كُتُب السيدة أميرة فرحات ربما كانت استجابة لدعوة البعض إلى الرجوع إلى التراث لاستلهامه الحلول لبعض ما تعاني منه الأمة العربية والإسلامية من معضلات.
كتاب السيدة فرحات «الحشاشون…» هو رابع كتاب لها عن مواضيع متعبة في التاريخ الإسلامي. لقد سبق لها ان كتبت عن «الخوارج» وعن «القرامطة» وعن «الزنج»، وكلها مواضيع تذكّر بأحوال الدول العربية والإسلامية في عز ازدهار قوتها وعمرانها وسيادة حضارتها. وكانت المؤلفة قد أصدرت كتابها «المختار في عيون المعارف والأخبار» وهو عبارة عن موسوعة (عشرة أجزاء): في الأدب والشعر والشعراء، وفي الحضارات والمعتقدات والأديان، وفي أحوال العرب في الجاهلية والإسلام وغيرها من المواضيع التي تريح القارئ وتثقفه وربما تنسيه واقعه الأليم.
أما التصدي لمواضيع الثورات في العالم الإسلامي قديماً فهو مهمة دقيقة تشد الأعصاب لما تذكر به من واقع راهن تعيشه الشعوب العربية والإسلامية خائفة قلقة. وهذا القلق هل مبعثه الثورات أم الإرهاب، علماً أن الإرهاب هو خوف جماعي ينتشر في جماعة أو جماعات بشرية لتحطيم إرادتها باصطناع العنف من مثل القتل والخطف والاغتيال تحقيقاً لغرض مضر بأمن الجماعة. فإذا نجحت وسيلة الإرهاب، وإذا استمر فلربما انقلب إلى ثورة لها غاية ولها تنظيم ولها مقولة فكرية أو هدف يتحدد. والثورة والإرهاب متلازمان يكمل أحدهما الآخر.
وقياساً على هذا تكون حركة «الحشاشين» أقرب إلى الثورة منها إلى الإرهاب. وان استعملته لتصل إلى تغيير في «مذهب الدولة» أي نشر الفكرة الإسماعيلية. وهذا لا بد من التساؤل: هل ان «الحشاشين» بثورتهم من أجل نشر المذهب الاسماعيلي والقضاء على المذهب السني السائد والمتمكن، قصدوا تغيير نظام الحكم بأقرب وسيلة وأفعلها وهو الثورة، أم انهم قصدوا استبدال القائمين على النظام بآخرين منهم. لقد جرى العرف في الأدبيات الإسلامية على تسمية هذه الانتفاضات بالثورات. فكتب التاريخ الإسلامي تطلق على جميع حركات الشعوب ثورات (الطبري، ابن الأثير…).
تقول المؤلفة بشأن كتابها «الحشاشون»: هذا الكتاب يبحث في «الحشاشين» في التاريخ ولطالما جذبت هذه الفرق الدينية العسكرية اهتمام الباحثين لما نسج حولها من أساطير، فضلاً عن الدور الفعلي الذي لعبته في منطقتنا بين إيران وسوريا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد. صحيح انها لم تصنع الأحداث الكبرى، إذ كان حجمها محدوداً إلى جانب قوى عظمى في ذلك الحين، مثل المغول والصليبيين والعباسيين والفاطميين والسلاجقة ثم الأيوبيين والمماليك، ولكنها كانت لاعباً معترفاً به، في مرحلة اتسمت بالتحولات الكبرى، ونعني بذلك تلك المرحلة التي تعرض فيها العالم الإسلامي لغزوين كبيرين في فترة واحدة (المغولي والصليبي)، جراء ما وصلت إليه حالة التفكك في هذا العالم أواخر الدولتين العباسية والفاطمية.
وفي فصل أخير تطرح المؤلفة السؤال حول الاغتيال وحول قتل الإنسان نفسه لهدف يراه نبيلاً. وهذا الموضوع تجدد طرحه بمناسبة قتل «القاعدي» أحمد مراح، الفرنسي الجنسية الجزائري الأصل، نفسه حتى لا يقع بين أيدي الشرطة الفرنسية فتأخذ منه بالإكراه أسراراً لا يستطيع كتمانها تحت وطأة التعذيب، وبالوقت نفسه يعتقدها مقدسة بحسب انتمائه التنظيمي.
وبهذا الشأن كان أحد المفتين السعوديين من آل الشيخ قد أفتى مناضلي الثورة الجزائرية بجواز قتل أنفسهم حتى لا يقعوا بين يدي الشرطة الفرنسية وذلك قبل استقلال الجزائر عن فرنسا في أواسط القرن العشرين.
وقد عالج الحشاشون هذا الأمر في مسارهم الطويل المبني على الاغتيال: اغتيال الغير العدو، فإن لم تحصل النجاة فاغتيال النفس من أجل الوصول إلى الفردوس الموعود (ص 29).
على ان الكتاب الذي يجد موضوعه مكانة متجددة في العصر الحاضر يلقي أضواء كاشفة على مواضيع نجدها مطروحة في الزمن الحاضر أيضاً حول الاضطراب القديم المتجدد في مسار الإسلام العربي وغير العربي، وحول الاغتيال السياسي.
وقد عالجت المؤلفة هذا الموضوع الأخير، «نهج الاغتيال السياسي» فقالت: «الحشاشون الاسماعيليون لم يخترعوا الاغتيال السياسي. انهم أعاروه اسمهم. فالقتل قديم قدم الجنس البشري وترمز إلى قدمه قضية قابيل (قايين) وهابيل في الإصحاح الرابع من سفر التكوين. وعادة ما يكون الدافع لمثل هذه الاغتيالات عقائديا. وقتل هذه الاغتيالات شائع في الشرق والغرب قديماً وحديثاً (اغتيال العلماء النوويين حديثاً على يد إسرائيل). وكثيراً ما ينظر القاتل إلى هذه الاغتيالات كواجب ايديويولجي يعبر عنه بصيغ سياسية أو دينية، وقد عرفت اثينا الاغتيال السياسي أيام الطاغية Hippias. ولدى اليهود قضية الفتاة جوديت في إصحاح جوديت، ثم جماعة السيكاري Sicarri أو جماعة الخناجر. ولديهم في الوقت الحاضر نماذج رهيبة من الاغتيال الفردي والجماعي، لا تحصى…
وعرف الإسلام الراشدي الاغتيالات: عمر وعثمان وعلي، والاغتيال السياسي بأشكاله يمارسه الحكام على خصومهم كلما استطاعوا.
«وكان الاسماعيليون كحراس على أسرار دفينة مبشرين بالخلاص عن طريق الإمام، وحملة وعدٍ بتحقيق رسالة. ودعاة انعتاق من مشاق العالم وعبء الشريعة. وكانوا بذلك جزءاً من تراث قديم يعود إلى بدايات الإسلام، بل إلى أقدم من ذلك كما انه يمتد في المستقبل إلى يومنا. هذا التراث يعتمد على نوع من العبادات تتناقض تناقضاً حاداً مع الدين الشرعي الذي يحميه النظام القائم».
وعرف الإسلام الكثير من أمثال هذه الفرق والجماعات قبل الإسماعيلية والجمعيات والجماعات ضمت الفقراء والمستضعفين ولكنها قبل «الحشاشين» كانت قليلة التنظيم…
وفكرة التكتل أو الروابط ليست مقصورة على الإسلام والمسلمين قديماً وحديثاً. ففي الولايات المتحدة مثلاً برزت هذه الظاهرة ومن أبرزها ما سمي بمذبحة «معبد الشعب» في جمعية دينية كان يتزعمها «كاهن» بروتستنتي يدعى جيم جونز. وقد أمر هذا المتزعم جماعته بتجرع السم (900 شخص) وفيهم أطفال ونساء ورجال، فأطاعوه.
وتقول «وفي ما يتعلق بمكانة الحشاشين في تاريخ الإسلام يمكن ان نقرر.. أربعة أمور: 1) ان حركتهم اعتبرت بمثابة تهديد عميق للنظام القائم. 2) ان الإسماعيلية لم تكن بالظاهرة المنعزلة… وانما كانت حلقة في سلسلة طويلة من الحركات الغامضة يحركها قلق عميق الجذور. 3) وان حَسَنَ الصباح نجح في توجيه الرغبات الغامضة… لدى الساخطين… 4) ان الاسماعيليين فشلوا في قلب النظام القائم فانقلبوا إلى جماعات حالمة…
لقد تميزت المؤلفة بحس اجتماعي تاريخي وحداثي حيث قدمت في سلسلة كتبها السابقة الذكر تصوراً مستقبلياً لمآل الأحوال ان استولت الفرق المتعثرة على الحكم في بلاد الإسلام والعرب خصوصاً
كتاب السيدة فرحات «الحشاشون…» هو رابع كتاب لها عن مواضيع متعبة في التاريخ الإسلامي. لقد سبق لها ان كتبت عن «الخوارج» وعن «القرامطة» وعن «الزنج»، وكلها مواضيع تذكّر بأحوال الدول العربية والإسلامية في عز ازدهار قوتها وعمرانها وسيادة حضارتها. وكانت المؤلفة قد أصدرت كتابها «المختار في عيون المعارف والأخبار» وهو عبارة عن موسوعة (عشرة أجزاء): في الأدب والشعر والشعراء، وفي الحضارات والمعتقدات والأديان، وفي أحوال العرب في الجاهلية والإسلام وغيرها من المواضيع التي تريح القارئ وتثقفه وربما تنسيه واقعه الأليم.
أما التصدي لمواضيع الثورات في العالم الإسلامي قديماً فهو مهمة دقيقة تشد الأعصاب لما تذكر به من واقع راهن تعيشه الشعوب العربية والإسلامية خائفة قلقة. وهذا القلق هل مبعثه الثورات أم الإرهاب، علماً أن الإرهاب هو خوف جماعي ينتشر في جماعة أو جماعات بشرية لتحطيم إرادتها باصطناع العنف من مثل القتل والخطف والاغتيال تحقيقاً لغرض مضر بأمن الجماعة. فإذا نجحت وسيلة الإرهاب، وإذا استمر فلربما انقلب إلى ثورة لها غاية ولها تنظيم ولها مقولة فكرية أو هدف يتحدد. والثورة والإرهاب متلازمان يكمل أحدهما الآخر.
وقياساً على هذا تكون حركة «الحشاشين» أقرب إلى الثورة منها إلى الإرهاب. وان استعملته لتصل إلى تغيير في «مذهب الدولة» أي نشر الفكرة الإسماعيلية. وهذا لا بد من التساؤل: هل ان «الحشاشين» بثورتهم من أجل نشر المذهب الاسماعيلي والقضاء على المذهب السني السائد والمتمكن، قصدوا تغيير نظام الحكم بأقرب وسيلة وأفعلها وهو الثورة، أم انهم قصدوا استبدال القائمين على النظام بآخرين منهم. لقد جرى العرف في الأدبيات الإسلامية على تسمية هذه الانتفاضات بالثورات. فكتب التاريخ الإسلامي تطلق على جميع حركات الشعوب ثورات (الطبري، ابن الأثير…).
تقول المؤلفة بشأن كتابها «الحشاشون»: هذا الكتاب يبحث في «الحشاشين» في التاريخ ولطالما جذبت هذه الفرق الدينية العسكرية اهتمام الباحثين لما نسج حولها من أساطير، فضلاً عن الدور الفعلي الذي لعبته في منطقتنا بين إيران وسوريا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد. صحيح انها لم تصنع الأحداث الكبرى، إذ كان حجمها محدوداً إلى جانب قوى عظمى في ذلك الحين، مثل المغول والصليبيين والعباسيين والفاطميين والسلاجقة ثم الأيوبيين والمماليك، ولكنها كانت لاعباً معترفاً به، في مرحلة اتسمت بالتحولات الكبرى، ونعني بذلك تلك المرحلة التي تعرض فيها العالم الإسلامي لغزوين كبيرين في فترة واحدة (المغولي والصليبي)، جراء ما وصلت إليه حالة التفكك في هذا العالم أواخر الدولتين العباسية والفاطمية.
وفي فصل أخير تطرح المؤلفة السؤال حول الاغتيال وحول قتل الإنسان نفسه لهدف يراه نبيلاً. وهذا الموضوع تجدد طرحه بمناسبة قتل «القاعدي» أحمد مراح، الفرنسي الجنسية الجزائري الأصل، نفسه حتى لا يقع بين أيدي الشرطة الفرنسية فتأخذ منه بالإكراه أسراراً لا يستطيع كتمانها تحت وطأة التعذيب، وبالوقت نفسه يعتقدها مقدسة بحسب انتمائه التنظيمي.
وبهذا الشأن كان أحد المفتين السعوديين من آل الشيخ قد أفتى مناضلي الثورة الجزائرية بجواز قتل أنفسهم حتى لا يقعوا بين يدي الشرطة الفرنسية وذلك قبل استقلال الجزائر عن فرنسا في أواسط القرن العشرين.
وقد عالج الحشاشون هذا الأمر في مسارهم الطويل المبني على الاغتيال: اغتيال الغير العدو، فإن لم تحصل النجاة فاغتيال النفس من أجل الوصول إلى الفردوس الموعود (ص 29).
على ان الكتاب الذي يجد موضوعه مكانة متجددة في العصر الحاضر يلقي أضواء كاشفة على مواضيع نجدها مطروحة في الزمن الحاضر أيضاً حول الاضطراب القديم المتجدد في مسار الإسلام العربي وغير العربي، وحول الاغتيال السياسي.
وقد عالجت المؤلفة هذا الموضوع الأخير، «نهج الاغتيال السياسي» فقالت: «الحشاشون الاسماعيليون لم يخترعوا الاغتيال السياسي. انهم أعاروه اسمهم. فالقتل قديم قدم الجنس البشري وترمز إلى قدمه قضية قابيل (قايين) وهابيل في الإصحاح الرابع من سفر التكوين. وعادة ما يكون الدافع لمثل هذه الاغتيالات عقائديا. وقتل هذه الاغتيالات شائع في الشرق والغرب قديماً وحديثاً (اغتيال العلماء النوويين حديثاً على يد إسرائيل). وكثيراً ما ينظر القاتل إلى هذه الاغتيالات كواجب ايديويولجي يعبر عنه بصيغ سياسية أو دينية، وقد عرفت اثينا الاغتيال السياسي أيام الطاغية Hippias. ولدى اليهود قضية الفتاة جوديت في إصحاح جوديت، ثم جماعة السيكاري Sicarri أو جماعة الخناجر. ولديهم في الوقت الحاضر نماذج رهيبة من الاغتيال الفردي والجماعي، لا تحصى…
وعرف الإسلام الراشدي الاغتيالات: عمر وعثمان وعلي، والاغتيال السياسي بأشكاله يمارسه الحكام على خصومهم كلما استطاعوا.
«وكان الاسماعيليون كحراس على أسرار دفينة مبشرين بالخلاص عن طريق الإمام، وحملة وعدٍ بتحقيق رسالة. ودعاة انعتاق من مشاق العالم وعبء الشريعة. وكانوا بذلك جزءاً من تراث قديم يعود إلى بدايات الإسلام، بل إلى أقدم من ذلك كما انه يمتد في المستقبل إلى يومنا. هذا التراث يعتمد على نوع من العبادات تتناقض تناقضاً حاداً مع الدين الشرعي الذي يحميه النظام القائم».
وعرف الإسلام الكثير من أمثال هذه الفرق والجماعات قبل الإسماعيلية والجمعيات والجماعات ضمت الفقراء والمستضعفين ولكنها قبل «الحشاشين» كانت قليلة التنظيم…
وفكرة التكتل أو الروابط ليست مقصورة على الإسلام والمسلمين قديماً وحديثاً. ففي الولايات المتحدة مثلاً برزت هذه الظاهرة ومن أبرزها ما سمي بمذبحة «معبد الشعب» في جمعية دينية كان يتزعمها «كاهن» بروتستنتي يدعى جيم جونز. وقد أمر هذا المتزعم جماعته بتجرع السم (900 شخص) وفيهم أطفال ونساء ورجال، فأطاعوه.
وتقول «وفي ما يتعلق بمكانة الحشاشين في تاريخ الإسلام يمكن ان نقرر.. أربعة أمور: 1) ان حركتهم اعتبرت بمثابة تهديد عميق للنظام القائم. 2) ان الإسماعيلية لم تكن بالظاهرة المنعزلة… وانما كانت حلقة في سلسلة طويلة من الحركات الغامضة يحركها قلق عميق الجذور. 3) وان حَسَنَ الصباح نجح في توجيه الرغبات الغامضة… لدى الساخطين… 4) ان الاسماعيليين فشلوا في قلب النظام القائم فانقلبوا إلى جماعات حالمة…
لقد تميزت المؤلفة بحس اجتماعي تاريخي وحداثي حيث قدمت في سلسلة كتبها السابقة الذكر تصوراً مستقبلياً لمآل الأحوال ان استولت الفرق المتعثرة على الحكم في بلاد الإسلام والعرب خصوصاً