أحدث المقالات

حوار الإسلام والحداثة

د. كليم صديقي

يهدف هذا المقال، إلى البحث عن إمكانية الوصول إلى فصل مشترك، أو نقطة التقاء بين الحداثة والإسلام، من خلال علم اجتماع المعرفة. مع الأخذ بعين الإعتبار أن الإسلام، والحداثة يشكلان قطبين متمايزين فيما يتصل بالنظر إلى المعرفة، والحقيقة، والشعب. والنظرة الكونية للحداثة، تتميّز بالمحدودية، والنفعية، والإنشطار، إلا أننا نستطيع أن نقول: إن هناك نوعاّ من التلاؤم فيما بينهما. فالحداثة بإستطاعتها تنمية ثقافتها الموسّعة، من خلال طرق مختلفة. والإسلام يقبل بهذا التخصيب ويحوّل ذلك إلى جزء من بنائه القابل للتنمية المستمرة. وهذا لا يعني بتاتاً قبول الإسلام لكل منجزات الحداثة. إن هذا المنهج يرفض كل ما لا يتفق مع قيمه، ونظرته العاطفية، وموازينه الإجتماعية، ومعاييره لمعرفة الجمال. وفي هذا المقال نشرح بإختصار بعض المفاهيم الأساسية للحداثة والإسلام -تلك المفاهيم التي نرى أنها في تقابل قطعي فيما بينها- كي تتيسر الدراسة التطبيقية لها. ومن ثم نسعى إلى إيجاد الصلة فيما بينها، وتعبيد الطريق أمام تجديد بناء الفكر التئولوجي، والقانوني للإسلام في القضايا المطلوبة، والضرورية. ومن الواضح أن كل ما قلناه يتوقف على تعريفنا للحداثة والإسلام.

والهدف الآخر للمقال، هو إبراز تبعات إزالة القدسية عن العلم بواسطة الحداثة، وبيان صلة الدين بإنسان ما بعد الحداثة المتعطش للمعنوية. الحداثة التي هي ظاهرة متنامية، وفي حركة مستمرة- ولد منها في مقابل إنسان العصور الوسطى، إنسان الحداثة والعلماني. ومع مرور الزمن، و(بعد مخاضٍ عسير) ولد إنسان ما بعد الحداثة من رحم العلمانية – والذي كان يتصف نفسياً بعدم الركون والطمأنينية والشعور بالوحدة-. ومن وسط هذا الشقاء الروحي والمعنوي، نهض إنسان الثورة وما بعد الحداثة حتى يرجع، كما سوف نرى، إلى فكر وسلوك ما قبل الحداثة.

التراث الفكري لآدم

الحداثة والدين نظرتان مختلفتان إلى الحياة، الحداثة لها توجّه نفعي(إثباتي) علماني، وميكانيكي إلى العالم، والدين يسعى إلى تكريس نظرة كونية متعالية، مقدسة، وأخلاقية، ومؤمنة بالله. هذه الرؤية تعتبر من نتائج معرفة، تختصّ بهذه الدوائر. إن المعرفة التي تدافع عن نظرة كونية ميكانيكية، هي معرفة الحقائق الفاقدة للروح والتي تنتج من خلال التجربة الحسيّة. إن هذه المعرفة التي يبتني عليها علم الحداثة الفاقد للإله- خالية من المعنى والهدف ومحايدة أمام القيمة، وكمثال نلفت انتباهكم إلى نظرية الإنفجار الكبير، فيما يرتبط بالكون، والحياة، ونظرية التكامل الأعمى.

والمعرفة التي تدافع عن النظرية الكونية الإلهية، معرفة متعالية أظهرها الله لأنبياءه. إن هذه المعرفة -التي يبتنى عليها الدين- ذات معنى وتؤمن بالقيم. إن الهدف الذي يكمن في هذه المعرفة، يعطي للحقائق التجريبية، والحياة معناها. فالمعنى، والهدف، والقيمة هي أبعاد غير قابلة للإنفصال عن هذه المعرفة. إن الله لم يخلق الكون من أجل أن يلهو، بل خلقه ليرى من يؤدي عملاً صالحاً.

إن المعرفة سلاح فعال، للصراع من أجل الحياة. ولهداية الحياة على هذا الكوكب، نحتاج إلى معرفة الحقائق، ومعرفة القيم معاً. ولهذا السبب، زود الله الإنسان بالمعرفة الملكوتية والمعرفة الأرضية معاً. والنوع الثاني من المعرفة يلزم للمقاومة في الأرض. ولهذا لم يزود به الملائكة.

إن أهمية الإنسان تكمن في أنه رمز وحدة المعرفة الملكوتية، والمعرفة الأرضية ولا يستطيع عقل الإنسان، من دون الوحي، أن يصل إلى الحقيقة النهائية. إن الوحي يزّود المعرفة الأرضية بالهدف، ويعطي أفقاً روحانياً للحياة ودواء كل أدواء إنسان ما بعد الحداثة يكمن في هذا التراث لآدم.

 

المفاهيم الأساسية للحداثة

إن الحداثة نشأت وسط نهوض العلم الذي عمل كقوة فكرية، واجتماعية كبيرة. الحداثة انقلاب على كل سنة، وسلطة سيما سلطة الدين. إن العقل يأخذ مجال الإحساس في الحداثة. الحداثة عقلانية بمعنى أنها تبحث عن معرفة كل شيء، وطبيعانية بمعنى أنها تتولى تفسير الطبيعة الداخلية والخارجية من دون افتراض ما وراء الطبيعة.

فمن جهة تتقيد بالعقلانية، ومن جهة أخرى تلتزم بالطبيعانية. تؤكد الحداثة أن العالم (الكون) نشأ نتيجة التجاور التلقائي للقوى الكونية العمياء، من دون هدف مسبق، وفي حركة ميكانيكية، ويتكامل ومن ثم ينطلق كبالون قد انفصل عن خيطه، ليدور هنا وهناك. يكمن أساس الحداثة في علم المعرفة (الابستمولوجيا) التجريبية والعقلانية. وحسب رؤية الحداثة، فإن التجربة الحسية هي المصدر الوحيد، للوصول إلى الحقيقة. ولا صلة للوحي بالعقل كما أنه لا يعد من مصادر المعرفة إن "علم المعرفة" حسب الحداثة يميل إلى التضييق، ورؤيته إلى الحياة كليانية وشاملة. وعلى هذا الأساس، فإن المعرفة الكونية لدى الحداثة مضيقة أيضاً، وتبادر إلى تفسير جميع الظواهر من خلال المادة. وتعترف بالمادة معياراً للحقيقة مقابل الروح، إن هذه الرؤية المعرفية المضيقة تعتبر الأمر المتعالى شيئاً زائداً.

إن الرؤية المعرفية والكونية المضيّقة كما سبق، تعتبر النظرة الأحادية، والغائية سمتين أساسيتين للحداثة. وبالنتيجة فإن النظرة الكونية للحداثة محدودة للغاية، كما أنها غير متماسكة وغير كاملة، ولها نظرة كليانية إلى الحياة.

وعلى هذا الأساس، فإن النظرة المعرفية تنفصل عن النظرة الكونية (الأنطولوجية) في الحداثة، وتعطي صورة مجتزأة وغير متماسكة عن الحقيقة. الحداثة لا تستطيع أن ترى العالم في كليّته، وأن تجد صلة أساسية بين الوجود والمعرفة، لأنها لا تعتبر أن العالم مخلوق لخالقٍ متعال.

إن المعرفة التجربية، العقلانية -مصدر المعرفة والحداثة- تعتبر غير نهائية، وعلى ضوء الأبحاث التالية، تتغيّر وتعدّل. إن عصرنا هو عصر انفجار المعرفة. إن الحركية، والنشاط الذاتي للثقافة الغربية تنشأ من امكانياتها، في التكيف مع الظروف المتغيرة للحياة. ليس هناك أي شيء في داخل هذه الثقافة أو في خارجها يعد أمراً ثابتاً، وقطعياً بحيث لا يتغيّر في عالم يتغير باستمرار. الحياة كلها تغيير وسيلان. وهناك عناصر ثابتة فيها، إلا أنه في البناء المتغيّر للحداثة لا يوجد شيء ثابت على الإطلاق.

مجتمع الحداثة مجتمع عنصري. فالعصبية المتصلة باللون، والعرق، واللغة، والإقليم هي التي تحدد بناء الشعب، وتنتهي إلى الشوفينية والقومية المفرطة. وبإعتبار أن العصبية القومية تبشّر بالحرية والإصلاحات للشعب، فإنها في الحقيقة تلعب دور الإله الجديد في مجتمع الحداثة. فيما تصنّف القومية في مرتبة أعلى من الإنسانية فإنها تحدد الأفق الإجتماعي للشعب.

إن الإنسان يشكل قطب الحداثة. فالحداثة حركة إنسانية، وتعتبر الصلات الإنسانية فوق الجميع. الإنسان معيار كل شيء، ومصدر المعارف والقيم. والإنسان الذي تتحدث عنه الحداثة ليس هو الإنسان العالمي الذي يخلف النبي آدم(ع)، بل هو ذاك الإنسان القومي وثمرة النهضة (الأوروبية) الذي يتميز عن الإنسانية من خلال الحدود الفيزيقية مثل اللون والعرق واللغة الإقليم. إن برنامج الحداثة ينبني على التبشير بالحياة السعيدة في الدنيا، لأنها لا تستطيع أن تتصور حياة، وراء هذه الحياة الدنيا.

 

الأسس الفكرية للإسلام

المثال الإسلامي-المبنى على وجود "إله واحد"- يحدّد الجهة المعرفية، والنفسانية والسلوكية للمسلمين. الإنسان ذاك الروح المجسّم. حيث خلق الله جسم الإنسان من الطين، ومن ثم نفخ فيه من روحه. إن التعايش المشترك بين المادة والروح والإعتقاد بعدم الفصل بينهما، هو الاساس للحياة من وجهة نظر الإسلام. ويعد أساساً ثابتاً للأصول الخلقية المتعالية له. وحسب القرآن الكريم، فإن الحقيقة النهائية هي الجانب الروحي للإنسان مضافاً إلى نشاطه الدنيوي أيضاً. والروح تتجلّى في صورة طبيعية، ومادية أيضاً. وعلى هذا الأساس، فكل ما يتصور أنه مادي، وعلماني فإن أساس وجوده أمر مقدس. يقول إقبال (اللاهوري): لا وجود لعالم الكفر أساساً. وكل أبعاد العظمة في المادة من تجليات الروح. وحسب هذه النظرة الدينية إلى المادة، فإن المعرفة التجربية لا تعتبر طبيعانية، وفاقدة للأسس الخلقية، ومتسمة بالعلمانية، والنفعية.

ومن جهة المعرفة الوجودية (الأنطولوجية)، يعتبر الإسلام الروح، والمادة معاً وجهين غير منفصلين عن الحقيقة. إن هذه المعرفة الوجودية "المادية-الروحية" تقف في مقابل المعرفة الوجودية الأحادية للحداثة، حيث إنها تحصر الحقيقة بالمادة فقط، ومن خلال النظرة الكليانية فإنها اجنبية عن الحياة.

إن المعرفة الوجودية في الإسلام تولّد المعرفة الأبستمولوجية (المعرفية)، وفي الحداثة فإن المعرفة الأبستمولوجية التجريبية -العقلانية تولد المعرفة الوجودية، المادية. إن النظرة الثنائية إلى الحقيقة في الإسلام أوجبت أن لا تنحصر معرفته الأبستمولوجية بأي مصدر من المصادر. ومن هنا، فإنها تستفيد من التجربة والعقل، والوحي، والشهودلكسب المعرفة في نطاق الأمور الحسّية والإنتزاعية والروحانية.

إن المعرفة الوجودية، والمعرفة الأبستمولوجية الجامعة للإسلام قد حوّلتاه إلى أيديولوجيا معتدلة ومتوازنة. إن الحداثة المفرطة تعرف الإنسان من خلال الفكر الإستقرائي، ولا تنصفه في جانبه العلمي والعاطفي، فيما ينتهي الفكر، والعاطفة في الإسلام إلى العمل، ويؤكد في السلوك على الإعتدال، ) ..كلوا واشربوا ولا تسرفوا (. والوسطية أصل أخلاقي عام في الإسلام، وقد ورد في القرآن الكريم تسمية المجتمع المسلم بالأمة الوسط مراراً، أي المجتمع الذي يختار المنهج الوسط في كافة القضايا.

إن المعرفة الأبستمولوجية في الإسلام -بخلاف الحداثة- جزء من المعرفة الوجودية، وليست منفصلة عنها. إن الله هو خالق الكون، والعلم، ومصدر معرفتنا بالعالم. وكما سبق في البداية فإن الحداثة انقلاب على التقاليد وكل أشكال السلطة. وعلى الحداثة أن تثني بالتغيير كـ "أيديولوجيا" أساسية لها. وفي مقابل هذا الموقف الإفراطي فإن الإسلام يحقق التوازن بين التقاليد والمتغيرات فهو يدعو إلى حفظ الثقافة وصيانتها ولكنه في الوقت عينه يدعو، إلى تجديد بنائها لمعالجة الأمور الحياتية المتغيرة. إن الإجتهاد، والإجماع في جنب الحركة الدائبة للحياة يتقدمان إلى الأمام، ويسعيان لإستقطاب عناصر من الثقافات الأخرى. ويكفي أن نفتح (أمامنا) من جديد منفذ الإجتهاد -والذي تم غلقه قبل ألف سنة-.

تعرّف الحداثة الشعب إنطلاقاً من وحدة اللون، واللغة، والإقليم. وفي مقابل هذه النظرة القومية المحدودة إلى المجتمع، فإن المجتمع الإسلامي هو مجتمع الأخوة الموسّع. نحن أبناء آدم وأخوة، وجميع العالم (المجتمعات الإنسانية) أسرة الله. هذه الفكرة تجسّد الوحدة العاطفية بين أفراد البشر. وفي نطاق خاص، فنحن المسلمين، نؤمن بهادٍ واحد وهو القرآن الكريم، ونرى الرسول الأكرم(ص) قائداّ لنا. وبهدف نيل رضى الله نبني حياتنا ونسمّى "أمّة".

الأمة تقع في ما وراء القيود (والشؤون) الدنيوية. إن المفاهيم الدنيوية، كاللون، والعرق، واللغة، والإقليم، تقسم الثقافة الإسلامية الأصيلة إلى الفئات الثقافية الفرعية. والقرآن الكريم يعتبر اختلاف الألسن والألوان، من آيات الله. ولا يريد الإسلام أن يحوّل العالم إلى نمط ثقافي واحد، بل يعترف بتنوع ثقافات الفئات المختلفة، إلا أنه يعتبرها فاقدةً للقيمة النهائية. يقول القرآن الكريم: ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم (. ويعتبر المسلمين أمة واحدة لا بمعنى شعب واحد بمفهومه القومي، إن الشعب له مفهوم دنيوي والأمة لها معناها الأوسع من الحدود والقيود الدنيوية. إن العنصرية والقومية مذمومتان في الإسلام في حين أن حب الوطن أمرٌ ممدوح. الإسلام يعتبر الدفاع عن الوطن وإن أدّى إلى فناء النفس مسؤولية كل مسلم. ويختلف حب الوطن عن القومية في الأساس، القومية تعني الإعجاب بالنفس، والنفرة من باقي الشعوب والأوطان، وتعتبر جناية على الإنسانية، بخلاف حب الوطن حيث إنه مسؤولية أخلاقية واجتماعية بالمفهوم الديني.

إن محور الحداثة هو الإنسان في حين أن محور الإسلام هو الله. إن الحداثة والإسلام كليهما يهتمان بالإنسان وسعادته مع الاختلاف في زاوية الرؤية فإحداهما تنظر إليه من زاوية بشرية والثاني ينظر من زاوية ربانية.

الحداثة إثباتية (نفعية) بمهفومها الدنيوي وفي المقابل فإن الإسلام يدعو إلى التعالي في الدنيا والآخرة، ولا يدعو إلى الآخرة فقط لأنه لا يدافع عن الرهبانية والعزلة من الدنيا. وفي نفس الوقت، فإنه ليس دنيوياً بحتاً لأنه لا يعتبر هذا العالم غايته الأخيرة. ومن وجهة نظر الإسلام فإن أهمية الدنيا تكمن في كونها موطن العمل الصالح، وتكمن أهمية الاخرة في أنها مجال الحساب والجزاء. الإسلام يؤكد على تنفيذ أحكام الله في الدنيا وعاجلاً. وقد أطلق "فضل الرحمان" على تأكيد الإسلام على "سلوك الفرد في هذه الدنيا" بـ "الإثباتية (النفعية) الإسلامية". ويضيف: " وهذا يعني أن الإسلام دين لهذه الدنيا ". إن النفعية الإسلامية تختلف مع نفعية الحداثة، الإسلام يبشر بالسعادة في الدنيا والآخرة، بينما الحداثة تحصر مجالها في الدنيا فقط.

ومما سبق يتضح أن الإسلام والحداثة على الأقل في جملة من المواقف ينتميان إلى قطبين مختلفين لا إلتقاء بينهما. ولكن هناك موارد من التلاؤم بين الطرفين. يستطيع الإسلام أن يستقطب الرؤية المحدودة والغائية للحداثة حول العلم ويزيل منها النفعية والعلمانية ويصنفها ضمن إطاره القيمي الموسّع، أو أن يجدد بناء فكره المعرفي حول الله ونظامه القانوني على ضوء علم الحداثة. كما بادر إلى ذلك المجددون المسلمون أمثال جمال الدين الأفغاني(1879)، ومحمد عبده(1905)، وسيد أحمد خان(1898)، وإقبال اللاهوري(1938)، و آخرين. يقول إقبال: يلزم على المسلمين الحداثويين أن ينظروا مجدداً إلى كل نظام الإسلام ويجددوا بناءه من دون أن يقطعوا صلتهم بالماضي. وأن يملكوا نظرة نقدية ومستقلة أمام تقدم الفكر الإنساني.

 

ما هو التحديث؟

نحن نعيش في عصر الإنفجار المعرفي، وبما أن الثقافة من ثمرات المعرفة، فإن معرفة الإنسان بنفسه سوف تؤثر بشكل مباشر على الثقافة، إن ظاهرة التغيير الإجتماعي-التي بدأت بهذه الصورة- يسمى بالتحديث أو ظاهرة تجديد البناء الإجتماعي. التحديث ليس سبيلاً سوياً، ولا يمكن أن يتحقق سريعاً وبهدوء، إنه يتحقق ضمن مهلة زمنية مطولة. والإنسان-الذي يشكل موضوع ا لحداثة- ينتمي إلى الأمور المرتبطة بالماضي العريق وبالحاضر معاً. من هنا، فإنه يعيش أزمةً داخلية، وعليه أن يشق طريقه بدقة، وحذر بالغين من خلال الإتجاهين المتقابلين.

 

الحداثة ثمرة الصراع بين المحافظة والليبرالية

يقول "ئي وياس": "إن ظاهرة التغييرات المترابطة بعضها بالبعض، وفي مستويات متعددة في مجالات الإقتصاد، والسياسة، الثقافة والتي تؤدي إلى أن تكتسب المجتمعات غير النامية سمات المجتمعات النامية تسمّى بـ"الحداثة". وكما يبدو فإن هذا التعريف يؤكد على التغيير السريع والشامل إضافة إلى انتقال المؤسسات من البلدان النامية إلى بلدان غير نامية. كما أن هذا التعريف يتسم بطابع ثقافي معين، ولا ينسجم مع الأهداف التي نتوخاها. وحسب هذا التعريف فإن الحداثة هي تغريب باقي المجتمعات دون تحديثها.

ويقول "سي. بي بلاك" في تعريف الحداثة: " الحداثة هي الصورة الحركية من ظاهرة التجديد الضاربة في القدم، والتي أخذت هذه الصورة، نتيجة التطور الحاصل من انفجار المعرفة في القرون الأخيرة ".

وعلى هذا الأساس فإن خصوصيتي الحركية والعالمية وما تخلفان من الأثر على القضايا الإنسانية، تعتبران ذاتي أهمية. إن الحداثة وتيرة ذات أبعاد متعددة تتكيّف على ضوءها المؤسسات المتطورة لتجسّد الأدوار المتعددة في عصور مختلفة.

إن التعريف يعتبر الحداثة وتيرة معقدة، ومتعددة الأبعاد ويعترف بالدور التكاملي التاريخي، ويرفض بالمطلق النظرة المضيّقة إلى الأمور. وتأكيده على تغييرات المؤسسات دون نقلها يفتح المجال أمام التغييرات المختلفة. وعلى هذا الأساس، فلا بد أن تسعى المجتمعات المختلفة إلى التحديث ضمن تركيبتها الثقافية الخاصة. إضافةً إلى ذلك، فإن هذا التعريف عالج التقابل بين الحداثة والتقاليد أيضاً، لأنه يعطي التكامل التاريخي دوراً مهماً. يضيف "بلاك": " ليس من الصحيح أن نعتبر التحديث عملية إجتياز بسيطة من التقاليد إلى الحداثة، التحديث جزء من الحركة اللانهائية من الأيام الأولى إلى مستقبل غير مسمى ". ومن الواضح أن رؤية بلاك الشاملة، والمعتدلة تنسجم مع الأهداف التي نتوخاها. وعلى هذا الأساس، نستطيع أن ندمج العلم الحديث في إطار الثقافة الإسلامية بعد تجديد بنائه، وإخضاعه للإنتقاء. فإن الإستعارة الثقافية لها منحى انتقائي. إن الثقافة النامية يجب أن تتّجه إلى إنتقاء ما يتفق مع حاجاتها وأن تمتنع عن استقبال، واقتناء الثقافة الأجنبية من دون نقدها.

 

إسلام الحداثة في البحث عن علم كلام جديد

يعتبر القرآن، الطبيعة، والآفاق، والأنفس مصادر أساسية للمعرفة الإنسانية، ويطلب منا أن نتدبر في الظواهر الطبيعية مثل الشمس، والقمر، والليل، والنهار. إن هذا العمل الفكري، -الذي أكد عليه القرآن- كان علم كلام الأيام الأولى من الإسلام. ومع مرور الزمن، تمّت سيطرة الفلسفة بدل الدين على مجرى العلم. وبهذه الصورة، انفصل علم الكلام عن منطق القرآن الطبيعي. وفي عصر الخلفاء العباسيين تحقق تجديد بناء المنطق النظري اليوناني، بغرض التواصل مع العصر. وإن واحداً من أهداف الكلام هو تبيين التعاليم الإسلامية، بلغة العصر. والكلام العلمي كلام حركي لا يتوقف عن السير. وعصرنا هو عصر العلم، والثقافة. ومن الضرورات الأساسية لهذه المرحلة هي تجديد بناء "علم الكلام – القياسي" وهو من تراث العصور الوسطى – وتبديله إلى "معرفة استقرائية". إن أول من طرح ضرورة تجديد بناء هذا العلم هو السيد أحمد خان مؤسس الجامعة الإسلامية، في عليكرة. إنه كان يعتبر أن الأساس في علم الكلام الجديد هو معيار التطابق مع الطبيعة، والإنسجام مع العقل. إن الدين الحقيقي لا يخالف الطبيعة، ولا العقل. وكان يعتقد أن الدين هو كلام الله، والعلم هو فعل الله. ومن هنا فلا يمكن للعلم والدين أن يعارضا بعضهما البعض. إنه في النهاية، وعلى رغم ما قاله يقدم العلم على الدين. ويعتبر العقل مقدماً على الوحي. كما أنه، وبتأكيده على استقلالية الطبيعة والقوانين التي تحكمها، اعتبر الدعاء غير ذي جدوى، ونفى المعجزة، ورأى أنّ الله هو مصدر العلم.

ويعتبر العلامة إقبال (1938) الذي كان يعيش في شبه القارة الهندية من الحداثويين المسلمين البارزين. ولقد كتب كلاماً جديداً، إلا أنه لم يكرّر خطأ سيد أحمد خان. ومن وجهة نظره، فإن الوحي يعتبر المعيار الأهم، بالقياس إلى العقل. ويثني إقبال على العقل لكونه مصدراً للمعرفة الدنيوية، ومنظماً للحياة ويتقدم إلى الأمام في هذا المجال إلى درجة أنه يقول: " إن الدين يحتاج إلى العقل أكثر من الأصول العلمية الجازمة. إن الإسلام ليس فقط لم يخالف العلم، بل هو الدين الوحيد الذي يدعو الإنسان إلى البحث في الطبيعة منطلقاً من العقل… وميلاد الإسلام.. ميلاد للعقل الإستقرائي ". ويبدو أن عبارته الأخيرة صحيحة إلى درجة ما، ولا يمكن إنكارها.

إن المنهج المعرفي لإقبال مركّب من التعاطي بين العقل والشهود. ولا يرى إقبال أنهما متقابلان. بل يعتبرهما مكملين لبعضهما. إن هذه الفكرة تمنح روحاً معنوية للمعرفة التجريبية. وأخيراً هو يعتبر " معرفة الطبيعة معرفة فعل الله ".

 

إسلام الحداثة في البحث عن فقه جديد

لقد تم تدوين جملة من عقائد وأحكام الإسلام -المتصلة بالقضايا المشتركة بين الناس- في الفقه (القانون) الإسلامي. وانطلاقاً من رؤية "علم اجتماع معرفي" يمكن القول، إنه لم يتقدم علم الكلام ( Theology ) ولا الفقه في موازاة التغييرات الزمنية، ومتطلبات العصور. وبالنتيجة حصلت هوة عميقة بين التصورات الثقافية القديمة والحقائق الإجتماعية الجديدة، ينبغي أن تتم معالجتها. الثقافة مرنة، وقابلة للتعديل، والتكيّف، تهيّئ امكانية تلبية الحاجات المعنوية المادية للإنسان. فالثقافة التي لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور الأساسي تفقد نشاطها، وقدرتها، واعتبارها، وتأثيرها، والثقافة الإسلامية المعاصرة تمر بهذه المرحلة.

وتكمن في المفهوم الإسلامي للقانون نقطتان: الأولى أنه قانون ديني. والثانية، أنه يشتمل على الجانب المادي، و الجانب المعنوي من حياة الإنسان معاً. القانون له أساس إلهي في الإسلام، إلاّ أن السلوك الذي يستلهم منه إنساني. تبتني إنسانية العمل، والسلوك على النيةالتي يقوم عليها العمل. إن الجانب الإلهي والإنساني للقانون، يشكلان معاً فلسفة القانون الإسلامي. إن القانون، يوجب مسؤولية أخلاقية على الإنسان، لأن أساس المسؤولية الأخلاقية إلهي، وليس بإنساني.

إن الشريعة توجد أواصر الربط بين الله، والإنسان، والمجتمع. ومحتوى هذه الصلة غير قابل للتغيير ويعد من الأمور الأبدية، والأزلية، إلا أن أساليبها تتغير حسب المواقع، والعوامل الزمكانية. وبعد ختم النبوة الأبدي، فإن مسؤولية تفسير، وتنفيذ قانون الشريعة في المواقف المختلفة ترجع إلى فقهاء المسلمين. إن الفقهاء الأوائل قد عرفوا مسؤولياتهم بشكل جيد، وعملوا بها. وقد نشأت من أواسط القرن الأول الهجري، ولغاية القرن الرابع الهجري ما يقرب من تسعة عشر مدرسة فقهية بغرض تلبية الحاجات المعنوية والمادية للحضارة النامية. وقد اشتهرت من بينها مدارس فقهية سنية أربعة -الشافعية والحنفية، والحنبلية والمالكية- لجهة نظرتها الفقهية، لأن هذه المدارس اتجهت في تعبيراتها من النظرة القياسية إلى النظرة الإستقرائية.

وإن المدارس الفقهية التي نشأت في العصور الوسطى ليس بإستطاعتها أن تستجيب لحاجات المجتمعات الرازحة تحت سلطة العلم، والثقافة. لذلك نحتاج إلى فقه جديد لهذا العصر، قد يتم تأسيسه على المنهج الإستقرائي. إن تجديد البناء هذا، هو الثمن الذي ينبغي أن ندفعه في عصر الإنفجار المعرفي للمحافظة على الفقه، ولا تستطيع الثقافة النامية أن تغض النظر عن خطر الفناء، من دون أن تأخذ ذلك بالحسبان. يعتقد "إف.شئون"، أن: " كافة الحضارات تؤول إلى الزوال، إلا أن طريقة زوالها تختلف، فإن زوال الحضارة الشرقية انفعالي، وزوال الحضارة الغربية فعال، إن الشرق لا يفكر لدى الأفول، والغرب يفكر حتى عند الأفول أيضاً، وقد يخطئ في فكره. إن الشرق نصب عينيه إلى الحقائق، وغرق في سبات عميق. والغرب يعيش في متاهات الأخطاء ".

لقد تطرقنا إلى ضرورة التطوير في الشريعة، وتطابقها مع العصر. ولا بد في هذا المجال أن يتم اختيار استراتيجية تحمي الإجتهاد من السقوط في المتاهات. والمقصود من الإستراتيجية هو المنهج الهرمينوطيقي الملائم للمؤسسة الفكرية التي لها توجه ديني. إن هذا المنهج -والذي يستعان به في مجال التفسير وقد أوصى به فضل الرحمن- يتكون على ضوء حركة فكرية متواصلة وجادة، وفي هذه الحركة الفكرية:

1- من الضروري الإمتناع عن المواجهة الموردية، والعينية للقرآن، والأخذ بعين الإعتبار الظروف المعيشية آنذاك، والإعتماد على الأصول العامة التي تلتقي عندها جميع أحكام، وتعاليم الإسلام.

2- ينبغي التحرك من هذا الأفق الواسع والعام إلى الوراء، والإهتمام بتشريع القوانين الخاصة انطلاقاً من مكانة الحياة في العصر الحاضر.

وعلى أساس هذا المنهج الهرمينوطيقي، فإن الإجتهاد بمقدوره أن يمنحنا قوانين عملية، ومؤثرة. تلك القوانين التي نستطيع من خلالها أن نتقدم إلى الأمام في قضايا الحياة ونبادر إلى تنظيمها في أجواء الحداثة.

 

إسلام ما بعد الحداثة:

إن القضية الأساسية لإسلام الحداثة هي تجديد بناء الفكر التئولوجي، والقانوني الإسلامي على أسس استقرائية، وهذا ما لم يتم بعد. إن قضية اسلام ما بعد الحداثة تختلف كلياً، عن قضية إسلام الحداثة. إن قضية اسلام ما بعد الحداثة هي بناء المعرفة على ضوء المعايير الإسلامية. إن الحداثة تنقصها الأخلاقية التي بمقدورها، أن تمنح القدرة لها، ولهذا السبب لم يكتب لها الإنتشار في العالم الإسلامي. إن الحداثويين المسلمين قد فكروا بشكلٍ جاد، في هذه المسألة. وقرّروا أن يعالجوا هذه النقص في معرفة الحداثة. وكمثال على ذلك، فإنه قد تم تأسيس المركز العالمي للفكر الإسلامي في فيرجينيا (الولايات المتحدة الأميركية) سنة 1981 بإشراف اسماعيل الفاروقي. وكان الهدف لهذا المركز إعلاء وأسلمة المعرفة العلمانية الغربية. وبعد سنة، قام الفاروقي بنشر مشروع مؤسسة المعرفة الإسلامية ومجلة العلوم الإجتماعية الإسلامية في أميركا بعنوان "أسلمة المعرفة".

إن مسؤولية مسلم ما بعد الحداثة هي تجديد بناء العلوم الطبيعية، والإجتماعية على ضوء معرفة الوجود، وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا) والمعرفة الكونية، والمعرفة الإجتماعية، ومعرفة القيم انطلاقاً من الإسلام.

بالنظر إلى معرفة الوجود، فإن الله خلق الكون من العدم، وأقامه، وأن الحياة لها قيمة متعالية، وتتجه إلى عالم الآخرة، والتأكيد على العمل في هذه الدنيا.

والإنسان هو أشرف المخلوقات، وخليفة الله في الأرض. ومن مسؤولياته أن ينطلق سلوكه من الخلقيات الرفيعة والمتعالية. ويسعى إلى إقرار الأمن والإستقرار في الأرض، وأن ينظّم حياته في ظل حاكمية الله، وأن يعيش تحت إرادته. ولله في خلقه إرادتان تتجليان في القانون الخلقي والقانون الطبيعي. يتحقق أحدهما في الحرية، والثاني في الضرورة. أحدهما ثابت قابل للنقض والآخر ثابت ولا يقبل النقض. والقانونان معاً أزليان، ويمنحان الوحدة للعالم. وإن الوجود كله وحدة منسجمة لأنه من خلق إله واحد.

العقل في الإسلام شريك الوحي، ومتحد معه وليس عدواً له. ولا يمكن الوصول إلى حقيقة الوحي إلا من خلال العقل. يرى العقل آيات الله في الأنفس والآفاق. والمعرفة هي مجموع الوحي والعقل، ويبتني علم المعرفة الإسلامي على وحدة الإثنين معاً. الحقيقة لا تصنع كما يتصور البراغماتيون، بل هي ثابتة من البداية وواحدة. والقانون الخلقي والطبيعي يرجعان إلى حقيقة واحدة هي إرادة الله. وبما أن الحقيقة واحدة، فالمعرفة أيضاً واحدة. ووحدة المعرفة من النتائج الحتمية لوحدة الحقيقة.

إن حياة الإنسان كل لا يتجزأ، ولا يمكن تقسيمها إلى "المنهج الإلهي"، و"المنهج الإنساني". إن قانون الشريعة يتضمن المعنى، والمادة معاً؛ لأنه قد تم بناؤه على الوحدة اللامرئية التي تحكم الحياة.

وعلى المستوى الإجتماعي، فإن التوحيد، ووحدة النظم الكوني، ووحدة المعرفة، ووحدة الحقيقة، ووحدة الحياة، ووحدة النوع الإنساني، والأهم من ذلك الأخلاقيات المتعالية هي أصول أساسية ينبغي أن يتم على أساسها تجديد بناء معرفة الحداثة الفاقدة للقيم في الإطار القيمي للإسلام.

إن الحداثة تتجه إلى ما بعد الحداثة، وما وراءها. وخصائص هذه المراحل الثلاثة هي ما يلي: التقدم، العبثية، والرجوع إلى الدين.

 

الحداثة؛ التقدم

الحداثة تؤمن بقدرات العلم بشكل قاطع، وتنظر إلى حاضر الإنسانية، ومستقبلها بنظرة تفاؤلية. وتذعن بقدرة العلم على اجتراح الحلول لجميع قضايا الإنسان، وتقودنا عبر الصناعة والديمقراطية، والتنمية إلى عصر الصلح، والأمن، والتقدم، والسعادة. إلا أن هذه الرؤيا لم تتحقق. وأن الحربين الكونيتين المدمرتين، قد ساهمتا بشكل مؤثر في وهن فكرة التقدم. إن الحداثة وفي حربها ضد الفاشية في ألمانيا، وإيطاليا، وبهدف الدفاع عن الديمقراطية، في الحقيقة حاربت نفسها، لأن الفاشية والديمقراطية كلتيهما من نتائج الحداثة، وفي فيتنام أيضاً قد ارتكبت تلك المجازر الوحشية بإسم الديمقراطية. إن العلم -والذي كان سبباً لغرور الإنسان- قد تحول إلى آلة مدمرة لأنها دنيوية وفاقدة للقيمة.

 

ما بعد الحداثة؛ العبثية

ما بعد الحداثة استمرار للحداثة، ونتيجة منطقية لدنيوية العلم، والإنفجار المعرفي العلماني في السنوات الأخيرة. ثمرة ما بعد الحداثة هي الإذعان بنوع من السيلان الأبدي. الحداثة هي إسم للتجديد والتحول. ليس فيه ما يملك القرار، والثبات، والإستمرار، وفقدان اليقين في الحداثة أدخلنا إلى عصر ما بعد الحداثة -التي من سماتها العبثية- انسان الحداثة من ناحية المادة في رفاهية، وإنسان ما بعد الحداثة، من حيث المعنى يعيش مشرداً ومنعزلاً ومتردداً. إن القضية الكبرى بالنسبة إلى إنسان ما بعد الحداثة هي أن يجد طريقاً، للحفاظ على إنسانية الإنسان والحيلولة دون زوال القيم المعنوية والخلقية في عصر سيطرة العلم والتقانة.

 

ما وراء ما بعد الحداثة؛ الرجوع إلى الدين

كما أن ما بعد الحداثة استمرار للحداثة، فإن ما وراء ما بعد الحداثة أيضاً استمرار، لما بعد الحداثة. إن ما وراء ما بعد الحداثة، هو السعي للوصول إلى محور روحاني ومعنوي، قد تم ضياعه في دنيا العلمانية. إن هذا الإنتماء يؤيد البعد المعنوي والروحاني في الإنسان. يسعى الإنسان لملأ الفراغ الحاصل من فقدان الإيمان ولإيجاد تراث آدم المركب من العلم والدين.

عن موقع الرسول الأكرم(ص) – مجلة الحياة الطيبة – العدد الخامس

 

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً