مطالعةٌ في الإطار الشيعي
د. أحمد رضا مفتاح(*)
تنويهٌ
لقد تمّ تصنيف الإيمان والولاية والعمل الصالح من وجهة نظر الشيعة، بوصفها من عوامل النجاة. ليس هناك من كلامٍ أو نقاش في دور الإيمان بوصفه عاملاً رئيساً في النجاة، وإنما الكلام في خصوص مسألة الولاية والعمل الصالح؛ إذ نواجه طائفتين من الروايات في هذا الشأن: الأولى: هي الروايات التي تعدّد فضائل الشيعة، وهي بالإضافة إلى اعتبارها الاعتقاد بالولاية شرطاً في قبول الأعمال والنجاة، تَعِدُ بالشفاعة وغفران ذنوب الشيعة أيضاً. والثانية: تكتفي بتعداد صفات الشيعة وآدابهم، وتؤكّد على ضرورة العمل الصالح. وحيث إن خلفية صدور هذه الرواية مختلفة، وقد صدر كلٌّ منها في مقامٍ خاصّ، فقد ورد الكلام عنها في المصادر الروائية والمباحث ذات الصلة بشكلٍ مستقل. وللأسف الشديد فإن الروايات الخاصة بالعمل لم تَحْظَ بالاهتمام إلا قليلاً. ومن خلال الجمع بين الطائفتين من الروايات، وشرحها وتفسيرها بشكلٍ متزامن، يتّضح القاسم المشترك بينها من الناحية النظرية. كما سيتمّ من الناحية العملية الحؤول دون نوعٍ من الفهم المتطرف والموهوم تجاه مسألة الولاية، التي قد تؤدّي إلى التهاون بالعمل الصالح.
وفي ما يتعلَّق بالطريق المؤدي إلى نجاة الإنسان وفلاحه هناك بشكلٍ عام مجموعتان من النظريات، يمكن أن نطلق عليهما: النظريات ذات المنشأ الواحد؛ والنظريات ذات المناشئ المتعدّدة.
وفي النظريات ذات المنشأ الواحد يتم الحديث عمّا إذا كان الطريق إلى النجاة يتمّ عبر الإيمان أو مجرّد العمل الصالح، أو خصوص الفيض والرحمة الإلهية.
وفي النظريات ذات المناشئ المتعدّدة يتمّ الحديث عن النجاة من طريق الإيمان والعمل الصالح معاً، أو الإيمان والرحمة الإلهية، أو من طريق هذه المناشئ الثلاثة ـ أي الإيمان والعمل الصالح والرحمة الإلهية ـ مجتمعةً.
والاتجاه الغالب في الثقافة الإسلامية يقوم على النظرية التركيبية المؤلفة من الإيمان والعمل الصالح.
وقد اهتمّ الشيعة ـ بالإضافة إلى الإيمان والعمل الصالح ـ بمسألة الاعتقاد بالولاية على نحوٍ خاصّ أيضاً. وعلى الرغم من أن كلّ واحد من هذه الأمور قد تحظى بالاهتمام أكثر من العوامل الأخرى، إلاّ أننا في المجموع نستطيع القول: إن الشيعة يرَوْن الإيمان والعمل والاعتقاد بالولاية من أهمّ عوامل النجاة.
لا شَكَّ في أن الإيمان هو العامل الرئيس في النجاة، وقد تمّ ذكر الإيمان في جميع الآيات والروايات ـ التي تشير بشكلٍ وآخر إلى الفلاح والنجاة ـ بوصفه أمراً مفروغاً عنه. وأما العمل الصالح فهو إنما يكتسب قيمته واعتباره في ضوء الإيمان. ومن هنا يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾ (النساء: 124). وفي الحقيقة فإن الإيمان شرط قبول العمل، وعدم الإيمان يؤدّي إلى إحباط العمل([1]). وقد شبّه القرآن الكريم أعمال الكفار ـ من حيث عدم ترتيب الآثار عليها ـ بالسراب، كما تمّ تشبيهها أحياناً بالرماد، الذي تأتي عليه الريح في يومٍ عاصف، فلا يبقى منه شيءٌ([2]).
لا شَكَّ في أن القرآن الكريم يرى أن السعادة الأخروية رهنٌ بالإيمان بالله واليوم الآخر؛ إذ كيف يمكن لمَنْ لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولم يقدِّم لآخرته شيئاً أن يحصل في الآخرة على شيءٍ يُذْكَر؟! قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (فاطر: 10). إن الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر لا يتشكَّل عنده الحافز الإلهي والأخروي، ولا يتمكَّن من اتخاذ العمل الصالح سُلَّماً يرتقي به إلى السماء. وبطبيعة الحال إذا لم يكن إنكارهم مقروناً بالكفر والعناد والعدوان والمكابرة على الحقيقة قد لا يكونون من أصحاب النار، بل سيكونون من المستضعفين «المُرْجَوْن لأمر الله»([3]). وعليه ليس هناك من شكٍّ في أهمّية ومنزلة الإيمان في الفلاح والنجاة. ومن هنا فإننا نأخذ أهمّية الإيمان في النجاة أمراً مفروغاً منه، وننتقل مباشرةً إلى العاملين الآخرين، ولا سيَّما أننا لا نشاهد أيّ تعارض بين الروايات الخاصّة بالولاية، وكذلك الآيات والروايات المتعلّقة بالعمل الصالح، وبين الإيمان أبداً.
إن الذي يدعو إلى البحث هو أن طريق النجاة من خلال الولاية يقتصر على الشيعة فقط، وأما مصادر أهل السنّة فتقتصر ـ إلى جانب الإيمان ـ على التأكيد على العمل فقط، فلم يكتفوا بالقول بعدم وجود محلٍّ للولاية من الإعراب، بل إنهم من خلال الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم، من قبيل: ﴿أَنْ لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (النجم: 38)([4])، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ (النجم: 39)، قالوا بعدم جدوائية التشبُّث بالنجاة من خلال الشفاعة، أو الانتساب لبعض الأشخاص المتميِّزين([5])، رغم أن الولاية بمعنى محبّة أهل بيت النبيّ| موضع إجماع كافّة أهل القبلة.
كما لا يخفى أن أصل مسألة الشفاعة؛ بالاستناد إلى الآيات والروايات، مورد قبول كافة المسلمين، وقد ادُّعي الإجماع على ذلك([6]). وإذا كان هناك من اختلاف بين المذاهب الإسلامية في مورد الشفاعة فإنه يقتصر على ماهيّتها وكيفيتها ومصاديق الشافعين والمشفوع لهم([7]). ومن ذلك: أن المعتزلة يرَوْن أن الشفاعة تخصّ المؤمنين التائبين فقط، وأن الفائدة من الشفاعة هنا هي ارتقاء درجة المشفوع لهم([8]).
ومن الجدير ذكره أن بعض آيات القرآن الكريم تدلّ على نفي الشفاعة، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ (البقرة: 48)([9]).
وقد أُجيب عن هذه الآية ونظائرها بآياتٍ أخرى تدلّ على سعة رحمة الله ومغفرته، من قبيل: قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر: 53). وقيل في الجمع بين هذه الآيات: إن الآيات الناظرة إلى نفي الشفاعة تختصّ بالكافرين والمشركين([10]). وفي بعض الآيات المرتبطة بنفي الشفاعة هناك استثناءٌ لموارد الإذن أو الرضا الإلهي، من قبيل: قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (سبأ: 23)([11])، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى﴾ (الأنبياء: 28).
أما البحث الرئيس فهو أن بعض الروايات المتعلِّقة بالولاية والرواية المتعلقة بالعمل تبدو متعارضةً فيما بينها، ولا سيَّما أن بعض الشيعة يستندون إلى البشارة الواردة لهم في هذه الروايات؛ فتصوَّروا معها أن العمل يأتي بالدرجة الثانية، بل ذهب التوهُّم ببعضهم إلى القول بأن مجرّد ادّعاء التشيُّع والانتساب إلى الولاية يمكن أن يشكِّل طوق النجاة لهم. وقد تحدَّث الشهيد المطهري عن ذلك بقوله: «للأسف الشديد نلاحظ في العصور الأخيرة تسلُّل فكر المرجئة إلى عوام الشيعة بثوبٍ جديد، فهناك منهم مَنْ يتصوَّر مجرّد الانتساب الظاهري إلى أمير المؤمنين× كافياً للنجاة؛ حيث يتصوّرون أن جميع سيئاتهم سوف تغتفر، ويبدو أن العمل لا يتّصف بأيّ قيمةٍ عندهم، وأن الشرط الوحيد الذي يضمن السعادة لهم هو أن ينتسبوا إلى التشيُّع فقط، ولا غير»([12]).
كان المرجئة يقولون: «لا تضرّ مع الإيمان معصيةٌ»([13]). وكان زيد بن عليّ يقول بشأن هذه العقيدة: «وهذا النظر أطمع الفسّاق في عفو الله»([14]). وقال الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري: «إن بعض جهّال الشيعة، الذين ذهب بهم التصوُّر ـ في ما يتعلَّق بالولاية ومحبّة أهل البيت^ ـ إلى أن محبة أمير المؤمنين× حسنةٌ لا تضرّ معها سيئة، قد تركوا على المجتمع ذات التأثير [الذي تركه المرجئة]، بمعنى أنهم أطمعوا العصاة بعفو الله»([15]).
والأعجب من ذلك أن التأكيد المبالغ به حول مسألة غفران الذنوب من طريق التمسّك بالولاية قد أدّى بالعالم الغربي أحياناً إلى اعتبار عقيدة الشيعة بمسألة الإمامة ـ ولا سيَّما شهادة الإمام الحسين× ـ شبيهةً بعقيدة الفداء عند المسيحيين.
كما تعرَّض بعض أتباع الصوفية إلى هذا التوهُّم أيضاً؛ إذ تصوَّروا أن لا أهمّية للعمل. ومن هنا خالف بعض كبارهم هذا التوهُّم قائلاً: «إنّ ما كانت المرجئة تقوله في العصور السابقة، وما اتّخذته القلندرية حرفةً لها في هذه العصور، باطلٌ؛ إذ يقولون: ما إن تنال يدك يد وليّ الأمر فافعَلْ ما تشاء؛ إذ لن تكون بعد ذلك مؤاخَذاً على شيءٍ من أعمالك! حذارِ، حذارِ، أن تغترّ بمثل هذه الأقوال، فتؤدّي بك إلى الضلال والخلود في العذاب؛ لأن الإيمان يقتضي من الإنسان أن يكون تابعاً لأوامر ونواهي الخلفاء الإلهيين»([16]).
وعليه؛ للحيلولة دون هذا الفهم المتطرِّف والخاطئ، الذي لا ينسجم مع سيرة الأئمة الأطهار^، يجدر بنا ـ ضمن الالتفات إلى الروايات المتعلِّقة بفضائل الشيعة ـ أن نلفت الانتباه إلى الآيات والروايات التي تؤكّد على حثّ الشيعة على العمل أيضاً.
دور ولاية أهل البيت عليهم السلام في النجاة
إن التأكيد على أن الاعتقاد بالإمامة وولاية أهل البيت^ بوصفه طريقاً إلى النجاة هو من مختصّات الشيعة. وهناك في هذا الشأن عدّة مجموعات من الروايات، نشير في ما يلي إلى بعضها:
1ـ الروايات التي تعتبر الالتزام بولاية الأئمة^ شرطاً في صحّة وقبول الأعمال، وتعتبر عدم جدوائية العمل الصالح إذا لم يقترن بالولاية. ففي حديثٍ معروف روى زرارة عن الإمام الصادق× قوله: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْولايَةِ. قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَل؟ فَقَالَ: الْولايَةُ أَفْضَلُ؛ لأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ». ثم أخذ الإمام× يعدِّد فضائل كلّ واحد من هذه الأركان الخمسة على التوالي، ليختم الحديث بعد ذلك في فضيلة الولاية، قائلاً: «أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْ ولايَةَ وَلِيِّ اللهِ فَيُوَالِيَهُ، وَيَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلالَتِهِ إِلَيْهِ، مَا كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ جَلَّ وَعَزَّ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ، وَلا كَانَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ، ثُمَّ قَالَ: أُولَئِكَ الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ يُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ»([17]).
وفي روايةٍ أخرى عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «والذي بعثني بالحقّ نبياً لو أن رجلاً لقي الله بعمل سبعين نبياً، ثم لم يأتِ بولاية أولي الأمر منّا أهل البيت، ما قبل الله منه صِرْفاً ولا عِدْلاً»([18]).
وعن الإمام زين العابدين× أنه قال: «إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلاً عمَّر ما عَمَّر نوح في قومه، ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع، ثم لقي الله بغير ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئاً»([19]).
وكذلك جاء في بعض الروايات أن ولاية أمير المؤمنين× هي من بين الموارد التي يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة. فقد رُوي عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنّم لم يَجُزْ عليه إلاّ مَنْ معه جواز فيه ولاية عليّ بن أبي طالب»([20]).
2ـ الروايات التي ترى أن النجاة إنما هي من نصيب الشيعة، كالحديث المأثور عن النبيّ الأكرم|، والذي يقول: إنه ضرب على كتف الإمام عليّ×، وقال: «هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة»([21]). وفي روايةٍ أخرى قال النبيّ الأكرم| للإمام عليّ×: «تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين»([22]). وكذلك عن النبيّ الأكرم| أنه قال بشأن أهل بيته^: «فمَنْ أحبّهم واقتدى بهم فاز فوزاً عظيماً ونجا»([23]).
3ـ الروايات العديدة التي تَعِدُ محبّي الإمام عليّ بالجنة صراحةً، ومنها: الحديث المأثور عن النبيّ الأكرم|، والذي يفصِّل فيه فضائل محبّي الإمام عليّ×، وفي ما يلي نشير إلى قسم من هذا الحديث: «ألا ومَنْ أحبّ عليّاً استغفرت له الملائكة، وفتحت له أبواب الجنة الثمانية، فدخل من أيّ بابٍ شاء بغير حسابٍ… ألا ومَنْ أحبّ عليّاً نجّاه الله من النار… ألا ومَنْ أحبّ عليّاً لا ينشر له ديوانٌ، ولا ينصب له ميزان، ويُقال أو قيل له: ادخل الجنّة بغير حساب…»([24]).
وفي روايةٍ أخرى عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «مَنْ مات على حبّ آل محمد مات شهيداً… ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمد مات تائباً، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمد بشَّره ملك الموت بالجنة… ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة… ألا ومَنْ مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمد لم يشمّ رائحة الجنة»([25]).
4ـ الروايات التي ترى محبّي أهل البيت^ مشمولين لمغفرة الله، وتعتبر غفران ذنوب محبّي أهل البيت ثمرةَ حبّهم لهم، ومن ذلك: الرواية القائلة: «إن حبَّنا أهل البيت يُساقط عن العباد الذنوب كما تساقط الريح الورق من الشجر»([26]). وعن الإمام الرضا×، عن آبائه، عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «حبّنا أهل البيت يكفِّر الذنوب، ويضاعف الحسنات، وإن الله تعالى ليتحمَّل عن محبينا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد، إلاّ ما كان منهم فيها على إصرارٍ وظلم للمؤمنين»([27]). وكذلك في رواية أخرى: «إن الله يستحيي أن يعذِّب أمةً دانت بإمامٍ من الله، وإنْ كانت في أعمالها ظالمةً مسيئة»([28]).
5ـ الروايات الدالة على أن شفاعة النبيّ| وأهل بيته إنما تشمل أولئك الذين يحبّون أهل البيت^. فقد رُوي عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «الزموا مودّتنا أهل البيت؛ فإنه مَنْ لقي الله وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبدٌ بعمله إلاّ بمعرفة حقّنا»([29]). وعن النبيّ الأكرم| أيضاً أنه قال: «أربعة أنا لهم شفيعٌ يوم القيامة، ولو أتَوْني بذنوب أهل الأرض: الضارب بسيفه أمام ذرّيتي… والمحبّ لهم بقلبه ولسانه»([30]). وفي روايةٍ أخرى عن الإمامين الصادق والكاظم’، تقول: «والله لنشفعنَّ لشيعتنا حتّى يقول الناس: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء: 100 ـ 102)»([31]). والمراد من الإيمان هنا: الهداية إلى ولاية الأئمّة^.
والسؤال هنا: هل هذا النمط من الآيات التي تثبت دوراً هامّاً لمحبّة أهل البيت^ مطلقٌ، بحيث تعتبر صكّ غفران للشيعة؟ وهل يمكن بمجرّد الانتساب إلى التشيّع أو الاعتقاد بالولاية الحصول على الفلاح والنجاة؟
الحقيقة أن هناك في مقابل هذه الطائفة من الروايات رواياتٍ أخرى تؤكِّد على دور العمل في النجاة، وتعدِّد في الوقت نفسه أوصاف الشيعة أيضاً. وعليه يجب الجمع بين هذه الروايات؛ لتحديد المساحة الحقيقية لهذه الروايات بعد بيان العامّ والمطلق. وإذا كان هناك من تعارضٍ في بعض الموارد بينها وبين سائر الروايات الأخرى عمدنا إلى علاجه، من خلال الرجوع إلى التفسير. وبالالتفات إلى أن الروايات الخاصّة بالعمل تحظى بدعامةٍ وركيزة متينة من الآيات القرآنية سوف نعمل أوّلاً على بيان منزلة العمل من وجهة نظر القرآن الكريم، لنعود بعد ذلك إلى الحديث عن الروايات مورد البحث.
دور العمل في النجاة من وجهة نظر القرآن
هناك الكثير من الآيات التي تؤكِّد على دور العمل، نشير من بينها ـ على سبيل المثال ـ إلى النماذج التالية:
1ـ الآيات التي عبَّرت عن العمل بـ «الكسب»، واعتبرت الإنسان مسؤولاً عن عمله، من قبيل: قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (المدَّثر: 38). يؤكِّد القرآن الكريم على أن الإنسان يصل إلى تحقيق أهدافه من خلال العمل، وأن للعمل دوراً بنّاءً ينعكس على الإنسان. فالإنسان إنما يصوغ شخصيته من خلال ما يقوم به من الأعمال؛ فمَنْ يعمل صالحاً يصلح، ومَنْ يقترف الفساد يفسد، ومن هنا يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾(المدَّثر: 38). وعليه؛ حيث يكون المرء رَهْنَ عمله، وتابعاً لتأثيراته وتداعياته، يكون العمل هو السبب في سعادته أو شقائه. وهناك آياتٌ أخرى في هذا السياق، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ (النجم: 39 ـ 41)([32]).
2ـ الآيات التي تعتبر بعض السعادات أو المصائب الدنيوية نتيجةً لعمل الإنسان. من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى: 30). وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً﴾ (الطلاق: 8 ـ 9)([33]).
وقال العلامة الطباطبائي في خصوص هذا النوع من الآيات: «الحوادث الكونية تتبع الأعمال بعض التبعية، فجَرْي النوع الإنساني على طاعة الله سبحانه وسلوكه الطريق الذي يرتضيه يستتبع نزول الخيرات، وانفتاح أبواب البركات؛ وانحراف هذا النوع عن صراط العبودية، وتماديه في الغيّ والضلالة، وفساد النيّات، وشناعة الأعمال، يوجب ظهور الفساد في البرّ و البحر وهلاك الأمم؛ بفشوّ الظلم وارتفاع الأمن وبروز الحروب وسائر الشرور الراجعة إلى الإنسان وأعماله، وكذا ظهور المصائب والحوادث المبيدة الكونية، كالسيل والزلزلة والصاعقة والطوفان وغير ذلك»([34]).
ومن الجدير ذكره أن المصائب والمحن قد تنزل على الإنسان الصالح أيضاً، وعندها تكون من باب الابتلاء والاختبار الإلهي؛ ليميز الله الطيِّب من الخبيث، كما يُختبر الذهب ويُستخلص من غيره، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2)، وقال أيضاً: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (العنكبوت: 4).
3ـ الآيات التي تؤكّد على تسجيل الأعمال وتدوينها، وبشكلٍ عام الآيات التي يفهم منها نوعٌ من تجسُّم الأعمال، من قبيل: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً﴾ (آل عمران: 30).
وقال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ (الكهف: 49)([35]).
وقال تعالى أيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ (النساء: 10).
والذي ورد في النصوص الدينية بشأن تجسيد الأعمال يؤيِّد أهمّية ودَوْر العمل أيضاً. ورغم عدم استعمال عبارة «تجسُّم الأعمال» في الآيات والروايات صراحةً، إلاّ أن فحوى بعض الآيات والروايات يُفْهَم منه الدلالة على «تجسيد الأعمال». يُضاف إلى ذلك أن مفردة «التمثُّل»، التي تفيد معنى التجسيم، قد ورد استعمالها في الروايات أيضاً. وقد وردت الروايات التي يفهم منها تجسيم الأعمال، أو تمثُّل العمل، في المصادر الروائية، من قبيل: الكافي، ومَنْ لا يحضره الفقيه، وتهذيب الأحكام، وأمالي الطوسي، وأمالي المفيد، وأمالي الصدوق، وتفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، وتفسير العيّاشي، ومجمع البيان للطبرسي، ونهج البلاغة، والصحيفة السجّادية. وإن كثرة هذه الكتب والروايات تورث الاطمئنان بصدورها عن النبيّ الأكرم| والأئمة الأطهار^.
إن الروايات الدالّة على تجسيم الأعمال على عدّة طوائف:
1ـ الطائفة التي تقول: إن عمل الإنسان هو صاحبه وقرينه، وأنه يدفن معه في قبره.
2ـ الطائفة التي تشير تلويحاً إلى تمثُّل وتجسُّم العمل، من قبيل: الرواية الواردة في الكافي، والتي يسأل فيها الميت المثال المتجسِّد إلى جواره: «فَيَقُولُ لَه: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، ارْتَحِلْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْجَنَّةِ»([36]).
3ـ الطائفة التي ورد فيها الكلام عن الرؤية. فقد رُوي عن الإمام الباقر× أنه قال: «لا تستصغرنّ حسنةً تعملها، فإنك تراها حيث تسرّك؛ ولا تستصغرنّ سيئةً تعمل بها، فإنك تراها حيث تسوؤك»([37]).
4 ـ طائفة أخرى من الروايات، من قبيل: المرويّ عن الإمام الصادق× إذ يقول: «فمَنْ أكل مال أخيه ظلماً، ولم يردّه إليه، أكل جذوةً من النار يوم القيامة»([38]).
روى القمّي والعيّاشي في تفسيرَيْهما، والكليني في الكافي، والمفيد في الأمالي، بأسانيدهم، عن سويد بن غفلة، عن أمير المؤمنين× أنه قال: «إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الآخِرَةِ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ وَعَمَلُهُ؛ فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ حَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا لِي عِنْدَكَ؟ فَيَقُولُ: خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ. قَالَ: فَيَلْتَفِتُ إِلَى وَلَدِهِ فَيَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ مُحِبّاً، وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ مُحَامِياً، فَمَاذَا لِي عِنْدَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نُؤَدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ نُوَارِيكَ فِيهَا. قَالَ: فَيَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ: وَاللهِ، إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً، وَإِنْ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً، فَمَاذَا عِنْدَكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ، وَيَوْمِ نَشْرِكَ، حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّكَ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ للهِ وَلِيّاً أَتَاهُ أَطْيَبَ النَّاسِ رِيحاً، وَأَحْسَنَهُمْ مَنْظَراً، وَأَحْسَنَهُمْ رِيَاشاً، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَجَنَّةِ نَعِيمٍ، وَمَقْدَمُكَ خَيْرُ مَقْدَمٍ؛ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ»([39]).
وجاء في روايةٍ أخرى، عن أبي عبد الله× قال: «إن العمل الصالح ليذهب إلى الجنة؛ فيمهِّد لصاحبه، كما يبعث الرجل غلاماً فيفرش له، ثمّ قرأ قوله سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ (الروم: 44)»([40]).
بالالتفات إلى هذه الآيات والروايات، وكذلك الأدلة التي يسوقها كبار القائلين بتجسيد الأعمال، يمكن القول: إن العقيدة السائدة هي القول بتجسيد الأعمال، وإنْ كنا لا نستبعد أن يكون جميع ما ورد في هذه الآيات والروايات من باب التقريب إلى الأذهان، وتشبيه المعقول بالمحسوس. وعلى أيّ حالٍ فسواءٌ قلنا بتجسيد الأعمال أم لم نَقُلْ بذلك لا شَكَّ في أن هذه الآيات والروايات تثبت الدور البارز للعمل في النجاة والفلاح.
دور العمل في الروايات
وفي مقابل الروايات التي تعلِّق النجاة على الاعتقاد بالولاية مطلقاً هناك روايات أخرى تدعو الشيعة إلى العمل الصالح، بمعنى أن هذه الطائفة من الروايات تقيِّد إطلاق الروايات الخاصّة بالولاية. من الجدير ذكره أن الروايات المرتبطة بالولاية لو أخذت على إطلاقها فإنها ستنافي السياق العام للآيات، وكذلك بعض الروايات التي تؤكِّد على العمل. فكما أن هناك الكثير من الآيات التي تؤكّد على أهمية العمل كذلك هناك روايات كثيرة تؤكّد على أهمّية العمل أيضاً. وقد ورد التعبير في بعض هذه الروايات عن العمل الصالح بوصفه واحداً من أركان الإيمان؛ إذ ورد عن أمير المؤمنين× قوله: «الإيمان معرفةٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان»([41]). بل ورد في بعض الروايات: «الإيمان لا يكون إلاّ بعملٍ»([42]). وهنا لسنا بصدد طرح هذه الطائفة من الروايات بالتفصيل، وإنما نقتصر منها على الروايات الناظرة إلى التعلُّق بالولاية فقط. وقد ورد التعبير عن هذه الروايات بعدّة أشكال:
1ـ الروايات التي تؤكّد على العمل بالكامل، وتصرِّح بعدم وجود أيّ دور للنَّسَب والقربى إلى أولياء الله في النجاة أبداً. ومن ذلك: ما رواه إبراهيم بن محمد الثقفي، حيث قال: سمعتُ الإمام الرضا× يقول: «إنه ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة، ولا ينال أحدٌ ولاية الله إلاّ بالطاعة، ولقد قال رسول الله| لبني عبد المطلب: ائتوني بأعمالكم، لا بأنسابكم وأحسابكم، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ (المؤمنون: 101 ـ 103)»([43]).
وعن النبيّ الأكرم| أنه قال في هذا الشأن أيضاً: «أيها الناس، إنه ليس بين الله وبين أحدٍ نسبٌ ولا أمرٌ يؤتيه به خيراً أو يصرف عنه شرّاً، إلاّ العمل. ألا لا يدَّعيَنَّ مدَّعٍ ولا يتمنَّيَنَّ متمنٍّ، والذي بعثني بالحقّ، لا ينجي إلاّ عملٌ مع رحمة، ولو عصيْتُ لهوَيْتُ»([44]).
وروى طاووس اليماني قائلاً: رأيت الإمام عليّ بن الحسين× أثناء الطواف حول البيت، ثم أخذ يدعو ويبكي كثيراً؛ فدنَوْتُ منه، وقلتُ له: يا بن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن عليّ، وأمّك فاطمة الزهراء، وجدّك رسول الله|؟! قال: فالتفت إليَّ وقال: «هيهات هيهات، يا طاووس، دَعْ عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي، خلق الله الجنة لمَنْ أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمَنْ عصاه، ولو كان ولداً قرشياً، أما سمعْتَ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ﴾ (المؤمنون: 101)، والله لا ينفعك غداً إلاّ تقدمة تقدّمها من عملٍ صالح»([45]).
وفي روايةٍ أخرى، عن الحسن بن موسى الوشّاء البغدادي قال: كنتُ بخراسان مع عليّ بن موسى الرضا× في مجلسه، و[أخوه] زيد بن موسى حاضرٌ، وقد أقبل على جماعةٍ في المجلس يفتخر عليهم ويقول: نحن ونحن، وأبو الحسن× مقبلٌ على قومٍ يحدِّثهم، فسمع مقالة زيد، فالتفت إليه، فقال: يا زيد، أغرّك قولُ بقّالي الكوفة: إن فاطمة أحصَنَتْ فرجها فحرَّم الله ذرّيتها على النار، والله ما ذلك إلاّ للحسن والحسين وولد بطنها خاصّةً. فأمّا أن يكون موسى بن جعفر× يطيع الله، ويصوم نهاره، ويقوم ليله، وتعصيه أنت، ثم تجيئان يوم القيامة سواء؛ لأنت أعزّ على الله ـ عزَّ وجلَّ ـ منه. إنّ عليّ بن الحسين’ كان يقول: لمحسننا كِفْلان من الأجر، ولمسيئنا ضعفان من العذاب. وقال الحسن الوشّاء: ثمّ التفت إليَّ، وقال: يا حسن، كيف تقرؤون هذه الآية: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾… لما عصى الله عزَّ وجلَّ نفاه الله عن أبيه، كذا مَنْ كان منّا لم يُطِع الله فليس منّا، وأنتَ إذا أطعْتَ الله فأنْتَ منّا أهل البيت»([46]).
وجاء في روايةٍ أخرى: «… لا تكن ممَّنْ يرجو الآخرة بغير عملٍ»([47]).
وفي روايةٍ أخرى، عن الهروي، عن الرضا، عن أبيه’ قال: إن إسماعيل قال للصادق×: يا أبتاه، ما تقول في المذنب منّا ومن غيرنا؟ فقال×: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ (النساء: 123)»([48]).
2ـ هناك روايات أخرى في هذا الشأن تعدِّد أوصاف الشيعة، وتؤكِّد على أن الولاية لا معنى لها من دون العمل. إن الشيعي الحقيقي والمحبّ الصادق هو الذي يكون من أهل الطاعة.
روى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر× أنه قال: «لا تَذْهَبْ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، فَوَاللهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلاَّ مَنْ أَطَاعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ»([49]).
وعَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ×، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنْ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟! فَوَاللهِ مَا شِيعَتُنَا إِلاَّ مَنْ اتَّقَى اللهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ ـ يَا جَابِرُ ـ إِلاَّ بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّخَشُّعِ وَالأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْغَارِمِينَ وَالأَيْتَامِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الأَشْيَاءِ. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ! فَقَالَ: يَا جَابِرُ، لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلاَّهُ ثُمَّ لا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً، فَلَوْ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ، فَرَسُولُ اللهِ| خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ×، ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ، وَلا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً. فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللهِ. لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ. يَا جَابِرُ، وَاللهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلا عَلَى اللهِ لأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ. مَنْ كَانَ للهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ للهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وِلايَتُنَا إِلاَّ بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ»([50]).
وعن الإمام الباقر× أنه قال: «وَاللهِ مَا مَعَنَا مِنَ اللهِ بَرَاءَةٌ، وَلا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ قَرَابَةٌ، وَلا لَنَا عَلَى اللهِ حُجَّةٌ، وَلا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُطِيعاً للهِ تَنْفَعُهُ وِلايَتُنَا، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَاصِياً للهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وِلايَتُنَا… وَيْحَكُمْ، لا تَغْتَرُّوا… وَيْحَكُمْ، لا تَغْتَرُّوا»([51]).
وعن الإمام الحسن× أنه قال: «إنّ شيعتنا هم الذين يتَّبعون آثارنا، ويطيعوننا في جميع أوامرنا ونواهينا، فأولئك شيعتنا؛ فأما مَنْ خالفنا في كثيرٍ ممّا فرضه الله عليه فليسوا من شيعتنا»([52]).
وعن الإمام الصادق× أنه قال: «ليس من شيعتنا مَنْ قال بلسانه، وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكنّ شيعتنا مَنْ وافقنا بلسانه وقلبه، واتَّبع آثارنا، وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا»([53]).
وطبقاً لبعض الروايات فإنّ الذي يرتكب المعاصي لا يُعَدّ شيعياً، وإنما هو مجرَّد محبٍّ. فقد جاء في رواية أنه قيل لأمير المؤمنين×: إن فلاناً غارقٌ في المعاصي المهلكة، ومع ذلك يدَّعي أنه من شيعتك، فأنكر الإمام× أن يكون من الشيعة، وقال: «إنه محبٌّ لنا، وليس من شيعتنا»([54])، رغم أن هناك من الروايات ما يُفهم منه أن الغارق في الذنوب لا يمكن أن يكون محبّاً حقيقياً؛ فالمحبّ الحقيقي لا يرتكب المعاصي. وقد ورد في الشعر المنسوب إلى الإمام الصادق×:
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه *** هذا لعمرك في الفعال بديعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعْتَه *** إن المحبَّ لمَنْ يحبّ مطيعُ([55])
وعن الإمام الصادق× أنه قال: «إني لأرجو النجاة لمَنْ عرف حقَّنا من هذه الأمة، إلاّ لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن. ثم تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ﴾ (آل عمران: 31)»([56]).
وعن الإمام الصادق× أن أباه× قال: «يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَنِي فِي الْعَمَل لَمْ تَنْزِلْ مَعِيَ غَداً فِي الْمَنْزِلِ. ثُمَّ قَالَ: أَبَى اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يَتَوَلَّى قَوْمٌ قَوْماً يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ يَنْزِلُونَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَلاَّ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»([57]).
إن المحبّ يجب أن يقتدي بمحبوبه. رُوي عن أمير المؤمنين× أنه قال: «أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلا وَإِنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ»([58]).
3ـ أما الطائفة الأخرى من الروايات فتصرِّح بأن المؤمنين والشيعة المذنبين سيدخلون الجنة في نهاية المطاف، ولكنّهم قبل ذلك سينالون جزاء ما اقترفوه من الذنوب والمعاصي، ولن يدخلوا الجنة إلاّ بعد تطهيرهم من الذنوب بواسطة العذاب. فقد رُوي عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «اتّقوا الله معاشر الشيعة؛ فإن الجنة لن تفوتكم، وإنْ أبطأت بها عنكم قبائح أعمالكم، فتنافسوا في درجاتها. قيل: فهل يدخل جهنّم أحدٌ من محبّيك ومحبّي عليٍّ×؟ قال: مَنْ قذر نفسه بمخالفة محمد وعليّ، وواقع المحرَّمات، وظلم المؤمنين والمؤمنات، وخالف ما رسم له من الشريعات، جاء يوم القيامة قذراً طفساً، يقول محمد وعليّ’: يا فلان، أنت قذر طفس لا تصلح لمرافقة الأخيار، ولا لمعانقة الحور الحِسان، ولا الملائكة المقرَّبين، لا تصل إلى هناك إلاّ بأن يطهر عنك ما هاهنا ـ يعني ما عليك من الذنوب ـ، فيدخل إلى الطبق الأعلى من جهنم، فيُعذَّب ببعض ذنوبه، ومنهم مَنْ يصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه، ثم يلتقطه من هنا مَنْ يبعثهم إليه مواليه من خيار شيعتهم، كما يلقط الطير الحبّ، ومنهم مَنْ يكون ذنوبه أقلّ وأخفّ، فيطهر منها بالشدائد والنوائب من السلاطين وغيرهم، ومن الآفات في الأبدان في الدنيا؛ ليدلى في قبره وهو طاهرٌ، ومنهم مَنْ يقرب موته، وقد بقيَتْ عليه سيئةٌ، فيشتدّ نزعه، فيكفّر به عنه… فإنْ كانت ذنوبه أعظم وأكثر طهر منها بشدائد عرصات يوم القيامة، فإنْ كانت أكثر وأعظم طهر منها في الطبق الأعلى من جهنم، وهؤلاء أشدّ محبّينا عذاباً، وأعظمهم ذنوباً. إنّ هؤلاء لا يسمَّوْن بشيعتنا، ولكن يسمَّوْن بمحبّينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا، إنما شيعتنا مَنْ شايعنا واتَّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا»([59]).
ومن الجدير بالذكر أن هذا العذاب المؤقَّت الذي يؤدّي إلى التطهير هو نوعٌ من اللطف والرحمة الإلهية؛ لأن تعريض المؤمن العاصي إلى العذاب يخلِّصه كما يخلص الذهب والفضّة عند تعريضهما إلى النار أيضاً: «إنّ النّار حقيقةً صورة الرحمة الإلهية لأهل التوحيد؛ فإنّها توجب وصولهم إلى الكمالات المترقّية، بإلقاء الغرائب والهيئات المظلمة، وتصيِّرهم قابلين للشفاعة»([60]).
النتائج
1ـ إن أهمّ ما يجب الالتفات إليه في مسألة الجمع بين الروايات هو ملاحظة خلفية صدور كلّ واحدة من تلك الروايات. فإن الروايات الصادرة في خصوص بحث الإمامة والولاية إنما هي بصدد التأكيد على ضرورة الاعتقاد بالولاية، ودورها في سعادة الفرد ونجاته. وحيث لم تكن هذه الروايات بصدد بيان عناصر النجاة بالتفصيل فإنها لم تُشِرْ إلى أهمّية العمل الصالح في مفهوم النجاة.
ومن ناحيةٍ أخرى فإن الروايات التي تستعرض أوصاف الشيعة إنما هي بصدد تشجيعهم وحثّهم على الفضائل، وعلى مكارم الأخلاق، وإنها تذكر الكمالات للشيعة، بحيث إننا لو أخذنا بظواهرها وجب علينا إخراج الكثير من الشيعة من ربقة التشيّع. ومن هذا القبيل: هذه الرواية المأثورة عن الإمام الصادق× أنه قال: «لَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ لا تَتَحَدَّثُ الْمُخَدَّرَاتُ بِوَرَعِهِ فِي خُدُورِهِنَ، وَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا مَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ فِيهَا عَشَرَةُ آلافِ رَجُلٍ فِيهِمْ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَوْرَعُ مِنْهُ»([61]).
وفي الحقيقة إن هذه الرواية تشبه هذه الآية الشريفة الواردة في بيان وصف المؤمنين؛ إذ يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: 2).
ومن الواضح أن هذه الآية، وتلك الطائفة من الروايات، إنما هي في مقام بيان الشيعي الكامل، أو الفرد الأكمل من الشيعة.
والشاهد على هذه الثنائية الحاكمة على اختلاف أرضية صدور هذه الروايات هو أن تصنيف الروايات، والمسائل المطروحة حول تلك الخلفيات، إنما تذكر طائفة واحدةً من تلك الروايات فقط. فالذي ذكر في الكتب الروائية ـ على سبيل المثال ـ تحت عنوان «فضائل الشيعة»([62]) إنما يؤكِّد على مجرّد الروايات الخاصة بمنزلة وفضائل الشيعة والصالحين منهم، وتبشيرهم بالصفح والعفو عن ذنوبهم، وقلَّما تشير إلى أوصافهم. ومن ناحيةٍ أخرى فإن الكتب التي كتبت في موضوع أوصاف وآداب الشيعة([63]) إنما أكَّدت على الأوصاف والمَلَكات الأخلاقية للشيعة. صحيحٌ أن بعض هذه الروايات الواردة في هذا الباب تطالب بالكمال المطلوب من الشيعة، بَيْدَ أن التبعية للأئمة الأطهار في امتثال الأوامر الإلهية واجتناب المحرّمات هو الحدّ الأدنى من الأمور التي يجب على الشيعة تلبيتها. فعلى الشيعي الحقيقي ـ طبقاً لمقولة أمير المؤمنين عليّ×: «أَلا وَإِنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ»([64]) ـ أن يسعى في الحدّ الأدنى إلى تحقيق هذا المقدار من الوَرَع والعفّة. ومن الجدير ذكره أنه طبقاً لمقتضيات المكاتيب الخاصّة، ولا سيَّما الخطب الواردة في هذا الشأن، يتمّ طرح الروايات من الطائفة الأولى، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الإفراط والتفريط.
وعلى هذا الأساس، فإنه، على الرغم من اختلاف أرضية صدور الروايات، يتعيَّن علينا الالتفات إلى أننا عندما نضمّ هاتين الطائفتين من الروايات إلى بعضها نضطرّ إلى التخلّي عن إطلاقها. ومن ناحيةٍ أخرى فإن الروايات المرتبطة بالعمل، والتي تحظى بدعم وتأييد الآيات القرآنية، تعمل على تخصيص أو تقييد الروايات المتعلقة بالولاية. ومن جهةٍ أخرى إننا نحمل الروايات التي تعدِّد أوصاف الشيعة على بيان وتعريف الشيعة الكاملين، وأما الروايات التي تتحدَّث عن غفران الذنوب وحاجة الشيعة إلى الشفاعة فنحملها على غير الكاملين من الشيعة([65]).
2ـ إن الروايات المرتبطة بالولاية في مقام التشجيع على التمسّك بولاية ومحبة الأئمة الأطهار بوصفهم حبل الله المتين؛ كي يتمكَّن المتمسِّكون بهذا الحبل من أتباع الولاية من سلوك مسار الهداية؛ لأن الولاية هي الطريق إلى معرفة الحقائق الدينية والمعارف الإلهية. وقد ورد في صحيحة زرارة، عن الإمام الصادق×، بعد بيان أركان الإسلام الخمسة، أنه قال: «الْوِلايَةُ أَفْضَلُ؛ لأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ، وَالْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ»([66]). إن هذا الكمّ الكبير من التأكيد في الروايات على محبّة الأئمة والأولياء إنما هو من أجل تحفيز الشيعة وتشجيعهم على التشبُّه بالأئمة، والتخلُّق بأخلاقهم؛ إذ يلعب الحبّ والمودّة دَوْراً كبيراً في التربية الدينية، كما كان لحبّ الإمام عليّ× دورٌ جوهري في تاريخ الإسلام. وإن استقامة وصمود عشّاق عليّ×، من أمثال: أبي ذرّ الغفاري وحجر بن عديّ وأضرابهما، خيرُ شاهدٍ على ذلك.
3ـ يجب الالتفات إلى أنه إذا تمّ ذكر بعض الفضائل للمعتقدين بولاية ومحبّة أهل البيت^، وبيان البشارة لهم، فإن المعنيَّ بذلك هم المعتقدون بالولاية حقيقةً، والذين يكونون من الشيعة والمحبّين الحقيقيين. ومن الواضح أن الشيعي والمحبّ الحقيقي هو الذي يقتدي بمحبوبه ومولاه، ولا يقارب المعاصي والذنوب. وفي الحقيقة إن الولاية تعني اتّحاد المؤمن بالوليّ. ولا يمكن للشخص أن يدّعي الارتباط الخاص والاتحاد بالولي إلاّ إذا سار على منهج مولاه، واتّبع عقيدته. وفي هذه الحالة لا يمكن أن يقترف الذنوب. إن هذا الارتباط والاتّحاد يجب أن يبلغ حدّاً بحيث يستأصل المؤمن عن جميع التعلُّقات الدنيوية، ويرفعه إلى العالم الأعلى. وإن الذي يتَّحد مع النبيّ وأهل البيت، ويشعر في قلبه بالمودة تجاههم، ستحلو العبادة في ذائقته، ولن يكون طعم الذنوب عندهم إلاّ مُرّاً. وعليه ليست جميع أنواع الولاية والمحبّة من الشيعة مشمولة لتلك الفضائل؛ إذ غالباً ما يكون ادّعاء المحبة مجرَّد وَهْم وخيال، كما رُوي عن الإمام الباقر× أنه قال: «لا تُنَالُ وِلايَتُنَا إِلاَّ بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ»([67]).
كما يجب علينا أن نبذل جهداً ودقّة أكبر في فهم وتفسير هذا النوع من الروايات. فعلى سبيل المثال: إن الرواية القائلة: «إن محبة عليّ بن أبي طالب× حسنةٌ لا تضرّ معها سيئة» إنما تعني أن «محبة أمير المؤمنين× هي نوعٌ من المحبّة العقلانية، لأنه× يتَّصف بالفضائل الحقيقية، وإن محبته هي في الحقيقة محبّةٌ لتلك الحقائق والفضائل، والذي يمتلك مثل هذا الحبّ لتلك الفضائل إنما يبلغ السعادة بواسطة العمل بها، وبذلك لا يتضرَّر باقتراف أيّ سيئةٍ»([68]). ولو كانت محبّة الإمام عليّ× ـ وهو المثال الكامل للإنسانية والطاعة والعبودية والأخلاق ـ صادقةً ولم تكن مجرّد رياءٍ وتظاهر، فإنها سوف تشكِّل حاجزاً ورادعاً عن ارتكاب المعاصي، ويكون مثلها كالمصل المضادّ للسموم، واللقاح الذي يُكْسِب الفرد مناعةً من الأمراض والآفات. إن حبّ إمامٍ مثل عليٍّ× ـ الذي يمثِّل التجسيد العملي للورع والتقوى ـ يجعل من المحبّ أسيراً لسلوك هذا الإمام، ويخرج من قلبه وفكره مقاربة المعاصي والذنوب. وعليه فإن معنى هذه الرواية ليس كما ذهب إليه الجهّال، من القول بأن محبة عليٍّ× هي من الأمور التي تبيح للفرد أن يقترف ما يشاء من الذنوب؛ إذ ليس هناك من تأثيرٍ سلبي للذنوب ـ بزعمهم ـ مع وجود هذا الحُبّ([69])، بل المعنى الصحيح لهذا الحديث أن حصول المرء على مثل هذا المحبوب يشكِّل رادعاً للمحبّ عن الضلال وارتكاب الذنوب.
4ـ يبدو من بعض الروايات الخاصّة بغفران الذنوب الكبيرة أنها ناظرةٌ إلى الأعمال السابقة، وكأنها تمنح الشخص المؤمن فرصةً ليتدبَّر في ما جنَتْه يداه في الأزمنة الماضية، فلا يعود إلى مثله، ويباشر المسير على طريق الهداية. وقد قال العلامة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى: ﴿أَنْ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِي * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ (نوح: 3 ـ 4): «هي الذنوب التي قبل الإيمان… وأما الذنوب التي لم تقترف بعدُ ممّا سيستقبل فلا معنى لمغفرتها قبل تحقُّقها، ولا معنى أيضاً للوعد بمغفرتها إنْ تحقَّقت في المستقبل، أو كلّما تحقَّقت؛ لاستلزام ذلك إلغاء التكاليف الدينية؛ بإلغاء المجازاة على مخالفتها. ويؤيِّد ذلك ظاهر قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ (الأنفال: 38). وأما قوله تعالى يخاطب المؤمنين من هذه الأمّة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ﴾ (الصفّ: 10 ـ 12) فهو وإنْ كان ظاهراً في مغفرة جميع الذنوب، لكنْ رتِّبت المغفرة فيه على استمرار الإيمان والعمل الصالح وإدامتهما ما دامت الحياة، فلا مغفرة فيه متعلِّقة بما لم يتحقَّق بعدُ من المعاصي والذنوب المستقبلة، ولا وعد بمغفرتها كلّما تحقَّقت»([70]).
5ـ إن الوعد بالجنّة وبلوغ النجاة في مورد بعض العصاة من المؤمنين قد يشير إلى العاقبة والمصير، بمعنى أن الولاية تقتضي وصولهم إلى النجاة. فلو أن شخصاً سقط في الشهوات غفلةً، أو ضعف أمام الذنوب، من الطبيعي أن يتمّ وَسْمُه بعدم الطاعة، وعليه لذلك أن يتحمَّل وزر أعماله، وأن ينال جزاءه وعقابه. ولكن مع ذلك يبقى لديه أملٌ بوصوله إلى ساحل النجاة؛ بسبب ما يتَّصف به من الولاية والمحبّة لأهل البيت^.
6ـ إن الذي يأمل بالشفاعة عليه أن يقوم من جانبه ببعض الخطوات التي تجعله مستحقّاً لتلك الشفاعة. فإن مفردة «الشفاعة» مأخوذةٌ من مادة «الشفع»، والشفع يعني امتزاج شيئين ببعضهما. فعلى الشخص المؤمن هنا أن يتحلّى بنوعٍ من التعلُّق الأخلاقي بالأئمة^، وأن يكتسب بسبب هذا التعلُّق نوعاً من النور الذي يحقِّق الشفاعة من خلال امتزاجه بنور ولايتهم([71]). وبعبارةٍ أخرى: إن القبول بالولاية يمثِّل شرطاً لازماً، ولكنْ لا يمكن أن يكون كافياً لوحده. وبالالتفات إلى ما تقدَّم فإن ادّعاء الولاية وحده ـ من دون الإطاعة والعمل الصالح ـ ادعاءٌ واهٍ وضعيف.
7ـ الأمر الأخير هو أنه يبدو من اللحن الثنائي في هاتين الطائفتين من الروايات أنها تسعى إلى إيجاد نوع من التوازن بين الخوف والرجاء لدى المؤمنين؛ فهي من جهةٍ تدعو إلى الخوف من مغبّة عدم قبول الأعمال من قبل الله وأوليائه؛ وتدعو من جهة أخرى إلى الرجاء والأمل بالرحمة الإلهية وشفاعة أولياء الله.
الهوامش
(*) أستاذٌ جامعيّ متخصِّصٌ في اللاهوت المسيحي، ورئيس كلّية مقارنة الأديان واللاهوت المسيحي التابعة لجامعة الأديان والمذاهب في إيران. له أعمالٌ علميّة متعدِّدة.
([1]) انظر: المائدة: 5؛ الكهف: 18.
([2]) انظر: إبراهيم: 18؛ النور: 39.
([3]) انظر: مرتضى المطهري، ياد داشت هاي أستاد مطهري 8: 29. (مصدر فارسي).
([4]) وانظر أيضاً: الأنعام: 164؛ الإسراء: 15؛ فاطر: 18؛ الزمر: 7.
([5]) انظر: أحمد مصطفى المراغي، تفسير المراغي 8: 92، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1364هـ؛ وهبة الزحيلي، التفسير المنير 5: 286، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1418هـ.
([6]) انظر: العلامة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 564 ـ 565، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417هـ؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 157، الشريف الرضي، قم، 1370هـ.ش.
([7]) انظر: المصدر السابق؛ القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة: 688، مكتبة وهبة، القاهرة، 1408هـ.
([8]) انظر: القاضي عبد الجبّار، شرح الأصول الخمسة: 688؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 157.
([9]) وانظر أيضاً: البقرة: 254؛ المدَّثر: 48.
([10]) انظر: العلامة ابن المطهَّر الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 565، ترجمه إلى الفارسية: أبو الحسن الشعراني، كتابفروشي إسلاميه، طهران، 1398هـ؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 157.
([11]) وانظر أيضاً: طه: 109؛ البقرة: 255.
([12]) مرتضى المطهري، العدل الإلهي، ضمن سلسلة الأعمال الكاملة 1: 228 ـ 230، انتشارات صدرا، 1374هـ.ش (مصدر فارسي).
([13]) أحمد أمين، فجر الإسلام: 292، دار الكتاب العربي، ط11، بيروت، 1975م.
([15]) مرتضى المطهري، ياد داشت هاي أستاد مطهري 6: 281، انتشارات صدرا، 1382هـ.ش (مصدر فارسي).
([16]) سلطان محمد الجنابادي (سلطان علي شاه)، مجمع السعادات: 332، انتشارات حقيقت، طهران، 1379هـ.ش (مصدر فارسي).
([17]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 18، دار صعب، ط4، بيروت، 1401هـ.
([18]) محمد بن محمد المفيد، الأمالي: 115، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1412هـ.
([19]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 27: 173، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ.
([20]) هاشم بن سليمان البحراني، نهاية الإكمال: 196، نشر تاسوعاء، طهران، 1421هـ، نقلاً عن: أمالي الطوسي: 290؛ البرهان في تفسير القرآن 4: 594.
([21]) انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 35: 346؛ 7: 179؛ 37: 217؛ 68: 67؛ 38: 95؛ 40: 26، وغيرها من المواضع الأخرى.
([24]) المصدر السابق 68: 124 ـ 125.
([27]) الخواجوي، الرسائل الاعتقادية: 39، نقلاً عن: أمالي الشيخ الصدوق 1: 166.
([28]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 68: 113.
([29]) هاشم بن سليمان البحراني، نهاية الإكمال: 173، نقلاً عن: أمالي الشيخ الصدوق: 186؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 27: 101؛ محمد بن محمد المفيد، الأمالي: 43.
([30]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 68: 124.
([31]) هاشم بن سليمان البحراني، نهاية الإكمال: 253.
([32]) وانظر أيضاً: البقرة: 80 ـ 82؛ النجم: 31؛ الأحقاف: 19؛ التحريم: 7؛ الروم: 44؛ التوبة: 105؛ الحجر: 92؛ النحل: 32.
([33]) وانظر أيضاً: الأعراف: 96؛ النحل: 112.
([34]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 181، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1393هـ.
([35]) وانظر أيضاً: الإسراء: 13؛ الزلزلة: 8.
([36]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 232.
([37]) محمد بن حسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 1: 89، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403هـ.
([38]) محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، المعروف بـ (تفسير الطبري) 3: 273، دار المعرفة، بيروت، 1409هـ.
([39]) محمد بن يعقوب الكليني، فروع الكافي 3: 231 ـ 233 (كتاب الجنائز)؛ محمد حسين الطباطبائي، إنسان أز آغاز تا أنجام: 80، انتشارات الزهراء، 1371هـ.ش (مصدر فارسي).
([40]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 96: 185.
([41]) نهج البلاغة، قصار الحكم، الحكمة رقم 227.
([42]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 38.
([43]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 96: 221.
([44]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 2: 863، دار إحياء التراث العربي، 1387هـ.
([45]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 46: 81 ـ 82.
([46]) المصدر السابق 49: 218 ـ 219؛ 96: 221 ـ 222.
([48]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 96: 221.
([49]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 73.
([52]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 68: 162. وانظر أيضاً: بحار الأنوار 68: 149 ـ 154؛ 49: 219؛ 36: 388؛ 78: 188.
([54]) انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 68: 155. ملاحظة: لم نعثر على هذا الحديث في المصدر. المعرِّب.
([55]) المصدر السابق 47: 24؛ 70: 15؛ 78: 174.
([56]) انظر: هاشم بن سليمان البحراني، نهاية الإكمال: 173.
([57]) محمد بن يعقوب الكليني، الروضة من الكافي 8: 254.
([58]) نهج البلاغة، الكتاب رقم 45.
([59]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 68: 154؛ وانظر أيضاً: بحار الأنوار 68: 155، ح11.
([60]) الإمام الخميني، تعليقات على شرح فصوص الحكم (الفصّ الإبراهيمي): 105، دار المحجة البيضاء، بيروت، 1422هـ.
([61]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 79.
([62]) انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج68، باب فضائل الشيعة.
([63]) انظر: الملاّ محسن الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج4، كتاب أخلاق الأئمة وآداب الشيعة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1403هـ.
([64]) نهج البلاغة، الكتاب رقم 45.
([65]) انظر: إبراهيم القطيفي، الفرقة الناجية: 267، تصحيح: محمد حسن محمدي مظفر، انتشارات زائر، قم، 1382هـ.ش.
([66]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 17 ـ 18.
([68]) السيد أبو الحسن الرفيعي القزويني، غوصي در بحر معرفت، رسالة حول عقائد الإمامية: 281، انتشارات إسلام، 1376هـ.ش (مصدر فارسي).
([69]) انظر: مرتضى المطهري، العدل الإلهي: 331 ـ 332.
([70]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 20: 24 ـ 25، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 2006م.
([71]) انظر: تقريرات فلسفه إمام خميني (بقلم: السيد عبد الغني الأردبيلي) 3: 608، مؤسسة تنظيم ونشر آثار إمام خميني، 1381هـ.ش (مصدر فارسي).