حوارٌ مع: الشيخ يوسف الصانعي(*)
إشكالاتٌ على قاعدة العدالة
ولا بُدَّ من الإجابة هنا على إشكالٍ آخر. لقد قلتُم: «يلزم من هذا الاستدلال أن لا تكون الأحكام ثابتةً». فأقول: كلاّ، إن الأحكام ثابتةٌ. ففي جميع مواضع الفقه كان الفقهاء يختلفون، والأحكام الواقعية ثابتة؛ فإن ثبات الأحكام يعني أنه بعد رحيل رسول الله| إذا أراد شخصٌ أن يبيِّن حكماً عن كلام شخصٍ آخر كان ذلك مخالفاً لخاتمية رسول الله|؛ لأن هذا يعني في حقيقته أن رسول الله ليس خاتم الأنبياء. وأما في الأفهام فيمكن لفقيهٍ أن يقول: أنا أفهم من كلام رسول الله أن الزكاة يمكن نقلها إلى مكانٍ آخر، ويمكن لفقيهٍ ثان أن يقول: أنا لا أفهم من كلامه هذا، ويفتي بعدم جواز نقل الزكاة إلى مكانٍ آخر. وكان الفقهاء على مدى قرونٍ يقولون: «إن ماء البئر ينفعل بملاقاة النجاسة»([1])، أو هذا ما كان عليه المشهور في الحدّ الأدنى، واستمرّ الوضع على هذه الحالة إلى عصر العلاّمة الحلّي، حيث قال: «إن ماء البئر لا ينفعل بملاقاة النجاسة»([2]). ومع ذلك فإن الحكم ثابتٌ هنا، بمعنى أنه لا وجود لنبيٍّ بعد رسول الله. وأما في الاستنباط من الأدلّة فإن جميع الفقهاء الذين يجلسون على خوان الأدلّة يقولون: إن هذا ما قاله النبيّ، وكلام النبيّ لا يقبل النسخ. إذن معنى «حلال محمد حلالٌ أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة»([3]) هو أنه لا ناسخ لكلامه بعد رحيله، فحتّى الأئمّة الأطهار^ لا يمكنهم نسخ كلام رسول الله|. ويدّعي بعضٌ ـ بطبيعة الحال ـ أن الرواية التي يرويها المعصوم عن النبيّ يمكن أن تعتبر ناسخةً. ورُبَما كان الميرزا النائيني من القائلين بهذا القول([4]). وعلى كلّ حالٍ لم يَرِدْ ناسخٌ بعد رسول الله لما صدر عنه في حياته، وهذا هو معنى ثبات الأحكام، وإلاّ فإن جميع مواضع فقهنا زاخرةٌ بالاختلاف.
_ هناك هاجسٌ في العدالة والظلم لا نجده في سائر العناوين الأخرى، وهو أن جميع العناوين الاجتماعية تندرج ضمن مصاديق العدالة والظلم العُرْفي؛ خلافاً لسائر الموضوعات العُرْفية الأخرى، من قبيل: «المعروف».
^ حيث يكون للشارع حكمٌ، سواء على نحو العموم أو الخصوص، يتعيَّن علينا أن نرى هل حكمه ـ الحاصل من الدليل غير القطعي؛ لأن الدليل القطعي غير الأحكام الضرورية ـ مطابقٌ للعدالة أم لا؟ فإذا رأى فقيهٌ أن ذلك الحكم متطابقٌ مع العدالة العُرْفية قال بأن هذا الحكم صحيحٌ، وإنْ لم يَرَه متطابقاً لم يحكم بصحّته.
_ لو لم يحدِّد الشرع أيّ ضابطةٍ للعُرْف، وأصدر العُرْف حكمه على أساس ملاكاته، وتعيَّن على الفقيه أن يقيِّم الروايات على أساس هذا العُرْف، كان لازم ذلك أن يكون الشرع تابعاً للعُرْف.
^ على الفقيه نفسه أن يحدِّد العُرْف. وبطبيعة الحال ليس العُرْف هو المضمار، ويجب على الفقيه أن يتولّى عملية تحديد العُرْف بنفسه.
_ حيث تشتمل مختلف المجتمعات على ثقافاتٍ متفاوتة يمكن أن يكون لكلّ مجتمعٍ ملاكات مختلفة للحكم بشأن العدالة والظلم.
^ إن جميع المجتمعات تعتبر الظلم ظلماً. وقد سِرْتُ في جميع مواضع الفقه على هذا الأساس، ولم يعترضني أيُّ إشكالٍ. ويمكن لي أن أذكر لكم مورداً واحداً في هذا الشأن: أنتم تقولون: ورد في الرواية النبويّة: «الطلاق بيد مَنْ أخذ بالساق»([5])، وقد لا يكون لدى الرجل مالاً ليعطيه مَهْراً، ومع ذلك يتذرَّع بقاعدة: «الطلاق بيد مَنْ أخذ بالساق». وقد يستدلّ فقيهٌ في هذا الشأن بقوله تعالى: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ (البقرة: 280). وأما أنا فأقول: إنه لا يستطيع ذلك، وإنّ على هذا الرجل إمّا أن يحتفظ بزوجته، أو يدفع لها مهرها.
فإذا قلتُم: ليس لهذه المرأة زوجٌ، وليس لها مهرٌ، فأيُّ عاقلٍ يمكنه أن لا يعتبر هذا ظلماً وحَرَجاً على المرأة؟ وأيُّ مجتمعٍ يقول: إن هذا ليس ظلماً؟
يمكن لكم أن تذكروا مثالاً لما تدَّعونه. وإني أرى أن جميع المجتمعات تعرف مصاديق الظلم.
_ إن قوانين البلدان المختلفة بشأن الإرث تختلف فيما بينها حالياً.
^ إن الإرث ليس ظلماً، بل هو عين العدل. وأنا عندما أشرح للصحفيّين فلسفة الإرث في قانون الإسلام يقتنع الجميع بعدالة الإرث في الإسلام.
_ نحن لا نذكر مثالاً في أيّ مجالٍ إلاّ وتقولون: إنني أستطيع أن أقنع العُرْف. ولكنْ لنفترض أنك ترى حكماً ما عين العدل، ولكنّ العُرْف يجده ظالماً، فكيف تعملون في مثل هذه الحالة؟
^ لا يمكن إثبات شيءٍ بمجرّد الافتراض. ولا يمكن لنا أن نخدش قاعدةً عامّة على أساس افتراضٍ محالٍ. ومن وجهة نظري لا أرى أن البشر سيأتي عليهم يومٌ يدرجون معه الظلم ضمن قوانينهم وتشريعاتهم.
_ إن البشر لا يدرجون ضمن قوانينهم شيئاً بوصفه ظلماً، ولكنّهم قد يدرجون شيئاً ضمن قوانينهم وتختلف نظرتهم إليه عن نظرتنا، فنحن نراه ظلماً، وهم يرَوْنه عدلاً.
^ يمكن لكم أن تمثِّلوا بالإرث؛ فالإرث من أبرز مصاديق العدل في الإسلام.
_ يمكن لنا أن نمثِّل بأصل القصاص.
^ وكذلك القصاص، فإنه من أسمى مصاديق العدل.
_ هذا ما تقولونه أنتم، وإلاّ فإن بعض البلدان الأخرى تراه عين الظلم.
^ إنهم لا يلتفتون إلى فلسفة الأحكام. نعم، لو نظرتم إلى القصاص بوصفه قتلاً لإنسانٍ فإن قتل الإنسان بمجرّده يبدو في ظاهره عمليةً ظالمة، ولكننا نقول: إن القصاص معاملةٌ بالمثل. وقد سبق لي أن ذكرتُ أنه لو كان هناك حكمان في غاية الجمال والرَّوْعة في الإسلام فإن أحدهما هو القصاص والآخر هو الإرث. وعندما شرحتُ ذلك للصحفيين أبدَوْا إعجابهم واقتناعهم، وقالوا: إنهم لم يكونوا قد سمعوا بهذه التعليلات من قَبْلُ.
فلو أنكم شرحتُم للعالم والمجتمعات البشرية أن القصاص يعني المقابلة بالمثل، وليس مجرّد قتل لإنسان، فإن الجميع سوف يقبل بأن المقابلة بالمثل هي عين العدالة. فلو تعرَّض شخصٌ إلى ظلمٍ ما يجب أن يكون بمقدوره أن يقابل مَنْ ظلمه بالمثل. فإذا قال شخصٌ: إن المقابلة بالمثل تنطوي على عنفٍ وقسوة قلنا له: لماذا تعتبر ذلك قسوةً؟ فإن ذلك المسكين الذي قُطعت يده لا يرى في الاقتصاص من الذي حرمه من نعمة يده قسوةً. إن الذي يرى في القصاص قسوةً وهمجية إنما يجرّد الفرد من سلطته على حياته وأعضائه. وإذا كنتم تصرّون على أن القصاص عمليةٌ قاسية أمكن لكم بناء المجتمع بحيث يعفو أولياء الدم عن قاتل أبيهم، بل ويكافئونه بإرساله إلى الحجّ والعمرة أيضاً. إن الإسلام في باب القصاص لم يسلب الفرد حقّه وسلطانه. وهذا من أرقى أنواع الديمقراطية، حيث يتمّ احترام السيادة الفردية. لقد جاء الإسلام بأرقى أنواع الديمقراطية في باب تشريع القصاص. إن الإسلام في باب القصاص حافظ على قانون المقابلة بالمثل؛ كي لا تنتهك حقوق صاحب الحقّ، كما سمح في الوقت نفسه لصاحب الحقّ بأن يعفو. وعليه فإن الإسلام لم يمنع من العفو، ولكنّه احترم حقّ الفرد وحاكميّته على نفسه أيضاً، ويمكن للفرد أن يقتصّ. وأما إذا سلب هذا الحقّ منه كان ذلك على خلاف الديمقراطية وتحكيم إرادة الفرد، فحيث كان المعتدي قد قطع له يده فمن حقّه أن يقتصّ منه بقطع يده.
إن الذي أشكل على هذه الأمور شخصٌ اسمه حسين باقر زاده، وهو مقيمٌ في الخارج، وقد أجبْتُ عن إشكالاته وكتبتُ له: إذا كنتم تقولون: إن القصاص عملية وحشية فإن الجمع بين الوحشية التي تدّعونها وبين حاكمية الفرد إنما تكون بأن تفعلوا شيئاً بحيث يتجاوز المجني عليه عن حقّه في القصاص، فهل في ذلك قسوةٌ وعنف؟ يضاف إلى ذلك أنكم تعتبرون القصاص في الإسلام قتلاً للإنسان، في حين أننا نقول: إنه مقابلةٌ بالمثل، وليس في المقابلة بالمثل عنفٌ وقسوة. إن الإسلام في قانون القتل قرن القصاص بحقّ سيادة الفرد على نفسه. وبطبيعة الحال يمكن لكم توجيه المجتمع وبناؤه بحيث يغدو العنف فيه أمراً مرفوضاً. ويمكن لي توضيح ذلك من خلال المثال التالي: في يومٍ ما وفي هذا المجتمع عندما كانوا يرسمون صورة الإمام عليّ× كانوا يصوِّرونه بملامح غاضبةٍ ومكفهرّة، وهو يمسك بمقبض سيفه، وكان هذا المشهد يروق الناس في السابق، ويبدو وحده هو المقبول بالنسبة إلى ثقافة ذلك المجتمع، وأما اليوم فهل يعرف الناسُ الإمام عليّاً بالسيف والوجه المغضب أم يعرفونه بالزهد والتقوى ونهج البلاغة؟
_ إنكم بهذا المثال قد أقرَرْتُم بأن العُرْف قد يعتبر شيئاً ما ظلماً من الناحية العمليّة، ولكنّ الفقيه يمكنه أن يقول للعُرْف: لقد أخطأتَ، وأن ما اعتبرتَه ظلماً ليس بظلمٍ.
^ الذي أقوله هو أن العُرْف يفهم ذلك، وهكذا هو الحال دائماً. نعم، من باب الإرشاد واعتلاء المنبر يمكن توضيح الأمور للعُرْف، ولكنّه بنفسه معذورٌ. وأنا عندما أرى أن قانون القصاص ليس مخالفاً للعدل أبداً أعتبر نفسي معذوراً.
_ حتى إذا كان العُرْف يراه ظالماً؟
^ يجب إرشاده.
_ إذن يمكن تخطئة العُرْف؟
^ ليس تخطئةً، بل ينبغي بيان الموضوع للعُرْف، وليس العمل على تخطئته. وفرقٌ بين الأمرين. فمثلاً: يجب أن نوضح للعُرْف بأن حكم القرآن هو المقابلة بالمثل والحفاظ على حقّ سيادة الفرد. فهل يمكن العثور على عُرْفٍ يرى في هذا الشيء أمراً ظالماً؟ أجل، إن للعُرْف جهلاً بالكثير من الموارد، فهو لا يعلم بمعاني الكلمات العربية مثلاً. وفي مثل هذه الموارد كيف يعمل الفقيه على تفهيم العُرْف معاني المفردات العربية؟
_ لأننا لا نعتبر العُرْف غير العربي مرجعاً لتشخيص ظواهر الألفاظ.
^ وكيف هو الأمر بالنسبة إلى الهيئات؟ فليس في الهيئات عُرْفٌ عربيّ وعُرْفٌ آخر غير عربي.
_ في الهيئات يكون العُرْف معتبراً، ولا يحقّ للفقيه تخطئة العُرْف، أو يقول له: عليك أن تفهم الأمور على هذه الشاكلة.
^ أعلم ذلك، ولكنّ الفقيه في مسألة القصاص لا يعمل على تخطئة العُرْف، وإنما يرشده.
_ بل لا يمكن له حتّى أن يقوم بدَوْر الإرشاد؛ لأن لفهم العُرْف موضوعية.
^ يمكن للفقيه أن يرشد، وأن يبيِّن ما يفهمه، ويعمل على إزالة جهل العُرْف. فلو تمّ بيان موضوع القصاص وتفسير القرآن، وتوضيح الجوانب المختلفة لجميع أنواع العُرْف في العالم، فإنه سوف يفهمه ويقتنع به. غاية ما هنالك أنّي حالياً أفهم هذه الأمور، وأقول: إن العُرْف يفهمها. فإذا كانت بعض أنواع العُرْف ترى أن هذه الأمور ظالمةً وجب العمل على تفهيمها. قد يواجه العُرْف في بعض الأحيان مشكلةً في فهم المسائل، رُبَما تقولون له: إن القصاص يعني القتل والإعدام، وليس مقابلة بالمثل والحفاظ على سيادة الفرد، والذي هو من أرقى أنواع الديمقراطية. وحتّى في باب العبادات نجد أن الإسلام جاء بأسمى أنواع الديمقراطية؛ إذ بيَّن للناس كيف يجب أن يقوموا بالعبادات، وأنه يتعيَّن عليهم أن يأتوا بها بقصد القربة. فإذا لم تكن العبادة مقرونةً بقصد القربة فهل يمكن الإتيان بها؟ كلاّ؛ إذ لا يمكن اعتبارها عبادةً عن إرادةٍ واختيار. وفي ذلك الإعلان الذي أطلقه أمير المؤمنين× ـ والذي أراه على طبق الموازين الفقهية ـ قال الإمام لجابي الزكاة: عندما تريدون أخذ الزكاة من شخصٍ، وقال ذلك الشخص: لا زكاة عليَّ، يجب عليك أن تقبل ذلك منه. ففي العبادات وشروط النذر والعهد وفي مطلق العقود يقوم الأساس على حاكميّة الفرد وسيادته على نفسه؛ إذ إن عبارة «عن تراضٍ» في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 29) تدلّ على حاكمية الفرد. ومن هنا إذا لم يكن هناك تراضٍ من الطرفين ـ سواء قبل العقد أو بعده ـ كان ذلك العقد باطلاً. وفي عقد الفضولي إنما يصحّ العقد بعد الرضا به. وبطبيعة الحال إن الإسلام قد وضع قيداً في بعض المواضع، كما هو الشأن في جميع القوانين في العالم، حيث يتمّ وضع القيود عليها. وإن أفضل القوانين هي تلك التي يمكن لها أن تدير دفّة المجتمع، بحيث لا تعرِّض سيادة الفرد للانتهاك. وقانونُ القصاص من هذا القبيل.
وأما بشأن الحدود فإن الحدود الشرعية في الأساس محدودةٌ جدّاً. ورُبَما لا يتجاوز عدد الحدود في الفقه ستّة أو سبعة أنواع، مثل: حدّ السرقة، وحدّ الأفعال المنافية للعفّة، وحدّ شرب الخمر، وحدّ القذف، وما إلى ذلك. والحدُّ في ما يتعلق بالأفعال المنافية للعفّة يبدأ من مئة جلدة إلى الرجم. ويبدو أن حدّ الخمر ثمانون جلدة. وهناك في القذف جلدٌ أيضاً، غاية ما هنالك أنه في الحدود الخاصّة بهتك الأعراض والمحاربة، وهي من أقسى أنواع الحدود، ومنها: الرجم، الذي يُقال حالياً بصعوبة تطبيقه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حدّ الحرابة، حيث يجب صلبه ثلاثة أيام حتّى يلفظ أنفاسه، قيل: إن هذا يصعب تطبيقه في العصر الراهن أيضاً؛ لأن الصلب غير القتل، ومن هنا ورد التفريق بينهما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ﴾ (المائدة: 33)، وكان يتمّ الصلب بشدّ المحكوم بحبل يمرّر من تحت إبطيه ويسحب إلى الأعلى، ويترك دون ماءٍ ولا طعام حتّى يموت حتف أنفه. وهذه العملية تنطوي على قسوةٍ. ويقولون: إن قطع أصابع السارق فيها قسوةٌ أيضاً.
ومن بين الأجوبة على هذا النوع من المسائل أوّلاً: إن هذه الموارد نادرةٌ جدّاً، وإن أغلب العقوبات في الإسلام هي من نوع التعزيرات، وأمر التعزيرات بيد الدولة. وتارةً يتمّ تعزير المجرم بإحضاره إلى المحكمة؛ لأنه يتمتّع بمكانةٍ مرموقة في المجتمع؛ فيكون في نفس استدعائه إلى المحكمة توبيخاً وتعزيراً له. إذن أكثر العقوبات في شريعتنا هي التعزيرات. وأما في ما يتعلق بنوع التعزيرات فيجب على المفكِّرين وعلماء النفس أن يحدِّدوا طبيعته. والتعزير لا يكون بالجلد وضرب السياط فقط. وفي باب حدّ السرقة هناك من الشروط ما يصعب معه تحقيق الحدّ. وفي باب حدّ الزنا يكون تحقيق شرائط الإثبات أكثر تعقيداً وصعوبة؛ لأن إثبات الزنا لا يتحقَّق إلاّ بأحد طريقين لا أكثر، أحدهما: أن يشهد بذلك أربعة شهود، يشهدون على أنهم رأوا عملية الإيلاج في الزنا بحذافيرها. وقد تمّ التعبير عن ذلك في النصوص بعبارة: «كالميل في المكحلة»، ويراه «يدخل ويخرج»([6])، على ما ذكر ذلك العلاّمة في بعض كتبه([7]). ويجب أن يكون هؤلاء الشهود الأربعة بأجمعهم من العدول، كأنْ يكونوا ـ على سبيل المثال ـ من أئمّة الجماعة، أو مراجع التقليد والأشخاص الذين يحسب لهم المجتمع حساباً، وعليه هل يمكن تحقُّق مثل هذا الزنا في المجتمع الإسلامي؟ إنما يمكن تحقيق ذلك إذا بلغ المجتمع حالةً من الانحطاط والانحلال بحيث يرتكب الزنا في الشوارع وأمام المساجد وبمرأىً من الناس، وحتّى في مثل هذه الحالة هناك إشكالٌ في النظر إلى هذه الممارسات. ولذلك لم يتحقَّق إثبات الزنا في أيّ موردٍ بالشهود. وحيث كان هناك حضورٌ لثلاثة شهود، وقالوا بأن الشاهد الرابع في الطريق، أمر الإمام بجلد هؤلاء الثلاثة. وهذا الجلد يندرج ضمن عنوان المصلحة، وليس هو من الجلد حدّاً. «فليس في الحدود نظرة ساعة»([8]). وعليه يستحبّ للشهود أن يحضروا مجتمعين، ولا يسبق بعضهم بعضاً؛ إذ رُبَما انصرف أحدهم عن الشهادة في أثناء المحكمة، فيقام الحدّ على الثلاثة. وحدُّ هؤلاء الثلاثة ليس من باب القذف؛ لعدم صدق القذف في المحكمة؛ لأن شهادة الشهود ليس من التطوُّع، فلا يوجد في البين حدٌّ للقذف، وإنما هو حدُّ مصلحة؛ بمعنى أن الإسلام لا يريد للناس أن يتجسَّسوا على بعضهم في هذا النوع من الأمور.
الإشكال الآخر: كيف يمكن للعادل أن ينظر إلى عورتَيْ الرجل والمرأة؟ هذا ما وقف عنده العلماء مطوَّلاً. وقد قال العلاّمة في ذلك: «للضرورة»([9]). وأجيب عن ذلك بأنه لا ضرورة في البين؛ إذ إن الإسلام لم يوجب تكلُّف إثبات المعاصي. وعليه فإن إثبات الجرم في باب الحدود مشكلٌ للغاية، وفي باب الزنا يبدو أن الإثبات مستحيلٌ.
وعلى هذا الأساس فإننا نقول ـ على القول المعروف ـ: إن الزانية المحصنة يجب أن ترجم. ولكنْ على حدّ تعبير بعضٍ: إن تشريعاتنا الحقوقية بحيث لا يمكن تحقيق شرائطها؛ كي تشكلوا عليها. إلاّ أنني لا أتحدَّث عن مرحلة التطبيق والتنفيذ، وإنما أبدي رأيي.
_ بمعنى أن الإسلام إنما شرَّع القانون ليتمّ وضعه على الرفّ؟!
^ أجل، ولذلك لم يتمّ العمل به. ولكنْ يمكن التعزير. إن الإسلام لم يُرِدْ إجراء هذا الحدّ وتشويه سمعة أفراد المجتمع، ولذلك كان القذف حراماً، ويجلد القاذف. قال الإسلام: إذا بلغ الأمر هذا الحدّ كانت العقوبة قاسيةً، ولكنّه وضع من العقبات والعراقيل، بحيث يستحيل الوصول إلى تلك المرحلة. ولذلك لا يمكنكم العثور على موردٍ من هذا القبيل على طول التاريخ.
والطريق الثاني لإثبات الزنا هو إقرار الزاني على نفسه أربع مرّات. وقد ورد في تلك القضية المعروفة التي جاءت فيها امرأةٌ إلى أمير المؤمنين×، وطلبت منه أن يطهِّرها من الزنا، وقالت له: «إني زنيْتُ فطهِّرني»، فلم يأخذ الإمام عليّ× بكلامها حتّى أقرت له أربع مرّات على نفسها بالزنا([10]).
وعليه يكون الإسلام قد وضع عقوباتٍ قاسيةً للردع، ولكنْ جعل طرق إثباتها صعبةً للغاية وشبه مستحيلة، حتّى لا يكتب لها التحقُّق في المجتمع. وقد تقولون: إذن كيف تتمّ الحيلولة دون وقوع المفاسد؟ نقول: يتمّ المنع من وقوع الجرائم بالتعزير.
_ إذن فإنكم على كلّ حالٍ ترَوْن أن هذا الحكم ظالماً، وإنْ كان إثباته صعباً.
^ كلاّ ليس ظالماً. وإنما الإسلام قد رأى أنه إذا أبقى باب الحدّ مفتوحاً فإنه سوف تترتَّب عليه مفاسد كثيرة، ورُبَما يكون قد رأى عصرنا هذا من بعيدٍ. وأنتم الآن لا تستطيعون تقديم جوابٍ إلى العالم. ولا نستطيع وضع رؤوسنا في التراب، كما يصنع النعام. أنتم ترجمون فتاةً لم تتجاوز ربيعها السابع عشر، في حين أني أرى أنه لا يمكن رجمها. وهكذا المشهور أيضاً. وإن الإسلام لم يشأ لهذه الحدود الرادعة للغاية أن تكون ألعوبةً بيد المتلاعبين.
وإذا تجاوزنا ذلك كلّه فإن الميرزا القمّي([11]) والسيد أحمد الخوانساري([12]) يقصران إقامة الحدود على عصر الظهور، دون الغيبة. ورُبَما تمكَّن الإمام× من إيصال المجتمع إلى وضعٍ بحيث لا تقع فيه مثل هذه الجرائم والموبقات، وتكون ثقافة المجتمع بحيث لا يكون هناك إشكالٌ في ذلك. وأما إذا أردْتُم الآن أن تعتمدوا على الأمارات والقرائن في رجم امرأةٍ فإن العالم سوف يُشْكِل عليكم، وعندها يجب أن تقدِّموا جواباً على ذلك. فإذا كنتم تريدون نشر الإسلام فهل يمكنكم نشره بهذه الطريقة؟!
_ لو وجدناه ظالماً فإننا لا نفتي أصلاً، لا أن نفتي ثمّ نقول: إن إثبات الجرم صعبٌ.
^ كلاّ، ليس ظلماً. إن الذي أقوله هو أن قانون العقوبات من الأمور العرضية المحدودة جدّاً. ففي باب السرقة تمّ وضع ما يزيد على العشرين شرطاً يجب تحقُّقها بأجمعها، أو أن يقرّ السارق على نفسه مرّتين. وفي شرب الخمر، حيث يترتّب عليه حدّ الجلد، يجب أن يتحقَّق الإقرار مرّتين أو أن تكون الشواهد بشكلٍ معيّن. ليس الأمر من الظلم، فلا تكون هناك مشكلةٌ من هذه الناحية، وإنما أقول: إن الأمر ينطوي على شيءٍ من القسوة والغلظة. وفي هذه الموارد يمكن لنا أن نعيد كلام الميرزا القمّي أو السيد أحمد الخوانساري، بمعنى أن هؤلاء لا يتحدَّثون عن أن هذه الأمور ظالمة أم لا؟ وإنما يقولون: إن إقرار هذا النوع من الأحكام يُناط بعصر الظهور.
أما المرتدّ فأنا في باب الارتداد أذهب إلى الاعتقاد بأنه إذا ارتدّ الشخص عن قصورٍ فلا شيء عليه. نعم، إذا كان الشخص ممَّنْ رأى الشيخ الصانعي، الذي يرى نفسه متولّياً ومتصدّياً لشؤون الإسلام، وبعد أن رأى أعمال وآثار الشيخ الصانعي اعتقد مع ذلك أن الإسلام ليس بحقٍّ ـ نستعيذ بالله ـ، ثم ذهب إلى المسيحية فوجدها حقّاً من باب القصور، وليس عناداً، فهل يمكن لكم معاقبة مثل هذا الشخص، في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 286)؟! ولا شأن للإعلان في ذلك. فهذا النوع من الارتداد لم يكن عن اختيارٍ، وفي ذلك يجب أن أكون أنا الملوم وليس هو؛ لأن هذا هو ما توصَّل إليه بحَسَب فهمه وتفكيره، مثل: كلّ المسيحيين الذين يؤمنون بأن المسيحية هي الحقّ: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15)، أي حتّى نقيم الحجّة، لا أن يتمّ ترك حجّتهم. هذا ما قاله الشيخ الأنصاري([13]). إنكم عندما تصلون إلى أصل البراءة تقولون: يجب أن تصل الحجّة بشكلٍ متعارف. وإذا لم تصِلْ جرَتْ أصالة البراءة. وأما إذا أعلن المرتدّ عن تنصُّره، وسعى من خلال هذا الإعلان إلى العمل ضدّ الإسلام، كانت هناك عقوبةٌ تترتَّب على العمل ضدّ الإسلام.
_ بمعنى أنكم تقولون: إن هذا عنوانٌ آخر، غير عنوان الارتداد.
^ أوّلاً: ليس هناك ارتدادٌ بالمعنى المعروف أصلاً، حيث يرى الشخص أن الإسلام حقٌّ ومع ذلك ينكره. وجاء التعبير عن ذلك في الروايات بقولهم: «جحد نبوّة النبيّ»([14]). فإذا كان الشخص يعلم أن الإسلام حقٌّ ومع ذلك ينكره يتّضح أنه يريد العدوان، أو أن لديه ـ والعياذ بالله ـ ارتدادٌ عملي ويستهين بالقرآن. ونرى أن عقوبته القتل. وهكذا الأمر بالنسبة إلى جميع البلدان في العالم، حيث ترصد عقوبات قاسية لمَنْ يحرق الدستور والقانون الأساسي لكلّ دولةٍ. وكذلك هناك عقوبةٌ مشدّدة لمَنْ يشتم النبيّ الأكرم والعياذ بالله؛ فإن الذي يعلم أن النبيّ مرسلٌ من الله، ومع ذلك ينكره ويجحده «عن علمٍ»، فهذا هو الكفر والارتداد. وليس لدينا في الروايات غير هذا النوع من الارتداد. وهذا النوع من الارتداد تترتَّب عليه عقوبةٌ، أما الشخص القاصر، والذي يخطئ في فهمه، فلا يمكن معاقبته، إنما العقوبة يجب أن تقام بحقّ الذي يعمل على تعريف الإسلام بشكلٍ مشوَّه، بحيث ينفِّر الناس منه. إنما العقوبة تقع على مَنْ هو مثلي، حيث أقول: إن الإسلام يبيح لك أن تتزوَّج من بنت الناس، وتحبسها في البيت، وتعود لها في منتصف الليل، مصطحباً معك امرأةً تمارس الفاحشة، وتقول لزوجتك المحترمة: عليك أن تعدّي الفراش لهذه المرأة؛ لأن الزوجة يجب عليها أن تطيع زوجها. وإذا طالبت تلك المسكينة بالطلاق تعمل على إيذائها والتضييق عليها، حتّى تضطرّها للتنازل عن مهرها. من الطبيعي لهذه المرأة أن تتساءل وتقول: لماذا أباح الإسلام للرجل أن يتزوَّج من أربع نساء دون رضا زوجته، ويعطى له الحقّ مع ذلك بأن يطلِّق متّى شاء الطلاق؟! ومن ناحيةٍ أخرى يُجاب عن السؤال القائل: لماذا لا يمكن للرجل أن يتزوَّج من امرأتين من بنات السيدة فاطمة الزهراء÷؟ بالقول: «إن ذلك يبلغها؛ فيشقّ عليها» (بحَسَب الرواية الواردة في الحدائق الناضرة، كتاب النكاح([15])، وكذلك في وسائل الشيعة أيضاً)([16]). وهذا إنما يشقّ عليها لأنه يأتي بضرّةٍ عليها، فإذا كان في ذلك مشقّة على بنات الزهراء÷ أفلا يكون فيه مشقّة على الأخريات؟! وعليه أكون بذلك قد بيَّنت الإسلام بحيث يرتدّ السامع عنه قصوراً. إنه لا يضمر أيّ عداوةٍ للإسلام، وإنما فهمه بشكلٍ خاطئ؛ إذ لم يُعْرَض عليه بشكلٍ صحيح. وعليه أليس من الأجدر توجيه العقاب إلى مَنْ تسبَّب في ارتداده؟ إذن لو كان الارتداد عن علمٍ وعن عمدٍ، وكذلك إذا كان ارتداداً عمليّاً يتجلّى على شكل هتك حرمة الإسلام ورموزه، فهناك عقوبةٌ قطعاً.
ليس هناك ـ من وجهة نظري ـ أيُّ عنفٍ أو قسوة في الإسلام، فأنا كلما راجعت الكتب، ونظرت في الإشكالات، أزداد إيماناً بالإسلام، وأتزوَّد بالإجابات. وأنا أرفض ما تدَّعونه من أن الآخرين لا يقبلون بذلك؛ لأنني لم أتحدَّث مع أحدٍ في هذا الشأن إلاّ وخرج مقتنعاً بكلامي، مع أني لا أخرج عن منهجي الفقهي. إني عندما أقارن جميع أحكام الإسلام على أساس العدالة لا أجد إشكالاً، إلاّ في تلك المواضع التي أجبْتُ عنها.
نقد الإشكالات على مرجعية العُرْف في تشخيص مصداق العدالة
_ في ما يتعلَّق بقوله تعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (المائدة: 45)، ذكرتُم أنها آبيةٌ عن التخصيص. وهناك أسئلةٌ بشأن هذه الآية أيضاً.
^ إن الإشكالات التي طرحتموها على كلامي بشأن قوله تعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ واضحة البطلان. ولو أنكم رجعتُم إلى كلام صاحب الجواهر فسوف تجدون أن كلامكم هناك كان خاطئاً أيضاً.. هل لكم أن تقرأوا العبارة؟
_ «ولا رَيْبَ في موافقة أخبار المواسعة للكتاب الذي عرفته في الاستدلال عليها، لا أخبار المضايقة، إذ قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 14)، المفسَّر بما سمعت، مع أنك قد عرفْتَ تفصيل الحال فيه، ليس هو إلاّ من قبيل: القسم الثاني من الكتاب، الذي قد ذكرنا أنه في الحقيقة عرض على الخبر، لا الكتاب»([17]).
^ لم أكن أعني هذه العبارة… واصلوا القراءة.
_ إن تكملة العبارة كالتالي: «بخلاف أخبار المواسعة المعروضة على الإطلاقات القرآنية، الدالّة على وجوب الحاضرة على ما عرفته سابقاً»([18]).
^ هذا ما أردتُه: «على إطلاقات الكتاب»، حيث يتمّ عرض روايات المواسعة على الإطلاقات، فيأخذ موافقة الكتاب مع إطلاقاته، ولا شغل له بـ ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ أصلاً. وعليه فإنكم أخطأتم في فهم العبارة، وما يوافق الإطلاق هو بحثُ المصداق، وليس بحث المفهوم.
كما أن إشكالكم القائل بأن ترك تشخيص مصداق العدالة إلى العُرْف يلزم منه أن يكون الشرع تابعاً للعُرْف غير تامٍّ أيضاً؛ وذلك لأن الشرع قد بيَّن الحكم الكلّي والعامّ، والشرع نفسه هو الذي قال: إن الظلم حرامٌ، والعدل جائزٌ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل: 90). وبعد بيان الشرع يقوم العُرْف بالعثور على ما قاله القانون، لا أن يباشر هو عملية التشريع بنفسه. إن التشريع في عقيدتنا مختصٌّ بالله سبحانه لا غير: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ (الأنعام: 57). والسرُّ في ذلك ما بيَّنه من أنه يستطيع الفصل بين الحقّ والباطل. إن القانون الذي يضعه المشرِّع والمقنِّن تارةً يكون في موردٍ معيَّن، من قبيل: نصب الأئمّة في منصب الإمامة، أو مثل: وجوب إطاعة رسول الله| والأئمّة المعصومين^، كما نقول: إن قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59) مختصٌّ بالمعصومين؛ وتارةً يكون للمشرِّع قانونٌ عامّ، مثل: «لا ضَرَر»([19])، و«لا حَرَج»([20]). هذه هي القواعد العامّة الموجودة لدى الشارع. أو أن الخمس يتعلَّق بأرباح المكاسب: «الخمس بعد المؤونة»([21])، و«الخمس في كلّ ما أفاد»([22]). وقال تعالى في المعاملات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1). وهذه فيها إطلاقٌ، وفيها عموم أيضاً. وقد ألقى الشارع تشخيص مصاديقها على عاتق العُرْف. وإذا رجعتم إلى باب المعاطاة سترَوْن أن عمدة بحثنا في المعاطاة يكمن في السؤال القائل: هل المعاطاة عقدٌ أم ليس بعقدٍ؟ هناك مَنْ يقول: إن المعاطاة ليست عقداً، إذن لا يأتي حتّى بمجرّد الإباحة؛ لأن الرضا جاء بوصفه عقداً، والرضا مقيّد، وعندما يزول قيده يزول جنسه أيضاً؛ وهناك مَنْ يقول: إن المعاطاة عقدٌ عقلائي؛ وعلى هذا الأساس فإن هذا ما يتكفَّل به قوله تعالى: ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ (النساء: 29)، ولا يعود بمقدورنا القول: إن عقود الشرع في القوانين قد أصبحت تابعةً للعُرْف. ليس لدينا شيء في القوانين الاجتماعية أكثر كلِّية من وجوب الوفاء بالعقد؛ إذ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، بحيث يحلّ محلّ عقد النكاح والمضاربة. إن هذا القانون هو الحاكم في جميع مواطن الحقوق المدنية، إلاّ إذا تمّ تقييده من قِبَل الشارع، أو يأتي لسانٌ بدليل ويأتي بحكومةٍ، وتَرِدُ هناك مسألة وتقف بوجه جريان هذا القانون الكلّي، من قبيل: أن يأتي خطيب الجمعة ويقول: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل: 90). وإذا كان هذا مجرّد مفهوم يقول: إن الله يأمر بالعدل لا يحقّ لكم أن تفهموا مصاديق العدالة، ففي مثل هذه الحالة يكون هذا كمَنْ يقول الألغاز، ولن تكون هناك فائدةٌ في كلامه، في حين أنه يريد أن ينصح المجتمع بهذه الآية، بمعنى حيثما تكون هناك عدالةٌ في المجتمع عليكم إجراء العدالة هناك، وحيثما يرى في المجتمع ظلماً وجب عليكم مراعاة ذلك، وحيث تكون هناك فحشاء عليكم أن تتركوا تلك الفحشاء، وأن تتركوا الظلم. أو يقول: «أعظكم بالتقوى»، والتقوى تعني الامتناع عن ارتكاب الذنوب. ما هو مصداق الامتناع؟ علينا أن نسأل عن المعاصي السياسية أو الاجتماعية من الشرع، وأما ماهية الامتناع عن المعاصي، وكيفية هذا الامتناع، فهذا ما يجب على العُرْف أن يفهمه بنفسه. وهكذا هو الأمر في جميع قوانين العالم، حيث يتمّ عادةً بيان قوانين عامّة، وأحياناً يتمّ بيان حدوده، وأحياناً لا يتمّ بيان حدوده. غاية ما هنالك أنه لا يتمّ في فقهنا بيان الحدود في العبادات عادةً. هناك سلسلة من القوانين في العبادات هي تحت اختيار المكلَّف فيما بينه وبين خالقه، يقول: إذا توصَّلْتَ إلى أن هذا ما يقوله العُرْف فاعمَلْ به، وإذا توصَّلْتَ إلى خلاف ذلك فاتركْه. وفي المسائل الحقوقية يتمّ تعيين الحدود بشكلٍ كامل؛ إذ لو لم يتمّ تعيينها بشكلٍ كامل فسوف يحصل الاختلاف. إذن لو قلنا بأن الأمر بالعدل مثل سائر الأوامر الشرعية، والحثّ على العدالة مثل الحثّ على سائر الإطلاقات والقوانين، وإن الأمر هنا جاء على الكلّي، الذي يكون تشخيص مصداقه بيد العُرْف، لا يستفاد من ذلك تَبَعية الشرع للعُرْف، بل العُرْف هو التابع للشرع: «العُرْف يدور ليجد مصداقاً للعدالة، ويتفحَّص ليجد مصداقاً للظلم. إذا وجد مصداقاً للظلم يقول: إنه حرام، والشارع نهانا عنه، وإذا وجد مصداق العدالة يقول: إنه جائزٌ والشارع أمرنا به». وعليه يكون الشرع هو المحور.
_ لو قال العُرْف: إن الشارع قد أمرني بالعدل، ونهاني عن الظلم، كما أمرني بالتصدّي لتحديد مصداق العدل والظلم، ففي مثل هذه الحالة هل يحصل العُرْف على هذه المصاديق من الشرع أم يحصل عليها بنفسه؟
^ يحصل عليها بنفسه. وهذه المسألة ترتبط بإشكالكم الثاني، حيث أستعرضه هنا. أنتم تشكلون بأن لازم كلامي هو أن يكون الشرع تابعاً للعُرْف. وأنا أقول: لا يلزم ذلك من كلامي؛ إذ حتّى لو افترضنا أن الشرع يقول بأن العُرْف يحصل على جميع مصاديق العدالة بنفسه، إلاّ أن هذا لا يستلزم أن يكون الشرع تابعاً للعُرْف، وإنما يستلزم تبعية العُرْف للشرع؛ وذلك لأن العُرْف يكون قد استند إلى الكلّي الشرعي، ويبحث عن مصداق الكلّي الشرعي، وليس مصداق هوى نفسه، أو مصداق قانون كلّي آخر، بل العُرْف يبحث عن مصداق الكلّي الشرعي. وهذا هو دأب وديدن الشارع والمقنِّن، حيث يترك تحديد المصداق إلى الأفراد أنفسهم، وعلى هذا المبنى تقوم الآيات القرآنية وفقهنا.
يوجد ما يشبه هذا الإشكال الذي تذكرونه في جميع المواضع. وهكذا في «لا ضَرَر» أيضاً. إن على العُرْف أن يعثر على مصداق الضَّرَر، فهل تقولون في «لا ضَرَر»: إن الشرع قد أصبح تابعاً للعُرْف أيضاً؟! والملفت أن قاعدة «لا ضَرَر» مثل قاعدة العدالة أيضاً، فهي سيّالةٌ وتجري في جميع مواطن الفقه، وليس في موردٍ واحد فقط. ولهذا السبب يُطلق على «لا ضَرَر» و«لا حَرَج» متمِّم القانون الأساسي (الدستور). إن هاتين القاعدتين حاكمتان في جميع أبواب الفقه، من أوّل كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الحدود والديات.
والذي التفت إلى قاعدة «اليُسْر» و«نفي العُسْر» أفضل من غيره هو المحقِّق الأردبيلي([23]). فلم أجِدْ فقيهاً قد اهتمّ بهذه المسألة مثل اهتمامه. فهو لا يرى أن قاعدة «نفي العُسْر» وحدها هي الحاكمة، وإنما يرى أن قاعدة «اليُسْر» حاكمةٌ أيضاً([24])، وهذان الأمران يختلفان عن بعضهما؛ وعليه يكون إشكالُكم مندفعاً.
وأما سؤالكم القائل: لماذا يفتي الفقهاء في مصاديق العدالة؟ فنقول في جوابه: إن لجميع القوانين كلِّيات، ويتمّ فيها بيان بعض المصاديق. وإن فقهاءنا بدَوْرهم قد بيَّنوا سلسلة من مصاديق «لا ضَرَر» و«لا حَرَج»، ومن ذلك أنهم ـ على سبيل المثال ـ يلغون الخصوصية عن مسألة سمرة بن جندب، الذي أمر رسول الله بقطع شجرته، ويقولون: إن كلّ مالكٍ إنما يحقّ له التصرُّف في ملكه ما لم يؤدِّ تصرُّفه إلى الإضرار بالآخر. إلاّ أن الفقيه إنما يبيِّن المصداق المذكور في الروايات، ويترك بيان بقيّة المصاديق إلى العُرْف. وفقهُنا زاخرٌ بهذه المسائل.
لا أقول: إن جميع أحكام الإسلام رهنٌ بالعدل، وليس له قانونٌ في أيّ واحدٍ من مصاديقه، وإنما الذي أقوله هو أن لدى الإسلام قوانين، وإن هذه القوانين قد تأسّست بدَوْرها على قوانين كلّية أيضاً، ومن بينها: أصل العدالة. والفقيه يعثر على مصاديقها في الفقه؛ إذ رُبَما لا يلتفت العُرْف إلى بعض المصاديق. ومن هنا فإن الفقيه يذكر منها في رسالته العملية ما بيَّنه الشارع في الروايات، ويترك بيان الباقي إلى العُرْف. وهذا من أصول التشريع في الإسلام.
إن كلّ مشرِّعٍ يأخذ بعض الأصول وجانباً من مصاديقها بنظر الاعتبار. وإن دستور بلادنا يشتمل بدَوْره على فصلٍ باسم أصول الدستور. إن هذه الأصول هي بمنزلة الأمّ للدستور، حيث يجب أن تكون القوانين الأخرى التي سترد في هذا الدستور أو التي تتمّ المصادقة عليها في مجلس النواب منسجمةً مع هذه الأصول؛ من قبيل: الأصل القائل: إن جميع القوانين يجب أن تكون متطابقةً مع موازين الشرع. كما حدَّد الدستور الجهة التي يجب أن تشرف على عدم مخالفة القوانين للشرع، وهذه الجهة هي مجلس صيانة الدستور. هذا أمرٌ كلّي في الدستور، ويجب أن تعود جميع مواد الدستور إليه.
أنا لا أقول: إن الله ليس له سوى قانونٍ واحد فقط، وهو العدالة، بل أقول: إن لله في الصلاة وحدها ما لا يقلّ عن ثلاثة آلاف قانون، ألفان منها في المستحبّات؛ وألف في الواجبات. وفي باب الحجّ استمرّ زرارة يسأل الإمام الصادق× على مدى أربعين سنة، حتّى قال للإمام أخيراً: لقد مضَتْ أربعون سنة وأنا أسأل؟ فقال له الإمام: تريد أن تنتهي مسائل بيتٍ كان موضعاً للطواف قبل آدم× بألفَيْ سنة؟!
إن الشرع هو الذي يبيِّن القانون، ولكنْ يترتَّب على هذا القانون أمران، فأوّلاً: يجب على الفقيه والمستنبط أن يلتفت إلى هذا الأصل، فإذا رأى في الروايات أو الفتوى أمراً مخالفاً للعدالة وجب عليه البحث في أسباب ذلك.
ولا بأس هنا بذكر مثالٍ على ذلك: لو أن شخصاً اشترى بيتاً من آخر، ولا يعلم أنه ليس بيته، وإنما هو لشخصٍ ثالث، وقبض البائع ثمنه، فيكون الثمن مقبوضاً بعقدٍ فاسد؛ بسبب جهل المشتري بفساد العقد، ثمّ سكن هذا المشتري في ذلك البيت رَدْحاً من الزمن. يقول الفقهاء هنا: يجوز لمالك البيت أن يأخذ منافع البيت المستوفاة من المشتري (ولا أعني بطبيعة الحال المنافع غير المستوفاة، وإنما خصوص المنافع المستوفاة)، ويحقّ للمشتري أن يرجع إلى البائع، ويطالبه بنقوده.
ولكنّي أقول: ما هو ذنب المشتري حتّى يكون ضامناً؟ فهل اعتبار المشتري ضامناً في هذا المورد يتناسب مع العدل؟ ألا يكون في ذلك ظلمٌ عليه؟ لقد اشترَيْتُ داراً وسكنْتُ فيها عشر سنوات، ثم تبيَّن بعد ذلك أنها لم تكن ملكاً للبائع، فلماذا أكون ضامناً لأجرة البيت على مدى هذه السنوات العشر؟ وقد أجاب الفقهاء عن ذلك بأن الضمان هنا غير مستقرٍّ عليك، وعليك أن تدفع الأجرة، ولكنْ يحقّ لك الرجوع إلى البائع وأخذ الأجرة منه. وأنا أقول: حتّى هذا الرجوع إلى البائع في الكثير من الموارد يُلْحِق ظلماً بالمشتري، ولا سيَّما في الظروف الراهنة التي يتعيَّن فيها عليه أن يقدِّم شكوى إلى المحكمة، وأن يثبت أن البائع قد ظلمه، وأنه هو الضامن. فحتّى هذه العملية تنطوي على الكثير من العَنَت والحَرَج.
_ إذا لم يكن المشتري الجاهل قد تسبَّب بظلمٍ فاعليّ ألا يكون قد تسبّب بظلمٍ فعلي؟
^ إنه لم يظلم أحداً، لا بالظلم الفعلي ولا بالظلم الفاعلي.
_ لم يقترف ظلماً فاعلياً، ولكنّه قد ارتكب ظلماً فعلياً، بمعنى أنه سكن في بيتٍ مملوكٍ لآخر على مدى عشر سنوات. نعم، يمكن القول: إنه لم يرتكب إثماً؛ لأنه كان جاهلاً.
^ ما معنى الظلم الفعلي؟ لنتحدَّث بكلامٍ واضح ومفهوم. فسواءٌ قلنا بالظلم الفعلي أو لم نقُلْ هل يعتبر ما قام به المشتري الجاهل ظلماً أم لا؟
_ يكون قد ارتكب ظلماً فعلياً؛ لأنه سكن في دارٍ مملوكةٍ لآخر.
^ إن الظلم لا يُنْسَب إلى الفعل؛ لأن الأشياء في حدّ ذاتها لا توصف بالحُسْن والقُبْح. إن الإسلام إذا كان قد ذمّ الدنيا فإنه لم يذمّ السماء والأرض؛ إذ لا عَيْبَ في نفس السماء والأرض، وإنما المذموم هو التعلُّق بالسماء والأرض.
أنتم تقولون: إن المشتري ضامنٌ، وأنه يجب عليه أن يدفع الأجرة للمالك، ويمكن للمشتري بعد ذلك أن يرجع إلى البائع ويستوفي منه حقَّه. وأما أنا فأقول: إن هذا الحكم ينطوي على حَرَجٍ على المشتري. وإنكم بَدَلاً من هذا الحكم يمكن لكم القول بأن مالك البيت هو الذي يرجع إلى البائع مباشرةً، ويأخذ حقَّه منه.
ولنذكر هنا مثالاً آخر: لو تعرَّضت المرأة إلى ظلمٍ من قِبَل زوجها وجب عليها رفع أمرها إلى القاضي؛ فإن ثبت لدى القاضي أن الحياة مع هذا الرجل لا تُطاق وتشكِّل حَرَجاً على المرأة فإنه يحكم بطلاقها. إلاّ أن العلاّمة& في القواعد([25]) أو التذكرة (وكذلك الإمام الراحل& له حكمٌ مشابه في هذه المسألة) يقول: إذا كانت الحياة مع هذا الرجل تشقّ على المرأة، وأشكل عليها الذهاب إلى المحكمة، أمكن لهذه المرأة فيما بينها وبين ربِّها أن تطلِّق نفسها من هذا الرجل، وتتزوَّج من شخص آخر. وإذا كان لدى الزوج اعتراضٌ على ذلك أمكنه هو أن يرفع أمره إلى المحكمة. أو إذا كان الزوج غائباً ولم يكن له أثرٌ، فهنا يمكن للزوجة أيضاً أن تطلِّق نفسها من زوجها. وقال الإمامُ& بشأن زوجات المفقودين: إذا حصل لهنّ اطمئنانٌ بعدم عودة أزواجهنّ، وأصبحت الحياة حَرَجاً بالنسبة لهنّ، أمكن لهنّ تطليق أنفسهنّ والتزوُّج من آخرين. بَيْدَ أن هذا الحكم لم يتمّ تطبيقه على أرض الواقع؛ إذ كان لا بُدَّ من إدخال الطلاق رسميّاً في دوائر النفوس والهويّات الشخصية.
الذي أريد قوله هو أن أصل العدالة أصلٌ أساسيّ، ومن الأصول الإسلامية العامّة والكلّية، وليس هناك مشرِّعٌ يكتفي بالأصول الكلّية، وإنما يتعرّض لبيان بعض المصاديق أيضاً. ولو كانت الأصول الكلّية كافيةً لما كانت هناك حاجةٌ إلى إرسال أكثر من نبيٍّ واحد؛ لأن النبيّ الأوّل يقول: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (النحل: 90)، ويترك لنا مسألة العثور على المصاديق. وعليه يتّضح أن المشرِّع يخوض في بيان المصاديق أيضاً، ومن هنا يعمل الفقيه من أجل العثور على مصاديق العدل والظلم من نفس الرواية.
وثانياً: لديَّ إشكالٌ على كلامكم. إنكم إذا نظرتُم في فصلٍ واحد من كتاب العروة الوثقى ـ وهو كتابٌ فقهيّ ـ سوف تجدون أنه لا يوجد هناك فقيهٌ لم يلتفت إلى أن بعض هذه الأمور داخلة في الأمور العُرْفية، وأنها ليست من شؤون الفقيه. إن على الفقيه أن يعيِّن حدّ العُرْف، ولكنْ أصبح من دأب وديدن الفقيه أن يتدخَّل في الأمور العُرْفية. وقد قبل منه المقلِّدون هذا التدخُّل. يمكن للفقيه أن يحيل الأمور العُرْفية إلى العُرْف، بَيْدَ أن الذي ورد في الكتب الفقهية هو أن تلك الكبرى الكلّية ـ أي أصل العدل ـ يجب أن تنطبق على مصاديق، وأن يتمّ بيان ذلك إلى الناس على طول التاريخ.
كان السيد الإمام يقول في بحث الاجتهاد والتقليد: أرى أن بحث الاجتهاد قد صدر عن أهل البيت^، وأنهم في الأصل هم الذين أسّسوا الاجتهاد في مذهب الشيعة؛ وذلك حيث قالوا: «علينا إلقاء الأصول، وعليكم التفريع»([26])، «فممَّنْ آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا ابن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا»([27]).
وأحتمل أن الأئمّة^ قد فتحوا باب الاجتهاد؛ ليبقى المذهب حيّاً، ويعمل عددٌ من العلماء في نطاق الحوزة العلمية على بذل الجهود من أجل فهم كلام الإمام الصادق×، وحلّ الروايات المتعارضة، وبذلك يتمّ ضمان استمرار المذهب وبقائه على قيد الحياة. فليس هناك مذهبٌ مغلق تكتب له الحياة.
إذن هذا هو لازم التشريع وبقاء القانون، وهذا هو دأب وديدن الفقيه أيضاً. نعم، في الموارد التي لا تتعرَّض إلى بيان مصاديق العدل والظلم يمكن للفقيه الرجوع إلى العُرْف.
_ لقد ذكرتُم أن الشارع قد بيَّن العدالة بوصفها أصلاً كلّياً، وأن الفقيه في البداية يبحث عن المصاديق الواردة في تلك الروايات، ويعمل على الإفتاء في ضوئها، وحيث لا تكون هناك مصاديق في الرواية فإنه يذهب إلى العُرْف. وهنا نعيد السؤال مرّةً أخرى؛ زيادة في التصريح، ونقول: هل يذهب الفقيه إلى الروايات أوّلاً، ثمّ يعمل على ملء الفراغات بالعُرْف، أم يذهب أوّلاً إلى العُرْف، ثمّ يملأ الفراغات بالروايات؟ إذ هناك فرقٌ كبير بين الأمرين.
^ كلاّ، لا نقول: إنه يذهب إلى العُرْف أوّلاً، وإنما نقول: إن العدالة من القوانين الأمّ. ولا فرق في ذلك بين تشريع الإسلام وغيره أبداً: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ (إبراهيم: 4). لقد تمَّتْ رعاية منهج وأسلوب التقنين والتشريع في الإسلام. يقوم دأب وأسلوب التشريع على أن يعمد المشرِّع أوّلاً إلى رسم الأصول الكلّية الأمّ، ثمّ يعمل على وضع سلسلة من القوانين في ضوء تلك الأصول. وقد تمّ السماح لمَنْ ينظر في هذه القوانين العادية بأن يفتي على أساسها إذا وجد الحكم متناغماً مع القانون الأمّ، وأن لا يفتي في غير هذه الحالة. وإذا بقيت هناك موارد لم تَرِدْ في النصّ القانوني أحالها إلى القانون الأمّ، أو إذا كانت مرتبطةً بالمسائل التجارية أحالها إلى عمومات المعاملات، من قبيل: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، دون إشكالٍ.
وهذه هي طبيعة التشريع أصلاً، ولا يمكن التشريع بشكلٍ مغلق. إن المشرِّع والمقنِّن يعمل على بيان كلِّيات؛ بغية الرجوع إليها عند الشكّ وعدم الفهم، ثمّ يتمّ وضع القوانين الأكثر تفصيلاً.
_ في الحقيقة هناك ثلاثة أمور تختلف عن بعضها، فأيّ الأمور تتحدَّثون عنها؟
الأمر الأوّل: إن القانون العامّ والمصداق موجودان في الكتاب والسنّة. وعليه لو عثرنا على موردٍ يخالف المصداق المذكور في الكتاب والسنّة وذلك القانون العام وجب علينا طرح ذلك المصداق من الكتاب والسنّة.
الأمر الثاني: أن يكون الشارع قد بيَّن القانون العامّ، وبعض المصاديق الجزئية، وأحال بعض المصاديق الأخرى إلى العُرْف. والفقيه ـ في ما يتعلَّق بتلك المصاديق الجزئية التي ذكرها الشارع ـ لا يتَّجه إلى القانون العامّ، ولا إلى العدالة العُرْفية.
الأمر الثالث: أن يكون الشارع قد بيَّن القانون العامّ، كما بيَّن بعض التفاصيل أيضاً، ولكنْ هناك اختلافٌ في الفتوى في بعض تلك الجزئيات. فهنا يعمل الفقيه على ترجيح إحدى الفتاوى على الأخرى، من خلال الاستعانة بالعدالة العُرْفية.
إذا قلتُم بأننا نتمسَّك بالعدالة العُرْفية في جميع الموارد فهذا يعني أنكم تعتبرون العدالة العُرْفية في عرض الكتاب والسنّة، وأن بإمكان العدالة العُرْفية أن تبطل الحكم الوارد في الكتاب والسنّة، إذا كان من الظلم العُرْفي.
^ ماذا يعني في مقابل الكتاب والسنّة؟ هل تقصدون بذلك السنّة القطعية من حيث السند والدلالة والجهة؟ أنا في هذه الحالة لا أقول بأن الظلم العُرْفي في مقابل الكتاب والسنّة. أنتم بذلك تخلطون بين الثبوت والإثبات.
الذي أقوله هو أن الأصل العامّ في فهمنا حاكمٌ في جميع المواضع، بمعنى أننا إذا وجدنا من ظاهر رواية ظنّية السند، أو من ظاهر رواية ظنّية الدلالة، أو من الإجماع، أو من العقل ـ ولا نعني به العقل البرهاني، وهو بطبيعة الحال مستبعدٌ في العقل ـ أو من أقوال الفقهاء مسألةً لا تنسجم مع العدالة عند العُرْف يكون هذا الحكم مخالفاً لأصل العدالة. وهنا لا بُدَّ من المقارنة؛ فإذا كانت المخالفة على نحو التباين تمّ طرح ذلك الحكم؛ وإذا لم تكن على نحو التباين تمّ الجمع بينهما.
إذن فالقول بأن هنا ثلاث مسائل غير صحيح. أنتم تقولون: «مع الكتاب والسنّة»، وأنا أقول: إن لـ «مع الكتاب والسنّة» معنيين، وأما في ما يتعلَّق بالكتاب والسنّة القطعية فهو محالٌ أصلاً.
إن أصل العدالة سيّالٌ ويجري في جميع العقود، على غرار الأصل الكلّي: «لا ضَرَر»، و«لا حَرَج»، و«أوفوا بالعقود». ولذلك فإنّ كلّ حكمٍ يتمّ إثباته بالأدلة الظنّية وجب تقييمه مباشرة بقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185). فهل هذا التقييم ضروريٌّ أم لا؟ إذا لم يلتفِتْ الفقيه فهو معذورٌ، وأما إذا احتمل فيجب عليه التقييم حَتْماً.
_ إن هذا التقييم يحتاج إلى شاخصٍ، ويجب أن يكون منضبطاً.
^ كيف تعملون على تشخيص الموارد في الفقه؟ يقول الفقيه: إن العُرْف يرى أن هذين الحكمين متخالفان، أو أن العُرْف يرى أن هذا يشكِّل ضرراً.
_ إذا أردتُم القول: إننا لا نحتاج إلى بيان ضابطةٍ للتقييم وجب علينا التخلّي عن علم أصول الفقه؛ لأن علم الأصول يرسم لنا الضوابط.
^ إن علم الأصول يحتوي على هذا الإشكال. إن علم الأصول بيانٌ للفهم العُرْفي. فيقول واحدٌ: إن العُرْف يفهم من الأمر الوجوب، ويقول آخر: إن العُرْف يفهم من الأمر الرجحان، ويقول ثالث: إن العُرْف يفهم كلا الأمرين، ويقول السيد الإمام: ليس للعُرْف ظهورٌ في أيٍّ منهما، وإن الحجّة من الناحية العُرْفية في الوجوب، وليس الظاهر في الوجوب. وهذا العُرْف هو الذي يتسلَّل إلى الفقه. ولذلك كلّما كان الفقيه أقرب إلى العُرْف كان فقهه أقوى. وفي الأساس إن الفقه والأصول بأجمعه عُرْفٌ، ولذلك فإني أندهش عندما تُشْكِلون عليَّ!
لنعُدْ إلى أصل الموضوع، وهو ما ذكرتموه من «الكتاب والسنّة»، أقول: لو أن فقيهاً أصدر فتوى، ثمّ وجد أن المقدَّس الأردبيلي يقول: إن هذه الفتوى على خلاف العُسْر أو على خلاف «اليُسْر»، ألا يجدر بهذا الفقيه أن يبحث ويدقِّق؛ ليرى ما إذا كانت فتواه مخالفة للعُسْر أم لا؟ أنا أقول: يجب عليه أن يدقِّق. إذن من أين له أن يفهم أنه عُسْر أم لا؟ يشعل السِّراج ليفهم هل هو عُسْر أو عليه أن يعود إلى العُرْف؟ يتَّجه إلى العُرْف بوجدانه، ويقول: إني أعرف بوجداني أن هذا الحكم ينطوي على عُسْر عُرْفاً أم لا. وجميع الفقه على هذه الشاكلة تقريباً. وإن رأي الفقيه معتبرٌ له ولمقلِّديه، ولذلك فإنه يفتي.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى قاعدة «لا ضَرَر» أيضاً. يُسأل الفقيه: هل يجوز رفع الجدار بحيث يمنع الشمس عن بيت الجار أم لا؟ يرجع أحدهم إلى قانون «الناس مسلَّطون على أموالهم»([28])، ويرجع الآخر إلى قانون «لا ضَرَر». طبقاً لقانون «الناس مسلَّطون» يفتي الفقيه بجواز ذلك؛ لأنه إنما يرفع جداره، والجدار ماله، وهو مسلَّط عليه؛ وطبقاً لقاعدة «لا ضَرَر» يقول الفقيه: إن رفع الجدار يخفض قيمة بيت الجار، وهذا يؤدّي إلى الإضرار به. ما هو المعيار الذي يستند إليه الفقيه في القول بأن في ذلك إضراراً على الجار؟ هل يفهم من قاعدة «لا ضَرَر» أن العُرْف يقول له ذلك؟ يقول فقيه آخر: ليس في ذلك ضَرَرٌ على الجار، وإنما هو مجرّد حرمان من المنفعة، بمعنى أن الدار كانت ذات منفعة، وبعد رفع الجدار لم تَعُدْ ذات منفعة. وكلا الفقيهين يعتمد في ما يذهب إليه على العُرْف.
وفي باب الاستصحاب يقول فقيهٌ: إن الموضوع قد تغيَّر عُرْفاً، وعليه لا يكون الاستصحاب جارياً. ويقول فقيهٌ آخر: بل لم يتغيَّر عُرْفاً، وعليه يكون الاستصحاب جارياً. والمثال الواقعي على ذلك هو الماء المتغيِّر بنفسه، من قبيل: مياه المجاري التي يتغيَّر لونها وريحها وطعمها تلقائياً. والدليل الوحيد الذي يستند إليه الفقهاء هو وحدة الموضوع عُرْفاً. فهل الماء حالياً هو ذات الماء الذي كان قبل التغيُّر أم هو ماءٌ آخر؟ وعليه لا يمكن الاستصحاب. كلا القولين قد تمسَّك بالاستصحاب أو عدم الاستصحاب، ويستند كلاهما إلى العُرْف، ولا أحد منهما لا يتخلّى عن فهمه العُرْفي، وكلاهما حجّةٌ، ولا إشكال في ذلك.
هل تتصوَّرون أننا عندما نقول: إن على الجميع أن يكونوا تابعين للعُرْف فهذا يعني أن على جميع الفقهاء أن يكونوا مقلِّدين للعُرْف؟! هذا هو الفقه برمَّته، والفقهاء يتكلَّمون على طبق العُرْف. والكثير من الاختلافات تدور حول العُرْف، من «لا ضَرَر»، و«لا حَرَج»، و«أوفوا بالعقود» و«اشتراط العربية». هل يمكن لكم أن تذكروا مورداً في موضعٍ ما دون أن يعود إلى العُرْف. في الاختلاف بين فقيهين حول روايةٍ يذهب أحدهما إلى القول بأن العُرْف يفهم من هذه الرواية هذا الشيء، ويذهب الفقيه الآخر إلى القول بأن الذي يفهمه العُرْف من هذه الرواية شيءٌ آخر. لقد استخرج المقدَّس الأردبيلي([29]) واحداً وعشرين حكماً من مقبولة عمر بن حنظلة([30])، فهل نزلت عليه هذه الأحكام وَحْياً؟! لا شَكَّ في أنها لم تُوحَ إليه، بل إنه عندما ينظر في الرواية يقول: إن العُرْف يفهم منها هذه الأحكام.
لنذكر مثالاً في هذا الشأن: عندما يُقال: «لا تسجد على القرطاس المكتوب» ماذا تعني هذه الجملة؟ أنا أقول: إن معناها هو: اشتروا من أجود أنواع التمور في هجر، ولا تشتروا من رديء التمور هناك. هل يمكن لكم أن تثبتوا أنها ليست بهذا المعنى؟ أجيبوا.
_ جوابنا هو الفهم العُرْفي، بَيْدَ أن هذا الجواب ليس كافياً لكم؛ لأن هذا المثال للفهم العُرْفي في ظواهر الألفاظ، وإن ادّعاء العدالة العُرْفية تتجاوز فهم ظواهر الألفاظ.
^ ها أنتم تعودون مرّةً أخرى للحديث عن ظواهر الألفاظ!
_ نحن لا ننكر الفهم العُرْفي في الألفاظ؛ وعليه لا فائدة من تكثير الأمثلة في اعتبار الفهم العُرْفي للألفاظ.
^ إن جميع معاييركم ـ باستثناء القطعيّات ـ تعود إلى الفهم العُرْفي، وحتّى المعيار نفسه يجب التعرُّف عليه بواسطة الفهم العُرْفي. قال الشاعر:
يا معشر العلماء يا ملح البلد *** ما يُصلح الملح إذا الملح فسد
لا يمكنكم فهم جميع المعايير بواسطة الوَحْي. فإذا تجاوزنا قطعيّات الإسلام فإن كلّ ما يتبقى سيكون عُرْفياً.
أنا أذهب إلى الاعتقاد بأن فهم المصاديق يلقى على عاتق العُرْف أيضاً. هناك اختلاف بين الميرزا النائيني والمحقِّقين، والسيد الإمام منهم. إن أحد المعايير الفقهية هو «الكتاب»، وليس هناك أيّ اختلاف في ذلك: «إني تاركٌ فيكم الثقلين»([31]). إن هذه الرواية التي تجعل من الكتاب معياراً لكم بأيّ فهمٍ تألَّفت؟ مَنْ الذي يقول: إن معناها هو ذاك الذي فهمتموه، رُبَما كان معناها: إن الحوزة العلمية تكون يوماً في النجف الأشرف، ويوماً في قم المقدّسة. فبماذا تجيبون؟ جوابكم هو: إن هذا ما يقوله العُرْف، دون إشكال.
إن الفقيه عندما يروم استنباط الأحكام الشرعية، كما يتعيَّن عليه أن يرى ما إذا كانت فتواه مخالفة للإجماع أم لا، وما إذا كانت حجّةً أم لا، أو مخالفةً لقاعدة نفي العُسْر وقاعدة «لا ضَرَر» وعمومات القرآن أم لا، يجب عليه كذلك أن يرى ما إذا كانت مخالفةً لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90)، وقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ (الأنعام: 115)، أم لا أيضاً. فإنْ وجد أنها مخالفة لها وجب عليه التريُّث؛ ليرى كيف حصلت المخالفة، ومن ذلك أنه إذا أراد أن يجري العقوبة والحدّ الشرعي على مجرمٍ ـ مثلاً ـ يجب عليه أن يرى أوّلاً هل كان للجاني حقّ على المجنيّ عليه أم لا؟ ولا يمكن القول: حيث إنه قد ارتكب جرماً لا يمكن أن يكون صاحب حقٍّ؛ إذ لا يمكن للجاني أن يتحمَّل عقوبتين، والزيادة على الحدّ محظورة، وهذا هو ما يقوله الحكم العقلي والعقلائي.
إذن يتعيَّن على الفقيه أن يرى هل العقوبة المرصودة للجاني تستلزم زيادةً على العقوبة الشرعية أم لا؟ كأنْ يتمّ حبس الجاني في المعتقل؛ ألا يكون في هذا الحبس زيادة على العقوبة أم لا؟ إنكم إذا حبستم القاتل في المعتقل سيكون هذا الحبس زيادة على العقوبة، غاية ما هنالك أنه ورد في الرواية أنه يجوز حبسه من ستّة أيّام إلى سنة. ويأتي هذا الأمر في إطار عدم تمكُّن القاتل من إزالة آثار الجريمة؛ وبذلك لا تكون عقوبةً زائدة. ولكنْ لو توصلنا إلى أنه لن يزيل آثار الجريمة؛ لأنها قد زالت مسبقاً، وأن الجاني لا يستطيع الهروب، فهل يمكن لنا الإبقاء على حبسه؟ كلاّ؛ لأن ذلك سيكون عقوبةً زائدة حتّى إذا كان قد قتل أكثر من شخصٍ.
_ نحن لا نقول بعدم تقييم الحكم بالعدالة، بل نقول: إن هذا التقييم يجب أن يكون على وفق الضوابط. فمثلاً: قيل في قاعدة «لا ضَرَر»: إن هذه القاعدة لا تثبت الحكم، وإنما تنفيه فقط. وهذا يمثِّل نوعاً من تنظيم قاعدة «لا ضَرَر»، وجعلها منضبطة. وعليه فإن الذي نريد قوله هو أن تعملوا على جعل قاعدة العدالة منضبطةً؛ لكي نعلم متى يمكن أن تجري؟ ومتى لا يمكن أن تجري؟
^ حتّى هذه الضابطة التي تتحدَّثون عنها في قاعدة «لا ضَرَر» هي عُرْفية أيضاً؛ بمعنى أن العُرْف يفهم من هيئة «لا ضَرَر في الإسلام» نفي الحكم، وليس إثبات الحكم. إنكم في ما يتعلَّق بالمطالبة بالضابطة عليكم أن تأتوا بمثالٍ، فمن دون مثالٍ لا يكون كلامُكم واضحاً؛ لأنكم تريدون تأسيس مسألةٍ من خلال مثالٍ. لم تذكروا مسألتكم أوّلاً، وبقي مثالها فقط؛ لكي تقولوا لا حاجة إلى المثال. تارةً يعمد شخصٌ ـ بعد إثبات تمامية مدَّعاه ـ إلى ذكر مثالٍ، ولا يكون مثالُه صحيحاً؛ فيُقال: لا بأس في ذلك؛ إذ المناقشة في المثال ليست من دأب المحصِّلين، وأما إذا أردتُم أن تأتوا بمثالٍ؛ لتقيموا المبنى على أساسه، فيجب أن يكون هذا المثال صحيحاً حَتْماً. تقولون: إن لدى الفقهاء ضابطةً في موارد الكلّيات، وإن كلامهم لا يخلو من ضوابط، وليس الأمر بحيث يرجعون كلّ شيء إلى العُرْف. إن مثالكم في «لا ضَرَر» هو أن «لا ضَرَر» لنفي الحكم، وليس لإثبات الحكم. إن لديَّ شبهةً في أن الضابطة التي ذكرتموها هل هي ضابطةٌ عُرْفية أم شرعية؟ والقول بأن «لا ضرر» للنفي، دون الإثبات، يؤكِّد أنها عُرْفية.
_ الذي نريده هو أن لا يكون تقييم الأحكام بالعدالة ذوقياً ومزاجياً؛ كي لا يعمل أحدٌ على اعتبار حكمٍ ما ظالماً أو عادلاً دون ضوابط.
^ إن كلّ شيء هو ذوقي وعُرْفي. إن الفقيه متَّهمٌ في حَدْسه. لا يمكن أن يكون لديكم فقهٌ دون ذوق. وإن الضابطة التي تريدون الحصول عليها موجودةٌ في الآية نفسها. والضابطة التي ذكرتموها في «لا ضَرَر» هي ذات الفهم العُرْفي لـ «لا» النافية التي تمَ تطبيقها في «لا ضَرَر».
لا يمكن بيان ضابطةٍ للمفاهيم. وقد سبق أن أشرْتُ إلى بحث «الماء المطلق». هناك في ما يتعلَّق بالمفاهيم عادةً بعض الكلِّيات في أذهان العُرْف، ولكنْ حدود هذه الكلِّيات غير واضحة. والأمر رهنٌ بما يفهمه الفقيه من العُرْف. وفي مثال «الماء» نجد الأمر واضحاً جدّاً، حيث نجد أن العُرْف يشكّ في بعض المصاديق، ويقول: هل «الماء» يصدق عليه أم لا؟ بمعنى أن الفقيه نفسه هو الذي يقول بأن العُرْف يشكّ.
عليكم الاعتراف بأن للموضوعات والمواد مفاهيم، وأن المفاهيم قد تمّ شرحها وبيانها في الكتب اللغوية. إن بعض أبحاث الفقه تتعلَّق بالموادّ، من قبيل: ألفاظ العموم، ومن ذلك مثلاً أن كلمة «كلّ» من ألفاظ العموم، إلاّ أن الموادّ تشتمل على معاني إجمالية، وأن جميع تعريفاتها تعود إلى تلك المعاني الإجمالية؛ وإذا أردتُم أن تفسِّروا وتعرّفوا لفظاً بحيث يشمل جميع مصاديقه لن يكون ذلك ممكناً. ولذلك تجدون حتّى في تعاريف العناوين الاصطلاحية، التي هي من إبداع العلماء أنفسهم، يوجد هناك اختلافٌ في وجهات النظر قطعاً، حيث يعمد فقيه إلى تعريفها بشكلٍ، ويُشْكِل فقيهٌ آخر على هذا التعريف. يقول فقيهٌ: «الطهارة استعمال طهورٍ مشروطٌ بالنيّة»، ويذهب فقيهٌ آخر إلى الإشكال على ذلك. ومن هنا قال صاحب الكفاية: إن هذه التعاريف هي من قبيل شرح الاسم، كما هو الحال في قولهم: «سعدانة نبتٌ»([32]).
_ حتّى الآن يبدو أن ما تذكرونه واضحٌ في حدود الإمكان. ومرادُنا من هذا الحوار هو إيضاح الآراء. ونذكر هنا سؤالٌ آخر: ذكرتُم في كتابكم: إن قول الله تعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (المائدة: 45) يأبى عن التخصيص.
^ ذكرتُم في أسئلتكم المكتوبة أن قوله تعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ إنما هو لجهة بيان أنه لا يجوز الاقتصاص ممّا يزيد على النفس. وقد سبق لي أن أجبْتُ عن هذا الكلام. وقد نسبتُم هذا الكلام إلى الميزان أيضاً. والذي أريد قوله هو أن العلاّمة الطباطبائي لا يريد القول بأن الآية تبيِّن حيثيةً واحدة فقط.
_ ونحن أيضاً لم نقُلْ: إن العلاّمة الطباطبائي قال هذا الشيء، ولكنْ لدينا الآن سؤالٌ آخر حول إباء ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ عن التخصيص، في حين أنكم قد أفتيتُم في كتاب القصاص بما يبدو منه تخصيصاً أو تقييداً لهذه الآية، وذلك في ما يتعلَّق بقصاص «الأب» بـ «الابن»، فكيف قبلتُم التخصيص في هذا المورد، وتقولون في الوقت نفسه: إن هذه الآية تأبى عن التخصيص؟
^ إن الإباء عن التخصيص بحثٌ عُرْفي. فالعُرْف يرى أن عامّاً يأبى التخصيص، ولا يرى ذلك في عامٍّ آخر. ويقول تارةً: إن هذا العامّ يمكن تخصيصه بمخصِّصٍ، ولا يمكن تخصيصه بمخصِّصٍ آخر. ولا أذكر الآن هل قلتُ هناك: إن اللسان هو لسان حكومةٍ أو تخصيصٍ.
_ وما هو الفرق في ذلك؟ فإن الحكومة والتخصيص كلاهما يقيِّد الحكم، وإنما الاختلاف بينهما في كيفية التقييد.
^ إذا كنتم تتحدَّثون عن المبنى الذي أقول به فإني أرى أن هناك فرقاً بينهما. فإن العُرْف في بعض الأحيان يأبى عن التخصيص، ولكنّه لا يراه آبياً عن الحكومة (التي هي بحَسَب الواقع تخصيص)، وهذا واحدٌ من المباني. إن الإباء عن التخصيص ليس أعمّ من التخصيص الواقعي والظاهري؛ كي يشمل الحكومة أيضاً. إن الإباء عن التخصيص مبنىً عُرْفي، ومن الممكن أن يكون هناك دليلٌ يأبى عن مخصِّصٍ، ولا يأبى عن مخصِّصٍ آخر.
وفي ما يتعلَّق بقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 179) يدور البحث في الاقتصاص من أجل «الحياة»، بمعنى أنه إذا لم يتمّ القصاص تتعرَّض «حياة» المجتمع إلى خطر الزوال. وهناك شبهةٌ، وهي أن هذه الرواية قد لا تكون ناظرةً إلى قتل الولد على يد الأب؛ لأنها حالةٌ نادرة، وقد ذكرتُ أن الأب لا يعمد إلى قتل ولده، إلاّ إذا كان السيل قد بلغ الزبى ـ كما يُقال ـ بالنسبة إلى الأب.
_ هناك الكثير من الأمثلة التاريخية التي يبادر فيها الآباء الملوك إلى قتل أبنائهم الأمراء؛ خوفاً من منافستهم على عروشهم.
^ أنا إنما أتحدّث عن الموارد العادية والمتعارفة. وعليه فإن الأب لا يقتل ولده إلاّ إذا كان قد بلغ أقصى حدود التمادي. وعليه هل يمكن القول في مثل هذه الحالة: إنه إذا لم يتمّ الاقتصاص من الأب فإن «حياة» المجتمع سوف تتعرَّض إلى الخطر؟ كلاّ؛ لأن القتل هنا إنما كان بعد بلوغ السيل الزبى كما يُقال، وحتّى إذا لم يتمّ إعدام الأب فإن المجتمع سوف يواصل حياته، ولن يتعرَّض إلى أدنى تهديدٍ أو خطر. إذن لا تتحقَّق كلمة «الحياة» في هذا المورد أبداً، وعليه لا يكون هناك تخصيصٌ أصلاً، وإنما هو نوعٌ من الخروج التخصُّصي. وأذكر أني في كتاب القصاص قلتُ: إن الأم أيضاً لا يمكن الاقتصاص منها بولدها([33]).
ولذلك قد يمكن لشخصٍ القول بأن الملوك يقتصّ منهم إذا قتلوا أبناءهم؛ لأن الملوك ليسوا آباء وأمّهات عاديين. وإذا أردْتُ أن أفتي لأفتيتُ بأن الملك إذا عمد إلى قتل ولده؛ خوفاً من أن يزاحمه على الملك، وجب الاقتصاص منه؛ وإلاّ فإن كلّ شخصٍ يخاف على رئاسته سوف يبادر إلى قتل ابنه؛ باعتباره مسلَّحاً بهذه الحصانة. فابحثوا إذن عن مثالٍ نقضيّ آخر.
_ في مسألة اشتراك عددٍ من الأشخاص في قتل شخصٍ واحد ذكرتُم أنه يتمّ الاقتصاص من جميع المشاركين في عمليّة قتل هذه النفس الواحدة، في حين أن الآية الشريفة تقول: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾، أي نفسٌ واحدة في مقابل نفسٍ واحدة. إذن تمّ تخصيص الآية في هذه الحالة أيضاً.
^ أوّلاً: لدينا في البين نصٌّ، وهذا يمثِّل عين العدالة.
وثانياً: إن الآية لا تشتمل على بيان الأرقام والأعداد، وإنما تتحدَّث عن مجرّد القصاص، وأن لا يكون هناك «نقود».
وثالثاً: في هذه المسألة لا يضيع أيّ حقٍّ، فقد اتّخذ عشرة أشخاص قراراً بقتل شخصٍ. وقد جاء في الروايات أنه يمكن لوليّ الدم أن يقتصّ من جميع هؤلاء العشرة: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً﴾ (الإسراء: 33). لقد اتّخذ هؤلاء الأشخاص العشرة قراراً في أن يزهقوا روح شخصٍ في الغد، هل يكون هؤلاء العشرة مقصِّرين أم لا؟ إذا قلنا بأنه يقتل شخصٌ واحد فقط من بين هؤلاء العشرة فإن هذا سيفتح باباً أمام الجميع ليشكِّلوا فِرَقاً من عدّة أشخاص ليشاركوا في قتل شخصٍ واحد؛ كي يتمّ الاقتصاص من واحدٍ من بينهم فقط، وينجو الآخرون بفعلتهم. بَيْدَ أن الروايات جعلت اختيار الاقتصاص من جميع المشاركين بيد وليّ الدم؛ كي لا يفكِّر القتلة بالاجتماع على قتل أحدٍ.
إذن طبقاً لهذا الحكم سوف تنخفض نسبة جرائم القتل. وأما إذا اقتصرنا على قتل شخصٍ واحد من بين جميع المشاركين فإن نسبة جرائم القتل الفردية سوف تنخفض، ولكنْ في المقابل سوف ترتفع نسبة ارتكاب جرائم القتل الجماعية. وعليه عندما يعطى الحقّ لوليّ الدم بأن يقتصّ من جميع المشاركين في عملية القتل سوف نصنع بذلك الحياة للمجتمع، وأما إذا قصرنا حكم القصاص على شخصٍ واحد من بين مجموع القتلة لن نتمكَّن من صنع الحياة، وسوف نعرِّض حياة المجتمع للخطر، كما هو واضحٌ.
إن هذه الشبهة تمثِّل خروجاً موضوعياً، وليس تخصيصاً. وإن هذا المبنى الذي أبدَعْتُه يهدف إلى تطوير الفقه وإثرائه.
الهوامش
(*) أحد مراجع التقليد في إيران اليوم. تلميذ الإمام الخميني والسيد البروجردي، وعضوٌ سابق في مجلس خبراء القيادة. له آراءٌ فقهيّة عديدة مخالفةٌ لمشهور العلماء، ولا سيَّما في فقه المرأة.
([1]) انظر: المرتضى، الانتصار: 91؛ ابن زهرة الحلبي، غنية النـزوع: 47؛ المفيد، المقنعة: 64؛ ابن البرّاج، المهذّب 1: 21؛ ابن حمزة الطوسي، الوسيلة: 74.
([2]) انظر: العلاّمة الحلّي، قواعد الأحكام 1: 184؛ مختلف الشيعة 1: 187؛ تحرير الأحكام 1: 46.
([3]) الكليني، أصول الكافي 1: 58.
([4]) انظر: محمد علي الكاظمي، فوائد الأصول 4: 375 ـ 734.
([5]) انظر: النوري، مستدرك الوسائل 15: 306، الباب 25 من أبواب مقدّمات الصلاة، ح3؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ 1: 234؛ المجلسي، بحار الأنوار 107: 108.
([6]) انظر: الكليني، أصول الكافي 7: 184، ح4،؛ 199، ح5؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 95، ح4، الباب 12 (باب حدّ الزنا).
([7]) انظر: العلاّمة الحلّي، قواعد الأحكام 2: 525.
([8]) الكليني، أصول الكافي 7: 210.
([9]) انظر: العلاّمة الحلّي، تحرير الأحكام الشرعية 3: 419 (مباحث متفرّقة في حدّ النكاح)؛ قواعد الأحكام 2: 3.
([10]) وإليك تفصيل هذه القصّة على ما ذكرها الحُرّ العاملي في وسائل الشيعة: (أتَتْ امرأةٌ.. أمير المؤمنين فقالت: يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني.. فقال لها: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل، فقال لها: أفحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك؟ قالت: بل حاضراً، فقال لها: انطلقي فضعي ما في بطنك، ثمّ ائتني أطهرك، فلمّا ولَّتْ عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال: اللهمّ إنها شهادة، فلم تلبَثْ أن أتَتْه فقالت: قد وضعت فطهِّرني.. فقال: أطهِّرك يا أمة الله من ماذا؟ قالت: إني زنيت فطهِّرني، قال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: فكان زوجك حاضراً أم غائباً؟ قالت: بل حاضراً، قال: فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك الله، قال: فانصرفت المرأة، فلمّا صارت منه حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم إنهما شهادتان. قال: فلمّا مضى الحولان، أتَتْ المرأة فقالت: قد أرضعته حولين فطهِّرني يا أمير المؤمنين، فتجاهل عليها، وقال: أطهِّرك من ماذا؟ فقالت: إني زنيت فطهِّرني، فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: نعم، قال: وبعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: بل حاضر، قال: فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطحٍ، ولا يتهوّر في بئر، قال: فانصرفت وهي تبكي، فلما ولَّتْ فصارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهمّ هذه ثلاث شهادات، قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي فقال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟ وقد رأيتُك تختلفين إلى عليٍّ تسألينه أن يطهِّرك، فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين× فسألتُه أن يطهِّرني فقال: اكفلي ولدك حتّى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطحٍ، ولا يتهوّر في بئر، وقد خفْتُ أن يأتي عليَّ الموت ولم يطهِّرني، فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله، فرجعَتْ فأخبرَتْ أمير المؤمنين× بقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين، وهو متجاهل عليها؟ ولِمَ يكفل عمرو ولدك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهِّرني، فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: أفغائباً كان بعلك إذ فعلت مافعلت؟ قالت: بل حاضراً، قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهمّ، إنه قد ثبت عليها أربع شهادات ـ إلى أن قال: ـ فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنّما الرمان يفقأ في وجهه، فلما رأى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين، إني إنما أردْتُ أن أكفله إذ ظننتُ أنك تحبّ ذلك، فأما إذ كرهْتَه فاني لستُ أفعل، فقال أمير المؤمنين: أبعد أربع شهادات بالله؟! لتكفلنَّه وأنت صاغرٌ). الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28، باب ثبوت الزنا بالإقرار أربع مرات لا أقلّ منها، ح1.
([11]) انظر: الميرزا القمّي، جامع الشتات 1: 395.
([12]) انظر: الخوانساري، جامع المدارك 7: 57 ـ 60.
([13]) انظر: الأنصاري، فرائد الأصول 2: 22
([14]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 323 ـ 324، الباب 1 من أبواب حدّ المرتد، ح1 و2 و3.
([15]) انظر: البحراني، الحدائق الناضرة 23: 108، 543.
([16]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 14: 387، ح1؛ الصدوق، علل الشرائع، الباب 375؛ نوادر العلل: 590، ح38.
([17]) النجفي، جواهر الكلام 13: 99.
([19]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 14، ح10، باب موانع الإرث من الكفر.
([20]) قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحجّ: 78).
([21]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح1.
([22]) انظر: المصدر السابق: 503، ح6.
([23]) انظر: الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 6: 22.
([24]) انظر: المصدر السابق 12: 188.
([25]) انظر: العلاّمة الحلّي، قواعد الأحكام 3: 111 ـ 112.
([26]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 62، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، ح52.
([27]) المصدر السابق: 146، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح27.
([28]) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ 1: 222، ح99؛ المجلسي، بحار الأنوار 2: 272.
([29]) انظر: الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 12: 10 ـ 13.
([30]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 13، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح4.
([31]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 33، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، ح9.