أ. صمد أشكاني آقبلاغ(*)
د. نوروز الأميني(**)
ترجمة: وسيم حيدر
مقدّمةٌ
إن التقييم السندي والمتني للروايات الموجودة في المصادر الروائية، ولا سيَّما منها الروايات غير الفقهية، مسألةٌ تمّ تجاهلها والغفلة عنها حتّى الآن؛ بسبب حَصْر الاهتمام الكبير بالروايات الفقهية. هذا، في حين أن الحاجة المتزايدة للأروقة العلمية إلى الحديث تجعل من تنقيح وتنقية هذه المصادر أمراً ضروريّاً. وتزداد ضرورة هذا الأمر في مجال الروايات الخاصّة بالعقائد والموضوعات التاريخية ذات الصلة بشكلٍ أكبر. ومن بين هذه الروايات الحديث القائل: «ما منّا إلاّ مقتولٌ أو مسمومٌ»، حيث ورد في مصادر الإمامية بأشكالٍ مختلفة، وتمَّت الاستفادة منه واستخلاص النتائج في مجال العقائد، وفي المسائل التاريخية أيضاً. ومع ذلك لم نشهد حتّى الآن بحثاً تحقيقياً حول سند ومتن هذه الرواية. ويُعَدّ السؤال حول مدى إتقان مختلف أسانيد هذه الرواية؟ وما هي المداليل التي ينطوي عليها متنها؟ وما هي صلة الرواية بمسألة الاعتقاد باستشهاد جميع المعصومين^؟ وهل يمكن لهذه الرواية وحدها أن تكون كافيةً لإثبات استشهاد المعصومين^؟ من أهمّ الأسئلة التي سوف نبحثها في هذه المقالة. كما نسعى أوّلاً ـ من خلال التلفيق بين مناهج البحث التوصيفي والتحليلي والمقارن والنَّقْدي ـ إلى بحث مختلف صُوَر نقل هذا الحديث في المصادر الروائية، لننتقل بعد ذلك إلى تقييم مدى إتقان الطرق المختلفة لهذه الرواية، في ضوء التحليلات الرجالية والسندية. وفي السياق سوف نبحث الانتقادات المختلفة الواردة على متن هذه الحديث، لنصل في نهاية المطاف إلى مدلوله. تشير التحقيقات إلى عدم وجود أيّ تحقيقٍ ـ بهذه الخصائص ـ في هذا الشأن إلى الآن، وإن الكتاب الوحيد الذي يبدو مرتبطاً بهذا الموضوع هو الكتاب الذي يحمل عنوان: «ما منّا… إلاّ مقتولٌ أو مسمومٌ»، لمؤلِّفه جعفر البياتي، وقد ترجمه [إلى اللغة الفارسية] محمد تقدّمي صارمي، بعنوان: «شهيدان شمشير وشرنگ»، وصدرت هذه الترجمة الفارسية في طهران عن دار نشر سميع، سنة 1391هـ.ش. ومع ذلك فإن هذا الكتاب لا يرتبط بمقالتنا هذه إلاّ في عنوانه؛ لأن هذا الكتاب قد اكتفى ببحث مسائل استشهاد المعصومين الأربعة عشر^ واحداً واحداً، استناداً إلى التقارير التاريخية، ولم يتعرَّض أبداً إلى دلالة الرواية وارتباطها بمسألة استشهاد المعصومين^. ومن هنا يبدو أن هذه المقالة هي الأَثَر الأوّل الذي يصدر في هذا الشأن.
1ـ تتبُّع آثار الحديث في المصادر الروائيّة
إن أقدمَ المصادر التي ورد فيها هذا الحديث بعضُ آثار الشيخ الصدوق(381هـ). وبعده عمد تلميذه عليّ بن محمد الخزّاز(400هـ) إلى ذكر رواياتٍ بهذا المضمون في كتابه. ثمّ أخذ سائر المحدِّثين ـ من أمثال: الحُرّ العاملي، والعلاّمة المجلسي، والشيخ البحراني، وغيرهم ـ الرواية من هذه المصادر([1]). ومن هذا الطريق تسلَّلَتْ هذه الرواية إلى التفاسير الشيعيّة أيضاً([2]).
ومهما كان الأمر فإن تقرير الشيخ الصدوق لهذه الرواية كما يلي:
حدَّثنا محمد بن موسى بن المتوكِّل ـ رضي الله عنه ـ قال: حدَّثنا عليّ بن إبراهيم [بن هاشم]، عن أبيه، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهَرَوي قال: سمعتُ الرضا× يقول: «والله، ما منّا إلاّ مقتولٌ شهيد»، فقيل له: ومَنْ يقتلك، يا بن رسول الله؟ قال: «شرُّ خلق الله في زماني، يقتلني بالسمّ»([3]).
وقد ذكر ذات هذه الرواية في كتابه (مَنْ لا يحضره الفقيه)، بعد حذف السند([4]).
وأما في كتاب (عيون أخبار الرضا×) فقد ذكرها في نقلٍ آخر كما يلي:
حدَّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدَّثني أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاري، عن أبي الصلت الهَرَوي قال: قلتُ للرضا×: يا بن رسول الله، إن في سواد الكوفة قوماً يزعمون أن النبيّ| لم يقَعْ عليه السَّهْو في صلاته، فقال: «كذبوا ـ لعنهم الله ـ، إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلاّ هو»، قال: قلتُ: يا بن رسول الله، وفيهم قوماً [قومٌ] يزعمون أن الحسين بن عليّ× لم يُقْتَل، وأنه أُلقي شَبَهه على حنظلة بن أسعد الشامي، وأنه رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى بن مريم×، ويحتجّون بهذه الآية: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء: 141)، فقال: «كذبوا ـ عليهم غضب الله ولعنته ـ، وكفروا بتكذيبهم لنبيّ الله| في إخباره بأن الحسين بن عليّ× سيُقْتَل. والله لقد قُتل الحسين×، وقُتل مَنْ كان خيراً من الحسين، أمير المؤمنين والحسن بن عليّ^، وما منّا إلاّ مقتولٌ، وإني، واللهِ، لمقتولٌ بالسمّ، باغتيال مَنْ يغتالني، أعرف ذلك بعهدٍ معهود إليّ من رسول الله|، أخبره به جبرئيل، عن ربّ العالمين عزَّ وجلَّ. وأما قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ فإنه يقول: لن يجعل الله لكافرٍ على مؤمنٍ حُجّةً…»([5]).
وقد نقل عليّ بن محمد الخزاز، عن الإمام الحسن المجتبى×، فقال: حدَّثني محمد بن وهبان البصري قال: حدّثني داوود بن الهيثم بن إسحاق النحوي قال: حدَّثني جدّي إسحاق بن البهلول بن حسّان قال: حدّثني طلحة بن زيد الرقّي، عن الزبير بن عطا، عن عمير بن هاني العيسى، عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلتُ على الحسن بن علي× في مرضه الذي توفي فيه، وبين يدَيْه طشتٌ يقذف فيه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السمّ…، وقال: «واللهِ، إنه لعهدٌ عهده إلينا رسول الله|، أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من وُلد عليٍّ× وفاطمة÷، ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتولٌ…»([6]).
وقد ورد تقرير روايةٍ أخرى في ذات هذا الكتاب، عن الإمام الحسن×، بهذا المضمون: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد الخزاعي قال: حدَّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال: حدَّثنا محمد بن زكريا الغلاني قال: حدَّثنا عتبة بن الضحّاك، عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: لما قُتل أمير المؤمنين× رقى الحسن بن عليّ×، فأراد الكلام…، فقال: «…ولقد حدَّثني جدّي رسول الله| أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منّا إلاّ مقتولٌ أو مسمومٌ»، ثمّ نزل عن منبره، ودعا بابن ملجم لعنه الله…([7]).
والرواية الأخرى التي تبدو مختلفةً عن الروايات المتقدِّمة من حيث المتن، ولكنها بنفس معنى هذه الرواية تقريباً، هي الرواية التي يرويها الصفّار، عن الإمام الصادق×، وهي قوله: «أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد [الأهوازي]، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله× قال: سُمّ رسول الله| يوم خيبر، فتكلَّم اللحم، فقال: يا رسول الله ـ صلوات الله عليك وعلى آلك ـ، إني مسمومٌ، فقال النبيّ| عند موته: اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكَلْتُها بخيبر، وما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلاّ شهيد»([8]).
وعلى هذا الأساس، فإن الرواية المتقدِّمة قد رُويت بخمسة متون، وخمسة أسانيد، كما يلي:
أـ ما منّا إلاّ مقتولٌ شهيد.
ب ـ وما منّا إلاّ مقتولٌ.
ج ـ ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتولٌ.
د ـ ما منّا إلاّ مقتولٌ أو مسمومٌ.
هـ ـ ما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلاّ شهيد.
2ـ تقييم إسناد الرواية
أـ تقييم طُرُق الصدوق
يُعَدّ سند الشيخ الصدوق في (الأمالي) من جملة الأسانيد المعتبرة لهذا الحديث؛ إذ إن جملة رواته من الثقات.
فمحمد بن موسى المتوكِّل ـ الذي ذكره الشيخ الطوسي في باب «مَنْ لم يَرْوِ عنهم»([9]) ـ يُعَدّ من الثقات([10]). وعلى الرغم من أن صاحب (منتقى الجمان) قد ضعَّف الطريق الذي يكون فيه اسم محمد بن موسى، وقال مصحِّح هذا الكتاب ـ وهو الشيخ الغفّاري ـ بأن سبب الضعف يأتي من وجود محمد بن موسى بن المتوكّل في السند([11])، بَيْدَ أن السيد الخوئي لم يستسِغْ التوقُّف في وثاقته([12]).
وعليّ بن إبراهيم بن هاشم، وأبوه، من الثقات أيضاً([13]).
وفي ما يتعلَّق بأبي الصلت [الهروي] ليس هناك بين الرجاليّين الشيعة مَنْ يتردَّد في وثاقته، على الرغم من تردُّد بعضهم في مذهبه، واعتباره عامّياً([14])، إلاّ أن السيد الخوئي ـ بعد بيان ونَقْد مدَّعيات هؤلاء ـ حكم بوثاقته وتشيُّعه([15]). وقد وصف السيد جعفر مرتضى العاملي سند هذه الرواية في المجموع خالياً من الإشكال، وقال بأنه معتبرٌ([16]). وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن السند الأوّل لهذه الرواية صحيحٌ.
وليس للرواية الواردة في كتاب (مَنْ لا يحضره الفقيه) ـ التي لا تختلف في متنها عن رواية (الأمالي)، والتي يمكن القول بأن الشيخ الصدوق قد ذكر ذات هذه الرواية في (مَنْ لا يحضره الفقيه) بعد حذف السند ـ سندٌ غير سند تلك الرواية؛ ومن هنا يكون سند الرواية المذكورة في كتاب (مَنْ لا يحضره الفقيه) صحيحاً، مثل سند (الأمالي) أيضاً.
وأما سند المتن الثاني فإنه لا يخلو من الإشكال. وذلك أن أحمد بن عليّ الأنصاري لم يَرِدْ له ذكرٌ من قِبَل المتقدِّمين من علماء الرجال، إلاّ أن الشيخ النمازي الشاهرودي ينظر إليه بإيجابيّة في ضوء محتوى رواياته؛ إذ إن أغلبها واردٌ في وصف عبادة الإمام الرضا×، ومناظرته مع المأمون في موضوع الإمامة، وصفة الإمام الرضا([17]).
وقد ذهب ابن الغضائري إلى القول بتضعيف تميم بن عبد الله، الذي لم يَرْوِ عنه سوى الشيخ الصدوق فقط([18]). وقد أعاد سائر علماء الرجال تكرار هذا الحكم الذي أبداه ابن الغضائري([19]). بَيْدَ أن الشيخ الوحيد البهبهاني قد اهتم بترضِّي الشيخ الصدوق عليه، ولاحظ كثرة رواياته، واعتبر منشأ التضعيفات الواردة في حقِّه غير ظاهر([20]). وقد ذهب المازندراني إلى الاعتقاد بأن ترضّي الشيخ الصدوق عن أحد الرواة، وكثرة روايته عنه، يشكِّل دليلاً على وثاقة الراوي، وفي هذا المورد يكون الشيخ الصدوق أعلم بأحوال الرجال من ابن الغضائري. يُضاف إلى ذلك أنه من مشايخ الإجازة، وأن الشيخ الصدوق قد التقاه، وكان عالماً بحاله، ومع ذلك فقد روى عنه([21]). وقد ارتضى السيد البروجردي رواياته؛ لكونه من مشايخ الإجازة([22]). وبالإضافة إلى الشيخ الصدوق فقد روى عنه الشيخ المفيد في كتاب (الاختصاص) أيضاً([23]).
وأما عبد الله بن تميم ـ والد تميم بن عبد الله ـ فهو مجهولٌ، ولم يذكره أيُّ واحدٍ من علماء الرجال، ويبدو أنه لم يَرْوِ سوى بضع روايات عن مناظرة الإمام الرضا× مع المأمون فقط([24]). وعليه لا يكون هذا الطريق متيناً جدّاً.
ب ـ تقييم طُرُق الخزّاز
يحظى أبو القاسم عليّ بن محمد بن عليّ الخزّاز الرازي بتأييد علماء الرجال، فهو من الأصحاب الثقات عند الإمامية([25]). وقد ذكر في هذا الموضوع روايتين بمتنين وسندين مختلفين؛ حيث نقل الرواية الأولى عن محمد بن وهبان، وقد وثَّقه النجاشي، وحكم بقلّة خطأ رواياته([26])، وذكره الشيخ الطوسي في باب «مَنْ لم يَرْوِ عنهم»([27]). بَيْدَ أن هذا السند ضعيفٌ من جهة طلحة بن زيد الرقّي؛ إذ لم يَرِدْ له ذكرٌ في المصادر الرجالية الشيعية، وقد تمَّ وصفه في مصادر أهل السنّة بألفاظ، من قبيل: «مُنْكَر الحديث، ومتروك الحديث، وكان يكذب، وكان يضع الحديث»([28]). ولم يُجِزْ ابنُ حِبَّان الاحتجاج بروايته([29]). كما هاجمه العلاّمة الأميني بشدّةٍ، ورماه بجعل الحديث([30]). وهناك مَنْ قال: إنه طلحة بن يزيد، وإن طلحة بن زيد تصحيفٌ له([31]). وفي هذه الحالة حيث ورد توصيف طلحة بن يزيد في المصادر الرجالية لأهل السنّة بأوصاف مماثلة([32])، ولم يَرِدْ أيّ ذكرٍ له في مصادر الشيعة، فلن يختلف الأمر في الأحكام الرجالية عليه.
والزبير بن عطاء بدَوْره لم يَرِدْ له ذكرٌ في أيٍّ من المصادر، ولا حتّى بين أساتذة ومشايخ طلحة بن زيد أيضاً، فلم يَرِدْ اسمه إلاّ في هذه الرواية فقط([33]). ومن بين مشايخ طلحة تمَّت الإشارة إلى شخص اسمه وضين بن عطاء([34]). ويبدو أن الزبير بن عطاء هو نفس وضين بن عطاء، وأنه قد تمّ تصحيف اسمه من قِبَل الناسخين خطأً، ولا سيَّما أنه قد روى الشيخ الطوسي في (الأمالي) بهذا السند، عن طلحة بن زيد الرقي، عن الوضين بن عطاء([35]). وقد ورد توثيق وضين بن عطاء في المصادر الرجالية لأهل السنّة في أغلب الموارد([36]).
وبناءً على ما تقدَّم ذكره تكون هذه الرواية ساقطةً عن درجة الصحّة. وبالنظر إلى الإشكالات الواردة على طلحة بن يزيد تسقط الرواية إلى درجة الضعف.
وبطبيعة الحال فإن الشيخ الصافي الگلپايگاني قد أشار في هامش هذا السند ـ ضمن الإشارة إلى مجهوليّة بعض رواته ـ إلى هذه النقطة، وهي أن الأحاديث المستَخْرَجة في كتاب (كفاية الأثر) منقولةٌ في الغالب عن الرواة السنّة؛ لأن المؤلِّف كان بصدد نقل كلّ ما ورد في روايات أهل السنّة في تأييد الأئمّة الاثني عشر^([37]). وكأنّ سماحته كان ـ من خلال هذا البيان والتوضيح ـ بصدد حلّ إشكال مجهولية عددٍ من رواة هذا السند في مصادر الشيعة. ولكنْ مع ذلك يبدو أن هذا التوضيح غير كافٍ؛ إذ إن رواة هذا الحديث وإنْ كانوا مجهولين في المصادر الشيعية، إلاّ أن أغلبهم بعد التتبُّع في مصادر أهل السنّة يخرج من حالة المجهوليّة، وبالنظر إلى التجريح الوارد بشأن بعض هؤلاء الرواة في المصادر الرجالية لأهل السنّة يسقط هذا الإسناد عن درجة الاعتبار.
وأما الرواية الثانية للخزّاز فهي من الناحية السندية شبيهةٌ بالسند المتقدِّم؛ لأن حسين بن محمد بن سعيد الخزاعي لم يَرِدْ له ذكرٌ في المصادر الرجالية الشيعية([38]). وإن الدليل الوحيد على وثاقته هو اعتماد راوٍ ثقةٍ، مثل: الخزّاز، عليه.
ولو أثبَتْنا وثاقة حسين بن محمد يبقى السند يعاني من الضعف من ناحية عتبة بن الضحّاك، ومحمد بن زكريا، وهشام بن محمد؛ إذ لم يَرِدْ ذكرٌ لاسم عتبة بن الضحّاك في أيّ مصدرٍ من المصادر الشيعية والسنّية، وإن دراسة الأسانيد تكشف عن احتمال أن يكون هو عبد الله بن الضحّاك، وأنه قد تمّ تصحيفه في هذا السند؛ إذ هناك العديد من الروايات في المصادر السنّية، بهذا السند: «محمد بن زكريّا، عن عبد الله بن الضحّاك، عن هشام بن محمد الكلبي»([39])، والرواية الوحيدة المنقولة في المصادر عن عتبة بن الضحّاك هي هذه الرواية([40]). ومع ذلك فإن عبد الله بن الضحّاك بدَوْره مجهولٌ، سواء في المصادر السنّية أو الشيعيّة.
ومن ناحية أخرى فإن محمد بن زكريا الغلاني يبدو تصحيفاً لمحمد بن زكريا الغلابي أيضاً، والذي ورد في مصادر أهل السنّة اتِّهامه بالكذب واختلاق الحديث([41]). ومع ذلك فقد ذهب ابنُ حِبَّان إلى القول بأنه إذا كان ينقل عن ثقةٍ قُبل حديثه([42]). وقد ذهب ابن الجوزي إلى اعتبار عددٍ من رواياته ـ الخاصّة بفضائل أهل البيت^ ـ مختَلَقةً، وكان مستند حكمه في جميعها رأي الدارقطني القائم على اتِّصاف الغلابي بالوضع والاختلاق([43]).
وأما هشام بن محمد الكلبي فهو متَّهَمٌ في مصادر أهل السنّة بالتطرُّف في التشيُّع، ونقل العجائب والغرائب، بل ورد تضعيفه حتّى من قِبَل ابن حِبَّان، وهو الرجاليّ المتسامح([44]). وعلى هذا الأساس، حتّى لو اعتبرنا جرح الغلاني وهشام بن محمد ـ من جهة الانتماء إلى التشيُّع ـ من التجريحات المنحازة والساقطة عن الاعتبار، يبقى السند مشكلاً من ناحية عبد الله بن الضحّاك. ومن هنا يكون هذا السند بدَوْره محكوماً بالضعف، من جهة عبد الله بن الضحّاك؛ لكونه مجهولاً.
ج ـ تقييم طريق الصفّار
محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار من رواة الشيعة العظام، وقد مدحه النجاشي بألفاظ من قبيل: «ثقة، عظيم القدر، وقليل السقط في الرواية»، ونسب إليه الكثير من الكتب، وذكر طرقه إلى جميع آثاره، ومن بينها: (بصائر الدرجات)([45]).
والرواية التي أوردها في هذا الموضوع، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي، وهو بدَوْره من كبار مشايخ الشيعة. وقد أثنى عليه النجاشي بألفاظ من قبيل: «شيخ القمِّيين ووجههم وفقيههم»([46])، وقد ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الرضا، والإمام الجواد، والإمام الهادي^([47]).
وقد روى الأشعري هذه الرواية عن الحسين بن سعيد بن حمّاد الأهوازي، وهو بدَوْره من الرواة الشيعة الثقات، ويتَّصف بجلالة القدر، وهو من أصحاب الإمامين الرضا والجواد’([48]).
والراوي التالي لهذا الحديث هو القاسم بن محمد الجوهري، وقد احتدم الخلاف بشأنه، واكتفى النجاشي بالإشارة إلى كتابه، ولم يقُمْ بجرحه أو تعديله([49])؛ وقد اعتبره الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظم’، واكتفى بمجرّد الإشارة إلى مذهبه الواقفيّ([50])، رغم ذكره له مرّةً واحدةً في باب «مَنْ لم يَرْوِ عنهم»([51]). ويبدو بحَسَب الظاهر أنه لم يَرِدْ عليه طعنٌ غير الوقف، ومن هنا فقد ذهب بعض العلماء إلى توثيقه؛ استناداً إلى رواية صفوان وابن أبي عمير عنه؛ إذ لم يكونا ينقلان الرواية عن غير الثقات([52]). وقد اعتمد الشيخ المفيد على القاسم بن محمد الجوهري، وهذا الطريق الذي وردَتْ فيه هذه الرواية أيضاً، وذكر في (الاختصاص) روايةً بهذا الطريق([53]).
إن الإشكال الرئيس الذي يَرِدُ على هذا السند يكمن في عليّ بن أبي حمزة؛ ففي الخطوة الأولى نحن لا نعلم ما إذا كان المقصود هو عليّ بن أبي حمزة الثمالي المشهور بوثاقته أو عليّ بن أبي حمزة البطائني المتَّهم بالوَقْف. ولكنْ؛ حيث إن أكثر روايات القاسم بن محمد الجوهري عن عليّ بن أبي حمزة البطائني([54])، وكذلك حيث إن القاسم بن محمد لم ينقل عن الثمالي سوى روايةٍ واحدة فقط، وهي الأخرى مُختَلَفٌ فيها([55])، يُحْتَمَل أن يكون هذا الشخص هو عليّ بن أبي حمزة البطائني، الذي ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمامين الصادق والكاظم’([56])، وأشار النجاشي إلى كثرة روايته عن أبي بصير، دون أن يذكره بجرحٍ أو تعديل([57]). وقد وصفه ابن الغضائري بقوله: «أصل الوقف، وأشدّ الخلق عداوةً للوليّ من بعد أبي إبراهيم×»([58]). كما نقل الكشّي رواياتٍ في ذمّه، وجميعها يرتبط بمذهبه الواقفي([59])، ويبدو أن أغلب الطعون الواردة عليه قد نشأَتْ من هذه الروايات. ومع ذلك فقد ذهب الشيخ الطوسي في (عدّة الأصول) إلى اعتبار عمل الأصحاب بروايته مستنداً للعمل برواياته([60]). كما ذهب بعضهم إلى اعتبار كلام ابن الغضائري ـ في ترجمة نجله الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ـ إذ قال: «أبوه أوثق منه»([61])، دليلاً على وثاقته، مضافاً إلى أن رواية العلماء الثقات ـ من أمثال: ابن أبي عمير، وصفوان، وابن أبي نصر، وجعفر بن بشير ـ عنه دليلٌ على وثاقته أيضاً([62]). ويبدو أن الطعون الواردة عليه تعود إلى مذهبه في الوقف، وحيث إن هذه الرواية لا صلة لها بمذهبه يمكن الاعتماد عليها.
إن الراوي الأصلي لهذا الحديث هو أبو بصير أيضاً، وهو من أصحاب الإجماع، وقد نقلها عن الإمام الصادق×. ولا يوجد شكٌّ في وثاقته بين علماء الشيعة والرجاليين منهم([63]).
وعليه؛ بالنظر إلى الطعون الواردة في مذهب القاسم بن محمد والبطائني، تسقط هذه الرواية من درجة الصحّة، وتنتقل إلى درجة الموثَّقة. ولكنْ بالنظر إلى أن هذه الرواية لا ربط لها بمذهب الوقف، وكذلك بالنظر إلى اعتماد العلماء الثقات على البطائني، يمكن الاعتماد عليها بوصفها روايةً حَسَنة.
وبناءً على ما تقدَّم فمن بين هذه الروايات الخمسة، التي تمّ نقلها بخمسة أسانيد مختلفة، لنصّ الرواية: «ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتول»، هناك سندٌ واحدٌ صحيح، وسندٌ واحدٌ حَسَن، وسائر الطرق [الثلاثة] الأخرى ضعيفةٌ.
ومن المعلوم في الدراسات الرجالية أنه يكفي وجود طريق صحيح واحد لإثبات صحّة الحديث، وعندها يتمّ اعتبار سائر الطرق الأخرى كشواهد ومؤيِّدات تدعم الرواية الصحيحة.
وهذا النموذج رقم (2) يوضِّح مختلف أسانيد هذه الرواية من حيث الصحّة والضعف:
1ـ الرسول الأكرم|، الإمام الحسن المجتبى×، جنادة بن أبي أميّة، عمير بن هاني العبسي، الزبير بن عطاء، طلحة بن زيد الرقّي، إسحاق بن بهلول، داوود بن هيثم بن إسحاق، محمد بن وهبان البصري (كفاية الأثر للخزّاز) «ضعيفة».
2ـ الرسول الأكرم|، الإمام الحسن المجتبى×، محمد بن السائب الكلبي، هشام بن محمد، عتبة بن الضحّاك، محمد بن زكريا الغلاني، عبد العزيز بن يحيى الجلودي، حسين بن محمد بن سعيد (كفاية الأثر للخزّاز) «ضعيفة».
3ـ الرسول الأكرم|، الإمام الصادق×، أبو بصير، عليّ بن أبي حمزة، القاسم بن محمد الجوهري، الحسين بن سعيد الأهوازي، أحمد بن محمد (بصائر الدرجات للصفّار) «حَسَنة».
4ـ الإمام علي بن موسى الرضا×، أبو الصلت الهروي، إبراهيم بن هاشم، عليّ بن إبراهيم، محمد بن موسى بن المتوكِّل (الأمالي؛ ومَنْ لا يحضره الفقيه، للصدوق) «صحيحة».
5ـ الإمام عليّ بن موسى الرضا×، أبو الصلت الهروي، أحمد بن عليّ الأنصاري، عبد الله بن تميم القرشي، تميم بن عبد الله (عيون أخبار الرضا× للصدوق) «ضعيفة».
3ـ تقييم متن الرواية
اتَّضح من مجموع ما تقدَّم أن رواية «ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتولٌ» ليست مجرّد روايةٍ واحدة، بل هي عبارةٌ عن خمس رواياتٍ بمتون مختلفة، بل قد تمّ تكرارها وصدورها لأسباب متفاوتة. ولذلك فإنه في معرض تقييم المتن يجب دراسة جميع هذه الروايات الخمسة بشكلٍ منفصل أيضاً.
إن الانتقادات المذكورة في بعض المصادر بشأن هذه الروايات يمكن إدراجها ضمن عدّة مجموعات؛ فبعض هذه الانتقادات يرتبط بشكلٍ مباشر بعبارة: «ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتول» ومدلولها؛ وبعضها الآخر مرتبطٌ بسائر عبارات الروايات. وفي الحقيقة إنه في انتقادات الطائفة الثانية تمّ السعي إلى إثبات الخَدْش في أصالة الروايات المذكورة، من خلال نَقْد سائر عبارات الحديث، وعدم اعتبار الرواية، وتَبَعاً لذلك عدم اعتبار القول باستشهاد أو سمّ جميع الأئمّة^.
وفي ما يلي نبحث في هذه الانتقادات:
أـ إشكالاتٌ وردود
1ـ إن النَّقْد الأوّل الذي يمكن طرحه في هذا المجال هو إجمال المشار إليه بلفظ «منّا»؛ فقد يُدّعى بأن المراد من «منّا» في رواية الإمام الحسن المجتبى× خصوص الإمامين الحسن والحسين’؛ أي «ما منّا ـ نحن الأخوَيْن ـ إلاّ مسمومٌ أو مقتولٌ».
وفي رواية الإمام الرضا× يمكن الادّعاء بأن المشار إليه في «منّا» هو الإمام الرضا وأبيه’، ولا يشمل جميع الأئمّة الأطهار^. والشاهد على هذا المدَّعى هو أن هذه الرواية لم تصدر من جميع الأئمّة^، سوى من هذين الإمامين فقط.
والجواب هو: أوّلاً: إن حَصْرَ كلمة «منّا» ـ في رواية الإمام الحسن المجتبى× ـ بالإمامين الحسن والحسين’ ينتفي بوجود عبارة: «اثني عشر إماماً من أهل بيته»، وتكون هذه العبارة بياناً للإجمال الموجود في كلمة «منّا». وكذلك في رواية الإمام الرضا× يزول هذا الحَصْر بسبب وجود عبارة: «والله لقد قُتل الحسين× وقُتل مَنْ كان خيراً من الحسين، أمير المؤمنين والحسن بن عليّ^» في إحدى الروايتين أيضاً. وبكلمةٍ أخرى: إن هذه العبارة تثبت أن الموضوع لا يختصّ بالإمامين الكاظم والرضا’، بل الكلام حول مجموعةٍ من الأشخاص الذين اجتباهم الله، والذين كان الأئمّة عليٌّ والحسن والحسين^ من أفضلهم.
وثانياً: لا يمكن أن نجعل من عدم صدور هذه الرواية عن أيٍّ من الأئمّة سوى هذين الإمامين دليلاً محكماً على الانحصار المذكور؛ لأن الأئمّة الأطهار^ كانوا يتكلَّمون بالأحاديث طبقاً لما تقتضيه شرائط عصرهم ومخاطبيهم، فلو صدر حديثٌ في كلام أحد الأئمّة، ولم يَرِدْ له ذكرٌ في كلام الأئمّة الآخرين، لا يمكن الحكم بحَصْر هذا الأمر بذلك الإمام، دون استنادٍ إلى أدلّة وقرائن وافية وكافية. وفي هذا المورد لا نشهد وجود أيّ قرينةٍ على انحصار حكم الرواية بالإمامين المذكورين’ فحَسْب، بل هناك قرائن متصلة أخرى في متن الرواية تثبت عدم انحصار حكم الرواية بهذين الإمامين. يُضاف إلى ذلك أن رواية الإمام الصادق× عن رسول الله| ـ ضمن نَفْي حَصْر نقل هذه الرواية عن الإمامين الحسن المجتبى وعليّ الرضا’ ـ تزيل الإجمال المشار إليه بشكلٍ كامل؛ إذ هي صريحةٌ في أن المعنيّ بكلمة «منّا» هو كلّ نبيٍّ وكل وصيّ نبيّ.
2ـ إن الإشكال الذي يمكن طرحه بشأن العبارة مورد البحث في الروايات المذكورة هي مسألة علم الأئمّة^ بموتهم. وتوضيح ذلك: إنه في ضوء آيات القرآن الكريم هناك جملةٌ من الأمور تمّ إخفاء العلم بها عن البشر، فهي من الأمور التي اختصّ الله بعلمها، فهي من علم الغيب الإلهي، ومن بينها: علم الأشخاص بزمان ومكان وكيفيّة موتهم. وطبقاً لصريح آيات القرآن الكريم ليس هناك إنسانٌ يعلم كيف يموت؟ أو متى يموت؟ أو في أيّ أرضٍ يموت؟ ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان: 34).
وقد رُوي عن الإمام الصادق×، في تفسير هذه الآية، قوله: «هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل. وهي من صفات الله عزَّ وجلَّ»([64]).
وقد نقل الطبري بدَوْره، في هامش هذه الآية، روايةً عن عائشة تقول: إن العلم بزمان ومكان وكيفية الموت من مصاديق الغيب، وإن العلم بها من مختصّات الله سبحانه وتعالى([65]).
وعن الإمام عليّ×، في بيانٍ قريب من هذا المضمون، قال: «مسكينٌ ابن آدم مكتومُ الأَجَل»([66]).
وعليه، كيف أمكن للأئمّة المعصومين^ أن يُخبروا بكيفيّة موتهم، وأنها سوف تكون قتلاً واستشهاداً وبدسّ السمّ؟!
والجواب عن ذلك: أوّلاً: إن الذي يستفاد من محتوى العبارة المذكورة في هذه الروايات إنما هو مجرّد العلم الإجمالي بخروج الأئمّة من الدنيا بواسطة الاستشهاد، دون العلم التفصيلي بكيفيّته وزمانه ومكانه. وعلى هذا الأساس، فإن علم الأئمّة إجمالاً بأنهم لا يتركون الدنيا إلاّ بواسطة الاستشهاد لا يتنافى مع اختصاص الله بعلم الغيب التفصيليّ. وبعبارةٍ أخرى: إن الأئمّة المعصومين^ إنما أخبروا بأنهم سوف يغادرون الدنيا بطريقة الشهادة، وأما كيف سيكون ذلك؟ ومتى؟ وأين؟ فهذا ما لم يَرِدْ له ذكرٌ في هذه الروايات.
وثانياً: إن الآيات الواردة في القرآن الكريم في خصوص علم الغيب على طائفتين: طائفة من الآيات، من قبيل: الآية مورد البحث، وكذلك الآية 50 من سورة الأنعام، والآية 118 من سور الأعراف، والآية 9 من سورة الأحقاف، حصَرَتْ علم الغيب بالله تعالى، وسلبَتْ علم الغيب عن الآخرين؛ وأما الطائفة الأخرى من الآيات، من قبيل: الآية 44 من سورة آل عمران، والآية 49 من سورة هود، والآية 27 من سورة الجنّ، فقالت بعلم بعض الناس ببعض مضامين الغيب، كما في قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ (الجنّ: 26 ـ 27).
وطريق الجمع بين هاتين الطائفتين من الآيات يكون من خلال تقسيم علم الغيب إلى قسمين، وهما: علم الغيب الاستقلالي؛ وعلم الغيب بالواسطة. كما نجد ذلك في روايةٍ عن الإمام عليّ×، في جواب مَنْ قال له: «لقد أُعطيتَ يا أمير المؤمنين علم الغَيْب»، فقال للرجل، وكان كلبيّاً: «يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيبٍ، وإنما هو تعلُّمٌ من ذي علمٍ»([67]).
والطريق الآخر للجمع بين هاتين الطائفتين من الآيات تقسيم الأسرار الإلهية إلى: أسرار مثبتة في اللوح المحفوظ؛ وأسرار مثبتة في لوح المَحْو والإثبات، كما روي عن الإمام عليّ× أنه قال: «لولا آية في كتاب الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لأخبرتُكم بما كان وبما يكون وبما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد: 39)»([68]).
النقطة الأخرى التي يجب الالتفات إليها هي أن علم الإمام بأخبار المستقبل هو علمٌ بالإرادة؛ بمعنى أن إمكانية العلم والمعرفة متوفِّرة لديهم. وبعبارةٍ أخرى: إن علم الأئمّة الأطهار^ بالنسبة إلى أخبار المستقبل علمٌ إعطائي. كما جاء في تفسير (روح المعاني) أن تلك الطائفة من العلوم التي تحقَّقت لبعض الخاصّة ليست من علم الغيب الذي انتفى عن غير الله، بل هي من الإفاضات الإلهية التي خصَّ بها بعض عباده المخلصين([69]). وعلى هذا الأساس، ليس هناك ما يمنع من القول بأن علم الأئمّة^ بكيفية خروجهم من هذه الدنيا داخلٌ ضمن هذه الطائفة.
3 ـ الإشكال الآخر هو أن المصادر المعتبرة قد نقلَتْ خطبة الإمام الحسن× بعد استشهاد الإمام عليّ×، دون الإشارة إلى هذه الفقرة، الأمر الذي يثبت أن هذه الفقرة قد تمَّتْ إضافتها إلى هذه الرواية لاحقاً([70]).
والجواب الذي يمكن إبداؤه عن هذا المدَّعى هو: أوّلاً: حبَّذا لو أشار المدَّعي إلى عنوانٍ واحد من هذه المصادر؛ كي نتمكَّن من التثبُّت من هذا الكلام.
وثانياً: إن هذه الرواية حيثما ذكرت تمّ نقلها بهذا المضمون. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن العلاّمة المجلسي قد نقل في (بحار الأنوار) هذه الرواية بعينها عن كتاب (كفاية الأثر)([71]). وفي المصادر الأخرى ـ مثل: (نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة) ـ ورد تقريرُ متن هذه الرواية بهذه الصيغة أيضاً([72]). وعليه، يبدو أن المدَّعي قد خلط بين متن هذه الرواية وروايةٍ أخرى تشبهها؛ لأن هناك رواية قريبة الشَّبَه في متنها بالرواية مورد البحث؛ فإن رسول الله| في إحدى خطبه ذكر بعض المضامين المشابهة لمضمون صدر هذه الرواية، وفي ذلك المتن لا يوجد ذكرٌ للعبارة مورد البحث. وقد ذكر الشيخ الصدوق هذه الخطبة في كتاب (التوحيد) كما يلي: «عن أبي عبد الله، عن أبيه’ قال: قال رسول الله| في بعض خطبه: الحمد لله الذي كان في أوّليته وحدانيّاً، وفي أزليّته متعظِّماً بالإلهيّة، متكبِّراً بكبريائه وجبروته… وبعث إليهم الرُّسُل؛ لتكون له الحجّة البالغة على خلقه، ويكون رسله إليهم شهداء عليهم، وابتعث فيهم النبيّين، مبشِّرين ومنذرين؛ ليهلك مَنْ هلك عن بيِّنة، ويحيا مَنْ حَيَّ عن بيِّنة، وليعقل العباد عن ربِّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيّته بعدما أنكروا، ويوحِّدوه بالإلهيّة بعدما عضدوا»([73]).
إن هذه الرواية من حيث المتن تشبه صدر الرواية مورد البحث إلى حدٍّ كبير، إلاّ أن هذا الشبه لا يشكِّل دليلاً على اتحاد هاتين الروايتين؛ أوّلاً: لأن الرواية المنقولة عن النبيّ الأكرم| إحدى خطبه التي رواها الإمام الصادق×، بواسطة آبائه^، في حين أن الرواية مورد البحث مأثورةٌ عن الإمام الحسن×. وثانياً: بالنظر إلى أن الرواية المأثورة عن النبيّ الأكرم| هي إحدى خطبه فليس هناك أيّ محذورٍ من الناحية البلاغية أن يكون الإمام الحسن× ـ بوصفه خطيباً فصيحاً وبليغاً ـ قد اقتبس في خطبته نصّاً من خطبةٍ لجدّه|، وبذلك يكون قد عمد إلى توظيف فنٍّ من الفنون البلاغية باسم «الاقتباس» في كلامه، بل إن هذا الأمر يعكس القدرة الخطابية العالية للإمام الحسن×.
ب ـ انتقاداتٌ لبعض العبارات
1ـ هناك مَنْ قال: إن رواية الخزّاز قد اشتملت على عبارة: «إن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد عليٍّ× وفاطمة÷»، والتي على أساسها سوف يصل اثنا عشر شخصاً من وُلد الإمام عليّ وفاطمة الزهراء’ إلى مقام الإمامة. وفي مثل هذه الحالة سوف يبلغ عدد الأئمّة، مع احتساب الإمام عليّ×، ثلاثة عشر إماماً. ولذلك لا يمكن لهذه الرواية أن تكون صادرةً عن الإمام×، ويحتمل أن تكون من مختلقة([74]).
وجوابه: إنه يمكن حلّ هذا الإشكال بالنظر إلى مقارنة هذه الرواية بالطريق الآخر لذات هذه الرواية، والتي جاء التعبير فيها بـ «اثني عشر إماماً من أهل بيته»؛ لأن عدد الأئمّة في هذه الرواية مع احتساب الإمام عليّ× ـ وهو من أهل البيت^ ـ قد اكتمل اثنا عشر إماماً. وعلى هذا الأساس، يمكن لنا أن نحتمل أن عبارة «اثنا عشر إماماً من وُلد الإمام عليّ» قد ظهرَتْ على هذه الصيغة بفعل النقل بالمعنى، وإن أصل العبارة هو «اثنا عشر إماماً من أهل بيته».
2ـ ورد في بعض طرق هذه الرواية التعبير بـ «يخرج كبده قطعةً قطعةً من السمّ»، الأمر الذي يدلّ على أن كبد الإمام الحسن كان يخرج من فمه الشريف بتأثيرٍ من السم، في حين أثبتَتْ التجارب الطبّية والعلمية أن الكبد ليس له طريقٌ إلى الفم كي يخرج منه، وعليه يستحيل خروج قطع الكبد من الفم. ومن ناحيةٍ أخرى إن احتمال الاستعمال الكنائي والمجازي، وحمل المعنى على الدم المتجلِّط، غير واردٍ أيضاً؛ لوجود عبارة: «أجد كبدي يتقطَّع قطعةً قطعةً» بشكلٍ صريح.
والجواب الذي يمكن بيانه عن هذا الإشكال: إن مفردة «الكبد» تطلق في اللغة العربية على ما يكون في داخل الشيء([75])، وعليه فإن المراد هنا هو أمعاء الإمام وأحشاؤه التي لا تشمل الكبد بالضرورة. وقد ورد استعمال الكبد بمعنى الأمعاء والأحشاء في روايةٍ أخرى عن الإمام الصادق×؛ إذ يقول فيها: «مَنْ أشبع كبداً جائعةً وجبَتْ له الجنة»([76]).
ثمّ إن أصل دسّ السمّ للإمام الحسن المجتبى× ـ والذي أدّى إلى استشهاده ـ مُجمَعٌ عليه عند الفريقين، ولم يتردَّد أحدٌ في ذلك([77]). وقد جاء في المصادر السنّية، نقلاً عن طبيب الإمام الحسن× بعد فحصه له: «هذا الرجل قد قطع السمُّ أمعاءَه»([78]).
ج ـ تأمُّلاتٌ عامّة
1ـ إن من بين الإشكالات المذكورة على هذه الروايات الشَّرْخَ الزمنيّ الطويل بين صدورها عن الإمامين الحسن المجتبى وعليّ الرضا’ إلى حين كتابتها وتدوينها في أواخر القرن الرابع الهجريّ، دون نقلها في المصادر المتقدِّمة، مثل: كتاب سُلَيْم بن قيس، ومحاسن البرقي، وتفسير القمّي، وتفسير العيّاشي، ولا سيَّما في كتاب الكافي، للكليني.
والجواب عن هذا الإشكال: أوّلاً: إن الكثير من الروايات الموجودة في المصادر المتأخِّرة لم يَرِدْ لها ذكرٌ في المصادر المتقدّمة، ويعود ذلك إلى الكثير من الأسباب والعوامل، من قبيل: ضياع الكثير من الأصول الأولى، وكتب أصحاب الأئمّة. وعلى هذا الأساس، لا يمكن؛ بمجرّد هذا الادعاء، نسبةُ الوَضْع والجَعْل إلى هذه الروايات؛ إذ يمكن مشاهدة هذا النوع من الموارد، حتّى في مصادر أهل السنّة أيضاً. وثانياً: إن الشيخين الصدوق والخزّاز كانا يعيشان في عصر توفَّرَتْ فيه المصادر الأولى، وكان الكثير هذه المصادر وكتب الأصحاب في متناول أيديهم، ومن هنا لو ورد شيءٌ في هذه المصادر بسندٍ صحيحٍ أمكن الاعتماد عليه ـ بوصفه من أخبار الآحاد في الحدّ الأدنى ـ، والوثوق به، مع رعاية القواعد والشرائط ذات الصلة.
2ـ الإشكال الآخر المطروح هنا هو أنه بالنظر إلى أن أغلبَ روايات الشيعة منقولةٌ عن الصادقين’ يكون هناك ارتيابٌ من عدم نقل هذه الرواية في المصادر عن أحدهما. وبطبيعة الحال فقد وردَتْ نسبة هذه الرواية في كتاب (إعلام الورى) إلى الإمام الصادق، دون ذكر السند([79])، ولا يخفى أن هذا النقل لا يمكن الاعتماد عليه مع فقد السند، وفي أحسن الحالات يمكن القول بأن ذكر اسم الإمام الصادق×، بَدَلاً من اسم الإمام الحسن المجتبى أو الإمام عليّ الرضا’، قد نشأ بسَهْوٍ من الطبرسي، أو الناسخين لكتابه.
إن هذا الإشكال شبيهٌ بالإشكال السابق، وعليه فإن الجواب هنا هو ذات الجواب المذكور هناك. ثم إن اعتبار الرواية موضوعةً أو مشكوكةَ الصدور؛ بسبب عدم روايتها عن أحد الصادقين’، ليس له مبنى صحيحٌ، وهناك الكثير من الروايات الواردة في مصادر الشيعة عن غير الصادقَيْن’. لا شَكَّ في أن صدور أيّ روايةٍ تابعٌ للشرائط والمقتضيات التي يمكن أن لا تكون متوفّرةً في عصر سائر الأئمّة. يُضاف إلى ذلك أن أحد النقول المشابهة لهذه الرواية ـ والذي تمّ بحثه في هذه المقالة أيضاً ـ قد ورد من طريق الإمام الصادق×، عن رسول الله|، الأمر الذي يُثبت أن هذا المضمون قد تكرَّر ذكره في روايات الإمامَيْن الصادقَيْن’ أيضاً.
د ـ معارضة الرواية لرواياتٍ أخرى
إن من بين الإشكالات الأخرى الواردة على هذه الروايات وجود روايات معارضة لها، فهناك في المصادر الروائية روايتان تتعارضان من ناحية المتن مع هذه الرواية، وهما:
الرواية الأولى: وهي عبارة عن دعاءٍ يرويه الشيخ الطوسي ـ في باب أدعية أيام شهر رمضان المبارك ـ عن مصدرٍ مجهول. وهذه الرواية تشتمل على عشر تسبيحات، ويَرِدُ بعد التسبيحة العاشرة قوله: «اللهمّ صلِّ على عليٍّ أمير المؤمنين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعف العذاب على مَنْ شرك في دمه».
ثم صار يُعدِّد الأئمّة الأطهار^ واحداً بعد آخر، مع ذكر هذه اللازمة لكلٍّ منهم. ولكنْ يستعمل بالنسبة إلى بعض الأئمّة عبارة «وضاعف العذاب على مَنْ ظلمه»، بدلاً من التعبير بـ «وضاعف العذاب على مَنْ شرك في دمه»([80]). إن هذا الاختلاف في التعبير عن بعض الأئمّة يحكي عن أن منهم مَنْ لم يرحل عن هذه الدنيا عن طريق القتل والاستشهاد، ولم يكن هناك شخصٌ قد شارك في دمه.
إلاّ أن هذا الادّعاء مخدوشٌ؛ إذ إن ما ذكره الشيخ الطوسي مفتقرٌ إلى السند، وليس من الواضح مَنْ هو الإمام المعصوم الذي نُقلت عنه هذه الرواية. وعلى هذا الأساس فإن الرواية المفتقرة إلى سندٍ لا يمكن أن تعارض الرواية المسندة.
الرواية الثانية: وهي المعروفة بصحيحة أيّوب بن نوح، والمذكورة في الكافي: عدّةٌ من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله، عن أيّوب بن نوح قال: قلتُ لأبي الحسن الرضا×: إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيفٍ، فقد بُويع لك، وضربَتْ الدراهم باسمك، فقال×: «ما منّا أحدٌ اختلفَتْ إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسُئل عن المسائل، وحُملَتْ إليه الأموال، إلاّ اغتيل أو مات على فراشه، حتّى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا، خفيّ الولادة والمنشأ، غير خفيٍّ في نسبه»([81]).
لقد ورد في هذه الرواية التعبير بـ «مات على فراشه» في مقابل الموت بقتل الغيلة، ومن هنا فإنها تصف موت الأئمّة^ بنوعين من الموت، وهما: الموت الطبيعيّ؛ والموت غير الطبيعيّ، ولا يمكن بحالٍ تفسير «مات على فراشه» بالموت بتأثير السمّ؛ لأن الموت بواسطة السمّ يُعَدّ بدَوْره نوعاً من أنواع الاغتيال، وقسماً من أقسام القتل أيضاً.
وهذا الإشكال غير متينٍ أيضاً؛ لأن المشار إليه في كلمة «منّا» في هذه الرواية مجملٌ، ويمكن أن يكون المراد به «منّا نحن الطالبيّون» أو «منّا نحن آل عليّ×»، ويكون شاملاً لجميع القائمين والثائرين بوجه الظلم من آل أبي طالب وآل عليّ×. ولا شَكَّ في أن أعداد هؤلاء أكثر من عدد الأئمّة المعصومين^، وقد فارق بعضهم الحياة بالموت الطبيعيّ. والشاهدُ على هذا المُدَّعى عباراتٌ أخرى في هذه الرواية، من قبيل: «أُشير إليه بالأصابع»، و«حُملَتْ إليه الأموال»؛ حيث لا تنحصر مصاديق ذلك بالأئمّة المعصومين^ فقط، بل هناك أشخاصٌ آخرون من الطالبيين، من أمثال: زيد بن عليّ، ويحيى بن زيد، وغيرهما من القائمين والثائرين من آل أبي طالب، وصلوا إلى مستوى كبيرٍ من الاشتهار بين الناس، حتّى كانت شريحة واسعة تدَّعي الإمامة لهم، وكانوا يجبون إليهم الأموال والحقوق الشرعيّة أيضاً. وعلى هذا الأساس، لا يمكن اعتبار الأئمّة المعصومين^ وحدهم من المصاديق الحصريّين لعبارة «منّا» ،المذكورة في الرواية السابقة.
4ـ دلالة الرواية على شهادة جميع الأئمّة (عليهم السلام)
إن المسألةَ الأخرى التي يمكن بحثها بشأن هذه الرواية ارتباطُها بالحكم باستشهاد جميع الأئمّة المعصومين^. فهل يمكن لهذه الرواية وحدها، أو مع ضمّها ـ في الحدّ الأدنى ـ إلى سائر الروايات والتقريرات التاريخية الأخرى المذكورة بشأن كيفيّة وفاة أو استشهاد الأئمّة المعصومين×، أن تشكِّل وثيقةً ومستنداً لإثبات استشهاد جميع الأئمّة المعصومين^؟
هناك من العلماء ـ ومنهم: الشيخ الصدوق ـ مَنْ حكم ـ استناداً إلى هذه الرواية ـ باستشهاد جميع الأئمّة الأطهار^، واعتبر ذلك من العقائد الثابتة لدى الإمامية([82]). وذهب ابن شهرآشوب والعلاّمة المجلسي إلى القول بأن هذا الأمر هو اعتقاد الكثير من علماء الشيعة([83]). وقد استنبط الشيخ الكوراني قاعدة استشهاد جميع الأئمّة استناداً إلى هذه الروايات أيضاً([84]). وذهب السيد العامليّ؛ استناداً إلى عبارة: «قد قُتل مَنْ كان خيراً من الحسين» إلى استنباط شهادة رسول الله| بوصفه رأس أهل البيت^([85]).
في حين ذهب الآخرون ـ من أمثال: الشيخ المفيد ـ إلى الخَدْش في عمومية هذا المدَّعى، وقالوا بأن استشهاد بعض الأئمّة الأطهار^ أمرٌ ثابت، واستشهاد بعضهم الآخر غير ثابت. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، ومال إلى الاعتقاد بأن الأخبار المذكورة حول استشهاد سائر الأئمّة الأطهار، غير الإمام عليّ والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام الكاظم والإمام الرضا^، لا تعدو أن تكون من الشائعات التي تفتقر إلى الاعتبار اللازم في إثبات استشهادهم([86]). كما ذهب الطبرسي ـ من خلال الاستناد إلى هذه الرواية؛ بسبب أنها لا تفيد العلم ـ إلى عدم اعتبارها كافيةً لإثبات استشهاد جميع الأئمّة الأطهار^([87]).
وأما العلاّمة المجلسي فقد ذهب إلى الاعتقاد بأنه مع وجود هذه الروايات الكثيرة الدالّة على استشهاد جميع الأئمّة الأطهار×، وكذلك الروايات الخاصّة الدالّة على استشهاد أكثر الأئمّة^ وكيفيّتها، لا يبقى هناك طريقٌ إلى ردّ نظرية استشهاد جميع الأئمّة المعصومين^، واعتبار الروايات الواردة في هذا الشان مجرّد إشاعات. وعلى الرغم من أن هذه الروايات لم تبلغ حدّ التواتر ـ كما هو الحال بالنسبة إلى الروايات الخاصّة باستشهاد الإمام علي× وبعض الأئمّة الآخرين^ ـ، الذي يؤدّي إلى القطع بتحقُّق استشهادهم، لكنْ يمكن لها أن تعمل على إيجاد ظنٍّ قويّ، لا يوجد دليلٌ على نَفْيِه وردِّه. ومن ناحيةٍ أخرى فإن القرائن والأحوال المحيطة بأعداء الأئمّة الأطهار^ ـ والذين كانوا في الغالب يسجنون ويعذبون ويطاردون ويقتلون من يخالفهم ـ تدلّ على أن الأئمّة الأطهار^ قد استشهدوا على أيديهم أيضاً، ورُبَما كان مراد الشيخ المفيد بكلامه هو نَفْي تحقُّق تواتر الروايات الواردة في هذا الشأن، وليس نَفْي أصل هذه الروايات([88]).
وبالإضافة إلى تبرير وتوجيه العلاّمة المجلسي، فإن السيّد العاملي سعى ـ من خلال الاستناد إلى ظروف عصر الشيخ المفيد؛ حيث كان يعيش في عاصمة خلافة العبّاسيين، الذين كانوا يضمرون أكبر الحقد على الأئمّة ومواليهم، بل حتّى مع وجود التوظيف السياسي الكبير لاستشهاد الإمام الحسين، الذي استثمروه من أجل الوصول إلى السلطة، لم يتورَّعوا عن هدم وتجريف قبره أكثر من مرّةٍ ـ إلى نسبة موقف الشيخ المفيد إلى التقيّة؛ وذلك أوّلاً: لأن الشيخ المفيد لو أراد في تلك الظروف أن يثبت نظرية استشهاد جميع الأئمّة^ لأصبح حَتْماً مطلوباً من قِبَل السلطات العباسية، ولتمَّتْ مطاردته من قبلهم. وثانياً: حتّى لو أراد الشيخ المفيد تدوين آرائه الحقيقية في هذا الشأن لما أمكنه ذلك قطعاً؛ بالنظر إلى أجواء الكَبْت والقَمْع التي كانت سائدةً في تلك الفترة؛ إذ كان التحقيق والبحث في هذه الأمور مقيَّداً من قِبَل عمّال السلطة إلى حدٍّ كبير([89]).
وإذا تجاوَزْنا جميع ذلك، ومع القول بعدم صدور هذا الموقف من الشيخ المفيد بداعي التقية، فإن مفهوم كلامه أنه لم يعثر على طريقٍ يوصله إلى اليقين باستشهاد جميع الأئمّة الأطهار^. وهذا يعني أن هذه المسألة لم تثبت بالنسبة إلى شخص الشيخ المفيد، إلاّ أن هذا ليس من شأنه أن يغلق طريق البحث والتحقيق دون الآخرين؛ لأن هذه المسألة ليست من جملة المسائل الفقهية التي يمكن القول فيها بالتعبُّد والتقليد، بل يمكن لكلّ محقِّقٍ أن يجتهد فيها، من خلال النظر في القرائن والشواهد؛ لكي يصل إليها.
5ـ نَقْدٌ ورأي
يبدو أن سَعْي بعض العلماء إلى إثبات نظريّة استشهاد جميع الأئمّة المعصومين^، من طريق الاستناد إلى الرواية المذكورة، قد نشأ من الخلط بين مبحثٍ كلاميّ ومبحثٍ تاريخي. فلو اعتبرنا مسألة استشهاد جميع الأئمّة الأطهار^ مسألةً كلامية ففي مثل هذه الحالة يمكن لنا الاستناد إلى روايةٍ كلاميّة، مثل: الرواية المذكورة؛ لنحصل على أساس هذه الرواية في الحدّ الأدنى ـ كما قال العلامة المجلسي ـ على ظنٍّ قويّ قائمٍ على الاعتقاد بشأن استشهاد جميع الأئمّة الأطهار^؛ وأما إذا اعتبرنا هذه المسألة مسألةً تاريخية ففي مثل هذه الحالة حتّى مع إثبات صحّة هذه الرواية ـ بالنظر إلى أن صحّة الرواية لا تساوي قطعيّة صدورها ـ لا يمكن الحكم باستشهاد جميع الأئمّة المعصومين^؛ لأن المسألة التاريخية تحتاج إلى مستنداتٍ تاريخية، والمستندات الكلامية لا تجدي نفعاً في هذا الشأن.
معطياتٌ أخيرة
يمكن في ضوء ما تقدَّم اعتبار الموارد التالية من معطيات هذه المقالة:
1ـ لقد ورد تقرير رواية «ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتولٌ» بخمسة متون وأسانيد مختلفة، عن أربعة من الأئمّة المعصومين^، في مصادر الشيعة. وكان هناك سندان معتمدان من بين هذه الأسانيد، وسائر الأسانيد [الثلاثة] الأخرى ضعيفةٌ. ولكنْ بالنظر إلى أن وجود مجرَّد طريقٍ واحد صحيح يكفي في إثبات صحّة صدور الحديث يمكن القول بصحّة صدور هذه الرواية على أساس الظنّ القويّ.
2ـ إن الرواية المذكورة، سواء من ناحية التعبير بـ «ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتولٌ» أو من ناحية سائر عبارات الروايات الخمسة الأخرى التي اشتملَتْ على هذه العبارة، لا تحتوي من الناحية المَتْنيَة على إشكالٍ لا يقبل الحلّ، وتعارضها مع الأخبار الأخرى من قبيل: التعارض البَدْوي، القابل للرَّفْع بسهولة.
3ـ بالنظر إلى أن مسألة استشهاد جميع المعصومين^ ليست مسألةً كلامية في ماهيّتها، فإن الاستناد إلى هذه الرواية ـ التي هي روايةٌ كلامية ـ في إثبات استشهاد جميع المعصومين يمثِّل نوعاً من الخَلْط في البحث. وحيث إن كيفية استشهاد المعصومين ـ بوصفهم من الشخصيات المرموقة في التاريخ ـ مسألةٌ تاريخيّة يجب التماس إثباتها من خلال الرجوع إلى الروايات والمستندات التاريخية. وعليه، وعلى الرغم من صحّة هذه الرواية من الناحية السندية والمتنية، لا يمكن الاستناد إليها في إثبات استشهاد آحاد المعصومين^، ولا يمكن الحكم على أساسها باستشهاد المعصومين^ واحداً واحداً، بل يمكن الاستناد إليها كمجرَّد شاهدٍ يدعم المستندات الأخرى.
الهوامش
(*) طالبٌ في مرحلة الماجستير في قسم علوم القرآن والحديث في جامعة جيلان ـ إيران.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم علوم القرآن والحديث في جامعة جيلان ـ إيران.
([1]) انظر: العلاّمة محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 27: 216، ح19؛ 43: 363، ح6؛ 44: 271، ح4؛ 49: 285، ح5؛ 99: 32، ح3، دار الوفاء، بيروت، 1403هـ؛ محمد بن حسن الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 14: 568، ح19837، تصحيح ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1414هـ.
([2]) انظر: محسن الفيض الكاشاني، التفسير الصافي 1: 513، نشر صدر، طهران، 1415هـ؛ عبد علي الحويزي، تفسير نور الثقلين 1: 565.
([3]) الشيخ الصدوق، الأمالي: 63، ح8، تصحيح ونشر: مؤسّسة البعثة، قم، 1417هـ؛ الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا× 2: 256، ح9، تصحيح: حسين الأعلمي، منشورات الأعلمي، بيروت، 1404هـ.
([4]) الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 585، ح3192، تصحيح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413هـ.
([5]) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا× 2: 203، ح5.
([6]) علي بن محمد الخزّاز الرازي، كفاية الأثر: 228 ـ 229، نشر بيدار، 1401هـ.
([7]) المصدر السابق: 161 ـ 162.
([8]) محمد بن حسن الصفّار، بصائر الدرجات: 503، ح5، منشورات الأعلمي، طهران، 1404هـ؛ العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 17: 405، ح25؛ 22: 516، ح21.
([9]) انظر: الشيخ محمد بن حسن الطوسي، الرجال: 427، تصحيح: جواد القيّومي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1415هـ.
([10]) انظر: الحسن بن يوسف الحلّي، خلاصة الأقوال: 251، تصحيح: جوادي قيّومي، نشر الفقاهة، 1417هـ؛ مصطفى التفرشي، نقد الرجال 4: 333، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1418هـ؛ علي النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 7: 344، نشر ابن المؤلِّف، طهران، 1412هـ.
([11]) انظر: حسن بن زين الدين العاملي، منتقى الجمان 2: 197 (هامش المصحِّح)، تصحيح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1362هـ.ش.
([12]) السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث 18: 299، 1403هـ.
([13]) انظر: أحمد بن علي النجاشي، رجال النجاشي: 16، 260، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1416هـ؛ الشيخ محمد بن حسن الطوسي، الفهرست: 152، تصحيح: جواد القيومي، نشر الفقاهة، 1417هـ.
([14]) انظر: الشيخ الطوسي، الرجال: 360.
([15]) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 11: 19.
([16]) انظر: السيد جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 33: 183، 1426هـ؛ السيد جعفر مرتضى العاملي، البنات ربائب «قل هاتوا برهانكم»: 119، نشر دليل ما، قم، 1428هـ.
([17]) انظر: النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 1: 371.
([18]) انظر: أحمد بن حسين ابن الغضائري، رجال ابن الغضائري: 45، تصحيح: محمد رضا الجلالي، دار الحديث، قم، 1422هـ.
([19]) انظر الحلّي، خلاصة الأقوال: 329؛ حسن بن علي ابن داوود، رجال ابن داوود: 234، تصحيح: محمد صادق آل بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، النجف، 1392هـ؛ التفرشي، نقد الرجال 1: 308.
([20]) انظر: محمد باقر الوحيد البهبهاني، تعليقة على منهج المقال: 101، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم.
([21]) انظر: محمد بن إسماعيل المازندراني، منتهى المقال في أحوال الرجال 2: 189، تصحيح ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1416هـ.
([22]) انظر: السيد علي البروجردي، طرائف المقال 1: 161، تصحيح: مهدي رجائي، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1410هـ.
([23]) انظر: النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 2: 75.
([24]) انظر: المصدر السابق 4: 495.
([25]) انظر: رجال النجاشي: 368.
([26]) انظر: المصدر السابق: 396.
([27]) انظر: الشيخ الطوسي، الرجال: 444.
([28]) انظر: ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل 4: 480، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1371هـ؛ أبو أحمد ابن عِديّ، الكامل 5: 173، تصحيح: يحيى مختار الغزاوي، دار الفكر، بيروت، 1409هـ؛ شمس الدين الذهبي، الكاشف في معرفة مَنْ له رواية في الكتب الستّة 1: 514، تصحيح: محمد عوامة، دار القبلة، جدّة، 1413هـ.
([29]) انظر: محمد بن أحمد ابن حِبّان، المجروحين 1: 383، تصحيح: محمود إبراهيم زايد.
([30]) انظر: رامي اليوزبكي، الوضّاعون وأحاديثهم الموضوعة من كتاب الغدير: 197، مركز الغدير، 1420هـ.
([31]) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 1: 276.
([32]) انظر: ابن حِبّان، المجروحين 1: 383.
([33]) انظر: النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 3: 419.
([34]) انظر: يوسف المزّي، تهذيب الكمال 13: 395، تصحيح: بشار عوّاد معروف، الرسالة، بيروت، 1413هـ.
([35]) انظر: محمد بن حسن الطوسي، الأمالي 1: 474، تصحيح: مؤسسة البعثة، دار الثقافة، قم، 1414هـ.
([36]) انظر: شمس الدين الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال 4: 334، تصحيح: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، 1382هـ.
([37]) انظر: جعفر البيّاتي، شهادات الأئمّة: 5.
([38]) انظر: النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 3: 190.
([39]) انظر: أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 4: 113، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ؛ علي بن حسن ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 14: 245؛ 32: 241؛ 38: 94، تصحيح: علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1415هـ.
([40]) انظر: النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 5: 205.
([41]) انظر: شمس الدين الذهبي، تذكرة الحفّاظ 3: 166، 550، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([42]) انظر: محمد بن أحمد ابن حِبّان، الثقات 9: 154، مؤسّسة الكتب الثقافية، الهند، 1393هـ.
([43]) انظر: ابن الجوزي، الموضوعات 1: 380، 381؛ 2: 44 وغيرها.
([44]) انظر: ابن حِبّان، المجروحين 3: 91.
([45]) انظر: رجال النجاشي: 354.
([46]) انظر: المصدر السابق: 82.
([47]) انظر: الشيخ الطوسي، الرجال: 351، 373، 383.
([48]) انظر: المصدر السابق: 355، 385؛ الشيخ عباس القمّي، الكنى والألقاب 1: 74، مكتبة الصدر.
([49]) انظر: رجال النجاشي: 315.
([50]) انظر: الشيخ الطوسي، الرجال: 273، 342.
([51]) انظر: المصدر السابق، 436.
([52]) انظر: السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 15: 59. ولا بُدَّ من الإشارة بطبيعة الحال إلى أن السيد الخوئي لا يرتضي هذا المبنى.
([53]) انظر: الشيخ محمد بن محمد المفيد، الاختصاص: 254، تصحيح: علي أكبر غفاري ومحمود زرندي، دار المفيد، بيروت، 1414هـ.
([54]) انظر: السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 12: 253.
([55]) انظر: محمد الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 381، محلاتي، قم، 1424هـ.
([56]) انظر: الشيخ الطوسي، الرجال: 245، 339.
([57]) انظر: رجال النجاشي: 249.
([58]) انظر: رجال ابن الغضائري: 83.
([59]) انظر: الشيخ محمد بن حسن الطوسي، اختيار معرفة الرجال 2: 403، 705، 755، تصحيح: مهدي رجائي، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم.
([60]) انظر: الشيخ محمد بن حسن الطوسي، عدّة الأصول 1: 381، تصحيح: محمد مهدي نجف، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم.
([61]) انظر: رجال ابن الغضائري: 51.
([62]) انظر: محمد بن إسماعيل المازندراني، منتهى المقال في أحوال الرجال 4: 328.
([63]) انظر: رجال النجاشي: 441؛ الشيخ الطوسي، الرجال: 321.
([64]) عليّ بن إبراهيم القمّي، تفسير القمّي 2: 167، تصحيح: الطيّب الموسوي، دار الكتاب، قم، 1363هـ.ش.
([65]) انظر: محمد بن جرير الطبري، جامع البيان 21: 56، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ.
([66]) الشريف محمد الرضي، نهج البلاغة ، قصار الحكم، الحكمة رقم 419، تصحيح: صبحي الصالح ، بيروت، 1387هـ.
([67]) نهج البلاغة، الخطبة رقم 128.
([68]) الشيخ الصدوق، الأمالي: 423.
([69]) انظر: محمود بن عبد الله الآلوسي، روح المعاني 10: 222، دار الكتب، بيروت، 1414هـ.
([70]) تاريخ الزيارة: 20 / 8 / 1396هـ.ش: www.ajabaat.com
([71]) انظر: العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 43: 363، ح8.
([72]) انظر: محمد باقر المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة 8: 505، مؤسسة التضامن الفكري، بيروت، 1385هـ.
([73]) الشيخ الصدوق، التوحيد: 44، ح4، تصحيح: هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
([74]) انظر: جعفر البياتي، شهادات الأئمة: 5.
([75]) انظر: محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس 5: 216، تصحيح: علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1414هـ.
([76]) أحمد بن محمد البرقي، المحاسن 2: 390، ح22، تصحيح: جلال الدين الحسيني، الدار الإسلامية، طهران، 1330هـ.ش.
([77]) انظر: جويا جهانبخش، حكايت ألماس ريزها (حكاية شذرات ألماس): 96، انتشارات دليل ما، قم، 1356هـ.ش. (مصدر فارسي).
([78]) شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء 4: 344.
([79]) انظر: الفضل بن الحسن الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 131، تصحيح ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1417هـ.
([80]) الشيخ محمد بن حسن الطوسي، تهذيب الأحكام 3: 120، تصحيح: السيد حسن الموسوي الخرسان، الدار الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش.
([81]) الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 341، ح25، تصحيح: علي أكبر غفاري، الدار الإسلامية، طهران، 1363هـ.ش.
([82]) انظر: الشيخ الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية: 99، تصحيح: عصام عبد السيد، دار المفيد، بيروت، 1414هـ.
([83]) انظر: محمد بن علي ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2: 51، تصحيح: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ؛ العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 27: 209.
([84]) انظر: الشيخ الكوراني العاملي، جواهر التاريخ 3: 218، دار الهدى، 1426هـ.
([85]) انظر: السيد جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 33: 182.
([86]) انظر: الشيخ محمد بن محمد المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية: 131، تصحيح: حسين درگاهي، دار المفيد، بيروت، 1993م.
([87]) انظر: الفضل بن الحسن الطبرسي، تاج المواليد: 59، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1406هـ.
([88]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 27: 216.
([89]) انظر: السيد جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 33: 185.