الشيخ محمد حسن گلي شيردار(*)
الشيخ سپهر كرد(**)
ترجمة: حسن علي مطر الهاشمي
مقدّمةٌ
إن جميع الباحثين في الشأن الديني، بكافّة الاتجاهات والأساليب التي يتبعونها في أبحاثهم، يحتاجون إلى مصدرٍ روائي ونقلي، كما أنهم في الاستفادة من هذا المصدر النقلي يحتاجون إلى كشف الظهور، أكثر من حاجتهم إلى السند والجهة.
وعلى هذا الأساس، فإن من بين أهمّ المسائل، التي يجب أن تقع مورد اهتمام العلماء في هذا المجال في ما يتعلَّق بفهم المصادر النقلية، تنقيح المسائل المؤثِّرة في تشكيل الظهور. ومن الواضح جدّاً أن القرائن المتّصلة تحظى بدَوْرٍ كبير فيما نحن فيه. ومن هنا فإن الدَّوْر الصارخ للقرائن المتصلة في فهم الكلام، وتشكيل الظهور، يضاعف من أهمِّية وضرورة التحقيق حول أقسام وشرائط وحدود وثغرات هذه القرائن.
وعلى الرغم من الجهود المتواصلة من قِبَل العلماء العظام في إطار الوصول إلى ضوابط وقوانين الاستظهار، لا يزال هناك الكثير من القرائن التي لم يتمّ بحثها بشكلٍ جامع ومدوَّن، كما لم يتمّ إفراد فصلٍ مستقلّ لهذه الأبحاث.
ومن ذلك، على سبيل المثال: لم يتمّ حتى الآن فتح أيّ باب للقرائن العامة في علم الأصول تحت عنوان: التعليل، والحكمة، ومناسبات الحكم والموضوع، والسياق، والتمثيل، وما إلى ذلك. هذا مع أن العلماء والمنظِّرين في مجال العلوم الإنسانية الإسلامية يتمسّكون بهذه العناوين من الناحية العملية، سواء في الأصول أو الفقه والقانون، بل ينتقدون بعضهم أحياناً بسبب أخطائهم في تشخيص وتوظيف هذه القرائن. ومن هنا فإنهم يعمدون إلى طرح مباحث من قبيل: قرينة التعليل والحكمة، وقرينة السياق، وقرينة التمثيل، وما إلى ذلك؛ طَرْداً للباب، وعلى نحوٍ غير منضبط.
ونسعى في هذه المقالة إلى بيان وشرح قرينة السياق المتّصلة بشكلٍ مدوَّن وجامع. وعلى سبيل المثال: نذكر في ما يلي نموذجاً لتطبيقات هذه القرينة المتّصلة، والتمسُّك بها في كلمات الفقهاء:
إن من بين تطبيقات قرينة السياق كشفَ المراد الجدّي دون التصرُّف والتغيير في المراد الاستعمالي. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما ذكره السيد الخميني& في قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15)، حيث قال [ما معناه]: «إن المراد من العذاب في هذه الآية هو العذاب في الآخرة؛ لوروده في سياق آياتٍ ترتبط بيوم القيامة»([1]).
إن المراد الاستعمالي من كلمة العذاب هو مطلق العذاب قطعاً، وإلاّ كان من قبيل: استعمال اللفظ في المصداق مجازاً، بل المراد الجدّي من العذاب ـ بالنظر إلى سياق الجملة العامّ ـ قد اختصّ بالعذاب الأخروي.
وسوف نتعرَّض في هذه المقالة أوّلاً: إلى بحث المفاهيم والأمور العامة المرتبطة بهذا الموضوع؛ ثمّ نعمل ثانياً: على بيان أقسام السياق (السياق الضمني، والسياق الترتيبي، وسياق التأخير، وسياق العدول، وسياق المقابلة، وسياق الانتخاب)، وأقسام كاشفيّتها (الكشف عن المراد الجدّي، والكشف عن المراد الاستعمالي، وكشف الخصائص، والكشف المقدَّر، وكشف المصداق، وكشف الداعي)؛ ونبحث ثالثاً: شرائط إحراز هذه القرينة في قسمَيْ إحراز أطراف السياق، وإحراز محدوديّة قرينية السياق.
المفاهيم العامّة، عرضٌ وبيان
1ـ مفهوم القرينة المتّصلة
إن «القرينة المتصلة» تعبيرٌ مركَّب من: «القرينة»؛ و«المتصلة».
والقرينة لغةً مشتقة من مادّة (ق ر ن). قال ابن فارس: « (قرن): القاف والراء والنون أصلان صحيحان؛ أحدهما: يدلّ على جمع شيءٍ إلى شيء؛ والآخر: شيء ينتأ بقوّةٍ وشدّة»([2]). كما تطلق على مصاحب القرين، ومن هنا يُطْلَق على زوجة الرجل «قرينة»([3]).
و«المتّصلة» لغةً مشتقّة من مادة (و ص ل)، بمعنى ضمّ الشيء، بحيث يعلق الآخر به([4]).
كما تنقسم القرينة طبقاً للمصطلح الأصولي ـ بناء على بعض التقسيمات ـ إلى قسمين، وهما: القرينة المتصلة؛ والقرينة المنفصلة. والقرينة المتصلة هي كلّ شيء يتّصل بكلمةٍ أخرى، وتبطل ظهورها وتوجّه المعنى العامّ إلى ما ينسجم مع سياق الكلام([5]).
إن الاختلاف المشهور بين هاتين القرينتين هو الاختلاف التطبيقي؛ وإن مشهور الأصوليين بالنسبة إلى القرينة المتّصلة هو الاعتقاد بأنها هادمةٌ لظهور الكلام؛ وأما القرينة المنفصلة فلا يرَوْن فيها ذلك، وإنما يرَوْنها مؤثِّرة في الحجية فقط([6]).
إن التفاوت الذاتي للقرينة المتصلة عن القرينة المنفصلة يكمن في أنها ليست متصلةً بالكلام، والتفاوت التطبيقي لها ـ على ما تقدَّم ذكره ـ هو أنها لا تزيل الظهور، وإنما تؤثِّر في حجِّيته فقط([7]).
2ـ مفهوم الظهور
إن «الظهور» في اللغة مصدرٌ مشتقّ من مادة (ظهر / يظهر)، ضدّ البطن؛ بمعنى ظهور الشيء بعد الخفاء. إنما تستعمل مادة هذه الكلمة حيث يزيح شيءٌ الحجاب عن وجهه. ومن هنا يطلق على منتصف النهار أنه ظهرٌ؛ إذ إنه أظهر وأوضح أوقات اليوم([8]). وبطبيعة الحال قد يكون الظهور في بعض الموارد جمعاً لـ «ظَهَر»([9])، ولكنّ هذا خارجٌ عن محلّ بحثنا.
إن الظهور في المصطلح بمعنى أن يكون اللفظ ظاهراً في معنىً خاصّ بحيث لا يصل إلى حدود النصّ، ويكون هناك احتمالٌ ضعيف في أن يكون المراد منه هو خلاف الظاهر([10]). ولكنْ يبدو أن هذا التعريف ـ بالنظر إلى التعريف الذي سنذكره عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر على هامش بيان الظهور التصوُّري والظهور التصديقي ـ أخصّ من تعريف الظهور. وفي الحقيقة إنه إنما يبيِّن مجرّد ظهور التصوّرات المقالية فقط، ولا يشمل الظهورات التصديقية ومطلق الظهورات الحالية.
3ـ أقسام الظهور
أـ الظهور التصوُّري والتصديقي
ينقسم الظهور في المصطلح إلى: الظهور الناشئ من الدلالة التصوُّرية؛ والظهور الناشئ من الدلالة التصديقية. وقال السيد الشهيد الصدر في مقام تعريف هذين الظهورين: «أحدهما: ظهور اللفظ في مرحلة الدلالة التصورية في معنى معين. ومعنى الظهور في هذه المرحلة أن هذا المعنى أسرع انسباقاً إلى تصوُّر الإنسان عند سماع اللفظ من غيره من المعاني، فهو أقرب المعاني إلى اللفظ لغةً؛ والآخر: ظهور حال المتكلِّم في أن ما يريده مطابق لظهور اللفظ في مرحلة الدلالة التصويرية، أي إنه يريد أقرب المعاني إلى اللفظ لغةً، وهذا ما يُسمّى بظهور التطابق بين مقام الإثبات ومقام الثبوت، ومن المقرَّر في علم الأصول أن ظهور حال المتكلِّم في إرادة أقرب المعاني إلى اللفظ حجّةٌ»([11]).
ب ـ الظهور المقالي والظهور الحالي
إن الظهور الذي يكون منشأ تبلوره هو اللفظ يسمّى بـ «الظهور المقالي»، والظهور الذي يكون منشأ تبلوره غير اللفظ، من قبيل: ما يدلّ على إلزامية أمرٍ أو عدم إلزاميته من خلال الإشارة أو نبرة الصوت، يُعَدّ من الظهور الحالي([12]).
4ـ مفهوم السياق
إن «السياق» مصدرٌ مأخوذ من مادة (س و ق)، وهو مقلوبٌ عن «سواق»([13]). إن الأصل الواحد في هذه المادة هو بعث وتحريك الشيء. قال ابن فارس: «السين والواو والقاف أصلٌ واحد، وهو حَدْوُ الشَّيء»([14]). ومع ذلك قد تستعمل مشتقاته في مختلف المعاني، من قبيل: نزع الروح والموت([15])، والتعاقب والتتابع([16])، والسحب([17])، والتحويل([18])؛ إذ في جميع هذه المعاني هناك نوعٌ من السَّوْق والبعث والحَدْو. ومن ذلك أن نزع الروح والموت فيه نوعٌ من سَوْق الروح وحَدْوها من البدن، والتتابع والتعاقب هو نوعٌ من طرد الفرد اللاحق عن الفرد السابق.
إن عبارة «قرينة السياق» مؤلَّفة من: «القرينة»؛ و«السياق». ومن هذه الناحية فإن بحث مصطلح «السياق» يبيِّن المراد من قرينة السياق. وبالنظر إلى سعة استعمال السياق في العلوم المختلفة نجد أن تطبيقات «السياق» ومشتقّاته كثيرةٌ جدّاً؛ بَيْدَ أن البيان الدقيق لحدود هذه الكلمة ومعانيها شحيحٌ للغاية. ولهذا السبب فإن بيان المعنى المصطلح لهذه الكلمة رَهْنٌ ببحث تطبيقاتها في المتون العلمية.
وفي نظرةٍ إجمالية يمكن القول: إن الأصوليين والفقهاء لم يجمعوا على تقديم تعريفٍ اصطلاحيّ واحد للسياق. ومع ذلك فإن دراسة استعمالاتهم للسياق تثبت أن له مصطلحين: أحدهما: أعمّ؛ والآخر: أخصّ. والمصطلح الأعمّ يشمل القرائن الأخرى، من قبيل: السؤال، والتمثيل، والتعليل، وما إلى ذلك، وأما المصطلح الأخصّ فيقع في عرضها.
أـ المصطلح بالمعنى الأعمّ
من المعروف بين الفقهاء والأصوليين أن هناك أداتين لمعرفة النصّ، وهما: السياق؛ والسباق. يقول الشيخ جوادي الآملي في هذا الشأن: لدينا عنصران لفهم النصوص: أحدهما: السباق؛ والآخر: السياق. والسباق هو المعروف في الأصول بـ «التبادر»، والسياق هو كيفية ونوع صدر الكلام وذيله. فإذا أراد شخصٌ أن يفهم آيةً أو روايةً وجب عليه أن يتزوَّد بهذين السراجين (السباق والسياق)؛ ليفهم ما الذي يريد طريقه قوله»([19]). وهذا المعنى من السياق واسعٌ جداً؛ بحيث إنه يشمل مطلق القرائن المتصلة، اللفظية والحالية.
وقال السيد الشهيد محمد باقر الصدر: «ونريد بـ «السياق» كلّ ما يكشف اللفظ الذي نريد فهمه من دوالّ أخرى، سواء كانت لفظيةً، كالكلمات التي تشكِّل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاماً واحداً مترابطاً، أو حاليةً، كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام وتكون ذات دلالةٍ في الموضوع»([20]).
والشاهد الآخر تطبيق السياق على القرائن اللفظية، من قبيل: سؤال السيد أبو القاسم الخوئي&. حيث قال ضمن بيان رواية زيد الشحّام: «سألنا أبا عبد الله× عن الشجّة المأمومة؟ فقال: فيها ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي الموضحة خمس من الإبل»([21]): «إن المراد من الجائفة فيها: الشجّة الجائفة؛ بقرينة السياق»([22]).
ب ـ المصطلح بالمعنى الأخصّ
تنقسم القرائن المتّصلة إلى ثلاثة أقسام:
فتارةً تكون القرائن موجودةً في الكلام، وهذه بدَوْرها تنقسم إلى: لفظية؛ وغير لفظية.
وتارةً أخرى تكون من خارج الكلام، وهي التي يتمّ التعبير عنها بالقرائن الحالية، وهي ـ على سبيل المثال ـ قرائن من قبيل: التعليل، والتشبيه، والسؤال، وما إلى ذلك من القرائن اللفظية، وقرائن من قبيل: الفضاء التاريخي لصدور الكلام، وتاريخ المسألة، وخصائص المتكلِّم، وما إلى ذلك من القرائن الحالية.
وفي المقابل هناك قرائن موجودة داخل الكلام، ولكنْ لا يوجد لفظٌ بإزائها. من قبيل: بيان مسألةٍ إلى جانب مسألةٍ أخرى، أو تكرار مطلب أو أحكام مطلب، أو ما إلى ذلك.
والاستعمالات تعبِّر عن وجود مصطلحات أخرى للسياق لا تطلق إلاّ على القرائن المتصلة وغير اللفظية داخل الكلام. وبعبارةٍ أخرى: إن السياق في هذا المصطلح قرينةٌ نحصل عليها من كيفية اختيار المتكلِّم بالنسبة إلى تبويب الكلام، وكذلك اختياره لألفاظ ومفردات الكلام.
والشاهد الموجود على المصطلحية الثنائية للسياق هو التقابل بين القرائن اللفظية والسياق في عبارات العلماء. وإن السيد الشهيد الصدر ـ الذي يصرِّح بأن السياق أعمّ من القرائن اللفظية والحالية ـ قال في تحليل القرائن التي تثبت أن حديث الرفع للامتنان [ما معناه]: «أما القرينة اللفظية على الامتنان فهي كلمة «عن» في [حديث] «رُفع عن أمتي»… وأما القرينة السياقية على الامتنان فهي أن الرفع قد أُضيف إلى الأمّة. وهذا لسانُ لطفٍ ومحبّةٍ وامتنانٍ»([23]).
كما قال السيد الخوئي&، الذي طبّق السياق على القرينة اللفظية: «وكون القضية خارجيةً أو حقيقيةً إنما يُستفاد من سياق الكلام، ولا ربط له بمداليل الألفاظ، نظير: استفادة الإخبار والإنشاء من هيئة الفعل الماضي»([24]).
وظاهر التقابل بين القرينة اللفظية والقرينة السياقية في العبارة أعلاه يثبت أن السياق يُطلق أحياناً على القرائن غير اللفظية أيضاً.
والشاهد الآخر أن التعابير التفسيرية للعلماء ـ من قبيل: «بقرينة السياق والمقام»([25])، و«بقرينة السياق والمرادفة»([26])، و«بقرينة السياق والتفريع»([27]) ـ تثبت وحدة السياق والقرائن غير اللفظية داخل الكلام؛ وذلك لأن التعابير التفسيرية، من قبيل: «بقرينة السياق والتعليل»، أو «بقرينة السياق والسؤال»، أو ما إلى ذلك، ليست معهودةً في كلمات العلماء.
إن هذه المقالة في صدد بحث السياق بمعناه الأخصّ؛ وذلك لأن السياق بالمعنى الأعمّ ليس شيئاً آخر غير قرائن التعليل والتمثيل وما إلى ذلك. ومن هذه الناحية فإن البحث عن قرينة التعليل والتمثيل وما إليها هو ـ بنحوٍ من الأنحاء ـ بحثٌ عن قرينة السياق بالمعنى الأعمّ.
ومن الجدير ذكره أننا سنبحث في هذه المقالة دَوْر السياق في إيجاد الظهور. ومن هنا فإن الأبحاث التي هي من قبيل: النكرة في سياق النفي والنهي تكون خارجةً عن محلّ بحثنا؛ إذ السياق في هذه الموارد لا يُنتج ظهوراً، بل يُشكِّل في حدّ ذاته صغرى لقاعدةٍ عقلية. إن النكرة في سياق النفي إنما تدلّ على العموم؛ لأنها تدلّ على نفي الطبيعة. ومن هذه الناحية فإنها تندرج ضمن قاعدة «الطبيعة تنعدم بانعدام جميع أفرادها»، وتدلّ بذلك على العموم. وعليه يتّضح تماماً أن السياق لم يُنتج ظهوراً، بل إن مجرّد نفي الطبيعة بانضمام الحكم العقليّ هو الذي أنتج الظهور وكان له مثل هذا الأثر. وبعبارةٍ أخرى: ليس مرادهم من النكرة في سياق النفي أكثر من إيصال مفهوم نفي الطبيعة. ومن الجدير ذكره ـ بطبيعة الحال ـ أن بعض العلماء، من أمثال: السيد الشهيد محمد باقر الصدر، وإنْ كانوا يرَوْن ـ بحَسَب القاعدة ـ أن الانحلال في النكرة في سياق النهي يجب أن يكون من باب حكم العقل؛ ولكنْ رُبَما أمكن القول: حيث يكون للمفاسد في النهي شمولٌ بشكلٍ عامّ فإن العُرْف يدرك التعميم من هذا الإطار على شكل ظهورٍ كلامي([28]). فحتى إذا كان لدينا مثل هذا التحليل مع ذلك لا يكون هذا الأمر حاصلاً من السياق؛ وذلك لأنه ناشئٌ من مجرّد خاصية النفي والنهي، وليس سياق اختيار وترتيب الكلام.
أقسام الكاشفيّة، وشرائط قرينة السياق
قبل الخَوْض في أقسام قرينة السياق سوف نخوض في أقسام السياق؛ لأن معرفة الأنواع المختلفة للسياق يُسْهِم بشكلٍ ملحوظ في تصديق القرينية، وفهم كيفية القرينية.
1ـ أقسام السياق
أـ سياق الضمنية
كما ذكَرْنا سابقاً فإن السياق بالمعنى الأخصّ يعني كيفية ترتيب الكلام واختيار المفردات. وأما سياق الضمنية فهو عبارةٌ عن ترتيب الكلام بحيث يتمّ بيان مضمونٍ ومحتوىً ضمن مضمونٍ ومحتوىً آخر، أو ضمن حالةٍ حاكمة على الكلام.
إن ضمنية المضمون والمحتوى في مضمونٍ آخر كثيرة الاستعمال. وقد أشار الآخوند في ذيل هذه الرواية: «…البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا…»([29]) إلى هذه النقطة، وهي أن المراد من الافتراق هو الافتراق من المجلس الذي عقداه من أجل البيع، وليس المجلس الذي يعقده وكلاؤهما، ويكون لهما مجرَّد حضورٍ فيه، وقام بإسناد هذا الفهم على النحو التالي: «…إن المنساقَ منه؛ بقرينة السياق، الافتراقُ عن الاجتماع البيعيّ…»([30]).
وقال السيد الخميني، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15): «إن المراد من العذاب هو العذاب الأخروي؛ لوروده في سياق آياتٍ ترتبط بيوم القيامة»([31]).
وقد انتقد السيد الخوئي الذين فهموا من قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (البيِّنة: 5) أن الأصل الأوّلي في الأوامر الإلهية هو عباديّتها، فقال: «إن ورود هذا الكلام في سياق قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ (البيّنة: 1)»([32]).
ففي جميع هذه الموارد يُستفاد شيءٌ من بيان مضمونٍ ومحتوىً، من قبيل: الخيار، والعذاب، وانحصار الأمر، في ضمن مضمونٍ ومحتوىً آخر، من قبيل: البيع، وأحوال القيامة، وإتمام الحجّة على الكفار.
إن موارد الضمنية لا تقتصر على بيان مضمونٍ ومحتوىً ضمن مضمونٍ ومحتوىً آخر. بل قد يتمّ في بعض الأحيان بيان محتوىً ومضمونٍ ضمن حالةٍ حاكمةٍ على الكلام. قال الشيخ الأنصاري، في ذيل قوله تعالى: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (الأعراف: 157)، في إثبات الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في الحُسْن والقُبْح العقلي: «…إن المعروف هو الحُسْن، والمنكر هو القُبْح العقلي. والتعميم بدَوْره يُستفاد من سياق مقام المدح»([33]). إن فضاء المدح الذي تمّ إيجاده لجهة خاصّية المحتوى في الكلام يؤدّي إلى تعميم المحتوى الذي تمّ بيانه ضمن الكلام.
ومن الجدير ذكره أن الذي يُعَدّ على الألسنة بوصفه قرينة المورد يعود إلى هذا القسم. وفي الحقيقة إن من بين حالات الضمنية بيان الأمر ضمن موردٍ.
ب ـ سياق الترتُّب
إن ترتيب الكلام في سياق الترتُّب بحيث يكون لجزءٍ من الكلام دَوْر تركيب متساو مع الجزء الآخر منه، كأنْ تكون جميع الكلمات فيه فواعل أو مفعولات أو عبارات مستأنفة وما إلى ذلك. وبعبارةٍ أخرى: أن تكون العبارات في سياقٍ مفهوميّ مشترك. وأكثر هذا النوع من السياق يتحقَّق بواسطة العطف.
ولهذا النوع من السياق استعمالاتٌ شائعة في الأصول والفقه.
ومثاله الأصولي المعروف هو حديث الرفع([34])؛ حيث بمقتضى ترتُّب فقرة «ما لا يعلمون» على سائر الفقرات يتمّ الحكم باتحاد مصداق الموصول فيها([35]).
والمثال الآخر لهذا النوع من السياق بحث المرجِّحات في ذيل الأخبار العلاجية، حيث قال الشيخ الأنصاري& في ذلك: «مع أن في سياق تلك المرجِّحات موافقة الكتاب والسنّة ومخالفتهما، ولا يمكن حمله على الاستحباب، فلو حمل غيره عليه لزم التفكيك»([36]).
وفي الفقه أيضاً قال السيد الخوئي&، في ذيل صحيحة حفص، عن أبي عبد الله× قال: «ليس على الإمام سهوٌ، ولا على مَنْ خلف الإمام سهوٌ، ولا على السهو سهوٌ، ولا على الإعادة إعادةٌ»([37]): «فإن المراد من السهو في هذه الأخبار هو الشكّ، كما أطلق عليه في كثير من الروايات، ولا سيَّما في المقام؛ بقرينة السياق؛ فإن الإمام أو المأموم لو سها جرى عليه حكم السهو، فلو تذكَّر نقص التشهُّد مثلاً رجع للتدارك بلا إشكال، فالمراد به الشكّ جَزْماً»([38]).
ومن الجدير ذكره أن الكثير من الموارد التي يتمّ بيانها بوصفها شرائط لقرينية السياق ليست شرطاً للقرينية، بل هي شرائط لتحقُّق السياق. ومن ذلك، على سبيل المثال: عندما يلعب السياق دَوْر الترتُّب عموماً يعتبرون وحدة السياق شرطاً. إن وحدة السياق في الحقيقة والواقع هي ذات تحقُّق الترتُّب. وبعبارةٍ أخرى: قد تمّ الخلط في هذه الموارد بين شرائط إحراز الموضوع وشرائط تحقُّق الحكم.
ج ـ سياق التأخُّر
إن سياق التأخُّر عبارةٌ عن تأخُّر بيان مضمون ومحتوى بالنسبة إلى مضمونٍ ومحتوىً آخر. وبعبارةٍ أخرى: عندما يختار المتكلِّم نقطةً ليقولها أوّلاً، ثمّ يردفها بنقطةٍ أخرى، يكون هذا الاختيار قد أوجد سياقاً في الكلام، يكون منشأً للقرينية.
قال المحقِّق الداماد، في بحث أدلة البراءة، في ذيل قوله تعالى: ﴿…وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا…﴾ (الطلاق: 7)، في نقد الذين قالوا بأن المراد من قوله: «ما آتاها» هو المال الذي أعطاه الله لهم: «إن هذا المعنى؛ لجهة قرينة السياق، على خلاف ظاهر الآية؛ إذ ورد قبل هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ﴾، فإذا كان المراد من الموصول هو خصوص المال أو الإنفاق لزم من ذلك تكرار المضمون»([39]).
والنقطة الجديرة بالذكر هي أن الأقسام المختلفة للسياق تتماهى فيما بينها، فقد تحتوي جملةٌ واحدة على سياقين مختلفين. ومن ذلك ـ على سبيل المثال، أن الإمام الخميني في المثال المتقدِّم، في مقام بيان الاحتمالات الثبوتية، قد ذهب إلى القول بذات الفهم والرؤية التي نفاها المحقِّق الداماد؛ بسبب قرينية سياق التأخُّر، وذلك من خلال التمسُّك بقرينية سياق الترتُّب، حيث قال سماحته: «الاحتمال الثالث في معنى هذه الآية الكريمة هو أن يكون المراد من الموصول؛ بسبب قرينة السياق، المال، والإيتاء بمعنى الإعطاء»([40]).
إن اختلاف هذا القسم من السياق عن سياق الضمنية يكمن في أن النكتة من بيان المحتوى تستفاد ضمن أمرٍ آخر، وأما في سياق التأخُّر فيتمّ اصطياد النكتة من مجرّد تأخُّر أمرٍ عن أمرٍ آخر.
د ـ سياق العدول
إن سياق العدول عبارةٌ عن الانصراف عن بيان مسألةٍ إلى بيان مسألةٍ أخرى، سواء أكانت مرتبطةً بما قبلها أو ليست مرتبطةً بما قبلها. وبعبارةٍ أخرى: حيث يتخلّى المتكلِّم عن محتواه الأوّل، ويصير إلى محتوىً آخر، يتبلور في الجملة سياق العدول.
وقد قال السيد الخوئي&، في بحث مقدار دية أنواع العطب في مفصل الفخذ، في ذيل معتبرة ظريف، عن أمير المؤمنين×: «…في الورك إذا كُسِر فجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل؛ مئتا دينار…؛ لكسرها مئة دينار، ولنقل عظامها خمسون ديناراً… فإنْ رُضَّتْ وعثمت فديتها ثلاثمئة وثلاثة وثلاثون ديناراً…»: «ثمّ إن المراد من الورك في صدر المعتبرة هو كلا وركَيْ الرجلين [لا أحدهما]؛ فإنه ـ مضافاً إلى أن في نسبة ديته إلى دية الرجلين دون دية النفس شهادة على ذلك ـ قد صرّح في هذه المعتبرة بأن دية كسر أحد الوركين مئة دينار، وهو قوله×: «لكسرها مئة دينار»؛ وعلى ذلك فالمراد من رضّه مع العثم رضّ أحدهما؛ بقرينة السياق؛ حيث إن العدول في التعبير عن بيان الوركين إلى الورك الواحد يدلّ على هذا الأمر»([41]).
ومن الجدير ذكره أن السياق المذكور ليس هو سياق الضمنية؛ لأن كلا الأمرين قد تمّ بيانهما ضمن بحث الدية؛ بَيْدَ أن العدول من فرضٍ جزئيّ في الكلام يؤدّي إلى خروج أحد الطرفين من الاحتمال.
كما يجب الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أنه طبقاً لرؤية السيد الخوئي& لا يكون سياق العدول مجرَّد هادمٍ للظهور؛ ليجعل الكلام مجملاً، بل إنه يغيِّر اتجاه الظهور نحو المعدول إليه، وعليه لا يبعد أن يكون رأيه أنه إذا وردَتْ في بعض الأحيان جملةٌ مطلقة بعد سياق العدول تكون لسياق العدول القدرة على إيجاد الانصراف.
هـ ـ سياق المقابلة
إن سياق المقابلة يعني «المقابلة والمواجهة بين جزءَيْن من الكلام، سواء أكانت هذه المقابلة لفظيةً أم معنويةً». فتارةً تكون المقابلة لفظية؛ وذلك حيث تقتضي المنزلة الكلامية لجزء من الكلام غير ما يقتضيه الجزء الآخر منه، من قبيل: «الواو» (غير التفسيرية)، و«أو» أو «إمّا». ومن ناحيةٍ أخرى قد تكون المقابلة معنوية، وذلك حيث يكون المعنيين متضادّين، أو يكون أحدهما مخالفاً للآخر، من قبيل: «الرشد» الذي هو ضدّ «الغيّ»، والمخالف لـ «الشرّ».
إن المصطلح الأصولي للمقابلة لا يقتصر على المقابلة المعنوية فقط، بل يشمل المقابلة اللفظية أيضاً. وأما في المصطلح البلاغي فهناك موضوعيّةٌ للمقابلة في المعنى. ومن هنا يكون المصطلح الأصولي أعمّ من المصطلحين الآخرين. ومن ذلك، على سبيل المثال: لو قال دليلٌ: «جاء عليّ وابن أحمد» لا تكون هناك مقابلةٌ من الناحية البلاغية؛ إذ لا توجد أيّ مقابلةٍ معنوية بين عليّ وابن أحمد. وأما من الناحية الأصولية، فحيث تكون هناك «واو» في الجملة تكون المقابلة الأصولية متحقِّقة. ومن هنا لو صدف أن يكون اسم والد عليّ أحمد فإن الأصوليّ؛ من خلال توظيف قرينة المقابلة، سوف يرى ابن أحمد هو غير عليّ.
وتجدر الإشارة إلى هذه النقطة، وهي أن الكلام من وجهة نظر الأصولي حتّى إذا لم يكن مشتملاً على أيّ أداةٍ ـ من قبيل: إما، وأو، والواو، وما إلى ذلك ـ، وإنما كان هناك مجرّد قرينةٍ معنوية تدلّ على أن جزءاً من الكلام غير جزئه الآخر، تكون المقابلة متحقِّقةً. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن السيد الخوئي قد قال، في ذيل رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله×: «في رجلٍ صلّى في ثوبٍ فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به؟ قال×: عليه أن يبتدئ الصلاة. قال [الراوي]: وسألتُه عن رجلٍ صلّى وفي ثوبه جنابةٌ أو دمٌ حتّى فرغ من صلاته، ثمّ علم؟ قال×: قد مضَتْ صلاته، ولا شيء عليه»([42]): «إن المراد من السؤال الأول ـ بالنظر إلى قرينة المقابلة مع [السؤال] الثاني ـ أنه علم بوجود المني [الجنابة] في الثوب أثناء الصلاة بعد إتمام الركعة الثانية»([43]). فإن سماحته قد استفاد هذا الأمر من مجرَّد أن يكون للسؤالين الصادرين عن شخصٍ واحد [في مقامٍ واحد] ظهوراً في المغايرة، وقال: إن مراده من «صلّى ركعتين» أنه قد أكمل ركعتين من صلاةٍ رباعية أو ثلاثية، لا أنه أتمّ صلاةً كاملة من ركعتين، وقد أطلق على ذلك عنوان قرينة المقابلة. وهذا الاستعمال غير منحصرٍ بسماحته، بل العلماء الآخرون قد عبَّروا في الموارد المشابهة بالمقابلة أيضاً([44]).
و ـ سياق الاختيار
إن سياق الاختيار عبارةٌ عن اختيار بيان للمضمون والمحتوى من بين الخيارات الأخرى. وبعبارةٍ أخرى: إن المتكلِّم يستطيع أن يبيِّن مراده بأساليب متعدِّدة، ولكنه حيث يختار من بين جميع الأساليب أسلوباً واحداً يتبلور عندنا سياق الاختيار.
لقد قال الشيخ الآخوند&، في بحث الفور والتراخي، على هامش الآيتين الكريمتين: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (آل عمران: 133)؛ و﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (البقرة: 148؛ المائدة: 48) ـ في معرض نقد الذين استظهروا وجوب الفورية في الأوامر الإلهية من هاتين الآيتين ـ: «وفيه منعٌ؛ ضرورة أن سياق [هاتين الآيتين] إنما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير، من دون استتباع تركهما للغضب والشرّ؛ ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعاً للغضب والشرّ كان البعث بالتحذير عنهما أنسب»([45]). إن المتكلِّم في بيان كلّ ما هو مطلوبٌ في وجوده له طريقان في البيان: أحدهما: الأمر بذلك الشيء؛ والآخر: النهي عن ضدّه. وحيث إن الله سبحانه وتعالى قد اختار البيان الأوّل فقد ذهب الشيخ الآخوند إلى استظهار عدم الوجوب، وأطلق على ذلك عنوان السياق. وبطبيعة الحال لا بُدَّ من التذكير بأن الشيخ الآخوند، بعد بيان هذا الاستظهار، ختم كلامه بعبارة: «كما لا يخفى…، فافهَمْ». وقد فسَّر البعض ذلك في حاشية هذه العبارة بضعف هذا القول والفهم([46]). ولكنْ بغضّ النظر عن صحّة أو سقم هذا الفهم، لا شَكَّ في أصل وجود هذا السياق، وإنْ كان هناك إشكالٌ في قرينيته في خصوص هذا المورد.
2ـ أقسام قرينة السياق
بعد التعرُّف على مختلف أنواع السياق، نصل إلى البحث عن دلالات أنواعه المختلفة. وفي هذا القسم سوف نبحث مختلف أقسام قرينة السياق، حيث تدلّ عليها أنواع السياق المختلفة.
أـ الكشف عن المراد الاستعمالي
إن توظيف كشف المراد الاستعمالي واحدٌ من أكثر استعمالات قرينة السياق شيوعاً. وفي دلالة المراد الاستعمالي يتمّ الكشف عن مواد وهيئات الجملة بواسطة قرينة السياق.
إن الاستفادة من قرينة السياق؛ للكشف عن المراد الاستعمالي، إنما تستعمل إذا كانت المادّة أو الهيئة تحتوي على معنيين بشكلٍ مشترك على نحوٍ لفظيّ أو على سبيل الحقيقة والمجاز، فتأتي قرينة السياق لتعيِّن الاستعمال في أحد المعنيين. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن صاحب الفصول، في ذيل قوله تعالى: ﴿…فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ (الحشر: 2) ـ في نقده لأولئك الذين فسَّروا الاعتبار بمعنى العبور والتجاوز، متَّخذين ذلك مستنداً للقول بحجِّية القياس (العبور من الحكم الأصلي إلى الحكم الفرعي) ـ، قال: «إن المراد من الاعتبار هنا؛ بقرينة السياق والتفريع، هو الاتِّعاظ؛ إذ لولا ذلك ما كان هناك محصَّلٌ لقوله تعالى: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾»([47]).
كما ذهب السيد الحكيم، في ذيل الحديث القائل: «فإن الله تعالى جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»([48]) ـ في سياق نفي احتمال الجعل التكويني لطهارة الماء ـ، إلى القول: «لقرينة السياق يجب حمل الجعل على الجعل التشريعي، لا التكويني؛ وذلك لأن مطهِّرية التراب ـ كما يُفْهَم من النصوص الأخرى ـ تشريعية، وليست تكوينية»([49]).
ب ـ الكشف عن المراد الجِدّي
إن من بين الموارد الأخرى لاستعمال قرينة السياق هو الكشف عن المراد الجِدّي، دون التصرّف في المراد الاستعمالي. ومن ذلك مثلاً أن السيد الخميني، في ذيل قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15)، قال: «إن المراد من العذاب هو العذاب الأخروي؛ لوروده في سياق الآيات المرتبطة بيوم القيامة»([50]). إن المراد الاستعمالي من كلمة العذاب هو مطلق العذاب قطعاً، وإلاّ كان من استعمال اللفظ في المصداق مجازاً، بل إن المراد الجِدّي من العذاب ـ بالنظر إلى مجموع الجملة ـ قد اختصّ بالعذاب الأخروي.
لقد بحث السيد الشهيد محمد باقر الصدر في أقسام السياق بمناسبة البحث في حديث الرفع. ورُبَما أمكن القول: إن الموضع الوحيد الذي يتناول أقسام السياق في علم الأصول هو هذا المورد. فقد أشار سماحته إلى قسمَيْ الكشف عن المراد الاستعمالي والكشف عن المراد الجِدّي، بَيْدَ أن كلام سماحته إنما هو في قسم السياق الترتُّبي فقط. ثم في مقام بيان رأيه قَبِلَ بالكشف عن المراد في المراد الاستعماليّ، ورفضه في المراد الجِدّي. وقال في ذلك: «إن الاختلاف بين مفادات الجمل المتعاقبة المتعاطفة الواقعة في سياقٍ واحد يُتصوَّر على ثلاثة أنحاء: النحو الأوّل: هو أن يكون الاختلاف بين مفاداتها في مرحلة المدلول الاستعمالي، من قبيل: أن يُقال مثلاً: (صلِّ خلف الإمام، وزُرْ الإمام)، فكلمة «الإمام» في الجملة الأولى تُستعمل في إمام الجماعة، بينما كلمة «الإمام» الثانية تستعمل في الإمام المعصوم×. ولا شَكَّ في أن هذا الاختلاف على خلاف ظاهر السياق ووحدته. إذن فلا بُدَّ من حمل كلمة «الإمام» الثانية على إمام الجماعة؛ لوحدة السياق. النحو الثاني: هو أن يكون الاختلاف في مرحلة المدلول الجِدّي، فمثلاً: لو قال: (أكرم العلماء، وقلِّد العلماء)، وكان يُراد من كلمة «العلماء» الأولى على إطلاقها، بينما يُراد من الثانية خصوص العدول، فهنا ليس الاختلاف في مرحلة المدلول الاستعمالي، بناءً على ما يُذْكَر في بحث العامّ والخاصّ، من أن التخصيص لا يرتبط بمرتبة المدلول الاستعمالي، بل يرتبط بمرحلة المدلول الجِدّي، ولهذا قالوا: لا يلزم منه التجوُّز بسبب التخصيص، غاية الأمر أن الاختلاف يكون في مرحلة المدلول الجِدّي، وفي هذا النحو الأقرب عدم جريان وحدة السياق، فلا يلزم إسراء التخصيص من الثاني إلى الأوّل؛ لأن وحدة السياق إنما هي بلحاظ المدلول الاستعمالي للكلام، لا بلحاظ المدلول الجِدّي. النحو الثالث: هو أن يكون الاختلاف من حيث مصاديق المفاهيم، من قبيل: أن يُقال: (لا يجوز أن تغصب ما تأكله، ولا أن تغصب ما تلبسه، ولا أن تغصب ما تقرأ فيه)؛ فإن هذا الكلام من حيث المدلول الاستعمالي الجِدّي واحدٌ في هذه الجمل، ولكنْ من الواضح أن مصداق ما يُؤْكَل غير مصداق ما يُلْبَس، وغير مصداق ما يُقْرَأ فيه، وهذا الاختلاف ممّا لا إشكال في أنه لا يمكن نَفْيه بوحدة السياق؛ لأن السياق شأن الكلام، وتطبيق المفاهيم على مصاديقه أجنبيٌّ عن الكلام، ولا رَبْط له بوجهٍ من الوجوه»([51]).
ومن الجدير ذكره أن هذا الاستعمال لا يختصّ بالكلمة فقط، بل يجري في الهيئة أيضاً. وبعبارةٍ أخرى: إن الارتباطات المتنية ـ من قبيل: القيود ـ لها أنواعٌ مختلفة، من قبيل: القيود الاحترازية؛ والقيود التوضيحية. وإن قرينة السياق تساعد على اكتشاف نوع هذا الارتباط. قال صاحب الجواهر، في ذيل هذه الآية الكريمة: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ (النحل: 75)، في معرض إثبات أن العبد لا يملك شيئاً: «إن وصف العبد بعدم القدرة بمنزلة الحكم عليه بذلك؛ لأن [الغاية من] الصفة [هنا هي الـ] كاشفة بقرينة السياق والمقام [دون التخصيص]، وإنْ كان الأصل فيها [أي في الصفات هو] التخصيص»([52]). إن هذه الآية الكريمة واردةٌ ضمن بحث عدم مالكية غير الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمر قد أدّى إلى إنتاج سياق الضمنية. وقد استفاد صاحب الجواهر الضمنية من السياق، وقال بأن قيد «لا يقدر على شيءٍ» توضيحي، وليس تخصيصياً. وعلى هذا الأساس فإن جميع العبيد «لا يقدرون على شيءٍ».
ج ـ الكشف عن الخصوصيّات
إن من بين أهمّ استعمالات قرينة السياق، وأكثرها تميُّزاً، هو الكشف عن الخصوصيات، والتي تستعمل في الغالب في السياق الترتُّبي. وبعبارةٍ أخرى: إن لجزءٍ من الكلام خصوصيّةً تنتقل وتسري إلى الطرف الآخر لجهة الترتُّب مع الجزء الآخر من الكلام. لو اعتبَرْنا اسم قسمٍ من الكلام الواجد لخصوصيّةٍ قطعيّةٍ أصلاً، واسم قسمٍ من الكلام الذي تنتقل إليه تلك الخصوصية لجهة السياق فرعاً، سوف نحصل في تبويبٍ أوّلي على نوعين من الكاشفية، وهما: تارةً تكون خصوصيّة الأصل مبيّنة في الكلام، ويكون الكلام ناظراً إليها، وفي هذه الحالة تكون كاشفية السياق أكثر شهوديّةً؛ وتارةً لا تكون خصوصية الأصل مبيَّنة في الكلام، ولا يكون الكلام ناظراً إليها، بل الخصوصية الواقعية له هو الشيء.
وفي هذا القسم نذكر مثالاً لكلا الموردين، ونبحث استعمال العلماء لهما.
الموارد التي يكون الكلام فيها ناظراً إلى خصوصية الأصل، فنعمل على نقل الخصوصية ـ التي بيَّنها الكلام في الأصل ـ إلى الفرع. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن السيد الحكيم، في ذيل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77 ـ 79)، قال في إطار نقد القول بشرطية الطهارة في جواز مسّ القرآن استناداً إلى هذه الآية: «ولكنْ يُشْكَل بأن الظاهر منه ـ بقرينة السياق ـ كونه حكايةً عن وصفٍ خارجيّ للقرآن، لا جعل حكمٍ تشريعي»([53]). والكلام في فقرة ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ ناظرٌ إلى الإخبار في مورد القرآن. وقد استفاد سماحته من ترتُّب فقرة ﴿لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ معها أن هذه الآية بدَوْرها يجب أن تكون في مقام الإخبار أيضاً، دون الإنشاء.
إن الاستفادة من السياق؛ لكشف الخصوصية، لا تقتصر على هذه الموارد، بل إن العلماء قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث استفادوا من السياق في انتقال خصوصيّاتٍ ـ لا يكون الكلام ناظراً إليها بأيّ وجهٍ من الوجوه، بل هي معلومةٌ للأصل من الخارج ـ إلى الفرع. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: نجد المحقِّق الداماد، في ذيل رواية عمر بن يزيد، عن الإمام الصادق×: «لا بأس بحكّ الرأس واللحية، ما لم يُلْقِ الشعر؛ وبحكّ الجسد ما لم يُدْمِه»([54])، يقول في إثبات موضوعيّة «الإدماء» في الحرمة، ولو لم يكن من طريق الحكّ، [ما معناه]: «يظهر من هذه الرواية أمران: الأوّل: بيان حكم المنع؛ والثاني: أن مصبّ ومحلّ انعقاد هذا المنع هو نفس الإدماء، لا أن يكون المصبّ ما يؤدّي إلى الإدماء، أو المصبّ نفس الإدماء المستند إلى الحكّ. والفهم الأول ـ المنع ـ بسبب الظهور الأوّل للكلام، والفهم الثاني لجهة قرينة السياق والترتُّب؛ لأن إلقاء الشعر موضوعٌ في حدّ ذاته»([55]). في هذا المثال لا يكون الكلام ناظراً إلى استقلال أو عدم استقلال إلقاء الشعر في الحرمة. ولكنْ حيث يكون استقلال إلقاء الشعر في الحرمة معلوماً من الخارج فقد تمّ تسرية هذه الخصوصية إلى الإدماء أيضاً.
وهكذا قال المحقِّق اللاري، في ذيل رواية أمير المؤمنين×: «المؤذِّن مؤتَمَنٌ، والإمام ضامنٌ»([56])، في بيان إثبات شرطية العدالة في الاعتماد على المؤذِّن [ما معناه]: «هل يجوز الاعتماد على أذان العدول مطلقاً؛ لجهة ما ورد في الرواية: «المؤذِّن مؤتَمَنٌ، والإمام ضامنٌ»، لا سيَّما بالنظر إلى قرينة السياق وحدها؟»([57]). إن الكلام في هذا المثال ليس ناظراً إلى شرطية العدالة بالنسبة إلى الإمام؛ ولكنْ حيث تكون شرطية العدالة بالنسبة إلى الإمام معلومةً من الخارج فقد تمَّتْ تسريتها إلى المؤذِّن أيضاً.
إن القرينية في القسم الأوّل ـ انتقال الخصوصية التي يكون الكلام ناظراً إليها ـ أكثر شهوديّةً؛ وذلك لأن المتكلِّم عندما يكون في صدد بيان أمرٍ، ثمّ يربط به أمراً آخر في سياقٍ واحد، سوف يعمل بذلك على إيجاد ظهورٍ يكون الآخر مشتركاً فيه. وأما في خصوص القسم الثاني فلا يوجد مثل هذا الوضوح. وتشير التحقيقات إلى أن العالم الوحيد الذي أشار إلى هذا التفصيل تلويحاً هو الميرزا هاشم الآملي. فقد تحدَّث سماحته، في ذيل رواية الإمام الصادق×: «جَرَت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، ويتبع بالماء»([58])، بعد إقامة الإجماع على استحباب فقرة «يتبع بالماء»، فقال في معرض نقد انتقال الاستحباب منها إلى «ثلاثة أحجار أبكار» [ما معناه]: «إن اشتمال الرواية على فقرةٍ تمّ حملها على الاستحباب بقرينةٍ خارجية لا يستوجب أن تكون جميع الفقرات كذلك»([59]). فإن تصريح سماحته بالقرينة الخارجية يدلّ على أن الكلام لم يكن ناظراً إليها، وإنما تمَّتْ استفادتها من الخارج فقط.
د ـ الكشف عن المقدَّر
إن استعمال الكشف عن المقدَّر إنما يُستفاد منه حيث يكون جزءٌ من الجملة ـ من قبيل: المفعول، أو المضاف إليه، أو المضاف، وما إلى ذلك ـ محذوفاً، ويكون هناك في المحذوف عدّة احتمالات. وفي مثل هذه الحالة تأتي قرينة السياق لتساعد على كشف المقدَّر، فتعمل على تعيينه، أو تحدّ من سائر الاحتمالات في الحدّ الأدنى.
قال السيد الحكيم، في ذيل قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ (النور: 30)، في إطار نقد مَنْ فهم منها حرمة النظر إلى الأجنبية: «من المحتمل أن يكون المراد الفروج [خاصّةً]؛ بقرينة السياق، لا العموم [بمعنى غضّ الطرف عن كلّ عضوٍ]. مع أن إرادة العموم تقتضي الحمل على الحكم الأوّلي، وهو غضّ النظر عن كلّ شيءٍ»([60]). ففي هذا المثال نجد أن مفعول «الغضّ» محذوفٌ، وإن سماحته ـ من خلال الاستفادة من ترتُّب هذه الفقرة على فقرة «يحفظوا فروجهم»؛ حيث تمّ فيها بيان المفعول ـ عمل على اكتشاف المحذوف.
هـ ـ الكشف عن المصداق
إن الكشف عن المصداق يُعَدّ واحداً من أكثر استعمالات السياق المؤثِّرة في الفقه والأصول، والأبحاث الهامّة، من قبيل: حدود البراءة الشرعية؛ لتوقُّف ذلك عليها. وسبب تسمية هذا الاستعمال بالكشف عن المصداق أن معنى الأسماء المُبْهَمة، من قبيل: الموصولات والشيء وما إلى ذلك، هو ذاك الأمر المُبْهَم والذي لا يتغيَّر، ومن هنا يتمّ رفع الإبهام في ناحية مصداق ذلك الشيء. وقد عمد السيد الشهيد الصدر إلى بيان هذا القسم في سياق الترتُّب قائلاً: «النحو الثالث: هو أن يكون الاختلاف من حيث مصاديق المفاهيم، من قبيل: أن يُقال: (لا يجوز أن تغصب ما تأكله، ولا أن تغصب ما تلبسه، ولا أن تغصب ما تقرأ فيه)؛ فإن هذا الكلام من حيث المدلول الاستعمالي الجِدّي واحدٌ في هذه الجمل، ولكنْ من الواضح أن مصداق ما يُؤْكَل غير مصداق ما يُلْبَس، وغير مصداق ما يُقْرَأ فيه»([61]).
إن المورد الأهمّ لهذا الاستعمال، الذي تمَّت الاستفادة منه في الأصول، هو البراءة الشرعية. قال الشيخ الأنصاري، في نقد الاستفادة من حديث الرفع([62])؛ لإثبات البراءة في الشبهات الحُكْمية: «يمكن أن يُورَد عليه بأن الظاهر من الموصول في ما لا يعلمون؛ بقرينة أخواتها، هو الموضوع ـ أعني فعل المكلَّف غير المعلوم ـ، كالفعل الذي لا يعلم أن [يكون من] شرب الخمر أو شرب الخلّ، وغير ذلك من الشبهات الموضوعية، فلا يشمل الحكم غير المعلوم»([63]).
إن هذا الاستعمال من السياق الترتُّبي تعرّض بعد الشيخ الأنصاري& للانتقاد بشدّةٍ.
قال السيد الخوئي& في نقد هذه الرؤية: «والاختلاف في الانطباق من باب الاتفاق من جهة اختلاف الصلة لا يوجب اختلاف المعنى الذي استعمل فيه الموصول؛ كي يضرّ بوحدة السياق، فإن المستعمل فيه في قولنا: «ما ترك زيدٌ فهو لوارثه» و«ما ترك عمرو فهو لوارثه» و«ما ترك خالد فهو لوارثة» شيءٌ واحد، فوحدة السياق محفوظة. ولو كان هذا المفهوم منطبقاً على الدار في الجملة الأولى، وعلى العقار في الثانية، وعلى الأشجار في الثالثة، فلا شهادة لوحدة السياق على أن متروكات الجميع منطبقةٌ على جنسٍ واحد. والمقام [حديث الرفع] من هذا القبيل بعَيْنه»([64]).
كما قال السيد الشهيد الصدر& في نقد هذا الفهم: «وهذا الاختلاف ممّا لا إشكال في أنه لا يمكن نَفْيه بوحدة السياق؛ لأن السياق شأن الكلام، وتطبيق المفاهيم على مصاديقه أجنبيٌّ عن الكلام، ولا رَبْط له بوجهٍ من الوجوه»([65]).
ومن الجدير ذكره أن الذي وقع مورداً للنقد والإنكار من قِبَل السيد الخوئي& والسيد الشهيد محمد باقر الصدر& هو الاستفادة من السياق الترتُّبي لكشف المصداق. بَيْدَ أن هذا لا يعني أن السياق لا يكشف عن المصداق. ومن ذلك أن يقول الكاتب في بحث إرث المرأة من العقار مثلاً: «إن ما يتركه الرجل لا ترثه المرأة»؛ فإن سياق الضمنية في مثل هذا المورد أن يكون مصداق «ما» هو العقار.
و ـ الكشف عن الداعي
لقد تحدَّث السيد الحكيم، في ذيل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ… ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ…﴾ (النساء: 25)، في إطار إثبات اشتراط عدم القدرة المالية والخوف من السقوط في المعصية لصحة الزواج من الأَمَة، قائلاً: «وثالثة([66]): بأن دلالة المفهوم [في الآية] على المنع بدون الشرط إذا لم يكن وارداً مورد الإرشاد إلى ما فيه مصلحة المكلَّف، بل كان وارداً في مقام جعل الحكم الشرعي؛ [بَيْدَ أن الأمر ليس كذلك في ما نحن فيه؛ فقد يكون المراد من الآية مجرَّد الإرشاد إلى مصلحة المكلَّف، وتقول: إذا لم كان لديك الإمكانية المادّية أو لم تخَفْ من الوقوع في المعصية، فالزواج من الأَمَة ليس صالحاً]. ويدفعها أن قرينة سياق الآية في سياق آيات التحليل والتحريم يقتضي الثاني»([67]). ففي هذا المورد؛ حيث كان الكلام ناظراً في الأصل إلى بيان حكمٍ مولوي، استفاد سماحته أن الفرع يجب أن يكون مولويّاً أيضاً.
3ـ شرائط قرينة السياق
يختصّ هذا القسم ببحث الشرائط التي يستوجب إحرازها الحيلولة دون الوقوع في الأخطاء الاستظهارية من قرينة السياق. وعليه فإن المراد من شرائط قرينة السياق تلك الشرائط التي يتعيَّن على المجتهد تحصيلها للاستفادة من قرينة التعليل. والطريق إلى معرفة هذه الشرائط يكمن في دراسة كلام العلماء، والانتقادات التي قاموا بتوجيهها إلى بعضهم في الاستظهار من قرينة السياق. وتكمن فائدة معرفتها في أنها تساعد المجتهد على الفهم الدقيق لموقع قرينة السياق، وتحول دون استعمالها بشكلٍ خاطئ.
أـ إحراز أطراف السياق
إن قرينيّة بعض أقسام السياق ذات الأطراف، من قبيل: سياق المقابلة؛ وسياق الترتُّب، وما إلى ذلك، تواجه تحدِّياً في تشخيص أطراف السياق. ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه في مثل عبارة: «ذلك الرجل الواقف صالحٌ، وتلك المرأة الباكية طالحةٌ» نجد أن المرأة والرجل واقعان في سياق المقابلة، وأن كلمة «الواقف» و«الباكية» لا دَخْل لهما في سياق المقابلة، ولا تقعان جزءاً في أطراف المقابلة، بخلاف السياق في عبارة: «إن الرجل الذي يبكي خيرٌ من المرأة التي تضحك مقهقهةً بحضور الأجانب»، ففي هذا المثال يكون كلٌّ من الرجل والمرأة طَرَفاً في المقابلة، وكذلك البكاء والقهقهة بحضور الأجنبيّ أيضاً.
وعليه فإن إحراز أطراف السياق رَهْنٌ بالتدقيق في مختلف العناصر، ومن أهمّها في المورد: التدقيقُ في الهيئة، والتدقيقُ في مثاليّة الطَّرَف المذكور في العبارة.
دَوْر الهيئة في إحراز طرف السياق
عند الاستظهار من السياقات ذات الأطراف يجب التدقيق والتأكُّد من إحراز الأطراف بشكلٍ كامل، ثمّ القيام بعد ذلك بتوظيف القرينيّة واستعمالها. وكما يمكن للمادّة أن تكون مؤثِّرةً لتكون طرفاً في السياق، كذلك يمكن للهيئة أن تكون طرفاً في السياق أيضاً، وعليه يمكن لكلٍّ من المادّة والهيئة أن تقعا مع بعضهما طرفاً في السياق.
إن التحليل الناقص للأطراف أدّى إلى احتدام نزاعٍ بين الشيخ النائيني& والسيد الخوئي&. ففيما لو كانت وظيفة المكلَّف هي التيمُّم في ظرف إمكان الوضوء ـ كما هو الحال في موارد الضَّرَر أو الحَرَج ـ يَرِدُ هذا السؤال القائل: لو أن المكلف توضّأ وضوءاً ضَرَرياً أو حَرَجياً فهل يكون وضوؤه في مثل هذه الحالة صحيحاً أم لا؟ ذهب بعض العلماء إلى القول بأن الوضوء في الحالة العادية واجبٌ تعييناً، وفي حالة الضَّرَر أو الحَرَج يكون الحكم هو التخيير بين الوضوء والتيمُّم. وعليه يكون وضوء المكلَّف في حالات الضَّرَر والحَرَج صحيحاً.
وقد أشكل الشيخ النائيني على هذا الرأي، وقال بأنه يستلزم اجتماع النقيضين في الآية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ… وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾ (المائدة: 6)؛ إذ هناك في الوَهْلة الأولى تقابلٌ بين الوضوء والتيمُّم. وقد عمد السيد الخوئي& إلى نقل هذا الإشكال الذي أورده الشيخ النائيني، وقام بنقده.
قال الشيخ النائيني: حيث يوجد في الوضوء والتيمُّم سياق التقابل إذن عندما يكون موضوع التيمُّم «عدم وجدان الماء» يكون موضوع الوضوء «وجدان الماء». ففي مثل هذه الحالة لو قلنا بأن الوضوء واجب تخييراً في حالة الضَّرَر والحَرَج وجب علينا القول بوجوب الوضوء في حالة وجدان الماء وفي حالة عدم وجدان الماء، وهذا تعبيرٌ آخر عن اجتماع النقيضين.
وقد أشكل عليه السيد الخوئي& بالقول: إنك لم تعمل على تصوير أطراف سياق المقابلة بشكلٍ صحيح؛ فإن أطراف السياق ليست هي مجرَّد الوضوء والتيمُّم، بل الأطراف هنا عبارةٌ عن الوجوب التعييني للوضوء والوجوب التعييني للتيمُّم، ولا شَكَّ في أن موضوع الوجوب التعييني للوضوء هو وجدان الماء، والوجوب التعييني للتيمُّم هو فقدان الماء([68]).
إن تحليل هذا النزاع يُثبت أن الشيخ النائيني قد اعتبر سياق المقابلة بين مادة التيمُّم ومادة الغسل (غسل الوجه و… وهو الوضوء). وأما السيد الخوئي& فيقول: إن ظهور هيئة الأمر في التعيُّنية داخلٌ في طرف سياق المقابلة أيضاً.
دَوْر المثال في إحراز طرف السياق
قد لا يكون الطرفان الواقعان في سياقٍ واحد طرفين حقيقيّين في بعض الأحيان، بل قد يكونان أو أحدهما ـ في الحدّ الأدنى ـ مثالاً لأمرٍ آخر، حيث يكون ذلك الأمر في الحقيقة طرفاً في السياق، وإن المورد المصرَّح به في الدليل هو مجرَّد مثالٍ له.
قال صاحب الكفاية&، في بحث جواز الوضوء بالماء المستعمل في الطهارة من الحَدَث الأكبر، في ذيل رواية عبد الله بن سنان: ما أخبرني به الشيخ ـ أيَّده الله تعالى ـ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله× قال: «لا بأس أن يتوضّأ بالماء المستعمل». وقال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه، وأما الماء الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شيءٍ نظيفٍ فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به»([69])، في معرض نقد أولئك الذين استفادوا التفصيل بين الحَدَث الأكبر والحَدَث الأصغر في جواز الوضوء من سياق المقابلة بين غسل الجنابة والوضوء: «من القريب جدّاً أن يكون المنع عن التوضُّؤ بماء الغسل في الرواية، وعن الاغتسال بغسالة الحمّام في غيرها، إنما كان لأجل تلوُّث بدن الجُنُب بالنجاسة؛ فإن الغالب إزالتها عند الغسل، بخلاف الوضوء في الإناء النظيف، فيكون مقابلة ماء الوضوء له في الرواية من حيث النظافة وعدمها، لا من حيث الاستعمال في رفع الحَدَث الأصغر والأكبر»([70]). إن التدقيق في كلام صاحب الكفاية يثبت أنه يرى أن الماء المستعمل في غسل الجنابة مثالٌ للماء النجس، والماء المستعمل للوضوء في الإناء النظيف مثالٌ للماء الطاهر. وعليه فإن هذين الماءَيْن هما الطرف في سياق المقابلة، وإن تفصيل الحكم يقوم على أساسهما. وأما ما ذكر في الكلام فهو مجرّد مثالٍ، وليس طرفاً حقيقياً في سياق المقابلة.
ب ـ إحراز حدود قرينيّة السياق
إن من النقاط الهامّة جداً في استعمال القرينة معرفة حدود دلالتها؛ كي لا يتمّ اعتبار الأمر الذي لا يُستفاد من القرينة ضمن دائرة تلك القرينة لا شعورياً. ومن ذلك أن سياق المقابلة يقتضي ـ على سبيل المثال ـ أن يكون الطرفان في مقابل بعضهما، وأما أن يكون هذا التقابل على أساس أيّ شيءٍ فهذا ما لا تدلّ عليه قرينة السياق. وكذلك سياق الضمنية يقتضي أن تكون المسألة بحيث تنسجم ضمناً مع المسألة الأخرى، وأما ما هي هذه المسألة التي تنسجم معها فهذا ما لا تدلّ عليه قرينة السياق. وذات هذا الأمر بعَيْنه يجري بالنسبة إلى سائر أقسام السياق الأخرى.
إن الشيخ الأنصاري&، ضمن بحث مانعية الحائل الزجاجي من اتّصال المأموم بالإمام، رفض المانعية، وأشار في الأثناء إلى هذه النقطة. إن إحدى أهمّ مستندات مانعية الحائل في صلاة الجماعة صحيحة زرارة؛ إذ يقول فيها: عن أبي جعفر× قال: «إنْ صلى قومٌ وبينهم وبين الإمام ما لا يُتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام… فإنْ كان بينهم سُتْرَة أو جدارٌ فليست تلك لهم بصلاةٍ، إلاّ مَنْ كان من حيال الباب…»([71])، حيث هناك سياق المقابلة في فقرة (سُترة أو جدار). وقد نوَّه الشيخ الأنصاري& قائلاً: لا يذهبنّ بكم الظنّ إلى القول بأن إطلاق الجدار يمكن التمسُّك به لشمول المانعية حتى بالنسبة إلى الجدار الزجاجي أيضاً. وقال في مقام بيان علّة عدم جواز التمسّك بالإطلاق: «إن جعل الجدار مقابلاً للسترة إنما هو باعتبار ذات الساتر؛ بمعنى أن الساتر قد يكون جداراً وقد يكون غيره، لا باعتبار أصل الستر، فحينئذٍ يعتبر في مانعية الستر كغيره. فالجدار المصنوع من الزجاج بحيث يُشاهَد مَنْ خلفه لا بأس به على الأقوى»([72]). وخلاصة كلامه: إن الذي يقتضيه سياق المقابلة هو أن الجدار في مقابل السترة. إن الذي يتمسّك بالإطلاق يرى أن التقابل بينهما يكمن في أصل الحائلية، وكأنّ الشيئين يمكنهما أن يكونا حائلين: أحدهما: الجدار، والآخر: السترة. في حين أن تقابلهما في الحقيقة إنما هو مثالٌ للحجب والتغطية، بمعنى أن كلّ شيءٍ حاجبٍ يُعَدّ مانعاً، وقد ذكر لذلك مثالان: أحدهما: السترة؛ والآخر: الجدار. وقد ذهب السيد الخوئي إلى تأييد رؤية الشيخ [الأنصاري] أيضاً([73]).
الهوامش
(*) أستاذُ الدراسات العليا في الحوزة العلميّة في قم، وأستاذٌ مساعِدٌ في قسم الفقه ومبادئ الشريعة الإسلاميّة في جامعة الإمام الصادق× في طهران.
(**) باحثٌ في الحوزة العلميّة في قم، وطالبٌ في مرحلة الماجستير في جامعة الإمام الصادق× في طهران.
([1]) انظر: السيد روح الله الخميني، تنقيح الأصول 3: 308.
([2]) انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 5: 76.
([3]) انظر: الجوهري، الصحاح 6: 2182؛ محمد بن أحمد الأزهري، تهذيب اللغة 9: 89؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين 5: 143.
([4]) انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 6: 116.
([5]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 2: 106.
([6]) انظر: الآخوند محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول: 219؛ فوائد الأصول 2: 523؛ عبد الكريم الحائري اليزدي، درر الفوائد: 214.
([7]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 2: 106.
([8]) انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 1: 471.
([9]) انظر: محمد ابن دُرَيْد، جمهرة اللغة 2: 764.
([10]) انظر: تحسين البدري، معجم مفردات أصول الفقه المقارن 1: 187. كما ورد هذا المضمون بعينه في المعاجم الأخرى الخاصة بمصطلحات علم الأصول أيضاً، انظر: محمد الحسيني، معجم المصطلحات الأصولية 1: 109؛ الدليل الفقهي للتطبيقات الفقهية لمصطلحات علم الأصول 1: 215.
([11]) السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 1: 101.
([12]) انظر: تحسين البدري، معجم مفردات أصول الفقه المقارن 1: 188.
([13]) مبارك بن محمد ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 424.
([14]) انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 3: 118.
([15]) انظر: الفراهيدي، العين 5: 190؛ الأزهري، تهذيب اللغة 9: 183؛ الصاحب إسماعيل بن عبّاد، المحيط في اللغة 5: 473.
([16]) انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 3: 118؛ أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: 296.
([17]) انظر: حسين بن محمد الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن 1: 436.
([18]) انظر: الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: 296.
([19]) ذكر الشيخ جوادي الآملي هذا الكلام ضمن حوار أُجري معه. انظر: خبر گزاري تابناك، كد خبر: 668036: الرابط: www.tabnak.ir؛ كما نقل هذا التقابل في عبارة للشهيد الثاني أيضاً، انظر: زين الدين العاملي (الشهيد الثاني) ، المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية: 13.
([20]) السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 1: 103 ـ 104.
([21]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج7، كتاب الديات، الباب الأخير، ح1.
([22]) السيد أبو القاسم الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 42: 477.
([23]) انظر: محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول 11: 146.
([24]) الخوئي، السيد أبو القاسم الخوئي، المحاضرات في أصول الفقه 4: 315.
([25]) انظر: محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 24: 172؛ يوسف البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 13: 259؛ السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 1: 518؛ حسن النجفي (كاشف الغطاء)، أنوار الفقاهة (كتاب الطهارة): 19.
([26]) انظر: السيد محمد اليزدي (المحقق الداماد) ، كتاب الحج 2: 588.
([27]) انظر: محمد حسين الحائري الإصفهاني، الفصول الغروية في الأصول الفقهية: 383.
([28]) انظر: محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول 2: 129.
([29]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5: 170، كتاب المعيشة، باب الشرط والخيار في البيع، ح6.
([30]) الآخوند محمد كاظم الخراساني، حاشية المكاسب: 152.
([31]) السيد روح الله الخميني، تنقيح الأصول 3: 308.
([32]) السيد أبو القاسم الخوئي، المحاضرات في أصول الفقه 1: 551.
([33]) الشيخ مرتضى الأنصاري، مطارح الأنظار 2: 373.
([34]) محمد بن علي ابن بابويه (الشيخ الصدوق)، الخصال 2: 417، الباب 9، ح9.
([35]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 2: 28؛ الآخوند محمد كاظم الخراساني، فوائد الأصول 3: 344.
([36]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 2: 770.
([37]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 3: 359، كتاب الصلاة، باب مَنْ شك في صلاته كلّها ولم يَدْرِ زاد أو نقص ومَنْ كثر عليه السهو والسهو في النافلة وهو الإمام ومَنْ خلفه، ح7.
([38]) السيد أبو القاسم الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 18: 300؛ كتاب الصلاة 2: 288.
([39]) اليزدي (المحقق الداماد)، المحاضرات 2: 195.
([40]) السيد روح الله الخميني، تنقيح الأصول 3: 213.
([41]) السيد أبو القاسم الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 44: 477.
([42]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 3: 405، باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر، عالماً أو جاهلاً، ح6.
([43]) السيد أبو القاسم الخوئي، فقه الشيعة (كتاب الطهارة) 4: 169.
([44]) انظر: السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 2: 15؛ مرتضى اليزدي الحائري، شرح العروة الوثقى 2: 220؛ محمد باقر الصدر، بحوث في شرح العروة الوثقى 4: 135.
([45]) الآخوند محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول: 80.
([46]) علي القوجاني، تعليقة القوجاني على كفاية الأصول 1: 211.
([47]) محمد حسين الحائري الإصفهاني، الفصول الغروية في الأصول الفقهية: 383.
([48]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 404، كتاب الطهارة، الباب 20، التيمُّم وأحكامه.
([49]) السيد محمد سعيد الحكيم، الكافي في أصول الفقه 1: 38.
([50]) السيد روح الله الخميني، تنقيح الأصول 3: 308.
([51]) محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول (تقريرات: الشيخ حسن عبد الساتر) 11: 109 ـ 111.
([52]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 24: 172.
([53]) السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 2: 272.
([54]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 5: 313، كتاب الحجّ، الباب 24، ما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامه، ح75.
([55]) اليزدي (المحقق الداماد)، كتاب الحجّ 2: 588.
([56]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 282، كتاب الصلاة، الباب 14، الأذان والإقامة، ح23.
([57]) السيد عبد الحسين اللاري، التعليقة على المكاسب 1: 259.
([58]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 46، كتاب الطهارة، الباب 3 من أبواب الأحداث الموجبة للطهارات، ح69.
([59]) الميرزا هاشم الآملي، المعالم المأثورة 4: 113.
([60]) السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 14: 25.
([61]) محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول (تقريرات: الشيخ حسن عبد الساتر) 11: 110.
([62]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 2: 463، كتاب الإيمان والكفر، باب ما رفع عن الأمّة، ح2.
([63]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 2: 329.
([64]) السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول 1: 260.
([65]) محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول (تقريرات: الشيخ حسن عبد الساتر) 11: 110.
([66]) أي: النقد الثالث على الاشتراط.
([67]) السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 14: 267.
([68]) السيد أبو القاسم الخوئي، القواعد الفقهية والاجتهاد والتقليد 3: 525.
([69]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 221، الباب 10، المياه وأحكامها وما يجوز التطهُّر به وما لا يجوز، ح13.
([70]) الآخوند محمد كاظم الخراساني، اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة 1: 19.
([71]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 3: 385، باب الرجل يخطو إلى الصف أو يقوم خلف الصف وحده أو يكون بينه وبين الإمام ما لا يتخطّى، ح4.
([72]) الشيخ مرتضى الأنصاري، كتاب الصلاة 2: 336.
([73]) انظر: السيد أبو القاسم الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 7: 146.