أزمة الارتزاق في حياة علماء الدين([1])
د. عبدالكريم سروش(*)
ترجمة: مشتاق الحلو
تطلق <نصوص معاصرة>، كعادتها، مجال الرأي والرأي الآخر، في قضية بالغة الحساسية دار حولها جدلٌ في إيران، وهي ارتزاق علماء الدين، من هنا ننشر كلام د. سروش، ثم ننشربعده فوراً نقداً عليه من الشيخ محسن غرويان (التحرير).
<رجال الدين> بين مطهري وشريعتـي ـــــــ
تمرّ علينا ذكرى استشهاد الشيخ مطهري، ورحيل الدكتور علي شريعتي في شهري أيار وحزيران. هذان المفكران اللذان بذلا قصارى جهدهما في غاية الإخلاص لتنقية الفكر الديني وتقويته وترغيب الجيل الشاب بدراسة الدين ومعرفته. وبلا شك أفلحا في تحقيق هدفهما.
من أهم نقاط الاختلاف بين هذين العلمين، تعيين موقع «رجال الدين» في المجتمع المتديّن وعلاقتهم بالفكر الديني. فقد عُدّ شريعتي في هذا الخصوص من «السلبيين»، أي من الذين يريدون إسلاماً بلا «رجال دين»، فما كان يتقبل وجود طبقة باسم «رجال الدين»، واعتبر وجودهم مصداقاً «للتزوير»، الذي يضع يده بيد أرباب السلطة والمال للسطو على عقول الناس وجيوبهم. فكان يدعو إلى إسلام بلا رجال دين، كما دعا مصدّق إلى اقتصاد بلا نفط([2]). لكنه في خضم طرحه هذا، لم يحطّ من قدر «علماء الدين» إطلاقاً، ولم ينس أبداً أنّ طلاب العلوم الإسلامية طبقة كادحة([3])، ولم ينكر تقوى رجال الدين الحقيقيين وطهارتهم. لكن لم تنج مواقفه من التناقض كما ذكرت في كتاب (فربه تر از ايدئولوجي: أضخم من الأيديولوجية).
أدلجة الإسلام، التي مثلت منتهى غايته، كانت تنتهي. خلافاً لرغبته ـ إلى تأسيس طبقة من المفسرين الأيديولوجيين، الذين يحملون بدورهم الآفات والمشاكل التي كان ينفر منها.
أما المشكلة الثانية التي عانى شريعتي منها في هذا الخصوص، فكانت مع المتشرعة أيضاً، أي مع (حملة قشور الدين) لا الشريعة، وتتمثل في علاقة شريعتي بالفقه.
تناول شريعتي الحج والجهاد أكثر من سائر المقولات الفقهية، باعتبار وضوح الجانب الرمزي والمعنائي فيهما. كما أنّ الجانب الدنيوي والعقلاني فيهما، وقابليتهما للأدلجة، لا تقبل الإنكار.
لم يهتم شريعتي بسائر أبواب الفقه لسببين: الأول، أنها لا تلعب دوراً في أدلجة الدين، والثاني، أنّ مقاليدها بيد رجال الدين، الذين كان آيساً منهم([4]).
لكن مطهري كان من رجال الدين ومرتبطاً بهم، وعدّ أُطروحة «إسلام بلا رجال دين» أُطروحة استعمارية([5]) . وفي نفس الوقت كان يعدّ هذه الطبقة شجرة مصابة تجب معالجتها إلى جانب الحفاظ عليها.
يرى مطهري سرّ المشكلة في طريقة ارتزاقهم، ولحلّ المشكلة أمّل أن يصبح تحمل أعباء الرسالة بدوافع نبوية، دون طمع في مكافأة، فيحتفظون بعزتهم واستقلالهم.
أودّ التحدث عن هذا الاقتراح للشيخ مطهري، والقيام بمقارنة بين حلول شريعتي ومطهري، مبيّناً كيف أنّ اقتراح مطهري حلّ صائب يتحرك في الاتجاه الصحيح، لكنه ناقص ويحتاج إلى ترشيد ليحل مشكلة كبيرة. كما أنه يحوّل الكلام عن نفي أو إثبات رجال الدين، إلى نقاش مفيد ومنصف، يبتعد عن صخب المنكرين والجهّال. لكن، في البدء يجب تقديم تعريف ـ ولو إجمالياً ـ لرجال الدين، كي يتضح موضوع ومتعلق الحكم، ولا يختلط الغثّ بالسمين.
تعريف رجال الدين ، المعيار المالي أو نهج الارتزاق ـــــــ
رجال الدين كما هم موجودون ومعروفون اليوم، لا هم مجموعة الفقهاء ولا المفسرين ولا الفلاسفة ولا الخبراء ولا الأتقياء، ولا من يرتدون لباس رجال الدين. إذ يمكن ذكر استثناءات (وفي بعض الأحيان) كثيرة، على كل هذه الموارد. فكثير من الأتقياء أو علماء الدين لا يرتدون الزي الرسمي لرجال الدين. ومن جهة أُخرى من يرتدون اللباس الرسمي من غير الفقهاء والمفسرين أيضاً ليسوا بقليلين.
إذن، ما هو مقوّم طبقة رجال الدين؟ المقوّم هو نفسه الذي عدّه مطهري المشكلة الأساسية، أي طريقة الارتزاق. كل من يرتزق عن طريق الدين (سواء العلم الديني أو العمل الديني) فهو من رجال الدين. قد يكونون أتقياء أو أشقياء، معممين أو غير معممين، علماء أو جهّال، لكن وجه الاشتراك بينهم جميعاً طريقة ارتزاقهم، وهو ما يجعلهم صنفاً واحداً، ويضم جميع أفرادهم، ويعطيهم هويّة جماعية موحّدة ومنافع مشتركة. وفي هذا المقال، أينما تحدثنا عن رجال الدين، نقصد بهم أفراد هذا الصنف.
أمّا عالم الدين الذي لا يُعدّ من رجال الدين، على الرغم من انشغاله بالعلم أو العمل الديني، فيمتلك مصدراً مستقلاً للمعيشة، بحيث إذا ترك مزاولة الأُمور الدينية لا تتضرر معيشته. إذن هو من علماء الدين، لكنه ليس من رجال الدين. كما أنّ الفارق الأساسي بين رجل الدين وغيره في خطه السياسي والاجتماعي وحتى العلمي، ينبثق من هنا. كذلك المؤاخذات التي يمكن ملاحظتها على كلّ منهم تختلف من واحد إلى آخر. فقد يكونون أتقياء أو أشقياء، معممين أو غير معممين، لكنهم لا يشكّلون صنفاً تجمعهم مصالح مهنية محدّدة، ولا يخشون قطع معاشهم إذا ما أبدوا آراءهم العلمية أو الفنية.
وبعبارة مختصرة، يمكننا القول: إنّ رجال الدين هم من يرتزقون عن طريق الدين، ومن سواهم علماء مستقلون في مصادر عيشهم. ولا دخل للعمل والتقوى والتقدّس والتفقه واللباس في تحديد صنف رجال الدين. بل الملاك الوحيد هو طريقة الارتزاق لا غير.
الملاك هو أصناف الاستمتاعات والمزايا المالية والسياسية والاجتماعية (سواء أكانت كثيرة أم قليلة) التي يجلبها العلم والعمل الديني. هذه المزايا والفرص هي التي تؤلف من جماعةٍ صنفاً وجماعة موحّدة ومختلفة عن غيرها. هذا الحسّ الصنفي هو الذي يميّز بين الغريب والقريب، ويرسم حدوداً بينهم، ويحافظ على الأسرار الصنفية والجماعية، ويخلق تقاليد ومناسك خاصّة داخل دائرة الصنف، ويعيّن مراتب ودرجات فيها، ويدافع عن هذه الهوية قبال التهديدات الخارجية، ويعطيها قداسة وأهميّة وخطورة، ويعتبرها حاملة لأسرار الشريعة وعلومها.
مع مرور الزمن تتشكل أيديولوجية تسيطر على المؤسسة، وتختار لها بعض العظماء كمثال علمي وعملي مقدّس، وتتبع صياغات فكرية وذهنية محدّدة وتعتبرها عين الدين والحقيقة. وتتصور أنّ الخروج عن نمط التفكير المهني خروج عن الدين و…
كل هذا لم يحدث نتيجة مؤامرة أو انحراف فكري. بل هو نتيجة طبيعية لطريقة ارتزاق قوم، وتحوّل مدرسة فكرية إلى صنف. ولا يختص ذلك بالشيعة أو السنة، ولا حتى بطبقة رجال الدين. بل يحدث ذلك حتى بين رجال الدين المسيحيين والأطباء فلهؤلاء أيضاً هوية جماعية، وطريقة في الحكم، ومصالح مشتركة، وطريقة الارتزاق. فالكلام ليس عن هذا الأمر، بل عن تحوّل علماء الدين إلى صنف، وتوالي مقتضياته بلا شك، إذ تتحقق الطموحات البشرية بأدق أشكالها.
طريق العزّة: نقصان مشروع مطهري ـــــــ
كان مطهري يتمنّى صعود المسلمين وعزّتهم الفعلية. نظرة خاطفة على سير انحطاط المجتمعات الإسلامية من جهة، وتطوّر المجتمعات غير الإسلامية من جهة أُخرى، كان كفيلاً بلفت نظره إلى أنّ الاستمتاع بالنعم والبركات الدنيوية لا يتحقق من خلال الالتزام بالتقاليد والمناسك الدينية فقط. علماً أنه لا يوجد بحث مستفيض في كتابات مطهري حول أسباب تطوّر أو تدهور المجتمعات. وما يعرف بعلم الاستغراب اليوم قلّما نجد له أثراً في كتاباته. من المؤكّد أنه لم يعارض العلوم الغربية، لكن هذا العلم ثمر أي شجرة؟ وما هي مقدماته المعرفية (والفلسفية بالذات) وغير المعرفية؟ لم يقدم لنا مطهري أية دراسة عن ذلك؛ لهذا بقي حديثه عن عزّة المسلمين وشوكتهم بحثاً ناقصاً ولم يكتمل؛ لأن مجرد اعتبار العزّة والشوكة لا يغني شيئاً، بل يجب دراسة طرق بلوغها. نحتاج الآن إلى شرح هذه القضية بدقّة. ما الذي غذى العلم والتقنية الغربية؟ ما هو الحسن والسيّئ فيهم؟ وهل إنّ وضع الغرب الآن حالة قرينة بالعزّة والشوكة أم لا؟ ما هي مسؤوليتنا تجاههم؟
نعم، يمكن العثور على إشارات مجملة في كلمات وكتابات مطهري في هذا الخصوص، لكن لا يمكن التوقع من هذه الإشارات أن تحلّ لنا مشكلة. كتابات شريعتي في هذا الخصوص أجدى؛ إذ كان ينشد الاقتدار والمكنة للمسلمين أيضاً، وفكّر قدر استطاعته في هذا الخصوص. حلّل شريعتي العلم والتقنية الغربية، وعلى أقلّ التقادير رسم لنفسه الطريق الذي يجب سلوكه من أجل الوصول للعزّة الدنيوية!
نعم، أشار مطهري في كتاباته لإحدى مقدمات بلوغ العزّة والشوكة السلبية، وإن لم يصرح، لكن من مجموع كلماته نفهم أنّه كان يعتبر «الاستغناء» إحدى مقدمات العزّة والشوكة. وهذا المبدأ يجب لحاظه على الصعيد الفردي والجماعي. كان بعض العلماء حين يريد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقطع أواصر حاجته أولاً؛ لأنّ الفرد المحتاج لا يلاحظ كثيراً من الحقوق والحقائق، ويغض الطرف عن كثير من المسؤوليات، ولا يتمكن من الاعتراض والانتقاد بقوّة. فبقدر انتقاص الاستقلال، تنتقص العزة أيضاً. عدم الانتماء (وهو ضدالطمع) يجسد مفهوم القناعة بدقّة، وهو من أهمّ مقدمات العزّة.
من أهم خصال الأنبياء براءتهم من الطمع، فقد كانوا من أهل القناعة. يجب التنويه هنا إلى أنه لا يجوز استنباط معنى إفراطي من الاستغناء؛ لأنّ الإنسان لم يقطع ـ بحال من الأحوال ـ علاقته بالآخرين بشكل كامل.
اختار مطهري «رجال الدين» مصداقاً لتطبيق رأيه. ويبدو أنه كان كثير التفكير بهذا الأمر، لأنه كان يواجه نظرية «إسلام بلا رجال دين»، وحينما أتى إلى بريطانيا وكان لي شرف استضافته، فهمت من خلال حديثه أنه شديد الحسّاسية تجاه هذه المسألة. فتكلم عن «النفات» وحذرني من التعاون معهم.
معضلة رجال الدين في رأي مطهري ـــــــ
اعتقد مطهري أنّ رجال الدين لا يتمتعون بنعمة «الاستغناء» وبتبعها نعمة «العزّة». ولهذا لا يستطيعون تأدية واجباتهم الدينية والاجتماعية على ما يرام. ووجد مشكلة مؤسسة رجال الدين كامنة في طريقة ارتزاقهم. فكان يرى مؤسسة رجال الدين السنية، مؤسسة حكومية؛ لأنّها ترتزق من الحكومة. وتترتب إشكالية عدم الاستقلال على هذا الأمر، فبما أنّهم موظفو الدولة ويرتزقون منها يفقدون استقلالهم قبالها ولا يستطيعون الوقوف بوجهها والاعتراض عليها. فيبدون آراءهم بشكل لا يغيظ الحكّام، وينحر دين الله هنا. لكن رجال الدين الشيعة لا يعانون من هذا الأمر؛ فهم لا يحتاجون الدولة ولا يرتزقون منها، والشريعة نفسها تدبّرت هذا الأمر؛ فالموارد المالية التي يدفعها المتدينون انطلاقاً من تكاليفهم الشرعية وبرغبتهم التامّة، تكفل استقلال رجال الدين الشيعة في ارتزاقهم عن الدولة. ولهذا السبب تمكّن رجال الدين الشيعة طوال التاريخ من الوقوف الشامخ بوجه السلاطين وعدّهم في الغاصبين دون الخوف على لقمة عيشهم. لكن ولشديد الأسف هذا النوع من الارتزاق لـه تبعاته أيضاً، إذ انتهى بتبعية رجال الدين للعوام.
المرجع الشيعي الكبير البروجردي قال في أحد دروسه: «كنت أتصور أوّل استلامي للمرجعيّة العامّة أنّه عليّ الاستنباط، وعلى الناس العمل، فكل ما أفتي به ينفّذه الناس. لكن من خلال إصدار بعض الفتاوى [التي لم تكن على مرام الناس] عرفت أنّ الأمر ليس بهذه الصورة»([6]).
هذه النقطة التي أشار إليها السيد البروجردي نقطة مهمة جدّاً؛ إذ على رجال الدين التصرف بشكل لا يزعج عامّة الناس، فبعضهم يحترف الوعظ والخطابة ويعتاش منهما، أي ما كان يقوم به الأنبياء بلا أجر وثمن، جعله هؤلاء وسيلة رزقهم. إحدى أهمّ ميزات الأنبياء أنهم كانوا لا يتقاضون أجراً لقاء عرض نعمة الهداية على الناس([7]). لكن يفتقر الخطباء والوعّاظ المحترفون لهذه الخصلة، فهم مجبورون على الحديث بما يروق للناس ويحلو لهم، لأجل الاستمرار في عملهم. وفي النتيجة يفقد رجال الدين عزّتهم ويضيع الدين. لكن لا يمكن لأمثال مطهري أن يرضى بهذه النتيجة، فمن يعرف قدر هذه النعمة النفيسة لا يمكن أن يرضى بتدنيسها.
الحل الذي قدّمه مطهري لمعضل الارتزاق الديني ـــــــ
يعتقد الشيخ مطهري أنّ على مؤسسة رجال الدين وضع خطّة مدروسة ودقيقة، بحيث لا يستلم رجل الدين من الناس شيئاً. أي تصبح جميع الموارد الشرعية والأوقاف بيد كبار رجال الدين، فيؤسسون صندوقاً من هذه الموارد ويتقاضى أئمة الجماعات، والخطباء وسائر رجال الدين راتباً شهرياً منه. ولا يتوقعون استلام مبالغ من أتباعهم. فتنقطع العلاقة المادية المباشرة بين رجال الدين والناس. وتكون علاقتهم روحية ـ إرشادية فقط. ينبغي أن لا يخاف الخطيب من أنّ كلامه قد لا يروق للناس. فالناس ينفرون من الدواء المرّ، لكن رجل الدين يجب أن لا يقصّر في أداء مهامه.
من الواضح أنّ مطهري استخدم نظريته حول اكتساب العزّة في هذه الدراسة؛ إذ وصل لهذا التشخيص الصائب بأنّ عزّة رجال الدين رهن استغنائهم عن الناس، فما لم يغيّر رجال الدين طريقة ارتزاقهم، فسوف يبقون تبعاً لعوام الناس، ولا يمكن أن يصبحوا أعزّاء مكرمين. كما أنه اقترح إصلاح الوضع المالي لحلّ هذه المشكلة.
تقييم أُطروحة مطهري ـــــــ
أمّا الآن فعلينا أن نتساءل: هل الخطّة التي قدّمها مطهري، توصلنا إلى الهدف؟
الإجابة سلبية، فأينما ارتبط الدفاع عن حقيقة بتأمين مصالح جماعة ما (سواء أكانت هذه المصالح مشروعة أم غير مشروعة)، تضررت تلك الحقيقة؛ لأنّ الأمر سوف يصل بشكل تدريجي إلى أن تقوم تلك الجماعة بالدفاع عن مصالحها باسم الدفاع عن تلك الحقيقة، أو على الأقل سوف يبدو الأمر كذلك. في مثل هذه الظروف التفكيك بين «الدفاع عن الحقيقة الدينية» و «الدفاع عن المصالح الصنفية والذاتية» في غاية الصعوبة. وسواء قبض رجل الدين راتبه من الناس أو الدولة أو صندوق رجال الدين لا يختلف الأمر، وتظل المشكلة قائمة، ففي كل هذه الحالات يكون الارتزاق عن طريق الدين.
أودّ التأكيد على أنني أرمي بالمصالح في هذا الكلام إلى المشروعة منها، كتوفير السكن، والطعام، والملبس، والصحّة، ولا أتكلم عن المصالح غير المشروعة؛ فهناك تلازم بين «الدفاع عن الحقيقة الدينية» و«الدفاع عن المصالح المهنية والذاتية المشروعة» بما يفضي إلى هذه السلبيات، فما بالك بالمصالح غير المشروعة؟!
قد يقال: إنّ العادل والمتقي، يستطيع حفظ نفسه من هذه المطبّات، وتجنيب نفسه هذه السلبيات. هذا طموح جميل، لكنه لا يتحقق. قد يحصل ذلك من باب الاستثناء، لكن العالم مليء بالناس العاديين، الذين يديرون العالم، وخير شاهد على ذلك، تاريخ الأديان في المجتمعات المختلفة.
ما السبب وراء انحراف رجال الدين اليهود والميسحيين؟ من المؤكّد أنّ أحد الأسباب ارتزاقهم على الدين؛ فقد كانت لهم مصالح مشروعة كما لسائر الناس، وهم أيضاً في حاجة إلى الطعام والملبس والمسكن والسمعة والمكانة، ويرغبون بها. لكن حين أصبحت الحقيقة في خدمة تلك المصالح ووسيلة لتوفيرها، تضرّرت بشدّة. فنادراً ما يرى أحد حياته وسلطته وثروته وشغله ومعاشه عرضة للخطر ويبقى حرّاً ولا يتماشى مع الناس ولا يفدي الحقيقة في سبيل مصلحته.
قد يقال بأنّ جميع المتخصصين يرتزقون من خلال اختصاصهم، وهذه الطريقة عامّة، فالأطباء أيضاً يرتزقون بمعالجة المرضى، وهذا الأمر لم يضر لا بطبابتهم ولا بتقدم علم الطب، ولم ينتقدهم أحد لذلك.
عناصر التمييز بين رجال الدين وسائر المهن الأخرى ــــــــ
هذا الأمر صحيح، لكن يجب أن لا نغفل فارقاً مهماً بين الأمرين، وهو أنّ عمل الأطباء (وبصورة عامّة جميع متخصّصي العلوم غير الدينية) مراقب من قناتين:
1 ـ جماعة الأطباء.
2 ـ نتائج أعمالهم. وهذه المتابعة والمراقبة تمنع أن يطرأ الفساد على عملهم.
الطبيب يتعلم في مجتمع علمي متخصّص، ويخضع لرقابة وإشراف وتقييم، فجميع الحرفيين بمن فيهم الأطباء، يجب أن يتبعوا المعايير العلمية السائدة في عصرهم لأجل بلوغ شأن حرفي ـ اجتماعي مقبول، والاحتفاظ به. وفقط في هذه الحالة يعترف المجتمع العلمي بهم، ويؤيّد مكانتهم العلمية والحرفية. فإذا عدل طبيب عن المعايير والطرق العلمية المتّبعة في عصره، فسوف يخسر مكانته وسمعته المهنية وتأييد المجتمع الحرفي له. هذه الصيغة من المتابعة والرقابة قائمة بين رجال الدين أيضاً. لكن سائر الأصناف تحظى برقابة أُخرى، وهي متابعة الناس للآثار الدنيوية لعلم متخصّصيها (من قبيل الأطباء، المهندسين، النجّارين…). فحين يمرض الناس يراجعون الأطباء، وإن لم يتمكن الطبيب من معالجة أمراضهم يخسر موقعه الاجتماعي ومكانته الحرفية. فلا يمكن أن يتصرف الأطباء كيفما يحلو لهم، ويصفوا أي دواء شاؤوا، ويتقاضوا أي أجور رغبوا، دون التوصّل إلى أي نتائج مطلوبة، ثم يحتفظون بتقدير الناس لهم ويحفظون مصالحهم، فمصالح الأطباء متوقّفة على مصالح الناس. وإن لم يتمكّنوا من تلبية طلبات الناس المشروعة، فسوف يخسرون موقعهم ومكانتهم. هذا الشكل من المراقبة مهم جداً؛ لأنّ أصحاب الاختصاصات المختلفة قد يؤيّد بعضهم بعضاً بسبب المصالح الصنفية المشتركة، وحتى في بعض الموارد قد يضحّون بالحقيقة. لكن لو تابع الناس أمرهم، فلا يمكنهم التفكير بمصالحهم الضيّقة فقط. فلو راجع المرضى الأطباء ولم يشفوا، فسوف يفقد المجتمع الطبي مكانته وموقعيته بصورة تدريجية.
أما بالنسبة لرجال الدين فالمتابعة من النوع الأوّل ممكنة، وكل المشكلة تكمن في أن الرقابة من النوع الثاني غير ممكنة. والسبب هو أنَّه ليس للآراء الدينية والفقهية نتائج دنيوية خاضعة للتجربة، فآثارها تظهر في العالم الآخر، فصداها كصدى انكسار القلب لايسمع إلاّ في ذلك العالم. انطباق حكم على الواقع أو عدمه لايظهر إلاّ في ذلك العالم. الفقهاء أنفسهم يقولون إنّ الأحكام الفقهية أحكام ظاهرية، أحكام نتجت عن أخبار آحاد، وفي ضوء القواعد الأُصولية، التي هي أيضاً نتاج بشري محض، جائز الخطأ، لا يمكننا تمييز الصحيح وما هو مراد الشارع ودخيل في السعادة الأبدية بين الفتاوى المختلفة للفقهاء والآراء المختلفة للمفسرين وعلماء الأخلاق؟ ولايتضح ذلك إلاّ في عالم الآخرة، كما يقول القرآن الكريم: {وإنّ رَبّكَ ليَحكم بَينَهُم يوم القيامة فيما كانوا فيه يَختَلِفون} ] النحل: 124[.
إذن، الرقابة التي يقوم بها الناس على عمل الأطباء، لا يمكن القيام بها على عمل الفقهاء والمفسرين و… . في مثل هذه الظروف قد لا تصل الرقابة الداخلية من قبل أفراد الصنف إلى النتيجة المطلوبة، وبمرور الزمن يحتل الدفاع عن المصالح الصنفية والذاتية مكن الحقيقة التي لا يمكن الإشراف عليها ومتابعتها. وهذا البيان هو تعبير آخر عمّا أوردته في <الحوزة والجامعة، وهم الوحدة والواقع المأزوم>([8])، حيث قلت: إنّ المؤسسة الدينية ـ وبسبب طبيعة نظام تعليمها ـ لا تتيح المجال للرقابة الخارجية، بينما الجامعة تفتح الطريق أمام مثل هذا النوع من الرقابة.
أعتقد أن في مثل هذه الحالة التي تتعذر معها الرقابة الخارجية من قبل الناس، يجب التوصل إلى طريقة تفك بين الدفاع عن الحقيقة الشرعية والدفاع عن المصالح الشخصية، ونفصل هذين الأمرين بصورة كاملة، كي لا يضطر رجل الدين إلى اتباع القول المشهور والرائج، والتكلم بحسب ما يحلو لسائر أعضاء صنفه، من أجل استمرار معاشه، أو حفظ مكانته وموقعه المهني، أو خوفاً على سمعته وعمله ورفاهه.
إن أمر الدين والحريّة الفكرية أكبر من أن يقع تحت وطأة مصالح عاجلة أو آجلة لجماعة أو فرد، أو تحسينهم وتقبيحهم. فما إن يقترن بالاكتساب للرزق والمعاش، يحول إلى مهنة، وما يتضرر هنا هو الدين بعينه لا رجال الدين. فما تدعي المؤسسة الدينية الدفاع عنه، أي الشرع، يندثر بسبب هذا الدفاع نفسه؛ فللأحرار فقط الدفاع عن الدين، إذ في ظل هذه الحرية فقط يستطيع هؤلاء الادعاء بأنّ ما يتحملونه ويبذلونه ويقولونه، لا تعتريه شائبة الدفاع عن المصالح الذاتية. وهذا هو سرّ نجاح الأنبياء، حيث كانوا يقدمون نعمة الهداية دون أيّ مقابل أو منّة، كما يقول الشاعر مولانا الرومي:
لو كان للميزان طمعٌ بما يزنه، متى قال الحقيقة ووصف الوزن كما هو
لو أصبح للمرآة طمعٌ، فسوف تكون من المدلسين والمحرّفين
كل الأنبياء قالوا لأقوامهم بخلوص: إننا لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً
بل أنا دليل لكم والرب هو المشتري، وهو دفع لي أجور الدلالة عن العالمين([9]).
مواقف كبار العلماء من الارتزاق بالدين ـــــــ
يتسبّب اقتران الدين باكتساب الرزق والمصالح المشروعة وغير المشروعة بخسائر فادحة للحياة الدينية، وهذا المسألة جاءت في حديث كثير من رجال الدين أنفسهم وشكلت أولى اهتماماتهم. لو راجعنا كتب آداب التعليم والتعلم، لوجدنا الإشارة إليها، كما نجدها في الوصايا التي قدمت لطلاب العلوم الدينية. على سبيل المثال أذكر لكم بعض هذه الوصايا.
أحد الأمثلة الحيّة توجيهات الإمام الخميني للعلماء بأن لا يخرجوا عن السيرة الحوزوية ولا يكونوا من طلاب الدنيا. يمكن تفسير هذه الوصية على نحوين، هما كونوا زهّاداً كي تحفظوا مكانتكم عند الناس. وهذا زهد دنيوي لا ديني، ومن الصعب حمل كلام الإمام على هذا المعنى، لكن يمكننا تقديم تفسير ديني لهذه الوصية. بناءً على التفسير الثاني تكون مطلوبية الزهد لا لاكتساب مكانة عند الناس، بل لأنّ على رجل الدين العيش الذي يتضح معه أنه لا يرتزق بالدين. لا يجوز لأحد تأمين مصالحه، حتى المشروعة منها بالدين. ومن الواضح أنّ الزهد مسؤولية جميع المسلمين ولا يختص بجماعة دون أخرى؛ فجميعنا يجب أن نكون زهّاداً قدر استطاعتنا. لكن زهد علماء الدين لـه معنى آخر ومنافع أخرى، وهو أنهم إن لم يكونوا زهّاداً فسوف يسحق الدين بيد الذين يرتزقون به.
المثال الآخر أنقله من كتابات الغزالي. يقول الغزالي في كلامه عن التوكل: إنّ الاهتمام بالرزق قبيح من جميع المتدينين، ومن العلماء أقبح([10]). يعتقد الغزالي بأنّ على العلماء التدريس، والعبادة،ووعظ الناس، وأداء سائر تكاليفهم الدينية دون أدنى خوف على معاشهم. يجب أن يتوكلوا على الله ويكونوا واثقين من أنَّ الرزّاق سوف يكفيهم.
انتقدت مفصلاً هذا الفهم الصوفي من مفهوم (التوكل) في شرح رسالة أمير المؤمنين إلى والده([11]). وبيّنت في ذلك المبحث أنّ مقتضى هذا الفهم من التوكل هو إيكال عملنا إلى الله، بينما المعنى الصحيح من التوكل هو إيداع عمل الله، لا أن نترك عملنا له. تصرّفات المتدينين في هذا الخصوص مضطربة؛ فهم من ناحية يتركون بعض تكاليفهم لله ولا يقومون بها، ومن ناحية أُخرى يرتدون الرداء الربوبي ويتصرّفون في التاريخ وتقدير البشر مكان الله.
لقد روّج الغزالي هذا المعنى الخاطئ من التوكل. ولا أريد مناقشة هذا المعنى هنا، لكن أُريد الإشارة فقط إلى سبب اعتبار الغزالي طلب الرزق من علماء الدين أقبح. السبب هو أنَّ العالم الديني لكونه عالماً دينياً يجب أن يعيش بشكل لا يتضرر الدين بطريقة عيشه؛ الانشغال بكسب المعيشة عبر الدين من ناحية يضرّ الحقيقة الدينية، ومن ناحية أُخرى يقويّ شبهة امتزاج الحقائق الدينية بالمصالح الذاتية والمهنية. كذلك حين ينهى الغزالي عالم الدين عن التباهي والتفاخر والتظاهر والمراء والجدل و… فهو في الحقيقة يشير إلى هذه النقطة الخطيرة، وهي أنَّ العلوم الدينية لا يجوز أن تستخدم لأيّ غرض بما في ذلك المصالح المشروعة في الحياة([12]).
أنتقل إلى النموذج الثالث عن كتاب آداب المتعلمين الذي جاء في حاشية كتاب جامع المقدمات([13])، وهو أوّل كتاب يدرسه طالب العلوم الدينية (في الحوزة الشيعية الإيرانية). يقدم الكتاب أساليب كثيرة لازدياد الرزق،وقد تثير عجب القارئ اليوم، لكن إذا التفتنا إلى مخاطب ذلك الكتاب، ولماذا يعلمهم هذه الأمور؟ فسوف ندرك أهميته ومعناه. أنقل لكم عبارة: لابدّ لطالب العلم من التوكل، وعدم الاهتمام لأمر الرزق، وإن لا يشغل قلبه بذلك ويصبر([14]).
أكرر أنّ هذا المعنى من التوكل خاطئ، لكن المهم هو ملاحظة خلفية هذه الوصايا وفلسفتها. وهي أنّ العلم الديني لا يجوز أن يصبح مصدر رزق لأحد؛ فلا يجوز لطالب العلوم الدينية توخي بلوغ الأمان والرفاه الاقتصادي والمكانة الاجتماعية والسياسية عبر الدين، فينبغي أن يكون الدين من أجل الدين، لا المكاسب الدينية والسياسية والاجتماعية. هذه نقطة مهمة جدّاً، تكشف عن الحرص على الدين. ولنلاحظ الآن الطرق التي يقترحها الكتاب لزيادة الرزق. يقول في الفصل الثاني عشر:
ثم لابدّ لطالب العلم من القوّة والصحّة ليكون فارغ البال في طلب العلم، وفي كلّ ذلك صنّفوا كتاباّ، فأوردت البعض هيهنا على الاختصار. قال رسول الله‘: لا يزيد في الرّزق ولا يردّ القدر إلاّ الدعاء ولا يزيد العمر إلاّ البرّ. فيثبت بهذا الحديث أنّ ارتكاب الذنب يسبّب حرمان الرّزق، خصوصاً الكذب يورث الفقر، وقد ورد حديث خاص بذلك. وكذا الإصباح جنباً يمنع الرزق، وكذا كثرة النوم، ثم النوم عرياناً، والبول عرياناً، والأكل جنباً، والتهاون بسقاط المائدة، وخرق قشر البصل والثوم، وكنس البيت في الليل، وترك القمامة في البيت، والمشي قدّام المشايخ، ونداء الأبوين بإسمهما، والخلال بكلّ خشبة، وغسل اليدين بالتراب والطّين، والجلوس على العتبة، والاتكاء على أحد زوجي الباب، والتوضؤ في المبرز، وخياطة الثوب على البدن، وتجفيف الوجه بالثوب، وترك بيت العنكبوت في البيت، والتهاون في الصلاة، والإسراع في الخروج من المسجد، والإبجار في الذّهاب إلى السوق والإبطاء في الرّجوع منه، وشراء كسرة الخبز من الفقراء السّائلين، ودعاء الشّر على الوالدين، وترك تطهير الأواني، وإطفاء السّراج بالنّفس، كل ذلك يورث الفقر، عرف ذلك بالآثار، وكذا الكتابة بقلم معقود والإمشاط بمشط مكسور([15]).
من الواضح أنّ القارئ المعاصر لا يعتني بكثير من هذه الوصايا، ولا يقبل أنها تكفل عيشه، أو على الأقل يشكل معقوليتها، فعلى سبيل المثال ما علاقة إطفاء السّراج بالنفس بالفقر وضيق المعيشة. لكن المهم هنا، ليس صحة هذه الوصايا وبلوغها الهدف أو عدمه، بل المهم هو همّها المشترك، أي أنه لا يجوز الارتزاق عبر الدين، فعلماء الدين إمّا أن يجدوا لأنفسهم طرقاً أخرى لكسب المعيشة، أو يتحملوا الفقر والضيق. يشهد التأريخ على أنّ بعض علماء الدين عاشوا في منتهى المشقة. وهذا هو مقتضى رسالتهم. فإذا كان البعض لا يستطيع أو لا يريد تحمل المشاق والضيق، فعليهم توفير متطلباتهم عن طريق آخر، ولا يتصوروا أن لهم ضمان دنياهم وآخرتهم (بصورة كاملة أو نسبية) من خلال الدخول في العلوم الدينية وسلك رجال الدين. فأمر الدين عمل العشّاق لا الكسبة. وعلى حدّ تعبير الشاعر الفارسي، حافظ شيرازي، العشّاق فقط يتمكنون من التكبيرات الأربع على كل شيء، فهو يقول:
حين توضّأت من عين العشق، كبّرت أربعاً على كل ما هو موجود([16]).
وفي بيت آخر يقول:
لا يجوز اكتساب المكانة والمال من خلال الدين، فكل من سوّلت لـه نفسه هذا الأمر يجب أن يطهّر نفسه في البحر([17]).
للعاشق المولع أن يوقد لوحده نداء الوحي في النفوس والقلوب، أكثر مما يفعل ألف كاسب محترف. استخدام الوعّاظ، وتربيتهم، وكفالة حياتهم قبال نشر أفكار وعقائد معيّنة، لا ينسجم إطلاقاً مع حريّة الفكر والعمل التضحوي الديني. بذل العائدات الشرعية في هذا الخصوص أيضاً غير صحيح، ومن أبرز نماذج الخطأ في تشخيص الموضوع. (العمل الذي تقوم به الوهابية وغيرهم، ولا ينتهي سوى إلى الجدل والتفرقة).
الدين أمانة يجب أن يوصلها العلماء إلى أصحابها، ولا يتمكنون من تأدية الأمانة إلاّ إذا ترفّعوا عن أدنى درجات الطمع فيها؛ فمن غير المعقول أن نضع شخصاً في ظرف يدفعه إلى بيع دينه من أجل دنياه، ثم نوصيه بأن لا تبيع دينك من أجل دنياك. كما يوصف الحال الشاعر الفارسي: ربطني بين البحار السبعة، ثم يقول كن شاطراً ولا تبتّل!
ينبغي توفير مناخ لا يضطر المرء معه إلى بيع دينه من أجل دنياه لتوفير مصالحه المشروعة (فالمصالح غير المشروعة ليست محل بحثنا)، أو الغضّ عن حقّ، أو السكوت أو الإقرار بغير وجه حقّ، أو الخوف من إبداء الرأي، والاضطرار لمسايرة الجماعة. لتنفيذ الوصايا الأخلاقية يجب أن تكون الظروف مساعدة، فمن يعش وساوس السرقة دائماً، لا يمكنه الالتزام بالأمر الأخلاقي الذي يقول: (لا تسرق).
قد يكون هناك من باب الاستثناء أناس أتقياء لا يقعون فريسة الوساوس، يفصلون حساب الدين عن الدنيا، لكن مثل هؤلاء الأفراد نادرون حقاً، ولا ننسى أنّ الدنيا يملؤها العاديون.
أنقل لكم النموذج الرابع عن كتاب المحجة البيضاء للملا محسن الفيض الكاشاني، وفي الحقيقة هو كلام الغزالي، لكنّ الفيض يؤيّده:
<الثانية: أن يقتدي بصاحب الشرع‘ فلا يطلب على إفاضة العلم أجراً، ولا يقصد به جزاءً ولا شكوراً. بل يعلم لوجه الله تعالى وطلباً للتقرّب إليه، فلا يرى لنفسه منّة عليهم وإن كانت المنّة لازمة عليهم، بل يرى الفضل لهم إذا هذّبوا أنفسهم لأن يتقرب إلى الله بزراعة العلوم فيها. كالذي يعيرك أرضاً لتزرع فيها لنفسك زراعة، وانظر كيف انتهى أمر الذين يزعمون أنَّ مقصودهم التقرب إلى الله عزّ وجلّ بما هم فيه من علم الفقه والكلام والتدريس فيهما وفي غيرهما، فإنّهم يبذلون المال والجاه ويتحمّلون أصناف الذلّ في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات. ولوتركوا ذلك لتركوا ولم يختلف إليهم أحد. ثم يتوقع المعلّم من المتعلّم أن يقوم في كلّ نائبة وينصر وليّه ويعادي عدوّه وينتهض جهاراً في حاجاته مسخّراً بين يديه في أوطاره. فإن قصّر في حقه ثار عليه وصار من أعدى أعدائه فأخسِس بعالم يرضى لنفسه بهذه المنزلة ثم يفرح بها، ثم لا يستحيي من أن يقول: غرضي من التدريس نشر العلم تقرُّباً إلى الله عزّ وجلّ ونصرة لدينه([18]).
وللشهيد الثاني كلام لطيف في هذا الخصوص في كتاب (منية المريد). ومغزى كلام الغزالي والفيض والشهيد الثاني هو أنَّ طلب العلوم الدينية يجب أن يكون من أجل الدين فقط، ولا يجوز جعله طريقاً لبلوغ سائر المقاصد المشروعة؛ فمتى ما استخدم الدين لأهداف أُخرى، ابتلي الدين وعلماؤهُ بالآفات.
حاصل الكلام أنّ مصدر الارتزاق يجب أن يكون من خارج الدين، ومن يمكنه تأمين حياته من مصادر أُُخرى، يستطيع دخول هذا الوادي. قد يتضاءل في هذه الحالة الإقبال على الحوزة وارتداء زي رجال الدين، لكن الإخلاص سوف يجبر القلّة؛ فكم من محفل غاص بالناس، رآه العارفون خالياً([19]).
الارتزاق عبر الدين يصنع تدريجاً مؤسسة همّها الحفاظ على نفسها، ما قاله العظماء حول سبل ارتزاق رجال الدين، والطرق التي اقترحوها لكسب المعيشة، يكشف عن مبدأ مهم، وهو أنّ تحمّل كلّ عسر من أجل الدين جائز.
لا حلّ لمعضلة رجال الدين والبحث في الأمور الدينية إلاّ عن هذا الطريق، أي أنّ يتكفل جماعة بمعيشتهم، ويقومون هم بدراسة الدين وإشاعة حقائقه في منتهى الحريّة والشجاعة. في مثل هذه الحالة لا يبقى سوى المخلصين والمحبين؛ فهؤلاء وإن قلوا عدداً، لكنهم كثروا كيفاً، وفي مثل هذه الحالة سوف تتشكل جماعة علماء الدين، لا صنف رجال الدين. هذه المسألة تشمل رجال الدين الحكوميين من السنّة وغير الحكوميين من الشيعة على حدّ سواء؛ لأنّ كليهما في خاتمة المطاف يرتزقان عبر الدين؛ فالفارق الذي ذكره الشيخ مطهري من أنَّ رجال الدين السنّة يرتزقون من السلطة، أما الشيعة فمن العوام؛ فليس الأساس في كونهم يرتزقون بصورة مباشرة من الناس([20])، بل لأنّهم جعلوا الدين وسيلة كسب رزقهم، وما لم يقطع هذا الطريق، جميع المشاكل التي آلمت قلب ذلك الإنسان الحنون فسوف تبقى على حالها.
لا يجوز اعتبار علماء الدين وطلبة العلوم الدينية كأساتذة الجامعات وطلابها، حيث يتمتعون بمخصّصات مالية ويعتاشون على شهاداتهم ومعلوماتهم؛ فهذان صنفان من طلب العلم، بماهيتين متفاوتتين، وهدفين مختلفين.
هل تتحقق حرية رجل الدين بالارتزاق من زعماء المؤسسة الدينية؟! ـــــــ
العجيب أنّ الشيخ المطهري يقترح أن تكفل مؤسسة رجال الدين حياة جماعة من الخطباء والوعّاظ وتربيتهم بطريقة صحيحة، كي لا يتقاضى هؤلاء أجراً على رسالتهم، ويكونوا أحراراً في تفكيرهم([21]). يجب أن نقول لـه: «لشديد الأسف هذا الدواء زاد في صحّة مريضك سوءاً». هل بهذه الطريقة سوف يعيش هؤلاء أحراراً، ويفكرون بحرية؟ حين تكون حياة شخص رهينة بيد مؤسسة رجال الدين، كيف يتسنى لـه أن يفكر بحرية ويتكلم خلاف إرادتها؟ كم شخص يمكنهم إزاحة السنن البائدة، دون الخوف على معيشتهم؟ أو ليست هذه الطريق نفسها التي يسلكها اليوم الوهابيون ودعاة سائر المذاهب، ويزرعون الفتن في كل مكان، ويهاجمون مخالفيهم بكل قسوة دون أدنى تأمّل لمحض اتباع مؤسستهم، ويبلون الدين السماوي السمح بأشنع وأقسى التصرفات الأرضية؟!.
يذكر الشيخ المطهري نفسه، مسألة قطع أصل ظاهرة ارتزاق طلاب العلوم الدينية بالدين كأحد الحلول ويرفضه. ويقول: إن لم يتقاض أصحاب النبي أجراً على تبليغ الدين، لا يعني ذلك أننا اليوم نعمل بنفس الطريقة؛ لكن كما ذكرت إنَّ هدفنا هو الحفاظ على حريّة علماء الدين، لا اتباع سيرة الأصحاب.
تبقى نقطة أُخرى يجب التنبيه عليها هنا، وهي أنَّ الدين موهبة ونعمة إلهية عامّة، تشمل العالم وغيره. وجميعنا مسؤول عن حفظ هذه الأمانة، فإن حدث انحراف في فهم الدين أو إبلاغه، وقام جماعة بالدفاع عن مصالحهم الذاتية والمهنية ـ وإن كانت مشروعة ـ بدل الدفاع عن الحقيقة، لا يحاسب الله هؤلاء فقط. لا يجوز القول بما أننا لسنا من علماء الدين، ولم نرتدِ زيهم، ونحن مستهلكون للمعارف الدينية فحسب، فلا مسؤولية على عاتقنا، بل علينا جميعاً اكتشاف الثغور والقنوات التي تلوّث هذه النعمة العظمى. على الناس أنفسهم مراقبة علماء الدين؛ فأي طائفة تركت لحالها ولم تتعرض للانتقاد والإصلاح، فقدت صوابها.
أطروحــتي الخاصّة في حلّ معضلة الحرية والارتزاق ـــــــ
قبل أن أُنهي المقال، عليّ تحديد فوارق نظريتي عن كلام الآخرين، لقد طرحت آراء كثيرة حول الدين وعلمائه عبر التاريخ. فقد تحدث الملحدون والمؤمنون في هذا المجال. والسبب أن الدين أمر خطير، لا يمكن التغاضي عنه. من لا يعتقد بالدين نهائياً، يتصوّره متجراً فتحه جماعة من الدجّالين لابتزاز عوام الناس. دجّالون يعيشون دنياهم باسم الدين، ولأجل رواج بضاعتهم واستمرار معاشهم، يغرقون الناس في الجهالة أكثر فأكثر.
الجميع يعرف هذه الفكرة الماركسية، حيث تعتبر الدين أمراً طارئاً يستغله الأقوياء لاستنزاف الطبقات المحرومة. يقول ماركس: لو سلبت أصول المسيحية السبعة عشر جميعاً من الرهبان لما استاؤوا بقدر ما لو سلب منهم جزء من سبعة عشر من أملاكهم، أي أنَّ رجال الدين جماعة من الدجّالين يستخدمون الدين للصعود وكنز الأموال. يعتقد هؤلاء بأنّ إصلاح المجتمع لا يتم إلاً عبر اجتثاث الدين منه، وهذا الفهم من الدين، فهم مجحف ومتجاهل لضروته، ولا يمنحه نصيباً من الحقيقة. ومن الواضح أنّ كل ما قلته حول طريقة ارتزاق رجال الدين وحريّتهم، وعزّة الدين لا يمتّ بصلة لهذه الأفكار الملحدة لماركس وأتباعه.
تكلم بعض بحسن نيّة عن علماء السوء واستغلالهم للدين والمصادر الدينية والروايات أيضاً أشارت لهذا الأمر([22])، كما كشف عدد من المفكرين في المجتمعات المتدينة بعض هذه الحالات ودار الحديث كثيراً عن علماء بلا عمل أو (زهّاد مراؤون) وعلماء يبيعون دينهم لدنياهم. الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي كان من أكثر الذين تكلموا في الثقافة الفارسية حول آفات المجتمعات الدينية.، حيث يقول في بعض أشعاره:
هؤلاء الوعّاظ الذين ترون تظاهرهم على المنبر وفي المحراب، حين يخلون بأنفسهم يقومون بأعمال أُخرى.
كأنهم لا يصدقون بوجود يوم للحساب، فيتلاعبون هكذا بأوامر الحكم([23]).
النفاق واستغلال الدين لا يتوقف على علماء الدين، بل يشمل حتى الزهّاد والمتصوّفة:
عليك بالله قلل من مجالسة الزهّاد، ولا تخف وجهك عن أهل الدنيا
فهذه الخرق التي يرتدونها ملوّثة، ويا ليتها كانت مثل رداء بائعي الخمور([24]).
إنَّ انتقاد حافظ لرجل الدين والوعّاظ والمتصوفة، انتقاد شخص محب؛ فحتى لو لم نعتبره من عرفاء الطراز الأول، على أقل تقدير كان من المؤمنين بحقيقة الدين. إذ كان يرى بأمّ عينه كيف أنّ حقيقة الدين تداس تحت أقدام مجموعة من المرائين، ويتألم لذلك ويسعى جاهداً من أجل تخليص الدين من مخالب هؤلاء.
اعتقد أنّ (حافظ) كان من خدمة المجتمع الديني، وعالج آلامه كطبيب حاذق، وأعتقد بأننا اليوم بحاجة لأمثال حافظ، حيث يكشف نواقص المجتمع الديني ببعد نظره، ويتكلم عنها بتلك الفصاحة والبلاغة. لكن على الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من فطنة حافظ وتشخيصه الحاذق وإخلاصه، كلامي حول عزّة علماء الدين وحريّتهم ليس من هذا القبيل.
شكا حافظ من التظاهر، والنفاق، والتكبر، والعجب، والرياء، والتزوير، وغرور المتصوّفة، والزهّاد والفقهاء، لكنّي أتحدث عن اختلاط الدفاع عن الحقيقة الدينية والدفاع عن المصالح الذاتية والمهنية المشروعة، أي لا أرى المشكلة في التزوير، والعجب، والنفاق، بل المشكلة في أصل وجود مؤسسة مبنية على الارتزاق بالدين، فتلك العيوب ناتجة عن قابلية هذا البناء للانحراف؛ فالحديث هنا ليس عن انحراف رجال الدين، بل عن بناء منحرف.
كما أنّ كلامي يختلف عما طرحه الدكتور شريعتي؛ فهو أيضاً تحدث طويلاً عن هذا الموضوع، وكان يعتقد بأنّ طوائف ثلاثاً تكاتفت لتأدية دور واحد، لكن كلٌّ حسب طريقته. هؤلاء الثلاثة يشكلون مثلث السلطة والثورة والتزوير، أو السيف والذهب والمسبحة، وهم: أهل السلطة والثروة والمتظاهرون بالدين. يقوم هؤلاء بعمل واحد، وهو تحميق الضعفاء واستنزافهم, علماً أنّ شريعتي لا يعادي علماء الدين، وبعض الأحيان يستخدم تعابير لطيفة في وصفهم. لستُ في صدد نفي كلامه على رجال الدين أو إثباته . لكن أشير بصورة سريعة إلى أني أجد تعبير «التزوير» للإشارة إلى رجال الدين في كتاباته مبالغاً فيه، وكما ذكرت في مقال «العلم والعدالة»، وضع مصطلح «التعليم» بدل «التسبيح والتزوير» يبقى أدق؛ لأنّ جذور المشكلة تكمن في احتكار العلم والمعرفة وعدم توزيعهما بعدالة، وإذا كان في الماضي ملالي (حسب تعبيره) خزنة العلم، فقد كثر اليوم هؤلاء المدعون. ثم إن الكلام ليس عن التزوير المقصود من قبل رجال الدين، بل عن الظلم غير المقصود للدين نفسه. الحديث يدور عن الدين الذي أصبح متاعاً، ولذلك تحوّل إلى أداة تفرقة وتلاشي عزّة علماء الدين وحرّيتهم. وأعتقد أنّ علاج المشكلة لا يتم إلاّ عبر فصل التديّن ودراسة الدين، عن مظاهر الاستمتاع الدنيوية، بحيث لا تبقى أيّة رابطة ولو خفيفة أو جماعية بين الأمرين.
كما أّن حديثي ليس صوفياً ككلام الغزالي، حيث يرتكز على سطحية الفقهاء وإعادتهم إلى الطريقة والحقيقة. فحتى لو أصاب في كلامه، الموجّه إلى سوء فهم رجال الدين لـه، وإفراطهم في المنقولات وفي الأوامر والنواهي، وعدم التفاتهم لحقائق الروح الإنسانية وروح الشريعة. فهذه المشكلة على أيّ حال قد يُبتلى بها عالم الدين، سواء ارتزق على الدين أو لم يعتش عليه. فكلامي في هذا المقال (أي مسألة الارتزاق عبر الدين) يتناول جميع رجال الدين، سواء أكانوا سطحيين أم لا.
ولا بأس أن أشير هنا إلى أني لا أقصد من الارتزاق تحصيل المال والأرباح فقط، بل تشمل أيّ نوع من المتع الماديّة والمعنوية. فبلوغ السلطة باستخدام الدين لا يختلف عن اكتساب الثروة به. لا يجوز جعل الدين أداة لتحصيل الدنيا. على المتدين السعي لتوفير متطلبات عيشه كسائر الناس. ولا يجوز أن يصبح التديّن والتقوى أداة لتوفير فرصة أو جاه لأحد، وإن كان مشروعاً. كما لا يجوز تأسيس مؤسسة يتحوّل فيها العلم والقداسة الدينية إلى رصيد لجمع الغنائم وامتلاك السلطة. يجب التأسيس على التقوى والتديّن، لكن لا يجوز استعمالهما كأداة لنيل منافع أخرى. لا يجوز بيع الحريّة بأي ثمن كان. حريّة علماء الدين أوّل ضحايا مؤسسة العلم الديني، وأوّل نتائجه إطلاق يد المزوّرين والجهلة.
وأشير في الختام إلى أنّ الحكم الفقهي القاضي بحرمة أخذ الأُجرة على التعليم وأداء الواجبات، وإن كان يؤيّد بعض مدّعيات هذا المقال، لكنه ليس بمعنى كلامي. فقد يعتبر الكثيرون أنّ الوعظ والإرشاد الذي يقومون به ليس من مقولة الواجبات الشرعية، وعلى هذا يمكن أخذ الأُجرة لهم. القضية هي أنه لا يمكن تولي أمر هداية الضالين بشرط ضمان مستلزمات الحياة. فالهداية فعل الأبطال والمؤثرين، وكلام هؤلاء فقط يؤثر في نفوس الناس.
وإن تجاوزنا هذا، لا يبقى لدينا سوى حديث محافل البطالين، والتكلم حسب إرادة جماعة من المغفلين، وأتباع أصحاب الثروة والسلطة بكل جبن وطمع، والحديث حسب الساعة، والتحدث أو الكف عنه حسب المصلحة، وحسب العائد والربح الذي يحقق كسب المعرفة وإعطاء الموعظة و … . المعرفة الدينية والعلم الديني بشري تماماً. لكن خلافاً لسائر المعارف البشرية، مؤسسته لا تقويه أو تجعله دينياً بدرجة أكبر؛ فينبغي الاجتناب عن هذا القياس الباطل.
كلي أمل أن ينظر علماء الدين المنزهون عن الطمع فيه، ومن ليست لهم مكاسب دنيوية عبر استغلاله، في هذا الحديث عن بصيرة، ويستفيدوا منه استقلالهم بشكل كامل، ففيه ما ينفع أهل التدبّر ويزيد من استهزاء المستهزئين. أُنهي كلامي، وابتهل في الختام إلى الله أن يفتح أبواب رحمته علينا، ولا يرفع يد رحمته عن هذه الأمة.
الهوامش
(*) مفكر إيراني معروف، وأشهر منظري الإصلاح الديني في إيران. طرح ـ وما يزال ـ سلسلة من النظريات التي أثارت جدلاً واسعاً، كان آخرها حول الإمامة والوحي.
([1]) دمج وتلخيص لمحاضرتين من محاضرات <المجددون> التي أُلقيت في مسجد الإمام الصادق× في 20 و27 / 10/ 1994م.
([2]) رسالى إلى أبي، لمخاطبين معروفين: 8. كذلك: إسلام الغد لن يكون إسلام الملالي، وسوف يتغيّر إسلام قم ومشهد أيضاً: 141.
([3]) ينقل ذلك عن العالم الفرنسي المستسلم، فنسان مونته.
([4]) بيّنت هذه النقطة مفصلاً في مقال <شريعتي والشريعة>.
([5]) جميع الإحالات في هذه المقالة لكلام الشيخ مطهري منقولة عن مقال <المشكلة الأساسية في مؤسسة رجال الدين> له، الذي طبع أولاً في كتاب <آراء حول المرجعية ورجال الدين> 1996م، وفي (عشرة محاضرات) من نشر حكمت.
([6]) مقال <مشكل أساسي در سازمان روحانيت>.
([7]) جاء هذا المضمون أكثر من عشرين مرّة في القرآن الكريم على لسان نبي الإسلام أو سائر الأنبياء، وأنهم لا يريدون أجراً من الناس: {قُل لا أسألكُم عَليهِ أجراً} ومكافأتهم هي قبول الهداية من قبل الناس.
صاغ الشاعر الرومي مولانا هذا المعنى في إطار شعر، قال فيه:
نحن أطباء حاذقون لأننا طلاب المسيح، فكم من ميّت نفخنا فيه الروح
نحن أطباء إلهيون ولا نريد أجراً من أحد؛ لأننا طاهرو الباطن، ولسنا طماعين أو محتالين
انظر: كليات شمس، الغزل رقم 1474.
([8]) راجع: نصوص معاصرة، العدد الثاني عشر.
([9]) المثنوي، الدفتر الثاني، الأبيات 574 ـ 577.
([10]) إحياء علوم الدين، ربع المنجيات، كتاب التوحيد والتوكل.
([11]) عبد الكريم سروش، حكمت ومعيشت، الدفتر الأول، نشر مؤسسة فرهنكي صراط.
([12]) إحياء علوم الدين، ربع العبادات، كتاب العلم.
([13]) جامع المقدمات، تصحيح وتحقيق: محمد محمدي القائيني، انتشارات دار الفكر: 19ـ33.
([16]) ديوان حافظ شيرازي، الغزل: 24.
([18]) المولى محسن الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء 1: 120 و121 نشر مكتب النشر الإسلامي لجماعة المدرسين بحوزة قم العلمية.
([19]) المثنوي، الدفتر السادس، البيت 866.
([20]) مقالة «المعضلة الأساسية في مؤسسة رجال الدين»
([22]) من قبيل الآية الكريمة من سورة التوبة: {إن كثيراً من الأحبار والرّهبان ليَأكلون أموال الناس بالباطل}. أو الرواية التالية التي ينقلها الشهيد الثاني في منية المريد: «علماء هذه الأمّة رجلان: رجل آتاه الله علماً فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً ولم يشر به ثمناً […] ورجل آتاه الله علماً فبخل به عن عباد الله وأخذ عليه طمعاً وشرى به ثمناً» ص (29).