أحدث المقالات

دراسةٌ نقديّة لرسالة المفيد في نفي السَّهْو عن النبيّ|(*)

الشيخ محمد تقي التستري(**)

تحقيق: الشيخ محمد الخاقاني

الحمد لله الذي لا تأخذه سنةٌ ولا نوم، والصلاةُ على رسله وأنبيائه، لاسيَّما نبيّنا أشرف القوم، وعلى أهل بيته الذين بهم مستمسكنا غداً واليوم.

 وبعد:

 فقد كتب شيخُنا المفيدُ رسالةً في النقض على الصدوق في ذهابه إلى سهو النَّبي|، وقال بأنّه: «تعرَّض لما لا يحسنه، ولا هو من صناعته، ولا يهتدي إلى معرفته»([1])، وقال بأنّ: «الحديث الذي رَوَتْه المناصب [الناصبة] والمقلِّدة من الشيعة أنّ النبيّ| سها في صلاته، فسلَّم في ركعتين [ناسياً]، فلمّا نُبِّه على غلطه في ما صنع، أضاف إليها ركعتين، ثمّ سجد سجدتي السَّهْو، من أخبار الآحاد التي لا تثمر علماً، ولاتوجب عملاً»([2])، وقال: «بأنّ أخبار الآحاد لاتوجب إلاّ الظنّ»([3]). ثمّ استدلّ على بطلان العمل بالظنّ بالكتاب وبالعقل، وقال: «[و]في هذا القدر كفاية في إبطال حكم([4]) مَنْ حكم على النبيّ| بالسَّهْو في صلاته»([5]).

 ثمَّ أخذ في بيان وجوه الطعن على حديث السَّهْو، وذكر ثلاثة أمور:

أحدها: «أنّهم اختلفوا في الصلاة التي زعموا أنّه× سها فيها، فقال بعضهم: في([6]) الظهر، وقال بعضهم: في العصر، وقال بعضٌ آخر منهم: بل كانت عشاء الآخرة([7]). واختلافهم في الصلاة [ووقتها] دليلٌ على وَهْن الحديث، وحجّة في سقوطه، ووجوب ترك العمل به، واطّراحه».

و ثانيها: «أنّ في الخبر نفسه ما يدلّ على اختلاقه، وهو ما روَوْه من أنّ ذا اليدين قال للنبيّ| ([8]) لمّا سلَّم في الركعتين الأوليين([9]) من الصلاة الرباعيّة: أقصرت الصلاة، يارسول الله، أم نسيت؟ فقال ـ على ما زعمه([10]) ـ: كلُّ ذلك لم يكن.

فنفى| أن تكون الصلاة قصرت، ونفى أن يكون قد سها فيها.

و([11])ليس يجوز عندنا، وعند الحَشْوية المجيزين عليه السَّهْو، أن يكون النبيّ| كذب([12]) متعمِّداً، ولا ساهياً، وإذا كان قد أخبر أنّه لم يَسْهُ، وكان صادقاً في خبره، فقد ثبت كذب مَنْ أضاف إليه السَّهْو، ووضح بطلان دعواه في ذلك بلا ارتياب»([13]).

ثمَّ أجاب عن تأويل مَنْ قال بأنّ مراده نفي الأمرين.

وثالثهما: «اختلافهم في الخبر([14]) أنّ الصلاة التي ادَّعُوا السَّهْو فيها، والبناء على ما مضى منها، [أ]و الإعادة لها؛ فأهل العراق يقولون: إنّه أعاد الصلاة؛ لأنّه تكلَّم فيها، والكلام في الصلاة يوجب الإعادة عندهم. وأهل الحجاز ومَنْ مال إلى قولهم يزعمون أنّه بنى على ما مضى، ولم يُعِدْ شيئاً، ولم يَقْضِ([15])، وسجد لسهوه سجدتين. ومَنْ تعلَّق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق؛ لأنَّه تضمَّن([16]) كلام النبيّ| في الصلاة عمداً، والتفاته عن القبله إلى مَنْ خلفه، وسؤاله عن حقيقة ما جرى، ولا يختلف فقهاؤهم في أنّ ذلك يوجب الإعادة، والحديث متضمِّنٌ([17]) أنّ النبيّ| بنى على ما مضى، ولم يُعِدْ.

وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في هذا الحديث أدلُّ دليلٍ على بطلانه، وأوضح حجّةٍ في [وضعه و]اختلاقه»([18]).

قال: (فصل): «على أنّ الرواية له من طريق [طرق] الخاصّة والعامّة كالرواية من الطريقين معاً: أنّ النبيّ| سها في صلاة الفجر، وكان قرأ في الأولى([19]) منهما سورة النجم، حتّى انتهى إلى قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ (النجم: 19 ـ 20)، فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهم([20]) لتُرتجى)، ثمّ نبّه([21]) على سهوه، فخرَّ ساجداً، فسلَّم([22])، فسجد المسلمون، وكان سجودهم اقتداءً به. وأمّا المشركون فكان سجودهم سروراً بدخوله معهم في دينهم. قالوا: وفي ذلك أنزل الله [تعالى]: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ (الحج: 52)، يعنون في قراءته، واستشهدوا على ذلك ببيتٍ من [الـ] شعر وهو:

تمنَّى كتاب الله يتلوه دائماً([23]) *** وأصبح ظمآناً ومثل[ـه] قاريا»([24])

قال: (فصل): «وليس حديث سهو النبيّ| في الصلاة أشهر في الفريقين من روايتهم: أنّ يونس× ظنَّ أنّ الله تعالى يعجز عن الظفر به، ولايقدر على التضييق عليه، وتأوَّلوا قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ (الأنبياء: 87) على ما روَوْه، واعتقدوا فيه.

وفي أكثر رواياتهم: أنّ داوود× هوى إمراةَ أوريا بن حنان، فاحتال في قتله، ثمّ نقلها إليه.

ورواياتهم([25]): أنّ يوسف بن يعقوب[’] همَّ بالزِّنا، وعزم عليه.

وغير ذلك من أمثاله.

ومن رواياتهم: التشبيه له([26]) تعالى بخلقه، والتجوير له في حكمه.

فيجب على الشيخ ـ الذي ذكرْتَ أيُّها الأخ عـنه ـ أن يدين [الله] بكل ما تضمّنت([27]) هذه الروايات؛ ليخرج بذلك عن الغلوّ [على ما ادّعاه]، فإنْ دان بها خرج عن التوحيد والشرع، وإنْ ردَّها ناقض في اعتلاله، وإنْ كان [ممَّنْ([28])] لا يحسن المناقضة؛ لضعف بصيرته»([29]).

قال: (فصل): «والخبر المرويّ [أيضاً] في نوم النبيّ| من([30]) صلاة الصبح من جنس الخبر من([31]) سهوه في الصلاة؛ فإنّه من أخبار الآحاد، التي لا توجب علماً، ولا عملاً، ومَنْ عمل عليه فعلى الظنّ يعتمد في ذلك، دون اليقين، وقد سلف قولنا في نظير ذلك، ما([32]) يغني عن إعادته في هذا الباب.

مع أنّه يتضمَّن خلاف ما عليه عصابة الحقّ؛ لأنّهم لا يختلفون في أنّ مَنْ فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها أيّ وقتٍ ذكرها، من ليل أو نهار، ما لم يكن الوقت مضيَّقاً لصلاة فريضةٍ حاضرة.

 وإذ([33]) حرم [على الإنسان] أن يؤدّي فريضة قد دخل وقتها؛ ليقضي فرضاً قد فاته، كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أَوْلى.

هذا مع الرواية عن النبيّ×: لاصلاة (نافلة) لمَنْ عليه فريضة»([34]).

قال: (فصل): «ولسنا ننكر أنّ النوم يغلب([35]) الأنبياء[^] في أوقات الصلاة حتّى تخرج، فيقضونها بعد ذلك، وليس عليهم في ذلك عيبٌ ولا نقص؛ لأنّه ليس ينفك بشرٌ من غلبة [الـ] نوم؛ ولأنّ النائم لا عيب عليه.

وليس كذلك السَّهْو؛ لأنّه نقصٌ عن الكمال في الإنسان، وهو عيبٌ مختصّ([36]) به مَنْ اعتراه.

وقد يكون من فعل الساهي [تارةً]، كما يكون من فعل غيره؛ والنوم لا يكون إلاّ من فعل الله تعالى، فليس من مقدور العباد على حالٍ، ولو كان من مقدورهم لا([37]) يتعلَّق به نقصٌ ولا([38]) عيب لصاحبه؛ لعمومه جميع البشر، وليس كذلك السَّهْو؛ لأنّه يمكن التحرُّز منه.

ولأنّا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي السَّهْو والنسيان، ولا يمنعون([39]) من إيداعه مَنْ يعتريه الأمراض والأسقام([40])، ووجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذوو السَّهْو من الحديث، إلاّ أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة([41]) والفطنة والذكاء والحذاقة.

فعلم فرق ما بين السَّهْو والنوم بما ذكرناه.

ولو جاز أن يسهو النبيّ| وهو([42]) في صلاته، وهو قدوةٌ فيها، حتّى يسلِّم قبل تمامها، وينصرف عنها قبل كمالها، ويشهد الناس ذلك فيه، ويحيطوا به علماً من جهته، لجاز أن يسهو في الصيام، حتّى يأكل ويشرب نهاراً في شهر([43]) رمضان بين أصحابه، وهم يشاهدونه، ويستدركون عليه الغَلَط، وينبِّهونه عليه بالتوقيف على ما جناه.

ولجاز أن يجامع النساء في شهر رمضان نهاراً، ولم يؤمن عليه [السَّهْو] في مثل ذلك([44]). [ويتعدَّى من ذلك] إلى وطء ذوات المحارم ساهياً([45]).

ويسهو في الزكاة، فيؤخِّرها عن وقتها، ويؤدِّيها إلى غير أهلها، ساهياً، ويخرج منها بعض المستحقّين([46]) ناسياً.

ويسهو في الحجّ، حتّى يجامع في الإحرام، ويسعى مثل([47]) الطواف، ولا يحيط علماً بكيفية رمي الجمار، ويتعدَّى من ذلك إلى السَّهْو في كل أعمال الشريعة، حتّى ينقلها([48]) عن حدودها، ويضعها في غير أوقاتها([49])، ويأتي بها على غير حقائقها، ولم ينكر أن يسهو عن تحريم الخمر فيشربها ناسياً، و([50])يظنّها شراباً حلالاً([51]).

قال: و([52])العلَّة في جواز ذلك كلِّه أنّها عبادةٌ مشتركة بينه وبين أمّته، كما كانت الصلاة عبادةً مشتركة بينه([53]) وبينهم، حَسْب اعتلال الرَّجُل ـ الذي ذكرْتَ أيُّها الأخ عنه في ما ذكرت [من] اعتلاله ـ، ويكون ذلك أيضاً([54]) لإعلام الخلق بأنّه مخلوقٌ، ليس بقديم معبود.

وليكون حجّةً على الغلاة الذين اتَّخذوه ربّاً.

وليكون([55]) ـ أيضاً ـ سبباً لتعليم الخلق أحكام السَّهْو في جميع ما عدَدْناه من الشريعة، كما كان سبباً في تعليم الخلق حكم السَّهْو في الصلاة.

وهذا ما لا يذهب إليه مسلمٌ، ولا غالٍ([56])، ولا موحِّد، ولايجيزه على التقدير في النبوّة ملحدٌ، وهو لازم لمَنْ حكيت عنه [ما حكيت] في ما أفتى به من سَهْو النبيّ|، واعتلَّ به، ودلَّ([57]) على ضعف عقله، وسوء اختياره، وفساد تخيُّله.

وينبغي أن يكون كلّ([58]) مَنْ منع عن([59]) سهو النبيّ| [في جميع ما عدَدْناه من الشرع] غالياً([60])، خارجاً([61]) عن حدّ الاقتصاد، وكفى بمَنْ صار إلى هذا المقال خِزْياً»([62]).

قال: (فصل): «ثمّ [من] العجب حكمه بأنّ سَهْو النبيّ| من الله تعالى، وسَهْو مَنْ سواه من أمّته وكافّة البشر من غيرها من الشيطان، بغير علمٍ في ما ادّعاه، ولا حجّة ولا شبهة يتعلَّق بها أحدٌ من العقلاء. اللّهُمَّ [إلاّ] أن يدّعي الوحي في ذلك، ويتبيَّن به ضعف عقله لكافّة الأولياء([63]).

ثمّ العجب من قوله: إنّ سهو النبيّ| من الله، دون الشيطان؛ لأنّه ليس للشيطان على النبيّ سلطان، وإنّما زعم أنْ ﴿سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 100)، وعلى مَنْ اتَّبعه من الغاوين.

ثمّ هو يقول: إنّ هذا [السَّهْو] الذي هو من الشيطان يعمّ جميع البشر ـ سوى الأنبياء والأئمّة ـ، فكلّهم أولياء الشيطان، وإنّهم غاوون؛ إذ كان للشيطان عليهم سلطان، وكان سهوهم منه، دون الرحمن، ومَنْ لم يتيقَّظ لجهله في هذا الباب كان في عداد الأموات»([64]).

قال: (فصل): «فأمّا قول الرَّجُل المذكور أنّ ذا اليدين معروف، وأنّه([65]) يُقال له: أبو محمد، عمر([66]) بن عبد عمرو، وقد روى عنه الناس، فليس الأمر كما ذكر، وقد عرَّفه بما يدفع([67]) معرفته من تكنيته وتسميته بغير معروفٍ بذلك، ولو أنّه يعرفه بذي اليدين لكان أَوْلى من تعريفه وتسميته([68]) بعمر([69]).

 فإنّ المنكر له يقول: مَنْ ذو اليدين؟ ومَنْ عمر([70])؟ ومَنْ هو [ابن] عبد عمرو؟ هذا كلُّه مجهولٌ غير معروف.

ودعواه أنّه قد روى الناس عنه دعوى بلا برهان عليها، وما وجدنا في أصول الفقهاء ولا الرواة حديثاً عن هذا الرجل، ولا ذِكْراً له.

ولو كان معروفاً، كمعاذ بن جبل، وعبدالله بن مسعود، وأبي هريرة، وأمثالهم، لكان ما تفرَّد به غير معمول عليه؛ لما ذكرنا من سقوط العمل بأخبار الآحاد، كيف وقد بيَّنّا أنّ الرَّجُل مجهولٌ غير معروف؟! فهو([71]) متناقضٌ [باطل] بما لا شبهة فيه عند العقلاء.

ومن العجب بعد هذا كلِّه أنّ خبر ذي اليدين يتضمَّن أنّ النبيّ| سها، فلم يشعر بسهوه أحد من المصلّين معه من بني هاشم، والمهاجرين، والأنصار، ووجوه الصحابة، وسادات([72]) الناس، ولا نظر([73]) إلى ذلك، ولا([74])عرفه، إلاّ ذو اليدين المجهول، الذي لا يعرفه أحدٌ، ولعلَّه من بعض الأعراب.

أو شعر([75]) القوم به فلم ينبِّه أحدٌ منهم على غَلَطه، ولا رأى صلاح الدين والدنيا بذكر ذلك له، إلا المجهول من الناس.

ثمّ لم يكن([76]) يستشهد على [صحّة] قول ذي اليدين في ما أخبر به من السَّهْو([77]) إلاّ أبا بكر وعمر، فإنّه سألهما عمّا ذكره ذو اليدين، ليعتمد على قولهما فيه، ولم يثِقْ بغيرهما في ذلك، ولا سكن إلى أحدٍ سواهما في معناه.

وإنّ شيعياً يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبيّ| بالغلط والنقص، وارتفاع العصمة عنه من العباد، لناقص العقل، ضعيف الرأي، قريبٌ إلى ذوي الآفات، المُسْقِطة عنهم التكليف، وهو حسبُنا ونعم الوكيل»([78]).

قلتُ ـ وبالله التوفيق ـ: (أمّا ما ذكره من أنّ الكلام في ذلك لم يكن صنعته).

ففيه: إنّه ليس كلّ مَنْ لم يعرف اصطلاحات المتكلِّمين لا يعرف الكلام في شيء، كيف وقد أشار إليه الحجّة صلوات الله عليه في الرؤيا ـ ورؤيانا للمعصوم من النبيّ والإمام’ من الرؤيا الصادقة، حَسْبَ ما نطقت به أخبار الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين([79]) ـ بتصنيف كتاب في الغيبة ردّاً على المخالفين، كما صرَّح به في أول [كتاب] إكمال الدين([80]).

وقد ولد رضوان الله عليه بدعاء الحجّة([81])، وهو صاحب ثلاثمائة مصنَّف، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حَدَث السنّ، وكان وجه الطائفة بخراسان، وكان جليلاً، حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القمِّيين مثله، في حفظه وكثرة علمه([82]).

واستناده في تأليفاته وإنْ كان في الأكثر إلى الأحاديث، إلاّ أنّ كلمات المعصومين^ في الأحاديث لمّا كانت ككلمات الله تعالى في آيات الكتاب، متضمِّنةً للحجج العقليّة، اقتصر عليها، مع أنّه تعلَّق بها كثيراً في كتبه.

وأمّا ما ذكره (من أنّ حديث سهو النبيّ| الذي روَتْه الناصبة ومقلِّدة الشيعة من أخبار الآحاد).

ففيه: إنّه روى ذلك من الشيعة: سماعة بن مهران([83])، والحسن بن صدقة([84])، وسعيد الأعرج([85])، وجميل بن درّاج([86])، وأبو بصير([87])، وزيد الشحّام([88])، وأبو سعيد القمّاط([89])، وأبو بكر الحضرميّ([90])، والحرث بن المغيرة النصريّ([91]).

وكلّهم من الثقات والأجلاّء، وبعضهم ممَّنْ أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، والإقرار له بالفقه. وجميل أفقه الستة الثانية من أصحاب الصادق×([92]). وقد اعترف نفسه، في عدديته، في بعضهم، كزيد الشحّام([93]) وسماعة بن مهران([94])، بكونهما من فقهاء أصحاب الصادقين، الذين لا مطعن فيهم أصلاً([95]). فكيف عدَّهم مقلِّدةً، وأخباره أكثر من كثير من الأخبار التي ادُّعي التواتر فيها في الفقه([96])؟!

وعقد الكلينيُّ لها باباً، فقال: (باب مَنْ تكلَّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمّها):

[1] ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله×: مَنْ حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدة السهو؛ فإنّ رسول الله| صلّى بالناس الظهر ركعتين، ثمّ سها فسلَّم، فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله، أنزل في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذاك؟ فقال: إنّما صليْتَ ركعتين، فقال رسول الله|: أتقولون مثل قوله؟ قالوا: نعم، فقام| فأتمّ بهم الصلاة، وسجد بهم سجدتَيْ السَّهْو. قال: قلتُ: أرأيت مَنْ صلّى ركعتين وظنَّ أنّها أربع، فسلَّم وانصرف، ثمّ ذكر بعدما ذهب أنّه إنّما صلّى ركعتين؟ قال: يستقبل الصلاة من أوَّلها. قال: قلت: فما بال رسول الله| لم يستقبل الصلاة، وإنّما أتمَّ بهم ما بقي من صلاته؟ فقال: إنّ رسول الله| لم يبرَحْ من مجلسه، فإنْ كان لم يبرح من مجلسه فليتمَّ ما نقص إذا كان قد حفظ الركعتين الأوليين([97]).

[2] ـ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقيّ، عن منصور بن العبّاس، عن عمرو بن سعيد، عن الحسن بن صدقة قال: قلتُ لأبي الحسن [الأوّل]: أسلَّم رسول الله في الركعتين الأوليين؟ فقال: نعم، قلتُ: وحاله حاله؟ قال: إنّما أراد الله عزَّ وجلَّ أن يفقِّههم([98]).

[3] ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن سعيد الأعرج قال: سمعتُ أبا عبد الله× يقول: صلّى رسول الله| ثمّ سلَّم في ركعتين، فسأله مَنْ خلفه: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إنّما صليْتَ ركعتين، قال: أكذلك يا ذا اليدين، وكان يُدعى ذا الشمالين، فقال: نعم، فبنى على صلاته، فأتمّ الصلاة أربعاً، وقال: إنّ الله هو الذي أنساه؛ رحمةً للأُمّة. ألا ترى لو كان رجلاً صنع هذا لعُيِّر، وقيل: ما تقبل صلاتك، فمَنْ دخل عليه اليوم ذاك قال: لقد سنّ رسول الله|، وصارت أسوةً، وسجد سجدتين لمكان الكلام([99]).

[4] ـ وروى الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ صلّى ركعتين، ثمّ قام؟ قال: يستقبل، قلتُ: فما يروي الناس؟ فذكر له حديث ذي الشمالين، فقال: إنّ رسول الله| لم يبرَحْ من مكانه، ولو برح استقبل([100]).

[5] ـ وعنه، عن فضالة، عن الحسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ صلّى ركعتين، ثمّ قام فذهب في حاجةٍ؟ قال: يستقبل الصلاة، قلتُ [فقلتُ]: فما بال رسول الله| لم يستقبل حين صلّى ركعتين؟ فقال: إنّ رسول الله| لم ينفتلْ من موضعه([101]).

[6] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي جميلة، عن زيد الشحّام أبي أسامة قال: سألتُه عن رجلٍ صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات؟ قال: إنْ استيقن أنّه صلّى ستاً أو خمساً فليُعِدْ، وإنْ كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبِّر وهو جالسٌ، ثمّ يركع [ليركع] ركعتين، يقرأ فيها فاتحة الكتاب في آخر صلاته، [ثمّ] يتشهد، وإنْ هو استيقن أنّه صلّى ركعتين أو ثلاثاً، ثمّ انصرف فتكلّم، فلم يعلم أنّه لم يتمّ الصلاة قائماً، عليه أن يتمّ الصلاة ما بقي منها، فإنّ نبيّ الله| صلّى بالناس ركعتين، ثمّ انصرف، فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ فقال: أيّها الناس، أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا: نعم، لم تصلِّ إلاّ ركعتين، فقام وأتمّ ما بقي من صلاته([102]).

[7] ـ وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر بن يزيد، عن ابن سنان، عن أبي سعيد القمّاط قال: سمعتُ رجلاً يسأل أبا عبد الله× عن رجلٍ وجد غمزاً في بطنه، أو أذىً، أو عصراً من البول، وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ قال: فقال: إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك، فيتوضّأ، ثمّ ينصرف إلى مصلاّه الذي كان يصلّي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقُضْ الصلاة بكلامٍ، قال: قلتُ: وإنْ التفت يميناً أو شمالاً أو ولّى عن القبلة؟ قال: نعم، كلُّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجلٍ سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته، ثمّ ذكر سَهْو النبيّ|.

[8] ـ وبإسناده عن سعد عبد الله، عن أحمد محمد، عن الحسين، عن فضالة، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: صلَّيْتُ بأصحابي المغرب، فلمّا أن صلَّيْتُ ركعتين سلَّمْتُ، فقال بعضهم: إنّما صلَّيْتَ ركعتين، فأعَدْتُ، فأخبَرْتُ أبا عبد الله فقال: لعلَّك أعَدْتَ؟ فقلتُ: نعم، فضحك، ثمّ قال: إنّما كان يُجزيك أن تقوم وتركع ركعةً، إنّ رسول الله| سها، فسلَّم في ركعتين، ثمّ ذكر حديث ذي الشمالين، فقال: ثمّ قام فأضاف إليها ركعتين([103]).

[9] ـ وعنه أيضاً، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بشير، عن الحرث بن المغيرة النصريّ قال: قلتُ لأبي عبد الله×: إنّا صلَّيْنا المغرب، فسها الإمام، فسلَّم في الركعتين، فأعَدْنا الصلاة، فقال: ولِمَ أعَدْتُم؟ أليس قد انصرف رسول الله| في ركعتين فأتمّ بركعتين، ألا أتمَمْتُم([104]).

[10] ـ وروى العيون، في آخر باب ما جاء عن الرضا× في وجه دلائل الأئمّة والردّ على الغلاة والمفوِّضة، عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ، عن أبيه، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن أبي الصَّلْت الهرويّ قال: قلتُ للرضا×: يا بن رسول الله|، إنّ قوماً في سواد الكوفة يزعمون أنّ النبيّ| لم يقَعْ عليه السَّهْو في صلاته؟ فقال: كذبوا، لعنهم الله، إنّ الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلاّ هو، قال: قلتُ: يا بن رسول الله، وفيهم قومٌ يزعمون أنّ الحسين بن عليّ× لم يُقْتَل، وأنّه ألقي شبهه على حنظلة بن أسعد الشاميّ، وأنّه رُفع إلى السماء، كما رفع عيسى بن مريم، ويحتجّون بهذه الآية: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء: 141)، فقال: كذبوا، عليهم غضب الله ولعنته([105]).

[11] ـ وفي الفقيه: روى الحسن بن محبوب، عن الرباطيّ، عن سعيد الأعرج قال: سمعتُ أبا عبد الله× يقول: إنّ الله تبارك وتعالى أنام رسول الله| عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ، فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثمّ صلّى الفجر، وأسهاه في صلاته، فسلَّم في ركعتين، ثمّ وصف ما قاله ذو الشمالين. وإنّما فعل ذلك به رحمةً لهذه الأُمّة؛ لئلا يعيَّر الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته، أو سها فيها، فيقال: قد أصاب ذلك رسول الله| ([106]).

[12] ـ وفي الفقه الرضوي: وكنتُ يوماً عند العالم[×]، ورجلٌ سأله عن رجلٍ سها فسلَّم في الركعتين من المكتوبة، ثمّ ذكر أنّه لم يتمّ صلاته؟ قال: فليُتِمَّهما، وليسجد سجدتَيْ السَّهْو. وقال×: إنّ رسول الله| صلّى يوماً الظهر، فسلَّم في ركعتين، فقال له ذو اليدين: يا رسول الله، أُمرْتَ بتقصير الصلاة أم نسيتَ؟ فقال رسول الله| للقوم: صدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، يا رسول الله، لم تُصَلِّ إلاّ ركعتين، فقام فصلّى إليها ركعتين، ثمّ سلَّم، وسجد سجدتَيْ السَّهْو([107]).

[وقفةٌ مع الأحاديث]

وهي اثنا عشر خبراً: أربعة منها صحاحٌ؛ وواحد حسن؛ والأخير الذي من الرضويّ إنْ لم تكن نسبته إلى الرضا× محقَّقة فروايته ليست دونَ رواية غيره.

[المُفْتون بالأحاديث السابقة]

وقد أفتى بها صريحاً الصدوق، وشيخه محمد الحسن الوليد، والمرتضى، أجلّ تلامذة المفيد.

وقد عرفت حال الأوّل؛ وأمّا الثاني فهو شيخ القمِّيين، وفقيههم، ومتقدمهم ووجههم، ثقة ثقة، عين، مسكون إليه، كما قال النجاشيّ([108])، وجليل القدر، عارفٌ بالرجال، موثوقٌ به، كما قال الشيخ([109]).

ووثَّقه مثل ابن الغضائريّ، الذي لايسكن إلى كلّ أحدٍ، مرّتين، كما نقل ابن داوود([110]). ولعمري ليس في الأصحاب في نقد الرجال والأخبار مثله، ويكفيه جلالاً أنّ مثل الصدوق قال في حقّه: كلّ خبرٍ لم يصحِّحه ذلك الشيخ فهو عندنا متروكٌ غير صحيح([111]).

وأمّا الثالث فقال الشيخ في حقّه: إنّه متوحِّد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدَّم في العلوم، مثل: علم الكلام، والفقه، وأصول الفقه، والأدب، والنحو، والشعر، ومعاني الشعر، وغير ذلك. أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلِّم فقيه جامع للعلوم كلها([112]).

وقال النجاشيّ: حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحدٌ في زمانه، وسمع من الحديث [فأكثر]، وكان متكلِّماً شاعراً أديباً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا([113]).

[كلمات المُفْتين]

قال الأوّل ـ بعد الخبر المتقدِّم من الفقيه ـ: إنّ الغلاة والمفوِّضة لعنهم الله ينكرون سَهْو النبيّ| ([114]).

وقال الثاني ـ على نقل الأوّل ـ: [ثمّ] لو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة([115]).

وقال الثالث، في تنزيه أنبيائه، بعد عنوانه قوله تعالى: ﴿لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: 73]، إلى أن قال: وإذا حملناه([116]) في الحقيقة كان الوجه فيه أنّ النبيّ| إنّما لايجوز عليه النسيان في ما يؤدّيه [عن الله تعالى]، أو في شرعه، أو في أمر يقتضي التنفير عنه. فأمّا في ما هو خارجٌ عمّا ذكرناه فلا مانع من النسيان. ألا ترى أنّه إذا نسي أو سها في مأكله أو مشربه على وجهٍ لا يستمرّ ولا يتّصل، فينسب إلى أنّه مغفَّل، أنّ ذلك غير ممتنع([117]).

 وقال، في ناصريّاته، بعد حكمه بعدم بطلان الصلاة بالتسليم ناسياً: وخبر ذي اليدين يدلّ على أنّ مَنْ سلَّم ناسياً لا تبطل صلاته([118]).

وقد استدلّ به أيضاً في عدم بطلان الصلاة بالكلام ناسياً، وسيأتي كلامه.

والعمل بها هو المفهوم من محمد بن يعقوب الكلينيّ، وسائر رواة الأخبار الاثني عشر ـ دون الشيخ ـ، حيث لم يذكر أحدٌ منهم طعناً فيها بمخالفة عقل أو نقل، وجلُّهم من المشائخ، وأجلاّء الفقهاء، فكيف يكونون مقلِّدة؟!

ولما ذكرنا من كون أخبارها بالغة حدَّ التواتر، أو ملحقة به، قال ابن الوليد ـ كما مرّ ـ: لو جاز ردُّ هذه الأخبار [لـ] جاز ردُّ جميع الأخبار.

وكيف يكون مثله خبراً واحداً، مع أنّه اتَّفق عليه الخاصّه والعامّة، وأجمع عليه المؤالف والمخالف، ولم يعلم فيه تشكيك من إمامٍ مستقيم. ولو كان لما اقتصر الصدوق في نسبة الخلاف على الغلاة والمفوِّضة، بل كان يذكر المخالف ويباحثه، كما أنّه باحث في ميراث فقيهه يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان، مع جلالهما، ونسب في كثير من المسائل إليهما الغَلَط.

ويصدِّق قوله في كون المنكرين لسَهْوه الغلاة والمفوِّضة خبر العيون المتقدِّم، عن الرضا×، وزاد الخبر أنّ المنكرين لسَهْوه| هم المنكرون لقتل الحسين×، وأنّه ألقى شبهه على حنظلة بشبهة ما فهموه من الآية.

[تاريخ المسألة قبل المفيد]

ولم يعلم قبل المفيد مُنْكِراً له من القدماء. والمفهوم من المرتضى في الناصريات كونه أمراً مسلَّماً غير خلافي([119]). وتبع المفيد تلميذه الشيخ([120])، وتبع الشيخ المتأخِّرون حَسْب دأبهم في تبعيَّتهم له في كثير من آرائه([121]).

وأمّا إسحاق بن الحسن بن بكران، من معاصري النجاشيّ، الذي لقيه بالكوفة، وعدّ في كتبه كتاب نفي السَّهْو عن النبيّ|، فالظاهر كونه غالياً([122])؛ حيث إنّ النجاشيّ قال: إنّه ضعيف المذهب([123]).

[الميزان في اعتبار الأخبار]

وكيف يكون الخبر به واحداً، كما يقول المفيد، ويعاضده القرآن، فضلاً عن تواتره في نفسه. والميزان في صحّة الأخبار موافقه القرآن.

قال تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ﴾ (الأعلى: 6 ـ 7).

وقال تعالى في موسى وفتاه: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ (الكهف: 61).

ومن قوله تعالى عنه أيضاً: ﴿لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ (الكهف: 73).

ولذا قال المجلسي&، مع كونه من المتأخِّرين: [إنّ هذه] المسألة في غاية الإشكال؛ لدلالة كثيرٍ من الآيات والأخبار على([124]) صدور السَّهْو عنهم([125]).

[الردّ على الطعون]

وأمّا طعنه الأوّل في الخبر (من أنّ اختلافهم في تلك الصلاة، هل هي الظهر أو العصر أو العشاء، دليلٌ على وَهْن الحديث).

فعجيبٌ من مثله، فإنّ إيجاب الوَهْن إنّما يكون لو كان الاختلاف في نفس الخبر، لا من الخارج.

ولو كان الأمر كما ذكر لكان اختلاف الأمّة في الصلاة الوسطى موجباً للطعن فيها، مع ورودها في الكتاب.

وأيضاً ما من أصلٍ من الأصول القطعية إلاّ وقد اختلف في فروعها.

مع أنّ الاختلاف الذي ذُكر بين العامّة، وأمّا الخاصة فلم يُعْلَم بينهم خلاف، فإنّهم يقولون: إنّها كانت الظهر، كما دلّ عليه خبر سماعة المتقدِّم، وخبر الرضوي الماضي.

وأمّا طعنه الثاني (من أنّ في الخبر ما يدلّ على اختلاقه، إلخ).

 فأغرب من الأوّل، حيث إنّه ترك جميع أخبار الخاصّة، واستند إلى خبر العامّة، وجعل الطعن فيه موجباً للطعن على أخبار الخاصّة؛ فإنّه لم تكن لفظة «كلّ ذلك لم يكن» في واحدٍ من أخبار الخاصّة، بل في تلك الأخبار أنّه لمّا قال له ذو الشمالين: إنّك صليْتَ ركعتين طلب التصديق من سائر مَنْ خلفه، فصدَّقوه.

فقوله: (وليس يجوز عندنا، وعند الحَشْوية المجيزين عليه السَّهْو، أن يكون| قد كذب، إلخ) ليس في محلِّه.

وتسمية الصدوق وابن الوليد بالحَشْوية، وهم الذين يعبِّر عنهم المتأخِّرون بالأخبارية، وإنْ كانت القدماء يطلقون الأخبارية على أهل السِّيَر والتواريخ، بلا وجه؛ فإنّ كلاًّ منهما من نقّاد الآثار، فلم يرويا كتاب خالد بن عبد لله، وأصلَيْ الزيدين، ولم يرويا بصائر الصفّار، ومنتخبات سعد، واستثنيا من روايات محمد بن سنان وابن أورمة وابن الجمهور ما فيها تخليط أو غلوّ، ومن روايات أبي سمينة ما فيها تخليط أو غلوّ أوتدليس أو تفرّد، ومن كتب يونس بن عبد الرحمن ما تفرَّد به العبيديّ، ومن روايات نوادر حكمة محمد بن أحمد بن يحيى جَمْعاً كثيراً، وهم: محمد بن موسى الهمداني، ومحمد بن يحيى المعافريّ، وأبو عبد الله الجاموريّ، وأبو عبد الله السيّاريّ، ويوسف بن السخت، ووهب بن منبّه، وأبو علي النيسابوريّ، وأبو سمينة، وأبو يحيى الواسطيّ، والآدميّ، والعبيديّ، وأحمد بن هلال، ومحمد بن عليّ الهمدانيّ، وعبد الله بن محمد الشاميّ، وعبد الله بن أحمد الرازيّ، وأحمد بن الحسين بن سعيد، وأحمد بن بشير الرقّي، ومحمد بن هارون، ومحمد بن عبد الله بن مهران، وميمونة([126])، والحسن اللؤلؤيّ، وجعفر بن محمد بن مالك، ويوسف بن الحارث، وعبد الله بن محمد الدمشقيّ.

مع أنّا لا نسلِّم صدق الكذب على ما ذكر، فإنّ مَنْ فعل شيئاً ونسي فعله وقال ـ بزعمه ـ: لم أفعل من أين [نعلم] أنّه كذب.

ومن أعجب العجيب قولُه في آخر كلامه: (بأنّه من العَجَب أنّه لم يكن يشعر أحدٌ من المصلِّين بسَهْوه، إلاّ ذو اليدين، واستشهد على قوله أبا بكر وعمر، وأنّ شيعياً يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبيّ| بالغَلَط والنقص وارتفاع العصمة عنه لناقص العقل، ضعيف الرأي، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف، إلخ).

فإنّ كلَّ ما ذكر إنّما يكون لو كان اعتمادنا على الحديث العامّي. ولم نعتمد عليه، بل على الأحاديث المتقدِّمة، التي لا يَرِدُ على واحدٍ منها شيءٌ مما ذُكر.

فإنّ ما سلكه من أقبح المغالطة، وليته؛ إذ لم يراجع أخبار الخاصّة، اقتصر على حديث سعيد الأعرج، الذي ذكر السائل استناد الصدوق إليه، ونقله في أوّل رسالته فقال: (وبعد، فقد وقفتُ على ما كتبت به في معنى ما وجدته لبعض مشائخك، بسنده إلى الحسن بن محبوب، عن الرباطيّ، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله×، في ما يُضاف إلى النبيّ| من السَّهْو في الصلاة، والنَّوْم عنها، حتّى خرج وقتها؛ فإنّ الشيخ الذي ذكرته زعم أنّ الغلاة تذكر ذلك، وتقول: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ؛ لأنّ الصلاة فريضةٌ، كما أنّ التبليغ عليه فريضةٌ.

فردّ هذا القول بأن قال: لا يلزم من قبل أنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ| فيها ما يقع على غيره، وهو متعبِّدٌ بالصلاة كغيره من أمّته، وليس مَنْ سواه بنبيّ، والحالة التي اختصّ بها هي النبوّة، والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز عليه سَهْوٌ، والصلاة عبادة مشتركة، وبها ثبت له العبودية على زعمه، وبإثبات النوم عن خدمة ربه عزَّ اسمه من غير إرادةٍ له وقصدٍ إليه نفي الربوبية عنه؛ لأن الذي لا تأخذه سِنَة ولا نوم هو الله الحيّ القيّوم. وليس سَهْونا كسَهْو النبيّ|؛ لأنّ سَهْوه من الله، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه مخلوقٌ بشر، لا يتخذ ربّاً معبوداً من دونه، وليعلم الناس حكم السَّهْو ممَّنْ سها. قال: وسَهْونا من الشيطان، وليس للشيطان على النبيّ والأئمة سلطان: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 100)، وعلى مَنْ تبعه من الغاوين.

قال: والدافعون لسَهْو النبيّ| [دعواهم] أنّه ليس في الصحابة مَنْ يُقال له: ذو اليدين، وأنّه لا أصل للرجل، ولا للخبر.

وكذبوا؛ لأنّ الرجل معروفٌ، وهو أبو محمد عمير بن عبد عمرو، المعروف بذي اليدين، وقد نقل عنه المؤالف والمخالف، وقد أخرجت عنه أخباراً في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين، ولو جاز ردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز ردّ جميع الأخبار، وفي ردِّها إبطال الشريعة والدين.

وسألت أعزَّك الله بطاعته أن أثبت لك ما عندي في ما حكيته عن هذا الرجل، وأبيِّن عن الحقّ في معناه، إلخ).

فتراه صرَّح باستناده إلى الخبر الحادي عشر الذي نقلناه من الفقيه، فلِمَ تغافل؟! مع أنّ أخبار العامّة أيضاً متعدِّدة، ولم يَرِدْ طلب التصديق منهما إلاّ في خبرٍ منها، بل في بعض أخبارهم أنّهما كانا حاضرين، ولم يكلِّماه أصلاً؛ مهابةً، وهذا أفضل [من] ذاك الخبر، فقالوا: أقصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلِّماه، وفي القوم رجلٌ في يده طولٌ، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنْسَ، ولم تقصر، فقال: أكما قال ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدَّم، فصلَّى ما ذكر الخبر.

مع أن وضع العامة طلب التصديق منهما؛ لبيان جلالهما، لا يوجب ردّ أصل المعنى الوارد من طريقنا بدونه.

كما أنّ وضعهم أنّ الأذان ممّا راوه في النَّوْم لا يوجب ردّ أخبار الأذان الورادة من طريقنا.

مع أنّه أيّ مانع أن يعتمد شيعيّ على خبرٍ دالّ على أنّه بعد إخبار واحد له ممَّنْ خلفه بسَهْوه استفسر منهما، كما استفسر من غيرهما، فإنّ الشيعيّ إنّما لا يقول بإمامتهما وعصمتهما، لا أنّه يقول بعدم لياقتهما لسؤالٍ وجواب أصلاً.

وليس في الخبر دلالةٌ على عدم وثوقه بغيرهما.

ولما ذكرنا، لمّا استشهد المرتضى في ناصرياته في المسألة 94 في عدم بطلان الصلاة بالتكلُّم ناسياً بخبر ذي اليدين العاميّ، على اختلاف طرقه، لم يَرَ ذلك عيباً، فقال ـ بعد نقله لما اشتمل على سؤاله الناس ـ: وفي خبرٍ آخر أنّه أقبل على أبي بكر وعمر خاصّة، فقالا: نعم، فأتمّ ما بقي من صلاته([127]).

ولم يكن المفيد طعنه على المرتضى بكونه حَشْوياً، فإنّه من أجلّ تلامذته، ومن متكلِّمي الشيعة مثله، ومشربه مشربه.

ولعلّ تركه أخبار الخاصّة، واستناده إلى أخبار العامّة؛ لأنّه كان مستدلاًّ في قبال مالك وأبي حنيفة والنخعيّ، وهم لا يسلِّمون إلاّ أخبارهم، وسيأتي نقل كلامه زيادة على ذلك.

كما أنّ اختلاف أخبارنا في كون المنبِّه ذا اليدين، والمصدِّق الناس، كما في خبر زيد الشحّام، وخبر سماعة، وخبر الرضويّ، أو بالعكس، كما في خبر سعيد من الكافي، وإنْ جعلها نسياً منسياً، لا يوجب وَهْن أصل الحديث؛ حيث إنّ الأخبار الواردة في سائر المعاني التي سلّمها الكلّ تختلف نقل جزئيّاتها في الأغلب، كما لايخفى على مَنْ له إلمامٌ بمراجعة الأحاديث، وتشهد له العادة والعرف، وإنْ كان الصحيح الأوّل؛ لأكثرية أخباره، وتصديق أخبار العامّة له.

وأمّا طعنه الثالث في الحديث (من اختلاف أهل الحجاز والعراق في تلك الصلاة، بادّعاء الأوَّلين أنّ النبيّ| لم يُعِدْ، والأخيرين أنّه أعاد؛ لمكان الكلام، وأنّ مَنْ تعلّق بهذا الحديث من الشيعة يذهب إلى مذهب أهل العراق؛ لأنّه تضمَّن كلام النبيّ| في الصلاة عمداً، والتفاته عن القبلة إلى مَنْ خلفه، وسؤاله عن حقيقة ما جرى، ولا يختلف فقهاؤهم في أنّ ذلك يوجب الإعادة، والحديث متضمِّنٌ أنّ النبيّ| بنى على ما مضى، ولم يُعِدْ، إلخ).

فأغربُ من الأوّلين؛ فإنّ الصدوق لم يتعلَّق بحديث العامّة، ولا ذهبَتْ الشيعة إلى مذهب أهل العراق. وكلامه| لم يكن عَمْداً في الصلاة؛ لأنّ الكلام إذا كان بظنّ الفراغ يكون من كلام السَّهْو، ولا أعلم خلافاً في ذلك بين الطائفة.

قال ثقة الإسلام محمد بن يعقوب، في كافيه، في أحكام سَهْوه: ومنها مواضع لا تجب فيها إعادة الصلاة، وتجب فيها سجدتا السَّهْو: الذي يسهو فيسلِّم في الركعتين، ثمّ يتكلَّم من غير أن يحوِّل وجهه وينصرف عن القبلة، فعليه أن يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتَيْ السَّهْو([128])، إلخ.

وقوله: (بأنّ النبيّ| التفت عن القبلة).

 إنْ استند فيه إلى مكالمته مع أصحابه فهي لا تستلزم ذلك، كيف وفي الخبر الأوّل: قلتُ: فما بال رسول الله| لم يستقبل الصلاة؟ (إلى أن قال:) فقال: إنّ رسول الله| لم يبرح من مجلسه؟!

وفي الرابع: إنّ رسول الله| لم يبرح.

وفي الخامس: إنّ رسول الله| لم ينتقل من موضعه.

وقوله أخيراً: (وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في هذا الحديث أدلّ دليل على بطلانه).

 أوضح بطلاناً من سابقه؛ فإنّ الخلاف إنّما هو في صحّة ما تضمَّنته تلك الأحاديث من خصوص سَهْوه|، دون باقي أحكامها؛ فإنّ جميع الطائفة أفتوا بباقي ما فيها.

فهذا تلميذه الشيخ، الذي تبعه في هذا الرأي، من عدم تعقُّل أن يُسهي الله تعالى نبيّه|، اعترف بصحّة مضامين تلك الأحاديث في أحكام الخلل، فقال في تهذيبه ـ بعد نقل خبر ابن بُكَيْر، عن زرارة قال: سألتُ أبا جعفر×: هل سجد رسول الله| سجدتَيْ السَّهْو قطّ؟ قال: لا، ولا يسجدها فقيه ـ: الذي أفتي به ما تضمَّنه هذا الخبر. فأمّا الأخبار التي قدَّمناها من أنّ النبيّ| سها فسجد فإنّها موافقةٌ للعامّة، وإنّما ذكرناها لأنّ ما تتضمَّنه من الأحكام معمولٌ به على ما بيَّناه، إلخ([129]).

قلتُ: أمّا ما ذكره من إفتائه بمضمون خبر ابن بُكَيْر ففيه: إنّه خبر واحد، وراويه فطحيّ. وقد نقل في عُدَّته إجماع العصابة على أنّه لو عارضه خبرُ إماميّ وجب طرحه والعمل بخبر الإماميّ([130]). وكيف وقد عارضه أخبار كثيرة، بالغة حدّ الاستفاضة، بل التواتر، كما تقدّم؟!

مع أنّ حمل خبر ابن بُكَيْر على ما أراده من عدم اتّفاق السَّهْو للنبيّ| والإمام× تأويلٌ يحتاج إلى دليلٍ، بل ظاهره عدم مشروعية سجدة السَّهْو رأساً؛ لقوله «ولا يسجدها فقيهٌ».

ويعارضه في خصوص الإمام ما رواه محمد بن إدريس [الحلّي]، في مستطرفاته، من كتاب محمد بن عليّ بن محبوب، عن العبّاس، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، [عن الفضيل]، قال: ذكرت لأبي عبد الله× السَّهْو، فقال: وينفلت([131]) من ذلك أحدٌ، ربما أقعدتُ الخادم خلفي حتّى يحفظ عليَّ صلاتي([132]).

 وأمّا ما ذكره (من حمل سَهْوه في تلك الأخبار بالخصوص على التقيّة؛ لكونه موافقاً لمذهب العامّة).

ففيه: أوّلاً: إنّه لو كان تضمُّنهما لسَهْوه تقيّةً لوردت بخصوصيات رواياتهم، مع أنّها مضادة لها، ومتناقضة معها.

وثانياً: إنّه اعترف شيخه المفيد، في تعليقاته على اعتقادات الصدوق، بأنّ ما يصدر عن تقيّةٍ لا ينتشر انتشار الأخبار الحقّة([133])، ولم يَرْوها الأجلاّء والفقهاء من أصحاب الأئمّة.

وقد عرفت أنّ رواة هذه الأخبار من أجلّة فقهاء أصحاب الصادق، ولا سيَّما أبو بصير منهم، وجميل بن درّاج، فإنّهما من أصحاب الأجماع الأوّل من أوَّليهم، والثاني من أخيريهم.

وقد اعتمد عليها محمد بن يعقوب، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، وكان شيخ أصحابنا في وقته بالريّ، ووجههم، وصنَّف كتابه في عشرين سنة، ولم يصنَّف قبله ولا بعده كتابٌ مثله، وقد اعترف المفيد بكون كتابه أحسن الكتب([134]).

وكذا اعتمد عليها محمد أحمد بن يحيى، صاحب نوادر الحكمة، الذي صرّح الصدوق في أوّل فقيهه بأنّ كتابه من الكتب المعتمدة. وهو وإنْ استثنى كشيخه ابن الوليد في فهرستيهما عدّةً من رجاله، لكنّ هؤلاء الرواة ليسوا منهم([135]).

وكذا الحسين بن سعيد، وسعد بن عبد الله، وأحمد بن محمد بن عيسى، كما يظهر من نقل الشيخ ذلك من كتبهم؛ وكذا الحسن بن محبوب، على نقل الصدوق عن كتابه.

وجلالُهم لا يحتاج إلى بيان؛ فإنّ أحمد بن محمد بن عيسى شيخ القمِّيين ووجههم، غير مدافع، ولقي ثلاثة من الأئمّة: الرضا، والجواد، وأبا الحسن الثالث، صلوات الله عليهم.

وسعد بن عبد الله شيخ هذه الطائفة، وفقيهها، ووجهها، ولقي أبا محمد×.

وقد صرَّح الصدوق والنجاشيّ أنّ كتب الحسين بن سعيد من الكتب التي عليها المعوَّل([136]). وقال ابن النديم فيه وفي أخيه: أوسع أهل زمانهما علماً بالفقه والآثار والمناقب وغير ذلك من علوم الشيعة([137]).

والحسن بن محبوب أحد الأركان في عصره، وأحد أصحاب الأجماع.

 مع أنّ ورود ما أورد على الخبر العاميّ أيضاً غير معلوم. قال في الناصريات: الذي يذهب إليه أصحابنا أنّ مَنْ تكلّم متعمِّداً بطلت صلاته، ومَنْ تكلَّم ناسياً فلا إعادة عليه، وإنّما يلزمه سجدتَيْ السَّهْو. وقال الشافعيّ: مَنْ تكلَّم في صلاته ناسياً أو جاهلاً بتحريم الكلام لم يبطل صلاته. وقال مالك: كلام الناسي لا يبطل الصلاة، وكذلك كلام العامد إذا كان فيه مصلحة للناس. وقال أبو حنيفة: كلام العمد والسَّهْو ومَنْ يجهل تحريم الكلام يبطل الصلاة. وقال النخعيّ: جنس الكلام يبطل الصلاة، عَمْده وسَهْوه.

دليلنا على أنّ كلام الناسي لا يبطل الصلاة، بعد الإجماع المتقدّم، ما روي عنه×: «رفع عن أمّتي النسيان، وما استكرهوا عليه»، ولم يَرِدْ رفع الفعل إلى أن قال: وقد استدلّ الشافعيّ بخبر ذي اليدين. إنّ أبا هريرة روى أنّه× صلّى بأصحابه العصر، فسلَّم في الركعتين الأوليين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرتَ الصلاة أم نسيتَ، يا رسول الله؟ فأقبل على الناس فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم.

 وفي خبرٍ آخر أنّه أقبل على أبي بكر وعمر خاصّة، فقالا: نعم، فأتمّ ما بقي، وسجد سجدتين، وهو جالسٌ بعد التسليم.

فموضع الاستدلال أنّه| تكلّم في الصلاة ناسياً، وتكلّم بعد ذلك وهو يعتقد أنّه خرج من الصلاة، ثمّ أتم وبنى على صلاته، فدلّ على أن الكلام مع النسيان لا يبطل الصلاة. وعند أبي حنيفة أنّ هذا الكلام يبطل الصلاة.

فإنْ قيل: هذه القصة كانت في صدر الإسلام، حيث كان الكلام مباحاً في الصلاة، ثمّ نسخ.

قلنا: إباحة الكلام في الصلاة قبل الهجرة، ثمّ نسخ بعدها، ألا ترى أنّ عبد الله بن مسعود قال: قدمْتُ على النبي| من أرض الحبشة، فسلَّمْتُ عليه، فلم يردّ عليّ، ثم قال: وإنّ ممّا أحدث الله أن لا تتكلَّموا في الصلاة.

وهذه القصّة كانت بعد الهجرة؛ لأنّ أبا هريرة أسلم بعد الهجرة بسبع سنين.

على أنّ النبيّ| سجد للسَّهْو، ولو كان الكلام مباحاً لم يسجد.

وفي بعض الأخبار أنّ النبيّ| لمّا أقبل على الناس وسألهم أومأوا أن نعم، ولو كان الكلام مباحاً لتكلَّموا.

وأمّا ذو اليدين فكان يعتقد أنّ الصلاة قد قصرت، وأنّه قد خرج من الصلاة؛ لأنّ الظاهر من أفعال النبي| أنّها تقع موقع الصحّة، فلم تبطُلْ صلاته بالكلام.

وأمّا ما رُوي في بعض الروايات، من أنّ ذا اليدين قال: بلى([138]) نسيت، وهذا يدلّ على أنّه ما اعتقد قصر الصلاة، وأنّه تكلَّم عامداً.

فالجواب عنه: إنّه يجوز أن يكون قوله: نسيت في ظنّي وتقديري؛ لأنّ القطع هناك غير ممكنٍ، ولم يعلم أنّ الظنّ هاهنا يقوم مقام العلم. ويمكن أيضاً أن يكون ذو اليدين قد أعاد الصلاة وحده؛ لأنّه تكلَّم عامداً، وإنْ لم يُنْقَل ذلك إلينا.

فأمّا باقي الناس الذين سألهم| فقال: أحقّاً ما يقول ذو اليدين، أو أبو بكر وعمر خاصّة على بعض الروايات، فالصحيح أنّهم أومأوا أن نعم لمّا سألهم النبيّ|.

وقال قومٌ: إنّ ذلك الكلام كان إجابةً لسؤال النبيّ|، وذلك لا يبطل الصلاة([139])، إلخ.

وأمّا ما ذكره المفيد، في فصلين من كلامه، (من تنظير أخبار سَهْوه برواية الفريقين بخبر إلقاء الشيطان على لسانه كلمات الكفر، وعدم أشهرية خبر سَهْوه عند الفريقين من حديث ظنّ يونس الباطل، ورمي داوود ويوسف^ بما رميا به).

ففيه: إنّنا لم نجِدْ شيعياً ذهب إلى ما ذكر، ولا روى خبراً في ذلك، لا في كتاب معتبر ولا غير معتبر، بل كتبهم ورواياتهم متَّفقة على نفي ذلك، وعلى التشنيع على العامّة به. ومنهم: الصدوق في عيونه واعتقاداته، روى ذلك، وأفتى به([140]).

وأمّا ما أورده نقضاً عليه من (أنّه لو جاز أن يسهو في الصلاة جاز أن يسهو في الصيام والزكاة والحجّ؛ لاشتراك الجميع في العلّة).

 ففيه: إنّه يلتزم بجميع ذلك لو دلّ عليه دليلٌ، واقتضَتْه حكمةٌ، كما في الصلاة. واعتلال الصدوق في الصلاة لم يكن من قِبَل نفسه، بل من الأئمّة^.

ففي خبر الحسن بن صدقة المتقدِّم قلتُ: وحاله حاله؟ قال: إنّما أراد الله عزَّ وجلَّ أن يفقِّههم.

وفي صحيح سعيد الأعرج المتقدِّم من الكافي: إنّ الله هو الذي أنساه؛ رحمةً للأمّة.

وفي صحيحة من الفقيه: وإنّما فعل به ذلك رحمةً لهذه الأمّة.

وأمّا تعليلة الآخر (لئلا يتَّخذ ربّاً) فإنّه حال لم يفهم من خصوص أخبار المقام، إلا أنّه يفهم من عمومات سائر الأخبار الواردة في مواضع أخرى، فقد ورد أنّ الله تعالى لم يحُلْ بين الأئمّة^ وبين قاتليهم لئلاّ يتَّخذهم الناس أرباباً.

مع أنّه يحتمل ورود تلك العلّة في خصوص أخبار سهوه، ولم يَصِلْ خبره إلينا؛ فإنّ المشايخ الثلاثة لم يستقصوا الأخبار الواردة في كلّ بابٍ كما استقصى المتأخِّرون ما وجدوا؛ لاتّكال أولئك على وجودها في الأصول؛ فإنّ الصدوق، مع كونه بصدد الإثبات جدّاً، لم ينقل من أخباره إلاّ خبراً واحداً، وقال: ولو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار.

فلو لم يصِلْ إلينا الكافي والتهذيب لقلنا: من أين أخبار؟ وليس غيرُ واحدٍ.

وأمّا ما ذكره من (جواز سهوه عن تحريم الخمر، فيشربها ناسياً).

ففيه: إنّ حرمة الخمر أمرٌ ضروريّ كوجوب الصلاة، ما يسهو عن واحد منهما أحدٌ من أغبياء أمته، فكيف يجوز سَهْوه؟! ولم يقُلْ الصدوق أنّ النبيّ| سها عن وجوب الصلاة، فتركها، حتّى ينقض عليه بما ذكر، بل قال بوقوع سَهْوٍ منه في كيفية أداء الصلاة.

ونظيره أن يشتبه عليه الخمر فيظنّها خلاًّ فيشربها، ولا مانع منه لو اقتضَتْه حكمةٌ، وليس في شيء منها حكمةٌ؛ لقلّة اتّفاق هذه الأمور، كما في اتّفاق السَّهْو في الصلاة.

وأمّا قوله: (ولم يؤمن عليه في مثل ذلك إلى وطء ذوات المحارم ساهياً).

فإنْ أراد السَّهْو عن حرمته فلا يتَّفق لأحدٍ؛ لكونه من الضروريّات.

وإن أراد به السَّهْو عن كونهنَّ محرَّماً فلا نقض فيه.

مع أنّه لا يتَّفق للواحد من ألفٍ في عمرٍ مرّة، فكيف يكون مثل سَهْو الصلاة؟!

وأمّا ما ذكره من العجب (بأنّ حكمه بأنّ سهو النبي| من الله وسهونا من الشيطان بلا حجّة، إلا أن يدعي الوحي في ذلك).

ففيه: إنّ له الحجّة من الكتاب والسنّة.

ففي سهونا قال الله تعالى: ﴿فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ (يوسف: 42)، وقال جلَّ وعلا: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ (الكهف: 63). وقالوا^، في مَنْ كثر سهوه في الصلاة: «لا تعوِّدوا الخبيث من أنفسكم»([141]).

وأمّا سهوه| ففي صحيح سعيد من الكافي: «إن الله هو الذي أنساه؛ رحمةً للأمّة».

وفي صحيحه من الفقيه: «وإنّما فعل تعالى به ذلك رحمةً لهذه الأمّة».

وفي خبر الحسن بن صدقة: «أنّه تعالى أراد بإسهاء نبيِّه تفقيه الناس».

وأمّا قوله أخيراً (بأنّ لازم كلامه أنّ جميع الناس، سوى النبيّ| والأئمّة^، أولياء الشيطان، وغاوون).

 [فهي] مناقشةٌ لفظيّة لا ينبغى لمثله التعلُّق به، فإنّ المراد معلومٌ.

لكنّ الإنصاف أنّ أصل الاستدلال بالآية على نفي كون سهوه من الشيطان في غير محلّه، فالآية نفَتْ سلطانه عن مطلق المؤمنين، وأثبتَتْه للمشركين الذين أمّروه عليهم باختيارهم، وإلاّ فلا سلطان له على أحدٍ، واللازم (وإلاّ لزم) الجبر.

كيف وهو يعيِّر يوم القيامة أتباعه قائلاً لهم: ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (إبراهيم: 22).

والدليل الصحيح على نفي كون سهوه من الشيطان أدلة عصمته، العقليّة والنقليّة. وروى، في الأمالي، عن أبان بن عثمان، عن الصادق×، في حديث تولّد النبي|: إنّ الشيطان قال لجبرئيل: هل لي فيه نصيبٌ؟ قال: لا، قال: ففي أمّته؟ قال: نعم، قال رضيتُ([142]).

وأمّا ما ذكره من (أن ما عرَّفه به ذا اليدين ليس تعريفاً، فإنّ المنكر له يقول له: مَنْ ذو اليدين؟ ومَنْ عمر؟ إلخ).

ففيه: إن ذلك يجري في جميع أحوال الرجال الذين لم ينقلوا بالتواتر، فليردّ جميع الأخبار بمجهولية رواتها، ويسقط علم الرجال رأساً. وليس كلّ إنسان معروفاً، وربما لا يعرف الرؤساء كثيراً من أصحابهم.

وقوله: (ولو عرّفه بذي اليدين كان أَوْلى من تعريفه بعمر).

فيه: إنّه أراد تعريف ذي اليدين لمَنْ أنكر وجوده، بذكر اسمه ونسبه وكنيته، ولامعنى لأن يعرِّف ذا اليدين بذي اليدين. وأشهريّة لقبه لا يصحِّح قوله، وكلّ مَنْ اشتهر بكنيته ولقبه كان لقبه وكنيته أعرف من اسمه ونسبه.

وقوله: (ودعواه أنّه قد روى الناس عنه دعوى بلا برهان).

فيه: إنّه لا برهان فوق الوجدان، فقد صرّح بأنّه أخرج بنفسه عنه أخباراً في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين، وليس الصدوق ممَّنْ يكذب، فكان عليه أن يراجع ذاك الكتاب. مع أنّ الرجل معروفٌ باسمه، وأسماء آبائه، وعشيرته، وحليفه، وأخيه العقديّ، وباسم أمّه، واسم أمّ أمّه، وجدّ أمه، وعشيرة أمّه، وأحواله من شهادته يوم بدر، وقاتله.

 ذكره محمد بن إسحاق، صاحب المغازي، من معاصري المنصور، أوّل مَنْ ألَّف في السِّيَر، على نقل ابن عبد البرّ، في عنوان ذي الشمالين([143]).

وذكره مصعب بن الزبير، من معاصري مروان (هارون)، في نسب قريشه.

وذكره ابن قتيبة في معارفه في الصحابة.

وذكره الطبريّ في ذيله، وابن عبد ربّه في عقده، وابن عبد البرّ في استيعابه، والمبرّد في كامله. وذكره قبل الجميع الزهريّ. فهل شهرةٌ ومعروفية فوق هذا؟

قال في الاستيعاب، في يزيد بن الحارث الخزرجيّ المقتول ببدر: آخى رسول الله| بينه وبين ذي الشمالين([144]).

وقال في نسب قريش في نسب بني جمح ـ بعد ذكر مظعون بن حبيب، والد عثمان مظعون الصحابيّ الجليل، المعروف بتعداد أولاده وأمّهاتهم ـ: وزينب بنت مظعون ولدت عبد الله وحفصة أمّ المؤمنين ابني عمر، وأمهما ريطة بنت عبد عمرو بن فضلة بن غبشان من خزاعة، وريطة أخت ذي الشمالين بن عبد عمرو، استشهد ذو الشمالين ببدر.

وقال ابن قتيبة: ذو اليدين رضي الله عنه هو عمير بن عبد عمرو، من خزاعة، ويكنى أبا محمد، وكان يعمل بيديه جميعاً، فقيل له: ذو اليدين، ويقال له: ذو الشمالين أيضاً، وقد يقال: إنّ اسمه الخرباق، وإنّه كان طويل اليدين، وهذا هو الذي ذكر في الحديث الذي ذكر فيه أنّ رسول الله| تكلَّم بعد الصلاة، ثمّ قضى ما فاته، وليس هو ذو الشمالين الذي استشهد يوم بدر([145]).

وقال الطبريّ في ذيله: ذو الشمالين، وقد يُقال له: ذو اليدين؛ لأنّه كان في ما ذكر أضبط يعمل بيدَيْه جميعاً، وإنّ اسمه: عمير بن عبد بن عمرو بن فضلة بن عمرو بن غبشان من فواعة، وقتل يوم بدر شهيداً. وقال في الاستيعاب: ذو الشمالين، واسمه عمير بن عبد عمرو بن فضلة بن عمرو بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر.

وقال ابن اسحاق: هو خزاعيّ، يكنى أبا محمد، حليف لبني زهرة، كان أبوه قدم محالفاً عبد الحارث بن زهرة، وزوجه ابنته نعمى، فولدت له عميراً ذا الشمالين، كان يعمل بيدَيْه جميعاً، وقتل يوم بدر شهيداً، قتله أسامة الجشميّ([146]).

وقال المبرّد، في كامله، منهم أي من أذواء اليمن ثمّ من خزاعة: ذو اليدين. سمّاه رسول الله| ذا اليدين، وكان قبل يُدْعى ذا الشمالين. وكان رسول الله| صلّى بهم الظهر، فسلَّم في الركعة الثانية، فقال ذو اليدين: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما كان ذاك، فقال: بلى، يا رسول الله، فالتفت إلى أصحابه فقال: ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: صدق، يا رسول الله، فنهض ثمّ قال: أنبيٌّ لأنسى أو أُنسى. لا.

 وقال في العقد الفريد: ومن بطون خزاعة ملكان بن أفصى بن حارثة بن عامر، ومنهم: ذو الشمالين، وهو عمير بن عبد عمرو، شهد بدراً، إلخ.

 فتلخّص أنّ الرجل كنيته أبو محمد، واسمه عمير، وأبوه عبد عمرو، وهو من خزاعة، وأجداده إلى خزاعة، وفوقها معلومون، وله لقبان: ذو الشمالين؛ وذو اليدين، وهو حليف لبني زهرة، وأمّه من بني زهرة نعمى بنت عبد الحارث بن زهرة، وأخته ريطة، وزينب بنت مظعون زوجة عمر ابنة اخته، وابن عمير وحفصة زوج النبيّ| ولدا ابنة أخته، وأخوه العقديّ يزيد بن حارث الخزرجيّ، وهو من شهداء بدر كأخيه العقديّ، وقاتله أسامة الجشميّ.

والصحيح أنّه الراوي لحديث السَّهْو، كما قاله الصدوق منّا، والمبرّد، كما مرّ كلامه، والزّهريّ من العامّة.

قال في الاستيعاب من العامّة: وقد كان الزّهريّ، مع علمه بالمغازي، يقول: إنّ [الراوي] ذا الشمالين المقتول ببدر، وإنّ قصة ذي اليدين في الصلاة كانت قبل بدر، ثمّ أحكمت الأمور بعد ذلك([147])، لا الخرباق السلميّ الذي بقي بعد النبيّ|، كما ذهب إليه ابن قتيبة.

ومرّ كلامه والطبريّ، فقال بعد ما مرّ: وأمّا الآخر منهما فإنّ اسمه الخرباق، عاش بعد رسول الله| زماناً، وروى عن رسول الله| أحاديث.

وابن عبد البرّ عنون تارةً (ذو الشمالين)، واقتصر فيه على ما مرّ، وعنون أخرى (خرباق السلميّ) وقال: قال سعيد بن بشير، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن خرباق السلميّ: إنّ رسول الله| صلّى الظهر، فسلَّم في ركعتين، فقال له خرباق: أشككت أم قصرت الصلاة، يا رسول الله؟ فقال: ما شككت، ولا قصرت الصلاة، وقال رسول الله|: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فصلّى الركعتين، ثمّ سلّم، ثم سجد سجدتين وهو جالسٌ.

[قال أبو عمرو:] ورواه أيّوب السختيانيّ وهشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ولم يذكروا خرباقاً، وإنّما أحفظ ذكر الخرباق من حديث عمران بن حصين في قصّة ذي اليدين، قال: فقام رجلٌ يقال له: الخرباق طويل اليدين([148]).

وعنون ثالثة (ذو اليدين)، وقال: رجل من بني سليم، يقال له: الخرباق، حجازيّ، شهد النبيّ|، وقد رآه، وهمَّ في صلاته فخاطبه، وليس هو ذو الشمالين، ذو الشمالين رجلٌ من خزاعة، حليف لبني زهرة، قتل يوم بدر، نسبه ابن إسحاق وغيره، وذكره في مَنْ استشهد يوم بدر. وذو اليدين عاش حتّى روى عنه المتأخِّرون من التابعين، وشهد أبو هريرة يوم ذي اليدين، وهو الراوي لحديثه، وصحّ عنه فيه قوله: بينا نحن مع رسول الله|، وصلّى بنا إحدى صلاتي العشيّ، فسلَّم من ركعتين، فقال له ذو اليدين، وذكر الحديث.

وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد بدر بأعوام، فهذا يبيِّن لك أنّ ذا اليدين الذي راجع النبيّ| يومئذٍ في شأن الصلاة ليس بذي الشمالين المقتول ببدر.

ثمّ روى، بإسناده عن شعيب بن مطير، عن أبيه [مطير]، ومطير حاضرٌ يصدقه بمقالته، قال: يا أبتاه، أليس أخبرتني أنّ ذا اليدين لقيك بذي خشب، فأخبرك أنّ النبيّ| صلّى بهم إحدى صلاتي العشيّ، وهي الظهر، فسلَّم من ركعتين، ثمّ قام، واتّبعه أبو بكر وعمر، وخرج سرعان الناس، فلحقه ذو اليدين، ومعه أبو بكر وعمر، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما قصرت الصلاة، ولا نسيت، ثمّ أقبل على أبي بكر وعمر، فقال: ما يقول ذو اليدين؟ فقالا: صدق، فرجع رسول الله| فصلّى ركعتين، ثمّ سجد سجدتَيْ السَّهْو([149])، إلخ، من العامّة.

والمرتضى منّا مرّ أنّه استدل بخبر أبي هريرة: إنّه صلّى بأصحابه العصر، فسلّم في الركعتين الأوليين، فقال (فقام) ذو اليدين، الخبر.

ومرّ قوله: (إنّ هذه القصّة كانت بعد الهجرة؛ لأنّ أبا هريرة أسلم بعد الهجرة بسبع سنين، إلخ).

فإنّ أخبارنا، كالأوّل والرابع والسادس والثامن، (فيه..) ذو الشمالين، وفي الثالث قال: كذلك، يا ذا اليدين، وكان يُدْعى ذا الشمالين، الخبر، دلَّتْ على أنّه كان معروفاً بذي الشمالين، والنبيّ| عدل عن خطابه به؛ لكونه نَبْزاً باللقب، وقد نُهي عنه، فبدَّله بذي اليدين؛ لصدقه على كلّ أحدٍ. وإليه يومئ كلام المبرِّد المتقدِّم و(حينئذٍ…).

فتعبير أخبار العامّة عنه بذي اليدين، كخبر الرضويّ؛ إنّما لخطابه| له به.

وأمّا رواية أبي هريرة لوقوع ذلك فلو سلِّم صدقه؛ لمعروفيته بالكذابية، تحمل على حكايته لذلك عن قبل، كما أشار إليه كلام الزُّهْريّ المتقدِّم، وليس الخبر صريحاً في شهوده، كما ادّعاه ابن عبد البرّ.

مع أنّنا لا نسلِّم من روايات العامّة ما خالف رواياتنا، ونقل الشيخ إجماع الطائفة على عدم جواز العمل بالخبر العاميّ إذا عارضه خبرُ إماميّ، أو أعرض عنه الإمامية.

(وحينئذٍ) فما رووه في بعض أخبارهم، كخبر مطير، من خروجه عن موضع صلاته، وطلبه التصديق من خصوص أبي بكر وعمر، باطلٌ وجعل؛ فأخبارنا متَّفقةٌ على عدم انحرافه، وطلبه التصديق من العموم، فإنّهم يتصرَّفون في الأخبار؛ ليضعوا فضائل لشيخَيْهم، فقد عرفت أنّ في خبر مطير: ثمّ قام النبيّ|، واتبعه أبو بكر وعمر، وخرج، إلخ. وأخبارنا صريحةٌ في أنّ النبيّ| لم يُعِدْ؛ لعدم خروجه ووقوفه في موضعه.

وأمّا أنّ اسمه عمير، أو الخرباق، وإنْ لم يَرِدْ في أخبارنا، إلاّ أنّه بعد اتّفاقها على كونه ذا الشمالين، واتفاق السِّيَر على أنّ ذا الشمالين هو عمير المعروف، الذي عرفته، يتعيَّن كون اسمه عميراً.

ولا عبرة بروايتهم عن عمران بن حصين: فقام رجلٌ يقال له: الخرباق، طويل اليدين، الخبر.

وممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول المامقانيّ، بعد عنوانه (الخرباق): وإليه ينسب حديث سَهْو النبيّ|. واشتبه الصدوق في الفقيه فنسبه إلى ذي الشمالين، بزعم اتّحاده مع ذي اليدين. وهو سَهْوٌ عظيم صدر منه؛ لعمله بالرواية، فأسهاه الله تعالى في ذلك([150]). فذو اليدين الخرباق الأسلميّ مات في زمان معاوية، وذو الشمالين عمير بن عبد عمر قتل يوم بدر، وحديث السَّهْو شهده أبو هريرة، وكان إسلامه بعد بدر، إلخ. فالصدوق لم ينسبه إلى ذي الشمالين، بل الصادقون^.

واتّحاد ذي الشمالين وذي اليدين في الجملة ممّا اتَّفق عليه الخاصّة والعامّة، فذو اليدين عندهم نفران: عمير الملقَّب بذي الشمالين أيضاً، وخرباق الذي لا يُقال له: ذو الشمالين. وقد عرفت دلالة أخبارنا على اتّحادهما.

وقوله: حديث السَّهْو شهده أبو هريرة. قد عرفت الجواب عنه. وبالجملة: سمع شيئاً قاله ابن عبد البرّ فخبط وخلط.

وكذلك ما في قول الداماد. فعن رواشحه: ظاهر كلام أكثر البصراء الناقدين أن ذا اليدين وذا الشمالين لقبان لرجلين، وأنّ ما وصل إلينا من المخالف والموافق أنّ حديث السَّهْو منسوب إلى ذي اليدين، لا إلى ذي الشمالين، إلخ([151]).

فليْتَه راجع روايات مذهبه؛ حتّى لا يخبط مثل هذا الخبط. لكن إذا كان مثل شيخنا المفيد لم يراجع أخبارنا، وغالط الصدوق تلك المغالطات العظيمة، لم يكن ما صدر عن المتأخِّرين عجيباً.

ومن خبطاته أيضاً ما عن رواشحه: مسلكُ الصدوق في قوله: وكان شيخنا [محمد بن الحسن أحمد بن الوليد] يقول: أوّل درجة في([152]) الغلوّ نفي السَّهْو عن النبيّ| بعيدٌ عن مشرب([153]) الصحّة، بل الصحيح عندي؛ على مشرب العقل، ومذهب البرهان، أنّ أوّل درجةٍ في إنكار حقّ النبوّة إسناد السَّهْو إلى النبيّ| في ما هو نبيٌّ [فيه]. ولا مغالاة في إثبات العصمة عن السَّهْو في ما لتبليغه وتكميله البعثة؛ إذ هذه المَلَكة لنفس النبيّ| إنّما هو بإذن الله تعالى وعصمته، إلخ([154]).

فإنّه أراد أن يبطل قول الصدوق وشيخه، فقال شيئاً يقولان به، فإنّهما أيضاً ينكران سَهْوه في ما هو نبيٌّ، كبيان أفعال الصلاة وأقسامها، لا في أدائها، ويثبتان العصمة للنبيّ| في ما لتبليغه وتكميله البعثة، ويذعنان بهذه المَلَكة له، كما صرَّح به الصدوق في ردّ استدلال الغلاة.

ونظير خبطه خبط المامقانيّ أيضاً، حيث نقل في ردّ الصدوق كلام أبي عليّ، في إلهيات شفائه، حيث قال ما معناه([155]): (إنّ الأنبياء لا يؤتون من جهة النبوّة عليهم غلط وسَهْو، وهو مذهب أصحابنا الإمامية)([156]).

فإنّه تأييد لقول الصدوق، لا ردّ عليه؛ فإنّ قوله: من جهة النبوّة دالّة بالمفهوم على أنّه يجوز عليهم السَّهْو في غير جهة النبوّة، كأفعالهم الشخصية، وأداء عباداتهم التي أممهم شريكون لهم فيها.

كما أنّ قول البهائيّ ـ في قبال قول الصدوق: وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتابٍ منفرد في إثبات سَهْو النبيّ| ـ: (أحمد الله على عدم تصنيفه، كما وعد)، لا ينبغي من مثله، فمن أين [له] أنّه لم يصنِّف، فلم يقِفْ على أسماء كثير من كتبه، فضلاً عن نفس الكتب. فالنجاشيّ الذي أكثر من عدّ كتبه، صغيرها وكبيرها، لم يبلغ ما عدّ مئتين، وقد كانت كتبه ثلاثمائة، وقد كانت وقت تأليفه للفقيه بالغة مئتين وخمسين، وكان عليه أن يتأسَّف لضياعها؛ فإنّ كتبه وكلماته ليست إلاّ أحاديث الأئمّة^ وكلماتهم، ولو لم تكن كتبه وكتب سائر القدماء لم يكن في أيدينا شيء، وكلما وقفنا من كتبهم على شيء ازدادَتْ دائرة اطلاعنا.

مع أنّ كلامه ليس كلام ذي علم؛ فإنّ العالم لاينفي شيئاً إلاّ بعد الوقوف على أدلّة خصمه. فعلى العارف أن ينظر أوّلاً في شيءٍ؛ فإن رآه حقّاً أذعن به، وإنْ رآه باطلاً أنكره، بإبطال أدلته، وفي البرهان كفايةٌ؛ وإنْ التبس عليه توقَّف.

ثمّ الظاهر أنّه ألَّف، فقال في العيون، بعد الخبر العاشر المتقدِّم، المشتمل على إنكار بعض أهل سواد الكوفة سَهْو النبيّ| وقتل الحسين×: وقد أخرجْتُ ما رويْتُه في هذا المعنى في كتاب إبطال الغلوّ والتفويض([157]).

ثمّ لو عُذر المفيد في ترك عمله بأخبار السَّهْو؛ لكونها أخبار آحاد، كما ادّعاه، وإنْ أنكرناه، وقلنا بلحوقها بالتواتر، كما قال ابن الوليد وابن بابويه([158])، بل الشيخ أيضاً، كما تقدَّم؛ لقوله بكون مضامينها في أحكام السَّهْو معمولاً بها، بل المفيد نفسه لو كان راجعها، ولم يقتصر على الخبر العاميّ ـ لم يعذر المتأخِّرون؛ لأن مسلكهم ليس مسلك القدماء في اشتراط التواتر وما في حكمه، وردّ أخبار الآحاد، بل صحّة السند وضعفه. وقد عرفت أنّ فيها ستّة صحاح، وواحداً حَسَنٌ، كالصحيح.

فإنْ قالوا نردّ هذه الأخبار وإنْ كانت صحيحة؛ لمخالفتها العقل.

قلنا: إنّ المسلَّم من دلالة العقل منع سَهْوه| في تبليغ الأحكام، الذي هو وظيفة النبيّ من حيث هو نبيٌّ، دون أداء العبادات التي هو أحد المكلَّفين بها، مثل أمّته.

فإن قيل: إنّ السهو مطلقاً نقصٌ، والنقص لا ينبغي للنبيّ|.

قلتُ: ذلك لو لم يعرضه وجه حَسَنٌ، فكثيراً ما يعرض لما هو قبيح في نفسه ونقص في ذاته ما يرفع قبحه ونقصه. فالكذب ـ وهو قبيحٌ ـ إذا قارنه مصلحةٌ، كإصلاح ذات البَيْن وغيره، يكون حَسَناً.

والنسيان نقصانٌ، وفي بعض الموارد يكون لُطْفاً، قال الصادق× للمفضَّل: وأعظمُ من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمةُ في النسيان، فإنّه لولا النسيان لما سلا أحد عن مصيبته، ولا انقضت له حسرةٌ، ولا مات له حقدٌ، ولا استمتع بشيءٍ من متاع الدنيا مع تذكُّر الآفات، ولا رجا غفلةً من سلطان، ولا فترةً من حاسد.

وبيَّنت الأخبار ضروب المصلحة في إسهائه، منها: أن لا يتّخذ ربّاً؛ ومنها: أن يتعلَّم الناس أحكام السَّهْو؛ ولئلاّ يعيِّر أحدٌ أحداً بوقوع سَهْو منه، كما عرفت. فكما أنّ أصل وجود النبيّ| لطف من الله تعالى على عباده يكون تسليط السَّهْو عليه في ذلك المورد أيضاً لطفاً، غاية الأمر أنّ وجوده لطفٌ واجب وفرض، وهذا فضلٌ ونضل، وألطافه بلا حَدٍّ، ونعماؤه بلا عَدٍّ.

هذا، وأمّا قول المفيد: (ولو كان ذو اليدين معروفاً، كمعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأمثالهم، لكان ما تفرَّد به غير معمولٍ به).

فمن الغرابة بمكانٍ، فإنّ شرط قبول الخبر وثاقة راويه واستقامته، لا معروفيته واشتهاره. والرجال الذين عدّهم كانوا من النواصب، ومن غير القائلين بأمير المؤمنين×.

أمّا معاذ فقد قال سُلَيْم بن قيس: إنّه كان من الذين كتبوا صحيفةً في نقض عهد أمير المؤمنين×.

وأمّا ابن مسعود فقال الفضل بن شاذان: إنّه خلط، ووالى القوم، ومال معهم، وقال بهم.

وأمّا أبو هريرة فقد اعترف المؤالف والمخالف بوضعه الحديث على أهل البيت×، ولأعدائهم، فكيف يمكن العمل بما رووه؟!

ولكن يمكن القول بجواز العمل بما رواه ذو اليدين، بناءً على الأصل الظاهر في كلّ مسلمٍ لم يعلم فسقه.

مع أنّه يمكن المعارضة بمثل كلامه في أبي هريرة بإنكار معروفيته؛ لعدم معلومية اسمه. ففي [شرح] القاموس أنّ في اسمه نيِّفاً وثلاثين قولاً([159]).

مع أنّ الراوي عن النبيّ| ليس هذا الرجل، لا في أخبار الخاصّة، ولا في الخبر العاميّ. أمّا أخبار الخاصّة فقد عرفت أنّ الراوي فيها الصادق والكاظم والرضا^. وأمّا في الخبر العامي فأبو هريرة الذي جعله من المعروفين، فقد عرفت أنّ المرتضى قال: استدلّ بما روى أبو هريرة أن النبيّ| صلّى بأصحابه العصر، فقام ذو اليدين، الخبر. وإنّما اشتهر الخبر بخبر ذي اليدين، وبحديث ذي الشمالين؛ لأنّ الأخبار تضمَّنت أنّه أوّل مَنْ تنبَّه للسَّهْو، ونبَّه النبيّ| على ذلك، لا أنّه رواه.

ومرّ قول ابن عبد البرّ: وشهد أبو هريرة يوم ذي اليدين، وهو الراوي لحديثه، وصحّ عنه فيه قوله: بينا نحن مع رسول الله|، وصلّى بنا إحدى صلاتي العشيّ، فسلّم من ركعتين، فقال له ذو اليدين، الخبر([160]).

هذا والصحيح من خبر سَهْوه| هو نقصانه؛ لما عرفت من تعدُّد أخباره، وصحّتها، ونقلها في الكتب المعتبرة، وصحّة مضامينها.

وأمّا خبر زيادته|، وهو ما رواه الشيخ، عن سعد بن عبد الله، [عن أبي الجوزاء]، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليٍّ× قال: صلّى بنا رسول الله| الظهر خمس ركعات، ثم انفتل([161])، فقال له بعض القوم: يا رسول الله، هل زيد([162]) في الصلاة [شيءٌ]؟ قال: وما ذاك؟ قال: صلَّيْتَ بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة، وكبَّر وهو جالس، ثمّ سجد سجدتين، ليس فيها قراءةٌ ولا ركوع، ثمّ سلَّم، وكان يقول: هما المرغمتان([163]).

فخبرٌ شاذّ نادر؛ فإنّه خبرٌ واحد تفرَّد به رجال العامّة والزيديّة، ولم يقُلْ بمتضمّنه أحد من العصابة، بل أطبقوا على بطلان الصلاة بزيادة ركعة.

وسعد بن عبد الله ـ الذي نقله ـ وإنْ كان أحد الأجلّة، إلاّ أنّه كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب حديثهم، ولقي من وجوههم الحَسَن بن عرفة، ومحمد بن عبد الملك الدقيقيّ، وأبا حاتم الرازيّ، وعباس البرفقيّ، كما قال النجاشيّ([164]).

وكان يروي عن الضعفاء، قال ابن بابويه، في كتاب منتجباته: إنّه روى عن ابن الوليد، عنه، أجزاءً، وأعْلَمَ على الأحاديث التي رواها محمد بن موسى الهمدانيّ.

وممّا يشهد لكونه من متفرِّدات العامّة أنّ الخطيب روى في عبد الباقي بن أبي غانم روايته أنّ النبيّ| صلّى الظهر خمساً، فسجد سجدتين، وهو جالسٌ [بعدما سلَّم]([165]). ويمكن أن يكون سمعوا ذلك في الشكّ، فوهموا، ونقلوه في السَّهْو.

وبالجملة خبر الزيادة خبرٌ واحد، تفرَّد به العامّة، وأعرض عن مضمونه في حكم الزيادة الخاصّة.

وأمّا ما ذكره المفيد من (أنّ الخبر المرويّ في نوم النبيّ| عن صلاة الصبح من جنس خبر سَهْوه في الصلاة في كونه من أخبار الآحاد).

ففيه: إنّه وإنْ كان ما وصل إلينا فيه أقلّ عدداً من أخبار سَهْو الصلاة؛ لأن أخبار السَّهْو عرفت أنّها أحد عشر، بل اثني عشر، وأخبار النوم ستّة، إلاّ أنّها أيضاً مستفيضة، وملحقة بالتواتر،و لا سيَّما أنّها كلّها هنا صحيح السند، وكالصحيح.

[1] ـ فروى الكلينيّ، في الباب المتقدّم، بالإسناد السابق: [محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى]، عن سماعة قال: سألتُه عن رجلٍ نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال: يصلّيها حين يذكرها؛ فإنّ رسول الله| قد رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ صلاها حين استيقظ، ولكنّه تنحّى عن مكانه ذلك، ثمّ صلّى([166]).

[2] ـ و[عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن النعمان]، عن سعيد قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: نام رسول الله| [عن الصبح]، والله عزَّ وجلَّ أنامه حتّى طلعت الشمس [عليه]؛ وكان ذلك رحمةً من ربك للناس. ألا ترى لو أنّ رجلاً نام حتّى تطلع الشمس لعيَّره الناس، وقالوا: لا تتورَّع لصلاتك، فصارت أسوةٌ وسنّة، فإنْ قال رجلٌ لرجل: نمت عن الصلاة قال: قد نام رسول الله|، فصارت أسوة ورحمة رحم الله [سبحانه] بها هذه الأمّة([167]).

[3] ـ وروى الشيخ، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبد الله، قال: سمعتُه يقول: إنّ رسول الله| رقد، فغلبته عيناه، فلم يستيقظ، حتّى آذاه حرّ الشمس، ثمّ استيقظ، وركع ركعتين، ثمّ صلّى الصبح، وقال: يا بلال، ما لَكَ؟! فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك، يا رسول الله، قال: وكره المقام، وقال: نِمْتُم بوادي الشيطان([168]).

[4] ـ وروى الصدوق في التوحيد: [حدَّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه]، عن [جدّه] أحمد بن أبي عبد الله، عن عليّ بن الحكم، عن أبان الأحمر، عن حمزة بن الطيّار، عن أبي عبد الله، في حديثٍ، قال: إنّ الله أمر بالصلاة والصيام([169])، فنام([170]) رسول الله| عن الصلاة، فقال: أنا أنيمك، وأنا أوقظك، فإذا قمْتَ([171]) فصَلِّ؛ ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون، ليس كما يقولون: إذا نام عنها هلك، وكذلك الصيام، أنا أمرضك وأنا أصحّك، فإذا شفيتك فاقْضِه([172]).

ورواه الكلينيّ، عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، مثله([173]).

[5] ـ وفي الذكرى: روى زرارة، في الصحيح، عن أبي جعفر× قال: قال رسول الله|: إذا دخل [وقت] صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة، فأخبرتُ الحكم بن عتيبة وأصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلما كان في القابل لقيتُ أبا جعفر×، فحدَّثني أن رسول الله| عرَّس في بعض أسفاره، فقال: مَنْ يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال وناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال، ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله|، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله|: قوموا فتحوَّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، فقال: يا بلال، أذِّنْ، فأذَّنَ، فصلّى رسول الله| ركعتي الفجر، وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، ثمّ قال: مَنْ نسي شيئاً من الصلاة فليُصَلِّها إذا ذكرها، قال [الله] عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]. قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه، فقال: نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبي جعفر×، فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة، [ألا أخبرتهم] إنّه قد فات الوقتان جميعاً، وإنّ ذلك كان قضاءً من رسول الله| ([174]).

[6] ـ وتقدّّم صحيح سعيد الأعرج، عن الفقيه، قال: قال أبو عبد الله: إنّ الله [تبارك و]تعالى أنام رسوله| عن صلاة الفجر، حتّى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلّى الركعتين قبل الفجر، ثمّ صلّى الفجر([175]).

بل رواياته سبع:

[7] ـ فروى الطبريّ، عن ابن حميد، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزُّهْريّ، عن سعيد بن المسيِّب قال: لمّا انصرف رسول الله| من خيبر، وكان ببعض الطريق، قال من آخر الليل: مَنْ رجل يحفظ علينا الفجر؛ لعلّنا ننام، فقال بلال: أنا، يا رسول الله|، أحفظ لك، فنزل رسول الله|، ونزل الناس، فناموا، وقام بلال يصلّي، فصلّى ما شاء الله أن يصلّي، ثمّ استند إلى بعيره، واستقبل الفجر يرمقه، فغلبَتْه عينه، فنام، فلم يوقظهم إلاّ مسُّ الشمس، وكان رسول الله| أوّل أصحابه هبَّ من نومه، فقال: ماذا صنعْتَ بنا، يا بلال؟! فقال: يا رسول الله|، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال: صدقْتَ، ثمّ اقتاد رسول الله| غير كثير، ثمّ أناخ، فتوضّأ وتوضّأ الناس، ثمّ أمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلّى بالناس، فلمّا سلَّم أقبل على الناس فقال: إذا أنسيتم الصلاة فصلُّوها إذا أذكرتموها؛ فإنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 14)، إلخ.

 وهو خبرٌ موثَّق. وسعيد من أصحاب السجاد×، فلا بُدَّ أنّه سمعه منه×. ولا مخالفة له بوجهٍ مع أخبارنا، كما كان الأخبار العامّة مع أخبارنا في سَهْوه.

وأمّا ما ذكره المفيد من (تضمُّن الخبر خلاف ما عليه العصابة).

ففيه: إنّ الصحاح الأربعة الأولى لم تتضمَّن ما ذكر من قضاء النافلة قبل قضاء الفريضة، وإنّما هو في الصحيحين الأخيرين.

مع أنّهم قالوا: اشتمال خبر على شيء غير معمول به لا يسقطه عن الحجّية في ما يعمل به.

 مع أنّ إجماع العصابة إنّما هو في مجرّد أن مَنْ فاتته صلاة فريضة يجوز له إتيانها أيّ وقت ذكرها، وأمّا وجوب تقديمها على الحاضرة، وعدم جواز قضاء النافلة قبل قضائها، فليسا إجماعيين، كيف وقد دلّ الصحيحان المتقدِّمان على الثاني؟!

ومثلهما ما رواه الشيخ، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله×، قال: سألتُه عن رجلٍ نام عن الصلاة حتّى طلعت [الشمس]؟ فقال: يصلّي الركعتين، ثمّ يصلي الغداة([176]).

وهو أيضاً خبرٌ صحيح، على الأصحّ. وليس فيه ذكر من نوم النبيّ|. وقد أفتى بذلك الشهيد، كما صرَّح بإمكان نومه، فقال ـ بعد الخبر المتقدِّم عن ذكراه ـ: والخبر على جواز قضاء النوافل. ودلّ على أنّ الرحمة لهذه الأمّة والعناية بشأنهم لئلاّ يعيَّر أحدهم لو وقع منه النوم([177]).

وقال الشيخ ـ بعد نقل الصحيحين الآخرين ـ: الوجه فيهما أن نحملهما على مَنْ يريد أن يصلّي بقومٍ، وينتظر اجتماعهم، جاز له [حينئذٍ] أن يبدأ بركعتي النافلة، كما فعل النبيّ|، فأمّا إذا كان وحده فلا يجوز له ذلك على حالٍ([178]).

قلتُ: لا يتمشّى تأويله في صحيح زرارة، الذي نقله الذكرى، حيث إنّ الباقر× قال، في جواب اعتراض الحكم بمنافاة ما قاله أوّلاً من عدم جواز النافلة لمَنْ عليه فريضة لما قاله أخيراً من قضاء النبيّ| نافلة الفجر قبل فريضته، بالفرق، وأنّه لمّا فات وقت الفريضة جاز الإتيان بنافلتها قبلها.

وأمّا ما ذكره أخيراً (من جواز نوم النبيّ| عن الصلاة، وعدم جواز سَهْوه؛ لعدم كون النَّوْم عَيْباً ونقصاً، بخلاف السَّهْو).

ففيه: إنّ الفرق الذي ذكر إنّما هو بين النَّوْم والسَّهْو من حيث هما هما، فإنّ النوم أحد الضروريّات لجميع البشر، كالأكل والشرب، بخلاف السَّهْو. ولسنا نريد المقايسة بين حقيقتهما.

وأمّا فوت الصلاة بواسطة النَّوْم كنقصانها لعلّة السَّهْو، فهما سواءٌ في كون كلٍّ منها عَيْباً، بل عَيْب الأوّل أكثر؛ لأنّ السَّهْو في الصلاة يتَّفق للإنسان كثيراً، والنوم عن الصلاة لا يتّفق إلاّ نادراً.

وشاهد ما قلنا من كثرة ذلك وقلّة هذا، وأكثرية عيب الفوت، الوجدان ودفعه دفعٌ للعيان.

وقوله (بأنّ السَّهْو قد يكون من فعل الإنسان، والنوم لا يكون إلاّ من فعل الله) فباطلٌ أيضاً؛ فإنّ خروج السَّهْو عن مقدور الإنسان أكثر؛ فإنّ النوم أوّله من فعل الإنسان غالباً، وتعلّق قلبه بأداء فعلٍ في وقت يمنع من دوامه غالباً، ولذا قال أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلِّين: (لم أَرَ كالجنّة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها)([179]). وعروض السَّهو يكون أوّله ودوامه غالباً من فعل الله تعالى، وقد يكونان من قلّة مبالاة الإنسان بالأمر، وكما جرى عادة الناس بالأكل والشرب في أوقات معينة من النهار والليل جَرَتْ عادتهم بالنوم أوّل الليل، واليقظة أوّل النهار، ولا يتغيَّر ذلك منهم إلاّ بعروض مَرَضٍ، أو انحراف مزاج، وكثيراً ما يريد الإنسان أن ينسى مكروهاً ولا ينساه، ويريد أن يتذكَّر مطلوباً ولا يتذكَّره؛ وذلك دليل على أنّ الذكر والنسيان من قِبَل الله تعالى لا من قِبَل الإنسان، وأنّه تعالى يتصرَّف في وجود عبده بهما وبنظائرهما كيف شاء.

وبهذا حاجّ الصادق× ابن أبي العوجاء لمّا قال له: لِمَ جعل الإله الذي تقول وجوده غائباً حتّى يختلف فيه بأنّه كيف لا يكون شاهداً لك ويتصرَّف في وجودك أنحاء هذه التصرُّفات؟

وقوله: (ولو كان من مقدورهم لا يتعلَّق به نقصٌ ولا عيب).

أيضاً خبطٌ، فإنّا لم نَرَ أن يجعل الشارع لمَنْ سها في الصلاة كفّارةً، بخلاف مَنْ نام عنها. فمَنْ نام عن العشاء ولم يستيقظ إلاّ بعد نصف الليل يجب عليه صوم غده كفّارةً. ولم يجعل للسَّهْو في الصوم بأن ينسى ويأكل ويشرب ويجامع ويرتمس أثراً، بل ورد أنّ مَنْ أكل وشرب في صومه ناسياً فهو رزقٌ رزقه الله تعالى، فليحمد الله تعالى على ذلك. والجنب إذا نام ولم يستيقظ للغسل قبل الطلوع يكون عليه القضاء في المرّة الثانية، والقضاء مع الكفّارة في المرّة الثالثة، على ما أفتى به نفسه في مقنعته.

وقوله: (ولأنا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي السَّهْو والنسيان، ولا يمنعون من إيداعه مَنْ يعتريه الأمراض والأسقام، إلخ).

أيضاً في غير محلِّه؛ فإنّه قاس بين كثرة السَّهْو والنوم المتعارف. ولا وجه له. وإلاّ فكما يجتنبون أن يودعوا أموالهم ذوي السَّهْو والنسيان، كذلك يجتنبون أن يودعوا أموالهم النومة ومَنْ تأخذه في غير اضطجاعه سِنَةٌ، بل تحرُّزهم من الثاني أكثر.

وقوله: (ووجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذوو السَّهْو من الحديث، إلاّ أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة والفطنة والذكاء والحذاقة).

أيضاً من قبيل سابقه، من كون قياسه في غير محلّه، بل بلا معنى؛ لأن النوم، قليله وكثيره، لا يمنع من أداء الحديث في يقظته، ولا يحصل خللٌ به من قبله، بخلاف النسيان.

وقوله: (فعلم فرق ما بين السَّهْو والنَّوْم).

فيه: إنّه لا فرق بينهما في ما هو المهمّ من حصول العيب والتغيير بكلٍّ منهما في الصلاة. بل عرفت أنّ العيب والتغيير بالفوت بالنوم أكثر منهما بالسَّهْو. فإذا أمر المولى عبده بشيء، ولم يجئ به؛ لنسيانه له، كان أعذر عنده ممّا لو كان الترك بنومه عنه. وحينئذٍ فكما أقرّ بجواز نوم النبيّ| عن الصلاة كان عليه أن يقرّ بجواز سَهْوه.

وبالجملة فكلامه في هذة الرسالة في غاية الاختلال، وإنْ كانت سائر مصنَّفاته ثمنية نفيسة، ممتازة من كتب سائر الأصحاب بجودة التقرير والتحرير، فإنّ أكثر الموضوعات التي كتب فيها قد بلغ فيها الغاية والنهاية.

ومن خصوصيات مؤلَّفاته أنّه لايبقي فيها مجالاً لمخالفٍ، ملياً كان أو طبيعياً، حيث إنّه يشفع دعاواه ببراهين عقلية ونقلية، لكنّ الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو، والمعصوم مَنْ عصمه الله.

ولو فرضنا أنّ الحقّ معه في عدم جواز سَهْو النبيّ| في صلاته فليس طريق ردّ الصدوق ما فعل، من أنّ حديثه من أخبار الآحاد، وفيه ما يدلّ على وَهْنه، واختلافه من اختلافهم في تلك الصلاة، وتضمُّن الحديث قوله: كلّ ذلك لم يكن، واشتماله على التفاته عن القبلة، واستشهاده في صحّة إخبار ذي اليدين بقول الشيخين، ولا يعلم وجود ذي اليدين، إلى غير ذلك ممّا قال، ومنه نال؛ فإنّ ذلك إنّما يكون لو لم يكن في يدنا إلاّ الخبر العاميّ، وكان الصدوق تمسَّك به، ولم تكن تلك الأحاديث المتواترة عن أئمتنا^، ولم تكن تلك الأحاديث مستمسك الصدوق. ولعلّ الصدوق لم يَرَ الخبر العامّي.

ولو كان ردّه بكون ذلك مخالفاً للعقل، وبحمل الروايات على التقيّة، كما قال الشيخ، كان له وجهٌ ظاهري، وإنْ عرفْتَ الجواب عنه.

ولا أقول أنّ الصدوق لا يخطىء، فقد أفتى بفتاوى شاذّة في الفقه، ومنها: اختياره أنّ شهر رمضان لا ينقص أبداً؛ استناداً إلى أخبار نادرة. ولقد كتب شيخنا المفيد أيضاً رسالةً في ردِّه، وردَّه حقّ الردّ، بأنّ تلك الأخبار شاذّة نادرة، وفي قبالها أخبار كثيرة بأنّ شهر رمضان شهرٌ من الشهور، يصيبه ما يصيبها من النقصان، وأنّ الاعتبار بالرؤية، وهي مشهورةٌ بين الطائفة، وقد قالوا^ في ما تعارض [من] أحاديثهم: خذوا بما اشتهر، ودعوا الشاذّ النادر.

ولكنْ هنا خلطٌ وخبطٌ، ولولا وجود قرائن لأنكرت صدور مثل هذه الكلمات من مثله من الأجلّة. وكيف كان فالواجب أن لا ينظر إلى مَنْ قال، بل إلى ما قال.

وبالجملة: هذه المسألة ممّا لم يمنع عنها العقل، ودلّ عليها النقل، فالواجب القول بها، كما في نظائرها.

فتلخَّص مما شرحنا أنّ كلاًّ من سَهْوه في الصلاة، ونومه عنها، ممّا تواتر به الأخبار، وأنّه لم يختلف في جواز الأوّل، قبل المفيد، أحدٌ من الأمامية المستقيمة، بل الغلاة والمفوِّضة الذين ينكرون قتل الحسين×.

وأوّل مَنْ منع منه من الإماميّة المفيد؛ لشبهة سبقت إلى ذهنه.

وتبعه الشيخ، مع تغيير المبنى.

وأمّا المرتضى، فمع كونه تلميذه، لم يتابعه على ذلك، وإنّما تبعه المتأخِّرون حَسْب ديدنهم في المتابعة من الشيخ.

وعن الطبرسيّ أيضاً القول بالجواز.

وأمّا الثاني فلم يمنع منه أحدٌ؛ حيث إنّ المفيد وإنْ تشكَّك فيه أوّلاً، إلاّ أنّه قال به أخيراً.

وهو المفهوم من تقرير الشيخ لأخباره، حيث رواها، ولم يذكر لها تأويلاً، كما ذكرنا في أخبار السَّهْو من الحمل على التقيّة، بل قوله في تأويل الخبرين المشتملين على قضاء النافلة قبل الفريضة، كما فعل النبيّ|، دليلٌ على قوله بفَوْت الصلاة عنه| للنَّوْم.

وبه صرَّح من المتأخِّرين شيخنا الشهيد محمّد بن مكّي، كما تقدَّم، فعليه إجماع المتقدِّم والمتأخِّر.

ثمّ إنّه وإنْ صار في عصرنا عدم جواز المسألتين من ضروريات المذهب، كما صار جزئية الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة أيضاً كذلك، ومشروعية الصلاة والصوم الاستيجاريّين أيضاً كذلك، وكل مَنْ سمع سارع إلى الطعن والغَمْز، إلاّ أنّ الحقّ أحقُّ أن يُتَّبع، فإنّ الأصل في هذه الضرورة الحادثة شبهةٌ من المفيد، كما تبيَّن لك ممّا شرحْتُ.

والله يهدي مَنْ يشاء إلى سواء السبيل، وهو حَسْبُنا ونعم الوكيل. والحمد لله أوّلاً وأخيراً. وفرغ من تحريره في 25 من شوال المكرَّم من سنة 1358 من هجرة النبيّ الأكرم|، في البلدة الطيبة الحسينيّة، على مشرِّفها ألف سلام وتحية. وأنا الجاني الخاطي تقي التستريّ عُفي عنه.

الهوامش

(*) تطبع هذه الرسالة وتحقّق للمرّة الأولى، وقد كانت مؤسّسة النشر التابعة لجماعة المدرسين أرفقت صورتها غير المطبوعة في آخر كتاب (قاموس الرجال)، ولم تقم بطباعتها، لأسباب غير واضحة، فأحببنا نشرها تعميماً للفائدة.

(**) علاّمة في علم الرجال والحديث، وصاحب كتاب: «قاموس الرجال»، وكتاب «الأخبار الدخيلة»، وكتاب «النجعة في الفقه»، وغيرها من الكتب. أحد أبرز رموز علم الرجال والحديث عند الإمامية في القرن العشرين. توفّي عام 1405هـ.

([1]) وردت العبارة في رسالة عدم سهو النبيّ‘ هكذا: إلى معرفة طريقه.

([2]) عدم سهو النبي‘: 20.

([3]) لم أقف على هذه العبارة في المطبوع من الرسالة، ولكنّ الاحتمال الكبير، كما يوحي كلامه السابق، واللاحق يؤيِّد، أن المراد به هو قول المؤلِّف في الرسالة: وإذا كان الخبر من أخبار الآحاد التي مَنْ عمل عليها كان بالظنّ عاملاً حرم الاعتقاد بصحته، ولم يجُزْ القطع به، ووجب العدول عنه إلى ما يقتضيه اليقين».

([4]) في عدم سهو النبي‘: مذهب بدل حكم.

([5]) المصدر السابق: 22.

([6]) في الرسالة هكذا: هي بدل في.

([7]) في الرسالة جاءت العبارة هكذا: «فقال بعضهم: هي الظهر، وقال بعض آخر منهم: بل كانت عشاء الآخرة». ولم يأتِ في الأصل المطبوع قوله: وقال بعضهم: في العصر. وسياق الكلام يقتضيها، فلعلّها سقطت.

([8]) في الرسالة: عليه السلام بدل التصلية.

([9]) في الرسالة: الأولتين بدل الأوليين.

([10]) في الرسالة: زعموا بدل زعمه.

([11]) في الرسالة: فاء وليس واواً.

([12]) في الرسالة: أن يكذب النبيّ×.

([13]) عدم سهو النبي‘: 22 ـ 23.

([14]) في الرسالة: جبران بدل الخبر.

([15]) في الرسالة: قد تقضى بدل ولم يقض.

([16]) في الرسالة: متضمن بدل تضمن.

([17]) في الرسالة: يتضمن بدل متضمن.

([18]) عدم سهو النبي‘: 24.

([19]) في الرسالة: الأولة بدل الأولى.

([20]) في الرسالة: شفاعتهنّ بدل شفاعتهم.

([21]) في الرسالة: تنبَّه.

([22]) كلمة (فسلّم) لا توجد في المطبوعة من الرسالة.

([23]) في الرسالة: قائماً بدل دائماً.

([24]) عدم سهو النبيّ‘: 25. في الرسالة ورد في آخر العجز: وقد فاز قاريا.

([25]) في الرسالة: وروايتهم.

([26]) في الرسالة: لله.

([27]) في الرسالة: تضمنته.

([28]) كلمة لا تقرأ صحَّحناها عن الأصل.

([29]) عدم سهو النبيّ‘: 26 ـ 27.

([30]) في الرسالة: عن.

([31]) في الرسالة: عن.

([32]) في الرسالة: بما.

([33]) في الرسالة: وإذا.

([34]) عدم سهو النبيّ‘: 27. وردت العبارة في الرسالة المطبوعة بـ: إنه قال: لا صلاة لمَنْ عليه صلاة، يريد أنه لا نافلة لمَنْ عليه فريضة.

([35]) في الرسالة: يغلب النوم بدل النوم يغلب.

([36]) في الرسالة: يختصّ به بدل مختصّ به.

([37]) في الرسالة: لم.

([38]) في الرسالة: ليس هناك حرف (لا).

([39]) في الرسالة: ولا يمتنعون.

([40]) في الرسالة: جاء قبل هذه الجملة ما يلي: ولا يمتنعون من إيداع ذلك مَنْ يغلبه النوم أحياناً.

([41]) في الرسالة: التيقُّظ بدل اليقظة.

([42]) لا تتوفَّر الرسالة على وهو.

([43]) هذه الكلمة لا توجد في المطبوعة.

([44]) جاء في الرسالة مكان هذه النقاط: حتَّى يطأ المحرَّمات عليه من النساء، وهو ساهٍ في ذلك، ظانٌّ أنهم أزواجه.

([45]) يوجد هنا شيء من التقديم والتأخير مع الاختصار من مطالب الرسالة.

([46]) في الرسالة: المستحقّ عليه ناسياً.

([47]) في الرسالة: قبل بدل مثل.

([48]) في الرسالة: يقلبها.

([49]) في الرسالة: ويضيعها في أوقاتها بدل ويضعها في غير أوقاتها.

([50]) في الرسالة: أو بدل و.

([51]) في الرسالة جاءت هناك تتمة: ثم يتيقظ بعد ذلك لما هي عليه من صفتها، ولم ينكر أن يسهو في ما يخبر عن نفسه وعن غيره ممَّنْ ليس بربّه [هكذا] بعد أن يكون مغصوباً في الأداء.

([52]) في الرسالة: وتكون.

([53]) لا توجد في المطبوعة: بينه و.

([54]) في الرسالة: أيضاً ذلك.

([55]) في الرسالة: وهذا بدل ليكون.

([56]) في الرسالة: ولا ملي بدل ولا غال.

([57]) في الرسالة: ودال.

([58]) في الرسالة: كل بدل كان، فصحّحت عنها.

([59]) زائدة غير موجودة في المطبوع، وفي الرسالة: السهو على النبيّ.

([60]) في الرسالة: كما زعم المتهوِّر في مقاله أن النافي عن النبيّ× السَّهْو غالٍ.

([61]) في الرسالة: خارج.

([62]) عدم سهو النبيّ‘: 28 ـ 30.

([63]) في الرسالة: الألباء بدل الأولياء.

([64]) عدم سهو النبي‘: 30.

([65]) في الرسالة: وأنه بدل فإنه، فصحّحت.

([66]) في الرسالة: عمير بدل عمر.

([67]) في الرسالة: يدفع بدل رفع، فصححت.

([68]) في الرسالة: بتسميته بدل وتسميته.

([69]) في الرسالة: بعمير بدل بعمر.

([70]) في الرسالة: عمير بدل عمر.

([71]) في الرسالة: والخبر بدل فهو.

([72]) في الرسالة: سراة بدل سادات.

([73]) في الرسالة: فطن لذلك بدل نظر إلى ذلك.

([74]) في الرسالة: وعرفه بدل ولا عرفه.

([75]) في الرسالة: شعر بدل أشعر، فصحّحت.

([76]) لا توجد هذه الكلمة في المطبوع.

([77]) في الرسالة: من سهوه بدل من السهو.

([78]) عدم سهو النبيّ: 31 ـ 32.

([79]) لاحظ: الصدوق، الأمالي: 120، رقم 10 (تحقيق: مؤسسة البعثة)؛ ومَنْ لا يحضره الفقيه 2: 584، رقم 3191 (تصحيح: علي أكبر الغفاري).

([80]) لاحظ: كمال الدين وتمام النعمة: 33 ـ 34 (تصحيح: علي أكبر الغفاري).

([81]) ذكر ذلك الصدوق& نفسه في كتابه كمال الدين وتمام النعمة: 529، رقم 31.

([82]) لفّق التستريّ في هذه الأسطر بين ترجمتي الطوسي في الفهرست والنجاشي في الرجال في ترجمة المحدّث الكبير الشيخ الصدوق. لاحظ: رجال النجاشي: 389، رقم 1049 (مؤسسة النشر الإسلامي)؛ فهرست الطوسي: 237، رقم 125 (تحقيق: القيومي).

([83]) سماعة بن مهران بن عبد الرحمن، أبو ناشرة، وقيل: أبو محمد، مولى عبد بن وائل بن حجر، الحضرميّ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن الكاظم’، وذكر عنه الطوسيّ وغير أنّه كان واقفياً، سكن الكوفة، وتوفيّ في المدينة سنة 145هـ، وثَّقه النجاشيّ والطوسيّ وغيرهما، وله كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة. لاحظ: رجال النجاشي: 193، رقم 517، ورجال الطوسي: 221، رقم 196؛ 373، رقم 4.

([84]) الحسن بن صدقة، أخو مصدق بن صدقة، ذكره الطوسيّ مرّةً في ضمن رجال أبي عبد الله الصادق×، وأخرى في جملة أصحاب أبي الحسن الكاظم×، ونصّ في الأخير منهما على وثاقته. لاحظ: رجال الطوسي: 181 رقم 43؛ 335، رقم 12.

([85]) سعيد بن عبد الرحمن، وقيل: ابن عبد الله، أبو عبد الله، الأعرج السمّان، التميميّ الكوفيّ، روى عن أبي عبد الله×. له كتاب، ذكره ابن عقدة وابن نوح. لاحظ: رجال النجاشي: 181، رقم 477.

([86]) جميل بن درّاج بن عبد الله، أبو علي، وقيل: أبو محمد، النخعيّ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن’، قال ابن فضّال: شيخنا ووجه الطائفة، ثقة، له أصل، وهو ممَّنْ أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له بالفقه. لاحظ: التفريشي، نقد الرجال 1: 369.

([87]) تطلق هذه الكنية على مجموعة من الرواة، منهم:

1ـ يحيى بن القاسم، أبو بصير، وقيل: أبو محمد، الأسديّ، ثقة وجيه، روى عن الباقر والصادق’.

2ـ ليث بن البختري، أبو محمد، وقيل: أبو بصير الأصغر، المراديّ، روى عن الباقرين’، وهو الآخر ثقة.

3ـ عبد الله بن محمد، أبو بصير، الأسديّ الكوفيّ، وهو مهملٌ أو مجهول.

4ـ يوسف بن الحارث، أبو بصير، بتريّ، من أصحاب الباقر×.

وفي الغالب يطلق (أبو بصير) على الأوّلين.

([88]) زيد بن يونس، وقيل: ابن موسى، أبو أسامة، مولى شديد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الغامديّ، الشحّام، كوفيّ. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن’، له كتابٌ يرويه جماعة. ثقة. لاحظ: رجال النجاشي: 175، رقم 462؛ فهرست الطوسي: 129، رقم 1.

([89]) خالد بن سعيد، أبو سعيد، القمّاط، الكوفيّ، روى عن أبي عبد الله×، ثقة. لاحظ: رجال النجاشي: 149، رقم 387.

([90]) عبد الله بن محمد، أبو بكر، الحضرميّ، من أصحاب الباقر والصادق، تابعيّ، روى عنه عدّة من أجلاء المحدِّثين، ومن بينهم أصحاب الأجماع. وعلى كلّ حال الرجل معدود في مَنْ حَسُن حاله، وقد يرتقي بعضهم إلى القول بتوثيقه. لاحظ: رجال الطوسي: 230، رقم 25؛ 327، رقم 6 (تحقيق: جواد القيومي)؛ المظاهري، الثقات الأخيار: 235، رقم 868.

([91]) حارث بن المغيرة، من نصر بن معاوية، بصريّ، روى عن أبي جعفر وجعفر وموسى بن جعفر وزيد بن علي^، ثقة ثقة. لاحظ: رجال النجاشي: 139، رقم 361.

([92]) تفرَّد أبو عمرو الكشّي بنقل الإجماع على وثاقة جماعةٍ يبلغ عددهم بحَسَب الأرقام التي قدَّمها ثمانية عشر راوياً، فذكر لأصحاب الصادقين ستّة من الرواة الفقهاء، وذكر من أصحاب الصادق× ستّة كذلك، ومن أصحاب الكاظم والرضا’ ستّة أخرى. والستة الثانية التي عناها التستريّ هنا هم: جميل بن درّاج، عبد الله بن مُسْكان، عبد الله بن بُكَيْر، حمّاد بن عثمان، حمّاد بن عيسى، أبان بن عثمان.

([93]) المفيد، جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 34، مطبوعة في ضمن الكتاب التاسع من مجموعة مؤلَّفات المفيد.

([94]) المصدر السابق: 41.

([95]) لاحظ التوثيق الذي ذكره الشيخ المفيد في جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 25.

([96]) يذكر بعض الروايات المتواترة في الفقه، وأظنّه مهمّاً.

([97]) الكافي 3: 355، رقم 1 (الإسلامية). وذكر التستريّ في الهامش قائلاً: ورواه الشيخ [في التهذيب 2: 346، رقم 26]، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة.

([98]) الكافي 3: 356، رقم 3. وذكر التستريّ في الهامش قائلاً: ورواه الشيخ [في التهذيب 2: 345، رقم 20]، عن أبي الحسن الأوّل.

([99]) الكافي 3: 357، رقم 6. وذكر التستريّ في الهامش قائلاً: ورواه الشيخ [في التهذيب 2: 345، رقم 21]، بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى.

([100]) تهذيب الأحكام 2: 345، رقم 22 (الخرسان).

([101]) تهذيب الأحكام: 2: 345، رقم 23.

([102]) تهذيب الأحكام 2: 352، رقم 49.

([103]) تهذيب الأحكام 2: 180، رقم 25؛ الاستبصار 1: 370، رقم 4. ينقل هنا ما ورد في الكافي 3: 351، رقم 3.

([104]) تهذيب الأحكام 2: 180، رقم 26؛ الاستبصار 1: 370، رقم 5.

([105]) عيون أخبار الرضا× 1: 219، رقم 5 (حسين الأعلميّ).

([106]) مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 358، رقم 1031.

([107]) فقه الرضا: 120.

([108]) رجال النجاشي: 383، رقم 1042.

([109]) فهرست الطوسي: 237، رقم 124.

([110]) الذي نقله ابن داوود تحت عنوان (ذكر جماعة قال النجاشيّ في كلّ واحد منهم: ثقة، مرّتين)، وقد ذكر بعد ذلك مَنْ ذكره ابن الغضائري مرتين بقوله: ثقة ثقة، فكان مجموعهم خمسة أشخاص. وعليه: فابن داوود اقتصر فقط وفقط على ذكر هؤلاء الخمسة. ولكنّ التستريّ استفاد منها ذلك، ونسبها إلى أن ابن داوود الحلّي نقلها.

([111]) مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 90، رقم 1817. والعبارة جاءت فيه هكذا: وكلّ ما لم يصحِّحه ذلك الشيخ (قدس الله روحه)، ولم يحكم بصحته من الأخبار، فهو عندنا متروكٌ غير صحيح.

([112]) لفق التستريّ بين ترجمتين ساقهما الطوسيّ للسيد المرتضى علم الهدى، في كتابَيْه: الرجال: 434، رقم 52؛ والفهرست: 164، رقم 58.

([113]) الرجال: 270، رقم 708.

([114]) مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 359.

([115]) المصدر السابق 1: 360.

([116]) جاءت عبارة التنـزيه هكذا: وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة.

([117]) تنـزيه الأنبياء: 121 (دار الأضواء).

([118]) الناصريات: 234، 241 (مركز البحوث والدراسات العلمية).

([119]) لاحظ الناصريات: 234 (المسألة الرابعة والتسعون)، 241 (المسألة الخامسة والتسعون).

([120]) قال الطوسيّ في تهذيب الأحكام 2: 181، معلقاً على حديث ذي الشمالين: مع أنّ في الحديثين الأولين ما يمنع من التعلُّق بهما، وهو حديث ذي الشمالين وسَهْو النبيّ‘. وهذا مما تمنع العقول منه.

وقال في التهذيب أيضاً 2: 351: فأما الأخبار التي قدَّمناها من أن النبيّ‘ سها فسجد فإنها موافقةٌ للعامة، وإنما ذكرناها لأن ما تتضّمنه من الأحكام معمولٌ بها على ما بيَّناه.

وقال في الاستبصار 1: 372: مع أن في الحديثين ما يمنع من التعلُّق بهما، وهو حديث ذو الشمالين وسهو النبيّ‘، وذلك ممّا تمنع منه الأدلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه‘ السَّهْو والغلط.

وقال في الخلاف 6: 223: وهذا عندنا خبرٌ باطل.

([121]) يذكر هنا كلام الحلّي في السرائر.

([122]) لم أفهم احتمال كونه مغالياً، مع أنّ النجاشيّ نفسه ذكر له ثلاثة مصنَّفات، كان من بينها مصنَّف يحمل عنوان: كتاب الردّ على الغلاة.

([123]) الرجال: 74، رقم 178. قال عنه النجاشيّ: إسحاق بن الحسن بن بكران، أبو الحسين، العقرائيّ التمّار، كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاورٌ، وكان يروي كتاب الكلينيّ عنه، وكان في هذا الوقت علواً، فلم أسمع منه شيئاً.

([124]) في البحار: على صدور بدل لصدور في المخطوطة.

([125]) بحار الأنوار 17: 118.

([126]) في الأصل: وممويه، ولكن صحّحت بالرجوع إلى كتب الرجال.

([127]) الناصريات: 236.

([128]) الكافي 3: 360.

([129]) تهذيب الأحكام 2: 351، رقم 42.

([130]) عدّة الأصول 1: 150 (محمد رضا الأنصاريّ).

([131]) كانت في الأصل: يفلت بدل ينفلت، فصحّحت عن المستطرفات.

([132]) مستطرفات السرائر: 614.

([133]) تصحيح اعتقادات الإمامية: 147، والنقل كان بالمعنى.

([134]) المصدر السابق: 70.

([135]) مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 3.

([136]) الرجال: 58، رقم 136 ـ 137؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 3.

([137]) الفهرست: 277.

([138]) في الناصريات بل بدل بلى.

([139]) الناصريات: 234 ـ 237.

([140]) عيون أخبار الرضا، اعتقادات الصدوق.

([141]) الكافي 3: 358، رقم 2.

([142]) الصدوق، الأمالي: 362، رقم 1.

([143]) الاستيعاب 2: 469، رقم 716.

([144]) المصدر السابق 4: 1573، رقم 2764، مع شيءٍ من التفاوت في النقل.

([145]) المعارف: 322.

([146]) الاستيعاب 2: 469.

([147]) الاستيعاب 2: 476.

([148]) الاستيعاب 2: 457.

([149]) الاستيعاب 2: 475.

([150]) تنقيح المقال 25: 265 ـ 266.

([151]) الرواشح السماوية: 141 ـ 142، مزج فيه بين عبارتين متباعدتين، وليستا في نصٍّ واحد، مع تصرُّف في النقل.

([152]) في الأصل المعتمد من رسالة سهو النبيّ‘ زيدت كلمة نفي، فصحّحناها.

([153]) في الرواشح: مسير بدل مشرب.

([154]) الرواشح السماوية: 142، مع شيءٍ من التفاوت في النقل.

([155]) في المصدر: ما محصله.

([156]) تنقيح المقال 25: 267.

([157]) عيون أخبار الرضا× 1: 220.

([158]) يذكر ملاحظة مفادها أنهما لم يذكرا ذلك.

([159]) تاج العروس 8: 294.

([160]) الاستيعاب 2: 475.

([161]) في الأصل: اتصل بدل انفتل، فصحّحت عن الاستبصار.

([162]) في الاصل: زيدت بدل زيد، فصحّحت عن الاستبصار.

([163]) الاستبصار في ما اختلف من الأخبار 1: 377، رقم 5.

([164]) الرجال: 177، رقم 467.

([165]) تاريخ بغداد 11: 92، رقم 5780.

([166]) الكافي 3: 294، رقم 8.

([167]) المصدر السابق، رقم 9.

([168]) تهذيب الأحكام 2: 265، رقم 95.

([169]) جاء في كتاب التوحيد: أمر فيه الصلاة والصوم.

([170]) جاء في كتاب التوحيد: فأنام.

([171]) جاء في كتاب التوحيد: فاذهب بدل فإذا قمت.

([172]) التوحيد: 413، رقم 10.

([173]) الكافي 1: 164، رقم 4.

([174]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 2: 422.

([175]) مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 358، رقم 1031.

([176]) الاستبصار في ما اختلف من الأخبار 1: 286، رقم 3.

([177]) ذكرى الشيعة. وهناك عبارة مهمة للشهيد لم يذكرها التستري تنقل للأهمّية.

([178]) الاستبصار في ما اختلف من الأخبار 1: 287.

([179]) نهج البلاغة 1: 71، الخطبة رقم 28.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً