أ. محمد حسين شيرزاد(*)
أ. محمد حسن شيرزاد(**)
د. مهدي إيزدي(***)
ترجمة: حسن علي الهاشمي
مقدّمةٌ
أدّى التواصلُ الثقافي بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، بوصفه حادثة كبيرة في القرن الماضي، إلى ظهور أسئلةٍ واحتياجات جديدة في المجتمعات الإسلامية، حيث تحتاج الإجابة عنها إلى إعادة قراءة القرآن وأحاديث الأئمة المعصومين^. ولا شَكَّ في أن من أهمّ المسائل في هذه المرحلة، والتي تحتاج إلى اكتشاف واستخراج المداخل القرآنية / الروائية، بحث «كيفية العلاقة بين الزوج والزوجة». ويبدو بيان العلاقة بينهما للوهلة الأولى أمراً في غاية البساطة، بَيْدَ أن وجود بعض الروايات في هذا الشأن يؤدّي إلى ظهور الكثير من التحدِّيات. وفي هذه المقالة نسعى إلى بيان نموذجٍ واحد من هذه الروايات، ونعمل على بحثه ومناقشته.
إن الحديث المأثور عن النبيّ الأكرم|: «لو أمرْتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرْتُ المرأة أن تسجد لزوجها»، والذي ورد ذكره ـ مع اختلافاتٍ قليلة ـ في مختلف مصادر أهل السنّة والإمامية، قد أثار الكثير من الأسئلة التي يمكن تتبُّعها على صفحات المواقع الاجتماعية والفضاء الافتراضي. من الواضح أن تغليب موقع الرجل على موقع المرأة في البيت ومحيط الأسرة، الذي يعبِّر عن سيادة الرجل في أجواء البيت، يتعارض مع الثقافة الشائعة في العصر الراهن، والتي تحقَّقَتْ بفعل منح الطرفين موقعاً متساوياً في المجتمع.
إن كتّاب هذه السطور مطَّلعون على الإجابة عن هذه الأسئلة بأسلوب فقه الحديث في الفضاء المجازي، ولكنْ بالنظر إلى تقدير الجهود المبذولة فقد أرادوا مناقشة هذه الرواية من زاويةٍ جديدة، وباتجاهٍ نقديّ. وبعبارةٍ أخرى: إن هذه المقالة، بدلاً من توظيف الفنون المعروفة في فقه الحديث، تسعى إلى تطبيق الأدوات الحديثة في نقد الحديث؛ لكي تعمل ـ من خلال القيام بالدَّوْر المتمِّم تجاه الدراسات السابقة ـ على إظهار الزوايا الخفيّة الأخرى من هذه الرواية.
ولأجل الوفاء بهذه الغاية سوف نقوم أوّلاً بجولةٍ سريعة على وجود هذه الرواية في المصادر الروائية لدى الفريقين، وبعد التعريف بالأبعاد المتنوِّعة لنقد هذا الحديث، سوف نركِّز بحثنا على مجرَّد النقد المتني له على المستويات الثلاثة: اللغوية؛ والأدبية؛ والثقافية. وفي نهاية المطاف سوف نحكم على أصالة متن هذه الرواية في ضوء الأدوات المستعملة.
الحديث في مصادر المسلمين الروائيّة
سوف يكون لدينا في هذا القسم من المقالة إطلالةٌ قصيرة على الرواية المذكورة في المصادر الروائية لكلا الفريقين. وحيث إن المصادر الروائية المتأخِّرة ليست سوى ناقلةٍ عن المصادر الروائية المتقدِّمة فسوف نحجم عن ذكرها، ونكتفي بما ورد في المصادر الروائية المتقدِّمة، والتي يرقى تأليفها ـ في الحدّ الأبعد ـ إلى النصف الأول من القرن الرابع الهجريّ.
ومن خلال التجوال بين المصادر الروائية للإمامية نجد أن المصدر الأقدم الذي احتوى على هذه الرواية هو كتاب بصائر الدرجات، للصفّار(290هـ)([1]). كما يمكن لنا مشاهدة هذه الرواية في كتاب الكافي، للكليني(329هـ)؛ والهداية الكبرى، للخصيبي(334هـ)، أيضاً([2]). وعلى الرغم من عدم مشاهدتنا لانتشار هذه الرواية في مصادر الإمامية المتقدِّمة، فإننا نشهد حضوراً واسعاً وجادّاً لها في أربعة عشر مصدراً من المصادر المتقدِّمة لأهل السنّة([3]).
هناك اختلافاتٌ طفيفة في نقل هذه الرواية في جميع هذه المصادر الروائية في ما يتعلَّق بالصيغة الأصلية لمتنها، ولكنّها تتَّفق بأجمعها على رفع مكانة الرجل، وإعطائه المنزلة العليا إلى حدّ السجود له من قِبَل المرأة. وإذا ما تجاوَزْنا هذه الاختلافات الجزئية والطفيفة، فسوف نشهد اختلافاً كبيراً في منشأ وسبب صدور هذه الرواية عن النبيّ الأكرم|، حيث سنعمل على بيان ذلك وتوضيحه لاحقاً.
وحيث تنقسم أبحاث نقد الحديث إلى قسمين، وهما: «النقد السندي»؛ و«النقد المتني»، يمكن نقد الرواية مورد البحث بدَوْرها على هذين المستويين أيضاً. إن أصحاب هذه السطور؛ من منطلق نقدهم لأسانيد هذه الروايات، يذهبون إلى التشكيك في تبلورها ضمن الحلقات الروائية للإمامية، ويرَوْن أنها قد تسلَّلت من الحلقات الروائية لأهل السنّة إلى مصادر الإمامية عبر همزة وصل تمثَّلَتْ بالمصادر الروائية للزيدية. وحيث إن إثبات هذا المدّعى يحتاج إلى بيان الكثير من الشواهد، وتقديم ما يكفي من الأدلة، فإننا سوف نعرض عن ذكرها في هذه المقالة، ونترك بيانها إلى فرصةٍ أخرى. وعليه، سوف نقتصر في هذه المقالة على نقد متن هذه الرواية في ضوء المناهج والأساليب الجديدة، والتي رُبَما يتمّ توظيفها للمرّة الأولى في نقد الروايات.
أبعاد النقد الأسلوبيّ لمتون الروايات
إن روايات الأئمّة المعصومين^ هي من سنخ المتن، وإن الاستفادة من مختلف أساليب بحث المتن، وتوظيفها في مجال الدراسات الروائية، يُعَدّ سَعْياً نافعاً وجديراً بالاهتمام والملاحظة. تسعى هذه المقالة ـ في ضوء هذا الهاجس ـ إلى اتخاذ منحىً ثلاثي الأبعاد في إطار نقد متن الروايات، حيث نعمد إلى التعريف بها في ما يلي:
1ـ البُعْد اللغويّ (النقد اللسانيّ)
إن المراد من البُعْد اللغوي للمتن هو المفردات والكلمات المستعملة داخل المتن، وأسلوب تركيبها وضمّها إلى بعضها في قالب من الجُمَل والعبارات. إن لكلّ لغةٍ في كلّ مرحلةٍ من تاريخها ألفاظ ومفردات خاصّة بها، كما أن لها قواعد صرفية وأصولية خاصّة لتركيب الكلمات. وكلّ حديثٍ بدَوْره ـ كما هو الحال بالنسبة إلى كلّ أمرٍ لغويّ آخر ـ يشتمل على مفردات تمّ تركيبها وضمّها إلى بعضها بشكلٍ خاصّ. وعلى هذا الأساس، فإن النقد اللغوي واللساني لروايةٍ ما يعني ملاحظة مفرداتها وألفاظها، وأسلوب تركيب هذه الألفاظ وضمّها إلى بعضها، من خلال الاتجاه النقدي([4]). ومن أجل تنظيم وصياغة هذا النقد يجب تقييم لغة الرواية في ضوء هذا السؤال القائل: «هل اللغة المستعملة في هذه الرواية متطابقةٌ مع لغة عصر صدورها»؟ وبالتالي: «هل يمكن لمتن هذه الرواية أن يكون قد تمخَّض في تلك الفترة الزمنية أم لا»؟
من الواضح جدّاً أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى توفُّر معيار وملاك موثوق ومعتبر؛ بغية عرض متن الرواية عليه، وتقييم مقدار اعتبار لغتها. وحيث تُنْسَب هذه الرواية إلى رسول الله| يوجد هناك إمكانيّةٌ لعرضها على معيارٍ موثوق تبلورَتْ فيه الخصائص اللغويّة لعصره. إن القرآن الكريم ـ بوصفه متناً ونصّاً قطعيّ الصدور، ولم يتعرَّض لأيّ نوعٍ من أنواع التحريف والتصحيف ـ ينتمي إلى تلك الحقبة الزمنية، وعليه فهو يمثِّل ملاكاً ومعياراً فذّاً لتقييم وقياس حجم التماهيات والتطابقات بينهما([5]). وعلى هذا، فإن مقارنة الخصائص اللغوية للرواية مورد البحث بنصّ القرآن الكريم يجعل احتمال صدورها في تلك الحقبة الزمنية أمراً قابلاً للتقييم.
2ـ البُعْد الأدبيّ (النقد الأدبيّ)
إن قراءة المتن في هذا البُعْد والمستوى تعني الاهتمام بالبِنْية الحاكمة على ذلك النصّ؛ لغرض دراسة الانسجام والتناغم الداخلي في أجزائه. وبذلك فإن الباحث والمحقِّق، بدلاً من التركيز على الألفاظ والقواعد المهيمنة على تراكيب الجُمَل والعبارات، يلتمس مقدار التناغم وعدم التناغم الداخلي للنصّ. إن ملاحظة عدم الانسجام في متن الرواية، ووجود عدم التناغم بين أجزائها، يُشكِّل دليلاً على عدم صدورها من متكلِّمٍ حكيم وبليغ، مثل: النبيّ الأكرم|. هذا في حين أن مشاهدة النصّ القويّ والمتين، والذي يعبِّر عن هيكلٍ نصّيٍّ واحدٍ ومتكامل يثبت تمخُّضه في مرحلةٍ زمنية، دون أن يتعرَّض للتدخُّلات والتحريفات اللاحقة. والذي يمكن أن يسعفنا في هذا المسار هو الدراسة والقراءة الدقيقة للصُّوَر والصِّيَغ المختلفة والمتنوّعة للرواية، ومقارنتها ببعضها([6]).
3ـ البُعْد الثقافيّ (النقد الثقافيّ)
إن المراد من البُعْد الثقافي للنصّ هو البِنَى والأُسُس الثقافية التحتيّة التي ينشأ النصّ في أحضانها، ويتأثَّر بها، أو يؤثِّر فيها([7]). هناك احتمالٌ أن يكون النصّ قد صدر في عصر تبلوره وظهوره بتأثيرٍ من الخطاب السائد، ويكون ذلك دليلاً يعمل على تقويته وتثبيته. وفي مثل هذه الحالة فإن التعرُّف على الفضاء الثقافي لصدور النصّ يعمل على توضيح طريقة تأثُّره بحواضن وخلفيات تبلوره وصدوره. كما يوجد هناك احتمال أن يكون النصّ ـ من خلال وقوفه في وجه الخطابات الغالبة ـ بصدد التأثير على الفضاء الثقافي لعصر صدوره، وساعياً إلى الإصلاح في بيئة ظهوره. وفي هذه الحالة فإن معرفة الفضاء الثقافي لإنتاج النصّ يعمل على بيان التحدِّيات الماثلة بين النصّ والخطابات المنافسة له([8]).
وعلى هذا الأساس، يمكن قراءة الروايات المنسوبة إلى النبيّ الأكرم| بلحاظ تأثُّرها بالخطابات الجاهلية، أو تأثيرها عليها، والعمل على بحث أساليب التعامل فيما بينها. إن تماهي نصّ الرواية مع الخطابات الجاهليّة دليلٌ على وجود الضعف فيها، وفي المقابل فإن التناغم مع الخطابات الإسلاميّة يستوجب تقوية احتمال صدورها من قِبَل النبيّ الأكرم|.
النقد الأسلوبيّ لمتن الحديث
وفيما يلي سوف نعمل، في سياق تقييم احتمال صدور رواية سجود المرأة لزوجها، على نقد هذه الرواية ضمن مستويات وأبعاد البحث الثلاثة، ونتيجةً لذلك سوف تتَّضح أصالة متن هذه الرواية أيضاً.
1ـ النقد اللغويّ
لأجل الدراسة النقدية للمستوى اللغويّ لهذه الرواية يجب العمل في البداية على النظر في الخصائص اللغوية التي تشتمل عليها، وبعد مقارنتها بنصّ القرآن الكريم نعمل على تقييم صحّة متنها. إن الذي نلاحظه في جميع الصِّيَغ المتنوِّعة لهذه الرواية في المصادر الروائية المتقدِّمة للفريقين هو وجود التضادّ بين ألفاظ «المرأة» و«الزوج» فيها. وفي الحقيقة فإن هذه الرواية من خلال إقامة العلاقة والارتباط التقابلي بين الساجد (المرأة) والمسجود له (الزوج) تسعى إلى إيجاد ألفاظ ثنائيّة متحقّقة في قالب «المرأة / الزوج». والآن يجب عرض هذه الخصوصية اللغويّة على نصّ القرآن الكريم، والحكم بشأن صحّتها.
إن دراسة آيات القرآن الكريم؛ للحصول على الألفاظ الدالّة على العلاقة والارتباط بين المرأة والرجل، تثبت وجود أربعة أزواج من الألفاظ، وهي: «بعل / امرأة» (الجمع: بعولة / نساء)؛ و«زوج / زوجة» (الجمع: أزواج / أزواج)؛ و«رجل / امرأة» (الجمع: رجال / نساء)؛ و«ذكر / أنثى» (الجمع: ذكور / إناث).
إن ألفاط «بعل / امرأة» المستعملة في القرآن الكريم تعني «الزوج / الزوجة». إن دلالةَ لفظ «بعل» على مفهوم «الزوج»، بالإضافة إلى تأييده بالاستعمالات القرآنية، موردُ إجماع اللغويّين من المسلمين أيضاً([9]). وإن الذي يقع في العلاقة التقابلية مع لفظ «بعل»، ويدلّ على معنى «الزوج»، هو لفظ «امرأة» (والجمع: «نساء»، و«نسوان»، و«نسوة»)، ولها بطبيعة الحال معنيان مختلفان، وهما: «المرأة»؛ و«الزوجة»([10]). ومن الجدير ذكرُه أنه كلّما ورد استعمال كلمة «امرأة» في القرآن الكريم في تقابلٍ مع كلمة «بعل» كانت بمعنى «الزوجة»، وكلّما وقعت في تقابلٍ مع كلمة «رجل» كانت بمعنى «المرأة».
كما أن ثنائي لفظ «الزوج / الزوج»، المستعمل بدَوْره في القرآن الكريم مراراً وتكراراً، يعني «الزوج / الزوجة». ويؤكِّد علماء اللغة على هذه النقطة، وهي أن مفردة «الزوج»؛ طبقاً لاستعمال القرآن الكريم، يُطْلَق بشكلٍ واحد على «الزوج» و«الزوجة» على السواء. وعلى هذه الشاكلة فإن استعمال تاء التأنيث المربوطة للدلالة على التأنيث كان بعيداً عن الاستعمالات العربية، وغير صحيح([11]).
وثنائي اللفظ «رجل / امرأة»، الذي له استعمالاتٌ كثيرة في القرآن الكريم، يعني «جنس الرجل / جنس المرأة». إن دلالة لفظ «الرجل» على جنس المذكَّر أمر واضح([12])؛ ولكنْ لا بُدَّ من ملاحظة دلالة مفردة «امرأة» على معنى جنس «المرأة»([13])، فإنها إنما تظهر في حالة التقابل مع مفردة «رجل»، لا «بعل».
وإن ثنائي اللفظ «ذكر / أنثى» بدَوْره، في ضوء دلالته على معنى «الذكر / الأنثى»، إنما يدلّ على الأبعاد البايولوجية والأحيائية للذكورة والأنوثة، وبالتالي فإن لها استعمالاً مختلفاً عن ثنائيّات الألفاظ السابقة([14]).
كما نشهد نظاماً من تقسيم المهامّ بين الألفاظ الدالّة على الجنس النسوي أيضاً؛ إذ يؤدّي إلى عدم إمكان استبدالها ببعضها. وتتمّ الاستفادة من كلمة «امرأة» و«زوج»، بالإشارة إلى منزلة المرأة في البيت والأسرة، للدلالة على معنى «الزوجة». وبطبيعة الحال فإن كلّ واحدٍ من هذين اللفظين يدلّ على التوالي ـ من خلال إبداء الدَّوْر المشترك والمتمِّم مع ألفاظ «بعل» و«زوج» (للرجل) ـ على دائرةٍ مفهومية مختلفة عن الدلالة الأخرى. وهكذا لفظ «امرأة» عند استعماله في تقابلٍ مع كلمة «رجل» سوف يكون ذلك من أجل إفادة معنى «الزوجة». ولفظ «أنثى» بدَوْره، من خلال إفادة معنى «الأنوثة»، ليس لديه قابلية الاستبدلال بالألفاظ السابقة.
وبذلك فإنه؛ بالنظر إلى موقع كلّ واحدٍ من هذه الألفاظ ودلالاتها المفهومية من ناحيةٍ، والتدقيق في اللفظ المتمِّم لها في كلّ ثنائيّةٍ لفظية من ناحيةٍ أخرى، تتجلّى كيفية استعمالها في لغة عصر نزول القرآن الكريم بوضوحٍ. إن جميع هذه النتائج، التي يتمّ الحصول عليها من خلال التعمُّق في آيات القرآن الكريم، تمثِّل ملاكاً معتبراً وموثوقاً لعرض المتون والنصوص الروائية عليها.
إن مقارنة متن الرواية مورد البحث ـ التي انتظمت بتركيب ثنائيّة ألفاظ «زوج / امرأة» ـ بثنائيّات ألفاظ رباعيّة تمّ استخراجها من آيات القرآن الكريم تدلّ بوضوحٍ على وجود ضعف ونقص في طبقاتها اللغوية. لا شَكَّ في أن إيجاد التضادّ بين «امرأة» و«زوج» يمثِّل شاهداً على هذا الأمر، وهو أن المراد من لفظ «امرأة» هو «الزوجة»، وليس مطلق المرأة. إن هذه الرواية بصدد بيان العلاقة والارتباط القائم بين الأزواج والزوجات في محيط الأسرة، دون العلاقة بين مطلق الرجال والنساء في المجتمع.
وعلى هذا الأساس، فإنه بالنظر إلى الاستعمالات القرآنية لا يكون ضمّ لفظ «امرأة» إلى «زوج» في إطار علاقةٍ وارتباطٍ متمِّم فيما بينهما مقبولاً، ولم يكن استعمال ذلك في عصر نزول القرآن الكريم مفهوماً من قِبَل المخاطبين. إن الدليل على هذا الأمر يعود بجذوره إلى اختلاف أفهام المخاطَبين لثنائيّات ألفاظ «بعل / إمرأة» و«زوج / زوج»؛ حيث لا يكون ضمّ جزءٍ من كلّ واحدٍ في مقابل الآخر قابلاً للفهم، ويجعله مخلاًّ في الشبكة المفهومية للغة العربية في عصر النزول. وسوف نعمل على بيان هذا الاختلاف المفهومي في القسم اللاحق من هذه المقالة بالتفصيل.
إن الذي تمّ في هذا القسم من المقالة حتّى الآن هو مقارنة الطبقات اللغوية للحديث مورد البحث باللغة المستعملة في القرآن الكريم؛ لأجل اتخاذ موقفٍ ناقدٍ لمتنه ونصّه. والذي سمح لنا بإجراء هذه المقارنة؛ لتنظيم هذا النقد، نسبة هذه الرواية إلى النبيّ الأكرم|. ولا شَكَّ في أن النبيّ الأكرم|؛ حيث كان يتحدَّث في عصر نزول القرآن الكريم، كان يستفيد من شبكةٍ مفهومية واحدة؛ لإيصال مراده ومقاصده. وفي هذه الحالة يكون تطابق المستوى اللغويّ للنصوص المنسوبة إلى النبيّ الأكرم| مع نصّ القرآن الكريم أمراً ممكناً، بل لازماً([15]). ومن الواضح جدّاً أن أصحاب هذه السطور لن يعمدوا أبداً إلى استخدام هذا الأسلوب في النقد لو كانت هذه الرواية منسوبةً إلى الإمام الرضا×. إن ادّعاء التساوي في الشبكة المفهوميّة للغة العربية في عصر الإمام الرضا× مع الشبكة المفهوميّة للغة العربية في عصر النزول غير قابلٍ للدفاع، بل لا يمكن القبول به إطلاقاً.
وبناءً على ما تقدَّم يمكن اعتبار مقارنة المستوى اللغوي للروايات المنسوبة إلى النبيّ الأكرم بالنصّ المقدّس للقرآن الكريم بمنزلة «عرض الأحاديث النبوية على الكتاب». إن عرض الحديث على القرآن كان متَّبعاً منذ القِدَم، بوصفه واحداً من طرق وأساليب نقد الحديث الموصى بها من قِبَل الأئمّة المعصومين^، وحظيَتْ باهتمام الباحثين في مجال الروايات([16]). لا شَكَّ في أن لموافقة الكتاب ومخالفته أنحاء مضمونية ومدلولية واسعة، إلاّ أن الإطلاق الموجود في كلام الأئمّة الأطهار^ يشمل الأبعاد اللفظية / اللغوية للروايات أيضاً. إن هذه الناحية من «عرض الروايات النبوية على الكتاب»، بالإضافة إلى تقوية موقع القرآن الكريم بوصفه ملاكاً معتبراً لنقد الروايات، سوف يؤدّي إلى مزيدٍ من اهتمام المختصّين في الروايات بالأبعاد اللغوية للروايات أيضاً.
إن النقطة الهامّة في عرض الأحاديث النبويّة على القرآن الكريم التفاتُ المحقِّق في الروايات إلى احتمال وقوع النقل بالمعنى فيها. إن احتمال حدوث هذا الأمر كان مرتفعاً جدّاً؛ بالنظر إلى بعض الأحداث التاريخية، من قبيل: المنع من كتابة الأحاديث النبوية، واستمرار هذا المنع حتّى زمن عمر بن عبد العزيز، والنقل الشفهي لهذه الأحاديث عبر العديد من الأجيال، وإمكان وقوع الخطأ من قِبَل الرواة([17]). وعلى هذه الشاكلة يَرِدُ هذا الاحتمال أيضاً، وهو أنه بعد مضيّ فترةٍ زمنية تقدَّر بجيلٍ تتعرَّض الشبكة المفهومية للغة العربية إلى التغيير والتحوُّل، ويرتفع احتمال نسيان الاختلافات المفهومية بين ألفاظ «بعل» و«زوج» (الرجل)، وإمكان استبدال «امرأة» بـ «زوج» (الزوجة) أيضاً. وبطبيعة الحال يوجد هناك هذا الاحتمال أيضاً، وهو أن نعتبر الضعف الموجود في الطبقة اللغوية لهذه الرواية بمعنى إمكان وقوع الوضع أيضاً. إن الذي يساعدنا على الاختيار بين هذين الخيارين هو بحث الطبقات والأبعاد الأدبيّة والثقافيّة لهذه الرواية، حيث يتمّ العمل ـ بواسطة الارتباط ذهاباً وإياباً مع الطبقة اللغويّة لها ـ على تقييم احتمال الوضع أو النقل بالمعنى.
2ـ النقد الثقافيّ
في ضوء مقارنة البُعْد والمستوى اللغوي من هذه الرواية بنصّ القرآن الكريم تمّ التشكيك في التقابل بين ألفاظ «امرأة» و«زوج» في متن الحديث، ومن هنا يذهب التوقُّع بالمختصّ في دراسة الحديث إلى أن يكون النصّ المنسوب إلى النبيّ الأكرم| عبارة عن: «لو أمرْتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرْتُ المرأة أن تسجد لبعلها»، أو: «… لأمرْتُ الزوج أن تسجد لزوجها».
وفيما يلي من المناسب ـ لأجل تشخيص الصيغة الأصيلة للحديث ـ دراسة وبحث ثنائيّة ألفاظ «بعل / امرأة» و«زوج / زوج». قد لا يبدو في الوهلة الأولى وجود اختلاف كبير بين معاني هذه الثنائيات اللفظية، ولكنْ بالنظر إلى خلفيات تبلور كلّ واحد منها نجد أنه يعبِّر عن نَمَط أفهام مختلفة عن كلّ واحدٍ منها في ما يتعلَّق بالارتباط بين الزوج والزوجة في البيت والأسرة.
إن الذي يعمل على إيضاح المفهوم الثنائي لألفاظ «بعل / امرأة» في اللغة العربية التي تنتمي إلى عصر النزول هو الالتفات إلى مسار تبلور مفهوم «الزوج» في قالب «بعل». إن كلمة «بعل»، التي هي كلمةٌ ضاربة في القِدَم، ويعود تاريخ استعمالها إلى ما يزيد على عشرة آلاف سنة([18])، حيث كانت متداولةً في اللغات السامية بمعنى «آلهة الآلهات»([19]). وفي الحقيقة فإن «بعل» كان إلهاً يُعْبَد من قِبَل مختلف الشعوب السامية([20])، وإن تخصيصه بقوم إلياس× ـ على ما ذهب إليه بعض اللغويّين([21]) ـ ليس صحيحاً([22]). وبعد ذلك بمدّةٍ حدث تحوُّلٌ مفهومي في مفردة «بعل» في إطار استعارةٍ، وصارت هذه الكلمة تطلق على مفهوم «المالك لكلّ شيء»([23]). وفي الحقيقة فإن الشعوب السامية؛ بالنظر إلى التماهي بين علاقة الله وعباده، وبين مالك كلّ شيء بذلك الشيء، قد أسَّسوا مفهوماً جديداً لـ «المالك والمدبِّر»([24]). والحلقة الأخيرة للمسار المفهومي كانت عبارةً عن التأسيس لمعنى «الزوج» من مفردة «بعل»، وهو ما حصل في اللغات السامية المختلفة، من قبيل: العبرية، والآرامية، والسريانية، والحبشية، والسَّبَئِية، والعربية([25]). وحيث إن مسار الصياغة المفهومية يقوم في الغالب على أساس أمور ثقافية، ومنبثقة من الخلفية الخطابية لمختلف الشعوب المتنوِّعة، فإن صياغة مفهوم «الزوج» من معاني «إله الآلهة» و«المالك» يدلّ بوضوحٍ على فهم ورؤية الناطقين بتلك اللغات لمفهوم «الزوج». وفي الحقيقة فإن هذه الصياغة المفهومية التي تبلورت على أساس استعارةٍ بصدد بيان موقع الزوج في البيت والأسرة في ضوء موقع الله بين عباده([26]).
والحال أن تتبُّع مسار صيرورة مفهوم «الزوج» في قالب «زوج» يدلّ على تبلور هذا المعنى في مهدٍ مختلفٍ عن المعنى السابق. ومن الضروري ـ قبل كلّ شيء ـ الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أن كلمة «الزوج» تطلق ـ بحَسَب استعمالات القرآن الكريم ـ بشكلٍ واحد على «زوج المرأة» و«زوجة الرجل» أيضاً([27]). وعليه، فإنه خلافاً للثنائي اللفظي «بعل / امرأة»، الذي نشاهد فيه وجود الاختلاف اللفظي بينهما، نشاهد في الثنائي اللفظي «زوج / زوج» تساوياً واتّحاداً بينهما من الناحية اللفظية، الأمر الذي يشتمل ـ من دون شكٍّ ـ على دلالاتٍ خاصة أيضاً. وقد فسَّر اللغويّون المسلمون مفهوم «الزوج» في مقابل مفهوم «الفرد»، ومن خلال التأكيد على وجود الثنائية والطَّرَفَيْنية في هذا المفهوم فقد اعتبروا ذلك من العناصر التي لا تنفكّ عن هذه المفردة. كما تمّ تفسير العلاقة والارتباط المتبادل في نموذج «الزوجية» في ضوء الارتباط المتقارن بين الطرفين أيضاً، الأمر الذي يظهر بدَوْره في أمثلةٍ كثيرة من استعمال هذه المادّة في اللغة العربيّة([28]).
والآن بعد المقارنة بين ثنائيات ألفاظ «بعل / امراة» و«زوج / زوج»، وكذلك بيان نَمَط الأفهام المختلفة لكلّ واحدٍ منها في خصوص كيفية ارتباط الزوج بالزوجة في محيط البيت والأسرة، من المناسب أن نعود إلى إعادة صياغة الصُّوَر الأصليّة للرواية مورد البحث؛ لنعمل على تقييم إمكان تطبيق واستعمال كلّ واحدٍ منها في متن الرواية.
من الواضح جدّاً أن الرواية المنسوبة إلى النبيّ الأكرم|؛ حيث كانت بصدد بيان الارتباط والعلاقة بين الزوجة وزوجها في قالب الارتباط الافتراضي بين الساجد والمسجود له، سوف يكون لها تناغمٌ تامّ مع استعمال ثنائي ألفاظ «بعل / امرأة»، وتبويب «الزوج» في قالب «البعل»، ولن يكون لها أيّ صلةٍ بنموذج الزوجية. لقد كانت لعبادة الإله «بعل» من قِبَل الشعوب السامية، بمَنْ فيهم العرب، مكانةٌ عريقة ومتأصِّلة. وكانت هذه المكانة والمنزلة مقرونةً بمناسك وتشريفات خاصّة، من قبيل: تقديم الأضاحي والنذور، والقيام بالطقوس والمناسك العبادية، مثل: السجود والتضرُّع وما إلى ذلك. إن تصنيف مفهوم «الزوج» ضمن إطار «بعل»، الذي يُذَكِّر بصلة العبيد بهذا الإله، قد أدّى إلى توفير الأرضية المناسبة لإمكانية إعادة إنتاج المناسك الدينية لهذا المفهوم ـ الذي كان لا يزال عالقاً في الذاكرة التاريخية للعرب ـ ضمن كيان الأسرة، ورفع منزلة ومكانة الزوج في هذا السياق. هذا، في حين أن الاستفادة من ثنائي الألفاظ «زوج / زوج» ـ بسبب اشتماله على الارتباط المتقارن والمتساوي بين الزوج والزوجة ـ لا ينطوي على إمكانية الإرجاع والإحالة إلى الارتباط والعلاقة الافتراضية بين «الساجد / المسجود له» في اللغة العربية التي كانت سائدة في عصر النزول.
ومن هنا، وعلى الرغم من مشاهدتنا لاستعمال ثنائي الألفاظ «زوج / امرأة» في متن الرواية المذكورة في جميع المصادر الروائية لدى الفريقين، فإننا، من منطلق الاستناد إلى الشواهد اللغويّة واللسانيّة، نشكِّك في صحّته، ونقوِّي استعمال ثنائي الألفاظ «بعل / امرأة». والذي يؤيِّد نتيجة هذه القراءة مشاهدة ذات هذه الثنائية اللفظية المقترحة في كتاب (معرفة الصحابة)، لأبي نعيم الإصفهاني؛ حيث يمثِّل شاهداً على وجود هذه الصورة والصيغة النصّية للرواية في بعض الحلقات الروائية([29]).
لقد عمَدْنا حتّى الآن إلى إعادة صياغة الصورة الأصلية لهذه الرواية، بالنظر إلى الخلفيات الثقافية لتبلور ألفاظ «بعل» و«زوج».
وقد حان الوقت لبحث الأبنية الخطابية التحتية لإنتاج هذه الرواية، وبيان ارتباطها بالفضاء الثقافي لإنتاجها.
كما سبق أن ذكَرْنا فإن هذا الحديث قد رفع من منزلة الزوج، من خلال منحه مكانة الإله من باب الاستعارة. وهذا ما نجد حدوثه في الثقافة الجاهليّة للعرب بالنسبة إلى كلمة «بعل» أيضاً؛ إذ أدّى إلى صياغة معنى «الزوج» من مفهوم «الإله» في ضوء هذه الاستعارة أيضاً.
إن الدراسات التي بدأَتْ ولا تزال متواصلةً في مجال علم الاستعارة، منذ عقد الستينيّات من القرن الميلادي المنصرم، قد دفعَتْ أصحاب هذه السطور إلى الحَذَر من العبور ببساطةٍ على هذه الاستعارة، وحثَّتْهم على التأمُّل فيها ـ بَدَلاً من النظر إليها في إطار المحسِّنات الأدبية ـ ضمن واقعةٍ معرفية وإدراكية([30])، والاهتمام بهذا الأمر من هذه الناحية([31]). وعلى هذا الأساس فإن «الاستعارة»، بالإضافة إلى توفير الأرضية لإدراك مفهومٍ من خلال مفهومٍ آخر، تؤدّي إلى خلق حقيقةٍ وواقعية، بل خلق خطابٍ جديدة في ضوء ذلك([32]).
وبناءً على هذا المعطى كان بيان موقع الزوج في البيت بوصفه ربّ البيت يُعبِّد الطريق أمام الفهم الأفضل لموقع الزوج ومكانته في أذهان المخاطَبين. كذلك فإن استعمال هذه الاستعارة وترسيخها في البيئة الثقافية يؤدّي إلى إنتاج مفهوم «محورية الزوج» في البيت والأسرة، وإن تقبُّل هذا المفهوم على مدى جيلٍ من الزمن يمهِّد الأرضية إلى ترسيخه وتثبيته في ثقافة القوم أيضاً. إن هذا هو الذي حدث في الثقافة العربيّة إبّان العصر الجاهلي، وأدّى إلى التأسيس للموقع المحوري للزوج في البيت أيضاً. إن المنزلة القويّة للأزواج في البيوت، وتفوُّقهم واستعلاءهم وأولويّتهم على النساء، من المشهورات والمتواترات في الثقافة العربيّة([33])، ولا شَكَّ في أن هذه الاستعارة المحورية كانت تعمل في خدمة هذا الاتجاه أيضاً. ومن البديهيّ أن الرواية مورد البحث كانت متأثِّرةً بهذا الخطاب، وقد لعبَتْ دَوْراً في إطار إيجاد العلاقة الطولية والعامودية بين الزوج والزوجة. هذا، في حين أن القرآن الكريم قد أسَّس ـ من خلال تبويب العلاقة بين الزوج والزوجة في إطار «الزوجية» ـ لخطابٍ جديد في مقابل نموذج «بعل / امرأة». إن نموذج «بعل / امرأة» كان يطالب برفع مكانة الزوج بالمقارنة إلى زوجته، إلاّ أن نموذج «زوج / زوج»، من خلال اقتراح علاقةٍ أفقيّة، كان بصدد إعطاء دَوْرٍ متقارن ومتكافئ بين الطرفين. ومن هنا فإن القرآن الكريم، من خلال استبدال نموذج «زوج / زوج» بنموذج «بعل / امرأة»، وتقوية النموذج المختار، قد خطا خطوةً كبيرة في اتجاه رفع مستوى المرأة في محيط البيت والأسرة([34]).
بناءً على ما تقدَّم، وعلى الرغم من تساوي ثنائية الألفاظ «بعل / امرأة» و«زوج / زوج» في الدلالة على مفهوم «زوج / زوجة»، يجب القول بتعلُّقهما وانتمائهما إلى خطابين منافسين لبعضهما. وفي حالة القبول بهذا التنافس الخطابيّ تكون الرواية مورد البحث متعلّقةً بالخطاب الجاهلي للبيئة العربية؛ حيث تسعى هذه الرواية إلى دعم وتعزيز هذا الخطاب. هذا في حين أن المتوقَّع من كلام النبيّ الأكرم| ـ الذي هو بنصّ القرآن ليس سوى الوَحْي الإلهي ـ أن يكون متطابقاً بشكلٍ تامّ مع الخطاب الموافق للقرآن الكريم. وعلى هذه الشاكلة فإن قرب الرواية مورد البحث من الخطاب العربيّ في العصر الجاهليّ، وعدم تطابقها مع الخطاب القرآنيّ، يُعَدّ نقصاً جادّاً فيها. وبطبيعة الحال يبدو أن نسبة هذه الرواية إلى النبيّ الأكرم| يجب إرجاعها إلى ما بعد استقرار الخطاب الإسلاميّ في المنطقة بعد اندحار الخطاب الجاهليّ. والشاهد على ذلك هو استعمال كلمة «لو» الامتناعية لسجود المرأة لزوجها. لا شَكَّ في أن نسبة حديثٍ إلى النبيّ الأكرم| يطالب بسجود المرأة لزوجها، وذلك ـ في عصرٍ غلب عليه الخطاب الإسلاميّ، وألقى أصل «التوحيد» بكَلْكَلِه على جميع البقاع ـ يبدو عليه الوضع منذ البداية، ولا يُساور الشكّ أحداً في اختلاقه، وأنه لا يمكن القبول به. هذا هو الاتجاه الذي كان يدعو إلى مواصلة الخطاب الجاهليّ في جميع مجالات الحياة، بما فيها الأسرة، من خلال نسبة نصٍّ إلى النبيّ الأكرم|، عبر الاستعانة بـ «لو» الامتناعية؛ كي لا يبدو في النظرة الأولى قابلاً للردّ والإنكار. إن استمرار هذه الرواية في الحلقات الروائية لأهل السنّة، وتسلُّلها إلى الحلقات الروائية للإماميّة، يثبت نجاح هذا الاتجاه في تمويه خطابه الجاهليّ، بعد تأطيره بالإطار الإسلاميّ.
إن الذي يدعم النتائج المترتِّبة على قراءة الجانبين اللغويّ والثقافي من هذه الرواية هو ملاحظة الجانب الأدبيّ منها، على ما سنبحثه ضمن العنوان التالي:
3ـ النقد الأدبيّ
لبيان وترتيب هذا النقد نحتاج إلى ملاحظة علاقة نصّ الرواية بسبب صدورها، ومن هنا فإن دراسة مجال صدور هذه الرواية يحظى بأهمِّيةٍ خاصّة. وبشكلٍ عامّ يمكن تقسيم مجال صدور هذه الرواية إلى قسمين عامين، وهما: «الجانب الإعجازي»؛ و«الجانب الإنساني». فيما لو تجاوَزْنا بعض المصادر الروائية التي لم تُشِرْ إلى الموقعية المكانية والزمانية، واكتفَتْ بذكر هذه العبارة نقلاً عن النبيّ الأكرم|، فإن بعضها قد تحدَّث عن صدور هذه العبارة في ساحةٍ تنطوي على الإعجاز والكرامة، فقد أدّى سجود داجنٍ، مثل: الجمل، وحتّى الشجرة، لرسول الله| على الملأ العامّ ببعض مَنْ شاهد هذه الظاهرة إلى أن يتوهَّم جواز سجود الناس لرسول لله|. وقد أكَّد النبيّ بدَوْره ـ ضمن بيان قانونٍ كلِّي ـ على عدم جواز سجود الناس لبعضهم، واستثنى من ذلك مجرَّد سجود المرأة لزوجها فيما لو افترضنا عدم وجود هذا القانون العامّ. هذا، في حين أنه ورد صدور هذه العبارة عن النبيّ الأكرم| في بعض الصُّوَر الأخرى ضمن جوٍّ إنسانيّ وعادي؛ فقد رأى بعض الصحابة في أسفارهم إلى البلدان المجاورة ظاهرة سجود بعض الناس لبعضهم، وبعد نقل هذه الظاهرة إلى النبيّ طلبوا منه أن يأذن لهم بالسجود له، وقد ذكر النبيُّ في المقابل ـ بعد رفضه جواز سجود الناس لبعضهم ـ هذه العبارةَ مورد البحث في هذا السياق.
وعلى أساس هذا التقسيم والتبويب، سوف نتعرَّض أوّلاً ـ في النقد الأدبي لروايات سجود المرأة للزوج ـ إلى الأبحاث الإعجازيّة لها، ثمّ ننتقل بعد ذلك إلى الأبحاث الإنسانية.
أـ الأبحاث الإعجازيّة
يمكن مشاهدة الأبحاث الإعجازية لهذه الرواية في مصادر أهل السنّة على شكلين؛ ففي بعض هذه الموارد نشاهد تقريراً بسجود جملٍ أمام النبيّ الأكرم|؛ وفي بعضها الآخر نرى سجود الشجرة للنبيّ. إن حكاية سجود الجمل للنبيّ الأكرم|، المنقولة عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ وعائشة([35])، تحتوي على بعض الاختلافات أيضاً. لقد روى جابر جزئيات هذه الحادثة بالتفصيل أثناء إحدى أسفار رسول الله|؛ وأما ظاهر كلام عائشة فيحكي عن وقوع هذه الحادثة في حَضَر النبيّ الأكرم، ولم يكن في سفرٍ.
وبغضّ النظر عن التقرير المقتَضَب لعائشة عن هذه الحكاية، فإن النقطة العجيبة جدّاً، والتي تلفت الانتباه بعد قراءة الرواية، هي كلام الصحابة، حيث قالوا للنبيّ الأكرم| بعد رؤيتهم سجود الجَمَل له: «تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحقُّ أن نسجد لك». إن الرواية المنسوبة إلى عائشة كانت تتحدَّث في بداية الأمر عن مجرّد سجود جَمَل، بَيْدَ أن انتقال الكلام إلى سجود الشجر في الأثناء يدعو إلى التأمُّل. يبدو أنه يجب البحث عن سبب هذه الإضافة في التقرير الإعجازي الآخر لهذه الحكاية، حيث تعكس سجود شجرةٍ للنبيّ الأكرم. إن هذه الحكاية التفصيلية، المرويّة عن ابن بريدة، عن أبيه، تشير إلى أعرابيٍّ سأل النبيَّ الأكرم أن يُريه معجزةً لإثبات نبوّته، حيث انتهى الأمر إلى سجود الشجرة([36]). إن مقارنة رواية عائشة برواية ابن بريدة تثبت بوضوحٍ معرفة الناقل لهذه الرواية بالروايات المشابِهة، وإدغامها ببعضها ضمن نصٍّ روائيّ واحد، وإلاّ ففي غير هذه الصورة لا يمكن العثور على أيّ دليلٍ منطقيّ للحديث عن سجود الشجرة للنبيّ الأكرم| في رواية عائشة.
إن إطلالةً على المصادر الروائية للإمامية تثبت مدى أهمِّية التقرير الإعجازي لهذه الرواية عند الشيعة. فمن بين المصادر المتقدِّمة للإمامية ـ ونعني به بصائر الدرجات، والكافي، والهداية الكبرى ـ نشاهد حضوراً لهذا التقرير في كلٍّ من: كتاب بصائر الدرجات، والهداية الكبرى. وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات في نقل الحكاية، إلاّ أنها تحظى ببِنْيةٍ واحدة([37]). إن الموضوع الأصلي لهذه الروايات هو الحوار الإعجازي للنبيّ الأكرم| مع ثلاثة أصناف من البهائم، وهي: البعير والبقرة والذئب، وهي تنسجم مع الغاية الرئيسة لتأليف هذه الكتب الروائية. وإن البِنْية العامة الحاكمة على هذه الحكاية بدَوْرها أكثر انسجاماً مع رواية جابر بن عبد الله الأنصاري، دون رواية عائشة. إن نصّ بصائر الدرجات ـ إذا ما استثنَيْنا مورد البحث ـ لا يُظهر تعلُّقاً بالخطاب الجاهلي لشبه الجزيرة العربية؛ وأما نصّ الهداية الكبرى فإنه من خلال التأييد الصريح لخطابٍ آخر من الخطابات الجاهليّة يدعو الباحث في الشأن الروائي إلى الدهشة والعَجَب. في هذه الرواية بعد أن حاور النبيّ الأكرم| الجَمَل الذي سجد له، دخل مع صاحبه في معاملةٍ، ثمّ اشتراه منه، وأعتقه، وجعله «سائباً لوجه الله». وعليه، فإن هذه الرواية ـ بالإضافة إلى نسبة عبارة «لو أمرْتُ أحداً…» إلى النبيّ الأكرم الذي يُمضي فيه الخطاب الجاهليّ للعرب في مجال الأسرة ـ تعمل، من خلال تحرير البعير في سبيل الله، على إحياء خطابٍ آخر من الخطابات الدينية الجاهلية المعارضة بشكلٍ صريح لنصّ آيات القرآن الكريم([38]). من خلال التماهي بين عبارة «لو أمرْتُ أحداً…» وبين التأييد الصريح لسنّةٍ أخرى من سنن الجاهليّة في رواية الخصيبي يمكن اعتبار ذلك أمارةً أخرى على وجود نقاط الضعف في هذه الرواية أيضاً.
ب ـ التقريرات الإنسانيّة
إن التقريرات الإنسانية لهذه الرواية التي تبيِّن سفر بعض أصحاب رسول الله| إلى البلدان المجاورة، ومشاهدتهم لظاهرة سجود بعض الأشخاص لبعضهم، يمكن مشاهدتها في مصادر أهل السنّة على صورتين؛ ففي أحد هذه التقارير تمّ التعرّض لكلامٍ عن قيس بن سعد؛ إذ دخل على رسول الله| وحدَّثه عن بعض ما رآه في سفره إلى الحيرة من سجود بعض الناس إلى مرزبانهم([39])، وبعد بيان هذه الحادثة سأل النبيّ عن جواز السجود للنبيّ الأكرم|؟ وسمع منه الجواب المعهود([40]). إن هذه الرواية غير شائعةٍ في المصادر الروائية المتقدّمة لأهل السنّة؛ إلا أن الصورة الثانية للتقرير الإنساني لهذه الرواية، وهي التي تتحدَّث عن مشاهدات معاذ بن جبل ـ وليس قيس ـ لسجود بعض الأشخاص لبعضهم، قد حظيَتْ باهتمام الجامعين المتقدِّمين من أهل السنّة. وقد ورد الحديث في القليل من الروايات عن سفره إلى اليمن([41])، وفي أغلب الموارد ورد الحديث عن سفره إلى الشام، وليس الحيرة([42]). وبالإضافة إلى الاختلاف الموجود حول الغاية من سفره، نلاحظ هناك اختلافاً حول الساجدين والمسجود لهم أيضاً. إن الرواية التي تتحدَّث عن سفر معاذ إلى اليمن قد تحدَّثت بشكلٍ مبهم عن سجود بعض الرجال ـ وليس الناس ـ لبعضهم؛ هذا، في حين أن الروايات المشتملة على سفر معاذ إلى الشام تتحدّث عن سجود النصارى لأساقفتهم وبطارقتهم. والنقطة الملفتة للانتباه والمثيرة هي رواية الحاكم النيسابوري، حيث يتحدَّث فيها معاذ بن جبل عن سجود النصارى لقساوستهم وبطارقتهم، وكذلك عن سجود اليهود لأحبارهم وربِّييهم وعلمائهم وفقهائهم([43]). وكذلك فإن هذه النسخة من حكاية سفر معاذ بن جبل إلى الشام تضيف طائفة اليهود إلى النصارى، وأخذت تعدِّد بدقّةٍ كبيرة السجود لجميع أصنافهم وطبقاتهم الدينية.
إن الجامعين المتقدِّمين من أهل السنّة لم ينظروا إلى هذه الروايات بعين الشكّ والريبة؛ إلاّ أن الكشف عن حقيقةٍ تاريخية ودينية يرفع النقاب عن توهُّمٍ، وهو أن تاريخ اليهودية والمسيحية ـ سواء في الشام أو المعاقل الأصلية الأخرى من حضورهما ـ لم يتحدَّث عن سجود أتباع هاتين الديانتين لشخصياتهم الدينية أبداً. ومن المعلوم بداهةً أنه لا يمكن حمل مراد معاذ بن جبل من السجود على التَّبعيّة التامة؛ لأن هذا الحمل لا ينسجم مع السياق الحاكم على هذه القضية، والذي يُشير إلى رغبة معاذ بن جبل بالسجود للنبيّ الأكرم، وردع النبيّ| له عن فعل ذلك.
إن جولةً على المصادر الروائية لدى الإمامية حتّى النصف الأول من القرن الرابع الهجري تكشف لنا عن التقرير الإنساني لهذه الرواية؛ ففي الكافي: إن قوماً أتَوْا رسول الله|، فقالوا: يا رسول الله، إنا رأينا أناساً يسجد بعضهم لبعض، فقال رسول الله|: «لو أمرْتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرْتُ المرأة أن تسجد لزوجها»([44]).
سبق أن ذكَرْنا أن الكاتبين لهذه السطور يذهبون ـ من خلال تحديد أرومة هذه الرواية ـ إلى الاعتقاد بأن هذه الرواية قد تسلَّلَتْ إلى حلقات الإمامية من الحلقات الروائية لأهل السنّة، عبر الحلقات الروائية للزيدية، بَيْدَ أن المجال لا يتَّسع هنا لذكر الأدلّة والوثائق على ذلك. وبمعزلٍ عن هذه النتائج السندية، فإن مقارنة نصّ الكافي مع النصوص الروائية لأهل السنّة يعكس هذه الحقيقة التاريخية بوضوحٍ أيضاً. إن النسخة الموجودة لهذه الرواية في كتاب الكافي ـ بالإضافة إلى توالي الغموض والإبهام فيها ـ تمثِّل تقريراً لا زمنياً، ولا مكانياً، ومن دون الإشارة إلى الشخصيات الأصلية لهذه الرواية. تدخل مجموعةٌ من الأشخاص ـ دون الكشف عن أسمائهم وصفاتهم ـ على رسول الله|، ويحدِّثونه عن سجود بعض الناس لبعضهم، ثمّ بعد ذلك ـ وخلافاً للنصوص الروائية لأهل السنّة، التي تواصل الحديث بالسؤال عن جواز السجود للنبيّ، ومنع النبيّ من ذلك ـ نشهد قفزةً إلى العبارة المعهودة للنبيّ الأكرم|. إن مقارنة ما في الكافي بالمصادر الروائية لأهل السنّة يحكي عن إدغام جميع النسخ السنّية لهذه الرواية على شكل كبسولةٍ في قالب النصّ الراهن.
وعلى هذه الشاكلة فإن سعة معلومات الناقل لهذه الرواية عن الصُّوَر المتنوِّعة لهذا الحديث في مصادر أهل السنّة، ومزجها ببعضها، قد ساقه إلى تقديم تقريرٍ عن الرواية يحمل ـ خلافاً للحالة القصصية في روايات أهل السنّة ـ صيغةَ حوارٍ عادي. وعلى هذا الأساس، لا يكون المراد من عبارة «قوماً أتوا رسول الله» سوى معاذ بن جبل وقيس بن سعد. وكذلك فإن المراد من «بعضهم» في عبارة «يسجد بعضهم لبعضٍ» هم أشخاص من الحيرة واليمن، وكذلك النصارى واليهود في الشام. كما يشمل الـ «بعض» المرزبان في الحيرة إلى علماء اليهود أيضاً.
إن الالتفات إلى البُعْد الأدبي لرواية سجود المرأة للزوج، وقراءة التقارير الإعجازية والإنسانية لها، تحكي عن وجود التعارضات والتناقضات الكثيرة فيما بينها، الأمر الذي يجعل إمكان وقوعها بأجمعها أمراً غير مقبولٍ. وبعبارةٍ أخرى: إن إظهار هذا التفسير القائل بأن النبيّ الأكرم|، بعد وقوع جميع هذه الأحداث واحدةً واحدةً، قد تحدَّث عن سجود المرأة لزوجها، يبدو بالنسبة إلى كلّ منصفٍ بعيداً عن المتوقَّع، وسلوكاً مكابراً لناحية الجمع التبرُّعي بينها. ويبدو أن الماهية القصصية لهذه التقريرات الإعجازية والإنسانية قد شكَّل بدَوْره أرضيّةً خصبة تفتح القريحة القصصية لرواة هذا الحديث؛ ليقوم كلّ واحدٍ منهم بتقديم روايته القصصية الخاصّة عن هذه الحادثة([45]). وعلى هذه الشاكلة فإن البُعْد الأدبي لهذه الرواية لا يحظى بالاستحكام، ولا يتمتَّع بالتماسك المتني والنصّي أيضاً.
النتيجة
إن من أهمّ الأسئلة المستَحْدَثة في العالم الإسلاميّ، والتي تُعَدّ من ثمار التعرُّف على التحوُّلات الاجتماعية في العالم الغربيّ، هو السؤال عن موقع المرأة في محيط البيت والأسرة. وقد بذل علماء الإسلام في العقود الأخيرة جهوداً للإجابة عن هذا السؤال ـ في إطار إعاد قراءة المصادر الإسلاميّة ـ، ورسم مكانة ومنزلة مناسبة للمرأة في الأسرة. إلاّ أن وجود بعض الروايات في المصادر الروائية لدى الفريقين في البين، والتي منحَتْ المرأة منزلةً أدنى من الرجل، قد أدّى إلى عروض الكثير من التحدِّيات. وإن رواية «لو أمرْتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرْتُ المرأة أن تسجد لزوجها» هي إحدى هذه الروايات، الأمر الذي أدّى إلى طرح بعض الأسئلة والأجوبة على شبكة الإنترنت والفضاء الافتراضي. في ضوء هذا الهاجس، تصدَّت هذه المقالة ـ ولأوّل مرّةٍ من خلال توظيف الأساليب والمناهج الحديثة لتحقيق وبحث المتن ـ لقراءة النصّ على ثلاثة مستويات وأبعاد، وهي: البُعْد اللغوي، والبُعْد الأدبي، والبُعْد الثقافي، لهذه الرواية، وعمدَتْ إلى بيان ضعف كلّ واحدٍ من هذه الأبعاد في هذه الرواية.
وعلى هذا الأساس، فإن نسبة هذه الرواية إلى النبيّ الأكرم| قد أعدّ الأرضية لإمكانية مقارنة البُعْد اللغويّ بلغة القرآن الكريم، بوصفه المصدر اللغويّ واللسانيّ الأفضل للغة العربية في عصر النزول. إن استعمال الثنائي لمفردات «امرأة / زوج» في هذه الرواية لا ينسجم مع الثنائيات الرباعية المستعملة في القرآن الكريم على صيغة: «بعل / امرأة»، و«زوج / زوج»، و«رجل / امرأة»، و«ذكر / أنثى»، الأمر الذي يحكي عن وجود ضعف في البُعْد اللغوي واللساني لهذه الرواية.
كما أن قراءة البُعْد الثقافي لهذه الرواية تدلّ بدَوْرها على تأثُّر هذه الرواية بالخطابات الجاهلية السائدة في شبه الجزيرة العربية في ما يتعلَّق بمجال الأسرة. إن العرب في العصر الجاهلي ـ من خلال تصنيف مفهوم «الزوج» في إطار كلمة «بعل»، التي كانت قبل ذلك تستعمل في بيان معنى «الإله» ـ كانوا يسعَوْن إلى التأسيس لخطاب محورية الزوج وربوبيّته في الأسرة. هذا، في حين أن الخطاب القرآني ـ من خلال تقويته لثنائية الألفاظ «زوج / زوج»، التي تبيِّن العلاقة المتقارنة والمتكافئة بين الزوج والزوجة ـ قد تحرَّك في مسارٍ مختلف عن الثقافة الجاهلية.
كما تمّ تنظيم قراءة البُعْد الأدبي لهذه الرواية بدَوْره من خلال مقارنة النُّسَخ والصِّيَغ المتنوِّعة لهذا الحديث في مختلف المصادر الروائية لكلا الفريقين. إن وجود التعارضات والتناقضات الكبيرة بين هذه الروايات، والتي لا تسمح حتّى بالجمع التبرُّعي فيما بينها، تحكي عن عدم وجود الاستحكام النصّي في هذه الروايات. كما أن اشتمال هذه الرواية على أمورٍ بعيدةٍ عن الحقائق التاريخية يزيد من الخَدْش في إمكان صدور هذه الرواية عن النبيّ الأكرم|.
الهوامش
(*) طالبٌ في مرحلة الدكتوراه في جامعة الإمام الصادق× (قسم علوم القرآن والحديث).
(**) طالبٌ في مرحلة الدكتوراه في جامعة الإمام الصادق× (قسم علوم القرآن والحديث).
(***) أستاذٌ مساعدٌ في قسم علوم القرآن والحديث ـ جامعة الإمام الصادق×.
([1]) انظر: محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد^ 1: 351 ـ 352، تحقيق: محسن كوچه باغي، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.
([2]) انظر: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5: 507 ـ 508، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407هـ؛ أبو عبد الله حسين بن حمدان الخصيبي، الهداية الكبرى: 54 ـ 55، انتشارات البلاغ، بيروت، 1419هـ.
([3]) انظر: محمد بن إسحاق، السير والمغازي 5: 258 ـ 259، تحقيق: محمد حميد الله، معهد الدراسات والأبحاث للتعريف، بيروت؛ معمّر بن راشد، الجامع 11: 301، تحقيق: حبيب الأعظمي، المجلس العالمي، باكستان، 1403هـ؛ عبد الرزاق الصنعاني، المصنّف 11: 301، تحقيق: حبيب الأعظمي؛ المجلس العالمي، باكستان، 1403هـ، ابن أبي شيبة، المصنّف 2: 261، تحقيق: كمال يوسف، مكتبة الرشد، الرياض، 1409هـ؛ مسند أحمد بن حنبل 32: 145، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1420هـ؛ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي، سنن الدارمي 1: 406؛ أحمد بن فرات، جزء أحمد بن فرات (عوالي منتقاة من جزئه: انتقاء الذهبي) 1: 41، تحقيق: عبد الله بن العامري، دار الريان، الإمارات، 1413هـ؛ أبو عبد الله محمد بن ماجة القزويني، سنن ابن ماجة 1: 505، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت؛ أبو داوود السجستاني، سنن ابن أبي داوود السجستاني 2: 244، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت؛ محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي 3: 457، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1395هـ؛ أبو بكر بن عاصم الشيباني، الآحاد والمثاني 4: 72، تحقيق: فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية، الرياض، 1411هـ؛ أبو بكر أحمد بن عمرو البزّار، مسند البزّار (البحر الزخّار) 10: 226، تحقيق: محفوظ رحمان زين الله، مكتبة العلوم والقلم، المدينة المنوّرة، 1988م؛ محمد بن هارون الروياني، مسند الروياني 1: 77، تحقيق: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة، القاهرة، 1416هـ؛ أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، مسند الشاشي 3: 231، تحقيق: محفوظ زين الله، مكتبة العلوم والقلم، المدينة المنوّرة، 1410هـ.
([4]) انظر: أحمد پاكتجي، نقد متن (نقد المتن): 311 ـ 312، انتشارات دانشگاه إمام صادق×، 1391هـ.ش. (مصدر فارسي).
([5]) انظر: إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية: 169 ـ 170، جامعة القاهرة، مصر، 1929م.
([6]) انظر: أحمد پاكتجي، مباحثي در علل الحديث (بحوث في علل الحديث): 90 ـ 91، أنجمن علمي إلهيات دانشگاه إمام صادق×، 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).
([7]) انظر: أحمد پاكتجي، نقد متن (نقد المتن): 333 ـ 340؛ فرزان سجودي، نشانه شناسي كاربردي (معرفة الدلالات التطبيقية): 166، نشر علم، طهران، 1390هـ.ش. (مصدران فارسيان).
([8]) انظر: أحمد پاكتجي، مباحثي در علل الحديث (بحوث في علل الحديث): 95.
([9]) انظر: الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين 2: 149، دار الهجرة، قم، 1410هـ؛ الحسين بن محمد الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 135، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار العلم ـ دار الشامية، بيروت ـ دمشق، 1412هـ؛ أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة 1: 264، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، 1399هـ؛ سيد علي أكبر قرشي، قاموس القرآن 1: 205، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1371هـ.ش.
([10]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 8: 299؛ محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 15: 321، دار صادر، بيروت، 1414هـ؛ الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 766، 804؛ سيد علي أكبر قرشي، قاموس القرآن 6: 246.
([11]) انظر: ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 2: 292؛ الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 384.
([12]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 6: 101؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 11: 256؛ الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية 4: 1705، تحقيق: أحمد العطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1407هـ؛ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين 5: 380، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، كتاب فروشي مرتضوي، طهران، 1375هـ.ش.
([13]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 8: 299؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 15: 321؛ الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 804.
([14]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 5: 346؛ 8: 244؛ الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 93؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 2: 112؛ 4: 309؛ الطريحي، مجمع البحرين 5: 380؛ حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 3: 320؛ 1: 156، بنگاه ترجمه ونشر كتاب، طهران، 1360هـ.ش؛ محمد جواد مشكور، فرهنگ هزوارش هاي پهلوي: 128، بنياد فرهنگ إيران، طهران، 1346هـ.ش.
([15]) انظر: أحمد پاكتجي، مباحثي در علل الحديث (بحوث في علل الحديث): 89 ـ 90.
([16]) انظر: تفسير العيّاشي 1: 8 ـ 9، تحقيق: هاشم رسولي محلاتي، المطبعة العلمية، طهران، 1380هـ؛ الشيخ الكليني، الكافي 1: 69؛ الشيخ الطوسي، الاستبصار 1: 190، تصحيح: حسن الخرسان، دار الكتب الإسلامية، 1390هـ.
([17]) انظر: محمد عجاج الخطيب، السنّة قبل التدوين: 218، دار الفكر، بيروت، 1425هـ؛ محمد رضا الحسيني الجلالي، تدوين السنّة الشريفة: 15 ـ 23، دفتر تبليغات إسلامي، قم، 1418هـ؛ محمد علي مهدوي راد، تدوين الحديث عند الشيعة الإمامية: 38، نشر هستي نما، طهران، 1413هـ؛ أبو زهو، الحديث والمحدِّثون: 127، دار الفكر العربي، القاهرة، 1378هـ.
([18]) See: Hamito – Semitic Etymological Dictionary, pp. 46 & 47.
([19]) See: A Comparative Lexical Study of Quranic Arabic, pp. 97 & 98.
([20]) انظر: محمد جواد مشكور، فرهنگ تطبيقي عربي بت زبان هاي سامي وإيراني (المعجم العربي المقارن بين اللغات السامية والإيرانية) 1: 75 ـ 76، بنياد فرهنگ إيران، طهران، 1357هـ.ش؛ جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 6: 25، جامعة بغداد، بغداد، 1413هـ؛ العلي، تاريخ العرب القديم والبعثة النبوية: 221، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2000م.
([21]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 2: 150؛ الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية 4: 1705؛ الطريحي، مجمع البحرين 5: 322.
([22]) إن حصر عبادة «بعل» بقوم النبيّ إلياس× يعود سببه إلى استعمال هذه الكلمة في سياق دعوة النبي إلياس لهم إلى نَبْذ عبادته، والانتقال إلى عبادة الله الواحد في القرآن الكريم، ومن الواضح أن هذا الاستدلال أخصّ من المدَّعى، ولا يثبتها.
([23]) انظر: الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية 4: 1635؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 11: 59؛ المصباح المنير 1: 56؛ حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 1: 303.
)[24]) See: A Concise Dictionary of the Assyrian Language, vol 1, pp. 155-157; A Concise Dictionary of Akkadian, p. 36; The Assyrian Dictionary, vol 2, p. 199; A Hebrew and English Lexicon, p. 127; Dictionary of the North-West Semitic Inscriptions, pp 182 & 183; Comparative Dictionary of Geez, p. 83.
)[25]) See: A Hebrew and English Lexicon, p. 127; A Dictionary of the Targumim, vol 1, p. 182; Syriac – English Dictionary, p. 34; Comparative Dictionary of Geez, pp. 83 & 84; Sabaic Dictionary, p. 25; The Foreign Vocabulary of The Quran, p. 81.
([26]) إن النقطة الجديرة بالتأمُّل في انتشار واتساع هذه الاستعارة عند الشعوب السامية هي الاستعمال الواسع لها في العهد القديم، وتشبيه علاقة الله ببني إسرائيل في ضوء العلاقة الطبيعية القائمة بين الأزواج وزوجاتهم. ومن ذلك، على سبيل المثال: ما ورد في سفر إرمياء، حيث وصف الإله التوراتي (يهوه) نفسه بأنه بعل بني إسرائيل، ومن خلال اعتباره اليهود زوجةً له وصف كلّ عبادةٍ لغيره من قِبَلهم بمثابة زناهم برجال آخرين. (الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سفر إرمياء: 1097 ـ 1098).
([27]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 6: 166؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 2: 292؛ الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 384؛ أحمد سياح، فرهنگ جامع عربي / فارسي (المعجم الجامع: عربي / فارسي) 1: 589، كتاب فروشي إسلام، طهران، 1348هـ.ش.
([28]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 6: 166؛ الراغب الإصفاني، المفردات في غريب القرآن: 384 ـ 385؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 2: 292 ـ 293؛ الطريحي، مجمع البحرين 2: 305 ـ 308.
([29]) انظر: أبو نعيم الإصفهاني، معرفة الصحابة 4: 2272، تحقيق: عادل العزازي، دار الوطن لنشر، الرياض، 1419هـ.
)[31]) Metaphors We Live By, Lakoff & Johnson, Chicago: Chicago University Press, 1980. Chapter 1.
فرزان سجودي، نشانه شناسي كاربردي (معرفة الدلالات التطبيقية): 53 ـ 54، 1390هـ.ش.
)[32]) Metaphors We Live By, Lakoff & Johnson, Chicago: Chicago University Press, 1980. pp. 5 & 7.
وللاطلاع على القيمة المعرفية / الإدراكية للاستعارة القرآنية انظر: أطروحة «مقايسه الگوهاي رابطه إنسان وخدا در محدوده جاهليت وظهور إسلام» (مقارنة نماذج العلاقة بين الإنسان والإله في عصر الجاهلية وظهور الإسلام)، للباحث عادل عندليبي، 1383هـ.ش.
([33]) انظر: جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 4: 608 ـ 609.
([34]) جديرٌ بالذكر أن القرآن الكريم قد عمد إلى استعمال كلمة «بعل» على نطاقٍ ضيّق جداً؛ ولكنْ لا ينبغي اعتبار ذلك بمثابة التقرير، واعتباره نموذجاً مقبولاً ومرضيّاً من قِبَل هذا الكتاب السماوي في خصوص العلاقة بين الزوج والزوجة في البيت والأسرة، بل يجب تحليل كلّ واحدٍ من هذه الاستعمالات في مورده. ومن ذلك ما ورد ـ على سبيل المثال ـ من استعمال هذه الكلمة في الآية 228 من سورة البقرة، فهو إنما يمتدّ بجذوره في ترسيخ وتثبيت أولويّة الزوج في الرجوع إلى زوجته من غيره في مدّة عدّة الطلاق، وهذا بلا شكٍّ هو الأنسب مع استعمال كلمة «بعل». وكذلك عندما يتحدَّث القرآن الكريم حول النشوز وإعراض الزوج عن زوجته في الآية 128 من سورة النساء يستعمل مفردة «بعل» أيضاً؛ وذلك بسبب ما تحمله هذه المفردة من الثقل الثقافي، حيث تكون الآية بصدد الكشف عن أسباب استباحة الظلم بحقّ النساء من قِبَل الرجال.
([35]) انظر: محمد بن إسحاق، السِّيَر والمغازي 5: 258 ـ 259؛ مسند أحمد بن حنبل 41: 18؛ ابن ماجة القزويني، سنن ابن ماجة 1: 595.
([36]) انظر: الروياني، مسند الروياني 1: 77.
([37]) انظر: الصفّار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد^ 1: 351 ـ 352؛ الخصيبي، الهداية الكبرى: 54 ـ 55.
([38]) لقد تحدّثت الآية رقم 103 من سورة المائدة ـ ضمن بيان بِدَع الجاهلية في شبه الجزيرة العربية ـ عن الاعتقاد بتقديس «السائبة»، واعتبرَتْه نوعاً من الافتراء على الله سبحانه وتعالى. وبطبيعة الحال لا يوجد هناك اتفاقٌ في أوجه النظر حول معنى «السائبة»؛ إلاّ أن القدر المتيقّن من هذه النظريات هو دلالة هذه الكلمة على البعير الذي يتمّ تحريره لوجه الله، ولا يُسْمَح بالتعرُّض له. (للوقوف على مختلف الآراء حول السائبة انظر: الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 390، ناصر خسرو، طهران، 1372هـ.ش؛ الفخر الرازي، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) 12: 447، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ).
([39]) المرزبان: الفارِسُ الشُّجاعُ المقدّمُ على القَوْمِ دون المَلِك. (ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 1: 417؛ 13: 406).
([40]) انظر: سنن الدارمي 1: 406؛ سنن ابن أبي داود السجستاني 2: 244.
([41]) ابن أبي شيبة، المصنّف 2: 261؛ مسند أحمد بن حنبل 36: 312.
([42]) معمّر بن راشد، الجامع 11: 301؛ عبد الرزاق الصنعاني، المصنّف 11: 301؛ مسند أحمد بن حنبل 32: 145؛ جزء أحمد بن فرات (عوالي منتقاة من جزئه: انتقاء الذهبي) 1: 41؛ سنن ابن ماجة 1: 505؛ مسند الشاشي 3: 231؛ مسند البزّار (البحر الزخار) 10: 226.
([43]) انظر: محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 4: 190، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطاء، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ.
([44]) الشيخ الكليني، الكافي 5: 507 ـ 508.
([45]) للوقوف على المزيد من المعلومات بشأن العلاقة بين المحدِّثين والقصّاص انظر: رسول جعفريان، «نقش قصه پردازان در تاريخ إسلام» (دور القصّاصين في تاريخ الإسلام)، مجلة كيهان أنديشه، العدد 30: 134 ـ 137، شهرا خرداد وتير من عام 1369هـ.ش. (مصدر فارسي).