقل عنها في حينٍ من الأحيان، وإنْ كانت ذوات أوساط، كالعلم بأن الاثنين نصف الأربعة، فإنه حكم عقلي قطعي فطري حصل بوسطٍ، هو أن الاثنين عددٌ انقسمت الأربعة إليه، وإلى ما يساويه، فهو نصف ذلك العدد، فالاثنان نصف الأربعة. وهذه الأربعة ليست من المبادي؛ لتوقّفها على وسائط ومبادئ غيرها، ولأنها غير عامّة؛ لاختلاف العقلاء فيها. والمعتمد إنما هو الأوّليّات؛ فإنّ المحسوسات أيضاً غير مشتركة بين العقلاء»([100]). ثمّ انتهى إلى أنّ «الحكم المستفاد من التواتر كالحكم المستفاد من الحسّ، من أنه يجب أن يكون جزئياً، ولا يفيد رأياً كلّياً»([101]).

وممَّنْ تناول موقع المتواترات قطب الدين الشيرازي(715هـ)، في شرح كلام شيخ الإشراق، حيث عدّ المتواترات من المقدّمات اليقينيّة الستّة([102]). وكذلك فعل الخواجة نصير الدين الطوسي‏(672هـ)([103]). وتبعه على ذلك صاحب الشمسيّة نجم الدين علي الكاتبي القزويني‏(675هـ)([104])، وابن كمّونة(683هـ)([105])، الذي أضاف: «وفيه أيضاً قوة قياسيّة»([106]).

كما عرّفها بتعريفٍ قريب العلاّمة الحلّي(726هـ)([107])، وقطب الدين الرازي(766هـ)([108]). وقد أكّد الأخير على كون المتواترات من المبادئ اليقينيّة التي تبتني عليها النظريّات، واعتبر أنّ الحاكم في المتواترات عبارة عن ثنائي (العقل ـ السمع)([109]). وقد وافقه على يقينيّتها عبد الله بن شهاب الدين الحسين اليزدي(981هـ)([110]).

وقرّر صدر المتألّهين الشيرازي(1050هـ) أنّ «البرهان؛ لكونه مفيداً لليقين، وجب أن يكون صورتها يقينيّة الإنتاج، فلا يكون إلاّ قياساً ومادتها اليقينيّات من الأوّليّات والمشاهدات والتجربيّات والحدسيّات والمتواترات والفطريّات»([111]).

والخلاصة هي أنّ المستفاد من مجموع كلماتهم ـ تصريحاً أو تلويحاً ـ أنّ منشأ العلم بمفاد الخبر المتواتر هو وجود كبرى عقليّة أوّليّة لدى الإنسان تفيدُ استحالة الاتفاق الدائمي أو الأكثري، وإلاّ لما صحّ عدّهم القضيّة المتواترة من مبادئ الأقيسة اليقينيّة. وتشكّل هذه القضيّة الأوّليّة المقدّمة الكبرى في قياسٍ خفيٍّ يحتكم إليه الذهن البشري لدى مواجهته أخباراً متتالية أو متعدِّدة تفيد مضموناً واحداً، والتي تشكّل بدورها صغرى ذاك القياس، فيحصل العلم لدى الإنسان بصحّة المضمون المنقول بالنحو التالي:

الكبرى: الاتفاق الدائمي أو الأكثري مستحيل، أي يستحيل أن تتكرّر الصدفة على شيء واحد دائماً أو في أكثر المرّات.

الصغرى: أخبرنا عشرُ رواةٍ ـ مثلاً ـ بوقوع المفاد (أ).

النتيجة: يستحيل أن تكون الصدفة وراء إخبار كلّ الرواة أو أكثرهم عن وقوع الحادثة، بمعنى أنّه يستحيل أن يكون الرواة العشرة قد أخبرونا عن وقوع الحادث لا بسبب وقوعه واقعاً، بل بسبب وجود مصلحةٍ لكلّ واحد منهم على حِدة دعته إلى اختلاق ذلك، ثمّ اتّفقت المصالح على مصبٍّ واحد، وهو المفاد الذي أخبروا عنه. ونستنتج من ذلك وقوع الخبر؛ لأنّه بعد انتفاء الفرضيّة السابقة لا يبقى أمامنا إلاّ فرضيّة أنّ إخبارهم عن وقوع الحادث كان ناتجاً عن وقوع الحادث واقعاً. وهذا ما نستهدف إثباته. ومن هنا يحصل لنا العلم بوقوع الحادث.

طبعاً لم تكن هذه الصيغ التحليليّة لتتَّضح حتّى للمؤمنين بصيغة الحلّ الأرسطيّة لولا التحليل والنقد المعمَّق اللذين تقدّم بهما المفكِّر الشهيد محمد باقر الصدر، الأمر الذي نترك بحثه إلى مجالات أخرى أكثر فسحة.

 

     طبيعة العلم الحاصل من الخبر المتواتر

حتّى يصحّ أن نتحدّث عن طبيعة العلم الحاصل بالتواتر من الطبيعي أن نكون قد فرغنا في مرحلة سابقة عن أصل حصول هذا العلم، وما يتفرّع عنه من نسبيّة هذا العلم الحاصل، بمعنى أنّ حصوله لدى شخص يقتضي حصوله لدى الكلّ، أم هل أنّ حصوله من إخبار أشخاص محدَّدين في حالةٍ ما يقتضي حصوله من إخبارهم في حالة أخرى؟

ومن هنا نتحدّث بشكلٍ رئيس عن طبيعة العلم الحاصل بالتواتر. ولكنّنا نقدّم لذلك بالحديث عن أصل حصول العلم، ثمّ عن نسبيّة حصوله. فهنا ثلاثة أبحاث:

 

     1ـ حول أصل حصول العلم بالتواتر

وقد توزّعت حوله الآراء على ثلاثة أقوال:

الأوّل: ما حكي عن السمنيّة والبراهمة من نفي حصول العلم بالتواتر([112]). ولكنّ الذاهبين إليه قلّة.

الثاني: وهو يشترط في حصول العلم بالتواتر أن تكون الأخبار فيه عن أمور في زماننا، دون ما كان عن أمور سالفة([113]).

الثالث: وهو الذي يشكِّل القائلون به النسبة الأكبر؛ حيث اعترف الأكثر بحصول العلم، ولم يميّزوا بين الإخبار عن أمور حاضرة أو سالفة([114]). ولكنْ ربما كاد أن يتّفق الكلّ على الحصول([115])، حتّى وصفوا المنكر بالمكابر([116]).

وقد حاول النافون زعزعة كيان العلم من خلال إثارة مجموعة من الشبهات، لخّصها صاحب المعالم(1011هـ)، وأجاب عنها جواباً إجماليّاً على أساس أنّ هذه الشبهات تشكيكٌ في الضروريّ، فهي كشبهة السوفسطائيّة لا تستحقّ الجواب، ولكنّه استعرضها، وأجاب عن كلّ واحدة منها([117]):

أـ إنّه يجوز الكذب على كلّ واحد من المخبرين، فيجوز على الجملة؛ إذ لا ينافي كذب واحد كذب الآخرين قطعاً؛ ولأن المجموع مركَّب من الآحاد، بل هو نفسها، فإذا فرض كذب كلّ واحد فقد فرض كذب الجميع، ومع وجوده لا يحصل العلم.

وقد أجاب صاحب المعالم بأنّه قد يخالف حكم الجملة حكم الآحاد؛ فإنّ الواحد جزء العشرة، وهو بخلافها، والعسكر متألِّف من الأشخاص، وهو يغلب ويفتح البلاد، دون كلّ شخصٍ على انفراده.

وصيغت هذه الشبهة بأنّه إذا كان الكذب جائزاً على الفرد حين انفراده فكذلك الأمر حين اجتماعه، وإلاّ للزم انقلاب الجائز إلى ممتنعٍ، وإذا كان محالاً فهذا يعني أنّه يجوز الكذب على الجميع، فلا يكون إخبارهم مفيداً للعلم([118]).

والحقيقة أنّ بعض علمائنا تورَّط في هذه الإشكاليّة، رغم أنّه قائلٌ بحصول العلم بالتواتر، كالعلامة الحلّي(726هـ)، الذي اعتبر أنّه إذا جاز الخطأ على واحد جاز على الجميع، وذلك عند نقاشه في أهميّة الإجماع عند أهل السنّة. فقال محاجِجاً: «لأنّ الإجماع إنّما هو حجّة باشتماله على قول المعصوم؛ لأنّه لولاه لكان جواز الكذب لازماً لكلّ واحد، ولازم الجزء لازم للكل‏ّ»([119]). وقال أيضاً: «ما ليس بحجّة إذا انضاف إلى ما ليس بحجّة لا يصير حجّة»([120]). ومع التسليم بوجود فارق بين باب التواتر وبين باب الإجماع من ناحية الحسّ والحدس، إلاّ أنّ النكتة المذكورة أعلاه مشتركة بينهما في أصلها، فلا يصحّ نفيه الكبرى مطلقاً.

وممَّنْ تعرَّض لذلك سعد الدين التفتازاني(793هـ)، حيث قال: «قدح بعض المنكرين للنبوّة في المعجزات… بأنّها على تقدير ثبوتها لا تثبت على الغائبين؛ لأنّ أقوى طرق نقلها التواتر، وهو لا يفيد اليقين؛ لأنّ جواز الكذب على كلّ أحد يوجب جوازه على الكلّ…. والجواب… بأنّ المتواترات أحد أقسام الضروريّات، فالقدح فيها بما ذكر، مع أنّه ظاهر الاندفاع، لا يستحقّ الجواب‏»([121]).

وممّا قاله أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني(548هـ): «واعلم أنّ الإجماع إنّما كان حجّة لأنّ المجمعين؛ لمجموعهم، معصومون عن الخطأ والكفر والضلالة، وإنْ كان ذلك جائزاً في آحادهم. فمجموع هذه الأمّة في العصمة نازل منزلة شخص واحد في العصمة، ويجوز أن يثبت حكم لمجموع من حيث هو جملة مجموعة، ولا يثبت لواحد منهم، كخبر التواتر، فإن العلم يحصل بمجموعه، وإنْ لم يحصل بآحاده، والسكر الحاصل من الأقداح، والشبع الحاصل من اللقم، وغير ذلك»([122]).

ب ـ إنّه يلزم تصديق اليهود والنصارى في ما نقلوه عن موسى وعيسى‘ أنّهما قالا: «لا نبيّ بعدي»، وهو ينافي نبوة نبيِّنا×، فيكون باطلاً.

وأجاب عنه بأنّ نقل اليهود والنصارى لم يحصل بشرائط التواتر، فلذلك لم يحصل العلم.

ج ـ أنّه كاجتماع الخلق الكثير على أكل طعامٍ واحد، وأنّه ممتنع عادةً.

وأجاب عنه بأنّه قد علم وقوعه. والفرق بينه وبين الاجتماع على الأكل وجود الداعي، بخلاف أكل الطعام الواحد. وبالجملة فوجود العادة هنا وعدمها هناك ظاهرٌ.

د ـ إنّ حصول العلم به يؤدّي إلى تناقض المعلومين، إذا أخبر جمعٌ كثير بالشيء وجمعٌ كثير بنقيضه، وذلك محالٌ.

وأجاب عنه بأنّ تواتر النقيضين محالٌ عادة.

هـ ـ إنّه لو أفاد العلم الضروري لما فرّقنا بين ما يحصل منه كما مثَّلتم به وبين العلم بالضروريّات، واللازم باطلٌ؛ لأنّا إذا عرضنا على أنفسنا (وجود الإسكندر) مثلاً وقولنا: (الواحد نصف الاثنين) فرّقنا بينهما، ووجدنا الثاني أقوى بالضرورة.

وأجاب عنه بأنّ الفرق الذي نجده بين العِلْمين إنّما هو باعتبار كون كلّ واحد منهما نوعاً من الضروريّ، وقد يختلف النوعان بالسرعة وعدمها؛ لكثرة استئناس العقل بأحدهما دون الآخر.

و ـ إنّ الضروري يستلزم الوفاق فيه، وهو منتفٍ لمخالفتنا.

وأجاب عنه بأنّ الضروري لا يستلزم الوفاق؛ لجواز المباهتة والعناد من الشرذمة القليلة.

 

      2ـ حول نسبيّة العلم الحاصل بالتواتر

ممّا تنبَّه إليه القوم هو أنّ حصول اليقين نسبيّ. وتحمل النسبيّة هنا معنيين:

الأوّل: إنّهم تنبّهوا إلى أنّ «تواتر الشهادات قد يفيد اليقين في بعض الوقائع، ولا يفيد مثلها في واقعة أخرى، فلا يغني الاستشهاد بتلك الوقائع المتيقّنة مهما تخلّف اليقين في هذه»([123])، كما ذكر عمر بن سهلان الساوي(540هـ).

الثاني: إنّهم تنبّهوا إلى أنّ العلم قد يحصل عند شخصٍ، ولا يحصل عند آخر، وذلك تبعاً للظروف والملابسات وتوفُّر الشروط. ولذلك اعتبر محمد بن الحسين الفرّاء(458هـ) أنّه ليس من شرط المتواتر «أن يجمع الناس كلّهم على التصديق به»([124])، وقال أبو حامد الغزّالي(505): «فقد يتواتر عند واحدٍ ما لا يتواتر عند غيره‏»([125])، وصادق عليه الفخر الرازي(606هـ)([126])، وشمس الدين الشهرزوري(القرن7)([127])، وصاحب الشمسيّة نجم الدين عليّ الكاتبي القزويني‏(675هـ)([128]). وربما لهذا السبب نجد الشريف عليّ بن محمد الجرجاني‏(816هـ) يقول في حديثه عن المناقضة: «…وأمّا اذا كانت من التجربيّات والحدسيّات والمتواترات فيجوز منعها؛ لأنّه ليس بحجّة على الغير» ([129]). ويظهر من أحمد ابن تيميّة الحراني(728هـ) أنّه لم يرتضِ هذه المقولة، وإنْ كان كلامه قاصراً عن ردّها([130]).

 

   3ـ حول طبيعة العلم الحاصل بالتواتر

من المسائل التي وقع فيها خلافٌ شديد بين علماء المنطق والأصول طبيعة العلم الحاصل من التواتر، بين قائلٍ بأنّه علم ضروري، وقائلٍ بأنّه نظريّ، وقائلٍ بالتفصيل.

وتجدر الإشارة بدايةً إلى أنّ اختلافهم في تعريف الضروري والنظري كان له أثرٌ كبيرٌ في حصول هذا الاختلاف؛ إذ لم يتَّفقوا على معنى واحد، فكان الاختلاف ـ في بعض مفرداته على الأقلّ ـ راجعاً إلى الاختلاف في تعريف المصطلح، فكان النزاع لفظيّاً([131]).

قال أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني(478هـ): «شرط العلم الضروري أن يستوي في دركه أرباب العقول، مع استواء أحوالهم في السلامة، وانتفاء الآفات، وإنْ شذّ شرذمة بعناد فلا يبلغون عدداً تقوم بمثلهم حجّة»([132]). ولأنّ كون الأمر ضروريّاً لا يعني اتّفاق العقلاء فيه قرّر سعد الدين التفتازاني(793هـ)، في شرح المقاصد، أنّ «الضروري قد يقع فيه خلاف؛ إمّا لعناد؛ أو لقصور في إدراك؛ فإنّ العقول متفاوتة بحسب الفطرة باتّفاق من العقلاء، واستدلال من الآثار، وشهادة من الأخبار‏»([133]).

وعرّف قطب الدين الرازي(766هـ) الضروري بأنّه «ما لا يحتاج في حصوله إلى النظر، كتصوّر الوجود، والشيء، والتصديق بأنّ الكلّ أعظم من الجزء، والنظري ما يحتاج في حصوله إلى النظر، كتصوّر حقيقة الملك، والروح، والتصديق بحدوث العالم‏»([134]). واعتبر الشهيد الأوّل(786هـ) أنّ ضابط التمييز بين الضروري والنظري يكمن في كونه مدركاً للعقل بلا واسطة، فيكون ضروريّاً، أو معها فيكون نظريّاً([135]). أمّا عبد الرحمن بن أحمد الإيجي(756هـ) فقد عرّف الضروري بأنّه «ما يلزم نفس المخلوق لزوماً لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلاً، واللزوم هو امتناع الانفكاك، ولم يفهموا أنّ المراد منه امتناع الانفكاك المقدور»([136]). وقد ميَّز الميرزا الرشتي(1312هـ) بين الضروري والنظري على أساس أنّ  «الضروري قد يطلق ويُراد به ما لا يحتاج إلى وسط، كالوجدانيّات، مثل: علمنا بقبح الظلم، وحسن الإحسان، وإدراكنا للجوع والألم؛ وقد يُراد به ما يحصل بغير نظر، سواء حصل من الوسط على وجه الضرورة، أو الحدس، كالمتواترات عند مَنْ يرى أنّها ضروريّة؛ لاستناد العلم بها إلى الوسط، أعني التواتر، وإنْ لم يكن على وجه النظر، أم لا»([137]).

وعموماً لخّص الشيخ جعفر السبحاني التمييز بين الضروري والنظري (المكتسب) بقوله: «إنْ كان حصولُ العلم بشيء غيرَ متوقِّف على توسّط عملية فكريّة فهذا هو العلم الضروري. وإنْ كان متوقِّفاً عليه، بأن يتوسَّل بالمعلومات عنده إلى العلم به، فهذا هو النظري والكسبي. فلا يستطيع الإنسان حلّ المعادلات الجبرية بلا توسيط معلومات، وتنظيمها على وجه صحيح»([138]).

 

      أـ القول بأنّه نظري

«ذهب أبو الحسين البصري والغزالي وجماعة إلى أنّه نظري؛ لتوقُّفه على مقدّمات نظريّة، ك‍انتفاء المواطاة ودواعي الكذب، وكون المخبر عنه محسوساً»([139]). وقد نقل عليّ بن أحمد ابن حزم الظاهري(456هـ) عن النظّام «أنّ خبر التواتر لا يضطرّ؛ لأنّ كلّ واحد منهم يجوز عليه الغلط والكذب، وكذلك يجوز على جميعهم»([140]). فالضروري عنده ما يجوز الخطأ فيه. كما نقل محمد بن عمر بن الحسين الرازي( 606هـ) عن أبي الحسين البصري أنّ العلم الحاصل من التواتر نظري (استدلالي)؛ «لأنّا لا نعلم وجود ما أخبرنا أهل التواتر عنه إلاّ إذا علمنا أنّه لا داعي للمخبرين إلى الكذب، ولا لبس في المخبر عنه، وأنّه متى كان كذلك استحال كون الخبر كذباً، وإذا بطل كونه كذباً ثبت كونه صدقاً، فالسامع لخبر التواتر ما لم يتقرَّر عنده كلّ واحدة من هذه المقدّمات لم يحصل له العلم، فكان ذلك العلم استدلاليّاً»([141]).

 

       ب ـ القول بأنّه ضروري

قال القاضي عبد الجبّار المعتزلي(415هـ): «إن الذي ينقله أهل التواتر علمهم به ضروري لا يزول بفعلهم، بل القديم تعالى يفعله فيهم‏»([142]). وإليه ذهب عليّ بن محمد الموردي الشافعي(450هـ)([143]) وابن حزم الظاهري(456هـ)([144])، الذي ذهب إلى ذلك بالنسبة إلى خبر الواحد أيضاً، غاية الأمر «أنّ اضطراره ليس بمطّرد ولا في وقت، ولكن على قدر ما يتهيّأ»([145]).

وممَّنْ ذهب إلى ضروريّة العلم الحاصل بالخبر المتواتر: محمد بن الحسين الفرّاء(458هـ)([146])، والشيخ الطوسي(460هـ)([147])، وأحمد بن عليّ الخطيب البغدادي(463هـ)([148])، وعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي(620هـ)، الذي علّل ذلك بأنّ العلم النظري هو «الذي يجوز أن يعرض فيه الشكّ، وتختلف فيه الأحوال»([149]). وبرَّر المحقّق الحلّي(676هـ) كونه ضروريّاً باعتبار أنّه «يجزم بهذه الأمور مَنْ لا يحسن الاستدلال، ولا يعرفه، ولا أمنع أن يفتقر بعض الأخبار المتواترة إلى ضرب من الاستدلال»([150]). وأضاف العلاّمة الحلّي(726هـ) قائلاً: «لأنّ جزمنا بوقوع الحوادث العظام ـ  كوجود محمّد×، وكحصول البلدان الكبار ـ لا يقصر عن العلم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء، وغيره من الأوّليّات، وهو حاصل للعوامّ ومَنْ لم يمارس الاستدلال، ولا يقبل التشكيك»([151]).

وممَّنْ ذهب إلى ذلك أيضاً: أحمد ابن تيميّة الحراني(728هـ)([152])، وقطب الدين الرازي(766هـ)([153])، والشهيد الثاني(966هـ)([154])، وأبو الوليد الباجي(1081هـ)([155])، والمولى المازندراني(1081هـ)، الذي عرّف الضروريّات بأنّها «…التي يكفي في حصولها ملاحظة الذهن من غير حاجة إلى نظر»([156]). ولكنّه فرّق بين القضيّة المتواترة وبين الأوّليّة بقوله: «الفرق بين العلم بالمتواتر والعلم بأنّ الواحد نصف الاثنين باعتبار أنّ الثاني من الأوّليّات التي يكفي فيها مجرّد تصوُّر الطرفين والنسبة، والمتواترات قسيمٌ له. فهما نوعان متباينان من الضروري»([157]). ولهذا أكّد صاحب القوانين(1231هـ) على «أنّ الفرق إنّما هو من جهة تفاوت الضروريات في حصول العلم؛ من جهة كثرة المؤانسة ببعضها دون بعض»([158]). كما أكّد صاحب الفصول(1254هـ) على كونه ضروريّاً؛ باعتبار أنّ النظري عنده هو ما يتوقَّف الانتقال إليه على توسُّط مقدّمتين مشتملتين على هيئة القياس، وما عدا ذلك لا يعدّ نظريّاً([159]).

وسنقف قليلاً عند الفخر الرازي(606هـ)، الذي قرّر في بعض كتبه أنّ «الاختيار ضروريّ؛ وذلك لأنّ الضروري هو الذي إذا شكّك فيه صاحبه لا يتشكّك»([160]). وهو ما ذكره في المحصول([161]). كما قرّر في أبحاث المنطق «أنّ الإنسان ما لم يعلم بعقله أنّ هذه الشهادات، على كثرتها، وتفرّق أهلها في الشرق والغرب، يستحيل أن تكون كاذبة لم يقطع بمقتضاها. ولولا قضاء العقل بتلك المقدّمات لما أفادت هذه الشهادات شيئاً. وبهذه المقّدمات التواتريّة نتائج الأوائل»([162])، أي إنّ الحسّ لا ينتج ما لم تنضمّ إليه مقدّمة عقليّة متمثّلة في القضيّة الأوّليّة. ولكنّه قرَّر في منطق الملخّص أنّنا «إنْ سلّمنا كون هذه العلوم ضروريّة، لكنّها لو لم ينتهِ إلى الحسّ لم يفِدْ العلم… وإذا كان كذلك كان التواتر مبدأ غير أوّل»([163])، ثمّ يقول: «فقد ظهر أنّ مبدأ المبادئ في إعطاء القضايا الكلّية اليقينيّة هو القوة العقليّة، وأنّ أوّل الأوائل في القضايا هي الأوّليات، وأنّ ما عداها متفرِّع عليها»([164]).

وهذا النصّ يتضمّن أمرين: أحدهما: إنّ القضيّة المتواترة ليست أوّليّة، وإنّما هي قضيّة عقليّة متفرِّعة عنها. والثاني: إنّ هذه القضيّة العقليّة لا تنتج ما لم يُضمّ إليها الحسّ. وجمعاً بين هذين النصّين نفهم ما جاء له في نصٍّ ثالث في المباحث المشرقيّة، يقول فيه: «وأمّا إنْ كان الموجب مركَّباً من الحسّ والعقل فإمّا أن يكون من السمع والعقل، وهو العلم الحاصل بمجرّد الأخبار المتواترة»([165]).

وعلى هذا الأساس يكون اعتقاد الرازي بضروريّة العلم الحاصل من التواتر قائماً على أساس الكبرى المستمدّة من العقل، سواء أكانت من الأوّليّات اليقينيّة أم متفرّعة عنها، طالما أنّها متولّدة منها بالضرورة، كما نقّحوا ذلك في مباحثهم. أمّا عدم حسمه ذلك ـ من خلال قوله: «إنْ سلّمنا» ـ فكأنّه ناشئٌ عن نظره إلى الصغرى المستمدّة من الحواس.

وأخيراً فمن  النصوص اللافتة نصٌّ مهمٌّ للشيخ الحُرّ العاملي(1104هـ) ناقش فيه الأصوليّين، حيث اعتبر أنّ العلم الحاصل من التواتر «من جملة أنواع العلم العادي»([166]).

 

      ج ـ التوقّف في المسألة

توقّف السيد المرتضى(436هـ) في المسألة، فقال في الذخيرة: «والذي يقوى في نفسي التوقّف عن القطع على صفة هذا العلم المشار إليه بأنّه ضروري أو مكتسب، وتجويز كونه على كلّ واحد من الوجهين»([167]). ثمّ فصّل في المسألة طويلاً. وقد ذكر في كلٍّ من الشافي([168]) والذريعة([169]). وكذلك فعل عليّ بن محمد الآمدي(631هـ)، الذي انتهى إلى «أنّ الواجب إنّما هو الوقف عن الجزم بأحد الأمرين»([170]).

وخلاصة الكلام أنّنا نلاحظ على ضوء ما تقدّم أنّه عند مَنْ يعتقد أنّ كلّ ما يحصل به العلم بتوسُّط واسطة يكون نظريّاً من الطبيعي أن يكون العلم بالمتواتر نظريّاً؛ لتوقّفه على واسطة هي عبارة عن تواتر الأخبار نفسها؛ فإنّ علمنا بوجود بلدٍ ما ـ مثلاً ـ يتوقّف على حصول التواتر، أي حصول تتابع الأخبار الموجب للعلم، وإلاّ فإنّ علمنا بوجود البلد ليس على حدّ تصوّرنا لبعض التصوّرات ـ من قبيل: تصوّر مفهوم الوجود ـ أو تصديقنا ببعض التصديقات ـ كتصديقنا بأنّ الكلّ أعظم من الجزء ـ. وكذلك الأمر عند مَنْ يعتبر أنّ كلّ ما يتوقّف على نظر ـ وإنْ كان النظر خفيّاً ـ فهو نظريّ. وكذلك بالنسبة إلى مَنْ اعتبر أنّ النظر المعتبر هو النظر الذي يتضمَّن استفادةً من معلومات سابقة لتحصيل معلومات لاحقة.

أمّا عند مَنْ يعتقد أنّ الضروري هو الذي إذا أراد صاحبه التشكيك فيه وإزالته لما استطاع فالعلم الحاصل هنا ضروريّ، حتّى لو حصل فعلاً من خلال النظر؛ إذ ربما يحصل من النظر علمٌ لا يتزلزل. وكذلك إذا بقينا مع تعريف السيد المرتضى للضروري بأنّه العلم الذي لا شكّ فيه، ولا يُمكن إزالته من النفس([171]). وكذلك الأمر عند مَنْ يعتقد ـ كالجويني(478هـ)([172]) ـ أنّ العلم الضروري هو الذي يستفيد من الحواسّ، وهو حال القضيّة المتواترة.  وكذلك الأمر عند مَنْ يعتقد أنّ الضروري هو الذي يعتمد على مقدّمة عقليّة، وهو حال المتواتر عندهم.

ومَنْ صرّح بأنّ القضيّة المتواترة قائمة على العقل والحسّ ـ كأبي البركات البغدادي(547هـ)، والفخر الرازي(606هـ)، وقطب الدين الرازي(766هـ) ـ أمكنه إلحاقها بأيٍّ منهما، فتكون ضروريّة بلحاظ كبراها، أو نظريّة بلحاظ صغراها.

 

     شروط تحقُّق التواتر

تعرَّض المناطقة والأصوليّون والمحدِّثون لهذا البحث في أغلب ما كتبوه. وخلاصة ما يُفهم من كلماتهم أنّها قنَّنوا حصول العلم بالتواتر، واضعين له شروطاً، اختلفوا في عددها وسعتها، وهي ليست ملحوظة للعقل شرطاً بعد آخر بنحو تفصيلي، بل إنّ «حصول العلم آية اجتماع شرائطه»([173])، كما يقول الشيخ زكريّا الشافعي(القرن7). ويُمكن ردّ هذه الشروط بشكل عامّ إلى أربعة طوائف: 1ـ الشروط المعتبرة في المخبر. 2ـ الشروط المعتبرة في الخبر. 3ـ الشروط المعتبرة في المخبَر عنه. 4ـ الشروط المعتبرة في السامع.

وقبل تعرُّضنا لهذه الشروط نواجه شرطاً بمثابة الشرط العامّ، وهو يتمثَّل في انحفاظ الشروط المتقدّمة في كافّة الطبقات إذا كان النقل مع واسطة. بل إنّ أبا الثناء الماتريدي(القرن6) عرّف الخبر المتواتر بأنّه «ما نقله قومٌ عن قوم لا يتصوَّر تواطؤهم على الكذب عادةً»([174])؛ حيث قصر المتواتر على ما يكون بواسطة. وكذلك فعل الشاشي(القرن7)([175])، وعلاء الدين البخاري([176]). ولعلّهم ناظرون إلى الغالب الخارجي. كما أنّ الدكتور الزحيلي أضاف إلى تعريف السنّة المتواترة قيداً، وهو أن يكون الجمع المذكور قد رواها في العصور الثلاثة الأولى: الصحابة، التابعين، وتابعي التابعين([177]).

وعوداً إلى الشرط المتقدِّم فقد ذكره البعض ضمن شروط المخبرين([178])، وهو المعبَّر عنه بشرط (استواء الطرفين والوسط)([179])، أو (الاتّصال)([180]). وبيَّنوا سرّ هذا الشرط([181]). ومن هنا يجري شرط الامتناع عن الكذب في طبقات الرواة وصولاً إلى الطبقة التي تنقل عن المعصوم مباشرة. فلو تأخَّر التعدّد في طبقة، أو فقد أحد تلكم الشروط، خرج عن كونه متواتراً إلى أخبار الآحاد؛ لأنّ النتائج ـ كما يقول علماء الميزان ـ تتبع دائماً أخسّ المقدّمات([182]).

وقد صوَّر الفخر الرازي(606هـ) هذه الشبهة بشكلٍ موجز في الأربعين في أصول الدين، ومفادها أنّ «الخبر المتواتر إذا كان خبراً عن الأمور الماضية حصل فيه احتمال مانع من القطع واليقين، وذلك الاحتمال هو أن يُقال: لعلّ واحداً ألقى ذلك الكذب على سبيل الإرجاف، ثمّ إنّه انتشر ذلك الإرجاف، واشتهر قليلاً قليلاً، حتّى امتلأ العالم منه. ونحن‏ نشاهد أنّ مثل هذا الإرجاف كثيراً ما يحصل في زماننا. فإذا جاز ذلك في هذا الزمان منه، ونحن نشاهد، فكذا في سائر الأزمنة»([183]). وفصّله في شرح العيون([184]).

وممَّنْ نصّ على هذا الشرط السيد المرتضى(436هـ)([185])، والفخر الرازي(606هـ) في الأربعين في أصول الدين([186]). وتكرّر ذكرُ هذا الشرط عند مَنْ تناول الموضوع([187]).

 

      1ـ الشروط المعتبرة في المخبِرين

أـ أن يبلغوا من الكثرة مبلغاً يستحيل معه التواطؤ على الكذب: قال السيد المرتضى(436هـ): «أحدها: أن ينتهي في الكثرة إلى حدٍّ لا يصحّ معه أن يتَّفق الكذب على المخبر الواحد منها»([188]). وجعل هذا الشرط في الذريعة أوّل الشروط ([189]). وعلّله في الشافي([190]). كما ذكره الشيخ الطوسي(460هـ)([191])، ومن بعده أبو الخطّاب الحنبلي(510هـ)([192])، وربما كلّ مَنْ تناول الموضوع([193]).

ويُمكننا أن نسجِّل هنا أنّ الاتفاق والتواطؤ واردٌ عندهم بمعنيين: أحدهما بمعنى المصادفة، والآخر بمعنى التآمر. وأحدهما لا يطرد الآخر؛ فإنّنا نعلم بحسب استقرائنا أنّنا إذا أُخبرنا بخبرٍ من قبل جماعة كثيرة، فكما أنّه يندر أن يكونوا كلّهم قد تآمروا وخطّطوا للكذب فيه، فإنّه يندر أيضاً أن يكونوا كلّهم كاذبين حتّى لو لم يكونوا متآمرين، أي إنّ تآمرهم يزيد من احتمال كذب الخبر بطبيعة الحال، ولكن حتّى لو لم يكونوا متآمرين فإنّهم يبعد أن يتّفق (يصادف) أن يكونوا كلّهم كاذبين.

وحول التحديد بعددٍ معيَّن نقل عبد القاهر البغدادي(429هـ) عن أبي الهذيل، ضمن ردّه على الفرقة الهذيليّة، أنّه ـ أي أبا الهذيل ـ يقول بأنّ الحجّة من طريق الأخبار في ما غاب عن الحواسّ من آيات الأنبياء^، وفي ما سواها لا تثبت بأقلّ من عشرين نفساً، فيهم واحد من أهل الجنّة أو أكثر([194]).

ثمّ إنّهم نقلوا أرقاماً عديدة مستفادة من الآيات ناقشها ابن الطيّب البصري(436هـ)([195])، ونقلها إبراهيم بن عليّ الفيروزآبادي(476هـ)([196]). وقد تعرّض لهذه الأقوال كثيرون ممَّنْ تناولوا بحث التواتر، نكتفي بالإشارة إلى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني(478هـ)([197])، وأبي حامد الغزّالي(505هـ)([198])، والفخر الرازي(606هـ)([199])، وعليّ بن محمد الآمدي(631هـ)([200])، وأحمد ابن تيميّة الحراني(728 هـ)([201])، وعليّ بن عبد الكافي السبكي(756هـ)([202])، وعبد الوهّاب بن عليّ بن عبد الكافي السبكي(771هـ)([203]).

ولعلّ أغلب المحقّّقين نفَوْا أن يكون هناك عددٌ خاصّ يتحقّق معه التواتر. وقد تعرّض للنفي أبو بكر الجصّاص(370هـ)([204])، وابن سينا(428هـ)([205])، وعليّ بن أحمد ابن حزم الظاهري(456هـ)([206])، وأبو الخطّاب الحنبلي(510هـ)([207])، وعمر بن سهلان الساوي(540هـ)([208])، وأبو بكر ابن العربي المالكي(543هـ)([209])، والمبارك بن محمد ابن الأثير الجزري(544هـ)([210]). وهو ما نجده أيضاً في كلمات وشيخ الإشراق(587هـ)([211])، وشمس الدين الشهرزوري(القرن السابع)([212])، والفخر الرازي(606هـ)([213])، والخواجة نصير الدين الطوسي(672هـ)([214])، وصاحب الشمسيّة نجم الدين عليّ الكاتبي القزويني‏(675هـ)([215])، وقطب الدين الشيرازي(715هـ) في شرح كلام شيخ الإشراق([216])، والعلامة الحلّي(726هـ)([217])، وعضد الدين الإيجي(756هـ)([218])، وعليّ بن عبد الكافي السبكي(756هـ)([219])، وقطب الدين الرازي(766هـ)([220])، والشهيد الثاني(966هـ)([221])، والشيخ البهائي(1030هـ)([222])، والميرزا القمّي(1231هـ)([223])، والمحقّق السبزواري(1288هـ)([224]).

نعم، للسيد المجاهد الطباطبائي(1242هـ) نصٌّ يظهر منه أنّ التواتر لا يتحقّق بسبع روايات([225]). وفي المقابل جوَّد السيوطي حصول التواتر بعشرة([226]). لكنْ ينبغي أن نفهم من ذلك أنّه إنّما اعتبره من باب الغالب؛ لأنّه قيّد ذلك بـ (العادة)، وخاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّهم تنبَّهوا إلى أنّ المدار هو حصول الأمن من التواطؤ على الكذب، فإذا حصل ذلك بعددٍ قليل تمَّ، وهو ما يُفهم بوضوح من الشيخ المفيد(413هـ)([227]).

ب ـ الأمن من تواطؤ المخبرين على الكذب: وقد ميّزنا بين هذا العنوان والعنوان السابق باعتبار أنّ الأمن من تواطؤ المخبرين على الكذب قد يتّفق مع قلّة عددهم؛ كأنْ نعلم بذلك لأمور تكتنف المخبرين، ولو لم يكونوا كثيرين، وإنْ كان امتناع التواطؤ مترافقاً مع كثرة عددهم. وقد أرجعوا هذا الامتناع في العديد من نصوصهم إلى العادة. وقد تنبّه المتقدِّمون إلى أنّ اختلاف ظروف الرواة ودواعي الكذب لديهم تؤثِّر بشكل مباشر في حصول التواتر، مع قطع النظر عن عدد الرواة. وهو ما يظهر جليّاً من كلام أبي بكر الجصّاص(370هـ) في حديثه عن دواعي الصدق والكذب لدى الرواة([228]).

ومن هنا اشترط السيد المرتضى(436هـ) «أن يعلم أنه لم يجمعها على الكذب جامع، من تواطؤ وما يقوم مقامه»([229]). وجعل هذا الشرط ثاني الشروط في الذريعة([230])، وقال: «لأنّا نعلم ضرورة أنَّ جميع أهل بغداد لا يجوز أن يواطئوا مع أهل الشام، لا باجتماع ومشافهة، ولا بمراسلة ومكاتبة»([231]). ولهذا قال في رسائله: «فإذا طالت [صحبتهم]، وكثرت اجتماعهم، تعذّر العلم بالشرط، وحصل أقوى في فقد»([232]). وفصّل ذلك في الشافي([233]).

ومن النصوص اللطيفة التي نشير إليها في المقام ما ذكره تقي الدين بن نجم الدين أبو الصلاح الحلبي(447هـ)([234])، والشيخ الطوسي(460هـ) في الرسائل العشر([235])، وقال أبو حامد الغزّالي(505هـ): «قد يوجد عدد التواتر في كلّ عصر ولا يحصل به العلم؛ إذ كان يتصور أن يكون للجمع الكثير رابطة في التوافق، لا سيّما بعد وقوع التعصُّب بين أرباب المذاهب…»([236]).

ومن هذا المنطلق أدرك المتقدِّمون أهميّة تباين الرواة في بلدانهم وظروفهم وملابساتهم في تسريع إيجاد اليقين وحصول العلم من جرّاء الخبر المتواتر، حتّى عدّه بعضهم شرطاً، فطرحوا ـ على نحو الشرط أو غيره ـ «أن لا يحصرهم عدد، ولا يجمعهم بلد»([237]). وقد أشار إلى هذه النكتة الجاحظ(255هـ)([238])، وأبو نصر الفارابي(339هـ) حين أشار إلى لزوم أن يكون الرواة «من الجهات المختلفة الأجناس والبلدان والألسنة والآراء»([239]). وإلى ذلك أومأ السري بن أحمد الرفاء(362هـ)([240]). وأشار الباقلاّني(403هـ) إلى «تنافر طباعهم، وتباين أغراضهم ودواعيهم، واختلاف آرائهم ومذاهبهم، وتفرّق أوطانهم…»([241]). وقريبٌ منه ما ذكره شيخ الإشراق (587هـ)([242])، والفخر الرازي(606هـ)([243])، وشمس الدين الشهرزوري(القرن7) في شرح حكمة الإشراق([244])، وفي رسائل الشجرة الإلهيّة([245])، وابن كمّونة(683هـ)([246])، وقطب الدين الشيرازي(715هـ)([247]).

نعم، لا شكّ في أنّ تباين ظروفهم ليس شرطاً بحيث ينتفي التواتر بانتفائه، ولكنّه عاملٌ مساعد. وقد التفت بعضهم إلى ذلك ([248]). وقال عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني(478هـ)، ناقضاً اشتراطهم ذلك بنحو الإلزام: «..,فغلا غالون، فقالوا: هم الذين لا يحويهم بلد، وهذا كلامٌ ركيك»([249]). وهو ما أكَّده اللاحقون([250]).

ج ـ أن يكونوا عالمين بما أخبروا: وهو ما ذكره السيد المرتضى(436هـ)([251])، وأبو حامد الغزّالي(505هـ)([252])، وعليّ بن محمد الآمدي(631هـ)([253])، والمحقّق الحلّي(676هـ)([254]).

على أنّ اشتراطهم أن يكونوا عالمين ضرورةً يستبطن شرطَيْن: الأوّل: أن يكونوا عالمين، أي: غير ظانّين؛ والثاني: أن يكون علمهم ضروريّاً، بمعنى أنّه ليس عن كسبٍ، أي ليس عن نظرٍ، وبمعنى آخر: حسّيّاً. وقد جعلنا ذلك من شروط المخبَر عنه.

وقد صاغ البعض الشرط بنحو: «أن يكون المخبِر عالماً عن حسّ». ولكنّ المولى المازندراني(1081هـ) نبَّه إلى عدم اشتراط الشرط الأوّل، فقال: «والظاهر أنّه ليس بلازمٍ لجواز أن يكون بعضهم ظانّين، فيتأكَّد قول العالمين بقولهم، فيحصل العلم بالجميع. وإنّما قلنا بظاهره لجواز أن يراد بالعلم المعنى العامّ الشامل للقطع والظنّ»([255]). وقال صاحب القوانين(1231هـ): «وربما زاد بعضهم اشتراط كون إخبارهم عن علم. ولا دليل عليه، بل يكفي حصول العلم من اجتماعهم، وإنْ كان بعضهم ظانّين، مع كون الباقين عالمين»([256]).

 

      2ـ الشروط المعتبرة في الخبر

ومنها: تناسب حجم نقل الخبر مع الدواعي الداعية إلى ذلك. قال السيد المرتضى(436هـ): «ومنها أن يكون الخبر ممّا لو كان صحيحاً لعلم أهل العلم إذا فتَّشوا عنه ذلك، فإذا لم يعلم مع التفتيش علم كونه كذباً.

ومنها: أن يكون المخبر عنه ممّا تقوى الدواعي إلى نقله، وتمنع من كتمانه، فإذا لم ينقل والحال هذه علم كونه كذباً.

ومنها: أن تكون الحاجة ماسَّة في باب الدين إلى نقله، فإذا لم ينقل، كما نقلت نظائره، علم بطلانه.

ومنها: أن يكون في الأصل وقع شائعاً ذائعاً، ومثله في العادة لا يضعف نقله، بل يكون حاله في الاستمرار كحاله في الأوَّل»([257]).

وإلى مثله أشار أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي(462هـ) في قوله: «وإذا روى الثقة المأمون خبراً متّصل الإسناد ردّ بأمور: …والخامس: أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر، فلا يقبل؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية»([258]). وكذلك أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ الشيرازي(476هـ) حين قال: «إذا روي الخبر ثقة ردّ بأمور: …والرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على الكافّة علمه، فيدلّ ذلك على أنّه لا أصل له؛ لأنه لا يجوز أن يكون له أصلٌ وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم»([259]).

 

      3ـ الشروط المعتبرة في المخبَر عنه

أـ أن يكون المخبَر عنه أمراً محسوساً: وقد نصّ عليه الباقلاّني(403هـ)([260])، ويُفهم من ابن الطيّب البصري(436هـ)([261])، وذكره أبو حامد الغزّالي(505هـ)([262])، والفخر الرازي(606هـ) في المنطق([263])، وأكّد عليه في الأربعين([264]). وكذلك شمس الدين الشهرزوري‏(القرن7)([265])، وعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي(620هـ)([266])، وعلي بن محمد الآمدي(631هـ)([267])، وعبد الوهّاب بن عليّ بن عبد الكافي السبكي(771هـ)([268])، والمحقّق الحلّي(676هـ)([269])، وقطب الدين الشيرازي(715هـ)([270])، والعلاّمة الحلّي(726هـ)([271])، وعليّ بن عبد الكافي السبكي(756هـ)([272])، وقطب الدين الرازي(766هـ)[273])، والشهيد الثاني(966هـ)([274])، والمحقّق السبزواري(1288هـ)([275]).

ومرادهم من المحسوس ما يشمل أثر هذا المحسوس، لا الاقتصار على نفس المحسوس. ومن هنا دفع المولى المازندراني(1081هـ) الإشكال بحصول العلم بشجاعة عليّ×، مع عدم كونها أمراً محسوساً، بقوله: «ويمكن دفعه بجعل تواتر الأثر في قوة تواتر المؤثِّر»([276]). ولهذا اشترط صاحب الفصول(1254/1261هـ) أن يكون إخبارهم عن محسوسٍ، ولو بحسب آثاره ولوازمه البيِّنة، كما في تضافر الأخبار بشجاعة عليّ× وسخاوته؛ فإنّ الشجاعة والسخاوة وإنْ لم يكونا من الأمور المحسوسة إلاّ أنّهما من اللوازم البيّنة للأمور الحسيّة([277]).

ب ـ أن يكون الشيء ممكناً في نفسه (عدم امتناع المخبَر عنه): ذكر ذلك شيخ الإشراق(587هـ)([278])، وشمس الدين الشهرزوري(القرن7) في شرح حكمة الإشراق([279])، وفي رسائل الشجرة الإلهيّة([280])،  وابن كمّونة(683هـ)([281])، وقطب الدين الشيرازي(715هـ)([282]). وهذا شرطٌ مهمٌّ ستُصاغ منه لاحقاً قضيّة الاحتمال القبلي للقضيّة المتواترة.

 

      4ـ الشروط المعتبرة في السامع

أـ انتفاء العلم المستفاد منه اضطراراً عن السامع: وذلك لاستحالة تحصيل الحاصل([283]). وتحصيل التقوية أيضاً محالٌ؛ لأنّ العلم الضروري أيضاً يستحيل أن يصير أقوى ممّا كان مثاله([284]). ومثّل عليّ بن عبد الكافي السبكي(756هـ) قائلاً: «ذو العلم بأنّ النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان لو أخبر بذلك لم يزدَدْ علماً، ولم يستفد الثاني»([285]).

ب ـ أن لا يسبق شبهة إلى السامع أو تقليد ينافي موجب خبره: قال الشهيد الثاني(966هـ): «وهذا شرطٌ اختصّ به السيد المرتضى&، وتبعه عليه جماعة من المحقّقين. وهو جيِّدٌ في موضعه. واحتجّ عليه بأنّ حصول العلم عقيب خبر التواتر إذا كان بالعادة جاز أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال، فيحصل للسامع إذا لم يكن قد اعتقد نقيض ذلك الحكم قبل ذلك، ولا يحصل إذا اعتقد ذلك»([286]).

وإذا رجعنا إلى نصوص السيد المرتضى(436هـ) نجد أنّه جعل هذا الشرط ثالث الشروط، فقال: «وثالثها: أن يعلم أنّ اللبس والشبهة في ما أخبروا عنه زائلان»([287])، أو «أن يكون اللبس والشبهة زائلين عمّا خبرت عنه»([288])، ثمّ قال: «والشبهة ووقوع اللبس أيضاً ممّا يجمع على الكذب، ألا ترى إلى جواز الكذب على الخلق العظيم من المبطلين في الإخبار عن دياناتهم ومذاهبهم التي اعتقدوها بالشبهات، أو بما يجري مجراها من التقليد، وإنّما جاز أن يخبروا مع كثرتهم بالكذب على سبيل الشبهة، وإنْ لم يكن هناك تواطؤ؛ لأن الشبهة تخيّل لهم كون الخبر صادقاً، والمذهب حقّاً»([289]). وقد تكرّر ذكر هذا الشرط عند بعض مَنْ تناول الموضوع([290]). وهناك تفصيلات مرتبطة بشروط حصول التواتر يُمكن مراجعتها في مظانّها([291]).

 

      وقوع التواتر في الخارج

من الموضوعات التي تعرَّض لها علماء الأصول وعلماء الحديث حصول التواتر واقعاً ضمن الأحاديث الواصلة إلينا. وإذا كادوا أن يتَّفقوا على وجود المتواتر المعنوي فقد حاروا في التمثيل للمتواتر اللفظي، حتّى أنّ التلمساني(771هـ) مثّل للمتواتر اللفظي بالقرآن الكريم([292])؛ ربما لعدم إيمانه بوجود متواتر لفظي في الأحاديث، أو لوقوع الاختلاف في ذلك.

وعلى أيّ حال فالآراء في هذا المجال كثيرةٌ ومتشعّبة. ونحن سنكتفي بالإشارة إلى بعضها([293]). وقد أكّد عليّ بن أحمد ابن حزم الظاهري(456هـ) على أنّ القرآن الكريم منقولٌ «نقل الكواف والتواتر. وأمّا السنّة فمنها ما جاء متواتراً، ومنها خبر الآحاد»([294]). فهو يعترف بوجود التواتر في السنّة. وقد نبّه الشيخ الطوسي(460هـ) إلى أنّه «ليس جميع الشريعة متواترٌ بها، بل التواتر موجود في مسائل قليلة نزرة»([295]). بل لعلّها نادة جدّاً، على ما يُفهم من عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي(620هـ)، الذي قال حول المتواتر من طريق المعنى (المتواتر المعنوي): «وأشباه هذا لا يشكّ في شيء من ذلك، ولا يكاد يوجد تواتر إلاّ على هذا الوجه»([296]). فكأنّ المتواتر اللفظي نادرُ التحقُّق عنده.

وقد اعتقد ابن الصلاح(643هـ)، في مقدّمته، أنّ أهل الحديث لم يتعرّضوا للحديث المتواتر، وأنّ مَنْ تعرّض له منهم جرى على سنّة أهل الفقه والأصول؛ «لعلّ ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم، ولا يكاد يوجد في رواياتهم… ومَنْ سئل عن إبراز مثالٍ لذلك في ما يُروى من الحديث أعياه تطلُّبه»([297]). وقد ردّ عليه أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني(852هـ) قائلاً: «وما ادّعاه من العزّة ممنوعٌ. وكذلك ما ادّعاه غيره من العدم؛ لأنّ ذلك نشأ عن قلّة اطّلاع على كثرة الطرق، وأحوال الرجال وصفاتهم، المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطؤوا على كذب، أو يحصل منهم اتّفاقاً»([298]). وهذا ما نجده عند الشهيد الثاني(966هـ)، الذي اعتبر أنّ التواتر «متحقِّق في أصول الشرايع ـ كوجوب الصلاة اليوميّة، وأعداد ركعاتها، والزكاة، والحجّ ـ تحقُّقاً كثيراً. وفي الحقيقة مرجع إثبات تواترها إلى المعنوي، لا اللفظي… ولم نتحقّق إلى الآن خبراً خاصّاً بلغ حدّ التواتر إلاّ ما سيأتي، حتى قيل ـ والقائل ابن الصلاح ـ: (مَنْ سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه طلبه). هذا مع كثرة رواتهم قديماً وحديثاً، وانتشارهم في أقطار الأرض»([299]).

لكن لا بدّ أخيراً من التنبيه على مسألة تقدَّمت معنا، لها شديدُ مساس بما نحن فيه، وهي عبارة عن طبيعة العلم الحاصل بالتواتر؛ إذ إنّ من الواضح أنّنا لو طلبنا أن يكون العلم الحاصل من الأخبار الذي يُدّعى عادةً تواترها بنفس مستوى علمنا بوجود البلدان ـ وهو العلم الذي مثّلوا به غالباً للخبر المتواتر ـ لكان وجود المتواتر اللفظي متعذِّراً.

قال محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي(490هـ): «…فإنا إذا رجعنا إلى موضع المعرفة، وهو القلب، وجدنا أن المعرفة بالمتواتر من الأخبار يثبت على الوجه الذي يثبت بالعيان؛ لأنّا نعلم أنّ في الدنيا مكّة وبغداد بالخبر على وجهٍ ليس فيه احتمال الشكّ، كما نعلم بلدتنا بالمعاينة، ونعرف الجهة إلى مكّة يقيناً بالخبر، كما نعرف الجهة إلى منازلنا يقيناً بالمعاينة. ومَنْ أراد الخروج من هذه البلدة إلى بخارى يأخذ في السير إلى ناحية المغرب. كما أن مَنْ أراد أن يخرج إلى كاشغر يأخذ في السير إلى ناحية المشرق. ولا يشكّ في ذلك أحدٌ، ولا يخطئه بوجه. وإنما عرف ذلك بالخبر، فلو لم يكن ذلك موجباً علم اليقين لكان هو مخاطراً بنفسه وماله، خصوصاً في زمان الخوف، فينبغي أن يكون فعله ذلك خطأ. وفي اتّفاق الناس كلهم على خلافه ما يدفع زعم هذا الزاعم»([300]).

 

       تراكم الظنون وجذور المرحلة الجديدة

ذكرنا سابقاً أنّ أحد أدلّة النافين لحصول العلم من خلال الخبر المتواتر تمثّل في أنّه إذا جاز الكذب على كلِّ واحد من المخبرين فيجوز على الجملة؛ إذ لا ينافي كذب واحد كذب الآخرين قطعاً؛ ولأنّ المجموع مركّب من الآحاد، بل هو نفسها، فإذا فرض كذب كلّ واحد فقد فرض كذب الجميع، ومع وجوده لا يحصل العلم([301]).

وتنسب هذه الشبهة أساساً إلى النظّام([302]). وقد استعرضها الفخر الرازي(606هـ) ضمن أسئلة التواتر التي يجب علاجها([303]). وقد تورّط العلاّمة الحلّي(726هـ) بهذه الإشكاليّة، رغم أنّه قائلٌ بحصول العلم بالتواتر. وقد ذكر ذلك في كتاب الألفين([304])، وكتاب نهاية الأصول([305]).

ولكن قد ظهر من خلال الأجوبة التي استعرضناها سابقاً أنّ المتقدِّمين قد تنبّهوا إلى أنّ حكم المجموع يختلف عن حكم الواحد، وهو ما سجَّلوه في مقام الجواب عن الشبهة التي عرضنا لها سابقاً.

أ ـ ومن أمثلة تنبُّههم إلى ذلك: ما يرتبط ببحث علوّ السند، الذي امتلأت به كتب الحديث، وذلك حين اعتبروا أنّ رجال السند كلّما قلَّ عددهم صبّ ذلك في صالح قوّة السند، وكان السند «أقرب إلى الصحّة وقلّة الخطأ؛ فما من راوٍ من رجال الإسناد إلاّ والخطأ جائزٌ عليه، فكلّما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظانّ تجويز الخطأ، وكلّما قلّت قلّت»([306]).

ب ـ ومن ذلك تنبّههم إلى أنّ أحد السندَيْن يتأكَّد بالآخر. قال البيهقي(458هـ) في دلائل النبوّة: «…هذان الإسنادان وإنْ كانا ضعيفين، فأحدهما يتأكَّد بالآخر، ويدلّك على أنّ له أصلاً من حديث جعفر، والله أعلم»([307]). وقال أبو حامد الغزّالي(505هـ): «…فمن سمع من عدل شيئاً سكنت إليه نفسه، فإنْ انضاف إليه ثانٍ زاد السكون وقوي الظنّ… وهكذا لا يزال يترقّى قليلاً قليلاً في القوّة إلى أن ينقلب الظنّ على التدريج يقيناً، إذا انتهى الخبر إلى حدّ التواتر»([308]). إلى جانب نصوص أخرى له في كتاب محكّ  النظر([309])، وفي رسائله([310]). إلى جانب ما ذكره مطوّلاً في المستصفى([311]). وهو ما نجد نظيره في كلام المحقِّق الحلّي(676هـ)([312])، ومحمّد بن عثمان الذهبي(748هـ)([313])، والحسين بن عبد الصمد الهمداني(984هـ)([314])، وصاحب المعالم(1011هـ)([315]).

ج ـ وربما بإمكاننا أن نعتبر أنّ من أهمّ من عمّق هذا الاتّجاه إبراهيم بن موسى الغرناطي الشاطبي(790هـ)، إمام النزعة الاستقرائيّة في علم أصول الفقه، الذي انتهى ـ بعد محاولته تقعيد مقاصد الشريعة على أساس أنّها لونٌ من ألوان التواتر المعنوي الذي يقبل به الجميع ـ إلى أنّه «على هذا السبيل أفاد خبر التواتر العلم؛ إذ لو اعتبر فيه آحاد المخبرين لكان إخبار كلّ واحد منهم على فرض عدالته مفيداً للظنّ، فلا يكون اجتماعهم يعود بزيادة على إفادة الظنّ. لكنّ للاجتماع خاصيّة ليست للافتراق؛ فخبر واحد مفيدٌ للظنّ مثلاً، فإذا انضاف إليه آخر قوي الظنّ، وهكذا خبر آخر وآخر، حتّى يحصل بالجميع القطع الذي لا يحتمل النقيض»([316]).

د ـ ويجري في هذا السياق تفسير فريقٍ من متأخِّري الأصوليّين حصول العلم في الإجماع على أساس مدركات العقل النظري([317])، أي باعتباره كاشفاً عن دليل شرعي; لأنّ المجمعين لا يفتون عادةً إلاّ بدليل، فيستكشف بالإجماع وجود الدليل الشرعيّ على الحكم الشرعي([318])؛ حيث فسّر عددٌ من علمائنا ذلك على أساس أنّ فتوى فقيهٍ تفيد الظنّ بوقوفه على دليل الحكم، فإذا وافقه آخر ـ خاصّة إذا كان أعلم وأوثق ـ قوي الظنّ بذلك، وهكذا كلّما انضمّ واحدٌ تقوّى وتضاعف حتّى يحصل اليقين. وقد نصّ العديد منهم على أنّ التفسير الحقيقي للتواتر يقوم على النكتة نفسها (تراكم الظنون). وقد ذكر السيد محمد المجاهد الطباطبائي(1242هـ)، صاحب مفاتيح الأصول، أنّ هذا هو مسلك جماعة من المتأخِّرين([319]). وهو ما نجده عند المحقّق النراقي(1245هـ) في عوائد الأيّام([320]). وأشار إليه المحقّق الأشتياني(1319هـ)([321]) (مع توقُّفه؛ باعتبار أنّ العادة لا تحيل الخطأ في المسائل العلميّة)، والسيد الخوئي(1413هـ)([322]).

هـ ـ كما أنّ من البحوث المهمّة التي بحثتها الفلسفة الغربيّة حول إفادة الأخبار للعلم ما لو تجاذبت القوى المستفادة من الأخبار وتعاركت في الاستيلاء على القيمة النهائيّة للعلم بصدور الخبر. وقد تعرّض لهذه المسألة المتقدِّمون، ومنهم: القاضي عبد الجبّار المعتزلي(415هـ)، الذي لا مجال فعلاً سوى إلى الإشارة إلى نصّه([323]).

و ـ وأخيراً فإنّ للشهيد مرتضى مطهّري(1399هـ) نصوصاً لطيفة يتحدّث فيها عن تطبيق حساب الاحتمالات الرياضي على جملة من البحوث، منها: بحث التواتر. حتّى اعتبره  بعض الباحثين «إمام منطق حساب الاحتمال»([324]). وفي ذلك شيءٌ من المبالغة؛ لأنّ نصوصه، التي ترجع إلى سنة 1346 إلى 1350هـ.ش (1967ـ 1971م)([325])، متأخّرة زماناً ـ على الأقلّ ـ عن تطبيقات الشهيد الصدر وتنظيراته، وخاصّة أنّه لم يخرج من جدران المدرسة الأرسطيّة؛ إذ نراه يؤكِّد ـ على وزان مدرسة ابن سينا ـ على أنّ المتواترات من مبادئ الأقيسة الأوّليّة التي لا تستند إلى الحسّ، محيلاً في ذلك إلى كتاب أصول الفلسفة والمذهب الواقعي([326]). كما اعتبر في بعض آثاره أنّ الاستدلال من خلال الآثار على وجود العقل ليس تمثيلاً منطقيّاً، ولا دليلاً تجربيّاً، بل هو نحوُ برهان عقليّ شبيه بالبرهان الذي يقيمه الذهن على القضايا التاريخيّة المتواترة([327]). فما ذكره بعض الباحثين حول تماثل موقف الشهيد الصدر وموقف الشهيد مطهّري([328]) يحتاج إلى مزيد دراسة وتأمُّل، وهو ما سنرجئ بحثه إلى فرصةٍ لاحقة بإذن الله تعالى.

 

الهوامش

([1]) الفراهيدي، كتاب العين 8: 133.

([2]) ابن سلاّم، غريب الحديث 4: 25.

([3]) الأزهري، تهذيب اللغة 14: 223 ـ 224.

([4]) إسماعيل بن عبّاد، المحيط في اللغة 9: 455.

([5]) الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربيّة 2: 843.

([6]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 6: 84.

([7]) الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 853.

([8]) نشوان بن سعيد الحميري، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم 11: 7059 ـ 7060.

([9]) ابن منظور، لسان العرب 5: 275 ـ 276.

([10]) الفيّومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي 2: 647.

([11]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط 2: 214.

([12]) الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 7: 580.

([13]) الطريحي، مجمع البحرين 3: 508.

([14]) الدميري، حياة الحيوان الكبرى 1: 253.

([15]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 45: 334.

([16]) نصر بن مزاحم، وقعة صفّين: 413.

([17]) أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني 22: 378.

([18]) المصدر السابق 23: 111.

([19]) إبراهيم بن علي الحصري القيرواني، زهر الآداب وثمر الألباب 4: 1001.

([20]) أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين: 295؛ ابن بسّام الشنتريني، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة 2: 594؛ الأبشيهي، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف: 442.

([21]) زهر الآداب وثمر الألباب 1: 25، 235.

([22]) ابن عبد ربّه، العقد الفريد 1: 293 ـ 294.

([23]) النعمان بن محمد التميمي، المجالس والمسايرات: 547.

([24]) محمد بن محمد الشيباني، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 1: 237.

([25]) القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا 8: 274.

([26]) ابن سيرين، منتخب الكلام في تفسير الأحلام 1: 615.

([27]) الرازي، الحاوي في الطبّ 1: 517،

([28]) نهج البلاغة: 66.

([29]) ابن سينا، القانون في الطبّ 1: 173.

([30]) راجع على سبيل المثال: أبو حيّان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة: 368؛ ياقوت الحموي، معجم الأدباء 1: 272، 4: 1521، 5: 2187، 6: 2719؛ القاضي التنّوخي، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة 1: 342، 2: 253، 5: 71؛ أحمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب 6: 96، 15: 362، 24: 177، 24: 194، 400، 25: 28، 315، 27: 272، 287؛ أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الإصفهاني، كتاب الأزمنة والأمكنة: 107؛ محمد بن الحسن بن محمد بن عليّ بن حمدون، التذكرة الحمدونيّة 6: 352؛ حميد بن أحمد المحلي، الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية 2: 84؛ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة 3: 149؛ محمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 267.

([31]) التذكرة الحمدونيّة 4: 144.

([32]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 300. وانظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، الباب 89 من أبواب ما يكتسب به، ح1.

([33]) ابن طاووس، مهج الدعوات ومنهج العبادات‏: 107، 108، 115، 116. وانظر: 127، 129؛ الكفعمي، البلد الأمين والدرع الحصين: 344، 345.

([34]) راجع: قطب الدين الراوندي، الدعوات: 287؛ مهج الدعوات ومنهج العبادات: 112، 132؛ البلد الأمين والدرع الحصين: 45، 96.

([35]) البلد الأمين والدرع الحصين: 109؛ الكفعمي، المصباح… جنّة الأمان الواقية: 108؛ ابن قولويه، كامل الزيارات: 40؛ وسائل الشيعة 14: 396، الباب 30 من أبواب المزار وما يناسبه، ح2؛ البلد الأمين والدرع الحصين: 117؛ المصباح… جنّة الأمان الواقية: 113.

([36]) الطوسي، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد 2: 491 ـ 492؛ البلد الأمين والدرع الحصين: 83.

([37]) مصباح المتهجد وسلاح المتعبّد 2: 603؛ ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 183؛ البلد الأمين والدرع الحصين: 217؛ المصباح… جنّة الأمان الواقية: 606.

([38]) الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 414.

([39]) مصباح المتهجد وسلاح المتعبّد 2: 739؛ محمد بن جعفر ابن المشهدي، المزار الكبير: 284؛ الإقبال بالأعمال الحسنة 2: 274؛ محمد بن مكّي الشهيد الأوّل، المزار: 116؛ البلد الأمين والدرع الحصين: 296؛ المصباح… جنّة الأمان الواقية: 481.

([40]) الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 140؛ وسائل الشيعة 9: 380، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح4.

([41]) كامل الزيارات: 309؛ البلد الأمين والدرع الحصين: 283؛ المصباح… جنّة الأمان الواقية: 493.

([42]) كامل الزيارات: 302؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 602.

([43]) المزار الكبير: 294.

([44]) الصدوق، التوحيد: 429 ـ 430، الباب 65، ح1؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا× 1: 167 ـ 167، الباب 12، ح1؛ المجلسي، بحار الأنوار 10: 309 ـ 310، الباب 19، ح1.

([45]) التوحيد: 429 ـ 430، الباب 65، ح1؛ عيون أخبار الرضا× 1: 167 ـ 167، الباب 12، ح1؛ بحار الأنوار 10: 309 ـ 310، الباب 19، ح1.

([46]) عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخيّاط المعتزلي، كتاب الانتصار: 157 ـ 158.

([47]) محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة: 369 ـ 370.

([48]) الشافعي، كتاب الأمّ 7: 282 ـ 283.

([49]) الجاحظ، الرسائل السياسيّة: 82 ـ 83.

([50]) الجاحظ، كتاب العثمانيّة: 3.

([51]) أبو نصر الفارابي، المنطقيّات 1: 509.

([52]) محمد بن أحمد الخوارزمي الكاتب، مفاتيح العلوم: 69.

([53]) عليّ بن عمر بن القصّار المالكي، المقدّمة في الأصول: 65.

([54]) أحمد بن عليّ الجصّاص الرازي، الفصول في الأصول 1: 506.

([55]) المفيد، مختصر التذكرة بأصول الفقه: 44.

([56]) عليّ بن الحسين الموسوي، الشافي في الإمامة 2: 72 ـ 73؛ وراجع: الطوسي، تلخيص الشافي 2: 56.

([57]) أحمد بن علي الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية: 16.

([58]) محمد بن الطيّب الباقلاّني، كتاب البيان: 51.

([59]) محمد صالح المازندراني، حاشية معالم الدين: 218.

([60]) داوود القارصي، شرح أصول الحديث: 107.

([61]) علي بن محمد الآمدي، المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلِّمين: 342

([62]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 24.

([63]) علي بن أبي الحرم القرشي، المختصر في علم أصول الحديث النبوي: 105.

([64]) العلاّمة الحلّي، غاية الوصول وإيضاح السبل في شرح مختصر منتهى السؤل والأمل لابن الحاجب 1: 420.

([65]) عبد الوهّاب بن علي السبكي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 2: 296 ـ 297؛ وانظر: محمد الخضري بك، أصول الفقه: 184.

([66]) محمد بن جمال الدين العاملي، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 48.

([67]) مهدي الكجوري الشيرازي، الفوائد الرجاليّة: 182.

([68]) محمد مهدي النراقي، أنيس المجتهدين 1: 216.

([69]) علي بن محمد الجرجاني، كتاب التعريفات: 32.

([70]) أبو القاسم القمّي، القوانين المحكمة في الأصول 1: 420 ـ 421.

([71]) المصدر السابق 1: 421.

([72]) محمد حسين الوراميني الإصفهاني، الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 269.

([73]) أرسطوطاليس بن نيقوماخوس، منطق أرسطو 2: 334.

([74]) شمس الدين الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق: 35.

([75]) عبد الله بن شهاب الدين الحسين اليزدي، الحاشية على تهذيب المنطق: 183.

([76]) أبو مظفّر السمعاني، قواطع الأدلّة في الأصول: 55.

([77]) عبد الملك الجويني، الشافي في أصول الدين: 9.

([78]) ابن سينا، الشفاء: 18 ـ 19. وراجع: علي الربّاني، مناهج الاستدلال: 111 وما بعد؛ حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة 1: 356 ـ 359.

([79]) ابن سينا، النجاة من الغرق في بحر الضلالات: 115.

([80]) ابن سينا، عيون الحكمة: 11؛ رسائل ابن سينا: 25.

([81]) ابن سينا، رسالة في ما تقرَّر عنده من الحكومة: 11.

([82]) نصير الدين الطوسي، الإشارات والتنبيهات مع المحاكمات 1: 218، متن الشيخ الرئيس. وراجع: محمد تقي مصباح اليزدي، شرح برهان شفا 1و2 (فارسي): 113، تقرير محسن غرويان.

([83]) بمهنيار بن المرزبان، التحصيل: 97.

([84]) ابن الغيلان، حدوث العالم: 134 ـ 135.

([85]) عمر بن سهلان الساوي، البصائر النصيرية في علم المنطق: 388.

([86]) المصدر السابق‏: 376.

([87]) أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي، المعتبر في الحكمة‏: 1: 205 ـ 206.

([88]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات 1: 344 ـ 345.

([89]) قطب الدين الرازي، المحاكمات بين شرحي الإشارات 1: 215.

([90]) الرازي، تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية ‏: 459.

([91]) مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 41 ـ 42.

([92]) المصدر السابق 4: 176.

([93]) شمس الدين الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق: 122 ـ 123.

([94]) قطب الدين الشيرازي، شرح حكمة الإشراق: 120 ـ 121.

([95]) الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق‏: 120.

([96]) المصدر السابق‏: 122.

([97]) الشهرزوري، رسائل الشجرة الإلهية في علوم الحقايق الربانية‏: 372.

([98]) نصير الدين الطوسي، شرح الإشارات والتنبيهات‏ 1: 219.

([99]) نصير الدين الطوسي ـ الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي، الجوهر النضيد: 201.

([100]) المصدر السابق: 202.

([101]) المصدر السابق: 205.

([102]) الشيرازي، شرح حكمة الإشراق: 116 ـ 117.

([103]) نصير الدين الطوسي، تلخيص المحصَّل: 13. وراجع: شرح الإشارات والتنبيهات مع المحاكمات‏‏ 1: 213 ـ 214.

([104]) نجم الدين علي الكاتبي القزويني، الرسالة الشمسيّة: 43.

([105]) ابن كمّونة، الجديد في الحكمة: 41.

([106]) المصدر السابق: 196.

([107]) الجوهر النضيد: 201.

([108]) قطب الدين الرازي، شرح مطالع الأنوار في المنطق‏: 333.

([109]) تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية‏: 459.

([110]) الحاشية على تهذيب المنطق‏: 111.

([111]) صدر الدين الشيرازي، اللمعات المشرقيّة في الفنون المنطقيّة: 33؛ مجموعه رسائل فلسفي صدر المتألّهين: 229.

([112]) راجع مثلاً: جعفر بن الحسن الحلّي، معارج الأصول: 138؛ عبدالله المامقاني، مقباس الهداية في علم الدراية 1: 92.

([113]) مقباس الهداية في علم الدراية 1: 92 ـ 93.

([114]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، المحصول في علم الأصول 4: 323 ـ 324.

([115]) راجع مثلاً: محمد الأسمندي، بذل النظر في الأصول: 377؛ الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 269.

([116]) البهائي، الوجيزة في علم الدراية، رسائل في دراية الحديث 1: 540.

([117]) حسن بن زين الدين العاملي، معالم الدين وملاذ المجتهدين: 184 ـ 186. وراجع للمزيد: محمد أبو شهبة، الوسيط في علوم ومصطلح الحديث: 192 ـ 193.

([118]) مقباس الهداية في علم الدراية 1: 93.

([119]) العلاّمة الحلّي، الألفين الفارق بين الصدق والمين: 64 (ط. ج 1: 114) .

([120]) العلاّمة الحلّي، نهاية الأصول إلى علم الأصول 3: 460.

([121]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد 5: 15 ـ 16.

([122]) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، نهاية الإقدام في علم الكلام: 274.

([123]) عمر بن سهلان الساوي، البصائر النصيرية في علم المنطق‏‏: 376 ـ 377.

([124]) محمد بن الحسين الفرّاء، العدّة في أصول الفقه 2: 845.

([125]) مجموعة رسائل الإمام الغزالي: 245.

([126]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، شرح الإشارات والتنبيهات 1: 267.

([127]) الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق‏: 120، 123؛ الشهرزوري، ‏رسائل الشجرة الإلهية في علوم الحقايق الربانية‏: 372.

([128]) نجم الدين علي الكاتبي القزويني، الرسالة الشمسيّة: 44.

([129]) علي بن محمد الجرجاني، كتاب التعريفات: 102.

([130]) أحمد ابن تيميّة الحرّاني، الردّ على المنطقيّين: 92.

([131]) ومن هنا اعتبر الدكتور النملة أنّ النـزاع بين أصحاب الاتّجاهين لفظيّ، فراجع: عبد الكريم النملة، الخلاف اللفظي عند الأصوليّين 2: 39؛ عبد الكريم النملة، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 2: 656، على كلام في السبب الذي لأجله ذهب إلى ذلك.

([132]) عبد الملك بن عبد الله الجويني، التلخيص في أصول الفقه 2: 286.

([133]) سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفيّة: 21.

([134]) قطب الدين الرازي، شرح مطالع الأنوار في المنطق: 10.

([135]) محمد بن مكّي العاملي، أربع رسائل كلاميّة ـ الرسالة التكليفيّة: 41.

([136]) عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، شرح المواقف 1: 122.

([137]) حبيب الله الرشتي، بدائع الأفكار: 19.

([138]) جعفر السبحاني، نظريّة المعرفة (تقرير: حسن محمد مكّي العاملي) : 38 ـ 39.

([139]) زين الدين بن علي العاملي، الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 59 (تحقيق بقّال) .

([140]) ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل 5: 75. وراجع: عماد السيد الشربيني، السنّة النبويّة في كتابات أعداء الإسلام 1: 112.

([141]) المحصول في علم الأصول 4: 332.

([142]) عبد الجبّار بن أحمد المعتزلي، المغني في أبواب التوحيد والعدل 20: 72.

([143]) علي بن محمد الماوردي الشافعي، الحاوي الكبير 1: 18.

([144]) الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 114. وراجع: ابن حزم، المحلّى (العقيدة) 1: 7.

([145]) ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام 1: 103؛ عبد المجيد محمود عبد المجيد، الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث: 241؛ عيسى محمود طه، تسمين الغثيث وتقويم الأنيث: 72.

([146]) محمد بن الحسين الفرّاء، العدّة في أصول الفقه 2: 847.

([147]) الطوسي، الاقتصاد: 165.

([148]) الكفاية في علم الرواية: 16.

([149]) عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنّة المناظر: 94.

([150]) جعفر بن الحسن الحلّي، معارج الأصول: 139.

([151]) العلاّمة الحلّي، مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 201 ـ 202.

([152]) أحمد ابن تيميّة الحرّاني، المسودّة في أصول الفقه: 210.

([153]) قطب الدين الرازي، شرح مطالع الأنوار في المنطق‏: 10 ـ 11.

([154]) الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 59.

([155]) أبو الوليد الباجي، إحكام الفصول في أحكام الأصول 1: 326.

([156]) محمد صالح المازندراني، حاشية معالم الدين: 215.

([157]) المصدر السابق: 218.

([158]) أبو القاسم القمّي، القوانين المحكمة في الأصول 1: 422.

([159]) الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 270.

([160]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، الأربعين في أصول الدين: 86.

([161]) الرازي، المحصول في علم الأصول 4: 328.

([162]) الرازي، لباب الإشارات والتنبيهات: 55.

([163]) الرازي، منطق الملخص‏: 344 ـ 345.

([164]) المصدر السابق‏: 347.

([165]) الرازي، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات 1: 344 ـ 345.

([166]) الحُرّ العاملي، الفوائد الطوسيّة: 450.

([167]) محمد بن الحسين المرتضى، الذخيرة في علم الكلام: 345 ـ 346.

([168]) المرتضى، الشافي في الإمامة 2: 94.

([169]) المرتضى، الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 9 ـ 10.

([170]) علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 30 ـ 35.

([171]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 12.

([172]) عبد الملك بن عبد الله الجويني، الورقات: 9.

([173]) زكريّا الأنصاري الشافعي، غاية الوصول.. شرح لباب الأصول: 206.

([174]) محمود بن زيد الماتريدي، كتابٌ في أصول الفقه: 145 ـ 146.

([175]) نظام الدين الشاشي، أصول الشاشي: 192 ـ 193.

([176]) عبد العزيز بن أحمد البخاري، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي 2: 656 ـ 657.

([177]) وهبة الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه: 36.

([178]) أبو القاسم القمّي، القوانين المحكمة في الأصول 1: 422.

([179]) عبد الملك بن عبد الله الجويني، التلخيص في أصول الفقه 2: 288؛ أبو حامد الغزّالي، المنخول في تعليقات الأصول: 243؛ روضة الناظر وجنّة المناظر: 97؛ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 37؛ جعفر بن الحسن الحلّي، معارج الأصول: 139.

([180]) نجم الدين الدركاني، التلقيح.. شرح التنقيح للإمام القاضي صدر الشريعة: 260. وقد قسّم بعض المعاصرين السنّة على أساس الاتصال الكامل بلا شبهة، وهو المتواتر، والاتصال الذي فيه شبهة صورةً، وهو المشهور، والاتصال الذي الذي فيه شبهة صورةً ومعنى، وهو الآحاد، فراجع: حسن حنفي، من النصّ إلى الواقع.. بنية النصّ: 175 ـ 176.

([181]) محمد رضا المظفّر، أصول الفقه 2: 67 ـ 68.

([182]) محمد تقي الحكيم، الأصول العامّة للفقه المقارن: 188 ـ 189.

([183]) محمد بن عمر بن الحسين، الأربعين في أصول الدين 2: 85 ـ 86.

([184]) الرازي، شرح عيون الحكمة 1: 210.

([185]) المرتضى، الشافي في الإمامة 2: 69.

([186]) الأربعين في أصول الدين 2: 80 ـ 81.

([187]) راجع مثلاً: وراجع: حسن العطّار وعبد الرحمن الشربيني، حاشية العطّار على جمع الجوامع 2: 151 ـ 152؛ محمد بن الحسين بهاء الدين العاملي، زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليها: 190؛ الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 62؛ الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 267.

([188]) الشافي في الإمامة 2: 68.

([189]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 22.

([190]) الشافي في الإمامة 2: 69.

([191]) الطوسي، العدّة في أصول الفقه 2: 604.

([192]) محفوظ بن أحمد الحنبلي، التمهيد في أصول الفقه 3: 14.

([193]) راجع مثلاً: الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 267.

([194]) عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم: 109 ـ 110.

([195]) محمد بن علي بن الطيّب البصري، المعتمد في أصول الفقه 2: 90.

([196]) إبراهيم بن علي الفيروزآبادي، التبصرة في أصول الفقه: 295 ـ 296.

([197]) عبد الملك بن عبد الله الجويني، البرهان في أصول الفقه 1: 370 وما بعد.

([198]) أبو حامد الغزّالي، المنخول في تعليقات الأصول: 240 ـ 241.

([199]) الرازي، المحصول في علم الأصول 4: 377 ـ 380.

([200]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 38.

([201]) أحمد ابن تيميّة الحرّاني، المسودّة في أصول الفقه: 212.

([202]) علي بن عبد الكافي السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي 2: 292.

([203]) عبد الوهّاب بن علي السبكي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 2: 303.

([204]) أحمد بن علي الجصّاص الرازي، الفصول في الأصول 1: 523.

([205]) بمهنيار بن المرزبان، التحصيل: 97.

([206]) ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام 1: 101.

([207]) محفوظ بن أحمد الحنبلي، التمهيد في أصول الفقه 3: 28.

([208]) عمر بن سهلان الساوي، البصائر النصيرية في علم المنطق: 376 ـ 377.

([209]) أبو بكر ابن العربي المالكي، المحصول في علم الأصول: 114.

([210]) المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري، معجم جامع الأصول في أحاديث الرسول 1: 122.

([211]) مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 41 ـ 42؛ 4: 176 ـ 177.

([212]) الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق‏: 120، 122 ـ 123؛ الشهرزوري، رسائل الشجرة الإلهية في علوم الحقايق الربانية‏: 372.

([213]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، لباب الإشارات والتنبيهات: 55؛ الرازي، شرح عيون الحكمة 1: 208 ـ 209؛ الرازي، المحصول في علم الأصول 4: 377. وانظر: سميح دغيم، موسوعة مصطلحات الإمام فخر الدين الرازي: 676 ـ 677.

([214]) نصير الدين الطوسي، شرح الإشارات والتنبيهات مع المحاكمات 1: 219.

([215]) نجم الدين علي الكاتبي القزويني، الرسالة الشمسيّة: 43 ـ 44.

([216]) قطب الدين الشيرازي، شرح حكمة الإشراق: 120 ـ 121.

([217]) نصير الدين الطوسي ـ الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي، الجوهر النضيد: 201. وراجع: العلاّمة الحلّي، مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 204.

([218]) عضد الدين الإيجي، كتاب المواقف 1: 197 ـ 198.

([219]) علي بن عبد الكافي السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي 2: 290.

([220]) قطب الدين الرازي، شرح مطالع الأنوار في المنطق‏: 333؛ الرازي، تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية‏: 459.

([221]) الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 62.

([222]) بهاء الدين العاملي، زبدة الأصول: 90؛ بهاء الدين العاملي، زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليها: 192.

([223]) أبو القاسم القمّي، القوانين المحكمة في الأصول 1: 426.

([224]) هادي السبزواري، شرح المنظومة 1: 326.

([225]) محمد بن الطباطبائي المجاهد، المناهل: 657.

([226]) راجع: محمد محفوظ بن عبدالله الترمسي، منهج ذوي النظر.. شرح منظومة علم الأثر للسيوطي: 84.

([227]) المفيد، مختصر التذكرة بأصول الفقه: 44.

([228]) أحمد بن علي الجصّاص الرازي، الفصول في الأصول 1: 509 ـ 510.

([229]) الشافي في الإمامة 2: 68.

([230]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 23.

([231]) المصدر السابق 2: 27.

([232]) رسائل الشريف المرتضى 1: 90 ـ 91.

([233]) علي بن الحسين الموسوي، الشافي في الإمامة 2: 72 ـ 73. وراجع: الطوسي، تلخيص الشافي 2: 56.

([234]) مجموعة رسائل الإمام الغزالي: 249.

([235]) الطوسي، الرسائل العشر: 118 ـ 119.

([236]) مجموعة رسائل الإمام الغزالي: 249.

([237]) راجع مثلاً: محمد بن الطيّب الباقلاّني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 201؛ عبدالملك بن عبدالله الجويني، التلخيص في أصول الفقه 2: 295؛ عبدالملك بن عبدالله الجويني، البرهان في أصول الفقه 1: 99؛ أبو حامد الغزّالي، المستصفى في علم الأصول: 111؛ الغزّالي، المحصول في علم الأصول 4: 382؛ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 39؛ السبكي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 2: 305؛ محمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول: 92؛ حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة 4: 214.

([238]) الجاحظ، الرسائل السياسيّة: 82 ـ 83.

([239]) أبو نصر الفارابي، المنطقيّات 1: 509.

([240]) السري بن أحمد الرفاء، المحب والمحبوب والمشموم والمشروب: 159.

([241]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 190.

([242]) مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 41، 4: 176.

([243]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، الأربعين في أصول الدين: 80.

([244]) الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق‏: 120.

([245]) الشهرزوري، رسائل الشجرة الإلهية في علوم الحقايق الربانية‏: 372.

([246]) ابن كمّونة، الجديد في الحكمة: 41.

([247]) الشيرازي، شرح حكمة الإشراق: 120.

([248]) راجع مثلاً: عبد الملك بن عبد الله الجويني، البرهان في أصول الفقه 1: 372.

([249]) المصدر السابق 1: 375 ـ 376.

([250]) أحمد بن قاسم العبادي الشافعي، الآيات البيّنات 3: 276.

([251]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 18.

([252]) الغزّالي، المستصفى في علم الأصول: 107.

([253]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 37.

([254]) جعفر بن الحسن الحلّي، معارج الأصول: 139.

([255]) محمد صالح المازندراني، حاشية معالم الدين: 219.

([256]) أبو القاسم القمّي، القوانين المحكمة في الأصول (ط. حجرية): 424.

([257]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 35 ـ 36.

([258]) أحمد بن علي الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقّه 1: 354.

([259]) إبراهيم بن علي الشيرازي، اللمع في أصول الفقه 1: 82.

([260]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 439 ـ 441.

([261]) محمد بن علي بن الطيّب البصري، المعتمد في أصول الفقه 2: 90.

([262]) المستصفى في علم الأصول: 107.

([263]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، منطق الملخص: 344 ـ 345.

([264]) الرازي، الأربعين في أصول الدين: 80.

([265]) الشهرزوري، ‏رسائل الشجرة الإلهية في علوم الحقايق الربانية: 372.

([266]) روضة الناظر وجنة المناظر: 620.

([267]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 37.

([268]) السبكي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 2: 301.

([269]) جعفر بن الحسن الحلّي، معارج الأصول: 139.

([270]) الشيرازي، شرح حكمة الإشراق: 120.

([271]) الجوهر النضيد: 205. وراجع: مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 202 ـ 203.

([272]) السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي 2: 289.

([273]) قطب الدين الرازي، شرح مطالع الأنوار في المنطق‏: 333.

([274]) الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 65.

([275]) هادي السبزواري، شرح المنظومة 1: 326.

([276]) محمد صالح المازندراني، حاشية معالم الدين: 221.

([277]) راجع مثلاً: الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 267.

([278]) مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 41، 4: 176.

([279]) الشهرزوري، شرح حكمة الإشراق‏: 120.

([280]) الشهرزوري، رسائل الشجرة الإلهية في علوم الحقايق الربانية‏: 372.

([281]) ابن كمّونة، الجديد في الحكمة: 41.

([282]) الشيرازي، شرح حكمة الإشراق: 120.

([283]) مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 202.

([284]) الرازي، المحصول في علم الأصول 4: 368؛ الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 64.

([285]) السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي 2: 288.

([286]) الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 64 ـ 65.

([287]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 499.

([288]) المرتضى، الشافي في الإمامة 2: 68.

([289]) المصدر السابق 2: 69 ـ 71.

([290]) راجع مثلاً: الرازي، الأربعين في أصول الدين: 85 ـ 86؛ مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 202؛ الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 267.

([291]) عبد الله بن حسين خاطر السمين، حاشية لقط الدرر بشرح نخبة الفكر: 29 ـ 30؛ محمد أبو شهبة، الوسيط في علوم ومصطلح الحديث: 189؛ أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطي، خبر الواحد وحجّيته: 105 ـ 109؛

([292]) محمد بن أحمد التلمساني، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول: 310.

([293]) راجع: محمد بن جعفر الكتّاني، نظم المتناثر من الحديث المتواتر (المقدّمة) : 20 ـ 21؛ محمد رضا المامقاني، مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية 5: 58 ـ 60.

([294]) ابن حزم، النبذ في أصول الفقه الظاهري: 47.

([295]) الطوسي، الاقتصاد: 187.

([296]) عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، إثبات صفة العلوّ: 42.

([297]) ابن الصلاح الحلبي، علوم الحديث: 267 ـ 268.

([298]) محمد بن محمد المقدسي الشافعي، حاشية الكمال بن أبي شريف على شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني (متن ابن حجر) : 34.

([299]) الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 66 ـ 69.

([300]) محمد بن أحمد السرخسي، أصول السرخسي 1: 284 ـ 285.

([301]) راجع: عبدالله المامقاني، مقباس الهداية في علم الدراية 1: 93.

([302]) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل 5: 75.

([303]) محمد بن عمر بن الحسين الرازي، شرح عيون الحكمة 1: 209.

([304]) العلاّمة الحلّي، الألفين الفارق بين الصدق والمين: 64 (ط. ج 1: 114) .

([305]) العلاّمة الحلّي، نهاية الأصول إلى علم الأصول 3: 460.

([306]) ابن الجزري، الغاية في شرح الهداية في علم الرواية: 71. وراجع: علي بن سلطان الهروي، شرح نخبة الفكر للقاري: 619؛ عبد الرؤوف المناوي، اليواقيت والدرر 2: 235؛ مصطفى السليماني المأربي، الجواهر السليمانية شرح المنظومة البيقونية: 201. وراجع عموماً: محمد أبو شهبة، الوسيط في علوم ومصطلح الحديث: 119؛ محمد لقمان السلفي، اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم: 254؛ محمود الطحان، تيسير مصطلح الحديث: 141؛

([307]) أحمد بن الحسين البيهقي، دلائل النبوّة 7: 269.

([308]) أبو حامد الغزّالي، محكّ النظر: 100 ـ 101

([309]) المصدر السابق: 105، 107 ـ 108.

([310]) مجموعة رسائل الإمام الغزالي: 312.

([311]) أبو حامد الغزّالي، المستصفى في علم الأصول: 109 ـ 110. وراجع: روضة الناظر وجنة المناظر: 97.

([312]) نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي، معارج الأصول: 139.

([313]) محمد بن عثمان الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال: 549.

([314]) حسين بن عبد الصمد العاملي، وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: 92؛ مجموعة من العلماء، رسائل في دراية الحديث 1: 394 ـ 395.

([315]) الحسن بن زين الدين العاملي، معالم الدين وملاذ المجتهدين: 250.

([316]) إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الفقه 2: 51.

([317]) محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول (تقرير: محمود الهاشمي) 4: 309؛ محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول (تقرير: حسن عبد الساتر) 9: 430.

([318]) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول ـ الحلقة الثالثة: 159.

([319]) محمد الطباطبائي، مفاتيح الأصول: 497.

([320]) أحمد بن محمد مهدي النراقي، عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام: 687 ـ 688.

([321]) محمد حسن الأشتياني الطهراني، بحر الفوائد في شرح الفرائد 1: 126. وراجع: جعفر السبحاني، المبسوط في أصول الفقه 3: 192 ـ 193.

([322]) أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول (تقرير: محمد سرور البهسودي) 2: 239.

([323]) عبد الجبّار بن أحمد المعتزلي، المغني في أبواب التوحيد والعدل 15: 392.

([324]) حسن النوري، قدوات ومناهج: 185.

([325]) انظر حول هذا التاريخ: مرتضى مطهري، نبرد حق وباطل، مجموعه آثار (فارسي) 4: 8.

([326]) مطهّري، فلسفه تاريخ، مجموعه آثار (فارسي) 15: 449.

([327]) مطهّري، علل گـرايش به ما ديـگـرى، مجموعه آثار (فارسي) 1: 546.

([328]) رضا الغرابي، في رحاب الفكر الاستقرائي للشهيد الصدر: 321 ـ 324.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً