الشيخ محمد باقر ملكيان(*)
قد زعم بعض المعاصرين أنّ كلّ صفة من صفات الأئمّة التي هي فوق صفات سائر الناس ليس له أصلٌ صريح ونصّ صحيح، بل كلّ ما رُوي في ذلك من اختلاق الغلاة ووضعهم.
وبنى زعمه هذا على مقدّمات:
1ـ إنّ القرآن يصرّح:
أـ بأنّ الخالق والرازق([1]) هو الله تعالى شأنه.
ب ـ وأنّه عزَّ وجلَّ يعلم الغيب وما يخفى([2]).
ج ـ وهو ـ تبارك وتعالى ـ المقنِّن والمشرِّع([3]).
والمتفاهم العرفي من هذه النصوص أنّ هذه الصفات تختصّ بالله عزَّ وجلَّ فقط، وهذا لا يناسب تفويض هذه الصفات إلى غيره أيضاً، كما قال به المشركون وعابدو الأصنام([4]).
2ـ القرآن يصرّح بأنّ الأنبياء ـ كسائر الناس ـ يعيشون معهم ويموتون([5]).
والفرق بينهم وبين سائر الناس في الإيحاء إليهم([6]) فحَسْب([7]).
3ـ بعدما توفّي رسول الله| ظهرت جذور الغلوّ في المجتمع الإسلامي، وهذا اشتدّ في عصر الصادق×، بحيث برز الغلوّ في صورة فِرَق، كالخطّابية([8]).
فهم أحدثوا في الإسلام بِدَعاً كثيرة([9]).
منها: القول بأنّ الأئمة من آل محمد يعلمون الغيب، بل قالوا بالتفويض، ومن هنا اشتهروا بالمفوِّضة.
فهم اعتقدوا أنّ النبيّ| والأئمة هم أوّل مَنْ خلق الله، وهو عزَّ وجلَّ خلقهم بيده، من طينةٍ تختلف عن طينة سائر الناس([10]).
ثمّ إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فوَّض أمور هذا العالم ـ من الخلق والرزق والإحياء والإماتة([11]) وتشريع الأحكام([12]) ـ إليهم.
4ـ وبإزاء الغلاة قد قال جماعةٌ من أكابر الشيعة وثقاتهم بأنّ الأئمة هم علماء أبرار([13])، منهم: عبد الله بن أبي يعفور([14]).
إلاّ أنّ الغلاة والمفوضّة أظهروا لهم العداوة، بل وضعوا أحاديث في التشنيع عليهم. فمثلاً: اختلقوا على لسان الإمام الصادق× بأنّ الذين شيَّعوا جنازة عبد الله بن أبي يعفور هم مرجئة الشيعة([15])!
ومن بعدهم وصلت النوبة إلى علماء مدرسة قم ومحدِّثيها، فهم واجهوا الغلاة والمفوضّة بشدّة، وتعاملوا معهم تعاملاً حادّاً([16]).
فمثلاً: أخرجوا بعض الغلاة من قم.
ومنهم: سهل بن زياد. قال النجاشي فيه: كان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من قم إلى الريّ، وكان يسكنها([17]).
وقال في أبي سمينة محمد بن عليّ القرشي الصيرفي: كان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدّةً، ثمّ تشهّر بالغلوّ، فجُفي، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم، وله قصّةٌ([18]).
وقال الكشّي في الحسين بن عبيد الله المحرّر: ذكره أبو عليّ أحمد بن عليّ السلولي شقران، قرابة الحسن بن خرّزاذ وختنه على أخته: إنّ الحسين بن عبيد الله القمّي أُخرج من قم في وقتٍ كانوا يُخرجون منها مَنْ اتَّهموه بالغلوّ([19]).
بل قد قصدوا قتل مَنْ اتّهم بالغلوّ، مثل: ابن أورمة.
قال النجاشي في ترجمته: ذكره القمّيون، وغمزوا عليه، ورموه بالغلوّ، حتّى دسّ عليه مَنْ يفتك به، فوجدوه يصلّي من أوّل الليل إلى آخره، فتوقَّفوا عنه. وقال بعض أصحابنا: إنّه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث× إلى أهل قم في معنى محمد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به([20]).
5ـ وبإزاء علماء مدرسة قم جماعة من المفوّضة، حيث أنكروا على علماء قم، واتّهموهم بأنهم مقصِّرون([21])، أي إنهم قصر فهمهم عن درك مقام الأئمة وعلوّ شأنهم([22]).
هذا ملخَّص ما ذكره في المقام([23]).
ولكنّ ما ذكره وادّعاه خلاف مقتضى التحقيق، بل ذلك كلّه خلطٌ وخبط. وبيان ذلك:
قد مرّ منّا أنّ كتاب الكشّي مشتملٌ على نصوص حول اعتقادات الشيعة حول مسألة الإمامة عبر السنين والقرون.
والآن نحن بصدد بيان تفصيل ذلك؛ فنقول ـ ومن الله عزَّ وجلَّ نستمدّ التوفيق ونسأله الهداية ـ: إنّ الذي يظهر من تتبُّع نصوص هذا الكتاب أنّ الشيعة قد مرّت في مبحث الإمامة بثلاثة أدوار ومراحل:
الأوّل: ويبتدئ هذا الدور من أوّل يوم طُرحت مسألة الإمامة في الإسلام إلى عهد الصادقَيْن.
الثاني: ويبتدئ هذا الدور من عهد الصادقَيْن إلى ابتداء إمامة الإمام المهديّ#، أي الغيبة الصغرى.
الثالث: ويبتدئ هذا الدور من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى.
وهذا إجمال هذه الأدوار، وأمّا تفصيله فإليك بيانه:
الدور الأوّل
إنّ مسألة الإمامة قد طرحت منذ عهد النبيّ|، وتلواً لمسألة النبوّة. ولعلّنا نجد أوّل إظهار لهذه المسألة حين إنذار العشيرة.
فقد روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عليّ بن أبي طالب× قال: لمّا نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ ورهطك المخلصين دعا رسول الله| بني عبد المطّلب، وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، فقال: أيّكم يكون أخي ووصيّي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي؟ فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً، كلّهم يأبى ذلك، حتّى أتى عليّ، فقلتُ: أنا يا رسول الله، فقال: يا بني عبد المطّلب، هذا أخي ووارثي ووصيّي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي، فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعضٍ، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام([24]).
وامتدّ إظهار هذه المسألة إلى حجّة الوداع في غدير خمّ([25])، وإلى مرض موت النبيّ| حين دعا بقلم ودواة([26]).
فمن هذا العهد طرحت مسألة الإمامة، إلا أنّ طرح مسألة الإمامة في هذا العهد بدائية، وليس فيها إلاّ غرس الاصطلاح بشكلٍ بسيط جدّاً، ثمّ طرح بعض الجذور الأساسية.
وكيفما كان، الإمامي في هذا العهد هو كلّ مَنْ قال بإمامة أمير المؤمنين عليّ× وخلافته نصّاً ووصية، ولم يبحث عن صفات الإمام ـ ككونه عالماً بالغيب مثلاً ـ إلاّ كونه منصوصاً.
ففي رجال الكشّي تجد المائز بين الشيعة وغيرهم في هذا العهد القول بتقديم أمير المؤمنين× على غيره في الإمامة.
ولهذا شواهد كثيرة:
روى الكشي في المهديّ، مولى عثمان، مسنداً عن زرارة، عن أبي جعفر×: إنّ المهديّ مولى عثمان أتى فبايع أمير المؤمنين× ـ ومحمد بن أبي بكر جالسٌ ـ، قال: أبايعك على أنّ الأمر كان لك أوّلاً، وأبرأ من فلان وفلان وفلان، فبايعه([27]).
وروى في محمد بن أبي بكر، مسنداً عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر×: إنّ محمد بن أبي بكر بايع عليّاً× على البراءة من أبيه([28]).
وروى في موضعٍ آخر عن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر×: عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر×: ارتدّ النّاس إلاّ ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذرّ والمقداد، قال: قلتُ: فعمّار؟ قال: قد كان جاض جَيْضةً ثمّ رجع.
ثمّ قال: إنْ أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيءٌ فالمقداد.
فأمّا سلمان فإنّه عرض في قلبه عارضٌ أنّ عند أمير المؤمنين× اسم الله الأعظم لو تكلَّم به لأخذتهم الأرض ـ وهو هكذا ـ، فلُبِّبَ ووُجِئَت عنقه حتّى تركت كالسلقة، فمرّ به أمير المؤمنين× فقال له: يا أبا عبد الله، هذا من ذاك، بايِعْ، فبايع.
وأمّا أبو ذرّ فأمره أمير المؤمنين× بالسكوت، ولم يكن يأخذه في الله لومة لائمٍ، فأبى إلاّ أن يتكلّم، فمرّ به عثمان فأمر به.
ثمّ أناب الناس بعد، فكان أوّل مَنْ أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة، وكانوا سبعةً، فلم يكن يعرف حقّ أمير المؤمنين× إلاّ هؤلاء السبعة([29]).
وروى في يحيى بن أمّ الطويل، مسنداً عن صفوان، عمَّنْ سمعه، عن أبي عبد الله× قال: ارتدّ الناس بعد قتل الحسين× إلاّ ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أمّ الطويل، وجبير بن مطعم، ثمّ إنّ الناس لحقوا وكثروا([30]).
ومثله ما نقله النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب حيث قال: الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله| أخذوا بقول عليّ×، وإذا اختلف الناس عن عليّ× أخذوا بقول جعفر بن محمد×([31]).
كما أنّك لم تجد القول بكون الإمام× عالماً بالغيب أو معصوماً في هذا العهد حتّى بين الخواصّ من أصحاب الأئمة، بل تجد خلاف ذلك في بعض الأحيان.
قال الكشّي في ميثم: رُوي عن أبي الحسن الرضا×، عن أبيه، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ قال: أتى ميثم التمّار دار أمير المؤمنين× فقيل له: إنّه نائمٌ، فنادى بأعلى صوته: انتبه أيّها النائم، فوالله لتخضبنّ لحيتك من رأسك، فانتبه أمير المؤمنين×، فقال: أدخلوا ميثماً، فقال له: أيّها النائم ـ والله ـ لتخضبنّ لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت ـ والله ـ لتقطعنّ يداك ورجلاك ولسانك، ولتقطعنّ النخلة التي بالكناسة، فتشقّ أربع قطع، فتصلب أنت على ربعها، وحجر بن عديّ على ربعها، ومحمد بن أكثم على ربعها، وخالد بن مسعود على ربعها.
قال ميثم: فشككت في نفسي، وقلتُ: إنّ عليّاً ليخبرنا بالغيب، فقلتُ له: أَوَكائن ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إي وربّ الكعبة، كذا عهده إليّ النبيّ|.
إلى أن قال: فقال لي [أي عبيد الله بن زياد]: لتبرأنّ من عليٍّ ولتذكرنّ مساوئه، وتتولّى عثمان وتذكر محاسنه، أو لأقطعنّ يديك ورجليك ولأصلّبنّك، فبكيت، فقال لي: بكيت من القول، دون الفعل! فقلتُ: واللهِ، ما بكيت من القول، ولا من الفعل، ولكنّي بكيت من شكٍّ كان دخلني يوم خبَّرني سيّدي ومولاي([32]).
وقال في سفيان بن أبي ليلى الهمداني ـ وهو من حواريّي أصحاب الإمام الحسن×، كما نصّ عليه في موضعٍ آخر([33]) ـ: رُوي عن عليّ بن الحسن الطويل، عن عليّ بن النعمان، عن عبد الله بن مُسْكان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر× قال: جاء رجلٌ من أصحاب الحسن× يقال له: سفيان بن أبي ليلى، وهو على راحلة له، فدخل على الحسن×، وهو مُحْتَبٍ في فناء داره، قال: فقال له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، فقال له الحسن×: انزل ولا تعجل، فنزل، فعقل راحلته في الدار، وأقبل يمشي حتى انتهى إليه، قال: فقال له الحسن×: ما قلتَ؟! قال: قلتُ: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، قال: وما علمك بذلك؟! قال: عمدت إلى أمر الأمّة فخلعته من عنقك، وقلّدته هذه الطاغية، يحكم بغير ما أنزل الله، قال: فقال له الحسن×: سأخبرك لِمَ فعلتُ ذلك، قال: سمعتُ أبي يقول: قال رسول الله|: لن تذهب الأيّام والليالي حتّى يلي أمر الأمّة رجلٌ واسع البُلْعُوم، رَحْب الصدر، يأكل ولا يشبع، وهو معاوية، فلذلك فعلتُ([34]).
وقال في الأحنف بن قيس: إنّ عليّاً× كان يأذن لبني هاشم، وكان يأذن لي معهم، قال: فلمّا كتب إليه معاوية: إنْ كنت تريد الصلح فامْحُ عنك اسم الخلافة استشار بني هاشم، فقال له رجلٌ منهم: انزح هذا الاسم نزحه الله، قالوا: فإنّ كفّار قريش لمّا كان بين رسول الله| وبينهم ما كان كتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله أهل مكّة، فكرهوا ذلك، وقالوا: لو نعلم أنّك رسول الله ما منعناك أن تطوف بالبيت، قال: فكيف إذن؟ قالوا: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله وأهل مكّة، فرضي.
قال الأحنف: فقلت لذلك الرجل كلمة فيها غلظة، وقلتُ لعليٍّ: أيّها الرجل، والله ما لك ما قال رسول الله|، إنّا ما حابيناك في بيعتنا، ولو نعلم أحداً في الأرض اليوم أحقّ بهذا الأمر منك لبايعناه، ولقاتلناك معه، أقسم بالله إنْ محوتَ عنك هذا الاسم الذي دعوت الناس إليه وبايعتهم عليه لا يرجع إليك أبداً([35]).
وروى في رميلة، مسنداً عنه، قال: وعكت وَعَكاً شديداً في زمان أمير المؤمنين×، فوجدت من نفسي خفّةً يوم الجمعة، فقلت: لا أصيب شيئاً أفضل من أن أفيض عليَّ من الماء وأصلّي خلف أمير المؤمنين×، ففعلتُ، ثمّ جئتُ المسجد، فلمّا صعد أمير المؤمنين× المنبر عاد عليَّ ذلك الوَعَك، فلمّا انصرف أمير المؤمنين× دخل القصر، ودخلت معه، فالتفت إليّ أمير المؤمنين×، وقال: يا رميلة، ما لي رأيتك وأنت منشبك بعضك في بعض؟! فقصصت عليه القصّة التي كنت فيها، والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه، فقال لي: يا رميلة، ليس من مؤمن يمرض إلاّ مرضنا لمرضه، ولا يحزن إلاّ حزنّا لحزنه، ولا يدعو إلاّ أمّنّا له، ولا يسكت إلاّ دعونا له، فقلت: يا أمير المؤمنين، جعلت فداك هذا لمَنْ معك في المصر، أرأيت مَنْ كان في أطراف الأرض؟ قال: يا رميلة، ليس يغيب عنّا مؤمنٌ في شرق الأرض ولا في غربها([36]).
وروى في قيس بن سعد بن عبادة، مسنداً عن فضيل غلام محمد بن راشد، قال: سمعتُ أبا عبد الله× يقول: إنّ معاوية كتب إلى الحسن بن عليّ ـ صلوات الله عليهما ـ أن اقدم أنت والحسين وأصحاب عليّ، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعدّ لهم الخطباء، فقال: يا حسن، قُمْ فبايع، فقام فبايع، ثمّ قال للحسين×: قُمْ فبايع، فقام فبايع، ثمّ قال: قُمْ يا قيس فبايع، فالتفت إلى الحسين× ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس إنّه إمامي، يعني الحسن×([37]).
فالشكّ في قول أمير المؤمنين× في إخباره الغيبي، وخطاب الإمام الحسن× بأنّه مذلّ المؤمنين، و…، كلّ هذه تعني عدم اعتقادهم بكون الإمام عالماً بالغيب.
ففي كتاب حقائق الإيمان المنسوب إلى الشهيد الثاني([38]): أمّا التصديق بكونهم معصومين مطهَّرين عن الرجس…، والتصديق بكونهم منصوصاً عليهم من الله تعالى ورسوله، وأنّهم حافظون للشرع، عالمون بما فيه صلاح أهل الشريعة من أمور معاشهم ومعادهم، وأنّ علمهم ليس عن رأيٍ واجتهاد، بل عن يقينٍ تلقَّوْه عن مَنْ لا ينطق عن الهوى، خَلَفاً عن سَلَفٍ، بأنفسٍ قوية قدسية، أو بعضه لدني من لدن حكيم خبير، وأنّه لا يصحّ خلوّ العصر عن إمامٍ منهم، وإلاّ لساخت الأرض بأهلها، وأنّ الدنيا تتمّ بتمامهم، ولا تصحّ الزيادة عليهم…
فهل يعتبر في تحقُّق الإيمان أم يكفي اعتقاد إمامتهم ووجوب طاعتهم في الجملة؟ فيه الوجهان السابقان في النبوّة.
ويمكن ترجيح الأوّل بأنّ الذي دلّ على ثبوت إمامتهم دلّ على جميع ما ذكرناه، خصوصاً العصمة؛ لثبوتها بالعقل والنقل.
وليس بعيداً الاكتفاء بالأخير، على ما يظهر من حال رواتهم ومعاصريهم من شيعتهم في أحاديثهم، فإنّ كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم؛ لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنّهم علماء أبرار، يعرف ذلك مَنْ تتبَّع سيرهم وأحاديثهم. وفي كتاب أبي عمرو الكشّي جملة مطلعة على ذلك، مع أنّ المعلوم من سيرتهم مع هؤلاء أنّهم كانوا حاكمين بإيمانهم، بل عدالتهم([39]).
ففي هذا العهد انقسم المسلمون إلى صنفين: الشيعة والسنّة؛ فكلّ مَنْ قال بالنصّ على الإمام فهو شيعي؛ وإلاّ فسنّي.
ولا تجد في هذا العهد تفرُّقاً في صنف الشيعة أنفسهم. وهذا قضية كلّ فكرة في بداية أمرها.
فمثلاً: ما يتديّن به كلّ مسلم في بدو دعوة النبيّ| هو الشهادة بالتوحيد([40])، وليس فيها إظهار الفرائض ـ كالحجّ والجهاد والزكاة وغيرها ـ، فضلاً عن الالتزام بها، إلا أنّه في مرحلة النضج صار ترك الصلاة بمنزلة الكفر([41])، أو مَنْ مات ولم يحجّ مات يهودياً أو نصرانياً([42]).
فالإمامة في هذا العهد أمرٌ بسيط جدّاً، فلم تكن منشأً للتفرُّق والتحزُّب، كما لا يخفى.
الدور الثاني
ويبتدئ هذا الدور ـ كما قلنا ـ من عهد الصادقين إلى ابتداء إمامة الإمام المهديّ#، أي الغيبة الصغرى.
وهذه المرحلة هي مرحلة النضج، وإعطاء الأُكُل على صعيد التفلسف والتعمّق والتمحيص.
قال الكشّي في أبي اليسع عيسى بن السري: جعفر بن أحمد، عن صفوان، عن أبي اليسع قال: قلتُ لأبي عبد الله×: حدّثني عن دعائم الإسلام التي بني عليها، إلى أن قال: قال رسول الله|: مَنْ مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهليّةً، وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59)، وكان عليّ×، وقال الآخرون: لا بل معاوية، إلى أن قال: ثمّ كان أبو جعفر، وكانت الشيعة قبله لا يعرفون ما يحتاجون إليه من حلالٍ ولا حرام، إلاّ ما تعلّموا من الناس، حتّى كان أبو جعفر×، ففتح لهم وبيَّن لهم وعلَّمهم، فصاروا يعلِّمون الناس بعدما كانوا يتعلّمون منهم([43]).
ونقله العياشي هكذا: كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم ولا حلالهم ولا حرامهم، حتّى كان أبو جعفر×، فحجّ لهم، وبين مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم، حتّى استغنوا عن الناس، وصار الناس يتعلَّمون منهم([44]).
فقول الشيخ المفيد بأنّه اتّفقت الإمامية على أنّ إمام الدين لا يكون إلاّ معصوماً من الخلاف لله تعالى، عالماً بجميع علوم الدين، كاملاً في الفضل، بائناً من الكلّ بالفضل عليهم في الأعمال التي يستحقّ بها النعيم المقيم([45])، لهذه المرحلة ومن بعده.
ثمّ إنّا سبرنا كتاب بصائر الدرجات ـ وهو من أهمّ مصادر الإمامية في بحث الإمامة، بل هو المصدر الوحيد لبعض روايات مباحث الإمامة ـ، واستخرجنا جميع روايات التي ترتبط بمسألة علم الغيب من هذا الكتاب. وهذا يؤيِّد ما قلنا من أنّ هذه المسألة قد طُرحت منذ عهد الصادقين، وأمّا قبلهما فالنصوص حول هذه المسألة قليلةٌ جدّاً.
والمتحصِّل من جميع ذلك، الذي يرتبط بالمقام، هو([46]):
الأمر الأوّل
إنّك تجد أنّ أكثر هذه الروايات منقولة عن الصادقين([47])، وهذا لا يعني دسّ هذه الروايات من قِبَل الرواة الغالين في هذا العهد، بل هذا يعني كون عهد الصادقين مرحلة النضج في معارف الشيعة الإمامية.
ولا يَرِدُ عليه قول الوحيد البهبهاني، حيث قال: الظاهر أنّ كثيراً من القدماء ـ سيَّما القمّيين منهم، وابن الغضائري ـ كانوا يعتقدون للأئمة منزلةً خاصّة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال، بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي ارتفاعاً وغلوّاً، حَسْب معتقدهم([48]).
كما لا يَرِدُ عليه قول المحقِّق المامقاني: إنّ أكثر من رُمي بالغلوّ بريءٌ من الغلوّ في الحقيقة، وإنّ أكثر ما يُعَدّ اليوم من ضروريّات المذهب في أوصاف الأئمّة كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلوّ([49]).
بدعوى([50]) أنّ ما هو الضروري اليوم من القول في الأئمة بأنّهم معصومون عالمون بالغيب هو مخالفٌ لرأي القدماء، وهو ما أحدثه الغلاة([51]).
والدليلُ على ذلك:
أـ وجدان جذور هذه الروايات في روايات الدور الأوّل، وهي مرحلة غرس الاصطلاح وطرح الجذور الأساسية.
فلذلك تجد في هذا الباب روايات عن:
1ـ رسول الله|([52]).
2ـ أمير المؤمنين×([53]).
3ـ الإمام السجّاد×([54]).
ب ـ تأييد هذه الروايات بما ورد عن الإمام الكاظم×([55]) ومَنْ بعده من الأئمة([56]).
ج ـ تشابه وضع الروايات المعارفية والروايات الفقهية في المقام، فإنّ أكثر الروايات الفقهية لم تُرْوَ إلاّ في عهد الصادقين.
وهذا خصوصية عصر النضج في تاريخ العلوم.
نعم، لو لم يكن عهد الصادقين عصر النضج، أو كان أسلوب الروايات المعارفية في بنية الألفاظ أو العبارات لم يشبه أسلوب الكلام في هذا العهد([57])، يمكن أن يوقعنا ذلك في الشكّ والترديد، إلا أنّ الأمر في المقام ليس كذلك.
الأمر الثاني
إنّ هذه الروايات مرويّةٌ في أحد الكتب المشهورة المؤلَّفة من أحد محدِّثي مدرسة قم وأكابرها([58])، كما أنّ نقله وإجازته أيضاً من قبل علماء هذه المدرسة كابن الوليد المتشدِّد في أمر الرواية عن الغلاة.
قال الشيخ في الفهرست، في ترجمة الصفّار: له كتبٌ مثل كتب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب بصائر الدرجات. أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار.
وأخبرنا جماعةٌ، عن محمد بن عليّ بن الحسين، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن رجاله، إلاّ كتاب بصائر الدرجات، فإنّه لم يَرْوه عنه محمد بن الحسن بن الوليد.
وأخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفّار([59]).
فيظهر من الطريق الأوّل أنّ ابن الوليد هو أحد الطرق إلى كتاب البصائر، وإن كان استثنى هذا الكتاب في إجازته للصدوق.
وقال النجاشي، في ترجمة الصّفار: كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية.
أخبرنا بكتبه كلّها، ما خلا بصائر الدرجات، أبو الحسين عليّ بن أحمد بن محمد بن طاهر الأشعري القمّي قال: حدَّثنا محمد بن الحسن بن الوليد، عنه، بها.
وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عنه، بجميع كتبه وببصائر الدرجات([60]).
ومنه يظهر أنّ محمد بن يحيى العطّار القمّي الذي قال النجاشي فيه: شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين([61])، هو الطريق الآخر لكتاب البصائر.
فيظر من جميع ذلك أنّ كتاب البصائر لم ينقل إلاّ بواسطة أكابر مدرسة قم([62]).
فكثيرٌ مما زعم هذا المعاصر أنّها من مختلقات الغلاة لم تصل إلينا إلاّ بواسطة محدِّثي مدرسة قم!
كما أنّ كثيراً من هذه المضامين وردت في كتاب الكافي، الذي كان أكثر مصادره من مصنَّفات أكابر محدِّثي مدرسة قم وثقاتها، وبواسطتهم، مثل: عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمي، ومحمد بن يحيى العطّار القمّي، وأحمد بن إدريس الأشعري القمّي، والحسين بن محمد الأشعري القمّي، وغيرهم.
كما أنّ كثيراً من هذه المضامين وردت في كتب الصدوق.
فهذه الزيارة الجامعة التي وردت في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه، المدّعى صحّة جميع ما ورد فيه، بل حجّةٌ فيما بين الصدوق وبين الله عزَّ وجلَّ، فقد ورد فيها: أشهد أنّكم الأئمّة الراشدون، المهديّون، المعصومون، المكرّمون، المقرّبون، المتّقون، الصادقون، المصطفون، المطيعون لله، القوّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسرّه، واجتباكم بقدرته، وأعزّكم بهداه، وخصّكم ببرهانه، وانتجبكم بنوره، وأيّدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججاً على بريّته، وأنصاراً لدينه، وحفظةً لسرّه، وخزنةً لعلمه، ومستودعاً لحكمته، وتراجمةً لوحيه، وأركاناً لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلاّء على صراطه، عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهَّركم من الدَّنَس… الحقّ معكم وفيكم ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه، وميراث النبوّة عندكم، وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم، وفصل الخطاب عندكم، وآيات الله لديكم، وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وأمره إليكم… وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت، بعضها من بعض، خلقكم الله أنواراً، فجعلكم بعرشه محدقين، حتّى مَنَّ علينا بكم، فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمُه، وجعل صلواتنا عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا، وطهارةً لأنفسنا، وتزكيةً لنا، وكفّارةً لذنوبنا([63]).
بل قال في اعتقاداته: اعتقادُنا في الأنبياء والرسل والأئمّة والملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ أنّهم معصومون مطهَّرون من كلّ دَنَس، وأنّهم لا يذنبون ذنباً، لا صغيراً ولا كبيراً، و﴿لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. ومَنْ نفى عنهم العصمة في شيءٍ من أحوالهم فقد جهلهم([64]).
الأمر الثالث
قد نُقل كثيرٌ من روايات البصائر ـ التي زعمها هذا المعاصر أنّها من مجعولات الغلاة ـ عن ثقات الرواة وفقهائهم، مثل:
1ـ أبان بن تغلب([65]).
2ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي([66]).
3ـ إسحاق بن عمّار([67]).
4ـ بريد بن معاوية العجلي([68]).
5ـ بكير بن أعين([69]).
6ـ ثابت بن دينار، أبو حمزة الثمالي([70]).
7ـ الحارث بن المغيرة النضري([71]).
8ـ زرارة([72]).
9ـ سماعة([73]).
10ـ صفوان([74]).
11ـ عبد الله بن أبي يعفور([75]).
12ـ عبد الله بن بكير([76]).
13ـ عبد الله بن جندب([77]).
14ـ عبد الله بن سنان([78]).
15ـ عبد الله بن مُسْكان([79]).
16ـ عبد الرحمن بن أبي نجران([80]).
17ـ عليّ بن جعفر([81]).
18ـ عليّ بن سويد([82]).
19ـ عمّار الساباطي([83]).
20ـ الفُضَيْل بن يسار([84]).
21ـ محمد بن مسلم([85])، وغيرهم.
ثمّ إنّه نقول:
الأوّل
كلّ فعل عظيم وصفة عالية ليس من الصفات الإلهية فقط، بل قد تسند تلك الأوصاف والأفعال إلى المكرمين من المخلوقات.
قال السيّد الخوئي: إنّ قوله: «الله أكبر من أن يوصف» لا يدلّ على اختصاص الأكبرية من ذلك به تعالى، ونفيها عن غيره، فلعلّ هناك موجوداً، كالنبيّ الأكرم| أو ملك مُقرَّب، هو أيضاً أكبر من أن يوصف، كما أن قوله: الله أكبر من كلّ شيء لا يدلّ على أنّه تعالى غير محدود بحدٍّ وغير قابل للوصف، بل غايته أنّ كلّ موجودٍ في الخارج فالله سبحانه أكبر منه، وأمّا أنّه تعالى أكبر من أن يوصف وأجلّ من أن يحدّد بحدٍّ فلا دلالة للكلام عليه([86]).
الثاني
قد وصف القرآن الكريم بعض عباد الله الأصفياء بصفاتٍ فوق صفات البشرية:
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ (آل عمران: 44؛ يوسف: 102).
﴿تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ﴾ (هود: 49).
﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ (الكهف: 65).
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ (الكهف: 84).
﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الشورى: 52).
﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحديد: 25).
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ (الجنّ: 26 ـ 27).
فالقول الصواب أنّ الله عزَّ وجلَّ أعطى بعض عباده الأصفياء من الصفات ما لم يُعْطِ سائر الناس، فهم بصفاتهم هذه ليسوا أرباباً دون الله([87])، بل هم عباده، و﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنبياء: 27).
فإلى هذا أشار معروف بن خربوذ، حيث قال ـ معلِّقاً على قول أبي جعفر×: قال أمير المؤمنين×: أنا وجه الله، أنا جنب الله، وأنا الأوّل وأنا الآخر، وأنا الظاهر وأنا الباطن، وأنا وارث الأرض، وأنا سبيل الله، وبه عزمت عليه ـ: ولها تفسيرٌ غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ([88]).
نعم، الضابطة في صحّة إسناد النعوت والأوصاف لهم على كون إمكان كون تلك الصفة صفة المخلوقين، وإنْ لم يكتَنِهْ العقل المحدود للبشر كُنْهَ حقيقة تلك الصفة بنحو التفصيل، لكنّه يدرك إجمالاً أنّ الصفة صفةُ ممكنٍ حادث، لا صفة مختصّة بالذات الأزلية([89]).
الثالث
إنّ الأمر بالنسبة إلى إنكار الأئمّة على الغلاة والتشديد عليهم قسمان:
1ـ إنّ الغلاة أسندوا أفعالاً عظيمة وصفات عالية إلى الأئمة المعصومين، وهم قد أصابوا من هذه الجهة، إلا أنّهم يريدون أن يثبتوا بذلك أمراً آخراً، وهو أنّ الإمام الذي كان له هذه الصفات والكرامات يستحقّ أن يكون ربّاً وإلهاً ـ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ـ.
والأئمّة قد أنكروا عليهم هذه الملازمة. ولذلك ترى أنّ في ما رُوي عنهم في الردّ على الغلاة ورد أنّهم ليسوا بربٍّ، بل هم عبادٌ مخلوقون. كما قد ورد في بعضها ـ على ما سيأتي ـ تنظير مقالة الغلاة بمقالة النصارى، وبراءة الأئمة عنهم كبراءة عيسى× من النصارى، مع أنّ الوارد في التنزيل: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ (آل عمران: 49)([90])، فالقول بكون عيسى يخلق ليس بمستنكرٍ ما لم ينجرّ إلى الملازمة المزعومة.
وإليك أنموذج من ذلك:
أـ روى الكشّي، في ترجمة أبي الخطّاب، عن محمد بن مسعود قال: حدّثني عبد الله بن محمد بن خالد، عن عليّ بن حسان، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد الله×، قال: ذُكر عنده جعفر بن واقد ونفرٌ من أصحاب أبي الخطّاب، فقيل: إنّه صار إلى بيروذ، وقال فيهم: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ﴾ (الزخرف: 84)، قال: هو الإمام، فقال أبو عبد الله×: لا واللهِ، لا يأويني وإيّاه سقفُ بيت أبداً، هم شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، والله ما صغَّر عظمة الله تصغيرهم شيءٌ قطّ، إنّ عزيراً جال في صدره ما قالت فيه اليهود، فمحا الله اسمه من النبوّة. والله لو أنّ عيسى أقرّ بما قالت النصارى لأورثه الله صَمَماً إلى يوم القيامة، والله لو أقرَرْتُ بما يقول فيَّ أهل الكوفة لأخذتني الأرض، وما أنا إلاّ عبدٌ مملوك لا أقدر على شيءٍ، ضرٍّ ولا نفعٍ([91]).
ب ـ روى الصدوق، عن الرضا×، أنّه يقول في دعائه: اللهم مَنْ زعم أنّنا أرباب فنحن إليك منه براء، ومَنْ زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليك منه براء، كبراءة عيسى× من النصارى. اللهم إنّا لم نَدْعُهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يزعمون([92]).
ج ـ روى الشيخ في أماليه، بسند صحيح ـ على الأصحّ ـ، عن الفضيل بن يسار قال: قال الصادق×: احذروا على شبابكم الغلاة، لا يفسدونهم، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله، يصغِّرون عظمة الله، ويدّعون الربوبية لعباد الله. واللهِ، إنّ الغلاة شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا([93]).
د ـ وفي تفسير الإمام العسكري×، عن أبي الحسن الرضا×: إنّ هؤلاء الضلاّل الكفرة ما أتوا إلاّ من جهلهم بمقادير أنفسهم، حتّى اشتدّ إعجابهم بها، وكثر تعظيمهم لما يكون منها، فاستبدّوا بآرائهم الفاسدة، واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير السبيل الواجب، حتّى استصغروا قَدْر الله، واحتقروا أمره، وتهاونوا بعظيم شأنه([94]).
هـ ـ روى الصدوق، مسنداً عن جابر بن عبد الله قال: لما قدم عليّ× على رسول الله| بفتح خيبر قال له رسول الله|: لولا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلتُ فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأٍ إلاّ أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به([95]).
2ـ إنّ الغلاة رأوا ما ورد حولهم من أنّهم محدَّثون، أو رأوا ما ورد في مشابهتهم بالأنبياء، فحكموا بكونهم أنبياء. فالأئمة أنكروا عليهم في هذا الفهم الخاطئ، لا أنّهم نفوا كونهم محدَّثين أو شبههم بالأنبياء.
وأمثلة ذلك كثيرة، منها:
أـ عن الحكم بن عتيبة قال: دخلتُ على عليّ بن الحسين× يوماً فقال: يا حكم، هل تدري الآية التي كان عليّ بن أبي طالب× يعرف قاتله بها، ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟ قال الحكم: فقلتُ في نفسي: قد وقعت على علمٍ من علم عليّ بن الحسين أعلم بذلك تلك الأمور العظام، قال: فقلتُ: لا والله لا أعلم، قال: ثمّ قلتُ: الآية تخبرني بها يا بن رسول الله قال: هو واللهِ قول الله ـ عزَّ ذكره ـ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ﴾ ولا محدّث، وكان عليّ بن أبي طالب× محدّثاً. فقال له رجلٌ، يقال له: عبد الله بن زيد، كان أخا عليٍّ لأمّه: سبحان الله محدّثاً؟! كأنّه ينكر ذلك، فأقبل علينا أبو جعفر× فقال: أما واللهِ، إنّ ابن أمّك بعد قد كان يعرف ذلك، قال: فلما قال ذلك سكت الرجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطّاب، فلم يَدْرِ ما تأويل المحدّث والنبيّ([96]).
ب ـ عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر×: إنّ عليّاً× كان محدّثاً، فخرجت إلى أصحابي فقلتُ: جئتكم بعجيبةٍ، فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعتُ أبا جعفر× يقول: كان عليٌّ× محدّثاً، فقالوا: ما صنعت شيئاً، ألا سألتَه مَنْ كان يحدِّثه؟ فرجعت إليه فقلتُ: إنّي حدَّثت أصحابي بما حدَّثتني، فقالوا: ما صنعت شيئاً، ألا سألتَه مَنْ كان يحدِّثه؟ فقال لي: يحدّثه ملك، قلتُ: تقول: إنّه نبيٌّ، قال: فحرَّك يده هكذا أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أَوَما بلغكم أنّه قال: وفيكم مثله([97]).
ج ـ روى الكشّي، مسنداً عن أبي العبّاس البقباق قال: تذاكر ابن أبي يعفور ومعلّى بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء، وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء، قال: فدخلا على أبي عبد الله×، قال: فلمّا استقرّ مجلسهما، قال: فبدأهما أبو عبد الله× فقال: يا عبد الله، أبرأ ممَّنْ قال: إنّا أنبياء([98]).
د ـ عن حمران بن أعين قال: قلتُ لأبي عبد الله×: أنبياء أنتم؟ قال: لا، قلتُ: فقد حدَّثني مَنْ لا أتّهم أنك قلتَ: إنّكم أنبياء، قال: مَنْ هو؟ أبو الخطّاب؟ قال: قلتُ: نعم، قال: كنتُ إذن أهجر، قال: قلتُ: فبِمَ تحكمون؟ قال: نحكم بحكم آل داوود([99]).
إذا عرف ذلك فاعلم أنّ المقصِّرين ـ بتعبير الشيخ المفيد ـ لم يلتفتوا إلى وجه الإنكار، بل تخيَّلوا أنّ الأئمة أنكروا عليهم اللازم والملزوم معاً.
أو رأوا الإنكار على بعض الغلاة في إباحتهم المحرّمات وترك الواجبات([100]) أو حبّهم الرئاسة([101])، فزعموا أنّ الإنكار عليهم مطلقاً.
كما أنّ الردّ في التشابه بهم في بعض المباحث الفرعية الفقهية ـ كمسألة وقت صلاة المغرب([102]) ـ ليس معناه عدم إصابتهم في هذه المباحث، بل لتحذير جماعة الشيعة عنهم حتّى في المباحث الفرعية؛ لئلاّ يطمع الغلاة فيهم في المسائل الاعتقادية.
ولأجله نرى رمي بعض أصحابنا الإمامية بالغلوّ، مع أنّهم من أعاظم الأصحاب، وليس ذلك إلاّ لأجل معاشرتهم مع الغلاة والمتَّهمين بالغلوّ.
هذا المفضَّل بن عمر، الذي هو من الوكلاء المحمودين للأئمة ـ على ما ذكره الشيخ([103]) ـ، قال فيه النجاشي: فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يُعبأ به. وقيل: إنّه كان خطّابياً([104]). وهذا لمعاشرته مع المتَّهمين.
قال نصر بن الصبّاح، رفعه عن محمد بن سنان: إنّ عدّةً من أهل الكوفة كتبوا إلى الصادق× فقالوا: إنّ المفضَّل يجالس الشطّار وأصحاب الحمام وقوماً يشربون الشراب، فينبغي أن تكتب إليه، وتأمره أن لا يجالسهم([105]).
جهات البحث في هذا العهد
فالنزاع والاختلاف في الإمامة في هذا العهد حول المحورين:
1ـ الاختلاف في مصداق الإمام المنصوص
الإبهام والترديد في مصداق الإمام المنصوص قد أوجب الانشعاب والتحزُّب في هذا العهد.
وقد نشاهد أنّ بعض أعاظم أصحابنا وقعوا في هذا الترديد والتحيُّر.
فعن عليّ بن يقطين قال: لمّا كانت وفاة أبي عبد الله× قال الناس بعبد الله بن جعفر، واختلفوا، فقائلٌ قال به، وقائلٌ قال بأبي الحسن×، فدعا زرارة ابنه عبيداً فقال: يا بنيّ، الناس مختلفون في هذا الأمر، فمَنْ قال بعبد الله فإنّما ذهب إلى الخبر الذي جاء: أنّ الإمامة في الكبير من ولد الإمام، فشُدَّ راحلتك وامْضِ إلى المدينة حتّى تأتيني بصحّة الأمر.
فشدّ راحلته ومضى إلى المدينة، واعتلّ زرارة، فلمّا حضرته الوفاة سأل عن عبيد، فقيل: إنّه لم يقدم، فدعا بالمصحف فقال: اللهمّ إنّي مصدِّق بما جاء نبيّك محمد في ما أنزلته عليه، وبيّنته لنا على لسانه، وإنّي مصدِّق بما أنزلته عليه في هذا الجامع، وإنّ عقيدتي وديني الذي يأتيني به عبيد ابني وما بيَّنته في كتابك، فإنْ أمتَّني قبل هذا فهذه شهادتي على نفسي وإقراري بما يأتي به عبيد ابني، وأنت الشهيد عليّ بذلك. فمات زرارة، وقدم عبيد، فقصدناه؛ لنسلِّم عليه، فسألوه عن الأمر الذي قصده، فأخبرهم أنّ أبا الحسن× صاحبهم([106]).
وعن هشام بن سالم قال: كنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله×، أنا ومؤمن الطّاق أبو جعفر، قال: والناس مجتمعون على أنّ عبد الله صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطّاق، والناس مجتمعون عند عبد الله، وذلك أنّهم روَوْا عن أبي عبد الله×: إنّ الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهةٌ.
فدخلنا نسأله عمّا كنّا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كَمْ تجب؟ قال: في مائتين خمسة، قلنا: ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف درهم، قال: قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا! فرفع يديه إلى السماء، فقال: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة.
قال: فخرجنا من عنده ضلاّلاً لا ندري إلى أين نتوجَّه، أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حيارى، لا ندري إلى مَنَ نقصد وإلى مَنْ نتوجَّه، نقول: إلى المرجئة؟! إلى القدريّة؟! إلى الزيديّة؟! إلى المعتزلة؟! إلى الخوارج؟!
قال: فنحن كذلك إذ رأيتُ رجلاً شيخاً لا أعرفه يومي إليَّ بيده، فخِفْتُ أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر([107])، وذاك أنّه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون على مَنْ اتّفق من شيعة جعفر فيضربون عنقه، فخِفْتُ أن يكون منهم، فقلت لأبي جعفر: تَنَحَّ؛ فإنّي خائفٌ على نفسي وعليك، وإنّما يريدني ليس يريدك، فتَنَحَّ عنّي لا تهلك، وتعين على نفسك، فتنحّى غير بعيدٍ، وتبعت الشيخ، وذاك أنّي ظننتُ أنّي لا أقدر على التخلُّص منه، فما زلت أتبعه حتّى ورد بي على باب أبي الحسن موسى×، ثمّ خلاني ومضى، فإذا خادمٌ بالباب، فقال لي: ادخل رحمك الله.
قال: فدخلت، فإذا أبو الحسن×، فقال لي ابتداءً: لا إلى المرجئة ولا إلى القدريّة ولا إلى الزيديّة ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج، إليّ إليّ إليّ، قال: فقلتُ له: جُعلت فداك، مضى أبوك؟ قال: نعم، قال: قلتُ: جُعلت فداك، مضى في موتٍ؟ قال: نعم، قلت: جُعلت فداك، فمَنْ لنا بعده؟ فقال: إنْ شاء الله أن يهديك هداك، قلتُ: جُعلت فداك، إنّ عبد الله يزعم أنّه من بعد أبيه، فقال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلتُ له: جُعلت فداك، فمَنْ لنا من بعده؟ فقال: إنْ شاء الله أن يهديك هداك أيضاً، قلتُ: جُعلت فداك، أنت هو؟ قال: ما أقول ذلك، قلتُ في نفسي: لم أُصِبْ طريق المسألة، قال: قلتُ: جُعلت فداك، عليك إمامٌ؟ قال: لا، فدخلني شيءٌ لا يعلمه إلاّ الله؛ إعظاماً له وهيبةً، أكثر ما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، قلتُ: جُعلت فداك، أسألك عمّا كان يسأل أبوك؟ قال: سَلْ تُخْبَر ولا تُذِعْ، فإنْ أذَعْتَ فهو الذَّبْح، قال: فسألتُه، فإذا هو بحرٌ.
قال: قلتُ: جُعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضلاّل، فألقي إليهم وأدعوهم إليك، فقد أخذتَ عليَّ بالكتمان؟ قال: مَنْ آنست منهم رشداً فألقِ إليهم وخُذْ عليهم بالكتمان، فإنْ أذاعوا فهو الذَّبْح، وأشار بيده إلى حلقه.
قال: فخرجتُ من عنده، فلقيت أبا جعفر، فقال لي: ما وراك؟ قال: قلتُ: الهدى، قال: فحدَّثته بالقصّة، قال: ثمّ لقيتُ المفضَّل بن عمر وأبا بصير، قال: فدخلوا عليه، فسمعوا كلامه، وسألوه، قال: ثمّ قطعوا عليه×.
ثمّ قال: ثمّ لقيت الناس أفواجاً، قال: فكان كلُّ مَنْ دخل عليه قطع عليه، إلاّ طائفة، مثل: عمّار وأصحابه، فبقي عبد الله لا يدخل عليه أحدٌ إلاّ قليل من الناس، قال: فلمّا رأى ذلك، وسأل عن حال الناس، قال: فأخبر أنّ هشام بن سالم صدّ عنه الناس، قال: فقال هشام: فأقعد لي بالمدينة غيرَ واحدٍ ليضربوني([108]).
وهكذا الحال في الشكّ والترديد بعد الإمام أبي الحسن الكاظم×. فلأجله نرى أنّ كثيراً من ثقات أصحاب أبي الحسن الكاظم× مالوا إلى القول بالوقف، وفيهم من أصحاب الإجماع، مثل:
1ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر؛
2ـ جميل بن درّاج؛
3ـ حمّاد بن عيسى؛
4ـ صفوان بن يحيى؛
5ـ عثمان بن عيسى؛
6ـ عبد الله بن المغيرة.
فقد روى الشيخ، مسنداً عن محمد بن أبي عمير، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ـ وهو من آل مهران، وكانوا يقولون بالوقف، وكان على رأيهم ـ، فكاتب أبا الحسن الرضا×، وتعنَّت في المسائل، فقال: كتبتُ إليه كتاباً وأضمرتُ في نفسي أنّي متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن، وهي قوله تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ (الزخرف: 40)، وقوله: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ (الأنعام: 125)، وقوله: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (القصص: 56).
قال أحمد: فأجابني عن كتابي، وكتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها، ولم أذكرها في كتابي إليه، فلمّا وصل الجواب أُنسيت ما كنت أضمرته، فقلتُ: أيّ شيءٍ هذا من جوابي؟ ثمّ ذكرت أنّه ما أضمرته.
وكذلك الحسن بن عليّ الوشّاء، وكان يقول بالوقف فرجع، وكان سببه أنّه قال: خرجتُ إلى خراسان في تجارةٍ لي، فلمّا وردته بعث إليّ أبو الحسن الرضا× يطلب منّي حبرة ـ وكانت بين ثيابي قد خفي عليَّ أمرها ـ، فقلت: ما معي منها شيءٌ، فردّ الرسول وذكر علامتها وأنّها في سفط كذا، فطلبتُها فكان كما قال، فبعثتُ بها إليه. ثمّ كتبتُ مسائل أسأله عنها، فلمّا وردت بابه خرج إليَّ جواب تلك المسائل التي أردْتُ أن أسأله عنها من غير أن أظهرتها، فرجع عن القول بالوقف إلى القطع على إمامته([109]).
وعن خالد الجوّاز قال: لمّا اختلف الناس في أمر أبي الحسن× قلتُ لخالد: أما ترى ما قد وقعنا فيه من اختلاف الناس؟! فقال لي خالد: قال لي أبو الحسن×: عهدي إلى ابني عليّ أكبر ولدي وخيرهم وأفضلهم([110]).
ولم يرتفع الشكّ والترديد إلاّ بعد التكرار والتأكيد مرّةً بعد مرّة، ومرّات بعد مرّات. وهذا دليلٌ على قوّة الشبهة والترديد.
فعن الفيض بن المختار قال: قلتُ لأبي عبد الله: جُعلت فداك، ما تقول في الأرض أتقبّلها من السلطان ثمّ أؤاجرها آخرين على أنّ ما أخرج الله منها من شيءٍ كان من ذلك النصف أو الثلث أو أقلّ من ذلك أو أكثر؟ قال: لا بأس به، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبه، لم تحفظ! قال: فقال: يا بنيّ، أَوَليس كذلك أعامل أكرتي! إنّ كثيراً ما أقول لك الزمني فلا تفعل، فقام إسماعيل فخرج، فقلتُ: جُعلت فداك، وما على إسماعيل أن لا يلزمك إذا كنت أفضيت إليه الأشياء من بعدك كما أفضيت إليك بعد أبيك، قال: فقال: يا فيض، إنّ إسماعيل ليس كأنا من أبي، قلتُ: جُعلت فداك، فقد كنّا لا نشكّ أنّ الرحال ستحطّ إليه من بعدك، وقد قلتَ فيه ما قلتَ، فإنْ كان ما نخاف، وأسأل الله العافية، فإلى مَنْ؟ قال: فأمسك عنّي، فقبَّلت ركبته وقلتُ: ارحم سيّدي، فإنّما هي النار، وإنّي ـ والله ـ لو طمعت أنّي أموت قبلك ما باليت، ولكنّي أخاف البقاء بعدك، فقال لي: مكانك، ثمّ قام إلى ستر في البيت فرفعه ودخل، ثمّ مكث قليلاً، ثمّ صاح: يا فيض، ادخل، فدخلت فإذا هو في المسجد قد صلّى فيه، وانحرف عن القبلة، فجلست بين يديه، ودخل إليه أبو الحسن×، وهو يومئذ خماسيّ، وفي يده درّة، فأقعده على فخذه، فقال له: بأبي أنت وأمّي ما هذه المِخْفَقة بيدك؟ قال: مررت بعليٍّ أخي وهي في يده يضرب بها بهيمةً فانتزَعْتُها من يده، فقال أبو عبد الله×: يا فيض، إنّ رسول الله| أفضيت إليه صحف إبراهيم وموسى، فائتمن عليها رسول الله| عليّاً×، واتّمن عليها عليٌّ الحسن×، واتّمن عليها الحسن الحسين×، واتّمن عليها الحسين عليّ بن الحسين×، واتّمن عليها عليّ بن الحسين محمد بن عليّ، واتّمنني عليها أبي، وكانت عندي، ولقد اتّمنت عليها ابني هذا على حداثته، وهي عنده، فعرفتُ ما أراد، فقلتُ له: جُعلت فداك، زدني، قال: يا فيض، إنّ أبي كان إذا أراد أن لا تردّ له دعوة أقعدني على يمينه، فدعا وأمّنتُ، فلا تردّ له دعوة، وكذلك أصنع بابني هذا، ولقد ذكرناك أمس بالموقف فذكرناك بخير، فقلتُ له: يا سيّدي، زدني، قال: يا فيض، إنّ أبي كان إذا سافر وأنا معه، فنعس وهو على راحلته، أدنيتُ راحلتي من راحلته، فوسَّدته ذراعي الميل والميلين، حتّى يقضي وطره من النوم، وكذلك يصنع بي ابني هذا، قال: قلتُ: جُعلت فداك، زدني، قال: إنّي لأجد بابني هذا ما كان يجد يعقوب بيوسف، قلتُ: يا سيّدي، زدني، قال: هو صاحبك الذي سألت عنه، فأقرّ له بحقّه، فقمتُ حتّى قبَّلتُ رأسه، ودعوت الله له.
فقال أبو عبد الله×: أما إنّه لم يؤذَن لي في أمرك، قلتُ: جُعلت فداك، أخبر به أحداً؟ قال: نعم، أهلك وولدك ورفقاءك، وكان معي أهلي وولدي ويونس بن ظبيان من رفقائي، فلمّا أخبرتهم حمدوا الله على ذلك كثيراً، وقال يونس: لا والله حتّى أسمع ذلك منه، وكانت فيه عجلة، فخرج واتّبعته، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله× قد سبقني، وقال: الأمر كما قال لك الفيض، قال: سمعتُ وأطعتُ([111]).
فلا يعقل التكرار والتأكيد بهذه المثابة إلاّ إذا كانت الشبهة والحيرة في الغاية.
كما أنّ هذا الترديد والإبهام في هذا العهد قد أوجب مسألة عرض الدين على الإمام×.
روى الكشّي، مسنداً عن عمرو بن حريث، عن أبي عبد الله×، قال: دخلتُ عليه وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد، فقلتُ له: جعلت فداك، ما حوّلك إلى هذا المنزل؟ قال: طلب النزهة، قال: قلتُ: جعلت فداك، ألا أقصّ عليك ديني الذي أدين به؟ قال: بلى يا عمرو، قلت: إنّي أدين الله بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ الساعة آتية لا رَيْبَ فيها، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت مَنْ استطاع إليه سبيلاً، والولاية لعليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين بعد رسول الله صلّى الله عليهما، والولاية للحسن والحسين، والولاية لعليّ بن الحسين، والولاية لمحمد بن عليّ ولكَ من بعده، وأنتم أئمّتي، عليه أحيا وعليه أموت، وأدين الله به.
قال: يا عمرو، هذا ـ والله ـ ديني ودين آبائي، الذي ندين الله به في السرّ والعلانية، فاتَّقِ الله، وكفّ لسانك إلاّ من خيرٍ، ولا تقل: إنّي هديت نفسي، بل هداك الله، فاشكر ما أنعم الله عليك، ولا تكن ممَّنْ إذا أقبل طعن في عينيه، وإذا أدبر طعن في قفاه، ولا تحمل الناس على كاهلك، فإنّه يوشك إنْ حملت الناس على كاهلك أن يصدّعوا شعب كاهلك([112]).
2ـ الاختلاف في صفات الإمام المنصوص
والاختلاف من هذه الجهة يوجب الغلوّ من ناحيةٍ؛ والتقصير من ناحيةٍ أخرى.
فعلى الإمام× أوّلاً: بيان صفات الإمام المنصوص، وثانياً: تبيين هذه الصفات.
ونحن نرى أنّ الاختلاف من هذه الجهة استمرّ إلى عصر الغيبة، فقال الشيخ الصدوق ـ وهو ممثِّل مدرسة قم ـ نقلاً عن شيخه ابن الوليد ـ وهو أيضاً من مشايخ هذه المدرسة ـ: أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ|([113]).
كما أنّ الشيخ المفيد ـ وهو ممثِّل مدرسة بغداد ـ يقول: فأمّا نصّ أبي جعفر بالغلوّ على مَنْ نسب مشايخ القميين وعلماءهم إلى التقصير فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلوّ الناس؛ إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم مَنْ كان مقصّراً، وإنّما يجب الحكم بالغلوّ على مَنْ نسب المحقّين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قم أم غيرها من البلاد وسائر الناس.
وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد لم نجد لها دافعاً في التقصير، وهي ما حُكي عنه أنّه قال: أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ| والإمام×، فإنْ صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصِّرٌ، مع أنّه من علماء القمّيين ومشيختهم.
وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصِّرون تقصيراً ظاهراً في الدين، وينزلون الأئمة عن مراتبهم، ويزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتّى ينكت في قلوبهم، ورأينا مَنْ يقول: إنّهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، ويدّعون مع ذلك أنّهم من العلماء، وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه([114]).
إلى هنا تمّ ما أردنا البحث حوله في الدور الثاني. ومنه يعلم الإجابة عمّا ذكره هذا المعاصر.
ولتكميل البحث نذكر الدور الثالث فنقول:
الدور الثالث
الاختلاف في هذا العهد ـ الذي يبتدئ من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى ـ أيضاً حول المحورين:
1ـ الاختلاف في مصداق الإمام المنصوص.
2ـ الاختلاف في صفات الإمام المنصوص.
وأمّا الاختلاف في المصداق فقال النوبختي ـ على ما حكى عنه الشيخ المفيد ـ: لمّا توفي أبو محمد الحسن بن عليّ بن محمد افترق أصحابه بعده ـ على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي رضي الله عنه ـ أربع عشرة فرقة:
فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر×، وأثبتوا ولادته، وصحّحوا النصّ عليه، وقالوا: هو سميّ رسول الله ومهديّ الأنام، واعتقدوا أنّ له غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى، والأولى منهما هي القصرى، وله فيها الأبواب والسفراء. ورووا عن جماعة من شيوخهم وثقاتهم أنّ أبا محمد الحسن× أظهره لهم، وأراهم شخصه. واختلفوا في سنّه عند وفاة أبيه، فقال كثيرٌ منهم: كان سنّه إذ ذاك خمس سنين؛ لأنّ أباه توفّي سنة ستين ومائتين، وكان مولد القائم× سنة خمس وخمسين ومائتين. وقال بعضهم: بل كان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكان سنّه عند وفاة أبيه ثماني سنين. وقالوا: إنّ أباه لم يمُتْ حتّى أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة؛ إذ كان خاتم الحجج ووصيّ الأوصياء وقائم الزمان.
واحتجّوا في جواز ذلك بدليل العقل؛ من حيث ارتفعت إحالته ودخل تحت القدرة، وبقوله تعالى في قصّة عيسى×: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾، وفي قصّة يحيى×: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾. وقالوا: إنّ صاحب الأمر× حيٌّ لم يمت ولا يموت ولو بقي ألف عام، حتّى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنّه يكون عند ظهوره شابّاً قويّاً في صورة ابن نيف وثلاثين سنة، وأثبتوا ذلك في معجزاته وجعلوه من جملة دلائله وآياته×.
وقالت فرقةٌ ممَّنْ دانت بإمامة الحسن×: إنّه حيٌّ لم يمت، وإنّما غاب، وهو القائم المنتظر.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ أبا محمد× مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهديّ. واعتلّوا في ذلك بخبر روَوْه أنّ القائم إنّما سمّي بذلك لأنّه يقوم بعد الموت.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ أبا محمد× قد توفّي لا محالة، وإنّ الإمام من بعده أخوه جعفر بن عليّ. واعتلّوا في ذلك بالرواية عن أبي عبد الله×: إنّ الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلاّ إليه. قالوا: فلمّا لم نَرَ للحسن× ولداً ظاهراً التجأنا إلى القول بإمامة جعفر أخيه. ورجعت فرقة ممَّنْ كانت تقول بإمامة الحسن× عن إمامته عند وفاته، وقالوا: لم يكن إماماً، وكان مدّعياً مبطلاً. وأنكروا إمامة أخيه محمد، وقالوا: الإمام جعفر بن عليّ بنصّ أبيه عليه. قالوا: إنّما قلنا بذلك لأنّ محمداً مات في حياة أبيه، والإمام لا يموت في حياة أبيه. وأمّا الحسن× فلم يكن له عقب، والإمام لا يخرج من الدنيا حتّى يكون له عقب.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ الإمام محمد بن عليّ أخو الحسن بن عليّ×، ورجعوا عن إمامة الحسن×، وادّعوا حياة محمد بعد أن كانوا ينكرون ذلك.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ الإمام بعد الحسن× ابنه المنتظر، وإنّه عليّ بن الحسن، وليس كما تقول القطعية: إنّه محمد بن الحسن، وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعية في الغيبة والانتظار حرفاً بحرف.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ القائم محمد بن الحسن× ولد بعد أبيه بثمانية أشهر وهو المنتظر، وأكذبوا مَنْ زعم أنه ولد في حياة أبيه.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ أبا محمد× مات عن غير ولد ظاهر، ولكن عن حبل من بعض جواريه، والقائم من بعد الحسن محمولٌ به، وما ولدته أمّه بعد، وإنّه يجوز أنّها تبقى مائة سنة حاملاً به، فإذا ولدته أظهرت ولادته.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ الإمامة قد بطلت بعد الحسن×، فارتفعت الأئمة، وليس في الأرض حجّة من آل محمد، وإنّما الحجّة الأخبار الواردة عن الأئمة المتقدّمين، وزعموا أنّ ذلك سائغٌ إذا غضب الله على العباد فجعله عقربةً لهم.
وقالت فرقةٌ أخرى: إنّ محمد بن عليّ، أخا الحسن بن عليّ×، كان الإمام في الحقيقة مع أبيه عليّ×، وإنّه لمّا حضرته الوفاة وصّى إلى غلامٍ له يُقال له: نفيس، وكان ثقةً أميناً، ودفع إليه الكتب والسلاح، ووصّاه أن يسلِّمها إلى أخيه جعفر، فسلّمها إليه، وكانت الإمامة في جعفر بعد محمد على هذا الترتيب.
وقالت فرقةٌ أخرى: وقد علمنا أنّ الحسن× كان إماماً، فلمّا قبض التبس الأمر علينا، فلا ندري أجعفر كان الإمام بعده أم غيره؟ والذي يجب علينا أن نقطع على أنّه لا بُدَّ من إمامٍ، ولا نقدم على القول بإمامة أحدٍ بعينه حتّى يتبين لنا ذلك.
وقالت فرقةٌ أخرى: بل الإمام بعد الحسن ابنه محمد، وهو المنتظر، غير أنّه قد مات، وسيحيا ويقوم بالسيف، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وقالت الفرقة الرابعة عشرة منهم: إنّ أبا محمد× كان الإمام من بعد أبيه، وإنّه لمّا حضرته الوفاة نصّ على أخيه جعفر بن عليّ بن محمد بن عليّ، وكان الإمام من بعده بالنصّ عليه والوراثة له، وزعموا أنّ الذي دعاهم إلى ذلك ما يجب في العقل من وجوب الإمامة مع فقدهم لولد الحسن×، وبطلان دعوى مَنْ ادّعى وجوده في ما زعموا من الإمامية.
ثمّ علَّق عليه الشيخ المفيد بقوله: وليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا، وهو من سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، إلاّ الإمامية الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن، المسمّى باسم رسول الله|، القاطعة على حياته وبقائه إلى وقت قيامه بالسيف، وهم أكثر فرق الشيعة عدداً وعلماء ومتكلِّمين ونظّاراً وصالحين وعباداً ومتفقِّهة وأصحاب حديث وأدباء وشعراء، وهم وجه الإمامية ورؤساء جماعتهم والمعتمد عليهم في الديانة. ومَنْ سواهم منقرضون، لا يعلم أحدٌ من جملة الأربع عشرة فرقة التي قدَّمنا ذكرها ظاهراً بمقالةٍ، ولا موجوداً على هذا الوصف من ديانته، وإنّما الحاصل منهم حكاية عمَّنْ سلف، وأراجيف بوجود قومٍ منهم لا تثبت([115]).
والشيخ الطوسي قسَّمهم إلى تسع فرق، وهم:
1ـ القائلون بأنّ الحسن بن عليّ لم يمت، وهو حيٌّ باقٍ، وهو المهديّ.
2ـ القائلون بأنّ الحسن بن عليّ يعيش بعد موته، وأنّه القائم بالأمر.
3ـ مَنْ ذهب إلى الفترة بعد الحسن بن عليّ× وخلوّ الزمان من إمام.
4ـ القائلون بإمامة جعفر بن عليّ بعد أخيه×.
5ـ القائلون بأنّه لا ولد لأبي محمد×.
6ـ مَنْ زعم أنّ الأمر قد اشتبه عليه فلا يدري هل لأبي محمد× ولد أم لا؟ إلا أنّهم متمسِّكون بالأوّل حتّى يصحّ لهم الآخر.
7ـ القائلون بإمامة الحسن×، وأنّه انقطعت الإمامة كما انقطعت النبوّة.
8ـ القائلون بأنّه للخلف ولداً، وأنّ الأئمة ثلاثة عشر.
9ـ القائلون بإمامة ولد أبي محمد العسكريّ، وأنّه القائم المنتظر.
ثمّ قال الشيخ: إنّ هذه الفرق كلّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبْقَ قائلٌ يقول بقولها، وذلك دليلٌ على بطلان هذه الأقاويل([116]).
وأمّا الاختلاف في صفات الإمام فتجلّى ذلك في اختلاف مدرسة قم ومدرسة بغداد، كما سبق منّا الإشارة إلى نزاع الشيخ المفيد والشيخ الصدوق؛ فنسب الشيخ الصدوق جماعة إلى الغلوّ؛ بينما نسب الشيخ المفيد جماعة من علماء قم إلى التقصير.
اللهمّ، لا تجعلنا من المعاندين الناصبين، ولا من الغلاة المفوّضين، ولا من المرتابين المقصّرين([117]).
وإلى هنا انتهى ما أردنا تقديمه في البحث حول نظرية تطوُّر الإمامة.
الهوامش
(*) باحثٌ ومحقِّق بارز في مجال إحياء التراث الرجاليّ والحديثيّ. حقَّق وصحَّح كتاب جامع الرواة، للأردبيلي، ورجال النجاشي، في عدّة مجلَّدات ضخمة.
([1]) أـ ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ (الأنعام: 102).
ب ـ ﴿أَمَّنْ يَبْدَأ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ﴾ (النمل: 64).
ج ـ ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ (الروم: 40).
د ـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ (فاطر: 3).
([2]) أـ ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ في كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (الأنعام: 59).
ب ـ ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ (يونس: 20).
ج ـ ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا في أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (هود: 31).
د ـ ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ (النمل: 65).
([3]) أـ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ (الأنعام: 57).
ب ـ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 40).
ج ـ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (يوسف: 67).
([4]) مكتب در فرايند تكامل: 57 ـ 58.
([5]) أـ ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾ (المائدة: 75).
ب ـ ﴿وَمَا أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾ (الفرقان: 20).
([6]) أـ ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ (الأنعام: 50).
ب ـ ﴿قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ (الكهف: 110؛ فصلت: 6).
([7]) مكتب در فرايند تكامل: 58.
([10]) عن الحسن بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا أحبّ أن يخلق الإمام أمر ملكاً، فأخذ شربة من ماء تحت العرش، فيسقيها أباه، فمن ذلك يخلق الإمام، فيمكث أربعين يوماً وليلة في بطن أمه لا يسمع الصوت، ثمّ يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا ولد بعث ذلك الملك، فيكتب بين عينيه: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فإذا مضى الإمام الذي كان قبله رفع لهذا منار من نور، ينظر به إلى أعمال الخلائق، فبهذا يحتج الله على خلقه. الكافي 1: 387، ح2. ولاحِظْ: الكافي 1: 387، ح3؛ تفسير العياشي 1: 374، ح83؛ الخصال: 428.
([11]) عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر× فأنشأ يقول، ابتداءً من غير أن يسأل: نحن حجة الله، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده. بصائر الدرجات 1: 61، ح1. ولاحِظْ أيضاً: بصائر الدرجات 1: 61 ـ 66؛ الكافي 1: 143 ـ 145.
([12]) عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله× قال: إنّ الله أدّب نبيَّه حتّى إذا أقامه على ما أراد قال له: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، فلمّا فعل ذلك له رسول الله| زكّاه الله فقال: ﴿إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فلمّا زكّاه فوّض إليه دينه فقال: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، فحرّم الله الخمر، وحرّم رسول الله| كلّ مسكر، فأجاز الله ذلك كلّه؛ وإنّ الله أنزل الصلاة، وإنّ رسول الله| وقَّت أوقاتها، فأجاز الله ذلك له. بصائر الدرجات 1: 379، ح5. ولاحِظْ: بصائر الدرجات 1: 378 ـ 387؛ الكافي 1: 266 ـ 268.
([13]) مكتب در فرايند تكامل: 74.
([14]) روى الكشّي، مسنداً عن أبي العبّاس البقباق قال: تذاكر ابن أبي يعفور ومعلّى بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء، وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء، قال: فدخلا على أبي عبد الله× قال: فلمّا استقرّ مجلسهما، قال: فبدأهما أبو عبد الله× فقال: يا عبد الله، أبرأ ممَّنْ قال: إنّا أنبياء. لاحِظْ: الرقم 456.
([15]) روى الكشّي، بالإسناد عن الحسن الوشّاء، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله×، قال: قال لي أبو عبد الله×: شهدتَ جنازة عبد الله بن أبي يعفور؟ قلتُ: نعم، وكان فيها ناسٌ كثير، قال: أما إنّك سترى فيها من مرجئة الشيعة كثيراً. لاحِظْ: الرقم 458.
([16]) مكتب در فرايند تكامل: 83.
([17]) رجال النجاشي، الرقم 490.
([18]) رجال النجاشي، الرقم 894.
([20]) رجال النجاشي، الرقم 891.
([21]) قال الشيخ المفيد: قد سمعنا حكايةً ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد لم نجِدْ لها دافعاً في التقصير. وهي ما حُكي عنه أنّه قال: أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ| والإمام×، فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصِّر، مع أنّه من علماء القمّيين ومشيختهم.
وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصِّرون تقصيراً ظاهراً في الدين وينـزلون الأئمة عن مراتبهم. تصحيح اعتقادات الإمامية: 135 ـ 136.
([22]) مكتب در فرايند تكامل: 84 ـ 85.
([23]) إنّ نظرنا في هذا المقام بالنسبة إلى القسم الثاني من كتاب مكتب در فرايند تكامل: «غلو، تقصير وراه ميانه». مع أنّك تجد في كلامه جهات أخر للبحث أيضاً، كالقول بأنّ هشام بن حكم طرح نظرية العصمة لأوّل مرة. مكتب در فرايند تكامل: 38. مع أنّه لم يذكر مستنداً معتبراً لكلامه. وإن كان مستنده كتاب مقالات الإسلاميين للأشعري ـ كما هو المظنون ـ فاستنباط ذلك منه محلّ تأمُّل؛ حيث إنّه ورد في كتاب مقالات الإسلاميين هكذا: اختلفت الروافض في الرسول×، هل يجوز عليه أن يعصى أم لا؟ وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ الرسول| جائز عليه أن يعصي الله، وأنّ النبيّ قد عصى في أخذ الفداء يوم بدر، فأمّا الأئمّة فلا يجوز ذلك عليهم؛ لأنّ الرسول إذا عصى فالوحي يأتيه من قبل الله، والأئمّة لا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم، وهم معصومون، فلا يجوز عليهم أن يسهوا ولا يغلطوا، وإن جاز على الرسول العصيان. والقائل بهذا القول هشام بن الحكم. والفرقة الثانية منهم يزعمون أنّه لا يجوز على الرسول× أن يعصي الله عزَّ وجلَّ، ولا يجوز ذلك على الأئمة؛ لأنّهم جميعاً حجج الله، وهم معصومون من الزلل، إلى آخر كلامه. مقالات الإسلاميين: 48 ـ 49. فمن أيّ موضعٍ منه يستنبط أن هشام هو مبدع نظريّة العصمة؟!
([24]) علل الشرائع 1: 170، ح2. ولاحِظْ أيضاً: الإرشاد 1: 49 ـ 50؛ الأمالي: 581 ـ 583، ح11؛ مسند أحمد بن حنبل 1: 111؛ مجمع الزوائد 8: 302؛ تفسير ابن أبي حاتم 9: 2826؛ تاريخ الطبري 2: 64.
([25]) حديث «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه» من الروايات المتواترة، فهو مرويٌّ عن:
أـ أمير المؤمنين×. مسند أحمد بن حنبل 1: 84؛ كتاب السنّة: 590 ـ 591، ح1358؛ مسند أبي يعلى 1: 428 ـ 430، ح567؛ المعجم الأوسط 2: 324.
ب ـ وابن عبّاس. مسند أحمد بن حنبل 1: 331؛ تاريخ بغداد 12: 340.
ج ـ والبراء بن عازب. مسند أحمد بن حنبل 4: 281؛ ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 7: 503.
د ـ وزيد بن أرقم. مسند أحمد بن حنبل 4: 368؛ 4: 372؛ المستدرك 3: 109؛ المعجم الأوسط 2: 275؛ المعجم الكبير 5: 170
هـ ـ وبريدة الأسلمي. مسند أحمد بن حنبل 5: 347؛ فضائل الصحابة: 14؛ المستدرك 3: 110؛ عبد الرزّاق الصنعاني، المصنَّف 11: 225.
و ـ وسعد بن أبي وقاص. سنن ابن ماجة 1: 45، ح121؛ المستدرك 3: 116؛ تاريخ مدينة دمشق 18: 138.
ز ـ وجابر بن عبد الله. ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 7: 495؛ كتاب السنّة: 590، ح1356.
ح ـ وأبي هريرة. ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 7: 499؛ مسند أبي يعلى 11: 307، ح6423؛ المعجم الأوسط 2: 24.
ط ـ وأبي أيّوب الأنصاري. كتاب السنّة: 590، ح1355؛ المعجم الكبير 4: 173.
ي ـ وابن عمر. كتاب السنّة: 590، ح1357؛ الكامل 5: 33.
ك ـ وطلحة. كتاب السنّة: 590 ـ 591، ح1358.
ل ـ وأبي سعيد الخدري. المعجم الأوسط 8: 213؛ التاريخ الكبير 4: 193.
م ـ وحبشي بن جنادة. المعجم الكبير 4: 17؛ الكامل 3: 256.
ن ـ وعمرو بن ذي مر. المعجم الكبير 5: 192.
س ـ ومالك بن الحويرث. المعجم الكبير 19: 291.
ع ـ وأنس. تاريخ بغداد 7: 389.
وغيرهم. وللتفصيل لاحِظْ: رسالة طرق حديث مَنْ كنت مولاه، للسيد عبد العزيز الطباطبائي.
([26]) مسند أحمد بن حنبل 1: 324؛ 1: 336؛ صحيح البخاري 1: 37؛ 5: 137؛ 7: 9؛ 8: 161؛ صحيح مسلم 5: 76؛ عبد الرزّاق الصنعاني، المصنَّف 5: 438، ح9757؛ صحيح ابن حِبّان 14: 562؛ الطبقات الكبرى 2: 242.
([38]) والنسبة غير صحيحة، بل الكتاب لزين الدين بن محسن العاملي. وللتفصيل لاحِظْ: مقالة «حقيقة الإيمان شهيد ثاني يا إيضاح البيان زين الدين بن محسن عاملي» بقلم: رضا مختاري، المنشورة في مجلة كتاب الشيعة، العدد 2.
([39]) حقائق الإيمان: 150 ـ 151.
([40]) فعن ربيعة بن عباد الديلي قال: رأيت رسول الله| بسوق ذي المجاز يقول: يا أيّها الناس، قولوا: لا إله الله تفلحوا. مسند أحمد بن حنبل 3: 492. ولاحِظْ أيضاً: مسند أحمد بن حنبل 4: 341؛ 5: 371؛ 5: 376؛ المستدرك 1: 15؛ 2: 612؛ المعجم الكبير 5: 61؛ 8: 314؛ 20: 343؛ سنن الدارقطني 3: 40؛ الطبقات الكبرى 1: 216؛ 6: 42.
([41]) قرب الإسناد: 47، ح154 ـ 155؛ الكافي 2: 386، ح9؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 206، ح616؛ ثواب الأعمال: 231، ح14؛ سنن الدارمي 1: 280؛ سنن ابن ماجة 1: 342، ح1078 ـ 1080؛ سنن أبي داوود 2: 408، ح4678؛ سنن الترمذي 4: 125؛ ح2753؛ ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 7: 222، ح43؛ مسند أبي يعلى 3: 318، ح1783؛ 4: 79، ح2102؛ صحيح ابن حِبّان 4: 304؛ المعجم الأوسط 4: 255؛ المعجم الصغير 1: 134؛ سنن الدارقطني 2: 41، ح1736.
([42]) الكافي 4: 268، ح1؛ 4: 269، ح5؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 447، ح2935؛ ثواب الأعمال: 236؛ سنن الدارمي 2: 28 ـ 29؛ ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 4: 392، ح1؛ الكامل 4: 312.
([44]) تفسير العياشي 1: 252، ح175.
([45]) أوائل المقالات: 39 ـ 40.
([46]) واعلم أنّ كتاب بصائر الدرجات مشتمل على 10 أجزاء بحسب تجزئة الصفّار، ففي المقام الرقم الأوّل عدد الجزء، والرقم الثاني عدد الباب. فمثلاً: إذا قلنا 1: 5 أي الباب الخامس من الجزء الأول.
([47]) المجموع 876 رواية، وما رُوي عن الصادقين: 706 رواية (المرويّ عن الإمام الباقر×: 223 رواية + المروي عن الإمام الصادق×: 483 رواية): أي قريب من 81 %.
([49]) تنقيح المقال، المقدّمة، الفائدة 25.
([50]) لاحِظْ هذه الدعوى بالتفصيل في مقالة «قرائت فراموش شده، بازخواني نظريه علماي أبرار»، بقلم: الشيخ محسن كَدِيوَر، فصل نامه مدرسه: 92 ـ 102، الرقم 3.
([51]) كما أنّه لم يرد على المامقاني ومَنْ سلك مسلكه بأنّه ما الدليل على كون الحقّ في المسألة مع المتأخّرين دون القدماء؟ لاحِظْ هذه الدعوى بالتفصيل في سه گفتار در غلو پژوهي: 94.
([52]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 1: 22، ح7 و9 و13؛ 2: 1، ح1؛ 2: 20، ح3 و11؛ 4: 7، ح3؛ 5: 3، ح9؛ 6: 11، ح9؛ 6: 13، ح4؛ 7: 1، ح1و2؛ 7: 15، ح4 و5 و11.
([53]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 1: 22، ح11 و12؛ 2: 3، ح2؛ 2: 15، ح5 و7؛ 2: 21، ح9؛ 4: 7، ح9.
([54]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 1: 7، ح2؛ 2: 1، ح2 و9؛ 2: 17، ح6؛ 2: 19، ح4؛ 3: 3، ح4؛ 6: 8، ح4؛ 6: 18، ح1 و3.
([55]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 1، ح8؛ 2: 3، ح12؛ 2: 17، ح22؛ 2: 19، ح9 و13؛ 3: 1، ح3؛ 3: 5، ح7.
([56]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 1: 22، ح15 و16؛ 2: 3، ح6؛ 3: 3، ح1 و3؛ 4: 11، ح8 و12؛ 5: 1، ح9.
([57]) كما هو الحال في الفقرة الأخيرة من دعاء يوم عرفة، للإمام الحسين×، أو كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام الصادق×، أو كتاب التقسيم الذي نسبه خليل بن شاهين الظاهري إليه×.
([58]) فمنه يظهر الحال في مَنْ زعم أنّ المستند في إسناد هذه الصفات كتاب مشارق أنوار اليقين للبرسي وأمثاله، بل القول بأنّ المستند في ذلك مصادر مجهولة. لاحِظْ: سه گفتار در غلو پژوهي: 86.
([59]) الفهرست: 408، الرقم 622.
([60]) رجال النجاشي، الرقم 948.
([61]) رجال النجاشي، الرقم 946.
([62]) والشيء الغريب ـ بل المضحك ـ في المقام نسبة القول بعدم العصمة إلى جماعة من قدماء أصحابنا، مع أنّ الثابت عنهم خلافه، وهم: الشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي. لاحِظْ: حيدر علي قلمداران، راه نجات أز شر غلات: 165 ـ 186، فإنّ الثابت عنهم ـ كما قلنا ـ خلافه.
فقال الصدوق: يجب أن يعتقد أنّهم [أي الأئمة] أولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، وأنّهم الشهداء على الناس، وأنهم أبواب الله والسبيل إليه، إلى أن قال: وأنهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنّهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. الهداية 1: 31 ـ 34.
وقال في موضعٍ آخر: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمّة والملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ أنّهم معصومون مطهَّرون من كلّ دَنَس، وأنّهم لا يذنبون ذنباً، لا صغيراً ولا كبيراً، و﴿لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. ومَنْ نفى عنهم العصمة في شيءٍ من أحوالهم فقد جهلهم. اعتقادات الإماميه: 96.
وقال الشيخ المفيد: اتّفقت الإمامية على أنّ إمام الدين لا يكون إلاّ معصوماً من الخلاف لله تعالى، عالماً بجميع علوم الدين، كاملاً في الفضل، بائناً من الكلّ بالفضل عليهم في الأعمال التي يستحقّ بها النعيم المقيم. أوائل المقالات: 39 ـ 40.
وقال في موضعٍ آخر: الأنبياء والأئمة من بعدهم معصومون في حال نبوّتهم وإمامتهم من الكبائر كلّها والصغائر، والعقل يجوز عليهم ترك مندوبٍ إليه على غير التعمّد للتقصير والعصيان، ولا يجوز عليهم ترك مفترض، إلاّ أنّ نبيّنا| والأئمة من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب والمفترض قبل حال إمامتهم وبعدها. تصحيح اعتقادات الإمامية: 128.
وقال السيد المرتضى: وأوجب في الإمام عصمته، إلى أن قال: فإذا وجبت عصمته وجب النصّ من الله تعالى عليه، وبطل اختيار الإمامة؛ لأنّ العصمة لا طريق للأنام إلى العلم بمَنْ هو عليها. جمل العلم والعمل: 42.
وقال في موضعٍ آخر: نطلق في الأنبياء والأئمة العصمة بلا تقييد؛ لأنّهم عندنا لا يفعلون شيئاً من القبائح، دون ما يقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم، دون الصغائر. رسائل الشريف المرتضى: 3: 326.
وقال الشيخ الطوسي: يجب أن يكون الإمام معصوماً من القبائح والإخلال بالواجبات. الاقتصاد: 189.
وقال في موضعٍ آخر: إنّ من شرط الرئيس أن يكون مقطوعاً على عصمته. الغيبة: 3.
ولا ينكر صراحة هذه النصوص في العصمة إلاّ مكابر أو معاند.
([63]) مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 610 ـ 617.
([65]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 1: 22، ح5 و10 و17؛ 3: 4، ح3؛ 6: 17، ح1.
([66]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 5: 11، ح8.
([67]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 7: 10، ح2 و3 و7؛ 9: 7، ح3 و9.
([68]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 3، ح11 و16؛ 4: 10، ح4 و8؛ 4: 11، ح1؛ 5: 1، ح12 و20؛ 5: 9، ح8 و10.
([69]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 16، ح1.
([70]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 1: 22، ح4؛ 2: 2، ح1؛ 2: 15، ح6؛ 2: 17، ح6 و12.
([71]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 17، ح10؛ 3: 1، ح9؛ 3: 6، ح2 و5 و6؛ 6: 17، ح6؛ 6: 18، ح8
([72]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 3: 1، ح4؛ 4: 7، 8؛ 5: 8، ح2؛ 5: 10، ح6 و19؛ 6: 9، ح3؛ 6: 11، ح2 و5 و6.
([73]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 15، ح4؛ 2: 21، ح13؛ 6: 10، ح1؛ 6: 15، ح1 و3.
([74]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 3: 5، ح6؛ 7: 5، ح6؛ 8: 10، ح1 و6.
([75]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 3: 2، ح4؛ 2: 19، ح7؛ 7: 6، ح2 و7.
([76]) وعلى سبيل المثال لاحظ 2: 17، ح21؛ 5: 1، ح1؛ 5: 3، ح1.
([77]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 3: 3، ح1؛ 6: 2، ح5؛ 6: 8، ح2.
([78]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 21، ح15؛ 5: 2، ح2؛ 5: 3، ح3؛ 9: 4، ح12.
([79]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 20، ح2.
([80]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 3: 3، ح1؛ 6: 2، ح3؛ 6: 8، ح5.
([81]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 1، ح8؛ 2: 19، ح9 و13؛ 8: 9، ح9؛ 10: 8، ح3.
([82]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 3، ح6 و12؛ 7: 4، ح1؛ 10: 0، ح10.
([83]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 17، ح5؛ 7: 2، ح4؛ 7: 11، ح4؛ 9: 15، ح3 و6.
([84]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 2: 1، ح5؛ 2: 21، ح5 و14 و16؛ 3: 1، ح1؛ 4: 7، ح7.
([85]) وعلى سبيل المثال لاحِظْ: 3: 2، ح1 ـ 3؛ 4: 7، ح2 و4؛ 5: 9، 1 ـ 3؛ 6: 11، ح3.
([86]) موسوعة الإمام الخوئي: 14: 107.
([87]) قال القيصري: مرتبة الإنسان الكامل عبارة عن جمع جميع المراتب الإلهية والكونية من العقول والنفوس الكلّية والجزئية ومراتب الطبيعة… فهي مضاهية للمرتبة الإلهية. ولا فرق بينهما إلا بالربوبية والمربوبية، لذلك صار خليفة الله. شرح فصوص الحكم: 24.
([89]) لاحِظْ: الإمامة الإلهية 2: 39 ـ 40. وكون هذه الضابطة لمرحلة الثبوت دون الإثبات أوضح من أن يخفى، أي أنّنا لم ننكر إسناد كلّ صفة ما لم تكن من الصفات المختصّة بالله عزَّ وجلَّ، ولكن استناد أيّ صفة إليهم موقوفٌ على دليل، ولو كان الدليل عموم رواية. وقد قلنا ذلك في الإيضاح حتّى لا يتوهّم بأنّ الضابطة المذكورة تلزم القول بصحة ادّعاء أنّ الإمام الصادق× هو مستكشف قارة أمريكا ـ مثلاً ـ. لاحِظْ: سه گفتار در غلو پژوهي: 75. وليس لنا تعليق حول هذا التوهُّم إلاّ أن نقول: نعوذ بالله من سبات العقل. نهج البلاغة: 265.
وأضعف منه القول بأنّ إسناد هذه الصفات إلى الأئمة ينافي كونهم أسوة؛ لأنّه كيف يمكن القول بأنّ ما جرى في ليلة المبيت ـ مثلاً ـ فضيلة لأمير المؤمنين×، مع أنّه× عالمٌ بما يكون؟! وكيف نتأسّى في ذلك بهم مع الفارق بينهم وبيننا؟! لاحِظْ: سه گفتار در غلو پژوهي: 154.
ففيه: أوّلاً: قد ورد في بعض النصوص عن النبيّ|: «تخلَّقوا بأخلاق الله». لاحِظْ: تفسير الرازي: 7: 72؛ روضة المتقين: 1: 312؛ بحار الأنوار 58: 129. بل لعلّه أصلٌ عند علماء الأخلاق، ولو لم نقل بكونه خبراً. لاحِظْ: المقصد الأسنى: 162؛ جامع السعادات: 3: 116. فالتأسّي بهم كان في العدل والإحسان، والصبر والرفق والصدق، والعفو والحلم، والجود والكرم، والحبّ والأمانة، والنظم والانضباط، والوفاء والاستقامة، والتدبير والحكمة، ومناصرة الحقّ والمؤمنين، وغير ذلك.
وثانياً: القول بثبوت علم الغيب لهم يوجب مزية الفضيلة لهم، فحيث إنّ سيد الشهداء× ـ مثلاً ـ يعلم بأنّه يقتل وحيداً فريداً، ومع ذلك جاهد في الله عزَّ وجلَّ، فيمكن لنا التأسّي بهم.
وثالثاً: قد ورد في نصوص كثيرة بأنّ الإمام× إنْ شاء أن يعلم العلم علم. لاحِظْ: بصائر الدرجات: 1: 315، ح1 ـ 5؛ الكافي 1: 258، ح1 ـ 3.
ورابعاً: إنّ كثيراً من الفضائل لم ترتبط بعلم الغيب حتّى لا يمكن لنا التأسّي بهم في فرض كونهم عالمين بالغيب. وهذا مثل: البرّ، والإحسان، واللطف، وإفاضة الخير والرحمة على الخلق، وإرشادهم إلى الحقّ، والصبر والصدق، والعفو والحلم، وغير ذلك.
([90]) ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ﴾. وتكرار ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ للتنبيه على عدم الملازمة.
([92]) اعتقادات الإمامية: 100.
([94]) تفسير الإمام العسكري×: 55، ح28؛ الاحتجاج 2: 437.
([95]) الأمالي: 96، ح1. ولاحِظْ أيضاً: الكافي 8: 57، ح18؛ الأمالي: 611، ح9؛ الخصال: 2: 575، ح1
([99]) بصائر الدرجات: 1: 258، ح2.
([100]) عن فضيل بن يسار قال: قال الصادق×: إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصر فنقبله. فقيل له: كيف ذلك، يا بن رسول الله؟ قال: لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحجّ، فلا يقدر على ترك عادته، وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ أبداً، وإنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع. الطوسي، الأمالي: 650، ح12.
وقال الكشّي، في أصحاب محمد بن بشير: قالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان، واعتلّوا في ذلك بقول الله تعالى: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً﴾. لاحِظْ: الرقم 907.
([101]) روى الكشّي، مسنداً عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، قال: دخلتُ على أبي عبد الله× قال: فسلّمت وجلست، فقال لي: كان في مجلسك هذا أبو الخطّاب، ومعه سبعون رجلاً…، فقلت لهم: ألا أخبركم بفضائل المسلم؟ فلا أحسب أصغرهم إلاّ قال: بلى، جعلت فداك، قلتُ: من فضائل المسلم أن يقال: فلان قارئ لكتاب الله عزَّ وجلَّ، وفلان ذو حظّ من ورع، وفلان يجتهد في عبادته لربّه، فهذه فضائل المسلم، ما لكم وللرئاسات! إنّما المسلمون رأس واحد، إيّاكم والرجال فإنّ الرجال للرجال مهلكة، فإنّي سمعتُ أبي يقول: إنّ شيطاناً يقال له: المذهب يأتي في كلّ صورةٍ، إلاّ أنّه لا يأتي في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ، ولا أحسبه إلاّ وقد تراءى لصاحبكم، فاحذروه، فبلغني أنّهم قتلوا معه، فأبعدهم الله وأسحقهم، أنّه لا يهلك على الله إلاّ هالك. لاحِظْ: الرقم 516.
([102]) عن أبي أسامة قال: قال رجلٌ لأبي عبد الله×: أؤخّر المغرب حتّى تستبين النجوم؟ قال: فقال: خطّابيّة! إنّ جبرئيل أنزلها على رسول الله| حين سقط القرص. الرقم 516. ولاحِظْ: الرقم 407، 518.
([103]) الطوسي، الغيبة: 346 ـ 347.
([104]) رجال النجاشي، الرقم 1112. ولاحِظْ أيضاً: رجال ابن الغضائري: 87 ـ 88.
([106]) الرقم 251. ولاحِظْ أيضاً: الرقم 252 ـ 256.
([108]) الرقم 502. ولاحِظْ أيضاً: الكافي 1: 351، ح7.
([111]) الرقم 663. ولاحِظْ أيضاً: النعماني، الغيبة: 324 ـ 326، ح2.
([112]) الرقم 792. ولاحِظْ أيضاً: الكافي 2: 23، ح14. وكذا الرقم 796، 799.
([113]) مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 360.
([114]) تصحيح اعتقادات الإمامية: 135 ـ 136.
([115]) الفصول المختارة: 318 ـ 321. ولاحِظْ أيضاً: النوبختي، فرق الشيعة؛ الأشعري، المقالات.