د. حسن الأنصاري(*)
الكتاب الذي أضعه بين يدي القارئ الكريم هو النسخة الفريدة، وربما الوحيدة، للمجلد الثاني من كتاب ضياء الدين الرازي([1])، والد الفخر الرازي، والذي يحمل عنوان «نهاية المرام في دراية الكلام»([2]). وقد فُقد المجلد الأول منه، ولم يكن لدى الباحثين أيّ فكرة عن وجود المجلد الثاني، قبل العثور على هذه النسخة.
يتمحور هذا الكتاب حول علم الكلام الأشعري، وتمّ تدوينه بشكل تقليدي على غرار أغلب الكتب الكلامية للأشاعرة. ويكتسب المجلد أهميته لاشتماله على بحوث في علم الكلام الأشعري، كبحث «خلق الأعمال» و«الاستطاعة» وغيرها من البحوث المشابهة، التي تعتبر من أبرز مواطن الخلاف بين المعتزلة والشيعة من جهةٍ، وبين الأشاعرة والقائلين بنظرية «الكسب» من جهةٍ أخرى([3]).
والطابع العامّ للكتاب مبنيٌّ على الخوض في التفاصيل والفروع والبحوث الثانوية والجزئية في سائر فصوله وأبوابه المختلفة([4]). ولا يخفى أن معرفتنا بالكلام الأشعري، وتحديداً في العهد السابق لحياة الفخر الرازي، سيزداد بشكلٍ مطرّد بعد عثورنا على هذا الكتاب، وستكون تلك خطوة مهمة باتجاه استيعاب أفضل للمنظومة الفكرية لأبي الحسن الأشعري وأتباعه، وتحديداً في خراسان وغيرها من المراكز العلمية في إيران، في العقود الأولى لظهور المذهب الأشعري وتبلوره، وهي الفترة التي تُعَدّ الأبرز والألمع في تاريخ هذا المذهب([5]).
وبالرغم من أن الكلام الأشعري شهد تحوُّلاً مهمّاً على يد الفخر الرازي إلاّ أنّ تأثير والده وأسلوبه العلمي قد بدا جليّاً وملموساً في طليعة مشاريعه([6]).
أما بالنسبة لضياء الدين الرازي فلا تتوفّر حوله معلومات كافية. وأكثر ما اشتهر به كونه والد الفخر الرازي، ونادراً ما تمّ تناوله من قِبَل المصادر التاريخية والرجالية([7]). والفخر الرازي (544 ـ 606هـ) عالمٌ ذاع صيته وملأ الآفاق، ليس بين جمهور السنّة فحَسْب، بل لدى جمهور الشيعة أيضاً؛ والسرُّ وراء هذه الشهرة ليس تفسيره الكبير المعروف فحَسْب، وإنما مجموعة المصنَّفات القيِّمة والمهمّة في مجال علم الكلام، وكذلك أثره البالغ على مسيرة علم الكلام، وما واجه به المتكلِّمين والحكماء السابقين من ردودٍ وتشكيكات، والتي من بينها الشرح النقدي لكتاب الإشارات، لأبي علي سينا.
وبالإضافة إلى ما اشتهر به في مجالَيْ الكلام والتفسير فقد عُرف الفخر الرازي أصولياً مؤثّراً ومؤلِّفاً بارعاً، ممّا ساهم في احتكاره الأضواء، دون أبيه. أمّا تسميته فقد عُرف لاحقاً بين أهل العلم بفخر الدين الرازي أو «الإمام»، وعرف في زمانه وما تلاه بـ «ابن خطيب الريّ»، وخطيب الريّ هذا كان عنواناً لُقِّب به أبوه الذي كان خطيباً لمدينة «الريّ». وبالرغم من شهرته الواسعة وعلمه الغزير ومصنَّفاته الكثيرة، فإن الفخر الرازي كان يُعْرَف في مراحله الأولى بنسبته إلى أبيه، الأب الذي شحّت عنه معطياتنا، وهو المعروف بـ «خطيب الريّ»، والمسمّى بـ «ضياء الدين أبو القاسم عمر بن الحسين بن الحسن بن عليّ الطبري المكّي الرازي»، المتوفّى على إحدى الروايات سنة 559هـ([8]).
ومن الطبيعي أن يقع والد الفخر الرازي، وهو الخطيب اللامع في بلدٍ مهمّ كـ «الريّ»، محلّ اهتمام التراجم وطبقات الرجال، وخصوصاً أنّه كان عالماً بارزاً في الأصولين ـ أصول الفقه وأصول الكلام ـ، ومؤلّفاً مهمّاً في مجالات عديدة، كالأخلاق وغيرها، وله رسالات وبحوث جمّة، كرسالته في عصمة الأنبياء، على سبيل المثال([9]). لكنّ الغريب حقّاً أنّك لا تجد لضياء الدين ذكراً في المصادر الرجالية سوى شذرات هنا وهناك، أغلبها بمناسبة سرد سيرة ابنه الفخر الرازي([10])، فلا تذكر المصادر سوى أنّ الفخر الرازي انحدر من أبٍ عالمٍ كان يكنّى «ضياء الدين»، ويلقّب «خطيب الريّ»، فعرف إثر ذلك بـ «ابن خطيب الريّ».
لقد بدأ الفخر الرازي مشواره العلمي «الفقهي والأصولي» على يد أبيه. وبعد رحيله غادر نحو سمنان؛ ليواصل تحصيله العلمي على يد الفقيه الشافعي «كمال الدين السمناني»(575هـ). وربما الأمر المستثنى من ذلك([11]) ما نجده في طبقات الشافعية الكبرى، حيث أفرد المصنّف عدة سطور لسيرة ضياء الدين، التي يتّضح من خلالها أنّه لم يكن يمتلك تفاصيل كافية عن حياته، وأغلب معلوماته استقاها من كتاب نهاية المرام([12]).
وإلى جانب كونه فقيهاً شافعياً فقد كان ضياء الدين أشعريّ العقيدة، لكنّه أُهمل من هذه الناحية أيضاً([13]). وربما تجد مقتطفات أوردها ابنه الفخر الرازي، تناولت نشاطه التدريسي وتربيته العديد من الطلاب([14]). والحاصل أنّ شهرة الابن قد طغَتْ على شهرة الأب، وأدّت بمرور الوقت إلى اندثارها، ولم يبْقَ منها سوى اسم ضياء الدين في المصادر المتأخِّرة.
لقد كانت الريّ في القرن السادس الهجري أحد أهمّ وأكبر المدن الإيرانية والولايات الإسلامية الشرقية، حيث شهدت نموّاً علمياً وثقافياً ملحوظاً([15]). وكانت تمتاز بوجود الفِرَق والمذاهب الكلامية والفكرية المختلفة؛ فقد كان الأحناف والشوافع يقطنون هذه المدينة جنباً إلى جنب؛ كما كان للشيعة الإمامية والزيدية حضورٌ مهمّ في هذه المدينة وأطرافها؛ لكنّ الحضور الأقوى كان للمعتزلة؛ إذ كانت مدينة الريّ منذ عهد البويهيين تعتبر أهمّ مركز لتجمُّع المعتزلة. كما أدّى ميول الزيدية ـ وهم الشريحة الاجتماعية الأكبر المتواجدة في المدينة آنذاك ـ إلى آراء القاضي عبد الجبّار الهمداني المعتزلي إلى تعزيز كفّة الاعتزال في هذه المدينة([16]). أما الإمامية فرغم اختلافهم مع المعتزلة والزيدية، إلاّ أن الاعتزال كان ولا يزال المذهب الكلامي الأقرب إليهم من بين سائر المذاهب، وبالتالي كان العديد من إمامية الريّ، فقهاء ومتكلمين، لا يُخْفُون تأييدهم لآراء الفرق الكلامية القريبة من الاعتزال، كالبهشمية، على سبيل المثال([17]). وفي المقابل اشتهر أهمّ متكلِّمي الإمامية المعاصرين للفخر الرازي، في النصف الثاني من القرن السادس، والمعروف بـ «سديد الدين الحمصي»، بنقده للمذهب البهشمي؛ على خلاف ما ذهب إليه أسلافه من الفقهاء والمتكلِّمين، فقد كان يرجِّح طريقة أبي الحسين البصري ومحمود الملاحمي في الاعتزال([18]). وكان الأحناف من أبرز المساندين للمعتزلة، وكانوا يتمتَّعون بنفوذٍ واسع في المدينة آنذاك، وقد بلغ نفوذهم ذروته في عهد السلاجقة، واستمرّ كذلك بالرغم من دعم الخواجة نظام الملك للشوافع. وكان المنحى العقيدي لغالبية الأحناف في الريّ وفي معظم أرجاء خراسان هو الاعتزال.
وقد تسبّب الخوف من الإسماعيليين وملاحدة الموت بتنامي ظاهرة الشيعة فوبيا بين فئات المجتمع السنّي. لكنْ بالرغم من ذلك فقد كانت الأجواء بالنسبة إلى الشيعة وذراري النبيّ من السادات في انفراجٍ مع دخول النصف الثاني من العهد السلجوقي. والذي يظهر من كتاب النقض، لعبد الجليل القزويني، أن شكلاً من أشكال التقارب بين الأحناف والإمامية بدأ بالظهور، أو على الأقلّ حاول الشيعة الإمامية إيجاد نمط من أنماط التناغم بينهم وبين الأحناف؛ نظراً لموقف السلاجقة الداعم لهم. وكان الزيدية؛ لأسباب مختلفة، يجدون أنفسهم أكثر قرباً من الإمامية بالنسبة إلى الأحناف. وإلى جنب كلّ هؤلاء كانت طائفة من الشوافع الأشاعرة تقطن أطراف الريّ ونواحيها، وكان نفوذهم الاجتماعي يزداد باطّراد على مدى القرن السادس الهجري([19]). وغالباً ما كان النزاع ينشب بين الشوافع والأحناف على مناطق النفوذ والوجاهة والمواقع الاجتماعية والمناصب السياسية، وكان للأشاعرة والمعتزلة حصة مهمة من هذه النزاعات([20]).
وكان ضياء الدين الرازي قد ترعرع في أحضان أبيه «حسين»، الذي كان من أبرز خطباء «الجامع» الواقع في ناحيةٍ من نواحي الريّ تقطنها غالبية من الشوافع الأشاعرة، ثم ورث الخطابة عن أبيه فيما بعد. وبما أنّه كان خطيباً مهمّاً، وعالماً شافعياً أشعرياً من الطراز الأول، وكاتباً ومؤلِّفاً في علم الكلام، فلا بُدَّ أن يكون له دورٌ مهمّ في هذا النحو من الخصومات والنزاعات الاجتماعية والمذهبية([21]). وحَسْب التقارير التي وردت في كتاب النقض لم تكن العلاقات بين الشيعة الإمامية في القرن السادس في الريّ وبين الشوافع الأشاعرة علاقات حسنة، كما كان عليه الحال بينهم وبين الأحناف([22]). وقد أفرزت تلك العلاقات المتوتِّرة على الصعيدين الديني والثقافي تصانيف عديدة، من جملتها: كتاب «بعض فضائح الروافض»، لأحد الشوافع الأشاعرة في نصف القرن السادس (تاريخ الفراغ من تاليف هذا الكتاب محرّم 555هـ، ومع بعض الإضافات 559هــ)، أي تزامن تقريباً مع تأليف كتاب نهاية المرام، لضياء الدين الرازي (تأليف سنة 550هـ)، ولم يُعْرَف أبداً مؤلِّف الكتاب، الذي اعتبر نفسه شيعياً ارتدّ عن التشيُّع وأصبح سنّياً فيما بعد، الأمر الذي حمل عبد الجليل القزويني ليطلق عليه لقب «الخواجه المتحوّل». ويُشار إلى أن هذا الكتاب قد اختفى، ولم نتمكّن من الاطلاع عليه، إلاّ عن طريق كتاب النقض، لعبد الجليل القزويني الرازي، العالم والخطيب الإمامي المقيم في مدينة الريّ في القرن السادس الهجري، والذي تبنّى الردّ عليه بتصنيف كتاب «بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض([23]). وقد شنّ كاتب «فضائح الروافض» في هذا الكتاب هجمةً شعواء على الشيعة الإمامية، محاولاً تشويه صورتهم عبر إيجاد صلةٍ بينهم وبين الباطنية الإسماعيلية، ولم تكن غايته من ذلك سوى استهداف السلطة السياسية للدولة السلجوقية. ويُشار إلى أن الشيعة الإمامية والزيدية كانا يتمتّعان بنفوذٍ اجتماعي كبير في مدينة الريّ آنذاك، وكان «السادة» سلالة النبيّ يحظَوْن بقدرٍ كبير من الاحترام والتقدير بين الناس([24]). طبعاً لم يبْقَ هذا الكتاب بدون ردٍّ، فسرعان ما انبرى عبد الجليل القزويني للردّ عليه، كما أسلفنا، وكتب في المقدّمة: لقد أخفى الكاتب هويته، وقد علمنا أنّه يقرأ الكتاب على «العامة» خلسةً. وهذه الاقتباسة تشير إلى مدى نفوذ الشيعة في الريّ في تلك الحقبة، ومدى تقهقر الشوافع الأشاعرة. يضاف إلى ذلك أن صاحب الكتاب قد وصف نفسه بأنّه كان إمامياً، ثمّ قادته الأدلّة للتمسك بالمذهب السنّي. لكنّ ما يظهر من مطاوي كتابه أنّ هذا الأمر لا صحة له، بل إنّه كان سنّياً منذ البداية، ونشأ وترعرع على التعاليم السنّية الأشعرية. والذي يبدو لنا أنّه لجأ إلى الأساليب المتبعة في كتب المناظرات المذهبية، والتي تسعى لسحب البساط من تحت الخصم. وهذا ما تفطَّن له عبد الجليل القزويني، كما يظهر من كتابه، لكنّه حاول أن يستثمر هذه النقطة بالتحديد للردّ عليه. والملخَّص أن مؤلِّف كتاب «البعض» كان رجلاً سنّياً أشعري المذهب([25])، وقد حاول جاهداً تقويض دَوْر الطائفة الشيعية، وتحييد حضورها بين أبناء مدينة الريّ بشكلٍ عامٍ، وبين جمهور السنّة والأحناف منهم بشكلٍ خاص؛ لتشويه واقعهم أمام السلطة الحاكمة. وفي المقابل سعى عبد الجليل القزويني في أكثر من موطنٍ للتركيز على وجود صلات وثيقة وتقارب في الآراء بين الأحناف وأهل العدل والتوحيد، واصفاً إيّاهم بذوي العقيدة الصحيحة الطاهرة، وفي المقابل اتّهم الأشاعرة بتبنّي عقيدة الجبر والتشبيه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين اعتبر إعراضهم عن الدليل العقلي، وعدم التزامهم بالحُسْن والقُبْح العقليين، مستلزماً لإنكار «النظر»، وهذا ما يجعلهم في مصافّ الإسماعيلية والباطنية، الذين يرفضون «النظر»، ويؤمنون بـ «التعليم الباطني»، وبالتالي يمكن القول: إن كلّ طرفٍ كان يحاول سحب البساط من تحت الطرف الآخر، عن طريق اتّهامه بالوقوع تحت تأثير الباطنية وعقيدتهم الفاسدة. ولم تكن الدوافع السياسية والاجتماعية، التي تقف وراء تلك التُّهَم، واضحةً في حينها، بل هي أصبحت كذلك في وقتنا الحاضر([26]).
وكان اختلاف الشيعة مع الأشاعرة من ناحيتين: الأولى: تتّصل بعقيدة الأشاعرة في الأصول، كالتوحيد والعدل والحُسْن والقُبْح العقليين أو الشرعيين ومسألة الأسماء والصفات وعقيدتهم في الباري تعالى. وهذه الناحية تناغم فيها الإمامية والمعتزلة في ردّهما على الأشاعرة([27]).
والناحية الأخرى تتعلّق بموضوع الإمامة، وهو ما انفردت به الإمامية، وخالفتها كلٌّ من: المعتزلة؛ والأشاعرة، على السواء([28]). كما يمكن من خلال كتابَيْ «البعض» و«النقض» تلمّس الدوافع والميول والرغبات والمصالح المختلفة التي كانت تصوغ الواقع الاجتماعي، وتتحكم بالعلاقات بين الإمامية والأشاعرة في مدينة الريّ طيلة القرن السادس وإلى نصف القرن السابع، الأمر الذي انعكس على نمط التراث الكلامي والعقائدي الذي دُوِّن في تلك الفترة، وخصوصاً الفارسي منه([29]). وبالتأمُّل في كتاب النقض، لعبد الجليل القزويني، تتجلّى رؤيته المعتدلة والبعيدة عن الصدام والتوتر في التعاطي مع جمهور أهل السنّة، وذلك من خلال اتكاله في معظم بحوثه العقائدية على مجموعة من الأخبار والروايات التي تعزِّز الألفة والوفاق والتعايش السلمي بين الطرفين([30]).
يُضاف إلى ذلك أنه لم يغادر ضياء الدين الرازي، والد الفخر، في تأليفه «نهاية المرام» البيئة الاجتماعية والأجواء السائدة في عهده؛ لما أسلفنا من أنه كان خطيباً بارزاً يتحتّم عليه المساهمة في معظم الأحداث والخلافات التي قد تنشب بين المذاهب. والطابع العام للكتاب هو بيان المبادئ الكلامية الأشعرية والدفاع عنها؛ إذ كما أشرنا سابقاً إن ضياء الدين كان تلميذاً لأبي القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري(المولود في 512هـ)، الذي كان تلميذاً لإمام الحرمين الجويني (المولود في 478هـ)، الذي يُعَدّ من أبرز متكلِّمي الأشاعرة في زمانه([31]). لذا اعتمد ضياء الدين على كتب إمام الحرمين الجويني وأبي إسحاق الإسفراييني (المولود في 418هـ) وابن فورك الإصفهاني (المولود في 406هـ) وأستاذه أبي القاسم الأنصاري، وكذلك كلمات أبي الحسن الأشعري ومقولاته([32]). وانطلاقاً من هذا الواقع فقد كرّس ضياء الدين اهتمامه للردّ على المعتزلة في كلّ موضع من مواضع كتابه؛ وذلك نظراً لهيمنة الفكر الاعتزالي على المنظومة الفكرية للمجتمع الرازي([33]). وفي نهاية المجلد الثاني، وكما رأينا في النسخة الحالية، يخصّص ضياء الدين الرازي فصلاً كاملاً لسرد مناقب وفضائل أبي الحسن الأشعري والأشاعرة، ومراحل انتقال علم الكلام الأشعري خلال الأجيال وحتّى زمانه. ويحاول جاهداً، من خلال ذكر سيرة فقهاء الصدر الأول إلى زمان حياته، التأكيد على تماهي عقيدة فقهاء وأئمة «السلف الصالح» مع العقيدة الأشعرية. وفي إطار حديثه عن كون المذهب الشافعي هو الأساس الذي شيِّد عليه الكلام الأشعري يركّز الأضواء على سيرة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ومساهمته في تكريس العقيدة الأشعرية. كما حاول ضمّ عددٍ من أئمة الشيعة إلى سلسلة الفقهاء الأشاعرة، كالإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× والإمام الشيعي السادس جعفر الصادق×، وزيد بن عليّ، إمام الطائفة الزيدية. والملفت أنه جعل على رأس المنظومة الاعتقادية الأشعرية شخص الإمام عليّ×، وذلك كما فعل المعتزلة عندما جعلوه على رأس السلسلة العقائدية لأهل السنّة، محاولاً بذلك إلفات المعتزلة والشيعة إلى مشروعية الفكر الكلامي والاعتقادي الأشعري([34]).
ويستعرض ضياء الدين في باب الإمامة عقائد الفرق الشيعية المختلفة، وكذلك الغلاة بالتفصيل، محاولاً شنّ حملةٍ للردّ عليهم تحت يافطة فِرَق «الرافضة». وهذا النمط من التعاطي مع الفِرَق الشيعية معهودٌ في المصنَّفات الكلامية للأشاعرة، ولا يُعَدّ أمراً جديداً، بل نجده أيضاً في كتب المناوئين للشيعة بشكلٍ عام، وللإمامية على وجه التحديد. لكنْ على ما يبدو إن الحافز الذي دفع ضياء الدين لشنّ هذه الحملة ضدّ الفِرَق الشيعية هو أمرٌ آخر، لا علاقة له بالسياق الذي جَرَت عليه مصنَّفات الأشاعرة، إنما كان يقف وراءه احتداد النزاع المذهبي بين الأشاعرة والشيعة في المجتمع الرازي آنذاك، وبالتالي كان لا بُدَّ من تفسير اندفاعه ضمن هذا الإطار. ولم يمرّ وقتٌ طويل حتّى صدر كتاب النقض، ليمثِّل ردّ الشيعة على ما ورد في نهاية المرام، وذلك بعد صدور الأخير بفترةٍ وجيزة، أي في حدود سنة (566هـ)([35]). ومهما يكن من أمرٍ، فمضافاً إلى الفائدة المرجوّة من تأليف كتاب ضياء الدين، هناك فائدةٌ أخرى مهمة يمكن تلمُّسها من هذا الكتاب، وهي أنه يمنحنا صورةً جليّة عما كانت عليه الريّ في أواسط القرن السادس، كما يبرز لنا حيثيات ظهور كتاب النقض، لعبد الجليل الرازي القزويني. هذا، مضافاً إلى كونه والد الفخر الرازي، الفقيه والعالم الذي تركت آثاره الكلامية والفلسفية والتفسيرية بصمتها على أغلب مَنْ تلاه من الفقهاء والعلماء المسلمين، وحتّى الإمامية منهم([36]). ويُشار إلى أن عدداً من مؤلَّفاته كتبها باللغة الفارسية، وكانت لشخصيته وآثاره العلمية صلة وثيقة بالثقافة والأدب والتاريخ الفارسي([37]). وبالرغم من تعرُّضه للعقيدة الشيعية الإمامية([38])، إلاّ أنه بشكلٍ عامّ، وخلافاً لأبيه، لم يتجاوز النقد المتعارف عليه في الكتب الكلامية لأهل السنّة، فقد كان أكثر اعتدالاً من أبيه([39]).
ونظراً للتحوُّل الذي أوجده على مستوى علم الكلام، ومحاولاته دمج الكلام بالفلسفة، فقد حظيت آراؤه باهتمام فلاسفة الإمامية ومتكلِّميهم في العهود اللاحقة؛ فيما بقيت كتبه وبعض آرائه عرضةً لمشاريع النقد الإمامية، سواء بشكلٍ مستقلّ أو ضمني([40]). هذا فيما لم نعثر على أيّ وثيقةٍ تتضمّن ردّاً من قِبَل الإمامية على انتقادات ضياء الدين الرازي لهم.
الهوامش
(*) باحثٌ معروف، متخصِّصٌ في علم الكلام والفلسفة الإسلامية. من الشخصيات البارزة في مجال نقد النُّسَخ والمخطوطات والكتب القديمة. أحد أساتذة جامعة برلين في ألمانيا، وعضو الملتقى الدوليّ حول تاريخ العلوم والفلسفة في باريس.
([1]) خلافاً لصديقي المفكِّر أيمن شحادة، الذي جعل اسم المصنّف «ضياء الدين المكي»، فأنا رجّحت تسميته «ضياء الدين الرازي». فالعديد من المصادر أسمته «ضياء الدين الرازي»، وكذلك أسماه ابنه الفخر الرازي، كما جاء في بعض كتبه. انظر على سبيل المثال: الفخر الرازي، المناقب الشافعية: 43 ـ 44: «والدي الإمام ضياء الدين عمر بن الحسين الرازي&»؛ ونفس المؤلّف في الرياض المونقة (انظر: الفخر الرازي، الرياض المونقة في آراء أهل العلم: 184، تحقيق الأسعد جمعة، القيروان، 2004) كان يدعو والده بقوله: «…ووالدي وشيخي الإمام أبي حفص عمر بن الحسين المكّي، وهو الذي من بحرَيْه [كذا] اغترفت، وبأنواره اهتديت، وبعلمه انتفعت، وهو& كما كان أبي في الولادة كان أبي في الإفادة، جزاه الله وجميع أئمة الإسلام خيراً؛ وفي نهاية المرام ورد لقب «المكّي» أيضاً. انظر: ما بعد ذلك.
([2]) المخطوطة التي تمّ اعتمادها موجودة في المكتبة الآصفية في مدينة حيدر آباد. وقد وردت تفاصيل هذه النسخة في مقدمة أيمن شحادة على هذا الكتاب. ويعود تصنيف المخطوطة إلى عام 550هـ في مدينة الريّ، وتبدو آثار الحكّ والشطب لضياء الدين ظاهرة عليها. ويتّضح من خلال الإجازة النهائية التي أصدرها المصنِّف لأحد طلابه أنّ هذه التصحيحات والإضافات على النسخة جرت حين قراءتها على مسامع المصنّف، (فبعضها جرت بواسطة المصنّف نفسه؛ وبعضها بواسطة التلميذ، بناءً على الإجازة الصادرة له). وقد ورد في أحد فهارس المخطوطات اليدوية التابعة لمكتبتي إسطنبول والأناضول (انظر: علي رضا قرة بلوط، معجم المخطوطات الموجودة في مكتبات إسطنبول والأناضول، طبعة القيصيري، 2/ 1012، العدد 3204) عنوان الكتاب «غاية المرام في علم الكلام»، تأليف والد الفخر الرازي، موجود في مكتبة أسعد أفندي، العدد 1278. وقد تعرّضت لدراسة هذه النسخة عن كثب فلم أجِدْ لها أيّ علاقة بكتاب والد الفخر الرازي. وحول عنوان غاية المرام انظر كذلك: مقدمة أيمن شحادة على هذا الكتاب.
([3]) من جملة المواضيع التفصيلية الأخرى التي أوردها المصنّف مواضيع تتعلّق بتفاصيل بحوث العدل، والوعد والوعيد، والنبوة والإمامة، وذكر تفاصيل عقائد الفرق المختلفة. ويتضح من خلال فهرسة أبواب الجزء الثاني أنّ المصنّف قد خصَّص الجزء الأوّل لبحوث التوحيد والتكليف والنظر، وتناولها بالتفصيل.
([4]) نشاهد في الكتاب على سبيل المثال بحوثاً أصولية تناولها المؤلِّف ضمن جملة من البحوث الكلامية، كما نشاهد في بعض أبواب الكتاب مسائل ذوقية لعدد من متصوّفة أشاعرة خراسان، التي أوردها المصنِّف نقلاً عن أستاذه أبي القاسم الأنصاري، عن أبي القاسم القشيري. وقد يبدو غريباً وجود هذا الكمّ من البحوث والمصطلحات الصوفية بين ثنايا كتاب مختصّ بعلم الكلام.
([5]) بالنسبة إلى الأشاعرة قد انتشر مؤخراً عددٌ من أبرز مصنَّفاتهم الكلامية التي لم يسبق أن حظيَتْ بالطبع والنشر، كمصنَّفات أبي الحسن الأشعري، والباقلاني، وابن فورك، وعبد القاهر البغدادي، والجويني، والتي تعدّ أغلبها حصيلة المذهب الكلامي الأشعري التابع لشوافع خراسان (يُشار إلى أنه وللأسف لم يصلنا من كتاب «الشامل»، للجويني، سوى جزءٍ بسيط بعدما فقد أغلبه)؛ يستثنى من ذلك كتاب «هداية المسترشدين»، للباقلاني، الذي وصلنا بشكلٍ كامل، وهو بلا شكٍّ أحد أهم المصنَّفات الكلامية للأشاعرة. ولو تمّ طباعة ما هو موجود فقط من هذه المصنّفات لكان كفيلاً في تغيير رؤيتنا تجاه التحوُّلات التي شهدتها مسيرة الكلام الأشعري في مراحله الأولى. لمزيدٍ من التفاصيل انظر:
Gimaret, D., «Le Commentaire récemment publié de la Taḏkira d’Ibn Mattawayh: premier inventaire», Journal Asiatique 296, 2008, pp. 203-228.
Gimaret, D., «Un extrait de la Hidaya d’Abū Bakr al-Bāqillānī: le Kitāb at-tawallud, réfutation de la thèse mu‘tazilite de la génération des actes», Bulletin d’études orientales 1/2009 (Tome LVIII), p. 259-313.
Schmidtke, Sabine, «MS Mahdawi 514. An Anonymous Commentary on Ibn Mattawayh’s Kitāb al-Tadhkira», Islamic Thought in the Middle Ages.
Studies in Text, Transmission and Translation in Honour of Hans Daiber, eds. A. Akasoy and W. Raven, Leiden, 2008, pp. 62-139.
Schmidtke, Sabine, «Early Ashʿarite Theology: Abū Bakr al-Bāqillānī (d. 403/1013) and his Hidāyat almustarshidīn,» Bulletin d’Etudes Orientales (in presse).
من هنا؛ ولأجل إدراك مقام ضياء الدين المكّي الرازي، لا بُدَّ من انتظار صدور كتابي الغنية وشرح الإرشاد، لأستاذه أبي القاسم الأنصاري؛ وهما الكتابان الذين وقع ضياء الدين تحت تأثيرهما بشكل ملحوظ (بعد التحرير لا بُدَّ من التنويه إلى أن جزء الإلهيات من كتاب الغنية، لأبي القاسم، صدر في القاهرة عام 1431هـ ـ 2010م، بجهود مصطفى حسين عبد الهادي، في مجلدين). يُشار إلى أن لأبي القاسم الأنصاري تلميذاً آخر عُرف بـ «تاج الدين الشهرستاني»، صنّف كتاباً مهماً تحت عنوان «نهاية الإقدام»، عکس فيه توجّهه الأشعري، كما عكس التحوّل الكلامي للمذهب الأشعري كما لم يعكسه من قبل كتاب نهاية المرام، لضياء الدين. ونظراً لفقدان المجلد الأوّل للكتاب فليس بالإمكان حسم الكلام في هذا المضمار. لكنْ بالإجمال يمكن القول: إن الشهرستاني قد تفوَّق على ضياء الدين في الإحاطة بالمقولات الفلسفية. طبعاً الكلام بالنسبة إلى الإمام محمد الغزالي مختلفٌ؛ إذ لا يمكن عدُّه زعيماً ورائداً للكلام الأشعري في عصره، مع أنّه كان تلميذاً للجويني، شأنه في ذلك شأن أبي القاسم الأنصاري. ولمزيدٍ من التفاصيل في هذا الإطار انظر: حسن الأنصاري، «التشيع والإرث الكلامي للأشاعرة»، على العنوان الالكتروني التالي:
http: //ansari. kateban. com/entry1796. html
([6]) يمكن ملاحظة ذلك جلياً في كتابي «الاشارة في علم الكلام» الذي طبع مؤخراً، و«نهاية العقول». ولمزيد من التفاصيل حول الفخر الرازي ومراحل حياته المختلفة ومشاريعه الكلامية والفلسفية انظر: كتاب أيمن شحادة حول الفخر الرازي:
Shihadeh, A., The Teleological Ethics of Fakhr al-Dīn al-Rāzī, Leiden, 2006.
([7]) يمكن ملاحظة ذلك جلياً في كتابي «الإشارة في علم الكلام»، الذي طبع مؤخراً، و«نهاية العقول». ولمزيد من التفاصيل حول الفخر الرازي ومراحل حياته المختلفة ومشاريعه الكلامية والفلسفية نظر: كتاب أيمن شحادة حول الفخر الرازي:
Shihadeh, A., The Teleological Ethics of Fakhr al-Dīn al-Rāzī, Leiden, 2006.
([8]) القدر المتيقَّن أنه كان حتّى عام 550هـ على قيد الحياة، وهو العام الذي دوَّن فيه كتاب «نهاية المرام»؛ انظر: المصدر السابق. و بما أن الفخر الرازي كان قد تتلمذ على يد أبيه فلا شَكَّ أن ضياء الدين قد رحل بعد هذا التأريخ، أو ربما عام 559هـ. أما عن تاريخ ولادته فلا نملك أدنى فكرة، لكنْ بما أنه كان تلميذاً لأبي القاسم الأنصاري (المولود في سنة 512هـ)، وقد أخذ على يديه علم الكلام، فربما يصح القول: إن سنة ولادته كانت حوالي 490هـ؛ لأنّ تعلم علم الكلام يستغرق عدّة سنوات، خلافاً لسماع الحديث، كما يتطلّب سنّاً بين 15 إلى 20 عاماً.
ورد وصف ضياء الدين في الصفحة الأولى من النسخة الخطية كما يلي: «الشيخ الإمام الأجل الزاهد ضياء الدين شمس الإسلام شرف الخطباء أبو القاسم عمر بن الحسين بن الحسن الطبري المكّي طوّل الله عمره». ومن هذا الوصف يظهر أن سلالة الفخر الرازي تنحدر من مدينة طبريا، وقد استوطنت مكّة لسنوات عدّة، انتقلت بعدها إلى مدينة الريّ. وهذا خلافاً لما ورد في المصادر من أنّها تنتمي في الأصل إلى مكّة. لكن إذا كان جد ضياء الدين المسمّى «حسن» من مواليد مكّة، وسكن فيها 40 عاماً، ووالده «حسين»، وضياء الدين كان خطيباً في الريّ، إذن متى كانت هذه السلالة مرتبطة بطبريا؟ ومهما يكن من أمرٍ فالمرجَّح أن والد الفخر الرازي قد ولد وترعرع في مدينة «الري». يلاحظ رأي أيمن شحادة في مقدّمة هذا الكتاب؛ وانظر أيضاً: أحمد طاهري عراقي، «حياة الفخر الرازي»، مجلّة المعارف، 1986، العدد 7: 5 ـ 28.
([9]) انظر: مقدمة شحادة. كان عنوان الخطيب في ذلك الزمان يُعَدّ منصباً دينياً ورسمياً حكومياً، لذلك كان يتمّ اختيار الخطباء وفق معايير خاصة، كالأفضلية العلمية والوجاهة الاجتماعية. ويمكن إدراك المقام العلمي لضياء الدين من خلال كتاب نهاية المرام، وتحديداً عبر جملة البحوث العلمية التفصيلية التي خاضها هناك. وصحيح أنه اتّكأ كثيراً في تأليف كتابه على تصانيف الأشاعرة، وتحديداً إمام الحرمين الجويني، وتصانيف أستاذه أبي القاسم الأنصاري، وربما لا يكون قد أضاف الشيء الكثير عليها، لكنّ خوضه في تفاصيل المسائل الكلامية يشير إلى أن ضياء الدين الرازي كان عالماً قديراً ومتبحّراً في علمي الكلام والأصول.
([10]) ربما يكون ابن الفوطي قد ذكره ضمن لقب «ضياء الدين» في كتابه الموسوم بمجمع الآداب في معجم الألقاب، لكنّ هذا الجزء من الكتاب قد فُقِد، حاله حال باقي كتب ابن الفوطي. ومن ناحيةٍ أخرى يرجَّح كثيراً أن الشيخ منتجب الدين الرازي، الذي كانت له صلةٌ وثيقة بالفخر الرازي وأبيه، قد أورد سيرة ضياء الدين في كتابه «تاريخ الريّ». لكنْ لا وجود لذلك ولا حتّى أدنى إشارة في المصادر التي تحدّثت عن هذا الكتاب، كطبقات الشافعية الكبرى، للسبكي؛ ولسان الميزان، لابن حجر. ولمزيدٍ من المعلومات حول الشيخ منتجب الدين، من أعلام الإمامية لمدينة الريّ في القرن السادس، وللاطّلاع على سيرة العلماء السنّة والشيعة لهذه المدينة، انظر: مقدّمة المحقق الطباطبائي على فهرست منتجب الدين، طبعة قم.
([11]) جمع أيمن شحادة المعلومات التي وفّرها ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء» حول والد الفخر الرازي ضمن سرد سيرة ابنه، والمعلومات التي أوردها الفخر الرازي نفسه في مصنَّفاته حول أبيه في مقدمة هذا الكتاب، وهو ما كوّن مجموع المعلومات المتوفِّرة حول «ضياء الدين الرازي».
([12]) انظر: السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 7: 242. ورد اسم كتاب «غاية المرام» في كتاب السبكي، وليس «نهاية المرام»، وهو ما قد يُعَدّ التحريف الوحيد لعنوان هذا الكتاب. انظر: مقدّمة أيمن شحادة على هذا الكتاب. يستغرق السبكي في الإطراء على ضياء الدين، الذي يلقبه بـ «الرازي»، ويثني على علميته، عادّاً إيّاه فقهياً وأصولياً ومتكلّماً وصوفياً محدّثاً، بل وحتّى أديباً بارزاً.
([13]) ربما يمكن إرجاء هذا الإهمال إلى الدمار الذي حلّ بمدينة الريّ إثر النـزاعات الطائفية التي حدثت بين الشيعة والسنّة، وبين الشوافع والأحناف، والتي أُضيف إليها فيما بعد اكتساح المغول للمدينة، الذي أنهى دورها التاريخي والثقافي والديني، وأفقدها رونقها، وتسبّب بفقدان الكثير من المصادر والكتب، التي من جملتها كتب المعتزلة وغيرهم. لذلك لا نكاد نعثر على أيّ ذكرٍ لوالد الفخر الرازي في معجم الشيخ، لابن عساكر(571هـ) وأبي سعد السمعاني(562هـ) الشافعيين المعاصرين لضياء الدين والمقيمين في مدينة الريّ لفترةٍ من الزمن. كما لا نجد له أثراً في كتاب تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، الذي خصّه لسرد مناقب أبي الحسن الأشعري، والإشادة بالعلماء الأشاعرة. وإلى الشمال من مدينة الريّ متعدّدة المذاهب آنذاك كانت تقع مدينة قزوين ذات الأغلبية السنّية، وكانت هذه المدينة مقصداً لقوافل علماء أهل السنّة والجماعات القادمة من مدينة الريّ وغيرها. ورغم غزارة المصنَّفات التي فيها، إلاّ أنها خَلَتْ هي الأخرى من سيرة ضياء الدين والد الفخر الرازي، سوى إشارات طفيفة تجدها في كتاب التدوين، للرافعي، أوردها ضمن حديثه عن حياة الفخر الرازي. (انظر: التدوين في أخبار قزوين 1: 477). وتجدر الإشارة إلى أن الرافعي ذاته لم يتطرّق في تلخيص وتكملة كتاب تبيين المفتري، لابن عساكر، والموسوم بالشاش المعلم لكتاب المرهم (المعلم بشرف المفاخر العلية في مناقب الأئمة الأشعرية)، والمحفوظة نسخته الخطية في مكتبة ليدن (النسخ الشرقية، العدد 322)، لم يتطرق إلى أيّ حديث عن والد الفخر الرازي، بالرغم من سرده سيرة الفخر بالتفصيل.
([14]) انظر: مقدمة أيمن شحادة على هذا الكتاب. ومن المعروف أن الفخر الرازي لم يكن يمتلك أساتذة كثيرين، وأبرز أساتذته، عدا أبيه، هو مجد الدين الجيلي (الذي كان يقطن مدينة الريّ، ثم انتقل إلى مدينة مراغة فيما بعد)، الذي أخذ الفلسفة على يديه. لذا يمكن القول: إن الفخر مدينٌ في رحلته وشخصيته العلمية لأبيه (رُزق ضياء الدين بولده الفخر الرازي وهو في مرحلة الكهولة). ومهما يكن من أمرٍ فالمتيقَّن أن الفخر الرازي مدينٌ لأبيه في علم الكلام الأشعري التقليدي. وهو بنفسه يؤكّد هذه الحقيقة عندما يورد اسم أبيه قبل اسمه في إطار سرده للسلسة السندية المؤثرة في انتمائه إلى المذهب الأشعري، وارتوائه من معين التعاليم الأشعرية. انظر: مقدمة أيمن شحادة على هذا الكتاب. ولتفاصيل أكثر حول مسيرة الفخر الرازي العلمية انظر: مقالة أحمد الطاهري العراقي.
ومع أنّ والد الفخر الرازي، أي ضياء الدين، قد صنّف كتاباً قطوراً في الكلام الأشعري، إلاّ أن المستغرب حقّاً غياب آرائه الواردة في هذا الكتاب من كافة الكتب الكلامية التي دونت لاحقاً من قبل الأشاعرة. وللوقوف على تفاصيل أكثر حول السلسة السندية للأشاعرة، ومن ضمنهم الفخر الرازي وأبوه، انظر: ابن شدقم، تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار 2: 277 ـ 279.
([15]) يمكن ملاحظة ذلك من خلال متابعة كتب الأنساب، والرجال، والطبقات، والتراجم، ويعضده نسبة الرازي وغيره من المحدّثين، والفقهاء، والمفسّرين، والمتكلّمين، والفلاسفة، وغيرهم من طبقات العلماء، إلى هذه المدينة، وتضافرهم فيها طيلة القرنين الخامس والسادس. كما كان يقصدها كبار المحدّثين؛ لتقصّي الأحاديث والأخبار، وقد روى العديد منهم حالاته في هذه المدينة. انظر على سبيل المثال: المنتخب من معجم الشيوخ (وكذلك التحبير) للسمعاني؛ معجم الشيوخ، لابن عساكر؛ ومعجم السفر والوجيز في ذكر المجاز والمجيز، لأبي طاهر السلفي. وقد طبعت جميعها.
([16]) لمزيدٍ من المعلومات حول التعدّدية المذهبية لمدينة الريّ أواخر القرن السادس الهجري انظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان 3: 117؛ وللوقوف على واقع الطائفة السنّية في مدينة الريّ في القرنين الخامس والسادس الهجريين انظر كذلك: مقال بهذا الصدد تحت الطبع. ولاستبيان أحوال المعتزلة والزيدية انظر: مقدّمتي على النسخة المطبوعة من كتاب التفصيل لجمل التحصيل، للخراشي، تحت الطبع. وللاطلاع على واقع الإمامية في مدينة الريّ ينصح بالرجوع إلى أهم المصادر المعاصرة لحياة والد الفخر الرازي وابنه، والتي احتوت العديد من أسماء الفقهاء الرازيين المعاصرين لتلك الحقبة، وهما: كتاب النقض، لعبد الجليل القزويني الرازي؛ وكتاب الفهرست، لمنتجب الدين. وقد تعرّض جلال الدين المحدث الأرموي بالتفصيل عن الواقع العلمي لمدينة الريّ في تعليقاته على كتاب النقض وحاشيته على الفهرست لمنتجب الدين وديوان القوامي الرازي وغير ذلك. انظر: مقالة كاتب هذه السطور تحت عنوان: «كلّ ما لا تعرفه عن مجتمع الريّ في القرنين الخامس والسادس الهجريين» على الرابط التالي:
http: //ansari. kateban. com/entry1567. html
وقد تحدّثت فيها عن واقع التعايش بين الزيدية والإمامية في القرن السادس الهجري. وأشرت إلى ظاهرة الأسر والعوائل والبيوتات في مدينة الريّ، كأسرة آل بابويه، وخزاعة الرازي.
([17]) للأسف لم يبقَ أيّ أثر علمي لهؤلاء المتكلمين، وجُلُّ ما نعرفه عنهم وصلنا من خلال المصنفات اللاحقة، ككتاب النقض لعبد الجليل القزويني، والفهرست لمنتجب الدين، وغير ذلك من المصادر الأخرى، كإجازات الإمامية. في ذات الوقت لا بُدَّ من الرجوع إلى مصنفات قطب الدين الراوندي، أحد علماء الريّ البارزين في القرن السادس الهجري، التي لم يصلنا سوى جزء يسير منها، بالرغم من أن أغلبها لا علاقة له بعلم الكلام. أما كتاب النقض لعبد الجليل القزويني، وكما سيتّضح لاحقاً، رغم تمحوره حول المسائل الكلامية والاعتقادية للطائفة الإمامية، إلاّ أنه في ذات الوقت يكشف عن التوجّهات الاعتقادية والمناهج الكلامية السائدة لفقهاء الإمامية بشكل عامّ في مدينة الريّ إبّان القرن السادس الهجري. كما تجدر الإشارة هنا إلى أبي الفتوح الرازي، الفقيه والواعظ والمفسر الإمامي الشهير من أعلام القرن السادس الهجري أيضاً، صاحب أحد أهم وأشهر التفاسير، الذي ملأ صيته الآفاق. وقد هيمن الطابع القصصي والوعظي على هذا التفسير، لكن إلى جانب ذلك بالإمكان العثور على مجموعة من المسائل الكلامية والاعتقادية في سياق تفسير بعض الآيات. لمزيد من التفاصيل انظر: المدخل «أبو الفتوح الرازي» في دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، أغلبه لكاتب السطور؛ ولتفاصيل أكثر حول التشيُّع في مدينة الريّ بشكل عامّ انظر: رسول جعفريان، مراحل تطور الشيعة في مدينة الريّ، طهران، الروضة المقدّسة لعبد العظيم الحسني، طهران، ط1، 1371هـ.ش.
([18]) للوقوف على تفاصيل هذا الاتجاه عند الإمامية انظر: مقدّمة تحقيق كتاب خلاصة النظر، تصحيح: حسن الأنصاري وزابينة اشميتكه، طبعة رابطة الحكمة وجامعة برلين الأهلية. ولحسن الحظّ فقد سلم كتابه الكلامي الموسوم بـ «المنقذ من التقليد» (أو التعليق العراقي) من الضياع، وطبع في مدينة قم الإيرانية، في مجلّدين. كما اشتهر الحمصي في العديد من مصادر الشيعة والسنّة على أنّه كان ضمن سلسلة أساتذة الفخر الرازي، كما نعرف أيضاً أن الفخر الرازي كان على درايةٍ جيدة بتصانيف أبي الحسين البصري ومحمود الملاحمي، لذا لا نستبعد أن تكون بعض مؤلَّفاته حصيلة متابعاته العلمية في مدينة الريّ في فترة وجود سديد الدين الحمصي وتدريسه مناهج أبي الحسين البصري فيها، مع العلم أنه لم تتمّ الإشارة إلى أي من آراء أبي الحسين في الجزء الثاني من كتاب ضياء الدين، الموسوم بـ (نهاية المرام). ويُشار إلى أن العقيدة الكلامية لأبي الحسين لم تكن من العقائد الرائجة في مدينة الريّ إبّان النصف الأول للقرن السادس الهجري، مع أنّه كان فقيهاً معروفاً بحسب مصادر ذلك الوقت. كما كان على الفخر الرازي أن يتعرَّف على مناهج أبي الحسين والملاحمي طيلة مكوثه في خوارزم؛ وذلك لحاجته لها في مناظرته مع المعتزلة. ولمزيدٍ من التفاصيل حول إقامته في خوارزم انظر مقال أحمد الطاهري العراقي. وللتعرف على مصادر الاعتزال الرئيسية للفخر الرازي في تفسيره الكبير، ومن جملتها: مصنّفات أبي الحسين البصري في الأصول والفقه والكلام، انظر: الشاطبي، الإفادات والإنشادات: 100 ـ 101، تحقيق: محمد أبو الأجفان، مؤسسة الرسالة، بيروت.
([19]) انظر: ياقوت، معجم البلدان، المصدر السابق نفسه.
([20]) للوقوف على واقع المذاهب في العصر السلجوقي في إيران الوسطى وخراسان انظر: مادلونك، الفِرَق الإسلامية؛ ولمزيدٍ من التفاصيل حول وضع الأحناف في خراسان وغيرها من المدن الإيرانية في ذلك العصر، وعلاقاتهم على الصعيدين المذهبي والسياسي، انظر: دراسة لمادلونك أيضاً حول تطوّر الأتراك، ضمن مجموعة دراسات نشرت له، انظر:
Madelung, W., Religious Trends in Early Islamic Iran (Columbia Lectures on Iranian Studies,4), Albany, 1988.
Madelung, W., «The Spread of Māturidism and the Turks,» Actas do IV Congresso de Estudos Arabes e Islamicos, Coimbra-Lisboa 1968, Leiden 1971, pp. 68-109, and in: Religious Schools and Sects in Medieval Islam, Londres, Variorum, 1985.
كما نقل عبد الجليل القزويني في كتابه الموسوم بالنقض تفاصيل دقيقة جدّاً تتعلق بالواقع الديني والتشتّت المذهبي في مدينة الريّ في ذلك العصر، مع رصد لطبيعة النـزاعات التي كانت قائمة بين الأحناف والشوافع حينها. وكمثالٍ حصري على هذه النـزاعات انظر: الراوندي، راحة الصدور: 13 فما بعد.
([21]) بسيطة هي المعلومات التي نملكها عن تلك الشريحة الاجتماعية، وما عثرنا عليه ما هو إلا معلومات مبعثرة هنا وهناك تحكي سيرة عدد من علماء الشافعية والأشاعرة الذين استوطنوا مدينة الريّ في تلك المرحلة الزمنية، والتي لو وضعت جنباً إلى جنب لأمكنها أن تمنحنا صورةً أكثر جلاءً عن واقع الشوافع والأشاعرة المعاصرين لوالد الفخر الرازي. للوقوف على مجموع هذه المعلومات انظر: دراسة بعنوان «المجتمع السنّي في الريّ إبان القرنين الخامس والسادس الهجريين»؛ كما تتوفر معلومات عن الوجهاء والأُسَر في مدينة الريّ آنذاك، والتي من بينها أسرة المشاط، التي كانت تترأّس شريحة الشوافع لسنواتٍ عديدة في القرن السادس، وللوقوف على تفاصيل أكثر انظر: الدراسة السابقة؛ واختصاراً للوقت انظر أيضاً: تعليقات المحدث الأرموي على كتاب النقض 2: 1103 ـ 1105. وبالإمكان مراجعة كتاب الفخر الرازي حول مناقب الإمام الشافعي، والكتاب الذي صنَّفه والده في هذا السياق أيضاً، انظر: مقدمة أيمن شحادة. طبعاً تجدر الإشارة هنا إلى أن مجموع هذه المصنّفات تمّ تأليفها في إطار ما أشرنا إليه من نزاعات مذهبية حصلت بين الشوافع والأحناف. فعلى سبيل المثال: نرى الإمام الغزالي في مقتبل مسيرته العلمية كان مندفعاً في الذود عن المذهب الشافعي، والردّ عل الأحناف عبر كتاباته في الترجيح بين المذاهب. كذلك حال الجويني أيضاً، الذي صدرت له جملة من المصنّفات لذات السبب. انظر:
Chaumont, Éric, «En quoi le maḏhab šāfiʿite est-il šāfiʿite selon le Muġīṯ al-ḥalq de Ǧuwaynī»?, Annales Islamologiques 35 (2001), p. 17-26.
([22]) وصف كتاب النقض الأحناف بالعدلية إشارة إلى اتجاههم الاعتزالي في العقيدة، وخالف الأشاعرة على منحاهم الجبري، وانتقدهم بشدّة، واستثنى قسماً منهم؛ لما يكنونه من ودٍّ لأهل بيت النبي. انظر: النقض: 142 ـ 146، 344، 371 ـ 373، 416، 458 ـ 459، 592، وغير ذلك من الموارد العديدة الأخرى.
([23]) طُبع كتاب النقض مع تعليقة مطولة للمحدث الأرموي جلال الدين مرّتين في طهران، وخرجت الطبعة الثانية بثلاث مجلدات، أحدها تضمن نصّ الكتاب؛ والآخران تضمّنا التعليقات التي أوردت عليه.
([24]) خصوصاً أسرة النقباء. ولمزيدٍ من التفاصيل انظر: المقدمة والتعليقات الواردة في كتب فهرست منتجب الدين، والنقض، وديوان القوامي الرازي.
([25]) انظر: عبد الجليل القزويني، البعض: 2 ـ 22؛ وتوجد دراسات وبحوث عديدة حول هوية صاحب كتاب «البعض»، منها ما قام به المحدّث الأرموي، وخلص إلى أنه شخصٌ يُدعى «شهاب الدين التواريخي»، سنّي من أشاعرة المشاط في الريّ، شخص لم يَرِدْ له ذكر في المصادر الموثوقة، ولم يعرف له أصلٌ ولا نسب. كما يظهر من تعبيرات أحد وجهاء أسرة المشاط، والتي ينقلها القزويني في نقضه (انظر: النقض: 373، 592) أن صاحب كتاب «البعض» لا ينتمي إلى أسرة المشاط لا من قريبٍ ولا من بعيد. للمزيد من التفاصيل انظر: المحدث الأرموي، مقدّمة النقض والتعليقة عليه: 2 ـ 4؛ تعليقات النقض 2: 1103 ـ 1104.
([26]) للوقوف على مصدر محل الشاهد انظر: النقض: 344 ـ 345، 434، 446 ـ 453، 458 ـ 459، 550؛ وللوقوف على موضوع «النظر» وأهميته، وردّ عقيدة الإسماعيلية حول «التعليم»، والتي تفضي إلى إبطال القول بـ «النظر»، انظر: الغزالي، فضائح البانية والدراسات ذات الصلة.
([27]) يمكننا ملاحظة هذا النمط من الردود ضد الأشاعرة في أغلب مصنفات الإمامية، بدءاً بعهد الشيخ المفيد ومعاصره أبي بكر الباقلاني، ومروراً بعهد الفخر الرازي، وانتهاء بعهد العلاّمة الحلّي. لكنْ بعد مرحلة العلاّمة أخذت حدّة الردود بالتراجع، وأصبحت إجمالية غير مباشرة، كما هو الحال في الردّ على أهل الجبر بدلاً من الردّ على الأشاعرة، وهكذا. ولا بُدَّ في هذا السياق من الإشارة إلى كتاب الشيخ معين الدين أبي المكارم سعد بن أبي طالب بن عيس المتكلم الرازي، المعروف بالنجيب، الذي يردّ فيه على كتاب أبي الفضائل المشاط المتضمن موضوع الرؤية، انظر: فهرست منتجب الدين: 87. وقد مرّ الحديث عن أسرة المشاط سابقاً. وتجدر الإشارة هنا إلى رسالة الشيخ رشيد الدين أبي سعيد عبد الجليل بن أبي الفتح مسعود بن عيسى المتكلم الرازي والفقيه المعروف في زمانه في مدينة الريّ، وقد عنونها: «رسالة في نفي الرؤية للردّ على الأشاعرة»، انظر: المصدر السابق: 110.
([28]) بهذا الصدد انظر: دراسة لكاتب السطور، بعنوان: «أبو بكر الباقلاني ومعاصروه: الجدل الشيعي ـ السنّي وكتاب جديد في الإمامة»، كتاب ماه دين، العدد 107 ـ 109: 4 ـ 11، 2007.
([29]) لم تخرج أغلب مؤلفات الإمامية التي صنِّفت في النصف الأول من القرن السابع ـ ككتاب تبصرة العوام لجمال الدين محمد بن الحسين بن الحسن الرازي في شيراز؛ وكتاب كامل البهائي لعماد الدين الطبري ـ عن إطار الجوّ الذي ساد في القرن السادس، ودفع لتأليف كتاب النقض. وبشكلٍ عامّ استمرت وتيرة ردود الشيعة على أهل السنّة فترة طويلة نسبياً؛ والسبب أن نسبة الأشاعرة المتعرّضين للشيعة والمنتشرين في بقاع جغرافية مختلفة كانت تفوق بكثير نسبة الشيعة المتصدّين لهم. وكمثالٍ على ذلك نلاحظ أن معظم مضامين كتاب تبصرة العوام مشابهة لمضامين كتاب النقض، وخصوصاً في ما يتّصل بعقيدة الأشاعرة؛ إذ يشدِّد الكاتب في الردّ على عقيدة الجبر، مستشهداً بآراء كبار فقهاء الأشاعرة والعديد من كتبهم المشهورة، ممّا يعني أنّه كان ملمّاً إلى حدٍّ كبير بهذا النمط من الكتب. انظر: 98 فما بعد؛ 108 فما بعد.
([30]) انظر بهذا الصدد: رسول جعفريان، «رؤية حوار المذاهب في القرنين السادس والسابع الهجريين»، قم 1992.
([31]) لمزيدٍ من التفاصيل حول أبي القاسم الأنصاري وتوجُّهاته انظر: المختصر ـ من كتاب السياق لتاريخ نيسابور: 11 ـ 115، تحقيق محمد كاظم محمودي، طهران، 2002 (النسخة الفارسية). وقد كان الأنصاري أستاذاً لصاحب الملل والنحل أيضاً، ومؤلفاً لكتابي الغنية وشرح الإرشاد. انظر: مقدمة أيمن شحادة على هذا الكتاب؛ ومقدّمة الطبعة الجديدة لكتاب الغنية.
([32]) كتب مثل: المختصر لأبي إسحاق الإسفراييني، وشرح اللمع لأبي بكر، والبيان عن الأصول الخمس له أيضاً (108 ب)، وكتاب الهداية والاجتهاد للباقلاني (109 ب، 265 ألف)، وكتاب الأسماء والصفات لأبي إسحاق الإسفراييني (204 ب)، ونقض النقض للباقلاني (249 الف)، والتمهيد للقاضي الباقلاني (313 ب)، شيخنا الإمام أبو القاسم الأنصاري& في تفسيره المترجم بالتقريب وغيرها. واعتمد أبو الحسن الأشعري في مصنفاته اللاحقة على كتب الأشاعرة المتقدمين، كمصنَّفات ابن فورك، وذلك أن أغلب كتب الأشاعرة اللاحقة اختفت أو تعرّضت للتلف. ويعتبر المجرد في مقالات أبي الحسن الأشعري لابن فورك من أهم المصادر التي حَوَت تلك الأقوال. ومن الجدير ذكره بهذا الصدد أنّ ابن فورك لم يتطرّق في مصنَّفه، الذي لم يُعْثَر سوى على المجلد الثاني منه، إلى الغزالي، ولو بكلمةٍ واحدة، مما يشير إلى أنه لم يكن مصدر إلهام للفكر الأشعري بأيّ حالٍ من الأحوال. هذا بالرغم من أنه لم يغادر تمسكه بمبادئ الفكر الأشعري التي استلهمها من أستاذه إمام الحرمين الجويني، أبرز متكلمي الأشاعرة في زمانه، والتي بَدَت واضحةً من خلال جملة من مصنّفاته. ولم يكن نفوذ الجويني بين الأشاعرة مقتصراً على المشرق الإسلامي فحَسْب، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته بوضوحٍ عبر كتاب نهاية المرام الذي نحن بصدده، إنما تعدى ذلك ليشمل كلاًّ من: الأندلس وأفريقيا والمغرب الإسلامي، والتي شهدت تهافتاً على كتبه ومصنَّفاته، وحلّت بديلاً لمصنَّفات الأشاعرة الأخرى، بما في ذلك أشاعرة المغرب، الأمر الذي يكشف لنا حقيقة وجود هذا الكمّ الهائل من الشروح على كتابه الإرشاد، والاعتماد الكامل على كتبه في مصنّفات الأشاعرة. ومع صعود دولة الموحدين وصل انتشار المذهب الأشعري إلى ذروته. ولمزيدٍ من التفاصيل حول هذا الموضوع انظر: مقدّمة جمال علال البختي على تحقيق كتاب مقدّمات المراشد إلى علم العقائد، لابن الخمير السبتي، تطوان، 1425هـ ـ 2004م.
([33]) ليست واضحة لنا تماماً لوحة العلاقات التي كانت سائدة في المجتمع الرازي بين المعتزلة والزيدية من جهة وبين الأشاعرة من جهةٍ أخرى، غير أنه ـ وعلى سبيل المثال ـ ورد في نسخةٍ قديمة لأحد المعتزلة (دونت عام 570هـ)، عنوانها «شرح التذكرة»، نصٌّ أشعري منقول عن كتاب موسوم بـ «النهاية في الكلام»، وأغلب الظنّ ـ بحسب كاتب السطور ـ أنه مقتطف من المجلد الأول لكتاب نهاية المرام لضياء الدين الرازي، الذي لم يصلنا سوى المجلد الثاني منه؛ ذلك أن أسلوبه في الطرح قريب جدّاً من أسلوب ضياء الدين. لذلك لا نجد من بين الكتب الكلامية الاشعرية كتاباً مستقلاًّ عن النسخة المذكورة سوى كتاب «نهاية الإقدام»، للشهرستاني. ولمزيدٍ من التفاصيل حول هذه النسخة، التي طبعت ترجمتها بواسطة زابينة اشميتكه في طهران (رابطة الحكمة بمساعدة جامعة برلين) انظر: مقالات زابينة اشميتكه ودانيل جيمارة (ضمن مصادر هذه المقالة)، وأيضاً: مقالتي تحت عنوان: «كتاب من كتب متكلّمي المعتزلة في الريّ)، مجلة «ماه دين»، العدد 104 ـ 106: 68 ـ 75، 2007م. ولم نقِفْ إلى هذه اللحظة على حيثية انضمام هذا الجزء من كتاب «النهاية» لكتاب «شرح التذكرة»، لكنّ المحرز هو تزامن فترة التدوين بالنسبة لكلا الكتابين، وربما تكون وحدة القلم أيضاً. ويحتمل أن يكون السبب وراء ذلك اشتراكهما في المسائل والموضوعات، كمسألة الموجود والمعدوم، ومسألة الأحوال، وغيرها. ومهما يكن من أمرٍ فإنْ صحّ هذا الاحتمال فمعناه أن معتزلة وزيدية القرن السادس كانوا على معرفة جيدة بكتاب نهاية المرام لضياء الدين. هذا ومن المزمع أن ننشر في القريب تحليلاً وتصحيحاً أجريناه على هذا الكتاب.
([34]) يعتبر ذلك أمراً معهوداً في مصنّفات الأشاعرة. انظر على سبيل المثال: عبد القاهر البغدادي، أصول الدين: 307 ـ 310. كما لا بُدَّ من التنويه إلى أن ما أورده ضياء الدين الرازي في هذا الباب حول طبقات الأشاعرة وأهل السنّة والجماعة مبنيّ على فصل مشابه للبغدادي في أصول الدين، يشير كلاهما إلى زعامة الإمام عليّ أمير المؤمنين لعلم الكلام وانتهاء سلسلة الكلام السنّي إليه. وعلى هذا المنوال يسير الفخر الرازي في رسالته الفارسية المعروفة بتحصيل الحقّ، مقتصراً على إيراد السلسلة السندية لمذهبه وسنّته الكلامية والاعتقادية (انظر: الفخر الرازي «تحصيل الحق»، ضمن مجموعة 14 رسالة: 52 ـ 53، باهتمام: السيد محمد باقر السبزواري، جامعة طهران، ط2، 2005 م. وكانت الرؤية السائدة بين المعتزلة أيضاً تفيد بأنّ العقيدة الاعتزالية تنتهي إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ، وهذا ما تجده في مصنّفاتهم المختلفة. مضافاً إلى ذلك يؤكّد الفخر الرازي في رسالته التي سبق ذكرها أن سلسلة الأساتذة الأشاعرة تنتهي إلى الإمام عليّ، ومنها إلى النبيّ الأكرم|، عن طريق أبي عليّ الجبائي أستاذ أبي الحسن الأشعري، مع العلم أنّه في مواضع عديدة كان يرى وجود الخلاف بين الجبائي وتلميذه الأشعري (انظر بهذا الصدد: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1: 17)؛ وانظر أيضاً: الفخر الرازي، الرياض المونقة: 14 ـ 174، الذي يسرد فيه مجموعة من المصنّفات الكلامية لعدد من المتكلّمين المشهورين منذ عهد أبي الحسن الأشعري إلى زمانه، مفصلاً الحديث عن كلّ واحد منها. ومن جملة ذلك إيراده معلومات قيمة عن تلامذة أبي القاسم الأنصاري، الأمر الذي يهمنا كثيراً. ويؤكّد في نهاية المطاف على أن المذهب الأشعري هو مذهب أكثر «السلف».
([35]) مع أنّ أسلوب ضياء الدين في الردّ على الشيعة في كتابه نهاية المرام لم يكن بالحدّة التي اتّسم بها أسلوب «الكاتب المجهول»، صاحب كتاب بعض فضائح الروافض، لكنْ من المحتمل أن يكون الكاتب المجهول هذا هو ضياء الدين الرازي نفسه، ذلك أنّه لم يرِدْ في كتاب «النقض» لعبد الجليل الرازي أيّ ذكر «لخطيب الريّ»، مع أنّه أورد العديد من الفقهاء الأشاعرة والشوافع المعاصرين له، طبعاً يبقى هذا الأمر ضمن دائرة الاحتمال.
([36]) انظر: دراسة بعنوان «التشيُّع والتراث الكلامي الأشعري». لقد امتدّ تأثير الفخر الرازي ليشمل جمهور الحنابلة أيضاً، تاركاً بصمته على مصنّفات فقهائهم، كمصنّفات ابن تيمية وتلميذه نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي (المولود في 716هـ)، الذي يعدّ فقيهاً حنبلياً واقعاً تحت سحر البحوث الكلامية للرازي. وبهذا الصدد نشير بالرجوع إلى دراسات أحمد شحادة، مثل: «الطوفي في كتاب درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح»، طباعة أيمن شحادة، الرياض، 1426هـ ـ 2005م، الذي تعرّض فيه لمصنّفات الفخر الرازي وأسلوبه في تناول الموضوعات الكلامية. كما يمكن ملاحظة تأثير الفخر الرازي ومؤلفاته على الكتب الكلامية والفلسفية الشيعية، بدءاً بالخواجة نصير الدين الطوسي وانتهاءً بفلاسفة العهد الصفوي، كالملاّ صدرا على سبيل المثال. كما نعلم أن الخواجة نصير الطوسي كان يدرِّس كتب الفخر الرازي في مدينة مراغة. انظر على سبيل المثال: ابن الفوطي، تلخيص مجمع الآداب 4: 155، تحقيق: محمد الكاظم. كما حظي تفسيره بشهرة كبيرة في المصادر الشيعية. ومن الجدير بالذكر أن تفسير الرازي بعد عدّة عقود فقط من صدوره أصبح مصدراً لأحد التفاسير الزيدية في شمال إيران، تأليف أبي الفضل الديلمي. انظر: أبو الفضل بن شهردوير الديلمي، تفسير كتاب الله 1: 36، 38 (نقلاً عن النسخة المترجمة للفارسية)، تقديم: محمد عمادي الحائري، طبعة مكتبة مجلس الشورى. وللوقوف على هذا التفسير وهوية المؤلّف وزمن التدوين انظر:
Ansari, Hassan and S. Schmidtke, «Brief Communication: Iranian Zaydism during the 7th/13th century: Abū l-Faḍl b. Shahrdawīr al-Daylamī al-Jīlānī and his commentary on the Qurʾān», Journal Asiatique1, (2011), 205-211, 299.
([37]) لقد صدرت العديد من الكتب وعشرات المقالات والدراسات حول الفخر الرازي باللغة الفارسية. كما تمت مراجعة وتصحيح جميع ما متوفّر من مصنّفاته التي دوِّنت باللغة الفارسية.
([38]) شأنه شأن أغلب متكلِّمي الأشاعرة حاول الفخر الرازي الردّ عل آراء الإمامية، وخصوصاً في ما يتّصل بموضوعة الإمامة والنصّ والعصمة. انظر على سبيل المثال: الرياض المونقة: 389 فما بعد. وهذا الباب يشتمل على فقرات مهمة جداً (انظر أيضاً: تفسيره 12: 378). وفي ذات الوقت أيضاً قد تقترب آراء الفخر الرازي مع الإمامية في مواضع عديدة، انظر: السبحاني، بحوث في الملل والنحل 2: 351. وتنقل المصادر عن الفخر الرازي قوله بعدم انعقاد الإجماع دون موافقة الشيعة، وتحريمه تكفير أيٍّ من أهل القبلة، بمَنْ فيهم الشيعة من أهل التأويل. انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 2: 269 ـ 270، طبعة إسطنبول، 1305هـ.
([39]) ربما يعود الاختلاف بين مواقف الأب والابن تجاه الشيعة، كما تظهره كتبهما، إلى اختلاف البيئة والظروف السياسية والاجتماعية التي شهدها كلٌّ منهما. وتنقل بعض المصادر، كلسان الميزان لابن حجر العسقلاني (عن الحاوي بن أبي طيّ الحلبي، الذي ربما نقله عن تاريخ الريّ، للشيخ منتجب الدين. انظر بهذا الصدد: السيد موسى الشبيري الزنجاني، «فهرست الشيخ منتجب الدين» رشفة من البحر 1: 70 ـ 71 (الحاشية)، قم، 2011)، أن سديد الدين الحمصي، المتكلّم الإمامي الرازي الشهير، كان أحد أساتذة الفخر الرازي. (انظر: لسان الميزان 5: 317؛ وانظر أيضاً: القاموس المحيط 2: 329). وينقل الفخر الرازي في تفسيره الكبير (انظر: 248 فما بعد؛ وأيضاً: الرياض المونقة: 403) عن سديد الدين قوله بأفضلية الأمير على سائر الأنبياء، سوى النبي الخاتم، ولا يوحي حديثه عنه بأنّه كان أستاذاً له، بل يردّ قوله ويصفه فقط بأنّه كان من علماء الريّ ومن أساتذة الاثني عشرية. لكنْ مع ذلك لا نستبعد أنّه أخذ عنه. من جهةٍ أخرى تنقل المصادر أنّ الفخر الرازي كان يكنّ الاحترام والإجلال لمعاصره العالم الإمامي الشهير نصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي. انظر: تاريخ طبرستان: 201. كما كان للفخر الرازي مراسلات مع أحد أعلام المذهب الإمامي المعاصر له، المعروف بصدر الدين السرخسي، صاحب «أعلام نهج البلاغة». انظر بهذا الصدد: حسن الأنصاري، «مراسلات الفخر الرازي مع أحد الفقهاء المعاصرين له»، المعارف، العدد 54: 10 ـ 24، 2002. وإلى جانب ذلك ينقل أحد المعاصرين للفخر الرازي، وهو الشيخ منتجب الدين في فهرسه: 116، عن أحد الهاشميين المنتمين للمذهب الإمامي أنّه كان تلميذاً للفخر الرازي في خوارزم، وأنّه قرأ على المؤلف عدّة من مصنفاته. وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الفخر الرازي كان مولعاً بأنساب الهاشميين، ونسبوا له بهذا الصدد كتاباً معروفاً «بالشجرة المباركة». ونحن نستبعد جدّاً أن تصحّ نسبة هذا الكتاب إلى الفخر الرازي. وللمزيد في هذا الشأن انظر الدراسة المعنونة: «كتاب الشجرة المباركة المنسوب للفخر الرازي، دراسة في احتمالات صحة النسبة إليه»، على هذا العنوان:
http: //ansari. kateban. com/entry1219. html
كما نقلت العديد من المصادر الأشعرية القديمة ميول الفخر الرازي للتشيع وحبّه لأهل بيت النبيّ، انظر: أحمد بن يوسف الفهري، فهرست اللبلي: 129، تحقيق: ياسين يوسف عياش وعواد أبو زينة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1408هـ ـ 1988م. ولمزيدٍ من الشواهد من المصادر السنّية على ميول الفخر الرازي انظر: الحموي الجويني، فرائد السمطين 1: 35. يُضاف إلى ذلك أنّ الفخر كان مهتمّاً اهتماماً بالغاً بآراء جملة من فقهاء الإمامية ومحدِّثيهم، كآراء الشريف المرتضى والشيخ الطوسي، انظر: الفخر الرازي، المحصول 2: 351؛ 3: 51، 55؛ 4: 232، 259، 353، 384. كما كان الفخر الرازي على مقربة ودراية تامة بانقسام الطائفة الإمامية إلى: أصوليين؛ وأخباريين، وما إيراده هذه المصطلحات إلا دليل على أنّه كان على مقربة ودراية بذات البيئة التي يعيش فيها صاحب كتاب النقض الذي استخدم نفس الوصف لكلا الجناحين. انظر: المحصول 4: 34. ولملاحظة الوصفين في كتاب النقض انظر على سبيل المثال: النقض: 235.
([40]) كمثال على النقود الكلامية التي أوردت عليه انظر: العلاّمة الحلّي، نهج الحق: 44، 105؛ كما كتب عماد الدين الطبري، الفقيه الإمامي من أعلام القرن السابع الهجري، ومؤلف كتاب كامل البهائي، ردّاً على كتاب المعالم للفخر الرازي بُعَيْد وفاته بعقود قليلة، انظر: عماد الدين الطبري، كامل البهائي: 649. كما تعرّض للعديد من آراء الرازي في غير ذلك من كتبه، وقام بنقدها، انظر على سبيل المثال: عماد الدين الطبري، أسرار الإمامة: 270، 345، 445، 477؛ وانظر أيضاً: عماد الدين الطبري، كامل البهائي: 3؛ ولمتابعة الردود على آراء الفخر الرازي في مصنّفات الطبري انظر: مقدمة رسول جعفريان على الأخبار والأحاديث والحكايات في فضائل أهل بيت النبيّ ومناقب أولاد البتول^: 23، 72، 81 ـ 82، 98 ـ 99، تأليف: عماد الدين الطبري، ترجمة: ابن فتحان الواعظ، تصحيح: رسول جعفريان، طهران 2007؛ وأيضاً: رسول جعفريان «جولة في الاعمال الكاملة لعماد الدين الطبري، ثمرات تاريخية ونكات بيبلوغرافية»، مجلة آيينه پژوهش، العدد 50: 2 ـ 16، 1988؛ وهناك وثيقة تشير إلى وجود كتاب لمؤلّف إمامي غير معروف يعود تاريخه إلى سنة 677هـ، يستعرض فيه أحد مؤلَّفات الفخر الرازي في علم الكلام، ويقوم بالردّ عليها، انظر: «أسماء المشهورين من العلماء» في: رسالتين حول فقهاء الشيعة، مجلة كلّية الآداب، العدد 84: 415، جامعة تبريز، تصحيح: محمد تقي دانش پژوه، سنة 1977. ولا يعلم ما إن كانت هناك علاقة بين هذا الكتاب وكتاب «نقض المعالم» لعماد الدين الطبري المصنّف عام 675هـ. كما أن للخواجة الطوسي نقداً مهمّاً على كتاب «المحصل» للفخر الرازي، وهو ليس أقلّ شهرةً من الكتاب نفسه. ومن بين المعاصرين الأقل سنّاً من الفخر الرازي، من زمرة فقهاء الإمامية، برهان الدين أبو جعفر محمد بن محمد بن عليّ الحمداني القزويني، الذي نعرف أنه كان تلميذاً للشيخ منتجب الدين والشيخ سديد الدين الحمصي، وكان يعتبر من علماء الريّ ومحدِّثيها، الذي قيل لاحقاً: إن الخواجة الطوسي قد تتلمذ على يديه، فقد كانت له جملةُ ردود على ما ورد في كتاب الأربعين، للفخر الرازي، من بحوث حول الإمامة، تحت عنوان: «تخصيص البراهين، نقض المسألة في الإمامة من كتاب الأربعين»؛ ولمزيدٍ من المعلومات حول هذا الكتاب ومؤلّفه انظر: بحار الأنوار 104: 128؛ 106: 25، 27؛ وانظر أيضاً: المدرس الرضوي، أحوال الخواجة نصير الدين الطوسي وآثاره: 92 ـ 93. وأيضاً رأي صاحب تبصرة العوام، المعاصر الأقلّ سنّاً من الفخر الرازي، الذي يصف الأخير بالفقيه الأشعري الأبرز، وهو في إطار نقده للمذهب الأشعري، انظر: تبصرة العوام: 175، 120 ـ 121، 253. ومن صفحة 120 إلى صفحة 121 ينقل حكاية من كتاب للفخر الرازي، نقلاً عن أبيه ضياء الدين، أنّه رأى النبيّ| بصحبة الشافعي وأبي الحسن الأشعري، وقد عهد إليه أنه إنْ أراد الفقه فليطلبه من الشافعي؛ وإنْ أراد الأصول فليطلبها من أبي الحسن الأشعري. والذي يبدو من الصفحة 253 أن صاحب تبصرة العوام كان لفترةٍ ما من مرتادي مجلس الفخر الرازي في خوارزم.