قراءةٌ نقدية في نظرية الشيخ محمد السند
د. حميد رضا شاكرين(*)
المسألة
احتدم الجدل بين العلماء منذ القدم حول المستوى المطلوب من المعرفة في مجال العقائد، وظهرت الكثير من الآراء في هذا الشأن. وقد قام الشيخ الأنصاري بتصنيف هذه الآراء ضمن طبقات ستّ([1]). ولكنْ يمكن خفض مجموع هذه الطبقات بنظرة عامّة إلى ثلاثة أقسام، وهي: العلم، والظنّ، والتفصيل بين العقائد الأصلية والفرعية. يذهب القائلون بالعلم في العقائد إلى القول بأن المصادر المورثة للعلم وذات الحجّية المنطقية هي وحدها المعتبرة في هذا المجال. وفي المقابل يذهب الكثير من القائلين بكفاية الظن إلى القول بأن الحجة الأصولية([2]) والظنون المعتبرة، ومن أهمّها: خبر الواحد، تُعَدّ كافية في هذا المجال([3]). ومن الجدير بالذكر أن كلّ واحد من هذين القسمين ينقسم بدوره إلى ثلاثة أقسام، وهي: الاكتفاء بالظنّ أو العلم المستدلّ، والاكتفاء بالعلم أو الظنّ الأخباري، والاكتفاء بالعلم والظنّ المطلق. يُصرّ مشهور علماء الشيعة والكثير من علماء أهل السنّة على وجوب اليقين في العقائد، ولا سيَّما العقائد الأصولية والأساسية، من قبيل: التوحيد والنبوّة والمعاد. وأما في ناحية الفروع وجزئيات العقائد فنشهد الكثير من الاختلافات. ومن العلماء الذين يرَوْن خبر الواحد ـ على الأقلّ في فروع وجزئيات العقائد ـ حجّةً واجبة الاتباع([4]) هو الشيخ محمد السند. فقد سعى بأسلوبه المبتكر في هذا الشأن، معتمداً تحليلاً عقلياً لرفع موانع اعتبار خبر الواحد في دائرة العقائد، ويعمل على إثبات حجّيته بالأدلة الأربعة. ومن الجدير بالذكر أن الذي يشكّل في الأساس مانعاً دون حجّية أخبار الآحاد في دائرة العقائد عبارة عن:
1ـ إن العقيدة من سنخ العلم والكشف اليقيني للواقع، في حين أن خبر الواحد لا يشتمل على كاشفية ذاتية أو إنتاج يقيني.
2ـ إن الحجّية بالمعنى الأصولي تنحصر بدائرة العمل، ويجب أن تنطوي على ثمرة عملية، أما العقيدة فهي من سنخ المعرفة، وهي تحصل من المقدّمات النظرية بشكل ضروري وتلقائي. وعلى هذا الأساس فإن المعرفة ليست أمراً اختيارياً بشكلٍ مباشر، وإنما السعي إلى تحصيل مقدّماتها العلمية، من قبيل: التحقيق والبحث، وحده هو الاختياري، أما النتائج المترتّبة على ذلك فإنها لا تخضع للإرادة والاختيار. وعلى هذا الأساس فإن حجّية خبر الواحد والتعبّد النظري بمفاده سيكون لَغْواً وفاقداً للأثر العملي.
بعد أخذ هذه المقدّمات بنظر الاعتبار، ندخل في بيان مدَّعى الشيخ السند، وأدلّته على ذلك، لنعمل بعد ذلك على تقييم وتقديم الرأي المختار في هذا الشأن.
بيان المدّعى
يمكن بيان مدّعى الشيخ االسند على النحو التالي:
1ـ إن العقائد تمثّل نوعاً من السلوك والعمل الاختياري القلبي، بمعنى القبول والتسليم. ومن هنا فإنها ـ مثل الأعمال الأخرى ـ يمكن أن تقع مورداً لأمر ونهي الشارع، وإن المخالفة فيها تستوجب استحقاق العقاب. وعلى هذا الأساس فإنه ليس هناك ما يمنع التعبُّد بخبر الواحد ـ في الحدّ الأدنى في الفروع الاعتقادية ـ من الناحية الثبوتية.
2ـ بالإضافة إلى عدم وجود المانع الثبوتي، فإن الأدلة الإثباتية بدورها تشهد بلزوم التعبّد بالخبر. إذن:
3ـ إن خبر الواحد ـ على الأقلّ في الفروع الاعتقادية ـ حجّة، ولازم الاتباع.
وقد تمّ التمسّك لإثبات هذا المدّعى بالأدلة الأربعة. وقد عمد الشيخ السند أوّلاً إلى بيان الدليل العقلي، وانتقل بعد ذلك إلى بيان الأدلة القرآنية والروائية، ليختم بعد ذلك ببحث السيرة العقلائية. وفي ما يلي نستعرض أدلته، مع بيان نقدها ومناقشتها.
الدليل العقلي
يذهب الشيخ السند إلى الاعتقاد:
1ـ بأن اليقين اللازم في العقائد يختلف عن اليقين المنطقي والبرهاني، ويتناغم مع الاطمئنان ودرجات من الظنّ أيضاً؛ وذلك لأن اللازم في العقائد هو الإيمان وما ينعقد عليه القلب والتسليم والإذعان، وهي عملية نفسانية، ومن سنخ الحكمة العملية. وعليه فإن التعبد وإعمال المولوية في دائرة العقائد أمرٌ ممكن. إن ثمرة هذا الإلزام تكمن في رفع موانع الإذعان والتسليم بواسطة الترغيب والترهيب، والتعبّد في ذلك يعني الانقياد والتسليم لخبر الواحد بما يتناسب مع حجم انكشاف الخبر ومحتواه.
2ـ إن القول بظنّية الأخبار إنما ينشأ من الرؤية المجتزأة والمنفصلة والجزئية إليها، وأما الرؤية الكلّية والمجموعية، بمعنى النظر في مجموع الروايات والمؤيدات والقرائن الداعمة، فإنه يرفع من احتمال الصدور إلى مستوى اليقين والتواتر، أو في الحدّ الأدنى إلى مستوى الاستفاضة.
3ـ إن النقل القطعي يقع حدّاً وسطاً في القياس البرهاني؛ وعليه حيث يجب البحث عن المقدّمات العقلية يكون البحث عن الوسائط النقلية واجباً أيضاً؛ لأن تفاصيل العقائد في الكثير من الموارد لا تأتي إلاّ من طريق النقل فقط([5]).
نقدٌ ومناقشة
يَرِدُ على هذا الكلام إشكالٌ من جهات عديدة، ومنها:
إن القول بأن الإيمان هو ما انعقد عليه القلب لا ينتج عنه أنه من سنخ الحكمة العملية، وأنه أمرٌ اختياري يمكن أن يكون متعلقاً للأمر والنهي، بل إن الإيمان يقوم على ركنين؛ وركنه الأول هو المعرفة والتصديق الذهني، بمعنى الاعتقاد الذي هو من سنخ الحكمة النظرية، ولا يمكن أن يتحقّق من دون المقدّمات العلمية والمنطقية الخاصة، وإن الأمر المباشر به لغوٌ وغير مؤثِّر. ولكنْ يمكن الحثّ على السعي في البحث عن مقدماته، بمعنى التحقيق والدراسة عبر القنوات المعرفية. والشاهد على ذلك أن الإيمان إذا كان برمّته أمراً اختيارياً لوجب على الفرد عند الشكّ أن يتمكن من الإيمان أيضاً، وأن يعمل باختياره على الإيمان وعقد القلب بالنسبة إلى أحد طرفي الشكّ، في حين أن هذا الأمر غير ممكن؛ وذلك للتهافت القائم بين الإيمان والشكّ.
والركن الثاني للإيمان هو التسليم والانقياد القلبي، والالتزام باللوازم العملية للمعرفة. ويمكن لهذا الشيء أن يقع مورداً للأمر المولوي. إلاّ أن هذا الأمر ناظرٌ إلى مرحلة ما بعد تحصيل المعرفة، وهو خارجٌ عن محل النزاع. وعلى هذا الأساس لا يمكن لنا أن نستنتج من قابلية الركن الثاني للمولوية أن يكون الركن الأول قابلاً للأمر والنهي المباشر، والقول بوجوب الإيمان بمؤدّى الخبر.
إن القول بأن ظنّية الخبر ناشئة من الرؤية الجزئية يبدو مقبولاً في الجملة، إلاّ أن نتيجته هي ضرورة القيام بالبحث الجامع في الموارد التي يجب فيها تحصيل العلم والاعتقاد، وليس لزوم الاعتقاد بمؤدّى ومضمون الخبر قبل حصول اليقين.
فلو أن خبراً واحداً أدّى إلى حصول اليقين ـ لأيّ سببٍ من الأسباب ـ سيكون حجّةً قطعاً؛ لتحقّق اليقين، وليس خبر الواحد الواحد بما هو خبر واحد، أو الدليل الظنّي بما هو دليل ظنّي.
الأدلة القرآنية
إن الآيات القرآنية التي استدلّ بها على إمكان التعبُّد بالظنّ في العقائد عبارة عن:
آية النفر: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاّ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122).
بتقريب أن الآية الكريمة بصدد بيان وجوب التفقّه في الدين، ثم الإنذار على أساس المعارف الدينية، وهذا إنما يكون إذا كان كلام المنذر معتبراً وحجّة في حق السامعين. ومن جهةٍ أخرى إن الدين يشتمل على الأحكام والعقائد والآداب والأخلاق والسنن، وإن التفقّه والإنذار الديني يشمل جميع هذه الأمور. وعليه كما يتمّ الاستدلال بهذه الآية على وجوب التفقّه والإنذار كفايةً، والوجوب الاستغراقي للحذر في الأحكام، كذلك يمكن الاستناد إليها والاستدلال بها على وجوبه في الفقه الأكبر المتمثّل بدائرة العقائد أيضاً؛ إلاّ إذا كان هناك مانعٌ، من قبيل: لزوم محذور الدَّوْر وما إلى ذلك، في مثل: التوحيد والنبوة أو غيرهما من أصول العقائد([6]).
آية الكتمان: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ﴾ (البقرة: 159).
آية الأُذُن: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة: 61).
آية السؤال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43).
آية النبأ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).
فقد تمّ الاستناد إلى جميع هذه الآيات في تعميم دلالتها على دائرة العقائد([7]).
آيات الظنّ والرجاء: هناك من الآيات ما يثبت أن مجرّد الظن والرجاء يوجب الإيمان، ويُرتّب عليه آثاره، ومنها: قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ (الكهف: 110).
نقدٌ
في الاستدلال بهذه الآيات يَرِدُ هذا السؤال، وهو أن حجّية خبر الواحد في باب الأحكام بمعنى إلغاء احتمال الخلاف، والعمل على طبق مؤدّى الدليل الظنّي، فما هو معنى حجّية خبر الواحد في دائرة العقائد؟
1ـ إنْ كان بمعنى إلغاء احتمال الخلاف، والإيمان بمؤدّى الظنّ، فإنّ هذا غير ممكن من الناحية الثبوتية، إلاّ إذا كان محفوفاً بقرائن تورث الاطمئنان، وترفع الظنّ إلى درجة اليقين. ولكنْ لا يمكن إلغاء احتمال الخلاف تعبّداً، والحصول على اليقين والإيمان الحقيقي.
2ـ إذا كان المراد هو الوصول إلى الاحتمال والاعتقاد الظنّي إذا صحّ التعبير فإن هذا حاصلٌ في حدّ ذاته، والأمر به أمرٌ بتحصيل الحاصل.
3ـ إذا كان المراد هو عدم الاعتناء بالدليل الظني، ورعاية الاحتياط، بمعنى أن يعمل السامع على المزيد من البحث للكشف عن الحقيقة، أو أن يسلك على المستوى العملي سلوك المؤمنين والموقنين، وأن يكون منسجماً مع مفاد ومؤدّى الدليل الظني، فهو ممكنٌ في الجملة. ويمكن للآيات المذكورة أن تدلّ على هذا المعنى، إلاّ أن هذه المسألة مغايرةٌ لمحل النزاع، وهو غير ما يختلف عليه الذين يقولون بالعلم والظنّ.
4ـ في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ (البقرة: 46) فُسِّرت كلمة «الظنّ» باليقين([8]). يضاف إلى ذلك أنه حتّى إذا لم يتمّ تفسير الظن والرجاء باليقين، مع ذلك لا يمكن أن نستفيد من هذه الآيات حجّية الظن في العقائد، وإنما هي تدلّ على مسألة عقلية، وهي أنه في مسائل من قبيل: المعاد والقيامة ـ لأهمّيتهما وخطورتهما الكبيرة ـ يكفي مجرّد الاحتمال على وجوب وضرورة الاحتياط؛ وذلك لأن العقل لا يرى أن قيمة وأهمّية المسألة تابعة لمقدار الاحتمال فقط، وإنما هي تابعة لمقدار المحتمل أيضاً، وإن المحتمل في ما نحن فيه قويٌّ جداً. ومن ذلك، على سبيل المثال: إذا كان احتمال الربح في مشروع اقتصادي يبلغ 5%، ويبلغ في مشروع آخر 10%، وكان مقدار الربح المحتمل في المشروع الأوّل مليون دينار، وفي المشروع الثاني مئة ألف دينار، سيكون المشروع الأوّل أفضل من المشروع الثاني بخمسة أضعاف، مع أن مقدار احتماله نصف مقدار احتمال الشروع الثاني.
وفي ما يتعلق بالحياة الخالدة في الآخرة حتّى إذا كان الاحتمال فيها ضعيفاً جدّاً، إلاّ أن الاهتمام بها مقدَّمٌ على جميع الأمور الدنيوية؛ وذلك لأن الحياة في هذه الدنيا محدودةٌ ولها أمد، في حين أن الحياة في الآخرة حياة خالدة ليس لها أمد، وإن أفضلية اللامحدود على المحدود إلى ما لا نهاية.
الأدلة الروائية
تمّ الاستشهاد بعددٍ من الروايات في إثبات التعبّد بالخبر الظني، ومنها: إطلاق هذه الروايات:
ـ صحيحة عبد العزيز بن المهتدي قال: «قلتُ لأبي الحسن الرضا×: جُعلت فداك، إني لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقةٌ آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم»([9]). في حين أن معالم الدين ـ كما لا يخفى ـ أعمّ من الفروع العملية والمعارف الاعتقادية.
ـ صحيحة عبد الله بن أبي يعفور: «قلتُ لأبي عبد الله×: إنه ليس كلّ ساعة ألقاك، ولا يمكنني القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني، وليس عندي كل ما يسألني عنه، قال: فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي؛ فإنه قد سمع من أبي، وكان عنده مرضيّاً وجيهاً»([10]).
إن إطلاق هذه الرواية يدلّ على جواز الرجوع إلى كلّ شخصٍ تعلّم معالم الدين من مصدر الهداية، وكان شخصاً صالحاً ومرضيّاً؛ سواء في مجال الأحكام أو العقائد([11]).
نقدٌ
إن ما ذكر من الإشكال على دلالة الآيات الكريمة يَرِدُ هنا أيضاً. وفي الوقت نفسه لا يبعد أن تؤدّي بعض الكلمات الصادرة عن الأئمة^ في تأييد بعض الخاصّة من أصحابهم، وجواز أخذ معالم الدين عنهم، إلى تقوية الاعتماد لدى السامع إلى حدّ الاطمئنان واليقين بالكلام الذي ينقلونه عن الأئمة^. وفي هذه الحالة سيُلغى احتمال الخلاف من تلقائه، ويحصل اليقين بالمعارف المنقولة من طريقهم بالنسبة إلى الشخص الذي يحصل عليها من ذلك الشخص بشكلٍ مباشر أو من طريق يورث الاطمئنان. انظر إلى هذه الرواية على سبيل المثال: «قال عبد الله بن جعفر الحميري في حديثٍ: وقد أخبرني أبو عليّ أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن×، قال: سألتُه وقلت: مَنْ أعامل؟ أو عمَّنْ آخذ، وقول مَنْ أقبل؟ فقال له: العَمْري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطِعْ، فإنه الثقة المأمون»([12]).
إن الإمام× يؤكّد في هذه الرواية على أن كلام العمري هو كلامه، وإن الذي يسمع هذا الكلام من الإمام مباشرة ـ بالالتفات إلى عصمته وعلمه بالغيب والمستقبل ـ يحصل له يقينٌ بصدق كلام العَمْري. ولكنْ أين هذا من أخبار الآحاد التي تصل إلينا عبر وسائط وعنعنات كثيرة، بالإضافة إلى الإشكالات المتعدّدة الأخرى، وإذا لم تكن هذه الأخبار محفوفةً بالقرائن التي تورث الاطمئنان لا يمكن لنا أن نستفيد منها إلغاء احتمال الخلاف بشكلٍ علميّ ومنطقيّ أبداً.
سيرة العقلاء
لا فرق في سيرة العقلاء والمتشرّعة بين حجّية خبر الواحد في أصول العقائد والفروع العملية؛ ومن هنا توجد الكثير من الروايات الواردة عند الخاصة والعامة في نقل أصول العقائد([13]).
نقدٌ
إن إثبات السيرة في نقل الروايات الاعتقادية لا يثبت السيرة على الاعتقاد التعبُّدي والإيمان بمفادها، أي في الموارد التي يكون فيها احتمالٌ عقليّ أو عقلائيّ على خلاف مفاد خبرٍ ما لا يمكن أبداً اعتبار نقله بمنزلة إقامة السيرة على الإلغاء التعبّدي لمثل هذا الاحتمال. وعليه لا وجود لسيرة على التعبّد بالظن في العقائد، وإنّ السيرة الموجودة لا تدلّ على لزوم أو إمكان التعبّد بالظن في هذه الدائرة.
إن الكثير من الروايات المأثورة عن أهل البيت^ في مجال العقائد تشتمل على براهين عقلية معمّقة، وإن نقلها والاستفادة منها لا ينطوي على آليّة تعبُّدية بَحْتة. كما أن نقل الروايات غير الاستدلالية إنما يأتي لوضعها في متناول المجتمع الإسلامي؛ كي يتمّ التمكّن ـ من خلال البحث فيها والتنقيب عن الأدلة والقرائن الأخرى ـ من تمييز الحقيقة من غيرها. ومن هنا لربما نقل راوٍ واحدٌ رواياتٍ متعارضة أو موارد لا يؤمن بها على المستوى الشخصي، ولا يكون له في ذلك سوى دَوْر الناقل.
إذن ليس هناك من دليل على إثبات التعبّد بالظن في العقائد. وغاية ما يمكن قوله في هذا الشأن هو ضرورة عدم تجاهل الدليل الظنّي المعتبر، ووجوب رعاية الاحتياط العملي، على ما تقدَّم شرحه وبيانه.
أدلة وجوب العلم
بالإضافة إلى ما تقدّم في نقد أدلة القائلين بالظنّ في العقائد، هناك في المقابل أدلة تدلّ بشكل مباشر على وجوب العلم في العقائد. وفي ما يلي نتعرَّض لبحث هذه الأدلة والانتقادات الواردة عليها من قِبَل القائلين بالظن.
الدليل العقلي: العلم من مقتضيات إظهار العقائد للواقع
يمكن من الناحية العقلية إقامة الكثير من الأدلة على وجوب العلم في العقائد؛ ومن بينها: إن القضايا الاعتقادية ذات صبغة إخبارية تحكي عن الواقع، وهذا في الأصل يقتضي العلم واليقين؛ إذ من دون العلم لا يتحقّق الاعتقاد بالواقع. يقول الشهيد الثاني في هذا الشأن [ما معناه]([14]): «إن الغاية في العقائد هي الوصول إلى الواقع، في حين أن الغاية في الأحكام هي العمل بالتكليف، ومن هنا لا يمكن للظنون، وحتى الأمارات، أن تكون مجدية في أصول العقائد»([15]).
كما يذهب العلاّمة الطباطبائي إلى القول بأن الإنسان بفطرته السليمة يتبع في اعتقاده ما يراه حقّاً، ويجده واقعاً في الخارج، ويتبع في عمله ما يرى نفسه مصيباً في تشخيصه، وذلك في ما تيسَّر له أن يحصل العلم به، وأما الذي يشكّ في وجوده فلا يستطيع أن يدّعي تحقّقه. وبذلك يكون التعبّد بالدليل الظني في مجال العقائد مخالفاً للفطرة البشرية([16]).
وبعبارةٍ أخرى: «إن الحجّية الشرعية من الاعتبارات العقلائية؛ فتتبع وجود أثر شرعي في المورد يقبل الجعل والاعتبار الشرعي. والقضايا التاريخية والأمور الاعتقادية لا معنى لجعل الحجّية فيها؛ لعدم أثر شرعي، ولا معنى لحكم الشارع بكون غير العلم علماً، وتعبيد الناس بذلك»([17]).
إشكالٌ: إمكان الجعل في الإذعان القلبي
يذهب الشيخ محمد السند إلى الاعتقاد بإمكان الجعل الشرعي في دائرة العقائد أيضاً؛ وذلك لأن النفس الإنسانية في مجال العقائد تقوم بثلاثة أمور، وهي:
1ـ الفحص والبحث العلمي للوصول من المجهول إلى المعلوم.
2ـ إدراك المجهول كنتيجةٍ منبثقة عن المقدّمات المعلومة.
3ـ الإذعان بما حصل عليه من الطريق المذكور.
يرى سماحته أن الإذعان القلبي فعلٌ جوانحي وعملٌ اختياري، وبذلك يكون قابلاً للجعل الشرعي. إذن يمكن للشارع أن يحكم من طريق أخبار الآحاد بوجوب أن يذعن المكلَّف بما حصل عليه بعد الفحص والاستنتاج، وأن ينقاد ويسلِّم بحكم العقل([18]).
الجواب: إمكان الجعل ما بعد العلمي
إن هذا الادّعاء ـ على فرض التسليم به ـ إنما يكون مجدياً في ما يتعلق بالاعتبار الشرعي بعد العلم (المرحلة الأولى)؛ وأما الدليل العقلي على عدم الاكتفاء بالدليل الظنّي والتعبّدي فيعود إلى مرحلة ما بعد العلم (المرحلة الثانية). وبعبارةٍ أخرى: إن الكلام يقع في إمكانية استبدال الدليل الظنّي بمقدّمة معلومة، والوصول من خلاله إلى إدراك الواقع بشكلٍ مبرَّر، وهل يمكن اعتبار الاحتمال الحاصل من الدليل الظنّي علماً تعبّداً، ثم الاعتقاد به، أم لا؟ مدّعى الدليل العقلي هو الجواب عن كلا الأمرين بالنفي.
الأدلة القرآنية
لقد تمّ الاستناد إلى عددٍ من آيات القرآن الكريم في ما يتعلّق بالمعرفة اللازمة في الدين. وفي ما يلي نذكر جانباً منها على النحو التالي:
1ـ ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: 116). إن هذه الآية لا ترى الحدس والظن ناجعاً ومجدياً في طريق الهداية والسعادة، بل على العكس من ذلك ربما كان سبباً في الضلال. ومن هنا فإن هذه الآية تبيِّن أن أكثر أهل الأرض؛ لركونهم العام إلى الظن والتخمين، لا تجوز طاعتهم في ما يَدْعون إليه ويأمرون به([19]).
2ـ ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36). إن هذه الآية تنهى عن اتّباع غير العلم بالمطلق. ومن أبرز مصاديق ذلك أن تعتقد وتؤمن بشيءٍ دون العلم به بشكلٍ كامل؛ لأن الإيمان والاعتقاد نوعٌ من الاتباع([20]).
وقال الشيخ الطوسي في تفسير هذه الآية: «واستدلّ بهذه الآية على أنه لا يجوز العمل بالقياس، ولا بخبر الواحد؛ لأنهما لا يوجبان العلم، وقد نهى الله تعالى أن يتبع الإنسان ما لا يعلمه»([21]).
إشكالٌ شامل
أشكل على دلالة الآية بالمعنى المذكور، وقيل: إن هذه الآية ـ طبقاً لهذا الكلام ـ تنهى عن اتّباعها أيضاً؛ لأن دلالتها ليست نصّاً، بل هي مجرّد ظهور، ودلالة الظهور ظنية. وعليه فإن النهي عن اتباع الظنّ يساوي الردع عن العمل بمدلول هذه الآية الكريمة.
الجواب
أـ إن دلالة الآية على أصل عدم جواز اتباع غير العلم نصٌّ قطعي. وإن الذي يحتوي على الجانب الظهوري منها، ويقع في مرتبة ما دون النصّ، هو إطلاقها وشمولها. هذا في حين يمكن القول: إن المسائل الاعتقادية تمثل القدر المتيقَّن من نفي التبعية لغير العلم، أو في الحدّ الأدنى إن القرائن التي هي من قبيل: مؤاخذة القلب ـ الذي يمثّل مركز الإذعان للحقائق الاعتقادية ـ يدلّ على ذلك دلالةً خاصة.
ب ـ إن الظهور ظنّي، بَيْدَ أنه على أساس الفهم العقلائي يشتمل على ظنّ يورث الاطمئنان، ويكون حجّةً؛ إذ بناءً على قواعد التفاهم لو أريد معنى مغايرٌ لما يدلّ عليه الظهور وجب نصب قرينة نقلية أو عقلية مفيدة للعلم على ذلك. ومن هنا ذهب بعض العلماء، مثل: الشيخ السبحاني، إلى القول بالقطعية الدلالية لمؤدّى الظواهر([22]). وعلى هذا الأساس رغم أن المدلول الإطلاقي للآية ليس هو اليقين المنطقي، ولكنْ حيث لم تقُمْ قرينةٌ على الخلاف يمكن لظهورها أن يكون مورثاً للاطمئنان، ويكون قابلاً للمحاججة على مستوى اليقين الموضوعي أو الجزم الظنّي.
ج ـ بالإضافة إلى الموارد المتقدّمة، يمكن اعتبار مفاد الآية إرشاداً إلى حكم العقل في دائرة العقائد، وعندها سينتفي الإشكال من الأساس.
3ـ ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (يونس: 36).
ذهب بعض المفسِّرين، مثل: القمّي([23]) وصاحب التفسير المنير([24])، إلى القول بأن الآية تنهى عن الاتباع المطلق للظن. وفي المقابل ذهب المفسِّرون الآخرون، مثل: المولى فتح الله الكاشاني([25]) والبيضاوي([26])، إلى القول بأن الآية تمثِّل دليلاً على وجوب تحصيل العلم في العقائد، وعدم الاكتفاء بالظنّ والتقليد فيها. والمهمّ في البين أن عدم الاكتفاء بالظن والتقليد في العقائد في كلتا الحالتين يمثل القدر المتيقَّن من الرأيين المتقدّمين، وأن هذا متَّفق عليه من قِبَل الفريقين.
وقد تمّ الاستناد في هذه المسألة إلى آيات أخرى أيضاً، ومنها: الآيتان 3 و8 من سورة الحجّ، والآية 56 من سورة الذاريات، والآية 15 من سورة الكهف. إلاّ أن هذه الآيات تحتوي على وضوح أقلّ، بالمقارنة إلى الآيات المتقدّمة في المقام. ومن هنا نكتفي بما تقدَّم من الآيات؛ رعايةً للاختصار([27]).
الأدلة الروائية
هناك من الروايات ما ربط إبداء الرأي في مجال العقائد بالعلم أيضاً. ومنها:
ـ في روايةٍ طويلة عن أمير المؤمنين× أنه قال: «ومَنْ عَمِي نسي الذكر، واتّبع الظن، وبارز خالقه ـ إلى أن قال ـ ومَنْ نجا من ذلك فمن فضل اليقين»([28]).
ـ وعن الإمام الصادق× أنه قال: «إن الله خصّ عباده بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا حتّى يعلموا، ولا يردّوا ما لم يعلموا، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ (الأعراف: 169)، وقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ (يونس: 39)»([29]).
إن هذه الرواية ـ بالاستناد إلى آيات القرآن الكريم ـ تبطل جميع أنواع القبول أو الرفض الاعتقادي الديني دون الاستناد إلى العلم واليقين الكافي.
ـ وجاء في وصية الإمام الصادق× للمفضَّل قوله: «مَنْ شكّ أو ظنّ، فأقام على أحدهما، أحبط الله عمله؛ إن حجّة الله هي الحجّة الواضحة»([30]).
إشكالٌ
إن الاستناد إلى هذه الأخبار ونظائرها في إثبات وجوب العلم، وعدم اعتبار الأدلة الظنية، يستلزم شمولها لنفسها وعدم اعتبارها أيضاً؛ وذلك لأنها من الأدلة الظنية، وعند إثبات عدم الاعتبار تسقط عن الحجّية، فلا يكون الاستناد إليها مُجْدياً.
الجواب
1ـ إن مجموع هذه الروايات من الكثرة بحيث قد تبلغ حدّ التواتر المعنوي والإجمالي في باب النهي عن اتباع غير العلم، وإذا لم تصل إلى حدّ التواتر فلا أقلّ من الاستفاضة، وبذلك لا تكون مجرّد أخبار آحاد.
2ـ إن الروايات الرادعة عن اتّباع غير العلم ـ وإنْ كانت من أخبار الآحاد ـ تُعضد بالآيات وسائر البراهين، وتغدو يقينية.
3ـ لو صحّ هذا الإشكال فإنه يَرِدُ على أولئك الذين يرفضون مطلق اتباع الظنّ والدليل الظنّي، من قبيل: خبر الواحد. وأما بناءً على عدم الاتباع الاعتقادي، وجواز الاتباع العملي لخبر الواحد المعتبر، فإن الاستناد إليها في موضوع بحثنا إنما يجوز من حيث إن هذه الروايات تشتمل على تكليفٍ عملي، بمعنى السعي من أجل العثور على الحقيقة، وإيجاب العمل بها، وإنها تنطوي على ثمرة عملية، وليس على ثمرة عقائدية ومعرفية. وأما ما هي مساحة هذه الثمرة العملية؟ فهو أمرٌ يحتاج إلى بحثٍ. وفي الحدّ الأدنى هو معتبرٌ في العقائد اللاحقة، أي العقائد القائمة على الشريعة.
النتيجة
على الرغم من التمسّك بأدلة من العقل والآيات القرآنية والروايات وسيرة العقلاء على الاكتفاء بالظنّ في تفاصيل العقائد، بَيْدَ أن المشكلة الرئيسة تكمن في أن الحجّية بمعنى إلغاء احتمال الخلاف على طبق مؤدّى الدليل الظني وإنْ كانت ممكنةً في الأحكام، إلاّ أن هذا الأمر في دائرة العقائد:
أوّلاً: غير ممكن ثبوتاً؛ لأن القضايا الاعتقادية تلعب دَوْر الحكاية والإخبار عن الواقع، وهذا في ذاته يقتضي العلم واليقين، ولا يمكن له أن يتحقّق من دون العلم.
وثانياً: لا يوجد على إثباته أيّ دليلٍ نقلي من الكتاب والسنّة، وليست هناك دلالة تامّة عليه، بل هناك الكثير من الأدلة من الكتاب والسنّة على خلافه.
وثالثاً: لم تقُمْ السيرة العقلائية أو سيرة المتشرِّعة على الاعتماد على خبر الواحد الظنّي بما هو خبرُ واحدٍ. وعليه لا يوجد لدينا في العقائد خبراً واحداً حجّة ولازم التعبّد في فروع وتفاصيل العقائد. وبطبيعة الحال ليس هناك محذورٌ في تنزيل العلم المعتبر في الفروع الاعتقادية إلى حدّ الجزم والاطمئنان، والقبول بالأدلة المورثة للاطمئنان في هذا الشأن، بَيْدَ أن هذا لا يمكن في ما دون الاطمئنان، وإنما كلّ ما يمكن فعله في هذه الحالة هو ترجيح كفّة الاحتياط في بعض اللوازم العملية المترتّبة على هذا النوع من الأخبار.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعِدٌ في فرع المنطق وفهم الدين في مؤسّسة الثقافة والفكر الإسلاميّ للأبحاث.
([1]) انظر: الأنصاري، فرائد الأصول 1: 574، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1419هـ.
([2]) إن الحجّة في المنطق عبارة عن الأمر الذي يوجب التصديق (انظر: الخواجة نصير الدين الطوسي، الجوهر النضيد: 193، تصحيح: محسن بيدار فر، انتشارات بيدار، ط5، قم، 1371هـ.ش؛ فخر الدين الرازي، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات: 10، انتشارات بيدار، قم، 1411هـ). وبعبارةٍ أخرى: المعلومات التي تأخذ بنا إلى المجهولات التصديقية دون التصورية (انظر: المظفر، المنطق: 208، إسماعيليان، قم، 1377هـ.ش). أما الحجّية في علم أصول الفقه فلها استعمالات متنوّعة، ومن أكثرها شيوعاً: المعذِّرية والمنجِّزية. والحجّة بهذا المعنى تعني الدليل الذي إذا طابق الواقع نجّز مدلوله على المكلَّف، ومن هنا لا تجوز مخالفته عقلاً، وإن مخالفته تستوجب استحقاق العقاب؛ وإنْ لم تصب الواقع أمكن للمكلَّف أن يعمل على توظيفها في الدفاع عن موقفه. ومن هنا يذهب الأصوليون إلى تعريف الحجّة بالمعذِّر والمنجِّز (الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 405، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، قم، 1409هـ).
([3]) انظر: محمد تقي سهرابي فر، علم، ظنّ، وعقيده (العلم والظنّ والعقيدة): 213 ـ 238، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، ط1، طهران، 1391هـ.ش؛ الأنصاري، فرائد الأصول 1: 553 ـ 555، 1419هـ.
([4]) إن من أسباب إخراج العقائد الأصولية، مثل: أصل التوحيد والنبوّة، هو أن التعبّد بالدليل النقلي فيها يلزم منه محذور الدَّوْر، حتى إذا كان النقل قطعياً، ناهيك عمّا إذا كان ظنّياً، من قبيل: خبر الواحد.
([5]) انظر: الشيخ السند البحراني، نقش روايات در أمور اعتقادي (دور الروايات في الأمور الاعتقادية): 34 ـ 56، فصلية: پژوهشهاي أصولي، العدد 4 ـ 6، صيف وخريف وشتاء عام 1382هـ.ش.
([6]) انظر: الشيخ السند البحراني، بحوث في قراءة النصّ الديني: 73، مركز تحقيقات كامبيوتري علوم إسلامي، (الموسوعة الإلكترونية لمؤلَّفات الشيخ محمد السند).
([7]) انظر: الشيخ السند البحراني، بحوث في قراءة النصّ الديني: 74.
([8]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان 1: 220، ناصر خسرو، ط3، طهران، 1372هـ.ش؛ الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 14: 300، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1420هـ.
([9]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 147، مؤسسة آل البيت^، 1409هـ.
([10]) المفيد، الاختصاص: 201، انتشارات كنگره جهاني شيخ مفيد، قم، 1413هـ.
([11]) انظر: الشيخ السند البحراني، بحوث في قراءة النصّ الديني: 76.
([12]) الكليني، الكافي 1: 329، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، ط2، طهران، 1365هـ.ش.
([13]) انظر: الشيخ السند البحراني، بحوث في قراءة النصّ الديني: 77.
([14]) لم نعثر على النصّ في المصدر، رغم الجهد، فاضطررنا إلى ترجمته من الأصل الفارسي بالمعنى. المعرِّب.
([15]) الشهيد الثاني، المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفية: 45، مكتب الإعلام الإسلامي، مركز النشر في الحوزة العلمية، قم، 1378هـ.ش ـ 1420هـ.
([16]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 13: 92، دفتر انتشارات إسلامي جامعه مدرّسين حوزه علميه قم، ط5، قم، 1417هـ.
([17]) انظر: المصدر السابق 10: 351.
([18]) انظر: الشيخ السند البحراني، بحوث في قراءة النصّ الديني: 47 ـ 50.
([19]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 7: 331، 1417هـ.
([20]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 13: 93.
([21]) الطوسي، الخواجة نصير الدين، التبيان في تفسير القرآن 6: 477، دار إحياء التراث العربي، بيروت. وانظر أيضاً: الطبرسي، مجمع البيان 6: 641، ناصر خسرو، ط3، طهران، 1371هـ.ش.
([22]) انظر: جعفر السبحاني، إرشاد العقول 3: 130، مؤسسة الإمام الصادق×، ط1، قم، 1424هـ.
([23]) انظر: القمّي المشهدي، تفسير كنـز الدقائق وبحر الغرائب 6: 58، سازمان چاپ وانتشارات وزارت إرشاد إسلامي، ط1، 1368هـ.ش.
([24]) وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج 11: 173، دار الفكر المعاصر، ط2، بيروت، 1418هـ.
([25]) الكاشاني، زبدة التفاسير 3: 208، بنياد معارف إسلامي، ط1، قم، 1423هـ.
([26]) البيضاوي، أنوار التنـزيل وأسرار التأويل 3: 112، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1418هـ.
([27]) انظر: محمد تقي سهرابي فر، علم، ظنّ، وعقيده (العلم والظنّ والعقيدة): 187 ـ 193، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، ط1، طهران، 1391هـ.ش.
([28]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 41، مؤسسة آل البيت^، 1409هـ.
([29]) الكليني، الكافي 1: 43، ح7 و8، تحقيق: علي أكبر الغفاري، 1407هـ.