أحدث المقالات











ابو فاطمة العذاري







 

التمدن حالة وليس موقع سكن :

لا يتصور القارئ العزيز أننا نقصد بالتمدن المدينة بما هي تجمع سكاني يعيش في مراكز المدن مبعدين عن تصورنا باقي أقسام التوزيع السكاني الرئيسيين وهما ( الريف ) و (البادية) فان هذا مصادره حقيقية لطبقات مهمة من أبناء المجتمع الإنساني وإلغاء لدورهما ومكانتهما في حضارة الإنسان لذلك تجد ان التمدن الذي نقصده من خلال الحالة الحضارية او الحالة الثقافية التي يعيشها الإنسان مع الطبيعة ومع الإنسان الآخر . فالتمدن عندنا يتركز في المحتوى ألعلاقاتي والسلوك الحياتي للإنسان أينما كان ومهما كان سواء كان طبيبا في أكثر المدن تطورا او فلاحا في المزرعة البسيطة او بدويا في عمق الصحراء كل هؤلاء لابد ان تحكمهم حالة من التمدن والثقافة التي تناسب طبيعة حياتهم وصورة تطورها وتكاملها

وليس لنوع السكن علاقة في قياس مدى تحضر الإنسان فقد يكون ابن الريف المتربي على أجواء الأصالة والشرف والحفاظ أكثر تمدنا وفائدة للحالة الاجتماعية من طبيب جشع في أرقى مستشفى في العالم لا يعرف سوى لغة الدينار ويرى المريض من خلال جيبه لا من خلال إنسانيته .

 

التغييب أو التشويش للتمدن الإسلامي :

إن هذا الجانب المهم وهو جانب البناء الحضاري والتطور والعمران يعيش حالة تغييب في الذهنية الإسلامية قد تكون متعمدة من قبل من يعادي الإسلام وقد تكون مغيبة من غير تعمد لسوء فهمنا للإسلام وسعة افقه واهتمامنا بجوانب أخرى اقل أهمية منه نعيش من خلالها ثقافة ضيقة لا تستوعب الحياة فنجد نتيجة هذا التغييب أنفسنا نعثر بحالة فصل بين قيم وأفكار الإسلام والتمدن المعاصر الذي تعيشه الإنسانية فخلق في أجوائنا عقد وعقبات تعيق السعي والتركيز على هذا الجانب . فحينما يريد الشاب الجامعي أن يقرأ عقيدته الإسلامية يجد نفسه أمام طلاسم معقدة يحتاج حلها إلى اختصاصيين كتبت بلغة المناظرات التي كانت سائدة قبل ألف عام ويجد نفسه أمام أبحاث منفصلة عن الواقع الذي يعيشه الإنسان المعاصر فيستهلك وقته وتفكيره في صفحات من الرد والإثبات والقال والقيل في هل ان القرآن مخلوق ام لا . وهل ان خلافة معاوية باطلة ام لا . أما كيف يتحرك الشاب المسلم بالعقيدة الإسلامية كطرح معاصر تعبر عن رؤية كونية شاملة للإنسان والحياة تتفاعل جميع مفاصلها في تكامل البعد الروحي والمادي للشخصية الحضارية المعاصرة للإنسان المسلم المثقف فاجترار الموروث سلبيا يخلق أمام الجيل مجموعة من العقد والعقبات في تصورات خلقها التراكم السلبي لفهم الموروث وكيفية وسبل التعامل معه .

حينما يريد المثقف المعاصر معرفة فلسفة الحياة في الإسلام يجد نفسه أمام أبحاث حول الفلك والمجسم والجوهر والماهوية والحركة اغلبها لا تنسجم مع منطق العلم الحديث الذي يتبنى الحقائق العلمية الا اللهم منهج السيد الشهيد الصدر الأول (قدس) في طرح الفكر الفلسفي في الإسلام بصورة قوية متماسكة ومعاصرة والسيد الشهيد الصدر الثاني وبعض العلماء والمفكرين الإسلاميين ومن الملاحظ أننا لا نجد في تفكيرنا وخطابنا الإسلامي اهتمام بالمدن والعمران ولا نجد اهتمام بحياة الإنسان المعاصر الا بمستوى ضئيل لا يخلو من انعكاسات الفهم الموروث للفكر الاسلامي ولذا يطرح البعض قضية المعاصرة او التمدن او التطور بصورة مشوشة مرتبكة لا تسمن ولا تغني من جوع فنحن نحاول ان نضع حلول ولكننا لا نلتفت انها حلول مشلولة تثير لنفسها العشرات من الاشكالات وعلامات الاستفهام ومئات ال (لماذا) والـ (كيف) حتى صار الكثير من المثقفين ومع شديد الاسف يشعرون بضرورة الفصل بين الاسلام ومعظم فنون الحياة كالسياسة والاقتصاد والتربية والعلوم الطبيعية لانهم يجدون خللا في ربط صورة الاسلام الذي يطرحه الخطاب والكتاب الاسلامي مع صورة التمدن والعصر الذي يعيشوه فمن هنا تصور الكثير ان الاسلام دين البداوة ودين الكهوف وليس لجيل تربى على الكومبيوتر والطائرة مجال في اقحام الاسلام بكافة مواقع حياته لذا فان مأساتنا تكمن هنا في فهم الاسلام ومن ثم في طرحه للواقع . مع انه يوجد بعض المفكرين والخطباء الذين فهموا هذه الاشكالية وانطلقوا لخطاب اسلامي اشمل ينسجم مع طبيعة حياة الانسان الآن الا انهم اصطدموا بجدار سميك رتبته المؤسسة الدينية الكلاسيكية في ذهنية الانسان المسلم فوصف الكثير من هؤلاء المفكرين بالفسق والمروق عن الدين ومن امثالهم السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس) . احد رجال الدين يفتخر " الحمد لله صار لي عشرين سنة ما فاتح الراديو " ان هذا نموذج عن حالة سائدة وعن ذهنية منتشرة في اوساطنا الاسلامية تفهم الدين على انه علاقة بين العبد والرب ولا تؤمن ابدا ان الاسلام هو دين الحياة بكل ما تعني هذه الكلمة وانما يفهمون ان الاسلام يدعوا للآخرة وليس له اي علاقة مع الدنيا التي هي خراب ودار خراب ويجب ان تخرب ولا نسعى في عمرانها لانها دائما دار خراب ولذلك ينصح هؤلاء بالابتعاد عن الدنيا تحت شعار تسطيع الوعي وتغييب حالة التمدن والعمران واعتبارهما خراب لافائدة منه ابدا .

يقول الدكتور شريعتي : " لان نظرة الانسان الدينية خلال آلاف السنين كانت تتكرس في فكرة تقضي بان هذه الدنيا الترابية التي يعيش فيها الانسان دنيا منحطة سافلة بل اسفل من كل شيء " (1) الامام علي في محنه الثلاث ص 190

اهتمام كبير في المفاهيم التي تتعلق عن الحياة وتغلق الانسان من خلالها ولد حالة تفكير سائدة عند رجال الدين والناس الآخرين بترك الدنيا وترك اعمارها وتكامل مجتمعها خلق هذا التفكير السائد حالة من الغربة يعيشها المثقف المسلم المتنور الذي يفهم الاسلام من خلال الحياة ويفهم الحياة من خلال الاسلام . ان عدم ابراز الاهتمام الكبير الذي اولاه الاسلام للعمل والبناء والحركة والتمدن والحياة غيب هذا فكرة التمدن الاسلامي من ثم طرحها من خلال هذه العقلية جعلها مشوشة ومرتبكة ليست ذات اساس متأصل ومتعمق في المفهوم الحقيقي لفكر وتشريع الاسلام ونحن نرى ان الضربة القاضية التي وجهها المنحرفون والمتأمرون من خلال ابعاد اهل البيت (ع) عن قيادة المجتمع الاسلامي من اكبر اسباب هذا التغييب وهذا التشويش والارتباك .




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً