أحدث المقالات

د. السيد أحمد سادات(*)

 

تمهيد ــــــ

احتلت حركات الإحياء الإسلامي صدارة المشهد السياسي والإعلامي العالمي في الوقت الراهن، وخصوصاً في البلدان العربية والإسلامية. وهذه المقالة تحاول الكشف عن أسباب الصحوة الإسلامية، ولا سيَّما أن هناك سعياً كبيراً متعمداً من قبل المتضرِّرين لربطها بالعنف، وصولاً إلى الإرهاب، وإرجاع سلوك بعض الجماعات التكفيرية إلى مسألة الجهاد في الإسلام.

ويبين البحث المحاولات الحثيثة لخلط مفهوم المقاومة بمفاهيم العنف والإرهاب والتطرف. كما يستعرض أهم الكتابات التي تناولت الظواهر الأصولية في العالم، ومنها الحركات الإحيائية الإسلامية، التي أنتجت خطاباً دينياً جديداً يهدف إلى إعادة تنظيم المجتمع وفق أسس تراها مقدّسة، كما أنها (هذه الحركات) تقوم برسم نمط جديد للعلاقة بين الدين والسياسة. ويكمن رصد مظاهر الإحياء الديني على مستويات عدّة، منها الرسمي الذي بادر إلى إصدار سلسلة من القوانين والتشريعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى الاهتمام بالشعائر الدينية. أما على المستوى الشعبي فكانت واضحةً مظاهر موجات التديّن والاهتمام بالمساجد وغيرها من الشعائر الإسلامية. وقد برزت داخل هذا الحراك الشعبي حركات سياسية إسلامية ذات طابع سري، تتبنى العنف وسيلة لتغيير النظام السياسي، والاحتجاج على مظلومية الفئات المستضعفة والمهمّشة في المجتمع. أما على المستوى الفردي فإن مظاهر الإحياء تجلت في محاولة إنتاج سلوك يتماهى مع سيرة الرسول الأكرم محمد|، من حيث الملبس أو المأكل وغيرها من الأمور…

وتناول هذا البحث أيضاً عوامل الإحياء الديني، الخارجية منها والداخلية، بالإضافة إلى العامل الذاتي الذي يحمله الإسلام في داخله؛ كونه ديناً ومنهجاً دائم التجدُّد في كلّ الأزمنة؛ لمواجهة التحديات الحضارية. وقد تعددت طرق المعالجة وفقاً لمرجعية كلّ تيار من تياراته، التي لها رؤاها المتعدّدة والمتنوعة، والمتصادمة في أحيان كثيرة.

 

مقدّمة ــــــ

يشكّل الإسلام ظاهرة حضارية متكاملة، ويؤدّي اختصاره في نصٍّ واحد، أو حدث محدَّد، أو جماعة معيّنة، إلى إعادة تشكيله وفقاً لرؤى مجتزأة، تخرج بالبحث عن سياقه، وتؤدّي إلى تعميق هوّة اللا فهم واللا تواصل التي تحيط بالظاهرة الإسلامية، سواءٌ من البعيدين عنها أو من الذين يعيشونها من دون أن يتواصلوا معها في الاعتقاد والممارسة.

ذلك كلّه ينتج منظومات مفاهيمية، يمكن أن نسمّيها خاصة، ولا مجال لدمجها في السياق العلمي الذي يفترض فهم ظواهر الاجتماع الديني، أو ظواهر الاجتماع السياسي.

وتبدو هذه النتائج جليّة حين تطرح مسألتا العنف والإرهاب، في ضوء إصرار أطراف غربية إجمالاً على ربط هاتين المسألتين بالإسلام عموماً؛ لمجرد ممارستهما من قبل أفراد أو جماعات يزعمون أن سلوكهم نابعٌ من عقيدتهم الإسلامية، أو على ربطهما بالمقاومة؛ وذلك لتجريدها من مشروعيتها الإنسانية والدينية والقانونية الدولية.

من هنا كانت الحاجة إلى تقديم تفسيرٍ عن قرب، من دون الدخول في ما يفرضه الجدل العقائدي القائم حالياً، من تمايزات تؤدّي إلى أنواع من الاصطفاف والتطرُّف، تسفر بدورها عن تشكيل مفاهيم حول العنف والإرهاب، غالباً ما تقع ضحيةً لسوء الفهم المتبادل بين المجالات الحضارية المختلفة.

إلى ذلك فإن أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م وتداعياتها تسبَّبت بمزيد من خلط الأوراق، وطمس الحقائق؛ إذ تصاعدت في أعقابها حمّى اتّهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب والتطرف، استمراراً للموجة السابقة من الآراء التي تناولت التيارات الإسلامية، بالتزامن مع تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وانطلاقة الصحوة الإسلامية.

تلك الحمّى أطلقت العنان مرة أخرى لبعض التيارات الفكرية والسياسية، وخصوصاً في الولايات المتحدة، التي تجد في الإسلام مصدراً لكلّ إرهابٍ وعنف، جاعلةً من المقاومة مرادفاً وتابعاً لهما. وقد علَتْ أصوات تَصِم الإسلام بالإرهاب، وتتّخذ الإسلام وتمظهراته الفكرية والسياسية عدوّاً لها بديلاً من الشيوعية بعد انهيارها. وذلك كله تحت شعار محاربة الأصولية الإسلامية، والقضاء على الإرهاب. وهكذا عادت القسمة النمطية التي استندت أحياناً كثيرة إلى رؤى دينية، رفدتها نظريات تعود من حيث مرجعياتها إلى القرون الوسطى. والحال أنه إذا كان تعبير «عودة الحروب الصليبية»([1]) أحد الإفرازات الملتبسة والخلافية التي أطلقتها «الحملة الأمريكية على الإرهاب» فإنّ القاعدة الفكرية التي اعتمدتها هذه الحملة وثيقة الصلة بنزعة معينة في العقل الغربي، ولا سيَّما الأمريكي الحديث، في التعاطي مع الإسلام والمسلمين. فعشية حرب السيطرة على العراق تحدّث الرئيس الأمريكي جورج بوش عن حرب صليبية، «وكان مسروراً بنفسه جداً؛ لجذابة الكلمة التي خطرت على باله. إلاّ أنّه سرعان ما أسكته مستشاروه الذين أشاروا له بأن كلمة صليبية بالنسبة إلى العالم الإسلامي لها معانٍ دلالية مليئة حزناً. وإثر ذلك لم يعُدْ يستعمل العبارة في خطاباته اللاحقة»([2]).

إن ما حدث منذ الحادي عشر من أيلول، وبروز ظاهرة طالبان والقاعدة والجماعات السلفية الجهادية والتكفيرية، أدّى إلى اختلاطٍ في أذهان الناس بين مصطلح المقاومة ومصطلحات العنف والإرهاب، وضاعت المعايير الحاكمة والموازين الصحيحة التي تجد جذورها ومشروعيتها في العقيدة الإسلامية نفسها من جهةٍ، كما في مرجعية القوانين والشرعية الدولية من جهةٍ أخرى.

والموضوع الذي نحن بصدده يستوعب قراءات وتفسيرات علمية متنوّعة، تتخطّى حدود السياسة والاجتماع السياسي والاجتماع الديني والإعلام والفكر، باتجاه الشريعة الإسلامية والقانون الدولي. وبالتالي فإنه موضوعٌ واسع ومركّب، ويتميز بحساسيته البالغة، الأمر الذي يستدعي معالجة شمولية من جهةٍ، ومعالجات جزئية لكلّ مجال من المجالات التي يستوعبها الموضوع من جهةٍ أخرى.

 

 الحركات الإسلامية الجهادية كموضوع للدراسة ــــــ

استقطبت الحركات الإسلامية اهتمام الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية منذ نهاية السبعينيات من القرن العشرين. وقد ترافق هذا الاهتمام مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وانطلاق الجهاد الأفغاني المسلح ضدّ الاحتلال السوفياتي أواخر العام 1980م، ثمّ انطلاق المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، وصولاً إلى المشهد العالمي الراهن، وخصوصاً بعد الحادي عشر من أيلول 2001م، وما سبقه وتلاه من احتلال أمريكي لأفغانستان والعراق من ناحيةٍ، وانتشار لفكر العنف المسلَّح، ولظاهرة السلفية الجهادية والتكفيرية من ناحيةٍ ثانية.

والحال أن هذه الحالة الثورية الإسلامية التي تعيشها المجتمعات العربية ـ  الإسلامية دعَتْ إلى امتلاك المستقبل، انطلاقاً من نموذجٍ ماضوي يمثِّله النموذج النبوي والصحابي للجيل الأول في الدعوة الإسلامية (القرون الأولى، بحسب المأثور). وكان ذلك أحد أهمّ مظاهر العودة إلى الإسلام الأصولي (العودة إلى الأصول، ومن هنا تسميتها بالأصولية تارةً، وبالإحيائية تارة أخرى =Fundamentalist  ـ Revivalist)، أو إلى السلف الصالح (ومن هنا تسمية بعض تياراتها واتّجاهاتها بالسلفية).

اذاً مع صعود الموجة الحديثة للصحوة الإسلامية منذ عام 1979م ظهر الإسلام كقوة للتغيير، سواء على مستوى الأيديولوجيا أو الممارسة السياسية، واعتبر أسلوباً للحياة الاجتماعية لكثيرٍ من المسلمين([3]). وقد ذهب «جيل كيبل» إلى أن ظاهرة «الحركة الأصولية المعاصرة» اتّخذت بعداً كونيّاً، وشملت المعمورة كلّها، وباتت مصدراً لحركات سياسية مختلفة، بل مالت النظم السياسية في المجتمعات الإسلامية إلى إدراجه ضمن توجّهاتها وأساليبها في إدارة البلاد([4]). والجدير ذكره هنا أن هذه الظاهرة لم تقتصر على الإسلام وحده، بل إنها انبعثت في حضارات تختلف في أصلها الثقافي، مثلما تتباين في مستوى نموها، وإن هذه الحركات أعادت رسم العلاقة بين الدين والسياسة من جديد، معتبراً سنوات السبعينيات عشرية تحوّل المسار الذي تسير فيه الإحيائية (ومنها: الإسلامية) لجهة نظرتها إلى انتصارات التقنية، وانتشار الحداثة. فبعد أن أخذت العلاقة أشكالاً من الدفاع عن قيمها وعقائدها، والاجتهاد في تكييف مقالاتها الدينية وفق قِيَم المجتمع «الحديثة»، باحثةً عن مثل هذه القيم، ومُظهِرَةً تقاربها معها، في محاولةٍ منها لاحتواء رعيتها والحفاظ عليها، وعلى إيمانها بمرجعياتها الدينية، انقلب هذا المسار وهذا المسعى رأساً على عَقِب في حدود العام 1975م. فقد بدأ يتكوّن «خطاب ديني جديد، لا يهدف إلى التكيّف مع القيم الدنيوية، وإنما إلى إعطاء تنظيم المجتمع أساساً قدسيّاً،  داعياً إلى تجاوز حداثة يعود فشلها إلى ابتعادها عن الله. وهذه الحداثة  ـ عملياً ـ  لم تستطِعْ في النهاية أن تولِّد قيماً. ومن جهة أخرى فإن الحركات الدينية المعنيّة، وهي تريد تجاوز الحداثة، لا تهدف  ـ كلّها، وعلى المدى القريب ـ  إلى الاستيلاء على السلطة، والتحويل الثوري للمجتمع»([5]).

إلاّ أن ما أغفله جيل كيبل وغيره ممَّنْ حلّلوا تلك الظاهرة هو دور وتأثير القضايا السياسية المباشرة، من احتلال وتجزئة وتخلّف، وخصوصاً لجهة الوجود الصهيوني، والدعم الغربي له، في صعود الظاهرة الإحيائية الإسلامية، وفي تبلورها في تيارات حركية وسلفية وجهادية، تلتقي كلّها عند مسألة ممارسة العنف المسلَّح ضد العدو الخارجي المتمثِّل في الاحتلال الإسرائيلي، بالنسبة إلى بعضها (مقاومة حزب الله في لبنان، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين)، وضدّ الصليبية ـ اليهودية عموماً، بالنسبة إلى معظم القوى السلفية الجهادية، وضدّ النظام الحاكم المرتدّ وكلّ مَنْ يخالفها في العقيدة بالنسبة إلى جماعات السلفية التكفيرية.

وقد شملت العودة المدوّية للمشاريع الدينية، واحتلالها المشهد التاريخي المعاصر، العالم الإسلامي كلّه. فكان انتشار الإحيائية الإسلامية التي لم تنحصر تجلّياتها في منازعة الحركية الإسلامية التقليدية (الإخوان المسلمون) للمجال السياسي فقط، بل تمظهرت في الدعوة العامة إلى بعث هوية إسلامية جديدة تتّسم بالشمول والقوّة، وتتّصل بها تلك المحاولات الدؤوبة لصبغ السياسات المختلفة بصبغةٍ إسلامية، بما فيها السياسات الحكومية، والسلوك الاجتماعي، والسلوك الفردي. وما يميِّز هذه الإحيائية المعاصرة عن الإحيائية الجهادية الوطنية (المقاومة الإسلامية في لبنان الممثّلة بحزب الله، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين)، وعن الحركية التقليدية (الممثّلة بالإخوان المسلمين)،ارتكازها على فهم سلفي جهادي محدّد، يشكِّل عصبها العقائدي، ولحمتها الأيديولوجية، وقوتها الشعبية.

 

مظاهر الإحياء الديني ــــــ

 1ـ على المستوى الرسمي ــــــ

تجلَّت الظاهرة الإحيائية على مستوى السياسات الحكومية في العالم الإسلامي بسلسلة من الإجراءات القانونية والتشريعية، «تتعلّق بصيغة الحكم، ودستور الدولة، وبقضايا الأحوال الشخصية، من زواجٍ وأسرة وميراث، وإنشاء الوزارات المختصة بالشعائر الدينية، والاهتمام بنظم الأوقاف، وبناء المساجد، وتنظيم قوافل الحجّ، وتطوير الجامعات الإسلامية العريقة (كالأزهر والزيتونة والنجف وقم)، وفتح أقسام للشريعة الإسلامية في الجامعات الحديثة، وانتشار معاهد تحفيظ القرآن الكريم، إضافة إلى الاهتمام بتنظيم قضايا الزكاة والصدقات، والسماح بإنشاء مصارف إسلامية»([6]).

 

2ـ على مستوى المجتمع الأهلي ــــــ

المظهر الثاني للإحياء الإسلامي يتعلق بالمستوى الاجتماعي، وبروز موجة التديُّن الشعبي، واضطلاع الجماهير بأعمال وأدوار دينية واضحة، كبناء المساجد، وإقامة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، والعناية بمقامات الأولياء وأضرحتهم، والإقبال على الطرق الصوفية، وحضور الدروس الدينية، وتأسيس الجمعيات الثقافية الإسلامية، وجمعيات التكافل الاجتماعي. إنه مظهر خاصّ بما يُصطلح عليه بالمجتمع الأهلي، أي مبادرة جمهور المتديِّنين للاضطلاع بأدوار اجتماعية، بعيداً عن دور الدولة وانتظار رعايتها لهم. يضاف إلى ذلك «الاهتمام المتزايد بالعمل النقابي، والانتخابات الطلابية والعمالية، وبروز ظاهرة السرِّية، وتشكيل حركات وتجارب صدامية احتجاجية ضدّ النظم الحاكمة. الأمر الذي أدّى إلى تشكّل حركات الإسلام السياسي، السلمي منها والعنفي»([7]). وقد برز التيّار العنفي منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين مع حادثة اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، ومع تطوّرات «الجهاد المسلّح» في أفغانستان.

 

3ـ على المستوى الفردي ــــــ

والمظهر الثالث للإحياء يتعلّق بمستوى السلوك الفردي، ويعني رغبة التمايز عند الفئات المتديّنة عن باقي الفئات الاجتماعية، من جهة الملبس والمأكل والرموز والشعائر الدينية. فتركز هذه الفئة على إطالة اللحى، وحلق الشارب، وارتداء الجلباب دون عقب القدم. ويقابله عند النساء ارتداء ما يصطلح على تسميته باللباس الشرعي (الحجاب)، والدعوة إلى ارتداء النقاب، «والتركيز على عدم الاختلاط بين الجنسين، والإقبال على الكتب الدينية، وزيادة التردّد على الاحتفالات الدينية، والحشد في المساجد، والحرص على الطقس الديني في حفلات الزواج والختان، وإقامة الموالد الدينية، والاحتفال بالمناسبات الدينية»([8]).

 

4ـ على مستوى التنظيم الحزبي ــــــ

المظهر الرابع والأهمّ يتمثّل في شيوع الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية، أو إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، أو إلى رفض التعدُّد والتنوع في المجتمعات، ورفض الاندماج الوطني، وبروز ظواهر الهويات المذهبية ـ الدينية، والعرقية ـ الإثنية، وتراجع الانتماء الوطني، وضرب معنى المواطنية، وانتشار ظواهر التكفير والتخوين، وتهم الردّة والفسق والبِدْعة([9]).

وهذا المعطى أو المظهر الأخير هو معطى سياسي ثوري بامتياز، حاول الجمع والتركيب بين المظاهر الاجتماعية والثقافية والسلوكية للإحياء الديني المعاصر، من خلال محورية وسيادة فكرة العنف الثوري المسلح (الجهاد الذي لبس لبوس الإرهاب). وقد صارت له مرجعيته الفقهية ـ الفكرية (السلفية الجهادية)، ما أعطى لظاهرة الإحياء الديني الأصولي بُعْداً جديداً، صار هو المسيطر مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة. والخطير في سيطرة هذا البُعْد هو التباسه بالبُعْد الآخر، الإحيائي هو أيضاً، إنما الوطني التحرُّري، والمتمثِّل في حركات المقاومة المرتكزة على الإسلام كإطار حضاري سياسي في مواجهة الاستعمار والاحتلال.

 

عوامل الإحياء الديني ــــــ

تباينت وتعدّدت تفسيرات الباحثين للعوامل والأسباب التي أدّت إلى الإحياء الديني الإسلامي؛ وذلك بسبب اختلاف أصولهم الحضارية، أو منطلقاتهم الفكرية والأيديولوجية، أو أدواتهم البحثية، بين قراءةٍ غربية أكاديمية أو رسمية أو استشراقية، وقراءة ماركسية، وأخرى ليبرالية علمانية، إضافة إلى قراءة أصحاب الظاهرة من الإسلاميين أنفسهم. وبالرغم من هذا التباين والتعدّد إلاّ أن هناك اتفاقاً على عوامل عدّة تداخلت في معظم مقاربات الظاهرة الإحيائية وقراءتها، مع حفاظ كلّ مقاربة على طابعٍ تفسيري وتحليلي غالب عليها.

نجمل التفسيرات المختلفة لعملية ولادة هذه الظاهرة، كما وردت في المقاربات كافّة، على النحو التالي:

 

1ـ العامل الخارجي ــــــ

هناك مقاربات تربط الظاهرة الإحيائية الإسلامية بموقف حركات الإحياء من الغرب والعلاقة معه، أي إنها تحيل ولادة الظاهرة إلى الخارج، معتبرة هذا الخارج العامل الأساس أو «العامل الأول والأخير في بروز الإحيائية السياسية على وجه التحديد»([10]). وهذه الحالة تأخذ مستويات عدة، منها مَنْ يرى أن ظهور حركات الإحياء «جاء نتاج تدافع طبيعي واستفزاز غربي، بما فرضه على الأمة العربية والإسلامية من تحدّيات مختلفة، وسياسية وعسكرية وثقافية وتكنولوجية صناعية. وهي حركات ـ  وفق هذه المقاربة ـ  ردّ فعل طبيعي على الغرب»([11])، تحمل سمة المقاومة والممانعة، ما يجعل التمييز بينها على أساس هذا المعيار يضيع في متاهة السياسات التفصيلية، والمواقف والرؤى المختلفة، وفق سياقات زمانية ومكانية وأطر مجتمعية وتاريخية كثيرة ومتعدّدة، ناهيك عن الأطر الثقافية ـ الفكرية، والعقيدية ـ المذهبية الحاضنة لكلّ حركة.

فعلى مستوى التحدّي الاستعماري العسكري يرى بعضهم أن الظاهرة وانتشارها «كان بفعل مقاومة الشخصيات الإسلامية للنفوذ الأجنبي، والدور الذي قامت به من كفاح ضدّ السيطرة الاستعمارية في فترة ما قبل الاستقلال، الأمر الذي أكَّد العلاقة بين الدين والسياسة، وأكد الدور الهام الذي أدّاه الإسلام الجهادي / المقاوم في استقلال تلك البلدان. ومثالها: دول المغرب العربي»([12]). وبهذه المواجهة العسكرية «تكرّس عداء هذه الحركات للاستعمار والإمبريالية، وتحوّل إلى عداء سافر للغرب، تواصل مع استمرارها وانتشارها، وأصبح سِمَةً مميزة لمسارَيْها السياسي والثقافي»([13]). وإلى ذلك جاءت التجارب اللاحقة لتضيف أسماء، مثل: الشيخ عزّ الدين القسّام في فلسطين، والسيد موسى الصدر في لبنان، والأمير عبد القادر الجزائري والشيخ عمر المختار الليبيّ،…إلخ.

وفي مستوى المواجهة الأساسي والأصلي تبقى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين هي المرتكز لظهور حركات المقاومة المسلحة الإسلامية ذات النهج الوطني التحرُّري…

وفي مستوى مواجهة التحدّي الاستعماري ثقافيّاً كان الأمر في «الاستجابة لتحدّي الاستقلال، وكانت ولادة هذه الظاهرة ـ في مقارباتٍ أخرى ـ استجابة لتحدي الانتماء والهوية»([14]). وتُرجع بذلك الظاهرة إلى ثنائية الأصالة والتغريب. فالحركات الإحيائية جاءت ضدّ التحديث الذي يُستلهَم من الغرب باعتباره جزءاً مكمّلاً للعملية الاستعمارية، وجزءاً من الميراث الاستعماري. وحينئذ «تعتبر العودة إلى الإسلام عودة إلى الأصالة، وتأكيداً على الكبرياء القومي، واستقلال التفكير»([15]). والإحيائية الدينية ـ وفق هذا الاتجاه ـ حركة احتجاج ضد الحداثة الغربية، ورفضٌ لقيمها الاستهلاكية، وإحداث قطيعة ثقافية مع منطق الحداثة الدنيوية، التي تعزى إليها اختلالات مجتمعات العالم الثالث كافّة، ابتداءً بالتفاوتات الاجتماعية وانتهاءً بالاستبداد. وما «انبعاث الإسلام في شكله السياسي سوى الجزء المرئي من حركة  عميقة واسعة تجهد لإعادة الإسلام (الأسلمة) إلى الحياة اليومية والعادات، ولإعادة تنظيم الحياة الفردية انطلاقاً من النصوص المقدّسة»([16]). وبالتالي فإن السلفية كعودة إلى الجذور والأصول تجد هنا تسويغها العقلاني.

وضمن السياق نفسه اعتبر بعضُهم أن «حداثة الغرب التكنولوجية هي التهديد الأكبر للأمّة، بما شملت من تطورات علمية وصناعية تسرَّبت إلى جوانب الحياة كلها، وأن الحركات التجديدية الثورية جاءت ردّاً على هذا التحدّي الأهمّ والأخطر»([17]).

إن الإحالة إلى الغرب بصفته العامل الخارجي لظهور الإحيائية يأخذ مستوى آخر، خلاف المتقدِّم، الذي يعتبر علاقة الظاهرة الإحيائية بالغرب ضمن تدافع طبيعي. وهذا المستوى من المقاربات يعتبر أن الظاهرة نفسها صناعة غربية كاملة، ومخطّط لها من قبل الغرب، وأن الدول الأجنبية المعادية لحركات التحرر هي التي تقف من وراء هذه الظاهرة وحركاتها السياسية؛ لتخلق منها تنظيم القوى المضادّة للثورات وللحركات «التقدُّمية». وبالرغم مما تقوم به هذه الحركات من تهديد لمصالح الغرب ونفوذه في المنطقة العربية، ومقاتلة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان وفلسطين، فقد بقي «اليسار العربي، وبشكلٍ خاص القومي والماركسي، متمسِّكاً إلى النهاية  بفكرة الارتباط الوجودي الذي لا ينفصم بين نموّ الحركة الإسلامية في العالم وبين مخططات السياسة الغربية، سواء تجسدت هذه المخططات عن طريق احتواء فكري، أو شراء مادي بأموال النفط…، بل لم يتردَّد البعض في الحديث عن دعم إسرائيل السرّي للحركات الدينية؛ بهدف إحياء الطائفية وتنميتها؛ لتفتيت المجتمعات العربية»([18]).

 

2ـ العامل الداخلي ــــــ

بخلاف المقاربات السابقة، التي تحيل الظاهرة الإحيائية إلى الخارج، نجد مقاربات تحيل بروز الظاهرة إلى الداخل. ويتوزّع أثر هذا الداخل على مستويات عدّة من التفسير، تلتقي جميعها على ربط نموّ حركات الإحياء بتفاقم الأزمات الداخلية للمجتمع الإسلامي، وتركيبه البنائي الداخلي. ومن هذه الأزمات «الأزمة المادية والاقتصادية، وما خلَّفته من تفاوت طبقي، وتناقضات اجتماعية، مخلّفة أزمة اجتماعية واقتصادية»([19]). وقد سبَّبت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وفق مقاربة أغلب الاتجاهات اليسارية، تصاعد اتّجاهات الخلاص الديني من الواقع المأساوي اقتصادياً واجتماعياً، والذي ولدت منه الإحيائية الإسلامية، وهي «أوساط الفقراء والمفْقَرين الجدد، المنحدرين من الطبقات الدنيا، والفئات المتوسّطة المهمَّشة والمصدَّعة اقتصادياً على نحوٍ متسارع»([20]).

تركزّ العديد من المقاربات على دور الدولة العربية الحديثة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، معتبرة أنها وراء هذه الأزمات؛ بسبب إخفاقها في وضع الحلول المناسبة لمشكلة التنمية والتحديث، مما جعل من الصوت الإسلامي يرتفع ويعلن أنه هو الهويّة، والبديل من الدستوريّة الليبراليّة الوليدة([21])، وهو رأس حربة في مواجهة ما اتَّسم به النموذج الآخر للدولة الاستبدادية والدكتاتورية من فسادٍ وتبذير وسوء إدارة.  فـ«جاءت الإحيائية في مسعىً منها لتكون البديل لإخفاق الأنظمة الثورية والاشتراكية في معالجة هذا المأزق السائد الذي خلقته بممارساتها»([22]).

كذلك فإن إخفاق الأنظمة العربية في تحقيق شعاراتها في الوحدة القومية وتحرير فلسطين، إضافةً إلى  هزائمها العسكرية المتكرّرة، وأخطرها هزيمة العام 1967م، جعلت جماهير واسعة تتحوّل عن خياراتها القومية والاشتراكية إلى الخيار الإسلامي. وبهذا فقد اعتبرت بعض الجماعات الإسلامية أن تلك الهزيمة «انتقامٌ إلهّي على إهمال الدين ومحاربة جند الله»([23])، مع العلم أن سيّد قطب كان قد أعلن ـ وفي وقت سابق ـ أنّ إحياء «العقيدة الإسلاميّة لا تُعارض النزعة القوميّة أو الوطنيّة، بل تغذّيها أو تزكيها»([24]).

ويضاف إلى أزمات النظام العربي السابقة الأزمة السياسية وأبعادها المختلفة، كقضية الشرعية، والديمقراطية، والمشاركة السياسية، وتداول السلطة، والحريات.

وفي الوقت الذي تذهب فيه بعض المقاربات اليسارية إلى أن «حركات الإحياء الإسلامي جاءت بهدف مواجهة الجماعات اليسارية والقوى الثورية والتقدُّمية، كما في مصر وفلسطين»([25])، فإن مقاربات أخرى ترى أن «فشل الحركات والأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية العلمانية وإخفاقها، سواء في حل مشكلة التخلف والتنمية أو تمثُّل واستيعاب الثقافة الإسلامية والتعامل معها، فضلاً عن الإخفاق في كسب وتأييد قواعد جماهيرية واسعة، أدّى إلى سقوط أيديولوجياتها، وتقدُّم الإحيائية الإسلامية لطرح نفسها كبديل عن هذه التوجُّهات»([26]). فانفسح الطريق أمام الحركات الأصولية واسعاً؛ لـ «حاجة الجماهير الماسّة إلى أيديولوجيا تقدّم الأمل بالخلاص والسعادة»([27]).

 

 3ـ  العامل الإسلامي ــــــ

أرجعت المقاربة الإسلامية عوامل الإحياء الإسلامي بشكلٍ رئيس إلى الإسلام نفسه، بصفته الباعث على هذا الإحياء، وبصفته ديناً ومنهجاً شاملاً للحياة، يكمن بداخله عوامل إحيائية متجدّدة لم تَمُت على الإطلاق. وما حدث في السبعينيات بنظر هذه الرؤية هي «عودة إلى الذات الحضارية للأمة، وإلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولا يمكن أن يعيش الإنسان سعيداً دون دين، فكانت العودة إلى الدين واستعادة الهوية بعد أن تمَّ تجريب النماذج الحضارية والاجتماعية والسياسية الغربية، وإخفاقها جميعاً على امتداد المئتَيْ عام الأخيرة من تاريخ العالم الإسلامي»([28]). وهذا ما عبَّر عنه الإمام الخميني& في خطاب أمام مجموعة من حراس الثورة عام 1979م: «إن الإسلام كاد أن ينسى، وكادوا يقضون عليه، وكادوا يسحقون القرآن، إلاّ أن ثورتكم يا شباب إيران، ونهضتكم يا أبناء الشعب الإيراني ـ وهي نهضة إلهية ـ، أحيَتْ القرآن، وأحيَتْ الإسلام، وأعطَتْ الإسلام حياة جديدة»([29]).

من جهته يرى السيد حسن نصر الله أن «هناك مشكلة على مستوى البشرية ككلّ، منذ وُجِدَ الإنسان وحتّى القيامة، هي مشكلة الابتعاد عن حكم الله، وبالتالي فإن السُنَّة الإلهية التاريخية تحكم بأن أيّ مجتمع يُقام على أساس غير أساس الإسلام سيواجه نفس النتائج التي نواجهها في لبنان. هذه السُنَّة إلهية»([30]). والحلّ لن يكون على أيدي العلمانيين؛ لأن «العلمانيين كالإسرائيليين. والعلمانية تعني فصل الدين عن السياسة»([31]). فما هو الحلّ؟ يتساءل السيد نصر الله. ويجيب: «إن المطلوب هو حركة تغيير شاملة في المنطقة، وحركة التغيير هذه ليست بعيدةً، بل هي قائمة فعلاً؛ وإنما يُراد لها شمولية أكثر، كحركة التغيير التي بدأت من أرض إيران الإسلام؛ لذلك على المسلمين أن يكونوا جزءاً من حركة التغيير التي ستشمل المنطقة. هذه الحركة المنطلقة من إيران، والتي تمثِّل الجمهورية الإسلامية مركزيّتها… يجب أن نعمل لبناء أمة مجاهدة… يجب أن نبني جيل صاحب الزمان المهديّ المنتظر#»([32]).

يعطي مكسيم رودنسون «الأصولية السياسية» منحى أكثر أصالة، وأقلّ عَرَضيّة، حين يعتبر أن العامل الأساس في انتشارها «هو تشكُّل  الطائفة الإسلامية لأول مرّة على هيئة بنية سياسية ـ دينية. وكلّ ذلك راجع إلى الظروف التاريخية الخاصة التي رافقت ظهور الإسلام، وتشكُّل دولة المدينة»([33]). وفي اتّجاه تأكيد الأصالة التاريخية لظاهرة الإحياء الإسلامي يذهب حسن حنفي إلى أنها «نتاج تراكم تاريخي عبر العصور للمجدِّدين ورجال الإصلاح»([34]).

ونخلص مما تقدّم إلى أن عودة التديُّن وتمظهراته الإحيائية، وعودة الإسلام إلى قلب الصراعات الاجتماعية والسياسية والحضارية، وبروز تيارات وحركات تستهدف من خلال الدعوة الدينية أو العمل السياسي أو العنف الثوري، إعادة أسلمة مجتمعاتها، وإعادة تنظيمها، وتوجيه مسارها طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها، كلّ ذلك يمكننا ردّه تاريخيّاً إلى حركات الإحياء الإسلامي بالمعنى الواسع للكلمة، أي «بما تمثله من استعادة بطيئة، لكن دائمة ومستمرة، للثقافة الكلاسيكية، وتَمثُّل قِيَمها كمرتكز لتماهٍ جماعي تاريخي…، واستعادة للوعي، وإعادة فهم وتقويم وتجديد للتراث والقِيَم والأفكار، بل وللإيمان الديني نفسه، بعد حقبة الانحطاط والموت الطويلة للقلب والعقل الإسلاميّين»([35]).

ومن هنا يمكننا أن نجعل العوامل السابقة للظاهرة الإحيائية  ـ  دون عامل المؤامرة وخدمة الاستعمار ـ  بصفتها دوافع؛ لتجذرها وانتشارها وتواصلها التاريخي، لا بصفتها مولِّدات لها تنتفي الظاهرة بانتفاء بعضها.

وهذه الدوافع تلخّصها «أزمة الهوية» التي أفرزتها صدمة الالتقاء بالغرب وحداثته، في أبعادها كافّة (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية)، وذلك بعد أن تمّ القطع التاريخي مع نموذج الحكم الإسلامي، وإنْ في صيغته الأخيرة، الصيغة السلطانية كما مثَّلتها السلطنة العثمانية إلى حين سقوطها بتحالفٍ غربي ـ  تركي داخلي على يد حزب الاتّحاد والترقّي.

هذا القطع التاريخي مع ذلك «المثال» ـ دولة المدينة، بحسب رودنسون([36]) ـ مع الحضور الغربي في المنطقة، وتشكلُّ دول ما بعد الاستقلال، التي أخذت تنحو منحىً علمانياً تمثّل بإقصاء الدين عن السلطة، ومواقع القرار وإعادة ضبطه ومأسسته في المجتمع، بما يعزِّز شرعية السلطة، أدخل الذات العربية في أزمة هوية بين ما هو إسلامي وما هو غربي، بين ما هو عنوان «للتقدم» وما هو عنوان «للجمود والتأخّر». ولكنّه طرح أيضاً وأساساً مسألة الدولة الحديثة وعلاقتها بالمجتمعات الإسلامية، ومسألة مواجهة التحدّي الاستعماري، وفي القلب منه تحدّي الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين (وجنوب لبنان والجولان…، ثمّ العراق وأفغانستان). ومع إخفاق تجارب النهضة والتنمية لدول ما بعد الاستقلال، وفشل مؤسّسات الحداثة وأبنيتها وقيمها الحديثة عن إقصاء القِيَم الدينية أو علمنتها، إضافة إلى الهزائم العسكرية أمام «إسرائيل»، زادَتْ الأزمة وتمظهرت كحالةٍ من الاغتراب داخل المجتمعات نفسها، و«أصبحت مصطلحات الاغتراب والتشيُّؤ والاستلاب مفردات تعبِّر عن حالة مميزة للفرد في المجتمعات المعاصرة، وتُستخدم في مختلف أوجه النشاط الثقافي، حيث تظهر كموضوع أساسي لتعقيد ظواهر اجتماعية وسياسية…، والاغتراب الديني، بمعنى أن يلجأ الفرد إلى الدين كصيغةٍ على المستوى الأنطولوجي والنفسي والسياسي والاجتماعي، لمقاومة هذا الإحساس المعذَّب بالاغتراب عن نفسه، نتيجة للاغتراب عن المؤسّسات الاجتماعية التي يحاول أن ينتج ذاته من خلالها»([37]).

وكردٍّ على هذا الحال قامت حركات الإحياء الإسلامي بإنشاء خطاب متعدّد الملامح، منه ما هو إصلاحي ذو منزع «تجديدي»، وهو خطاب نخبوي ضعيف الأثر، ومنه ما هو سلفي تقليدي، وهو الأكثر شعبية ونفوذاً. وكلاهما كان يتمّ إنشاؤه على قاعدة الأرضية المعرفية والثقافية لتلك الحركات، أي الإسلام، مع سَعْيٍ إلى الاستجابة لتحديات الواقع المخصوص المعيوش الذي يتمتّع بملامح مميزة، هذا الواقع الذي يمثّل التعبير النموذجي على حال المأزقية الشاملة والعميقة التي تعيشها البلدان العربية والإسلامية.

ومن داخل حركات الإحياء الإسلامي هذه، ومن داخل أزمة الهويّة والعودة إلى الأصول؛ وبسبب المواجهة مع الآخر بكلّ عناوينه ومضامينه الدينية والثقافية والعسكرية والاقتصادية، تطوّر خطاب إسلامي جديد يقوم على محورية فكرة العنف الثوري المسلّح، وعلى ممارستها ضمن رؤية سلفية لها قولها في كيفية تنظيم وإدارة الاجتماع السياسي للمجتمعات العربية، الأمر الذي قاد هذه الحركات إلى تبرير الإرهاب؛ باعتباره ممارسة ثورية، وجهاداً مشروعاً للدفاع عن الذات؛ ولردّ العدوان. وأكثر من ذلك «ينحرف الصراع الاجتماعي إلى صراع ديني طائفي، وتتحول السلفية من الصراع مع الغرب في الخارج إلى الصراع بين المسلمين أنفسهم في الداخل»([38]).

ولكن وجود ظاهرة المقاومة الإسلامية (حزب الله في لبنان، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين) كنوعٍ مختلف من الإحيائية الإسلامية أسَّس لمأزقٍ آخر يتمثّل في طرح مشروعية الفكر السلفي الجهادي التكفيري في وجه فكر إحيائي ديني، هو الآخر يتمتَّع بمشروعية عقائدية ـ فقهية، إلى جانب فاعليته الاجتماعية والسياسية في مجتمعاته ومحيطها، ما حتَّم النظر إلى هذا المعطى الجديد من داخل المرجعية الإسلامية أولاً، وبالتواصل مع السياقات الاجتماعية والظروف التاريخية التي أنتجته ثانياً، وبالمقارنة والمغايرة مع ما أنتجته المرجعيات نفسها من تيارات جهادية سلفية وتكفيرية.

 

الدين والعنف: الإشكالية الجامعة، والمأزق الأساس ــــــ

مع ظهور وانتشار حركات الإحياء الإسلامي الجديدة، التي تعتمد العنف والإرهاب في تعاملها مع الآخر الداخلي والخارجي، لم يتمّ التعامل مع قضية العنف هذه من منظار عصريّ، وإنما ظلت تلك الحركات أسيرة الخطاب الإسلامي السلفي القديم، وبمضامينه البعيدة عن مقاربة المشكلات المعرفية والسياسية الحقيقية.

والحال أن موضوعات العنف والإرهاب والمقاومة، وما نتج عنها من سؤال عن العلاقة بين الدين والسياسة ـ  ومن ثمّ سؤال عن الهويّة العام ـ، شغلت هذه الحركات، وشكَّلت محور تحركها وانبعاثها كمبرِّر للوجود. فشعار إعادة نظام الخلافة، أو إقامة دولة الإسلام، أو استئناف الحياة السياسية الإسلامية للأمّة، أو مواجهة الصليبية الجديدة، كان محور الكثير من دعاوى تلك الحركات التي لم ترَ بُدّاً من اعتماد العنف والإرهاب كطريقٍ للوصول إلى مبتغاها»([39]). وفي نفس الوقت فإن انطلاق المقاومة المسلَّحة من أجل تحرير الأرض المحتلة (فلسطين، وجنوب لبنان) شكَّل مصدراً آخر من مصادر شرعية العنف المسلَّح، له مضامين وعناوين ورؤى تختلف جذرياً عن تلك التي اعتمدتها السَّلَفية الجهادية، والتكفيرية منها تحديداً.

فهل استطاعت هذه الحركات الوطنية ـ الإسلامية المسلَّحة (المقاومة) أن تفرض خيارها الوطني باسم الدين؟ وهل استطاعت أن تجيب عن سؤال العلاقة بين الديني والوطني، وبين متطلّبات مشروع التحرّر الوطني وفروض مشروع أسلمة المجتمع وإقامة دولة دينية، أم أن السلفية الجهادية والتكفيرية هي التي استحوذت على المجال الفكري والعقائدي، وسخرتهما في اتجاه تحوّل ظاهرة الإرهاب إلى ظاهرة إسلامية بامتياز؟

والسؤال المهمّ الآخر هو: هل كان الخطاب الإسلامي المقدَّم بخصوص طبيعة شكل العلاقة بين الدين والعنف، ومسألة المقاومة المشروعة والجهاد الشرعي، وكيفية الوصول إلى إقامة النظام السياسي الإسلامي أو استئناف الحياة الإسلامية، أو تحرير الأرض والوطن، محدّداً ومشروطاً بحدود وشروط الحراك الاجتماعي الخاصّ بالمجتمع الموجودة فيه هذه الحركات، أم بمرجعية «سَلَفية» و«ماضوية»؟ وهل قدَّم الخطاب الإسلامي المعاصر حلاًّ لمشكلة العلاقة بين الدين والدولة، بين الماضي والحاضر، بين الأصل والعصرنة، بين الدين والعنف، بين المقاومة والإرهاب؟ وهل حافظت هذه الحركات على أصالة الخطاب، أي التمسّك معرفيّاً بالأصول الإسلامية في مواجهة الأسئلة المطروحة، مع تحقّق الشرط السوسيولوجي بالانطلاق من الوضعية التاريخية الراهنة للواقع، والوعي بأزمة الهويّة القائمة في المجتمع العربي الإسلامي؟

إن مناقشة الإشكالية السابقة وطرحها تستند إلى مفهوم قوامه أن حركات الإحياء الإسلامي هي حركات اجتماعية من الطراز الأول. ونحن نعتبر دراسة تلك الحركات؛ كونها مؤسّسات سياسية غير رسمية (أهلية) في أحد صورها، جزءاً أساسيّاً من النظام الاجتماعي، لا يمكن فصلها عنه بأيّ صورة، وما يترافق مع ذلك من دراسة مظاهر الصراع، وطرق السيطرة عليه.

فحركات الإحياء هي حركات اجتماعية قيمية Value ـ Oriented Movements بالدرجة الأولى، وتندرج «كمحاولات جماعية هدفها إنعاش أو حماية أو تطوير أو استحداث قيم معينة، باسم بعض المعتقدات العامة التي تتّسم بقدرتها على التنفيذ في مجالات الفعل الجماعي، لإعادة تركيب القيم، أو وضع المعايير في صيغ جديدة، وإعادة تنظيم حوافز السلوك الاجتماعي لدى الأفراد، وتشدّد على القيم والمعايير الماضية، محاولة إعادة قوتها أو نفوذها في واقع الحياة الاجتماعية، وذات نزعة دينية أو روحية»([40]). وتكمن أهمّية دراسة تلك الحركات الاجتماعية ـ كما يقول آلان تورين ـ في أن «المجتمعات قد أصبحت الآن تعترف بأنفسها بصفتها نتيجة لعملٍ اجتماعي، لقرارات أو معاملات، لسيطرة أو صراعات، وفي عملية الخلق الذاتي هذه تمثّل  الحركات الاجتماعية القوى التي تنازع جهازاً قائماً للعمل التاريخي، وتسعى إلى تحويل تطوّر المجتمع إلى قناة مختلفة»([41]). وإذا كان شرط نجاح الحركات الاجتماعية «صياغة مذهبٍ قادر على إثارة الحماس والالتزام بنشاط سياسي متواصل…، والاستناد إلى نظرية اجتماعية تستطيع شرح المسائل الرئيسية، وإيضاح الأهداف وطرق الوصول إليها، وتخطيط الصيغ البديلة للمجتمع»([42])، وعليه لا بُدَّ من دراسة الحركات الجهادية ضمن الرؤية السياسية ـ الاجتماعية والدينية العقائدية ـ الفقهية التي يقدِّمها قادة تلك الحركات لإشكالية العنف والإرهاب والجهاد والمقاومة، كما يطرحونها في نصّهم الخاصّ من ناحية، ورصد مقارباتهم للاجتماع السياسي ضمن حراكه الواسع فيما هي تجربة هذه الحركات من ناحيةٍ أخرى.

ومن المعلوم أن الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر في اشتغاله بإشكالية الدين والعنف، ونموذج السياسة التي يدعو إليها في العلاقات المجتمعية الداخلية، كما الدولية الخارجية، ولطرق الوصول إلى تنفيذ هذه السياسة، ولكيفية مواجهة تحديات الداخل والخارج، تعدّدت معالجاته لتلك الإشكاليات؛ بحسب مرجعية كل من تياراته ورهاناته التاريخية. ويمكننا أن نعدّد تياراته تلك على النحو الإجرائي التالي:

ـ التيّار السلفي التكفيري، الذي مثّلته الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، وما تفرّع عنها من حركات واتجاهات في العالم الإسلامي، وخصوصاً تيار السلفية الجهادية.

ـ تيار «السلفية الإصلاحية» (النهضوية)، الذي مثّله اتّجاه الشيخ محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وخير الدين التونسي، وغيرهم .

ـ تيار «الرسمية الإسلامية» (التقليدية) الذي وجد في مؤسّسات الوقف الإسلامي، والجامعات الدينية التقليدية، كالأزهر والزيتونة والقيروان والنجف الأشرف وقم المقدّسة.

ـ تيار «الحركية الإسلامية»، الذي تشكًّلت أولى تجاربه واتّجاهاته مع حركة الإخوان المسلمين في مصر، وما لحقها من تجارب واتجاهات أخرى مختلفة، أبرزها حزب الدعوة الإسلامية الشيعي.

ـ تيار «التجديد العقلاني»، وهم المفكِّرون الإسلاميون المتأخّرون، ممَّنْ لم ينتسبوا إلى أيٍّ من التيارات السابقة، وقدّموا إجابات معاصرة على السؤال السياسي داخل الدائرة الإسلامية، وسعوا إلى تقديم نظرية سياسية إسلامية بخصوص إشكالية الدين والدولة، ولمفهوم الدولة الإسلامية، ولقضايا العنف والجهاد والإرهاب([43])، السِّلْم والحرب، والانخراط في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.

ـ وإلى جانب هذه التيارات كان هناك التيار الإسلامي الجهادي، الذي حمل اللواء لمقاومة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان وفلسطين، فكان شعاره الأساس تحرير الوطن، وممارسته الفعلية هي الجهاد المسلَّح المرتكز إلى النصّ الديني.

 

خاتمة ــــــ

الحالة الثورية الإسلامية التي تعيشها المجتمعات العربية ـ الإسلامية تدعو إلى النهوض بالحاضر، وصناعة المستقبل المشرق، انطلاقاً من نموذج السَّلَف الصالح الذي مثَّل في الماضي مواقع عزّ وقوّة للعالم الإسلامي، وكان ذلك أحد أهم مظاهر الصحوة الإسلامية في العصر الحديث؛ لمواجهة التحديات والقضايا السياسية المباشرة في الواقع الراهن، من احتلال وتجزئة وتخلف، وخصوصاً لجهة الوجود الصهيوني والدعم الغربي له.

إن صعود الظاهرة الإحيائية الإسلامية وتبلورها في تيارات حركية وسلفية وجهادية تلتقي كلّها عند مسألة ممارسة العنف المسلَّح، ضدّ العدوّ الخارجي المتمثِّل في الاحتلال الاسرائيلي بالنسبة إلى بعضها (حزب الله، وحركتا حماس والجهاد)، وضدّ الصليبية ـ اليهودية عموماً بالنسبة إلى معظم القوى السلفية الجهادية، وضدّ النظام الحاكم المرتدّ وكلّ مَنْ يخالفها في العقيدة بالنسبة إلى جماعات السلفية التكفيرية.

وقد شملت العودة المدوية للمشاريع الدينية، واحتلالها المشهد التاريخي المعاصر، العالم الإسلامي كلّه، فكان انتشار الإحيائية الإسلامية التي لم تنحصر تجلّياتها في منازعة الحركية الإسلامية التقليدية (الإخوان المسلمون) للمجال السياسي فقط، بل تمظهرت في الدعوة العامة إلى بعث هوية إسلامية جديدة تتّسم بالشمول والقوّة، وتتصل بها تلك المحاولات الدؤوبة لصبغ السياسات المختلفة بصبغة إسلامية، بما فيها السياسات الحكومية، والسلوك الاجتماعي، والسلوك الفردي.

مع ظهور وانتشار حركات الإحياء الإسلامي الجديدة، التي تعتمد العنف والإرهاب في تعاملها مع الآخر، الداخلي والخارجي، لم يتمّ التعامل مع قضية العنف هذه من منظار عصريّ، وإنّما ظلت تلك الحركات أسيرة الخطاب الإسلامي السلفي القديم، وبمضامينه البعيدة عن مقاربة المشكلات المعرفية والسياسية الحقيقية.

والحال أن موضوعات العنف والإرهاب والمقاومة وما نتج عنها من سؤال عن العلاقة بين الدين والسياسة ـ  ومن ثم سؤال عن الهويّة العامة ـ  شغلت هذه الحركات وشكّلت محور تحرّكها وانبعاثها كمبرّر للوجود. فشعار إعادة نظام الخلافة، أو إقامة دولة الإسلام، أو استئناف الحياة السياسية الإسلامية للأمّة، أو مواجهة الصليبية الجديدة، كان محور الكثير من دعاوى تلك الحركات التي لم تَرَ بُدّاً من اعتماد العنف والإرهاب كطريقٍ للوصول إلى مبتغاها. وفي الوقت نفسه فإن انطلاق المقاومة المسلَّحة من أجل تحرير الارض المحتلّة في فلسطين وجنوب لبنان شكَّل مصدراً آخر من مصادر شرعية العنف المسلَّح، له مضامين وعناوين ورؤى تختلف جذريّاً عن تلك التي اعتمدتها السلفية الجهادية، والتكفيرية منها تحديداً.

 

الهوامش

(*) دكتوراه في الدراسات الإسلامية  (الفكر السياسي)، أستاذٌ محاضر في كلية دراسات العالم، جامعة طهران، إيران.

([1]) استخدمت عبارة «حملة صليبية» بالإنجليزية: Crusade من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش في يوم 11 أيلول 2001، وفي يوم الرثاء الوطني في 16 أيلول 2001، حيث قال الرئيس الأمريكي: «هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب ستأخذ بعض الوقت».

المقالة I.                      http: //www. marefa. org/index. php (الحملة الصليبية العاشرة).

([2]) آلان وودز، جورج بوش والحروب الصليبية؛ الحوار المتمدّن ـ العدد: 495 ـ 22/5/2003؛

http: //www. ahewar. org/debat/show. art. asp?aid=7556.

([3]) Shireen T. Hunter. (ed.) The Politics of Islamic Revivalism (Indiana: Indiana University Press, 1988) , p. 7.

([4]) جيل كيبيل، يوم الله، الحركات الأصولية في الأديان الثلاثة: 12 ـ 13؛ ترجمة: نصير مروة، قبرص، دار قرطبة للنشر والتوثيق والأبحاث، 1992.

([5]) محمد أمين فرشوخ، الحركات الأصولية المعاصرة في الأديان؛

http: //altafahom. net/Article. asp?Id=496.

([6]) رفعت سيد أحمد، الحركات الإسلامية في مصر وإيران: 24، القاهرة، سينا للنشر، 1989.

([7]) المصدر نفسه.

([8]) سارة فايز، الحركة الإسلامية في المغرب العربي: 66، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ط1، 1995م.

وانظر: فؤاد زكريا، الصحوة الإسلامية في ميزان العقل: 22 ـ 23، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، ط1، 1985م؛ نيلوفر غول، مهندسون إسلاميون وطالبات محجّبات في تركيا، بين التوتاليتارية والنـزعة الفردية؛ جيل كيبل ويان ريشار، المثقف والمناضل في الإسلام المعاصر: 164 ـ 166، ترجمة: الحجار، بسام، بيروت، دار الساقي، ط1، 1994م.

([9]) حول هذه المسائل انظر: الدراسة التوثيقية الشاملة التي قام بها الدكتور سعود المولى في: الجماعات الإسلامية والعنف، بيروت، دار مدارك، آب 2011…

([10]) زكي بدوي، الأصولية المعاصرة، حربٌ على الرأي المخالف ورفض لدور العقل، جريدة الشرق الأوسط (لندن)؛ العدد 6661: 10، 22/2/1997م.

([11]) رفعت سيد أحمد، الحركات الإسلامية…: 33 ـ 34.

وانظر: زكي بدوي، الأصولية المعاصرة…، المصدر نفسه؛ محمد جميل بن منصور، الأصولية ظاهرة حضارية استجابة لتحدّي الانتماء والهوية، جريدة الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6655: 10؛ 16/12/1997م؛ طه الصابونجي، الأصولية الغوغائية تقف عند حرفية النصّ وظاهرة، الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6641: 10، 2/2/1997م.

([12]) سارة فايز، الحركة الإسلامية…: 23 ـ 24؛ حسن حنفي، الحركات الإسلامية في مصر: 23، بيروت، المؤسسة الإسلامية للنشر، 1986.

وحول دور قوى التيار الإسلامي في المقاومة الوطنية، وبخاصة في الجزائر، انظر: جورج الراسي، الإسلام الجزائري، من الأمير عبد القادر إلى أمراء الجماعات، الفصل الثاني والثالث والرابع، بيروت، دار الجديد، ط1، 1997م.

([13]) أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي: 14، ترجمة: نصير مروّة، بيروت، دار الساقي، ط1؛ 1994م.

([14]) محمد جميل بن منصور، الأصولية ظاهرة حضارية…: 10.

([15]) سيد أحمد، الحركات الإسلامية…: 3.

([16]) يوم الله…: 16؛ وانظر: مانع بن حماد الجهني، صناعة غير إسلامية، جريدة الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6620: 10، 12/11/1997م.

وقد عبَّرت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية عن هذا الاتجاه حين أعلنت عن أهدافها، وأهمها «تجاوز أزمة التحدي الغربي الحديث، ومواجهة التغريب بالأسلمة»؛ فتحي إبراهيم، مقدّمة حول مركزية فلسطين والمشروع الإسلامي المعاصر: 9 ـ 13، بيروت، شركة بيت المقدس للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، د. ط، 1989.

([17]) بدوي، الأصولية المعاصرة…، جريدة الشرق الأوسط (لندن).

([18]) برهان غليون، نقد السياسة، الدولة والدين: 22 وما بعدها، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1993م.

([19]) سيد أحمد، الحركات الإسلامية…: 33 ـ 36؛ غليون، نقد السياسة…: 223 ـ 224؛ أحمد السعيد الهجرسي، مصر: الحركة الإسلامية السياسية في مصر، دراسة ميدانية على عينة من أعضاء تنظيم الجهاد، في: محمود أمين العالم (إشراف)، الأصوليات الإسلامية في عصرنا الراهن ـ قضايا فكرية؛ الكتاب 13 ـ 14: 173، القاهرة ـ قضايا فكرية للنشر والتوزيع.

([20]) الطيب تيزيني، ملاحظات أولية حول الأصولية الإسلامية، في: محمود أمين العالم (إشراف)، الأصوليات الأسلامية…: 297.

([21] (R. Hrair Dekmejian, “The Anatomy of Islamic Revival: Legitimacy Crisis, Ethnic Conflict and the Search for Islamic Alternatives,” Middle East Journal, vol. 34, no. 1 (Winter, 1980) , pp. 1 ـ 12.

([22]) عبد الرزّاق قسّوم، لكل أصولية خصوصيتها التي تمنحها طابعاً مميزاً، الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6647: 10، /8/2/1997م؛ سيد أحمد، الحركات الإسلامية…: 36؛ خالد القشطيني، الإسلام قوي ويملاأ كل حياتنا ومشاعرنا، الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6654: 10، 15/12/1997م.

([23]) رضوان السيد، البؤس الثقافي عقبة أمام بروز نماذج مضيئة، الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6627: 10، 19/1/1997م؛ حنفي، الحركات الإسلامية…: 61 ـ 63.

([24]) يونس شريف، سيّد قطب والأصولّية الإسلامّية، منقول عن: قطب، اللواء الجديد، 9 أكتوبر 1951، سيّد قطب، «درس من إيران»، العدد 26: 361 ـ 362.

([25]) محمد أحمد بيومي، التطرف والعنف في المجتمع المصري، في: محمود أمين العالم (إشراف)، الأصوليات الإسلامية…: 433؛ حنفي، الحركات الإسلامية…: 69 ـ 75؛ نبيل عبد الفتاح، النصّ والرصاص: الإسلام السياسي والأقباط وأزمات الدولة الحديثة في مصر: 27، بيروت، دار النهار، 1997.

([26]) سيد أحمد، الحركات الإسلامية…: 36.

([27]) مكسيم رودنسون، الأصوليات الإسلامية والأصوليات الأخرى، المبادئ شيء والواقع شيء آخر، جريدة الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6623: 10، 15/11/1997م؛ مكسيم رودنسون، الأصوليات الإسلامية والأصوليات الأخرى، إفلاس العلمانية أحد أسباب ظهور الأصوليات، الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6622: 10، 14/1/1997م.

([28]) سيد أحمد، الحركات الإسلامية…: 33 ـ 36، 42؛ الجهني، صناعة غير إسلامية…؛ ابن منصور، الأصولية ظاهرة حضارية….

([29]) كلام الإمام الخميني 10: 378.

([30]) حسن نصر الله، محاضرة له نشرتها مجلة العـهد، (العدد 55): 10، بيروت، 1405هـ ـ 1985م.

([31]) المصدر السابق: 11.

([32]) المصدر نفسه.

([33]) رودنسون، الأصوليات الإسلامية…، إفلاس العلمانية.

([34]) حنفي، الإسلام حاور المخالفين والمشركين والكفّار والمنافقين، جريدة الشرق الأوسط (لندن)، العدد 6632: 10، 24/1/1997م؛ حنفي، الدين والثورة في مصر 1952 ـ 1981، الكتاب الخامس (الحركات الدينية المعاصرة): 301، القاهرة، مكتبة مدبولي، د. ت.

([35]) غليون، نقد السياسة…: 312.

([36]) رودنسون، مكسيم؛ الإسلام سياسةً وعقيدةً، من النبي محمد إلى الإسلام السياسي القائم اليوم، ترجمة: أسعد صقر، الفصل الأول.

([37]) محمد رمضان بسطاويسي، الاغتراب الديني وثقافة المؤسسات، في: محمود أمين العالم (إشراف)، الأصوليات الإسلامية…: 67.

([38]) حنفي، الاغتراب الديني، شبكة الرصد الأخباري، العدد 11200، بتاريخ 21/3/2010.

http: //www. coptreal. com/WShowSubject. aspx?SID=32056

([39]) يرجع بهذا الخصوص إلى الرسائل لحسن البنا، ومعالم في الطريق لسيد قطب، والنظام السياسي في الإسلام لتقي الدين النبهاني مؤسّس حزب التحرير الإسلامي. وكلمة حقّ لعمر عبد الرحمن أحد قادة ومؤسّسي الجهاد الإسلامي المصري، كما إلى أدبيات حزب الدعوة الإسلامية (الشيعي العراقي).

([40]) معن زيادة وآخرون، الموسوعة الفلسفة العربية 1: 364 ـ 365، بيروت، معهد الإنماء العربي، ط1، 1986م.

([41]) توم بوتومور، علم الاجتماع السياسي: 58، بيروت، دار الطليعة، ط1، 1986م.

([42]) المرجع السابق: 62.

([43]) من أعلام هذا التيار: محمد الغزالي، وطارق البشري، وأحمد كمال أبو المجد، ومحمد سليم العوّا، وعبد الوهّاب المسيري، وعادل حسين، وآخرين في مصر. وحزب العدالة والتنمية في تركيا، كما في المغرب، والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً