أحدث المقالات

الشيخ علي رضا قائمي نيا(*)

ترجمة: السيد حسن علي مطر

مدخل ـــــــ

لم أعثر في كلام الدكتور سروش على جديد، وإن كان فحوى الكلام مختلفاً إلى حدٍّ ما، حيث بدا أكثر وضوحاً وصراحة، ولكن ليس هناك شيءٌ جديد، حيث سبقه إلى ذلك بعض المثقفين، من أمثال: نصر حامد أبو زيد، ومحمد أركون، وقد تأثر سروش بأمثال هؤلاء العلماء.

وقد سبق للدكتور سروش أن ذكر هذه الأمور في كتاب “بسط تجربة نبوي”، ولذلك لا نرى شيئاً جديداً.

إن ما يدعيه سروش من أن لكلامه جذوراً في القرون الوسيطة من التاريخ الإسلامي، ما هو إلا قراءة خاطئة للتاريخ، حيث لم يظهر ـ ولو عالم واحد من علماء الفريقين ـ طوال التاريخ الإسلامي من قال بأن ماهية القرآن ليست إلهية، وإنما كان الاختلاف حول أمور أخرى، وحتى المعتزلة، الذين هم أصرح من الأشاعرة في هذا المجال، كانوا يذهبون إلى نزول القرآن من عند الله تعالى، وعليه فقد كان هناك إجماع إسلامي عبر التاريخ على أن القرآن الكريم هو كلام الله.

وقد كان الاختلاف في كلمات القرآن، هل هي كلمات الله تبارك وتعالى بعينها، أو هي كلمات تفوّه بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو هي كلمات جبرائيل عليه السلام، وكانت هذه الآراء الثلاثة هي المطروحة، إلا أن الجميع يتفق على أن مضمون القرآن من الله، واختلفوا في طريقة أداء هذا المضمون في إطاره اللفظي.

وقد ذهب جميع العلماء المسلمين طوال التاريخ إلى كون القرآن معجزة، وهذا ليس أجنبياً عن المضامين القرآنية، ولذلك بذلوا دقة عالية في تحاليلهم القرآنية، فلو كان القرآن كلام النبي لم تكن هناك حاجة إلى النظر للقرآن بمثل هذه الرؤية، واعتباره معجزة، فالقرآن إنما يكون معجزة بوصفه كلام الله.

الجذور والخلفيات المسيحية لأفكار سروش ـــــــ

إن لأفكار سروش جذوراً مسيحية، وهذا شيءٌ لا يمكن إنكاره، إذ يختلف في أفكاره حتى عن أفكار نصر حامد أبو زيد وأركون، حيث يذهب الدكتور سروش إلى القول بأن ماهية الوحي تجربة دينية، وتعود جذور هذه العقيدة إلى أديان مثل المسيحية، دون الإسلام، الذي يولي (الكلمة) أهمية كبيرة جداً في عملية الارتباط بالله تعالى.

خطأ المستنيرين في عدم التمييز بين الشهود والتجربة الدينية ـــــــ

هناك خطأ كبير يرتكبه المستنيرون، فإنهم حيث وجدوا العرفاء قد ذهبوا إلى اعتبار الوحي نوعاً من الشهود، ذهبوا إلى كون الشهود نوعاً من التجربة الدينية في حين أن التجربة الدينية مصطلح مستحدث، وإنما تظهر أهمية التجربة الدينية فيما لو خفّ بريق الارتباط الكلامي وضعف المفهوم الديني.

    وعليه فقد حصل خلط بين رأي العرفاء وموقف المستنيرين، حيث ذهبوا إلى اعتبار الشهود تجربة دينية.

مضافاً إلى أنّ الكثير من كلمات العرفاء يلوح منها أن بإمكان العارف بلوغ مقام النبوّة، مما أدى إلى حدوث خلط لدى المستنيرين، فتصوروا أن بإمكان كل شخص أن يبلغ مقام النبي، وينزل عليه الوحي، في حين أن الوحي مفهوم منحصر على إرادة الله، وليس هو داخل في مجال اختيارات الإنسان، وليس بوسع العارف مهما بذل من جهد أن يبلغ مرحلة ينزل عليه الوحي فيها.

عندما نقارن كلمات الدكتور سروش بأقوال نصر حامد أبو زيد نجد أقوال نصر حامد أقرب إلى السنة الإسلامية من كلمات سروش وذلك لما لكلمات سروش من ماهية مسيحية، حيث تكونت في المناخ البروتستانتي، وهي بعيدة كل البعد عن الثقافة الإسلامية.

ابتعاد المستنيرين عن البحوث القرآنية ـــــــ

الإشكال الآخر الذي يؤخذ على المستنيرين في إيران بعد الثورة هو ابتعادهم عن مناخ البحوث القرآنية، فكل من يقرأ مؤلفات الدكتور سروش يدرك بوضوح غياب البحوث القرآنية، في حين أن مؤلفات المستنيرين قبل الثورة، من قبيل: المهندس بازرجان، زاخرة بالتحقيقات القرآنية.

إن كل فكرة تحتاج في بقائها إلى الارتباط بالقرآن بنحوٍ من الأنحاء؛ وذلك لأنّ القرآن محور لجميع الأفكار الإسلامية عبر التاريخ، ولكن حينما ندقق في أفكار المستنيرين، من أمثال: الدكتور سروش، نجدها خارجة عن المباحث القرآنية، وأضحت البحوث ـ على حدّ تعبيره ـ خارج الإطار الديني، وليست لها أدنى علاقة بالبحوث القرآنية، بل وربما تصرح بمعارضتها للقرآن.

    ومن هنا كان الدكتور سروش بحاجة إلى وثيقة وسند يجعله في غنىً عن الرجوع إلى القرآن، فصرّح ببشريّة القرآن، وإذا كان القرآن بشرياً؛ فلن يصلح سنداً للتعويل عليه، وعليه تعد كلمات الدكتور سروش إجراءاً وقائياً لما قد يرِد عليه في المستقبل، وأرى أنه بذلك قد خرج من الإطار العام للتفكير الإسلامي، ولم يعد بالإمكان عدّه مصلحاً للتفكير الإسلامي.

ما هي التجربة الدينية؟ ـــــــ

تعني التجربة الدينية أن النبي يلاقي الله، فيخرج من هذا اللقاء بمعلومة جديدة فيعمل على تقريرها، وإن هذا التقرير بشري، وإن الوحي ـ الذي هو تلك التجربة ـ ليس له شكل كلامي، وإن النبي هو الذي يصوغه في قالبه اللفظي، هذه هي دعوى الدكتور سروش. وقد ذهب الأشاعرة، وليس المعتزلة (حيث يتصور الدكتور سروش خطأ أن المعتزلة  لديهم بحوث مشابهة لآرائه)،إلى أنه لا يمكن لله أن يظهر في قالب لفظي؛ ولذلك يرسل المضمون إلى النبي ليقوم بدوره بتحويله إلى ألفاظ، وإن هذا القالب اللفظي لا يختلف عن المضمون الإلهي.

في حين أن التجربة الدينية لهذا الإطار اللفظي لا تشرح هذه المضامين، وإنما هي مجرد تقرير لفظي.

مضافاً إلى أن التجربة الدينية تفرض محدوديات أخرى على القرآن، كذهنية النبي، وشخصيته، وثقافة عصره، وما إلى ذلك مما طرح في الفترة المعاصرة، وليس لها أي وجود في كلام الأشاعرة؛ وذلك لمخالفة الأشاعرة للرأي القائل بتأثير ثقافة العصر على القرآن.

رأي الشيعة في ما يتعلق بالوحي ـــــــ

قال الغزالي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ ]الشورى: 51[: هناك ثلاث طرق لإرسال الوحي إلى النبي؛ الأول: حالة خفية غير معروفة يتصل بها الله مع النبي مباشرة فيوحي إليه؛ الثاني: أن يكلمه الله من وراء حجاب، كما كلم النبي موسى عليه السلام، الثالث: أن يرسل رسولاً إلى النبي، وهذا الرسول هو جبرائيل، الذي يتوسط في إيصال الوحي من الله إلى النبي.

ويذهب الشيعة إلى أن الوحي ارتباط لفظي، وأن ألفاظ القرآن هي عين كلمات الله، وليس فيها شيء من رسول الله، وهذا ما تثبته آيات القرآن نفسها.

ويختلف الشيعة في رأيهم عن المعتزلة في أن المعتزلة يذهبون إلى أن الله يحدث الأصوات الطبيعية، في حين لا يذهب الشيعة إلى هذه المحدوديات، ويقولون بأن الله تعالى يمكنه إحداث الارتباط في نفس النبي، ويكون هذا الارتباط لفظياً، ولذلك يذهب الشيعة إلى اختلاف الوحي القرآني عن الأنحاء الأخرى من الوحي؛ فإن الله مثلاً أنزل الكتاب على النبي موسى على شكل ألواح، في حين أنزل الوحي على النبي محمد’ في قالب لفظي، ولم يقتصر في ذلك على مضمون الوحي، بل وكان يُتلى على مسامع النبي.

اختلاف المعرفة الدينية عن قراءة الدين ـــــــ

إن المعرفة الدينية التي يعرضها الدكتور سروش ليست معرفة دينية، بل هي قراءة دينية؛ وذلك لأن المعرفة الدينية لها جذور في النصوص الدينية، وتحاول تقييمها من الداخل، أما القراءة الدينية فهي نوع قراءة لا ربط لها بالدين، وتدرس الظاهرة الدينية من الخارج، ويقوم فيها قارئ الدين بإبداء آرائه طبقاً لظنونه.

هجران الدراسات القرآنية في الحوزات والجامعات!!  ـــــــ

    لقد فقدت البحوث القرآنية مكانتها، سواء في الحوزات العلمية أو بين المستنيرين، إلى حدٍّ ما، فلقد كنا نشهد في السابق دورساً تفسيرية متنوّعة، في حين يندر أن نجد من يهتم بالبحوث القرآنية حالياً.

وأعتقد أنه بعد ظهور الأساليب الجديدة ستشهد النشاطات التفسيرية تحوّلاً في هذا المجال، ولكن بشرط التفات العلماء إلى هذه البحوث، وحصول الرؤية الجادة تجاه القرآن.

وفي هذا المضمار يبدو المستشرقون أكثر نشاطاً من الحوزات العلمية، وقد عمدوا إلى نشر كتب أكثر في مجال القرآن، وللأسف الشديد لم نلحظ بَعْد <تفسير الميزان> تفسيراً جديداً في الحوزات الشيعية، يمكنه فتح مناخ جديد.

ومن الطبيعي في ظل هذه الغربة التي يشهدها القرآن أن يظهر مستنيرون بعيدون كل البعد عن القرآن ليملأوا هذا الفراغ، وهذا هو السرّ في فشلهم.

 ________________________________________

(*) باحث في فلسفة الدين والكلام الجديد، رئيس قسم نظرية المعرفة في مؤسسة الثقافة والفكر الإسلامي، كانت له مساهمات عديدة في نقد نظريات عبدالكريم سروش.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً