أحدث المقالات

تردّدتُ كثيرًا قبل الدخول في المسارب الوعرة للنقاش المذهبي المتزايد مؤخرا والمشبوه بمضمونه وتوقيته والذي يفضي، بحكم الصدفة، إلى حالة رعناء من التحريض المكشوف على الشيعة ومعتقدهم وذلك عبر كافة وسائل الإعلام من فضائيات ومواقع إنترنت وتصريحات بالإضافة إلى فتاوى تعيسة هي، بحسب رأيي، لا تمت للإسلام المتسامح بصلة القربى. ما جعلني أخرج عن صمتي وترددي هو ما نقلته وسائل الإعلام من أن إمام أحد المساجد (حسب جريدة عرب الداخل) في فلسطين، ومن على منبر خطبة الجمعة أقسم بالله العظيم أن حسن نصر الله عميل.

لست هنا لأناقش ذاك „المتشيخ” الصغير وهو أقل ما يمكن أن يقال بحقه، وإنما محذرا ورافضا لعقلية الإقصاء والدسائس الطائفية في قضية مركزية يسعى مثيروها الأصليون من خلال أدواتهم العمياء أن يمزقوا نسيج الأمة ويشتتوا كلمتها منعا لتوحيدها وتمكينها، ليتسنى للأعداء التسلل لوعيهم وتسميمه كشرط ضروري لفرض السيطرة والهيمنة المطلقة على مقدراتها ومستقبلها. مع ذالك لا بد من مخاطبة بعض المضللين أو الذين انطلت عليهم مثل تلك الحملات والأضاليل، رغم إقراري سلفا أنني غير ضليع في الفقه ولا عالم في الدين، لكنني أعتمد بموقفي على حقيقة أن دين الإسلام مؤسس على تلازم العقل والإيمان، والمعرفة والعبادات، والتسامح ورؤية المصالح الكبرى وهو ليس دين النخبة العارفة والكهنوت بل دين الجماهير الفعالة التي تعرف كيف تقوم أمور دينها ودنياها حتى لو جاءت متعارضة أحيانا مع مشايخ السلطان والظلام، فأقول: جاء في القرآن الكريم (وقِفوهم إنهم مسؤولون)، وهذا معناه يا شيخ أنك ومن مثلك سوف تسأل أمام الله عن كل ما تقوله أو تكتبه أو تنشره، خصوصًا أنك لم تتأكد أو تتيقن أو تتبين في الدليل القاطع ما أقسمت بالله العلي العظيم على حقيقته. ولا أظنك غافلًًاأو جاهلًًاما يعنيه أن تـُقسم بالله العليّ العظيم كذبًا وافتراءً من أجل أن تثبت صدق توجهك وموقفك مما يضع ألف علامة سؤال على دوافعك. لذا وجب أن نذكرك بالآتي:

عن أبي هريرة قال النبي العربي الكريم (صلعم)، „أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وما له إلا بحقه وحسابه على الله”.

عن أبن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلعم) “كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بدين فمن كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب”. وقال أيضًا (من قال لرجل يا كافر فقد باء بها أحدهما).

أليس للمسلمين والعرب في رسول الله قدوة حسنة وهو الذي نهى عن تكفير الناس بمجرد قولهم لا إله إلا الله. أم أنك يا شيخ ومن يكفر الشيعة من الشيوخ تستنون بغير سنة النبي (صلعم).

إن الأسباب التي يتمسك بها من يكفر الشيعة هي أسباب غير صحيحة ومن المعلوم أن تكفير المسلم هو أمر خطير وشر مستطير تواترت الأدلة الشرعية عن النهي عنه والتحذير من الوقوع فيه، لأن تكفير المسلم هو الكفر بعينه. وتحضرني هنا خطبة الشيخ علي آل المحسن حول الأسباب التي تدعو أعداء الشيعة إلى تكفيرهم وهي أسباب لا تصلح لتكفير من يشهد بالشهادتين وقد أجملها في الأسباب التالية:

الجهل بمعتقدات الشيعة.

حيث أن الغالبية العظمى من أهل السنة والجماعة الذين يكفرون الشيعة ليست مطلعة على معتقداتهم وكتبهم ومصادرها، بل تعتمد كليًا على كتب ومصادر خصومهم.

 تصيد كلمات وأحاديث من كتب الشيعة.

وإدانتهم بكل رواية وردت في كتبهم والاحتجاج عليهم بكل قول أو تصريح صدر عن المنتمين للمذهب الشيعي، حتى لو كان من صغار الطلبة أو المندسين.

طعن الشيعة في بعض الصحابة.

بالرغم من أن تقييم مواقف الصحابة هي مسألة يجوز فيها الاجتهاد والاختلاف، فان الخطأ فيها لا يستلزم كفرًا. وقد ورد عن الرسول (صلعم) أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. من المعروف تاريخيا أن الصحابة أنفسهم لم يكفروا من طعن فيهم، وقد يكون مهما هنا السؤال لماذا لم يكفر من شتم أمير المؤمنين علي وطعن فيه على المنابر، ولماذا لم يكفر من قتل صحابيًا وحافظًا للقرآن الكريم حتى لو كان صحابيًا.

رغم ذلك فقد صدرت مؤخرًا عدة فتاوى من كبار المرجعيات الشيعية، نذكر منها فتوى الإمام خامنئي والشيخ المرحوم العلامة محمد حسين فضل الله، فحرم فيها سب الصحابة.

تحريف القرآن: الشيعة يؤمنون أن القرآن لم يُحرف لأنهم يؤمنون كما السنة أن الذي أنزله، وهو القادر على كل شيء، قادر على حفظه ونشره، وخلاف هذا الموقف لن نجده لا من عالم شيعي ولا من أي مصدر شيعي على وجه الكرة الأرضية إلا من مفتٍ بغير علم أو كاذب أو مضلل.

أما من الناحية الوطنية، فإن جعل إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان وكأنها عدوّة الإسلام والعروبة بدل إسرائيل في هذا الظرف الذي تمر به الأمة، والتعاطي معها على هذا الأساس عبر التحريض المتواصل ليلًًانهارًا بمن فيهم الشيعة في إيران ولبنان من خلال مواقع الإنترنت وبعض الفضائيات التي تنفث السموم بلا رادع أخلاقي أو وطني، لهو خير دليل على انخراط هذه الفئة التي تقف وراء ذلك في المشروع الأمروصهيوني الذي يهدف إلى زرع بذور الفرقة في الأمة وتقسيمها طائفيًا ومذهبيًا ووطنيًا من أجل تسهيل ضربها وتمزيقها واستعمارها من جديد.

ولو تمعنّا في الموقف الإيراني منذ إسقاط الشاه سنتبيّن بوضوح مواقفها المناهضة للاحتلال الاسرائيلي والهيمنة الأمريكية في المنطقة والداعمة لقضية فلسطين ولفصائلها الإسلامية السّنيّة والداعمة والراعية للمقاومة اللبنانية التي كنست الاحتلال من آخر شبر من أراضيها.

هذا في الوقت الذي تآمرت به العديد من الأنظمة الإسلامية والعربية كالنظام السعودي ونظام السادات-مبارك البائد، المتحالفة مع القوى الامبريالية، تلك الدول التي يقودها مخاتير من المذهب السني والذين حولوا دولهم إلى قواعد للاستعمار.

أما فيما يتعلق بالمقاومة اللبنانية، فحسبها أنها أحرزت انتصارًا تاريخيًا على الاحتلال الاسرائيلي لم تستطع الدول العربية والإسلامية مجتمعةً على تحقيقة خلال عقود طويلة. لهذا كان من الأجدر بمشايخ الاستعمار أن يتصرفوا، على أقل تقدير، كالشيطان الأخرس وأن يصمتوا ما داموا لا يستطيعون أن ينطقوا بكلمة حق..

بعد تفكر وتفكير عميق أصبحت أميل بشدة إلى الاعتقاد أن الحقد على نصر الله والمقاومة اللبنانية ليس نابعًا من دوافع مذهبية متخلفة بل من عقدة نقص، ومن عجز، بل من غياب الإرادة لمواجهة الأعداء، واستبدال المواجهة بخدمة هؤلاء الأعداء.

 


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً