أحدث المقالات

مدخل إلى مراحل تكوينه وانطلاقته

 د. مجيد معارف(*)

 ترجمة: جواد سيحي

(a)      مقدمة

بحسب تعريف العلماء فإن «علم رجال الحديث هو علم يبحث عن أحوال وأوصاف الراوي من جهة قبول قوله أو رده»([1]). وبعبارة أخرى: إن موضوع علم الرجال يهتم فقط بدراسة جانب خاص من جوانب شخصية الراوي، بحيث يكون له تأثير على قبول خبره أو رده، ولا يحتاج إلى دراسة الجوانب الأخرى. وهذا بخلاف علم التراجم الذي يبحث عن الجوانب المختلفة لشخصية الراوي([2]). ولقد كان علم الرجال في بداية أمره شعبة من شعب رواية الحديث، وكانت رواية الحديث بدورها قسماً من أقسام «علم الحديث» بمعناه العام([3]).

أما في ما يتعلق بظهور وتطور «علم الرجال» فلابد من القول: إنه يجب الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة الجذور الأولى لهذا العلم . فقد أمر الله تعالى في الآية 6 من سورة الحجرات بالتثبت والتبين من خبر الفاسق. كما أن الروايات الواردة عن رسول الله’ تحذرمن الكذب على الرسول’([4]). إضافة إلى هذا فإنه يوجد مجموعة من القرائن التي تبين ضرورة معرفة الراوي من حيث وثاقته واحترازه عن الكذب.

وبالرجوع إلى عصر الصحابة والتابعين فلا نكاد نعثر على أي شيء يتعرض لمعرفة أحوال الرواة من جهة وثاقتهم وعدمها؛ وذلك لثقة المسلمين ببعضهم. ولكن مع نهاية عصر التابعين بدأ الحديث عن ضرورة السؤال عن رجال الحديث وسند الروايات. وهذا ما ذكره مسلم في صحيحه، نقلاً عن ابن سيرين([5]). وتجدر الإشارة إلى أنه في بداية الأمر لم تكن هناك ضوابط معقدة في معرفة الرجال، حيث كان شيخ الحديث ضمن بحثه حول جوانب حديث معين يتعرض شفاهاً للمعلومات المتوفِّرة لديه حول سند الحديث، وكانت تُذكر أوصاف الرواة مع ذكر بعض المسائل المتعلقة بالراوي، مثل: سابقته في الإسلام، والحروب التي خاضها.

فقد قال الشيخ الطوسي في هذا المجال، عند ترجمته لعبيد الله بن أبي رافع: «له كتاب سمّاه «من شهد مع أمير المومنين× الجمل وصفين والنهروان من الصحابة2»([6]). وبرأي الشيخ آغا بزرك الطهراني فإن عبيد الله بن أبي رافع هذا هو أول عالم رجال شيعي([7]). ولكنه من الواضح أن هذا الكتاب لم تكن له جنبة رجالية تبيِّن أمر الحديث، بل الذي يظهر منه بشكل جلي أن له جنبة كلامية، حيث بيَّن فيه توجهات واتجاهات أصحاب الإمام علي×. ومع ذلك فإن مطالب الكتاب لا تخلو من فائدة بيان كيفية تصنيف وتبويب الأفراد في الصدر الأول من الإسلام.

(b)     1ـ تكوُّن علم الرجال عند الشيعة الإمامية

بناء على الشواهد الروائية الموجودة فإنه يجب استقصاء القواعد والأسس الأولى لعلم الرجال من مدح وذم الإمامين الصادقين‘ لجماعة من أصحابهما. وعلى نفس المنوال فقد تابع الأئمة الباقون هذه السيرة. ومن جملة ذلك ما ذكره الإمام الرضا× حول التعريف بزعماء الواقفية وتكذيبهم([8])، وما ذكره أيضاً الإمامين الهادي والعسكري‘ حول لعن غلاة عصرهم([9]). وبشكل عام فإن الروايات التي حفظت في كتب الرجال والحديت لهؤلاء العظماء هي خير سند على تجريح وتعديل عدد من الرواة الشيعة في طبقة أصحاب الأئمة.

وفي ما يتعلق بطبقة علماء الشيعة يجب القول أيضاً: إن أواخر القرن الثاني الهجري شهد وجود مجموعة من أصحاب ومعاصري الأئمة الذين عمدوا إلى التعريف بالرواة الضعفاء ومجهولي الحال، وذلك بالاستفادة من الروايات الواردة عن المعصومين^، ومن قربهم من الرواة. ونذكر من هؤلاء العظماء: عبد الله بن حلبة الكناني(219هـ)([10])، والحسن بن محبوب(224هـ)، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي(274هـ)، وإبراهيم بن سعيد الثقفي(283هـ)، وعلي بن فضال، والحسن بن شاذان النيسابوري(كلاهما عاشا في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري).

فكلُّ واحد من هؤلاء الأفراد له أثر أو كتاب حول موضوع رجال الشيعة، أو حول التعريف بأساتذته ومشايخه([11]). وبالإضافة إلى هذه الكتب فقد كتب علماء الشيعة كتباً لا تعدّ ولا تحصى حول الرد على الفرق المنحرفة من الغلاة: الإسماعيلية، والفطحية والواقفية… وللاطلاع بشكل أكبر حول هذا المجال يمكن الرجوع إلى كتب رجال النجاشي، وفهرست الشيخ الطوسي. وبالتالي يمكن القول: إن القرن الثالث الهجري شهد بروز طليعة متنورة بذلت جهوداً كبيرة في مجال معرفة رجال الحديث. فآراؤهم الرجالية في هذا العصر ـ على اختلافها من الناحية الكميّة ـ هي في متناول أيدينا إلى اليوم بفضل ما نقله الكتّاب الذين جاؤوا من بعدهم. ويعتبر كتاب رجال البرقي من بين تلك الآثار التي حفظت إلى يومنا هذا. وهو مستند جيِّد لمعرفة طبقات الرواة.

ومع القرن الرابع الهجري خرج علم الرجال من حالته البسيطة، ليدخل مرحلة جديدة، حيث اشتغل الكثير من العلماء بالكتابة والتحقيق في هذا العلم. فبالإضافة إلى كتاباتهم المستقلة في علم الرجال أفردوا بالتأليف كتباً عرفت بكتب «المشيخة»، أو «الفهرست»، والتي تضمَّنت الكثير من المعلومات الرجالية.

و من أهم الأشخاص الذين ألَّفوا كتباً حول رجال الحديث في هذا القرن يمكن أن نذكر محمد بن يعقوب الكليني(329هـ)، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي(343هـ)، وأحمد بن محمد المكنّى بأبي غالب الرازي(367هـ)، وابن داوود القمي(367هـ)، ومحمد بن علي بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق(381هـ)، ومحمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي(المتوفى في النصف الثاني من القرن الرابع)([12]).

وتجدر الإشارة إلى أن الذي بقي من هذه الكتب فقط كتاب «الفهرست» لأبي غالب الرازي، وكتاب «اختيار معرفة الرجال» للكشي، أما الكتب الأخرى فقد ضاعت، ولم يبقَ لنا من الآراء الكثيرة لهؤلاء العلماء، من أمثال: ابن الوليد، والشيخ الصدوق، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، إلاّ ما وجد في ثنايا مؤلَّفاتهم الأخرى، أو ما نقله العلماء من الطبقات اللاحقة عنهم.

ويعدّ القرن الخامس الهجري عصر إحدى فترات تطور وازدهار علم الرجال الشيعي في مرحلة المتقدِّمين، حيث شهدت هذه المرحلة تأليف أهم المصادر الرجالية الشيعية، بما فيها الكتب الأربعة الرجالية، وذلك لما أبداه الرجاليان الكبيران الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي من همّة عالية في تأليفها، فقد استطاعت هذه الكتب؛ بفضل شهرتها وتواترها، الحفاظ على بقائها إلى عصرنا هذا. وبالاضافة إلى هذين العَلَمين يوجد من الأكابر مَنْ كان له تأليف ونظر في علم الرجال، من أمثال: أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، وابنه أحمد بن حسين بن عبيد الله، وأحمد بن محمد بن نوح السيرفي. والملفت للنظر أنه لم يبقَ من كتب هذا العصر إلا الكتب الأربعة، حيث شكَّلت هذه الأخيرة الأساس والقاعدة للكتب الرجالية اللاحقة. ولهذا فإننا سنعمد من خلال هذا البحث إلى القيام بتعريف مختصر لهذه الكتب، مع بيان طريقة وأسلوب مؤلِّفيها.

(c)      2ـ دراسة «اختيار الرجال» للطوسي والكشي

أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي من علماء شيعة القرن الرابع الهجري، حيث كانت له اليد الطولى في الحديث والرجال. أما سنة ولادته ووفاته فلا نعرف عنها شيئاً. ولكن بقرينة أن الكشي كان من تلامذة محمد بن مسعود العياشي، وهو ـ أي العياشي ـ من معاصري وتلامذة علي بن الحسن بن فضال(المتوفّى في النصف الثاني من القرن الثالث) يمكن أن نصل إلى أن حياة الكشي العلمية ونشأته كانت في النصف الأول من القرن الرابع. وهذا الأمر يمكن استنتاجه بطريقة أخرى أيضاً، وهي أن الكشي كان من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه، وهذا العالم ـ على حسب نقل الطوسي في رجاله ـ توفّي سنة (368 هـ)([13]).

وفي ما يتعلق بموطنه الأصلي ومحل سكناه لابد من القول: إن نسبة الكشي إلى كشّ، وهي إحدى قرى ما وراء النهر([14]). ومن جهة أخرى فالكشي من تلامذة العياشي، والعياشي كان من تلامذة سمرقند. فلقد ذكر النجاشي في كتاب الرجال أن الكشي «صحب العياشي، وأخذ عنه، وتخرَّج عليه، في داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم»([15]). ومن جهة أخرى أيضاً فإنه بمراجعة «اختيار الرجال للكشي» يتضح أن حوالي ثلث روايات الكتاب تبتدئ بـ «حدثني محمد بن مسعود»، أو «قال محمد بن مسعود»، وهذا بنفسه خير شاهد على أن الكشي إما أخذ ذلك سماعاً من العياشي، وإما أنه أخذها نقلاً عن كتب أستاذه. فهذه القرائن جميعها تدل على أن حياة الكشي العلمية ونشأته كانت في سمرقند، وفي بلاد ما وراء النهر.

أما في ما يتعلَّق بآثاره العلمية فلابد من القول: إن الشيخين الطوسي والنجاشي لم ينسبا إليه إلا كتاباً واحداً حول علم الرجال، وهو كتاب غير واضح العنوان، على الرغم من قرب عهد الشيخين بالكشي، حيث أوردا في ترجمته فقط: «له كتاب الرجال»([16]). ولكن ابن شهرآشوب، الذي عاش بعد قرنٍ من زمن الشيخ الطوسي، ذكر حول كتاب الكشي بأن «له كتاب الرجال، المسمى بمعرفة الناقلين عن الأئمة الطاهرين»([17]). وقد اعتبر بعض العلماء، من أمثال: العلامة المجلسي في «البحار»، والعلامة التستري في «قاموس الرجال»، أن اسم الكتاب هو «معرفة الرجال». فبرأيهما مادام الكتاب تم تهذيبه باسم اختيار معرفة الرجال فلابد أن يكون اسمه «معرفة الرجال»([18]).

وكما يظهر فلا يوجد لأصل الكتاب أي عين ولا أثر. وإن الذي في حوزتنا اليوم ـ بحسب تصريح السيد ابن طاووس ـ هو مختارات أصل الكتاب، قد أملاها الشيخ الطوسي على تلامذته سنة (456هـ)([19]). ففي إحدى النسخ الموجودة من الكتاب يوجد ما مجموعه 1151 حديثاً رجالياً، حيث تم تعريف 515 شخصيةً، كلهم من أصحاب الأئمة^([20]). ومع ملاحظة ترجمة الكشي للرواة يظهر أنه كان ملتزماً عند ذكر الرواة برعاية الترتيب على حسب عصر الأئمة. والملفت للنظر أيضاً أن روايات الكتاب تتضمن معلومات تاريخية مهمة.

ولم يتم استنساخ الكتاب بشكل واسع؛ وذلك بحكم إقامة وسكن الكشي في بلاد ما وراء النهر، وهي مناطق بعيدة عن المناطق الأصلية للتشيع، مثل: قم، والكوفة. فحتى القرن الخامس لم يبقَ من الكتاب إلا نسخٌ معدودةٌ، بدليل أن النجاشي والطوسي نقلا الكتاب بسندين مختلفين؛ فقد روى النجاشي كتاب رجال الكشي عن أحمد بن علي بن نوح، عن جعفر بن محمد قولويه، عن الكشي؛ في حين روى الطوسي الكتاب عن هارون بن موسى التلعكبري، عن الكشي. فإذا قلنا: إن سند الشيخ الطوسي ناقص، حيث حذف منه جعفر بن محمد، فيمكن في هذه الصورة أن نستنتج أن الأستاذين ابن نوح والتلعكبري قد رويا الكتاب عن طريق ابن قولويه. ويقوّي هذا التخمين ما ذكره الشيخ الطوسي عند ترجمته لجعفر بن محمد بن قولويه من أن التلعكبري ممَّنْ روى عن ابن قولويه([21]). وعلى أية حال بعد أن أملى الشيخ الطوسي مختاراته لكتاب الكشي تُرك أصل الكتاب تدريجياً، وبعدها فُقد الكتاب كلّياً، وأصبح «اختيار معرفة الرجال» بشكل عمليّ كتاباً ينسب إلى الشيخ الطوسي.

(d)     تقييم طريقة الكشي في «اختيار الرجال»

كما تقدّم فإن هدف الكشي من كتابة هذا الكتاب هو ترجمة وإظهار خصوصيات الرواة وأصحاب الأئمة^ على شكل قالب روايات مسندة تنتهي إلى أحد الأئمة أو أحد أعلام الحديث والرجال.

وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب الموجود يفتقد إلى الخطبة الاستهلالية. كما لا يوجد أدنى إشارة إلى هدف تأليفه للكتاب. ولم يُطلعنا الشيخ الطوسي أيضاً، عند املائه لمختارات الكتاب، على كيفية عمله، ولا على معياره في انتقاء الروايات.

ولهذا فعلى المعهود عادةً يمكن معرفة أسلوب وطريقة الكشي من خلال مطالعة النسخة الموجودة من «اختيار معرفة الرجال»، وآراء العلماء اللاحقين.

يقول أبو العباس النجاشي، عند تعريفه لكتاب الكشي: «له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة»([22]). من خلال هذا التعريف لم يبين لنا النجاشي نوعية هذه الأغلاط، ولكن؛ بالقرينة التي صرَّح بها، من أن الكشي «روى عن الضعفاء كثيراً»؛ يمكن التخمين بأن هذه الأغلاط الموجودة في الكتاب هي أغلاط علمية، وليست ناشئة من اشتباه النسّاخ والكتّاب. وهذا المطلب له قرائن كثيرة، سنشير إليها في محلها.

وعلى فرض قبولنا بأن أغلاط الكتاب من عمل وتصحيف النسّاخ، وليس من المؤلف، فلابد أن نُرجع علة التحريف إلى عدم اعتناء معاصريه ومَنْ جاء بعدهم بالكتاب؛ وذلك أن الكشي وأستاذه العياشي؛ بسبب كثرة روايتهما عن الضعفاء ومجهولي الحال، تُركت وأُهملت كتبهما. ونتيجةً لإهمال هذا الكتاب تم تحريف وتغيير النسخ الأصلية الجيدة منه([23]).

وبرأي بعض المحقِّقين فإنه اعتماداً على الحقائق التاريخية لم يصحّ إلا حوالي ثلث روايات الكتاب البالغة 1150 رواية([24]). فعلى فرض صحة هذا الرأي فإن ثلثي روايات الكتاب تعد ضعيفة. وهذا الضعف في الروايات إما من حيث السند في قسم من الروايات،  وإما من حيث المتن في القسم الآخر منها.

فمن الناحية السندية: أوّلاً: إن الكثير من روايات الكتاب معلَّقة؛ لوجود الانقطاع السندي والإرسال فيها. ويظهر ذلك جليّاً بمقارنة روايات الكتاب مع بعضها([25]).

وثانياً: يوجد في سند هذه الروايات مَنْ طُعن فيهم ومَنْ هم مجهولو الحال. وهذا ما أوجد الضعف في كثير منها.

وأما من ناحية المتن فإن عدداً كبيراً من روايات الكتاب لم يسلم من التناقض، ومن المسلَّم أنها مخالفة لحقائق التاريخ. وكمثال على ذلك: يوجد في ترجمة العديد من الرواة مجموعتين من الروايات تتضمَّن المدح والذم معاً. فإن مجموعة من هذه الروايات تطعن في مثل: زرارة، وأبو بصير، ومحمد بن مسلم، ويونس بن عبد الرحمن و…؛ ومجموعة أخرى من الرويات تمدح مجموعة من الأشخاص، من أمثال: المفضل بن عمر، ومحمد بن سنان، وأبو الخطاب، و… وبطبيعة الحال فإن هذه الروايات لا تنسجم مع حقيقة هؤلاء الأفراد. وعلى هذه الشاكلة أورد الكتاب خمس روايات حول عبد الله بن سبأ وسليم بن قيس الهلالي، وهما من مجهولي الحال والهوية عند بعض المحقِّقين([26])، كما أن كتاب سليم بن قيس من الكتب الموضوعة([27]). فإذا اعتبرنا هذه الموارد من مصاديق قول النجاشي: «فيه أغلاط كثيرة» فحينها نصل إلى نتيجة أن هذه الأغلاط هي من نفس المؤلِّف. والشيخ الطوسي أيضاً، عند إملائه لمختارات الرجال، لم يكن في صدد تنقيح الكتاب من الأغلاط. وبالطبع يمكن القول، عند تحليل أخطاء الكتاب: إن نقل الحديث لا يدلّ أبداً على الاعتقاد الجزمي بمضمونه.

فالكشي وأستاذه، علاوة على نقلهم عن الضعفاء ومجهولي الحال كما قلنا، يمكن أن يكون بُعْدهم الكبير عن المراكز الأصلية للتشيع توجيهاً لجزء من أخطاء الكتاب.

ومن جهة أخرى فإن تسجيل الكشي لهذه الروايات يمكن عدّه سجلاًّ هامّاً لجزء من أعمال الغلاة وأصحاب المذاهب الفاسدة في تاريخ الحديث الشيعي. وبدراسة تاريخ الحديث الشيعي نصل إلى أن وضع الحديث، وتسقيط الشخصيات الصالحة، وإعطاء المنزلة والدرجة الرفيعة للرواة غير الموثَّقين؛ وذلك لإيجاد الاختلاف بين المحدثين والمراكز العلمية، كل هذا وذلك كان من أعمال الغلاة. وبدراسة كتاب الكشي بتفطُّن يمكن العثور على مستندات مهمة لأعمال الغلاة في هذا المجال([28]).

(e)      الجوانب الإيجابية في الكتاب

يتبين من خلال النظر في الكتاب أنه سُلك في تأليف رجاله طريقة وأسلوب الأقدمين، حيث وردت مطالب الكتاب مسندة، كما في تاريخ بغداد، وتاريخ أصبهان، وتاريخ جرجان، وتاريخ قم، وطبقات ابن سعد، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني.

ومن أهم مميزات هذه الطريقة والأسلوب في عرض كتاب الكشي هو تعريف القارئ على آراء مشايخ الكشي، وعلى آراء فئة من علماء القرنين الثاني والثالث الهجريين، في موضوع الرجال والحديث. فالكتاب بعرضه هذا يطلعنا على معلومات مهمة تتعلق بمدح وذم الأئمة لمجموعة كبيرة من الرواة. كما يعرض الكتاب مواقف الأئمة تجاه الحوادث التاريخية الواقعة في زمنهم. وبهذا يمكن القول: إن رجال الكشي ـ على رغم النقائص الموجودة فيه ـ يُعدّ مصدراً أساسياً في دراسة تاريخ الحديث، ومعرفة أنواع الفرق والمذاهب الشيعية. فالكتاب يحتوي على معلومات قيِّمة حول الغلاة والواقفية والفطحية والزيدية.

ومن اللازم القول: إن الكشي قليلاً ما كان يبرز آراءه الشخصية في تأليفه للكتاب. ولذلك استطاع أن ينقل لنا بأمانة آراء وأفكار مَنْ سبقه من العلماء، وأيضاً آراء أئمة الشيعة^.

مثلاً: لقد أخذ الكشي رواياته عن العياشي، والعياشي نقل أكثر هذه الروايات عن علي بن الحسن بن فضال، وهذا الأخير كان من أجلّ فقهاء ومحدِّثي ورجاليّي الشيعة في القرن الثالث الهجري، حيث قال العياشي في حقه: «ما رأيت في مَنْ لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل من علي بن الحسن بالكوفة، ولم يكن كتابٌ عن الأئمة^ من كل ما صنف إلا وقد كان عنده، وكان أحفظ الناس…»([29]). وقد قال النجاشي أيضاً في حقه، بعدما وثَّقه بتوثيق قوي: «إنه صنف كتباً كثيرة»، ثم ذكر أسماء الكتب، وأضاف: «قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق والنكاح والزهد والجنائز والمواعظ والوصايا والفرائض والمتعة والرجال على أحمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه، وقرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة، عن ابن الزبير، عن علي بن الحسن»([30]).

فمن خلال هذا العرض نتوصَّل ـ بشكل إجمالي ـ إلى أن كتب ابن فضّال كانت مقرَّرة ككتب دراسية إلى حدود القرن الخامس الهجري.

وإلى جانب آراء ابن فضال في الكتاب توجد آراء علماء آخرين، أمثال: الفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، ومحمد بن قولويه، وأحمد بن محمد بن عيسى. فبمطالعتها نتوصل إلى أن كل شهادة وآراء هؤلاء حول الرواة كانت شهادة عن حسٍّ وتحقيق، ولم تكن شهادة عن حدس ورواية.

وما نوّد قوله أخيراً: إن ما قام به الكشي بتأليفه للكتاب، وما قام به الشيخ الطوسي بنقل الكتاب إلى القرون اللاحقة، هو أداء للأمانة العملية التي كانت ملقاة على عاتقهما.

(f)       3ـ دراسة «رجال النجاشي»

(g)      أـ ولادة النجاشي، وفاته، ونشأته

هو أحمد بن أحمد بن العباس، المكنى بأبي الحسين، المعروف بالنجاشي أو ابن النجاشي. من علماء الرجال الشيعة، بل هو رأس رجاليّي الشيعة، على حسب نظر البعض([31]).

فمضافاً إلى معرفته بأحوال الرجال كان متبحِّراً في معرفة كتب ومصنَّفات الشيعة، وكان له اطلاع دقيق على طبقات الرواة ومؤلِّفي الكتب، والأنساب، والأمصار، وأعراق الناس وعائلاتهم. والذي يشهد على هذا آثاره ومؤلَّفاته، وبالأخص كتابه القيِّم «فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة».

وفي ما يخص موضوع ولادته ونشأته لابدّ من القول: إنه ولد سنة372هـ. وبعد جهد علمي دام 78 عاماً توفي سنة450هـ في مكان يدعي «مطيرآباد»([32]). وحسب بعض المحققين فإنه توفي سنة463هـ([33])، إلا أن أكثر العلماء ذهب إلى أن وفاته كانت سنة450هـ، وهو القول الصحيح في وفاته([34]).

وعلى طبق ما أورده النجاشي عند ترجمته لنفسه فإن نسبه يرجع إلى عدنان، الذي كان من أجداد رسول الله’([35]). لذا فأصله عربي قحّ، فأحد أجداده عبد الله بن النجاشي بن عثيم، وهو من الرواة عن أبي عبد الله الصادق×، وقد كان والياً على الأهواز بأمر من المنصور في زمن خلافته، وقد كتب إلى الإمام الصادق رسالة يسأله فيها عن مسؤوليته وعمله، فأجابه برسالة مكتوبة تعرف بالرسالة الأهوازية. وبرأي النجاشي فإنه لم يُرَ للإمام الصادق سوى هذا التصنيف([36]). وبالإجمال فإن شهرة أحمد بن علي بالنجاشي أُخذت من هذا الأصل.

أما في ما يخصّ أساتذته فلابد من القول: إنه أخذ العلوم الأولية عن أبيه علي بن أحمد، فقد كان أبوه من محدِّثي الكوفة([37]). ولإكمال تحصيله العلمي سافر إلى البصرة، فأدرك مجلس الرجالي الكبير أبو العباس بن نوح السيرفي، فحضر درسه كثيراً([38]). ولما سافر إلى بغداد بقي على اتصال معه مكاتبةً([39]). ولقد أوصى له ابن نوح السيرفي أيضاً بجميع تراثه العلمي([40]).

وفي بغداد أفنى النجاشي عمره العلمي. فقد وُفِّق للقاء عدد كبير من الأساتذة، كلُّ واحد منهم كان يعدّ نجماً ساطعاً في سماء العلم والمعرفة. ومن الذين صرَّح النجاشي بتتلمذه عليهم:

أـ أبو عبد الله محمد النعمان، أو الشيخ المفيد.

ب ـ أحمد بن محمد بن عمران، المعروف بابن الجندي.

ج ـ أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري.

د ـ علي بن شِِِيران أبُلى([41]).

ومضافاً إلى هذا بلغ عدد الرواة الذين نقل عنهم رواياته خمساً وعشرين شيخاً. وكذلك فقد نقل عن عدة من مشايخ الحديث لم يصرِّح بالسماع والقراءة عنهم، وإنما عبَّر بـ «قال فلان»، و«أخبرني في ما كتب»، و«أخبرني»([42]).

والذي نستنتجه أن أبا عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، في ما وصل إليّ، ومن بعده ابن نوح السيرفي، كان لهما الأثر الأبرز في تكوين النجاشي العلمي. فقد كان يقضي أياماً كثيرة بشكل متواصل مع ابن نوح السيرفي، في المذاكرة والمكاتبة العلمية. ويُعلم من كلام النجاشي في حق أستاذه أنه كان يعتني كثيراً بآرائه ويعتبرها ذات قيمة عالية([43]).

أما في ما يخص ابن الغضائري فلابد من القول أيضاً: إن الطوسي والنجاشي أثنيا عليه بأنه أستاذ في علم الحديث والرجال، وقد وُفِّقا معاً لسماع وقراءة كتبه وآثاره العلمية، كما أخذا عنه إجازة رواية الحديث([44]). وقد صرح ابن حجر العسقلاني في كتابه «لسان الميزان» أن «أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري من كبار مشايخ الشيعة، وكان من أعلمهم بحديث أهل البيت»([45]). ويضيف في نفس الموضع، نقلاً عن الشيخ الطوسي: «كان كثير السماع، وخدم العلم لله، وكان حكمه أنفذ من حكم الملوك»([46]).

فالذي نستنتجه من هذه الإيضاحات أن ابن الغضائري كان شخصية مقتدرة، وقد حظي برؤية الكثير من الأساتذة، وتوفَّر لديه الكثير من الكتب والأصول الروائية المتعدِّدة. فقد كان يتمتَّع بمقدرة عالية في معرفة متون الحديث، وتمييز النسخ الصحيحة من الموضوعة، بحيث مكَّنه هذا من خدمة العلم والمعرفة في هذا الجانب.

وبالإضافة إلى ابن الغضائري الكبير فقد كان للنجاشي صداقة وتعاون مع ابنه المعروف بأحمد بن الحسين([47]). فقد حضر معه ومع الشيخ الطوسي درس أبو عبد الله ابن الغضائري([48]). وما يعرف عن الغضائري وابنه قيامهما بجهود جبارة في مجال رجال الحديث ومعرفة الأصول ومصنفات الشيعة. وسيأتي في محله ذكر أن ما بقي من مصنفات ابن الغضائري شيء قليل.

و من الشخصيات الأخرى التي كان للنجاشي مذاكرات علمية معها يمكن أن نذكر علم الهدى الشريف المرتضى. فالظاهر أن النجاشي ألَّف كتابه «الفهرست» بناء على طلبه([49]). وقد تكفل النجاشي بغسله بعد وفاته([50]). ولهذا يمكن القول: إن أبا العباس النجاشي قد اجتمعت فيه الكثير من الخصائص والشروط، وهي:

1ـ كونه من سلالة عربية.

2ـ  كونه عارفاً بأنساب العرب بشكل لا نظير له.

3ـ كون أساتذته من مجتهدي فنّ الرجال. ‌ومن جملتهم: ابن نوح السيرفي، والحسين بن عبيد الله الغضائري…

4ـ لقد اختار فقط هذا التخصُّص، وأوقف كل عمره المبارك في هذا العلم([51]).

5ـ لقد توفَّر له عدد لا يُحصى من مصادر الرجاليين والمحقِّقين الذين سبقوه.

و بذلك استطاع أن يصبح من خيرة المتخصِّصين في علم الرجال، وأن يكتب كتاباً تلقّاه العلماء من بعده كأحسن سند رجاليّ([52]). إضافة إلى هذا فقد تمكن النجاشي؛ بفضل نبوغه الذاتي، من الوصول سريعاً إلى أعلى الدرجات والمراتب العلمية. فقد صرح بأنه التحق في زمن ابن الجندي (أحد أساتذته) بصفّ المشايخ([53]).

ويستنتج من وفاة ابن الجندي سنة‌396هـ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ولادة النجاشي كانت سنة372هـ، أن النجاشي كان من الأساتذة‌ المشهود لهم في الحديث والرجال قبل سنّ الرابعة والعشرين.

وبالتالي يظهر عدم وجود أي أساس لتخمين بعض الأكابر بأن النجاشي أقدم على خطوة تأليف كتاب الرجال بناءً على تأثُّره بالشيخ الطوسي في كتابته «للفهرست»([54]).

(h)     ب ـ التعريف برجال النجاشي، والغرض من تأليفه

كما تقدّم فإن الأصل والغرض من تأليف كتاب النجاشي، المعنون بعنوان «فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة»، هو التعريف بآثار وكتب ومصنفات الشيعة، بالإضافة إلى الرد على مَنْ يعتقد بأنه لا يوجد للشيعة آثار علمية. وبحكم أن الكتاب تعرض عند ترجمة مصنِّفي الكتب إلى إعطاء معلومات قيمة عن أحوال وأوضاع الرواة فقد تلقى العلماء الكتاب منذ بداية تأليفه على أنه كتاب رجالي، وإلا فإن الكتاب لم يؤلَّف في أول أمره ككتاب مختصّ في الرجال([55]). وهذا ما ذكره النجاشي في بيان الغرض من تأليف الكتاب بقوله: «أما بعد، فإنّي وقفت على ما ذكره السيد الشريف ـ أطال الله بقاءه وأدام توفيقه ـ من تعيير قوم من مخالفينا أنّه لا سلف لكم، ولا مصنَّف، وهذا قول مَنْ لا علم له بالناس، ولا وقف على أخبارهم، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحداً فيعرف منه، ولا حجّة علينا لمن لم يعلم ولا عرف.

وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته؛ لعدم أكثر الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذراً إلى مَنْ وقع إليه كتاب لم أذكره»([56]).

وبعد ذكر هذه المقدمة شرع النجاشي بتعريف ستة أشخاص من طبقة‌ أصحاب الإمام علي×، ثم انكبّ على ترجمة أصحاب الأصول والكتب الشيعة وآثارهم. فالمؤلِّف في هذا القسم عمد إلى التعريف بـ 1269 شخصية من مصنِّفي الشيعة الذين عاشوا ما بين القرنين الثاني والخامس الهجريّين، حيث يوجد بينهم عدد كبير من أصحاب ورواة الأئمة^. وكذلك تم تعريف عدد من المصنفين والرواة الشيعة من خلال الترجمة لرواة آخرين([57]). فالكتاب مختصٌّ فقط بالتعريف بكتب الشيعة وآثارهم. ولقد رُتِّبت أسامي الكتاب على حسب حروف الهجاء، وبحكم اشتمال الكتاب على معلومات قيِّمة في مجال علم الرجال فقد أصبح معروفاً لدى أهل العلم بـ «رجال النجاشي».

(i)        ج ـ تقييم طريقة النجاشي في «الرجال»

يتبيَّن من خلال دراسة كتاب النجاشي أن هذا العالم قد تميَّز بإتقان وتحقيق كاملين عند بيان آرائه الرجالية، حيث تمكّن من رعاية الضوابط والأصول العلمية في تأليف هذاالكتاب. ودليل هذا الأمر هو اختلاف عباراته في ترجمة الشخصيات المختلفة، وتنوع أسلوب تعبيره في مواطن متعددة من الكتاب، فالنجاشي ـ خلافاً للشيخ الطوسي ـ لم يكن صاحب مؤلَّفات كثيرة، وهذا ما بيَّنه من خلال التعريف بشخصيته، فلم يكن له إلاّ مؤلَّفات محدودة، أهمها: «فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة»، أو «الرجال»([58]). ولهذا السبب يجب القول: إن هذا الكتاب ـ على الرغم من صغر حجمه ـ هو ثمرة عمر من التحقيق والمثابرة العلمية لهذا العالم. وكما تقدم فإن النجاشي اتَّبع في تأليف هذا الكتاب طريقة أستاذه الكبير ابن الغضائري. وبالإضافة إلى هذا فقد كان ملازماً لابنه أحمد بن الحسين. فكلٌّ من الأب وابنه كانا من الرجاليين والخبراء بمعرفة النسخ الشيعية، وخاصة أحمد بن الحسين، فقد كان صاحب فكر ونظر وتأليف في مجال التعريف بالأصول الروائية ومصنَّفات الشيعة([59]). فلقد استفاد النجاشي في حوالي عشرين مورداً من آراء وآثار أحمد بن الحسين. وفي كل مورد من هذه الموارد اكتفى بتعبير: «قال أحمد بن الحسين&»، أو «ذكر أحمد بن الحسين&». والسبب في ذلك هو عدم سماعه وقراءته عنه لهذه الأراء، وتعد طريقة وكيفية الأخذ هذه قرينة واضحة على دقة النجاشي وأمانته العلمية في النقل([60]). وبمطالعة الكتاب يظهر أن هذا العالم لم يكن فقط ناقلاً لآراء السابقين، ومقلِّداً لهم، فمع احترامه الشديد لمشايخه كان في كثير من الموارد يبادر إلى النقد العلمي لآراء مشايخه وآراء العلماء الذين سبقوه، معتمداً في ذلك على أدلّة استقاها من كثرة تتبُّعه وتحقيقه، ومن اتصاله المباشر بالكُتّاب أو المصادر التي كانت موجودة في عصره. فمثلاً: عند ترجمته لعلي بن محمد بن شيره القاساني، المكنّى بأبي الحسن، يقول: «كان فقيهاً، مكثراً من الحديث، فاضلاً، غمز عليه أحمد بن محمد بن عيسى، وذكر أنه سمع منه مذاهب منكرة. وليس في كتبه ما يدلّ على ذلك»([61]).

وعلى خلاف هذا المورد ففي ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ـ بعد تضعيفه الشديد ـ من حيث المذهب والرواية ـ يقول: «ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همّام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراريّ*»([62]).

(j)        د ـ منهج النجاشي

كان منهج النجاشي في تأليف هذا الكتاب على الشكل التالي:

عند تعريفه لكتاب معين كان ينظر إلى نسخه، فإن وجدها متعدِّدة تفحَّصها جميعاً، وذكر اختلاف هذه النسخ، وبيَّن السالم منها والمخدوش فيها، وكذلك ضعفها وقوتها سنداً، وطرق كل نسخة. وعلى نفس الشاكلة عند ترجمته لراوٍ أو صاحب كتاب يتطرق إلى جوانب التوثيق أو التضعيف، وكيفية أخذه للحديث وتحمُّله، وعصر وطبقة الراوي، وهل أن مذهبه صحيح أو ممَّن ينتحل المذاهب الفاسدة، ويذكر ارتباطه بالفرق المنحرفة ومعيار ذلك، ومشايخه وتلامذته، وسنة ولادته ووفاته، وموطنه، ومكان ولادته ووفاته. فقد كان يتعرض إلى الحد الأقصى من المعلومات التي حصل عليها عن صاحب الترجمة، فيذكر أن فلاناً روى فقط عدداً من الأحاديث، أو روى فقط بواسطة فلان. كما يذكر أن الشخص لم يَلْقَ الإمام، ولم يروِ عنه. فهذا كلّه يظهر مدى دقّة عمل هذا العالم. واذا كان الراوي مبتلىً بضعف الذاكرة والحفظ أو فقدان حسٍّ من الحواس، مثل: العمى، أو اختلال أحد الحواسّ، أو الشيخوخة، أو كان له مشكلة، فإن النجاشي يذكره؛ لأن أموراً من هذا القبيل قد توجد مشكلة من حيث الضبط الدقيق للفرد، وقد تشكِّل عائقاً للحفاظ بشكل سليم على النسخ الحديثية. ولقد أورد النجاشي معلومات مهمة عند التعريف بالشخصيات؛ لأنه كان عربياً وعالماً بأنساب العرب. فالكتاب من هذه الجهة يتضمن فوائد جمّة. ومن كتبه في هذا المجال أيضاً كتاب «أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم»([63]).

(k)      هـ ـ نماذج من رجال النجاشي

ولتأييد ما ذكرناه حول أسلوب وطريقة النجاشي توجد العشرات من الشواهد والقرائن، والتي تشهد كلّها على دقة نظر هذا العالم، وعلى رعايته للموازين العلمية. وعلى سبيل المثال نكتفي بذكر بعض الموارد:

أـ ذكر النجاشي في ترجمة معاوية بن بريد أن «بريد بن معاوية أبو القاسم العجلي عربي، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر‘، ومات في حياة أبي عبد الله×. وجه من وجوه أصحابنا، وفقيه أيضاً. له محلٌّ عند الأئمة. قال أحمد بن الحسين: إنه رأى له كتاباً يرويه عنه علي بن عقبة بن خالد الأسدي. ورأيت بخط أبي العباس أحمد بن نوح: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الأنصاري ـ يعني ابن أبي رافع ـ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: قال لنا علي بن الحسن بن فضال: مات بريد بن معاوية سنة مائة وخمسين»([64]).

ب ـ ذكر في ترجمة إسحاق بن الحسن، برقم 178: «إسحاق بن الحسن بن بكران أبو الحسين العقرائي التمار. كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني عنه، وكان في هذا الوقت علواً، فلم أسمع منه شيئاً. له كتاب الردّ على الغلاة، وكتاب نفي السهو عن النبي’، وكتاب عدد الأئمة».

ج ـ قال النجاشي، بعد ذكر نسب أحمد محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري: «كان سمع الحديث وأكثر، واضطرب في آخر عمره. وكان جده وأبوه من وجوه أهل بغداد أيام آل حماد والقاضي أبي عمير». وبعد ذكر كتبه أضاف: «رأيت هذا الشيخ، وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعِّفونه، فلم أروِ عنه شيئاً، وتجنبته. وكان من أهل العلم والأدب القوي وطيب الشعر وحسن الخط. رحمه الله وسامحه. ومات سنة إحدى وأربعمائة»([65]).

د ـ كتب في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي، المكنى بأبي عبد الله أو أبي محمد: «عربي قديم، نسبه: ابن الحارث بن عبد يغوث بن كعب بن الحارث بن معاوية بن وائل بن مرار بن جعفي. لقي أبا جعفر وأبا عبد الله‘. ومات في أيامه سنة ثمان وعشرين ومائة. روى عنه جماعة غمز فيهم وضُعِّفوا، منهم: عمرو بن شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب. وكان في نفسه مختلطاً. وكان شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان& ينشدنا أشعاراً كثيرة في معناه تدل على الاختلاط ليس هذا موضعاً لذكرها، وقلّما يورد عنه شي‏ء في الحلال والحرام»([66]).

ثم يذكر كتبه التي كان أكثرها في التفسير والفضائل والنوادر وبعض المسائل التاريخية التي رواها ضعفاء. وبعد الفراغ من ذكرها قال: «وتضاف إليها رسالة أبي جعفر إلى أهل البصرة، وغيرها من الأحاديث والكتب. وذلك موضوع، والله أعلم»([67]).

هـ ـ ذكر في ترجمة عقيل البجلي أنه «كوفي ثقة قليل الحديث»([68]). «يقول القميون: إن له كتاباً. وعندي أن الكتاب لمحمد بن قيس. أخبرنا أبو الحسن بن الجندي قال: حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا علي بن الحسين الهمداني قال: حدثنا محمد بن خالد البرقي، عن يوسف»([69]).

و ـ ذكر في ترجمة مشمعل بن سعد الأسدي الناشري أنه «ثقة من أصحابنا، لم يرو عنه إلا عبيس بن هشام. روى عن أبي عبد الله×. وروى عن أبي بصير. له كتاب الديات، يشترك فيه وأخوه الحكم. أخبرنا محمد بن جعفر المؤدب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا عباس بن محمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن الحسن الميثمي قال: حدثنا عبيس، عن الحكم ومشمعل»([70]).

(l)        و ـ التعرف على أساليب وطرائق المحدِّثين من خلال رواية النجاشي

هناك نقطة لابد من التنبُّه لها في دراسة رجال النجاشي، وهي معرفة طرق وأساليب المحدِّثين الشيعة عبر مطالعة ودراسة هذا الكتاب. فمن لازم القول: إن هذا الكتاب مترجم حسن ومقرِّر أمين لجهود المحقِّقين الشيعة في المجال العلمي والديني. فالإنسان بمطالعة هذا الكتاب يتعرف على الجهود العلمية الجبارة المبذولة فيما بين القرنين الثاني والخامس الهجريين، والتي حفظت لنا التراث العلمي الشيعي بشكل دقيق. فقد ساهمت هذه الجهود في إيجاد آلاف من الآثار العلمية التي كان لها الأثر الفعّال في ترشيد مسيرة العلم، وخاصة في مجال الحديث، حيث تركت لنا آثاراً عظيمة. وفي الحقيقة فإن كتاب النجاشي يُعدّ موسوعة كاملة تمكِّن القارئ من الحصول على معلومات واضحة وقيِّمة حول المجالات الدينية المختلفة، من مراتب الحديث الشيعي، وعلاقة المجالات ببعضها، والرواة والأصحاب المتميزين للأئمة الشيعة، وطريقة الاتصال بالأئمة، والرواية عنهم، والآثار والمصنفات الحديثية الشيعية، ودقّة وجهود العلماء في ضبط الحديث، ومعرفة الغلاة وإبعادهم وإقصائهم عن المراكز الحديثية، والتعرف على النسخ السليمة من النسخ الموضوعة والمحرفة، وأصول وضوابط الجرح والتعديل، و…. وبلا شكّ لا مفرّ للمحقِّق في مجال تاريخ حديث الشيعة، والمهتمّ بدراسته وتطوره وصيرورته، من مراجعة وتدبُّر كتاب النجاشي. ولتأييد ما قلناه يمكننا إقامة العديد من القرائن، والتي سنشير إليها في المباحث اللاحقة عند التعرُّض لموارد منها.

(m)   4 ـ دراسة «الفهرست» للشيخ الطوسي

يعتبر كتاب «الفهرست» للشيخ الطوسي ثالث أثر رجالي شيعي في مرحلة المتقدِّمين. ويظهر بشكل واضح من خلال عنوان الكتاب أنه كتب من أجل بيان أسامي الكتب والمؤلَّفات الشيعية. وعلى الرغم من أن موضوع الكتاب هو التعريف بالكتب فإن فيه فوائد رجالية جمة ومتنوعة. ولذلك فقد استحق من قبل العلماء عنوان أحد الكتب الرجالية الأربعة الأصلية.

والجدير بالذكر أن ثلاثة من هذه الكتب الرجالية الأربعة الأصلية هي ثمرة عمل ومساعي الشيخ الطوسي؛ فاثنين منها من تأليفه؛ والثالث ـ كما سبقت الإشارة إليه، وهو المعروف بـ «اختيار معرفة الرجال»، هو من إملائه على تلامذته.

وفي ما يتعلق بالغرض من تأليف الكتاب فمثله مثل كتاب النجاشي. فقد كان القصد منه التعريف بكتب ومصنَّفات الشيعة، ويعلم هذا من خلال مقدمته، حيث تحتوي على نكات مهمة في بيان الغرض والهدف من كتابة الكتاب. فسنبدأ أولاً بذكر هذه المقدمة، ثم نشرع في تقييمها لاحقاً.

قال الشيخ الطوسي، بعد حمد الله والصلاة على رسوله وآل بيته: «فإني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنَّفوه من التصانيف ورووه من الأصول، ولم أجد منهم أحداً استوفى ذلك، ولا ذكر أكثره، بل كلٌّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب، ولم يتعرض أحد منهم لاستيفاء جميعه، إلا ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله&، فإنه عمل كتابين: أحدهما: ذكر فيه المصنَّفات؛ والآخر: ذكر فيه الأصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحدٌ من أصحابنا، واخترم هو&، وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب، على ما يحكي بعضهم عنهم.

و لما تكرر من الشيخ الفاضل أدام الله تأييده الرغبة في ما يجري هذا المجرى، وتوالى منه الحث على ذلك، ورأيته حريصاً عليه، عمدت إلى عمل كتاب يشتمل على ذكر المصنَّفات والأصول. ولم أفرد أحدهما عن الآخر؛ لئلا يطول الكتاب؛ لأن في المصنِّفين مَنْ له أصل، فيحتاج إلى أن يُعاد ذكره في كلّ واحد من الكتابين، فيطول. ورتبت هذا الكتاب على حروف المعجم، التي أولها الهمزة وآخرها الياء؛ ليقرب على الطالب الظفر بما يلتمسه، ويسهل على من يريد حفظه أيضاً. ولست أقصد ترتيبهم على أزمنتهم وأوقاتهم، بل ربما يتَّفق ذكر مَنْ تقدم زمانه بعد ذكر مَنْ تأخَّر وقته وأوانه؛ لأن البغية غير ذلك. وإذا ذكرت كل واحد من المصنِّفين وأصحاب الأصول فلا بد من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أو لا وأبيِّن عن اعتقاده، وهل هو موافقٌ للحق أم هو مخالف له؛ لأن كثيراً من مصنِّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كتبهم معتمدة. فإذا سهل الله إتمام هذا الكتاب فإنه يطلع على ذكر أكثر ما عمل من التصانيف والأصول، ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم. ولم أضمن أن أستوفي ذلك إلى آخره؛ فإن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط؛ لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض، غير أن عليّ الجهد في ذلك والاستقصاء في ما أقدر عليه ويبلغه وسعي ووجودي، وألتمس بذلك القربة من الله تعالى، وجزيل ثوابه، ووجوب حق الشيخ الفاضل أدام الله تأييده. وأرجو أن يقع ذلك موافقاً لما طلبه إن شاء الله تعالى»([71]).

(n)     مقدمة «الفهرست»، تقييم وتحليل

أخبر الشيخ الطوسي أن كتابة «الفهرست» كانت شيئاً معهوداً عند علماء الشيعة. وهذا الأمر صحيح. ولابد أن نضيف بأن كتابة الفهارس كانت أمراً متداولاً بين علماء المسلمين منذ القرن الثالث فما بعد. وقد كان العلماء يقومون بهذا الأمر من أجل ضبط أسامي الكتب الموجودة في خزاناتهم، أو أسامي الكتب التي كانوا يستفيدون منها، وعند اللزوم كانوا يرجعون إليها([72]).

ويُفهم من بعض العبارات أن هذا الفعل كان أكبر من جهد شخصيّ يقوم به الفرد لنفسه، حيث كان هذا الأمر قابلاً للاستفادة منه حتى بالنسبة للآخرين. فقد ذكر النجاشي عند ترجمته لإبراهيم بن سليمان بن واحد أن «له كتب ذكرها بعض أصحابنا في الفهرستات، لم أرَ منها شيئاً»([73]). وبالإجمال هناك من عمد إلى كتابة الفهارس للتعريف بكتب الشيعة قبل الشيخ الطوسي والنجاشي. وعلى حسب شهادتهما فإنهما استفادا من هذه الكتب، ومن الذين كتبوا في هذا المورد يمكن أن نذكر: أحمد بن عبد الواحد البزاز، المعروف بابن عبدون؛ ومحمد بن جعفر المؤدب، المعروف بابن بطة؛ وجعفر بن محمد بن قولويه؛ ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد؛ والشيخ المفيد؛ والشيخ الصدوق؛ وسعد بن عبد الله الأشعري؛ وعبد الله بن جعفر الحميري؛ والسيد المرتضى علم الهدى؛ وأبو الحسين محمد بن علي بن المفضل؛ والحسين بن الحصين العمي؛ وأبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني؛ وأبو محمد هارون بن موسى، المعروف بالتلعكبري؛ وأبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب؛ ومحمد بن إسحاق (ابن النديم)؛ وأبو محمد الحسن بن محمد بن سماعة؛ وابن الجنيد؛ ومحمد بن أحمد علي الإسكاف؛ وأبو القاسم حميد بن زياد الدهقان؛ وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم العلوي؛ وأبو الفرج محمد بن موسى بن علي بن عبد ربه القزويني؛ وأبو الحسن علي بن محمد ماجيلويه؛ وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري؛ وأبو الحسن علي بن حاتم القزويني؛ وأبو العباس محمد بن جعفر الرزاز؛ وأبو جعفر محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار، وأخيراً أبو الحسين أحمد بن عبيد الله الغضائري، المعاصر للنجاشي والطوسي. فوجود هذه الفهارس يُظهر بشكل واضح كثرة مؤلَّفات الشيعة، واهتمام هؤلاء العلماء بتدوين العلوم، وخاصة الفقه والحديث والكلام والتفسير.

صرَّح الشيخ الطوسي أن ابن الغضائري هو أول من خطر في ذهنه تأليف كتاب جامع في أسامي الكتب، حيث ألَّف كتابين في هذا المجال. ويذكر الشيخ الطوسي أن ابن الغضائري توفي فجأة، وقام بعض ورثته بإتلاف كتابَيْه قبل استنساخهما، ولم يوضح لنا الشيخ الطوسي، ولا الشيخ النجاشي، علّة وفاته وإتلاف كتبه. إلا أنه توجد مسألة لا يمكن أن نشكّ فيها، وهي أن ابن الغضائري وأباه عبيد الله كانا يعدّان من نقّاد فنّ الحديث، وقد عُرف عنهما عدم التواني عن التعريف بالغلاة والضعفاء ومجهولي الحال، بحيث لم يكن لهم أي تواطؤ أو مصلحة في إسقاط الروايات الضعيفة وبيان النسخ المخدوش فيها والساقطة من الاعتبار، حيث يُعتبر كتاب الضعفاء أحد كتبه. ويرى الشيخ آغا بزرگ الطهراني أنه على فرض انتساب كتاب الضعفاء إلى ابن الغضائري فإنه قلّما يسلم أحد من طعنه([74]). فمع هذا الوصف الذي ذكره ليس ببعيد أن تكون وفاة ابن الغضائري وإتلاف كتبه مرتبطين بخطّه الفكري وأسلوبه وطريقته في الجرح والتعديل. وتجدر الإشارة إلى أنه اعتماداً على بعض القرائن فإن إحدى النسخ المسوَّدة كانت موجودة عند النجاشي، وباعتبار أن هذه المسوَّدة تفتقد للقراءة والسماع فإن النجاشي نقل عنها بتعابير «قال أحمد بن الحسين»، أو «ذكر أحمد بن الحسين». وعلى رأي بعض المحققين فإن هذه النسخة عثر عليها العلامة الحلي وجادةً في القرن السابع الهجري، وقد استفاد منها أيضاً في بعض الموارد، بعد إحرازه صحة نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري([75]).

كتب الشيخ الطوسي كتابه الفهرست بطلب وحثٍّ من شخص يدعى بـ «الشيخ الفاضل». وقد كتب أيضاً كتباً أخرى بطلب من نفس هذا الشخص، ومن جملتها: «تهذيب الأحكام»، و«الرجال»، و«الغيبة»، و«العدة في أصول الفقه»، و«الجمل والعقود»، و«الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد»، و….

إلا أنه لم يُظهر في أيّ موضع من المواضع مراده من «الشيخ الفاضل». وهذه من مبهمات حياة الشيخ الطوسي العلمية. وحتى الآن لم يتمّ حل هذا الإبهام بشكل دقيق، ولا يوجد قول فصل في الموضوع، سوى ما احتمله بعض الأكابر([76])، من أن المراد منه الشيخ المفيد، أو عبد العزيز بن البرّاج. ولكن لا توجد قرائن كافية لتأييد هذا الاحتمال. وما يسعنا قوله هو أن «الشيخ الفاضل» كان له نفوذ كبير على الشيخ الطوسي([77]). وقد وقع الشيخ الطوسي على اختيار هذا الشخص للإشراف على مهمة ردّ وقبول الأخبار، وجرح وتعديل الرواة، وحماية الحوزة العلمية وتدبير أمرها، وحفظ تراث المذهب بشكل عام. ولهذا السبب احتملت فئة من المحقِّقين أن يكون هذا الشخص من الشخصيات السياسية والمذهبية، ومن عائلة بني نوبخت، بحيث استطاع الطوسي بدعم وسند هذا الشخص من كتابة ونشر مؤلَّفاته([78]).

تعرض الشيخ الطوسي في كتابه «الفهرست» إلى ترجمة تسعمائة شخصية من أصحاب المصنَّفات والأصول، حيث تمّ تعريف أزيد من ألفي أثر شيعي([79]). وبالنظر إلى العمل الذي قام به فقد قدَّم خدمة كبرى لمذهب التشيع، حيث تمّ تعريف عدد كبير من المصنَّفات في تخصُّصات مختلفة، ولكن بالنظر إلى الجنبة الرجالية فإن كتبه ليست غنية كما هي كتب النجاشي.

ومع الالتفات إلى أن هذين العالمين قد توفر لهما نفس المصادر فالمطمأنّ به أن الشيخ الطوسي لم يذكر كل المعلومات الرجالية عند ترجمته للرواة والمؤلِّفين. غير أن هذا الأمر في نفسه لايوجِد أية مشكلة ما دام الغرض من التأليف هو التعريف بالتراث الشيعي. ولكن مع التنبه إلى كلام الشيخ الطوسي في مقدمة الكتاب، حيث تعهَّد بذكر جرح وتعديل الرواة وذكر أصحاب المذاهب الفاسدة، فإنّ عدم التعرض لهذه المسائل في تعريف الرواة يطرح أسئله مثيرة. ولم يبقَ في هذه الأسئلة لبس عند الكثير من المحقِّقين. فقد ذكر العلامة التستري في «قاموس الرجال»، بعد ذكر تعهد الشيخ الطوسي في مقدمة «الفهرست»، «أن الشيخ الطوسي لم يفِ بذلك، وسكت في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة، فلم يقُلْ في مورد إبراهيم بن بكير بن أبي السمال شيئاً، مع أنه كان واقفياً، كما صرح النجاشي والكشي بمذهبه»([80]). ثم يضيف: «والنجاشي، الذي لم يعِدْ بذلك في أول كتابه، أكثر منه ذكراً لفساد مذاهب الفاسدين وضعف الضعفاء…» ([81]).

يوجد هناك مطلب آخر يرجع إلى مقدار دقة الشيخ الطوسي في بيان آرائه حول الجرح والتعديل. ففي هذا المورد يجب ذكر ما جاء في مقالة «الكتب الأصلية في علم الرجال»، حيث ذكرت أنه «لا يمكن اعتبار صحة جميع ما قاله الشيخ الطوسي في مجال الرجال، كما لا يمكن غضّ الطرف عن بعض الأخطاء الموجودة في الكتاب. على أنه يجب الإذعان إلى أن هذه الأخطاء اذا ما قارنّاها بآرائه الدقيقة والصحيحة فهي نادرة ولا تساوي شيئاً. فلقد أشار المحقق الرجالي الشيخ محمد تقي الشوشتري (التستري) في كتابه الجامع «قاموس الرجال» إلى موارد أخطائه في كتابَيْه «الفهرست» و«الرجال». وكمثال على ذلك: يمكن ذكر ما جاء في الفصل العشرين من مقدمات الكتاب، عند ترجمته لأبي غالب الزراري([82]).

ويجب الالتفات إلى أن ما ذُُكر سالفاً ليس معناه أن الشيخ الطوسي كان يتجنَّب نقد الرواة والمؤلِّفين الشيعة، فلقد أشار الشيخ في موارد معينة إلى تضعيف وعدم توثيق المؤلِّفين وأصحاب المصنَّفات. ولكن بالنظر إلى مجموع الكتاب فإن مواطن التوثيق أكثر من مواطن التضعيف، حيث إن الشيخ الطوسي والنجاشي يصرِّحان معاً بوثاقة الكشي والعياشي عند التعرض لترجمتهما([83])، إلا أن النجاشي أضاف أنهما كانا ينقلان عن الضعفاء، ولم يذكر ذلك الشيخ الطوسي في «الفهرست». ولذلك فإن معلومات النجاشي أكمل وأفضل تعبيراً عن الواقع. ولعل غرض الشيخ من كتابة «الفهرست» و«الرجال» ـ كما سيأتي لاحقاً، عند ذكر الشخصيات الشيعية ومصنَّفاتها ـ هو التقليل من موارد الإشكال على المصنِّفين ما أمكن ذلك.

(o)     5ـ دراسة «رجال» الشيخ الطوسي

كتاب «الرجال» هو المؤلَّف الثاني للشيخ الطوسي، وهو يعرف أيضاً بكتاب الأبواب. ووجه هذه التسمية هو أن الشيخ الطوسي أورد في هذا الكتاب ثمانية آلاف وتسعمائة راوٍ من رواة الأخبار، مرتبة طبقة طبقة على حسب المراحل التاريخية، من زمن الرسول’ إلى عصر كل واحد من الأئمة. فللكتاب أربعة عشر باباً، ثلاثة عشر منها مختصة بذكر رواة وأصحاب الرسول’ والأئمة^، والباب الرابع عشر معنون بعنوان «في مَنْ لم يروِ عن الأئمة»، وحسب الظاهر فهو مختصّ بالذين عاشوا بعد عصر الأئمة، أو الذين عاشوا في زمان الأئمة ولكنْ لم يوفَّقوا لصحبتهم والرواية عنهم. وهذا الكتاب أيضاً أُلِّف بطلب من «الشيخ الفاضل»، فقد قال الشيخ الطوسي في مقدمة الكتاب: «فإني قد أجبت إلى ما تكرر سؤال الشيخ الفاضل فيه من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن رسول الله’ وعن الأئمة^ من بعده إلى زمن القائم×، ثم أذكر بعد ذلك من تأخَّر زمانه عن الأئمة^ من رواة الحديث، أو مَنْ عاصرهم ولم يروِ عنهم. وأرتِّب ذلك على حروف المعجم التي أولّها الهمزة وآخرها الياء؛ ليقرب على ملتمسه طلبه، ويسهل عليه حفظه، وأستوفي ذلك على مبلغ جهدي وطاقتي وعلى قدر ما يتسع لي زماني وفراغي وتصفحي. ولا أضمن أني أستوفي ذلك عن آخره؛ فإن رواة الحديث لا ينضبطون، ولا يمكن حصرهم؛ لكثرتهم وانتشارهم في البلدان شرقاً وغرباً، غير أني أرجو أنه لا يشذّ منهم إلا النادر، وليس على الإنسان إلا ما تسعه قدرته وتناله طاقته»([84]). ثم يضيف: «ولم أجد لأصحابنا كتاباً جامعاً في هذا المعنى، إلا مختصرات قد ذكر كل إنسان طرفاً منها، إلا ما ذكره ابن عقدة من رجال الصادق×، فإنه قد بلغ الغاية في ذلك، ولم يذكر رجال باقي الأئمة^. وأنا أذكر ما ذكره، وأورد من بعد ذلك مَنْ لم يورده (يذكره)، ومن الله أستمد المعونة لكل ما يقرب من طاعته، ويبعد من معصيته، إنه وليّ ذلك، والقادر عليه، وأول ما أبتدئ من الرجال الذين رووا عن النبيّ’، ثم من بعد ذلك رجال الأئمة^ على سياقهم، إنْ شاء الله تعالى»([85]).

 هذا ما ذكره الشيخ الطوسي في مقدمة كتاب «الرجال»، والتي تتضمن توضيحات لهدف وطريقة تأليف الكتاب. ولا ضير في أن نضيف في موضع تقييم الكتاب أن الشيخ الطوسي من جهة ترتيبه لطبقات الرواة على حسب عصر وزمان الأئمة^ قد قام بعمل يستوجب التوقُّف عنده والالتفات إليه، حيث إن فهم ومعرفة عصر وطبقة الراوي من المسائل المهمة في علم الرجال([86]). وبالإضافة إلى ذلك فقد تعهد الشيخ الطوسي قدر الإمكان ببيان وتوضيح مكان وموطن وسكن الراوي. إلا أنه إذا نظرنا إليه من الناحية الرجالية فإن المرء يحتاج فيه إلى مسائل أكثر من هذا. ولذلك يجب القول: إن كتاب الشيخ الطوسي لا يستوفي جميع الجهات، بل إن المتوصل إليه هو أن الكتاب له حكم كتاب فهرست رجالي، وليس كتاباً رجالياً، وحسب قول العلامة التستري في «قاموس الرجال»: «فإنه أراد استقصاء أصحابهم^ ومَنْ روى عنهم، مؤمناً كان أو منافقاً، إمامياً أو عامياً، فعدّ أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم في أصحاب النبي’، وعد زياد ابن أبيه وابنه عبيدالله بن زياد في أصحاب أمير المؤمنين×، وعدّ المنصور الدوانيقي في أصحاب الصادق× بدون ذكر شيء. فالاستناد إليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز»([87]). أما من حيث الجرح والتعديل فمن اللازم القول: إن الشيخ الطوسي لم يكن مهتمّاً بالتوثيق والتضعيف في هذا الكتاب، بل كان غرضه تمييز طبقات الأصحاب والرواة، وتحديد طبقة الراوي عن أيّ إمام يروي. ولذلك نرى أنه يأتي على ذكر الكثير من الثقات، لكنّه لا يوثِّقهم. إلا أن هذه المسألة ليست كلّية، فقد يأتي على ذكر التوثيق بشكل استطرادي في بعض الموارد المحدودة([88]). وقد كان يذكر إذا اقتضى الحال أصحاب المذاهب الفاسدة، مثل: الواقفية، والفطحية…. وبالتالي فإن الشيخ الطوسي لم يكن له أسلوبٌ واحدٌ متَّبعٌ في تضعيف الرواة مجهولي الحال؛ لأن غرضه الإجمالي هو عدم التضعيف الشديد. فقد كان يذكر أحياناً الشخص في مواطن متعدِّدة في الكتاب، ولكن لايضعِّفه إلا في موطن واحد،. كما هو شأن أبان بن عياش، الذي لم يطعن فيه عند ذكره في الصفحة 83 و152، حيث اكتفى بتضعيفة في الصفحة 106 فقط، بقوله: «أبان بن عياش فيروز، تابعي ضعيف». ومثل هذا موجود في موارد أخرى من الكتاب، حيث ذُكرت نماذج منها في كتاب «معرفة‌ الحديث». فصاحب هذا الكتاب يرى أن الشيخ الطوسي «كان يكرر بعض الرجال مرتين أو ثلاث مرات، يعدّه في طبقة بعد طبقة، ولكن لا يطعن على مَنْ كان مطعوناً إلاّ مرة واحدة؛ لئلا يتراءى في أعين الناظرين»([89]).

والمتوصل إليه من عمل الشيخ الطوسي هذا هو إكمال نفس ما استحسنه في كتاب «الفهرست». وبالتالي فالشيخ الطوسي في «رجاله» لم يضعِّف إلا أشخاصاً معدودين لا يتجاوزون ثلاثين راوياً، فلم يُشِرْ في موارد متعدّدة من كتاب «الرجال» إلى ضعف الرواة؛ لأنه أتى على ذكر حال هؤلاء الرواة من ضعف وغلوّ في كتاب «الفهرست». ومن جملة هؤلاء يمكن أن نذكر أحمد بن محمد السياري، ووهب بن وهب أبو البختري، ومحمد بن علي القرشي، المكنّى بأبي سمينة، وسهل بن زياد الآدمي، وسالم بن مكرم أبوخديجة([90]).

ولهذا السبب يستحسن لمعرفة ضعف الرواة بحسب رأي الشيخ الطوسي قراءة الكتابين معاً: كتاب «الفهرست»؛ و«الرجال».

(p)     توضيح حول الباب الرابع عشر «في مَنْ لم يروِ عن الأئمة»

تقدّم بأن الشيخ الطوسي قد قسَّم كتابه إلى أربعة عشر باباً، وعنون الباب الرابع عشر بعنوان «في مَنْ لم يروِ عن الأئمة^». فقد ذكر الشيخ الطوسي في بيان الغرض من تأليف الكتاب أنه سيدرج في هذا الباب الرابع عشر أسماء الذين عاشوا بعد عصر الأئمة، وأسماء الذين عاصروا الأئمة ولم يرووا عنهم([91]). ولكن مع مطالعة الكتاب يقف القارئ في هذا الباب على أسامي رواة صرَّح علماء الرجال بسماعهم من الأئمة. ومن جملة هؤلاء العلماء نفس الشيخ الطوسي. فعلاوة على إدراج الشيخ الطوسي لأسماء بعض الرواة في الباب الرابع عشر أدرج أسماءهم أيضاً في أبواب أخرى من الكتاب؛ باعتبارهم من أصحاب الأئمة^. وعلى سبيل المثال: عدّ الشيخ الطوسي ثابت بن شريح مرّة‌‌ً من أصحاب الإمام الصادق×، وعدّه مرّة أخرى ممَّنْ لم يروِ عن الأئمة^. وعلى نفس المنوال عدّ كليب بن معاوية الأسدي مرةً من أصحاب الإمام الباقر× وعدّه مرة أخرى من أصحاب الإمام الصادق×، وذكره مرة ثالثة في الباب الرابع عشر. كما توجد بالإضافة إلى هذا نماذج أخرى، وهم عبارة عن: محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، والقاسم بن محمد الجواهري، وبكر بن محمد الأزدي، و…، حيث ذكر شيخ الطائفة كلّ واحد من هؤلاء الأفراد في أكثر من موضع من كتاب الرجال، ومن جملتها الباب الرابع عشر.

ذكر السيد محمد صادق آل بحر العلوم في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي أن «في ذلك من التنافي ما لا يخفى حسب الظاهر. وقد أشكل على أساتذة الفن حلّ ذلك، فذكروا في رفع التنافي اثني عشر وجهاً، وكلها لا ترفع التنافي لدى التأمل فيها، حتى قال بعض الأعلام: «إن ما صدر من الشيخ& من التنافي محمول على السهو والنسيان والغفلة، التي لا يكاد ينجو منها إنسان»، ثم قال: «وليس بعزيز في جنب الشيخ& في تغلغله وكثرة علومه وتراكم أشغاله ما بين تدريس وكتابة وتأليف وإفتاء وقضاء وزيارة وعبادة»([92]).

ويوجد لتوجيه كتابة الباب الرابع عشر آراء أخرى متعددة، وهي تبين الغرض من كتابة‌ هذا الباب. ونحن في ختام هذا البحث سنقوم بذكر رأيين في هذه المسألة،‌ على أن هذه الأراء تبقى نسبية أيضاً على أية حال، كما قيل.

أـ ذكر عبد الله المامقاني في الفائدة الثامنة من كتاب «تنقيح المقال»، بعد عدّ الوجوه المذكورة في توجيه الغرض من كتابة‌‌ هذا الباب، والانتقادات الموجَّهة‌‌ إليها، أنه «ظهر بلطف الله سبحانه، بعد فضل الغوص في التراجم والالتفات إلى نكات كلمات الأعاظم، من دون تصريح أحد منهم بذلك، أن الرجال أقسام؛ فقسم منهم لم يروِ عن الإمام دائماً بغير واسطة؛ وقسم منهم لم يروِ عن الإمام أصلاً إلا بواسطة؛ لعدم دركه أزمنة الأئمة^، أو عدم روايتهم عنهم؛ وقسم منهم له روايات عن الإمام بلا واسطة، وروايات عنه بواسطة غيره. فالذي يذكر الشيخ في باب مَنْ روى عن أحدهم× تارة، وفي باب مَنْ لم يروِ عنهم أخرى، يشير بذلك إلى حالتَيْه، فباعتبار روايته عنه× بغير واسطة درجه في مَنْ روى عنه×، وباعتبار روايته عنه× بواسطة آخر أدرجه تارةً أخرى في باب مَنْ لم يروِ عنه×، ومصداقُه كثير، منهم: بكر بن محمد الأزدي، فإن له روايات عن الصادق والكاظم‘ بغير واسطة، وروايات عن أحد الأئمة× بواسطة عمّته غنيمة وغيرها، فلذا أدرجه تارةً في باب أصحاب الصادق×، وأخرى في باب أصحاب الكاظم×، وثالثة في أصحاب الإمام الرضا×، ورابعة في مَنْ لم يروِ عنهم^، ومنهم: ثابت بن شريح، فلاحظ ترجمته تجد ما قلنا، وتدبَّره جيداً»([93]).

ويرى الشيخ محمد باقر البهبودي في كتابه «معرفة الحديث» أنه «قدس سره أبدع إبداعاً لطيفاً، واخترع باباً رابع عشر لكتابه الرجال، وجعله كالذيل لكتابه الفهرست، وكتاب طبقات الرواة، وسمّاه «باب مَنْ لم يروِ عن أحدٍ من الأئمة»، وذكر في هذا الباب زهاء خمسمائة‌‌ رجل من مشاهير العلماء والمحدِّثين والمؤلفين في الحديث ممَّنْ تأخَّر عصرهم عن عهد الأئمة الطاهرين، وطعن على نحو من عشرين رجلاً منهم بالضعف والغلو، ومع ذلك سرد في خلالهم جماعة من أصحاب الأصول المعروفين بالرواية عن الأئمة الطاهرين، حكماً منه بأن ليس لهؤلاء الرجال لقاء مع الأئمة،‌‌ ولا رؤية، ولا حديث؛ إما لضعف أنفسهم؛ وإما لضعف طرقهم، فتكون روايتهم وأصولهم ساقطة»([94]).

و من خلال هذا الاستخلاص لابدّ من القول: إنه توجد العديد من النماذج في رجال الشيخ الطوسي توافق ما ذُكر آنفاً. ولقد أشار صاحب كتاب «معرفة الحديث»، في الصفحة 55، وفي فصل ضعفاء الكتاب، إلى هذا الأمر([95]).

وعلى سبيل المثال فإن الشيخ الطوسي ذكر محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني في أربعة مواضع من كتابه، ومن جملتها: باب «في مَنْ لم يروِ عن الأئمة»([96])، في حين يذكر النجاشي في ترجمة هذا الشخص أنه: «روى عن أبي جعفر الثاني× مكاتبة ومشافهة»([97]). فلماذا إذاً عده الشيخ الطوسي من أصحاب ثلاثة أئمة من الذين نقل عنهم، ثم ذكره في الباب الرابع عشر؟! ربما يكون من إحدى الدلائل على هذا هو تكذيبه لادعاء سماع هذا الشخص من الإمام الرضا×؛ لأن محمد بن عيسى بن عبيد ادّعى رسمياً لقاءه للإمام الرضا× وسماعه عنه، في حين أنه طِبقاً للقرائن التاريخية المتعدِّدة فإن هذا الأمر غير ممكن([98]).

(q)     «رجال النجاشي» و«فهرست الطوسي»، مقارنة ومقاربة

لقد ذُكر حوالي 700 راوٍ بصورة مشتركة في كتاب رجال النجاشي وفهرست الشيخ الطوسي. ويعدّ «كتاب «الفهرست» للشيخ الطوسي ـ بتصحيح لويس اسبرنگر ـ من الكتب المناسبة لمقارنة آراء الشيخ الطوسي والنجاشي، حيث تعرَّض في هذا الكتاب المصحَّح، بعد إدراج كلام الشيخ الطوسي، إلى ذكر معلومات تخصّ بعض المصِّنفين بحسب كلام النجاشي. فالقارئ بمجرد مطالعته لمضمون الكتاب يمكنه الاطّلاع بسهولة على رأي كلٍّ منهما، وعلى أسلوبهما العلمي، وعلى مقدار سعة معلوماتهم الرجالية. وهنا سنتعرض بصفة مقارنة إلى ذكر بعض النماذج المعدودة من الكتابَيْن:

1ـ أورد الشيخ الطوسي في ترجمة الحسن بن علي بن المغيرة ـ تحت رقم 188 ـ بأن «له كتاب رويناه بالإسناد الأول عن حميد بن نهيك».

في حين أن النجاشي أضاف إلى ذلك «الزبيدي الكوفي، ثقة هو وأبوه. روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله‘. وهو يروي كتاب أبيه عنه. وله كتاب مفرد. أخبرنا…»([99]).

2ـ ذكر الشيخ الطوسي في ترجمة الحسين بن يزيد ـ (تحت رقم241) ـ أن «الحسين بن يزيد له كتاب. أخبرنا به عدة من أصحابنا، عن أبي المفضل…».

في حين قال النجاشي في تعريف هذا الشخص: «الحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي، من نوفل النخع، مولاهم، كوفي، أبو عبد الله. كان شاعراً أديباً. وسكن الري، ومات بها. وقال قوم من القميين: إنه غلا في آخر عمره. وما رأيت له رواية تدل على هذا. له كتاب التقية. أخبرنا…» ([100]).

3ـ أورد الشيخ الطوسي في ترجمة حماد بن عثمان ـ (تحت رقم 252) ـ: «حماد بن عثمان الناب الكوفي، ثقة جليل القدر. له كتاب. أخبرنا…».

في حين قال النجاشي حول نفس الشخص: «حماد بن عثمان، يعرف بالناب. كان يسكن عزرم، فنسب إليها، هو وأخوه. رويا عن أبي عبد الله×. واختص حمّاد بروايته عن الكاظم والرضا صلوات الله وسلامه عليهما. مات سنة تسع ومائة بالكوفة»([101]).

4ـ أورد الشيخ الطوسي في ترجمة محمد بن الصانع ـ (برقم 624) ـ: «له نوادر. رويناها بهذا الإسناد…».

في حين ذكر النجاشي في حقّ نفس هذا الشخص أنه «كوفي، ينزل في بني ذهل، أبو جعفر، ضعيف جداً. قيل: إنه غال…» ([102]).

 يتضح من خلال مقارنة هذه النماذج، ونماذج أخرى، أن الشيخ الطوسي كان يكتفي في تعريف المصنِّفين بإعطاء أقلّ المعلومات.

في حين أن النجاشي كان يأتي على ذكر أكثر المسائل المتعلقة بالتوثيق والتضعيف، وعصر وطبقة الراوي، وصحة مذهبه أو فساده، ومولده، وموطنه، ومحل وفاته، ونسبه وعائلته، وآثاره وتأليفاته، وكيفية نسخه. فمن هذه الجهة يعتبر كتاب النجاشي أشبه بكتاب رجالي من كتاب التعريف بالمصنِّفات الشيعية.

إن الاختلاف في طريقة وأسلوب كلٍّ من هذين العالمين يدفعنا إلى التساؤل عن علة هذا الاختلاف.

وللجواب عن هذا التساؤل يوجد العديد من آراء المحقِّقين في هذا الموضوع. ذهب أكثرهم إلى أن تعدُّد اختصاصات الشيخ الطوسي، وتصدّيه لشؤون المرجعية، وإدارته للحوزة العلمية في بغداد، كان عائقاً أساسياً أمام إعمال دقته في المباحث الرجالية. بخلاف النجاشي فقد كان له تخصُّص واحدٌ، وهو (الرجال). لذلك فقد أعمل دقّته في معرفة أصحاب المصنَّفات ومؤلَّفاتهم، وفي معرفة النسخ الموجودة. وهذا ما أوجب غنى الكتاب([103]). وقد صرَّح هؤلاء العلماء بتفوُّق النجاشي على الطوسي في الآراء الرجالية، وعند اختلاف آرائهما يُقدَّم قول النجاشي على قول الطوسي. ومن جملة هؤلاء العلماء الذين ذكروا تقدُّم النجاشي على الطوسي يمكن أن نذكر المحقِّق الحلي في كتابَيْه «المعتبر» و«النكت»، والعلامة الحلي في «خلاصة الأقوال»، والشهيد الثاني في «المسالك»، وابنه الشيخ حسن في «شرح الاستبصار»، والميرزا محمد الإسترآبادي في «منهج المقال»، والعلامة بحر العلوم في «الفوائد الرجالية»([104]). فقد سعى العلامة السيد بحر العلوم جاهداً، بعد ذكره للكثير من تصريحات العلماء، إلى ذكر أدلّة تقدُّم النجاشي على الطوسي في هذا المجال، حيث قال في هذا الخصوص: «وبتقديمه صرَّح جماعة من الأصحاب؛ نظراً إلى كتابه الذي لا نظير له في هذا الباب. والظاهر أنه الصواب. ولذلك أسباب نذكرها، وإن أدى إلى الإطناب:

أـ تقدُّم تصنيف الشيخ الطوسي لكتابَيْه: «الفهرست»؛ و«الرجال»، على تصنيف النجاشي لكتابه؛ فإنه ذكر فيه الشيخ&، ووثَّقه وأثنى عليه، وذكر كتابَيْه مع سائر كتبه، وحكى في كثير من الموارد عن بعض الأصحاب، وأراد به الشيخ… فقد لاحظ النجاشي كتابَيْ الشيخ في تصنيفه، وكان من الأسباب الممدّة والعلل المقدرة، وزاد عليها كثيراً، وخالف الشيخ في كثير من المواضع. والظاهر في مواضع الخلاف وقوفه على ما غفل عنه الشيخ.

ب ـ ما علم من تشعُّب علوم الشيخ، وكثرة فنونه ومشاغله، وتصنيفه في الفقه، والكلام، والتفسير، وغيرها، بخلاف النجاشي، فإنه عني بهذا الفن، فجاء كتابه أضبط وأتقن.

ج ـ استمداد هذا العلم من علم الأنساب والآثار وأخبار القبائل والأمصار. وهذا ممّا عرف للنجاشي، ودلّ عليه تصنيفه واطلاعه عليه.

د ـ إن أكثر الرواة عن الأئمة^ كانوا من أهل الكوفة ونواحيها القريبة، والنجاشي كوفي من وجوه أهل الكوفة، من بيت معروف مرجوع إليهم.

هـ ـ ما اتفق للنجاشي من صحبة الشيخ الجليل، العارف بهذا الفن، الخبير بهذا الشأن، أبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري، فإنه كان خصيصاً به، صحبه وشاركه وقرأ عليه، وأخذ منه ونقل عنه ممّا سمعه أو وجده بخطه… ولم يتَّفق ذلك للشيخ، فإنه ذكر في أول الفهرست «أنه رأى شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا (فهرست) كتب أصحابنا، وما صنَّفوه من التصانيف، ورووه من الأصول، ولم يجِدْ مَنْ استوفى ذلك، أو ذكر أكثره، إلا ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله، فإنه عمل كتابَيْن ذكر في أحدهما المصنَّفات، وفي الآخر الأصول…»، ثم قال: «غير أن هذين الكتابَيْن لم ينسخهما أحد من أصحابنا… واخترم&، وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب، على ما حكاه بعضهم»([105]).

ومن هذا يُعلم أن الشيخ الطوسي لم يقف على كتب الشيخ ابن الغضائري، وظنَّ هلاكهما، كما أخبر به. ولم يكن الأمر كذلك؛ لما يظهر من اطّلاع النجاشي عليها وإخباره عنها([106]).

و ـ تقدم النجاشي، واتساع طرقه، وإدراكه لكثير من المشايخ العارفين بالرجال الذين لم يدركهم الشيخ، كالشيخ أبي العباس أحمد بن علي السيرفي، وأبي الحسن أحمد بن محمد بن الجندي، وأبي الفرج محمد علي الكاتب، وغيرهم([107]).

 إن هذه المطالب التي ذكرت آنفاً تبرِّر بشكل قاطع جزءاً من اختلاف الطوسي مع النجاشي، وخاصة في ما يتعلق بأسباب تقدُّم النجاشي على الطوسي في فنّ الرجال. ولكن بالرغم من ذلك فإن هناك من التحقيقات ما يظهر أن أسباب اختلاف هذين العالمين هي أوسع من ذلك. ولا بد من القول: إن معرفة هذه الأسباب يرتبط بمعرفة الحالة والوضع القائم في الحوزة ببغداد خلال القرن الخامس الهجري، كما يرتبط بتقييم الظروف الاجتماعية لكلٍّ من هذين العالمين([108]).

الهوامش

(*) عضو الهيئة العلمية في جامعة طهران، ومسؤول الدراسات والتحقيق في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية، باحث متخصِّص في تاريخ الحديث الإسلامي، من إيران.

([1]) آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 10، بيروت، دار الأضواء، 1403هـ.

([2]) لمعرفة الفرق بين علم الرجال والتراجم انظر: السيد خامنه إى، مقاله چهار كتاب أصلي علم رجال.

([3]) صحيح البخاري 1: 118، بتصحيح: قاسم الشماعي، بيروت، دار القلم، 1407هـ.

([4]) كاظم مدير شانه چي، دراية الحديث: 7 ـ 8، انتشارات جامعة المدرسين، بدون تاريخ.

([5]) صحيح محمد بن مسلم النيسابوري، بتصحيح: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1374هـ.

([6]) الشيخ الطوسي، الفهرست، برقم 456.

([7]) الذريعة 10: 80.

([8]) انظر: الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، برقم860، تحت عنوان «الواقفية»؛ المجلسي، بحار الأنوار 48: 250، تحت عنوان «باب ردّ مذهب الواقفية». وتجدر الإشارة إلى أن العلامة المجلسي ذكر في البحار 48: 256، سلوك الإمام الرضا× وعلماء الشيعة في مواجهة الواقفية، والتعريف بهم، وتسقيطهم، وإبراز دورهم في وضع الحديث. ولابد من الالتفات إلى أن تكذيب الإمام الرضا للواقفية إنما كان في جانب اعتقاداتهم، وليس في جانب ما تركوه من تراثهم العلمي زمن الصادقين‘.

([9]) انظر: اختيار معرفة الرجال، رقم 994 ـ 997، تحت عنوان «في الغلاة في وقت أبي محمد العسكري×: منهم: علي بن مسعود حسكة، والقاسم بن يقطين القميان».

([10]) هذا الشخص هو مؤسِّس علم الرجال الشيعي، بحسب أحد الأقوال (انظر: الصدر، مبحث «علم الرجال»).

([11]) الذريعة 11: 84؛ المامقاني، الغفاري، تلخيص مقباس الهداية في علم الدراية، مؤسسة آل البيت، 1411هـ.

([12]) الذريعة 10: 84.

([13]) رجال الطوسي، برقم 458.

([14]) الحموي 4: 462؛ دهخدا، ماده «كش».

([15]) رجال النجاشي، برقم 1018.

([16]) رجال النجاشي، برقم 1018؛ الفهرست، برقم 604.

([17]) ابن شهرآشوب، معالم العلماء برقم 679، النجف، المطبعة الحيدرية، 1380هـ؛  الذريعة 10: 174.

([18]) محمد تقي التستري، قاموس الرجال 1: 15، قم، سازمان نشر إسلامي، 1410هـ؛ البحار 1: 16.

([19]) المحدث النوري، مستدرك الوسائل 3: 757، طهران، كتاب فروشي إسلامية.

([20]) السيد علي خامنه إى، مقاله چهار كتاب أصلي علم رجال: 386.

([21]) رجال الطوسي: 458.

([22]) رجال النجاشي، برقم 1018.

([23]) چهار مقاله: 391.

([24]) البهبودي، معرفة الحديث: 56، انتشارات علمي وفرهـنـﮕـي 1363هـ. ش.

([25]) انظر الأمثلة في: معرفة الحديث: 57.

([26]) انظر: معرفة الحديث (عبد الله بن سبأ): 256.

([27]) معرفة الحديث: 256؛ الغفاري، مقالة «تدوين الحديث في الإسلام».

([28]) لمزيد من التفصيل انظر: د. مجيد معارف، ﭘژوهش در تاريخ حديث: 373، 378.

([29]) اختيار معرفة الرجال، برقم 1014.

([30]) رجال النجاشي، برقم 676.

([31]) الذريعة 10: 100؛ تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 303، قم، دار الكتب، 1404هـ.

([32]) العلامة الحلي، خلاصة الأقوال في علم الرجال: 20، قم، منشورات الرضي، 1402هـ؛ محمد بن علي الأردبيلي،  جامع الرواة 1: 54 ـ 55، قم، مكتبة المرعشي النجفي، 1403هـ.

([33]) قاموس الرجال 1: 347.

([34]) انظر: الأستاذ شبير زنجاني، المقالة التحقيقية، مجلة نور علم، الدورة الأولى، العددان 11 و12.

([35]) رجال النجاشي، برقم 253.

([36]) المصدر نفسه، برقم 253 و555؛ البحار 47: 33، بنقل عن كشف الغمة 2: 416.

([37]) انظر مقالة: «رجال نجاشي مهمترين كتاب رجالي شيعه»، للسيد علي مير شريفي، مجلة نور علم، الدورة الثالثة، العدد الأول.

([38]) رجال النجاشي، برقم 209.

([39]) مثلاً: في ترجمة الحسين بن سعيد الأهوازي يقول: «أخبرنا بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا بطرق كثيرة، فمنها: ما كتب إليّ به أبو العباس أحمد بن علي بن نوح السيرفي& في جواب كتابي إليه» (انظر: رجال النجاشي: 136 ـ 137).

([40]) مثلاً: في ترجمة الحسين عنبسة الصوفي، برقم 158، يقول: «وجدت بخط ابن نوح في ما وصّى إليّ من كتبه: حدثنا الحسين بن علي…» (انظر رجال النجاشي، رقم 252 و302).

([41]) للاطّلاع أكثر على مشايخ النجاشي انظر: مقدمة رجال النجاشي، بتصحيح: محمد جواد النائيني.

([42]) رجال النجاشي، برقم 64، 94، 96، 105، 116، 117، 119، 138، 141، 158.

([43]) يقول في ترجمته، برقم 209: «هو أستاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه».

([44]) رجال النجاشي، برقم 166؛ رجال الطوسي: 470.

([45]) العسقلاني، لسان الميزان 2: 297، برقم 1230.

([46]) المصدر نفسه.

([47]) معرفة الحديث: 61.

([48]) رجال النجاشي، برقم 200 و1067.

([49]) رجال النجاشي: 3.

([50]) المصدر نفسه، برقم 708.

([51]) مقالة رجال نجاشي مهمترين كتاب رجال شيعة.

([52]) شبستري الزنجاني، مقدمة رجال النجاشي: 2.

([53]) رجال النجاشي، برقم 206.

([54]) مصطفوي، اختيار معرفة الرجال، مقدمة الكتاب.

([55]) توجد هنا نكتة مهمة، وهي أن كتب الفهارس تختلف من حيث الموضوع عن كتب الرجال، حيث إن الهدف الأصلي من كتب الرجال هو معرفة أحوال الرواة، وإذا ما تمّ التعرُّض إلى ذكر كتبهم فهو على نحو العرض والتبع. فالمعروف عادة أن المسائل المهمة في علم الرجال تتركَّز حول بيان حال الرواة، من ضعف وتوثيق، وبيان طبقاتهم، ومكان وتاريخ الولادة والوفاة، وهذا بخلاف كتب الفهرست، فإن هدف المؤلِّف فيها هو التعريف بالمصنَّفات، وفي مثل هذه الكتب لا توجد أية موضوعية للتعرُّض لجرح وتعديل الرواة (انظر: مقالة مير شريفي: «رجال نجاشي مهمترين كتابي رجال شيعة).

([56]) رجال النجاشي: 3.

([57]) السبحاني، كليات علم الرجال: 58 ـ 62.

([58]) رجال النجاشي، برقم 253.

([59]) الطوسي، الفهرست: 1 ـ 2.

([60]) في هذا المورد انظر بدقة: معرفة الحديث: 61 ـ 64، تحت عنوان: مسوَّدات ابن الغضائري.

([61]) رجال النجاشي، برقم 669.

([62]) المصدر نفسه، برقم 313.

([63]) المصدر نفسه، برقم 253.

([64]) المصدر نفسه، برقم 287. وتجدر الإشارة إلى أن النجاشي ذكر سند الرواية.

([65]) المصدر نفسه، برقم 207.

([66]) المصدر نفسه، برقم 332.

([67]) المصدر نفسه، برقم 332.

([68]) «قليل الحديث» ليست من ألفاظ الجرح. ولكن هذا القدر كافٍ لبيان أن الرجل ليس له شأن في أمر الحديث.

([69]) رجال النجاشي، برقم1221.

([70]) المصدر نفسه، برقم 1125.

([71]) الطوسي، الفهرست: 1 ـ 3.

([72]) زين العابدين قرباني، علم حديث ونقش آن در تهذيب أحاديث: 92، قم، نشر أنصاريان، 1372هـ. ش.

([73]) رجال النجاشي، برقم 14.

([74]) الذريعة 4: 290، و10: 89. قال الشيخ السبحاني في ترجمة ابن الغضائري، نقلاً عن الميرداماد، في كتاب «كليات  الرجال»: «هو الذي قيل فيه: قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة من قدحه».

([75]) معرفة الحديث: 64؛ الذريعة 10: 89؛ معجم رجال الحديث 1: 102.

([76]) الذريعة 5: 145.

([77]) السيد محمد صادق آل بحر العلوم، مقدمة رجال الطوسي: 101، دار الذخائر، النجف الأشرف، 1381هـ.

([78]) البهبودي، گزيده إى تهذيب، مقدمة، طهران، انتشارات علمي وفرهنگی، 1363هـ. ش.

([79]) علم حديث ونقش آن در تهذيب أحاديث: 13.

([80]) قاموس الرجال 1: 28.

([81]) قاموس الرجال 1: 28.

([82]) مقالة چهار كتاب أصلي رجال شيعة: 408.

([83]) الطوسي، الفهرست، برقم 593 و604؛ رجال النجاشي، برقم 944 و1018.

([84]) رجال الطوسي: 2.

([85]) رجال الطوسي: 2.

([86]) مقدمة رجال الطوسي: 55.

([87]) قاموس الرجال 1: 29.

([88]) مقدمة رجال الطوسي: 55.

([89]) معرفة الحديث: 54 ـ 55.

([90]) المصدر نفسه: 55.

([91]) رجال الطوسي: 2.

([92]) مقدمة رجال الطوسي: 58.

([93]) المامقاني، تنقيح المقال 1: 194.

([94]) معرفة الحديث: 55.

([95]) المصدر نفسه، فصل الضعفاء، برقم 37، 127، 149.

([96]) بهذه الحالة في ص 393 عن أصحاب الإمام الرضا×، وفي ص 423 عن أصحاب الإمام الهادي×، وفي ص 435 عن أصحاب الإمام العسكري×، وفي ص 511  في مَنْ لم يروِ عن الأئمة^.

([97]) رجال النجاشي، برقم 896.

([98]) لدراسة المسألة بشكل مفصل انظر: معرفة الحديث وﭘژوهش در تاريخ حديث شيعة: 396 ـ 397، 219 ـ 223.

([99]) رجال النجاشي، برقم 106.

([100]) رجال النجاشي، برقم77.

([101]) المصدر نفسه، برقم 371.

([102]) المصدر نفسه، برقم900.

([103]) عبد الهادي الفضلي، أصول الحديث: 166 ـ 168، مؤسسة أم القرى، 1416هـ.

([104]) بحر العلوم الفوائد الرجالية 2: 44 ـ 46.

([105]) الطوسي، الفهرست: 2.

([106]) هذا المورد أخبر به النجاشي في اثنين وعشرين مورداً، حيث استخرجها الشيخ البهبودي في كتاب معرفة الحديث: 62 ـ 64.

([107]) الفوائد الرجالية 2: 46 ـ 50.

([108]) للاطلاع أكثر انظر: ﭘژوهشي در تاريخ حديث شيعة، بعنوان حوزة بغداد في عصر الشيخ الطوسي.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً