المأخوذة من المرضى المتوفين ومرضى الموت الدماغي([1])
أ. إسماعيل آقا بابائي(*)
مقدمة
مع ظهور التقدم العلمي الذي حصل في المجالات الطبية، وإمكانية نقل الأعضاء وزرعها بين بني البشر، ظهرت بعض النقاشات والتساؤلات في نطاق العلوم الفقهية التي تتـناول جواز أو عدم جواز هذا الأمر، ووجدت العديد من المقالات والكتب بهذا الخصوص طريقها إلى النشر. وقد دفعت جهود الباحثين في هذا المجال، والفتاوى المساعدة لعدد من المراجع المستـندة إلى جواز نقل وزرع الأعضاء، دفعت المشرّع القانوني إلى تشريع المادة الوحيدة في هذا المجال، والتي تم التصويت عليها وإقرارها في مجلس الشورى الإسلامي في جمهورية إيران الإسلامية، تحت عنوان «قانون زرع أعضاء المرضى المتوفين أو المرضى الذين تم التأكد من موتهم دماغياً»، وذلك بتاريخ 17/1/1379هـ.ش، الموافق 5/4/2000م.
ومع اكتساب موضوع نقل الأعضاء من الإنسان الميت إلى الحي صفته القانونية ساد شعورٌ يقضي بأنّ مشكلة زرع الأعضاء قد تم حلّها بشكل كامل، وبذلك سيكون بمقدورنا أن نشهد في كل يوم حصول التطوّرات المطردة على صعيد هذا النوع من العلاج، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك.
يتـناول هذا البحث القانون المذكور بالنقد والدراسة في أربعة فصول، من خلال جعل المادة القانونية أعلاه محوراً لمادته التحقيقية، وافتراض القول بأصالة جواز نقل الأعضاء من الإنسان المتوفى إلى الحي، بناءً على آراء أكثر الفقهاء. كما يقدم المقترحات؛ بهدف إصلاح الوضع الموجود، ضمن إشارته إلى المشاكل الشرعية والقانونية ونقاط الضعف الموجودة في القانون. ويسعى كذلك ـ من خلال منهجه في البحث ـ إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ـ والدول الإسلامية على وجه الخصوص ـ فيما يتعلق بتشريع القوانين في مجال زراعة الأعضاء.
وسنواصل التعريف بهذا الجهد العلمي على ضوء العناوين الأساسية للمقال.
أـ معايير تحقق الوفاة
إنّ موضوع المادة القانونية المشار إليها هو نقل الأعضاء من المتوفين ومرضى الموت الدماغي. وعلى الرغم من عدم وجود الاختلاف في هذا الأمر بخصوص الوفاة الطبيعية، إلا أنّ معرفة حقيقة الموت الدماغي وماهيته تواجه المزيد من الآراء والتساؤلات. ولو لم ينظر إلى الموت الدماغي على أنه موت قطعي ومؤكد فإنّ عملية نقل الأعضاء من مرضى الموت الدماغي، والتي تعدّ المصدر الأساسي لتأمين الأعضاء، ستواجه ـ بالتأكيد ـ مشكلة جدّية في هذا الاتجاه.
وانطلاقاً من ذلك سيتـناول الفصل الأول لهذا البحث مراحل حياة الدماغ وموته من وجهة نظر طبية، ضمن دراسته لماهية الوفاة الطبيعية ومعايير معرفتها.
وبشكل مختصر يتوصل الكاتب، من خلال تقسيمه لمراحل الحياة إلى: الحياة الكاملة للجسد، والحياة النباتية المستمرة، وحياة الأعضاء والخلايا وتفصيل كل منها، إلى أنّ موت الإنسان يتحقق على ثلاث مراحل، هي:
1ـ توقف القلب والرئتين.
2ـ موت الخلايا الدماغية بعد عدة دقائق من حرمانها من وصول الدم الناقل للأُوكسجين.
3ـ موت خلايا الجسم، والتي تختلف من عضو لآخر.
هذا الترتيب إنما هو في حالة الوفاة الطبيعية، ولكن في حالة الموت الدماغي فإنّ الموت يبدأ من المرحلة الثانية، أي يبدأ بموت الخلايا الدماغية، ثم يتلوه توقف نشاط القلب والرئتين، مما يؤدي في النهاية إلى موت الخلايا.
وعلى هذا، فإنّ الحالات المشتبه بأنها موت دماغي، من قبيل: السبات، أو الإغماء العميق، من الممكن القيام بتشخيصها أيضاً؛ إذ يتوصل هذا البحث في النهاية ـ في سياق تفسيره للموت الدماغي وتباينه واختلافه مع السبات العميق أو الإغماء الشديد والحالات المشتبه بها الأُخرى على أنها موت دماغي ـ إلى أنّ الموت الدماغي هو موت مؤكَّد، ومن الممكن أن نرتّب عليه نتائج الموت الحقيقي.
وتواجه هذه الفرضية اعتراضاً جدّياً، بحيث ستتم الإجابة في هذا الفصل عن الأسئلة التالية في إطار عدة إشكالات مثارة وأجوبة عليها:
1ـ أليست الحركات اللاإرادية لبعض الأعضاء والحالات شبه التـنفسية دليلاً على وجود الحياة في الأشخاص المصابين بالموت الدماغي؟
2ـ إنّ أقصى تبرير للحركات هو أن يقال بأنّ هذه الحركات ناجمة عن نوع من الوخزة النخاعية. ونظراً لكون النخاع من العناصر المهمة المتصلة بالدماغ ألا يمكن القول الآن بأنّ الموت الدماغي لا يمكن النظر إليه على أنه يعني توقف وانتهاء الفعاليات الدماغية والنخاعية، ولا يمكن القول بأنه يعني نهاية الحياة؟
3ـ أليس اختلاف الأطباء في أمارات الموت الدماغي يدل على أنّ الموت الدماغي لا يمكن اعتباره موتاً متحققاً، حتى من وجهة النظر الطبية؟
4ـ أليس ما تحدثت به بعض الكتابات عن أخبار إفاقة الأموات، وعودة الحياة إلى بعضهم بعد الغسل والتكفين أيضاً، دليلاً على أنّ الموت الدماغي هو نوع من توهّم الموت، وليس موتاً حقيقياً؟
5ـ المصابون بالموت الدماغي يجب أن تكون درجة حرارتهم 35،5 على الأقل، ألا يمكن اعتبار وجود الحرارة معياراً ودليلاً على حياة الدماغ، علماً بأنّ تـنظيم حرارة الجسم هي من وظائف الدماغ؟
6ـ على افتراض أنّ الموت الدماغي يعني الموت القطعي ألا يوجد هناك احتمال إعادة هؤلاء إلى الحياة ثانية مع تطور العلوم الطبية؟ وبعبارة أخرى: من الممكن أن يكون القطع بأنّ الموت الدماغي موت حقيقي أمراً ناجماً عن العجر الطبي في المعالجة، وليس دليلاً على الموت الحقيقي.
7ـ عندما يكون بالإمكان الإبقاء على حياة الأعضاء؛ باستخدام الأجهزة الطبية على الرغم من الموت الدماغي، ألا يمكن القول بأننا تمكّنا بذلك من الإبقاء على هذا النوع من الحياة لفترة زمنية طويلة، ومن إزالة المانع الذي يحول دون استمرار الحياة؟
8ـ ألا يمثّل بقاء الحياة في بعض الأعضاء ـ وإن كان يتم على شكل حركة الجهاز التـنفسي وأمثال ذلك ـ دليلاً على أنّ المصابين بالموت الدماغي لم تفارق أرواحهم أبدانهم بعد، وأنّهم ما زالوا على قيد الحياة؟
9ـ يعتبر الأفراد الـ anencephal أو الأفراد الفاقدون للمخّ أثناء الولادة أحياء من الناحية الطبية، وإن كانت حياتهم سرعان ما تـنتهي بعد الولادة. ألا يُعدُّ وجود هذه الظاهرة دليلاً على أنه لا يمكن اعتبار الشخص ميتاً بالرغم من موته دماغياً؟ وبعبارة أُخرى: عندما يكون هناك وجود خارجي للحياة بدون مخ يمكن اعتبار أي نوع من أنواع الحركة في حالة الموت الدماغي أمارةً على وجود الحياة أيضاً.
10ـ أخيراً إذا كان الموت الدماغي دليلاً على الموت القطعي من وجهة النظر الطبية فإنّ الدليل والحجة من الناحية الشرعية هو تشخيص العرف العام، وليس العرف الخاص، وفي الموضوع الذي نحن بصدد بحثه فإن تشخيص الأطباء لا يمكن أن يرقى إلى عنوان الحجة الشرعية للحكم القطعي بالموت.
وبعد الانتهاء من الإجابة عن الإشكالات والتساؤلات المذكورة، فقد اتضحت هذه المسألة أيضاً، وهي أنّ الموت الدماغي يختلف تماماً عن حالة الحياة غير المستقرة المستخدمة في كلام الفقهاء، بل وحتى لا يمكن مقارنة الموت الدماغي مع حالة الاحتضار أيضاً.
إنّ التطرق إلى ذكر بعض الشواهد على وجود الحركة وفقدان الحياة ـ مثل حركة الجنين قبل ولوج الروح ـ تبسط مسألة القبول بنظرية الموت الدماغي أكثر.
ب ـ الشروط القانونية لجواز نقل الأعضاء من المتوفين
من الشروط القانونية الواردة في المادة القانونية المتعلقة بزرع الأعضاء لجواز نقل الأعضاء من المتوفين وصية المريض أو موافقة الأولياء، إضافة إلى وجود الدور المصيري للزرع، في حين أن الشرط لجواز نقل الأعضاء ـ طبقاً لما ورد في فتاوى الكثير من فقهاء الشيعة ـ هو وجود الخطر على الحياة، ولا يحتاج إلى الوصية أو موافقة الأولياء.
وسنتم في هذا الفصل مناقشة الأسئلة المذكورة أدناه:
1ـ هل أن الوصية بنقل الأعضاء بعد تحقق الموت هي وصية مشروعة ونافذة أم لا؟
وسنقوم في معرض الإجابة عن هذا السؤال، بدراسة أدلة القائلين بالجواز، والذين يعتبرون هذه الوصية غير مشروعة. ولو افترضنا أنّ هذه الوصية جائزة فإنّ الآثار والنتائج المترتبة عليها، ومنها: وجوب العمل بالوصية ومعارضة الأولياء وأمثال ذلك، هي أيضاً من المواضيع التي ستعرض نفسها على بساط البحث.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الرجوع إلى آراء الفقهاء في هذه المسائل لا وجود له، وأنه يجب على المشرّع القانوني أن يقدّم حلاً مناسباً لذلك. وكمثال على ذلك: لو أنّ فقيهاً أفتى بجواز أو وجوب العمل بمثل هذه الوصية، ولكن القائم بنقل العضو يقلّد مجتهداً يرى عدم مشروعية هذه الوصية، فما هو التكليف عندئذ؟ هذه الاختلافات بين أولياء الميت والميت نفسه، وبين مستلم العضو والطبيب المعالج وغيرهم، توحي لنا بأنه ليس في سبيل سوى الفصل من قبل القانون تجاه هذه القضية.
2ـ مَنْ هُم أولياء الميت؟ وهل يمكن من حيث الأصول الفقهية أن تعطى للأولياء صلاحية الإجازة بنقل الأعضاء… وغير ذلك؟
إنّ إناطة نقل الأعضاء بموافقة الأولياء، أخذت بنظر الاعتبار لدى المشرّع القانوني في الكثير من الدول، بما في ذلك إيران، حيث إنّ هذا الأمر يحظى بأهمية بالغة من عدة جوانب:
أـ التقليل من تقديم الدعاوى ضد الأطباء؛ بموافقة الأولياء.
ب ـ الإفصاح عن موافقة الأولياء يؤدي إلى إضفاء حالة الهدوء والسكينة لديهم.
ج ـ كل من يواجه الموت في المستشفيات سوف لن يعاني مشكلة القيام بتشريح جثته وتقطيعها، رغماً عن إرادته وإرادة أوليائه.
وعلى الرغم من ذلك فإنّ إثبات هذه الولاية بحاجة إلى دليل خاص من الناحية الفقهية؛ لأنّ الأصل في ذلك هو عدم الولاية على الآخرين، ولم يتم إثبات ولاية الأولياء سوى في بعض الحالات الخاصة.
ومن الأمور الأُخرى التي تحتاج إلى المناقشة والدراسة هي فرضية اشتراط موافقة الأولياء، وصغر الأولياء، واعتراض بعض الأولياء، وعدم توفر إمكانية الوصول إلى الأولياء، وغيرها.
إنّ اللجوء إلى استخدام عامل الولاية من قبل الفقيه الحاكم، والموافقة على نقل الأعضاء، هي من جملة الحلول المقترحة التي أُخذت بعين الاعتبار في هذا البحث بخصوص ولاية الأولياء.
3ـ هل أنّ نقل الأعضاء أمرٌ منوط بالدور المصيري لعملية الزرع أم يمكن تعميمه على حالات العسر والحرج أيضاً؟
إنّ الدليل الرئيسي على جواز نقل الأعضاء ـ في فتاوى الفقهاء ـ هو لزوم تقديم وجوب الحفاظ على النفس المحترمة على حرمة التعرض لحرمة البدن، والواقع أنّ الفقهاء قالوا بجواز زرع الأعضاء في مثل هذه الحالات، بناءً على قاعدة التزاحم.
وبناءً على ذلك فإذا لم يتم العثور على وصيةٍ من قبل المتوفى، أو حتى إذا أوصى بعدم التشريح، واعترض الأولياء أيضاً على نقل العضو، فإنّ عملية نقل العضو سوف لن تجد أمامها مانعاً شرعياً أيضاً؛ بدليل وجوب المحافظة على حياة المسلم، وهو الموضوع المخالف تماماً للقانون الحالي، وإنّ الالتزام به من الممكن أن تكون له تبعات اجتماعية سلبية كثيرة.
والموضوع الآخر يتعلق بنقل الأعضاء في الحالات التي لا تكون فيها حياة المريض في خطر، ولكنه يكابد حياة صعبة. وأغلب حالات زراعة الأعضاء تتعلق بهذه المصاديق، في حين أنها غير مسموح بها، لا من الناحية القانونية، ولا تعتبر مشروعة برأي بعض الفقهاء أيضاً.
وقد تحدثنا في الفصل الرابع عن هذا الموضوع؛ باعتباره يمثل إحدى نقاط الضعف القانونية، وقدّمنا بعض الحلول المناسبة على أساس الأصول الفقهية.
ج ـ مسؤولية الأطباء في دفع الدية
طبقاً لما ورد في الفقرة 3 من المادة الأولى لقانون زرع الأعضاء لا يتحمل الأطباء أية مسؤولية في دفع الدية في حالة قيامهم بنقل الأعضاء.
ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاثة احتمالات في موضوع الدية:
1ـ لا يلزم دفع دية معيّنة.
2ـ يُعفى الأطباء على وجه الخصوص من دفع الدية، ولكن لا ينفي ذلك أصل الدية.
3ـ دفع الدية يتحملها الطبيب، ولكن من الممكن نقلها إلى ذمة شخص آخر بشروط معينة.
وترجّح هذه الدراسة الرأي المشهور للفقهاء، والمبني على عدم وجود التلازم بين جواز التشريح وانتفاء الدية، من خلال مناقشة الاحتمالات أعلاه، والسعي للاستدلال بكل واحدة منها، وتقول بتعارض القانون مع الأُسس الفقهية، سوى الحالات التي يوصي بها الميت.
وتبعاً للقول بلزوم دفع الدية فإنّ الشخص الذي يدفع الدية، وأبواب صرفها، ستشكل المواضيع اللاحقة لهذه الدراسة.
وبناءً على ذلك فإنّ الالتزام بدفع الدية من قبل الأطباء سيواجه المشكلة التالية، وهي عدم قيام أي طبيب بعملية نقل الأعضاء. وقد تمت في هذه الدراسة مناقشة الحلول المطروحة على أساس الأُصول الفقهية؛ لإيجاد حلٍّ لهذه المشكلة.
دـ الفراغات الموجودة في قانون زرع الأعضاء
إنّ قانون زراعة الأعضاء ولائحة تـنفيذه يعكسان جهود المشرّع القانوني والمعنيين بهذا الأمر في حل المشاكل التي يعاني منها المجتمع، وملء الفراغات القانونية.
وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى عدة موارد بقيت خافية عن أنظار المشرّع القانوني والقضاء، وهي من المسائل التي يعاني منها مجتمعنا، ومنها هذه الحالات:
1ـ نقل وزراعة الأعضاء في حالات العسر والحرج: إنّ مسألة نقل الأعضاء لغرض الإبقاء على حياة شخص آخر تعدّ أمراً جائزاً، بل واجباً، بناءً على قاعدة التزاحم، وطبقاً لفتاوى الكثير من الفقهاء، ولكننا نحتاج من الناحية العملية إلى عملية نقل الأعضاء لإنقاذ المرضى من العيش بمشقة وعناء في أغلب الأحيان، في حين أنه لا يمكن اللجوء إلى أُسلوب نقل وزراعة الأعضاء لمعالجة هؤلاء المرضى، طبقاً لما ورد في القوانين الحالية، وبعض الآراء الواردة بهذا الخصوص.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحل يكمن في القول بالحرمة العرضية أو الذاتية لنقل الأعضاء من المتوفين. فلو قلنا بحرمتها العرضية فإنّ وصية الميت وموافقته المسبقة بإمكانها أن ترفع الحرمة في حالات العسر والحرج، وإذا كانت الحرمة ذاتيّة فإنّ التوسّع في دائرة قاعدة التزاحم، وكذلك اللجوء إلى قاعدة العسر والحرج، يمكن أن تعيننا في الحكم بجواز النقل في الحالات التي يعيش فيها المريض حياةً صعبةً وشاقّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ كل حلّ من هذه الحلول يواجه بعض الإشكالات التي سيتصدى هذا البحث إلى دراستها ومناقشتها بشكل مختصر.
2ـ بيع وشراء الأعضاء: انطلاقاً من الرغبة في عدم الترويج لانتشار السوق الساخنة لشراء وبيع الأعضاء، وانعكاساتها الاجتماعية السلبية الناجمة عنها، فقد اتجهت الكثير من الدول إلى القنوات القانونية لمنع هذه الظاهرة، ولكن في دولةٍ كبلادنا، حيث يجب أن يتم تـنظيم القوانين على أساس الموازين الشرعية، يمكن أن نمنع شراء وبيع الأعضاء إذا توفرت لدينا القوانين المستـندة على أساس الأُصول الفقهية القائلة بعدم جواز هذا الأمر. في حين أننا نجد أنّ الفتاوى الصادرة من الكثير من الفقهاء تتحدث على جواز مسألة الشراء والبيع هذه، وإذا كان بعضهم لا يقول بجواز الشراء والبيع فإنهم يقولون بجواز أخذ المال مقابل إعطاء الأعضاء تحت بعض المسميات، من قبيل: التـناول عن الحق، بيع حق الأولوية… وغير ذلك.
وبناءً على ذلك لا مانع من أخذ المال مقابل إعطاء الأعضاء طبقاً للقواعد الفقهية، ولكن الاعتراف بذلك قانونياً، والقول بمشروعيته القانونية، ستـنجم عنه تبعات اجتماعية سلبية كثيرة، وواحدة من تلك التبعات هو تحوّل البلاد إلى سوق عالمية لشراء وبيع الأعضاء. وإذا اعتمدنا الفتاوى الفقهية كأساس للعمل في الوقت الحاضر؛ بسبب الفراغ القانوني الموجود في هذا المجل، فإننا سنواجه ـ للأسف ـ هذا المصير.
ويقدم هذا التحقيق ـ وضمن إشارته إلى هذا الفراغ ـ مجموعة من المقترحات لخلق حالة من الانسجام والتوافق بين الفتاوى الفقهية، وبالتالي التقليل من التبعات الاجتماعية السلبية لشراء وبيع الأعضاء.
3ـ مواصفات وحقوق مانح العضو: من الممكن أن نذكر الكثير من المواضيع التي تتعلق بزراعة الأعضاء من الأحياء ودراستها، ولكن بلحاظ اختصاص هذا البحث بدراسة المادة الأولى لقانون زراعة الأعضاء فإنّ الموضوع الحالي بخصوص المانحين الأحياء لأعضائهم هو خارج رسالة هذا البحث.
ومع ذلك يمكن أيضاً أن نأخذ بنظر الاعتبار بعض المواصفات لمانحي الأعضاء المتوفين، حيث إنّ لزوم إحراز الموت، وإحراز ضرورة الزرع، هي من جملة هذه الشروط.
وقد ورد في الحديث في سياق هذا البحث التطرق إلى ذكر شروط أُخرى أيضاً.
4ـ مواصفات وحقوق مستلم العضو: من الممكن أن نأخذ بنظر الاعتبار بعض المواصفات الواجب توفرها لدى المستلمين للأعضاء، والتي تمت الإشارة إليها في قوانين بعض الدول بشكل مفصل.
ونواجه في هذا المجال فراغاً قانونياً في القانون الحقوقي في إيران. وعلى الرغم من إمكانية الحصول على بعض القواعد والأمور العامة لوضع عددٍ من المواصفات والشروط لمستلم العضو من القوانين الأُخرى يمكن أن نأخذ بنظر الاعتبار بعض الحقوق أيضاً لمستلم العضو، وأهمها: درجة الأولوية في استحقاق أخذ العضو. ونتساءل حقاً: عندما تكون حياة مجموعة من المسلمين في خطر، ويمكن أن تـنفذ حياة شخص واحد منهم فقط في حالة زراعة العضو في حالة الموت المحتّم، فما هو المعيار الذي يمكن من خلاله إعطاء هذا الحق في الأولوية والتقديم على الآخرين؟
وانطلاقاً من تعلّق هذه القضية بالموت والحياة فإنّ أي نوع من أنواع اللامبالاة وعدم الاهتمام بهذه المسألة سوف تترتب عليه عواقب مؤسفة مؤلمة. كما أنّ عدم رضا المتوفى والمقرّبين للشخص المستحق لزرع العضو، والذي لا يفلح في الحصول على العضو؛ لأسباب معينة، على الرغم من أولويته حسب تسلسل الأسماء، تعدّ من المسائل المهمة، والتي يجب أن لا تخفى عن أنظار المشرّع القانوني.
ومما يؤسف له أننا لا نملك في الوقت الحاضر ضوابط معينة لتحديد سلَّم هذه الأولوية، ونخشى أن تلعب المزاجات الشخصية والقدرة المالية لآخذي الأعضاء دور العامل الأول في تحديد هذه الأولوية، حيث إنه من المؤكد جداّ أنّ هذا الأمر لا يليق إطلاقاً بالمجتمع الإسلامي.
وفي سياق ذكر الحقوق المختلفة لآخذ العضو يرى هذا البحث أنّ إحدى هذه الحقوق هي درجة الأولوية في أخذ العضو. كما يضع بين أيدينا مجموعة من المعايير لهذه الأولوية.
5ـ آليّة زراعة الأعضاء، وتعاون الدوائر الصحية، وضمان تـنفيذ عقوبات مخالفة القوانين: من المسائل الأُخرى التي تـناولها هذا البحث هو الاهتمام بالضوابط الشكلية وضمان الإجراءات، حيث سيقوم بالتذكير بالفراغات القانونية خلال دراسة كلٍّ منها.
إنّ الوقوف على تفاصيل الحالة الراهنة، وطرح المسائل المتعلقة بزراعة الأعضاء والمشاكل التي تواجهها، يمكن أن يكون نافعاً ومفيداً إذا تمّ كذلك تقديم الآليات والحلول اللازمة معها للخروج من هذا المأزق والفراغات القانونية الموجودة. ومن هنا فإنّ هذا البحث يقدم في النهاية مجموعة من الاقتراحات في إطار المواد القانونية؛ لملء الفراغات القانونية الموجودة، من خلال ترجمة قوانين بعض الدول الصادرة في هذا المجال.
وعلى الرغم من ذلك كله ما زالت هناك الكثير من المسائل التي لم يتم التطرق لها، وبقيت بعيدة عن أنظار مؤلف هذا الجهد، وبقي هذا الكتاب بمثابة الخطوة الأولى على طريق طرح هذه المسائل.
ونأمل بجهود الباحثين الآخرين أن تتهيّأ الأرضية المناسبة لإزالة النواقص والعقبات الموجودة، وأن يتمكن المشرّع القانوني من كتابة القانون الذي يليق بمكانة ومنزلة الحكومة الإسلامية، وتقديمه للمجتمع، انطلاقاً من الدراسات والأبحاث التي تتم في هذا المجال.
الهوامش
(*) باحث في الفقه الإسلامي.
([1]) كتاب صادر عن مركز دراسات الفقه والحقوق، مركز أبحاث العلوم والثقافة الإسلامية لمكتب الإعلام الإسلامي.