أحدث المقالات

الشيخ روح الله ملكيان(*)

«إنّ مودّة الإيمان بالرسول|، وتقديم محبّته على جميع المحابّ ـ بعد محبّة الله ـ، فرضٌ على كلّ مسلم»([1]). ومن أحبَّ نبيّه| يحبّ مَنْ يحبّه النبيّ، وممَّنْ يحبّهم النبيّ بنته فاطمة وزوجها وابناهما^؛ فعلى هذا تكون محبّةُ فاطمة وزوجها وابنَيْهما فرضاً على كلّ مسلم، عقلاً ونقلاً. وهذا كلّه ممّا لا خلاف ولا إشكال فيه من المخالفين، فضلاً عن المؤالفين. وإنّما الخلاف والإشكال في دلالة بعض الأدلّة النقليّة على ذلك، وأنّ هذه المحبّة أو المودّة هي أجر الرسالة، ومنها: آية المودّة، وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، وهي فقرة من فقرات الآية 23 من سورة الشورى المباركة، وهي قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.

الاختلاف في دلالة الآية

قال الشيخ أبو جعفر الصدوق&، في باب «الاعتقاد في العَلَويّة» من كتابه اعتقادات الإماميّة: «اعتقادنا في العلويّة أنّهم آل رسول الله، وأنّ مودّتهم واجبة؛ لأنّها أجر النبوّة، قال عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾»([2]).

فقال الشيخ المفيد& في ما علّق على قول الصدوق؛ تصحيحاً له: «لا يصحّ القول بأنّ الله تعالى جعل أجر نبيّه مودّة أهل بيته^، ولا أنّه جعل ذلك من أجره×؛ لأنّ أجر النبيّ| في التقرّب إلى الله تعالى هو الثواب الدائم، وهو مستحقّ على الله تعالى في عدله و جوده وكرمه، وليس المستحقّ على الأعمال يتعلّق بالعباد؛ لأنّ العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصاً، وما كان لله فالأجر فيه على الله تعالى، دون غيره. هذا، مع أنّ الله تعالى يقول: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ﴾، وفي موضعٍ آخر: ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾، فلو كان الأجر على ما ظنّه أبو جعفر في معنى الآية لتناقَضَ القرآن؛ وذلك أنّه كان تقدير الآية: «قل لا أسألكم عليه أجراً، بل أسألكم عليه أجراً»، ويكون أيضاً: «إن أجري إلاّ على الله، بل أجري على الله وعلى غيره»، وهذا محالٌ، لايصحّ حمل القرآن عليه. فإنْ قال قائلٌ: فما معنى قوله: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ أَوَليس هذا يفيد أنّه قد سألهم مودّة القربى لأجره على الأداء؟ قيل له: ليس الأمر على ما ظننت؛ لما قدّمناه من حجّة العقل والقرآن. والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة، لكنّه استثناءٌ منقطع، ومعناه: «قل لا أسألكم عليه أجراً، لكنْ أُلزِمُكم المودّةَ في القربى وأَسأَلُكموها»، فيكون قوله: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ كلاماً تامّاً قد استوفى معناه، ويكون قوله: ﴿إِلاَّ المَوَدَّةَ في الْقُرْبى﴾ كلاماً مبتدأً، فائدته «لكن المودّة في القربى سألتكموها». وهذا كقوله: ﴿فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾، والمعنى فيه «لكنْ إبليس»، وليس باستثناءٍ من جملة، وكقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، معناه «لكنْ ربّ العالمين ليس بعدوٍّ لي».

قال الشاعر:

وبلدة ليس بها أنيس *** إلاّ اليعافير وإلاّ العيس

وكان المعنى في قوله: «وبلدة ليس بها أنيس» على تمام الكلام واستيفاء معناه، وقوله: «إلاّ اليعافير» كلامٌ مبتدأ، معناه: «لكن اليعافير والعيس فيها». وهذا بيِّنٌ لا يخفى الكلام فيه على أحد ممَّنْ عرف طرفاً من اللسان، والأمر فيه عند أهل اللغة أشهر من أن يحتاج معه إلى استشهاد»([3]).

والحاصل من كلام المفيد أنّه خالف الصدوق في دلالة الآية على أنّ الله تعالى جعل أجر نبيّه مودّة أهل بيته^، ووافقه في أنّه أَلْزَمَهم المودّة في القربى وسأَلَهموها. فالشيخان (الصدوق والمفيدª) متّفقان في دلالة الآية على طلب المودّة في القربى ولزومه، وعلى أنّ المراد بالقربى أهل بيته^؛ وإنّما الخلاف بينهما في دلالة الآية على أنّ ذلك أجر النبيّ|، كما قاله الصدوق، وعدم دلالتها على ذلك، كما قاله المفيد، واستدلّ عليه بحجّتين من العقل والقرآن، على حدّ تعبيره. أمّا الحجّة الأولى فهي ما يدلّ على أنّ العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصاً، وما كان لله فالأجر فيه على الله تعالى، دون غيره. وأمّا الثانية فهي الآيات القائلة بأنّ الأنبياء^ عموماً ونبيّنا| خصوصاً لم يسأل أجراً، فلو كانت آية المودّة قائلةً بسؤال الأجر لتناقَضَ القرآن. ولذا حمل المفيد الاستثناءَ فيها على الاستثناء المنقطع؛ لئلاّ يُتوهَّم التناقض بينها وبين سائر الآيات.

الاستثناء المنقطع

ما قاله المفيد (من أنّ المستثنى المنقطع غير داخل في المستثنى منه) هو ممّا اشتهر في علوم العربيّة. ولكنْ للخدشة فيه مجالٌ؛ لأنّ الاستثناء ـ كما يظهر من عنوانه ـ إخراج المستثنى من المستثنى منه، والإخراج فرع الدخول، بالضرورة العقليّة والبداهة العرفيّة، وحينئذٍ إنْ لم يكن المستثنى داخلاً في المستثنى منه كان استثناؤه منه لغواً غير صالح لأن يذكر في كلام العقلاء، بل محالاً؛ لأنّه من تحصيل الحاصل. وما كان لغواً أو محالاً لا يجيء في كلام الله تعالى. وعليه فالمستثنى داخلٌ في المستثنى منه بنحوٍ من الدخول، ولو كان الاستثناء منقطعاً. فصحّة الاستثناء في قولهم: «جاءني القوم إلاّ حماراً» لأجل شمول الحكم (المجيء) على توابع القوم؛ فإنّ القوم إذا جاؤوا يكون معهم مراكبهم أيضاً لا محالة، فالحمار من توابع القوم، والحكم عليهم بالمجيء حكم عليه أيضاً بالتَّبَع، فاستثناؤه منهم إخراجٌ من الحكم بالمجيء بعد شموله عليه بالتَّبَع. وليس الاستثناء بـ «إلاّ» إخراجاً حكميّاً من دون أن يكون المستثنى داخلاً في الموضوع (أي المستثنى منه) بنحوٍ من الدخول؛ إذ لو لم يكن داخلاً في الموضوع ما كان محكوماً بحكمه ليحتاج إلى إخراجه من الحكم بالاستثناء. فتحصَّل أنّ مصحِّح الاستثناء دخولُ المستثنى في الموضوع المستثنى منه بنحوٍ من الدخول. وعلى هذا فحمل الاستثناء في آية المودّة على الاستثناء المنقطع أيضاً لا يرفع التناقضَ المتوهَّم بينها وبين سائر الآيات الدالّة على عدم سؤال الأجر.

اللهمّ إلاّ أن يُقال: إنّ ما ذكر في الردّ على الشيخ المفيد يجعل النزاع بيننا وبينه لفظيّاً فلا ينتج المطلوب؛ وذلك لأنّ الدخولَ الذي نفاه المفيد هو دخول الجزئي في الكلّي واقعاً، والدخولَ الذي يمكن إثباته هو أعمّ من الدخول الواقعي والدخول المزعوم حسب اعتقاد المخاطب ومن الملازمة بين المستثنى والمستنثنى منه في الحكم ولو بحَسَب اعتقاد المخاطب. ونفيُ الدخول الخاصّ لا يستلزم نفي الدخول العامّ، كما أنّ إثبات الدخول العامّ لا يستلزم إثبات الدخول الخاصّ. وعليه فالمفيد يدّعي أنّه لا يمكن أن نستنبط من أمثال قوله تعالى: ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ أنّ المودّة في القربى فردٌ من أفراد «الأجر» واقعاً، ولا ينافي أن يكون «المودّة» بحَسَب اعتقاد المخاطب (لا واقعاً) فرداً من أفراد الأجر.

وبعبارةْ أخرى: إنّ أكثر ما يمكن أن يستفاد من مثل «كلّ ألف ب إلاّ ج» هو نفي الدخول الأعمّ. وهو نفيٌ يتلائم مع ثلاث احتمالات:

الأوّل: إنّ الجيم من أفراد الألف واقعاً، ولكنّه لمّا لم يكن محكوماً بحكم الألف استثناه المتكلِّم.

الثاني: إنّ ج بحَسَب اعتقاد المخاطب من أفراد الألف، وتبعاً يكون محكوماً عند المخاطب بحكمه، لكنّه لمّا لم يكن ج من أفراد الألف واقعاً استثناه المتكلِّم؛ ليدلّنا أنّ ج لم يكن محكوماً بحكم الألف، كما توهَّمه المخاطب.

الثالث: إنّ ج ملازمٌ للألف في الحكم (ولو بحَسَب اعتقاد المخاطب)، وتبعاً يكون محكوماً بحكمه ـ قضيّةً للملازمة المذكورة ـ، لكنّه لمّا لم يكن ج ملازماً للألف في هذا الحكم استثناه المتكلِّم؛ ليدلّنا أنّ ج لم يكن محكوماً بحكم الألف.

نعم، يبقى على المفيد تصريحُه تعالى في آيةٍ أخرى بأنّ النبيّ قد سأل أجراً، حيث تقول: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (سبأ: 47)؛ فإنّ هذا الأجر الذي قد سأله النبيّ| فيها هو الذي جاء ذكره في آية المودّة، فيدلّ على أنّ الاستثناء في آية المودّة متّصلٌ. فينبغي النظر إلى الأجر المسؤول هنا؛ ليتَّضح عدمُ التناقض بين الآيات باتّضاح المراد بالأجر هنا.

الأجر

قال الخليل والصاحب بن عَبّاد والحميري: «الأجر: جزاء العمل»([4]). وقال الفيروزآبادي: «الأجر: الجزاء على العمل»([5]). وقال الجوهري والهروي: «الأجر: الثواب»([6]). وقال ابن منظور: «الأجر: الجزاء على العمل… والأجر: الثواب»([7]). وقال الراغب الإصفهاني: «الأجر والأجرة: ما يعود من ثواب العمل، دنيويّاً كان أو أخرويّاً»([8]). وفي مقاييس اللغة: «الكراء على العمل»([9]). وقال شمس الدين محمد البعلي الحنبلي(709هـ) في المُطلِع، حكايةً عن نجم الدين أحمد الحرّاني(695هـ): «الأجر وهو العوض، ومنه سُمِّي الثواب أجراً؛ لأنّ الله تعالى يُعوِّض العبد على طاعته»([10]). وفي المعجم الوسيط: «الأجر: عوضُ العمل والانتفاعُ والمهرُ». وفي التحقيق في كلمات القرآن: «الأصل في هذه المادّة هو الأجرة وما يقابَل بالعمل»([11]).

هذا عصارة كلمات أهل اللغة من القرن الثاني إلى عصرنا هذا في مادّة الأجر. ولعلّ ما نقلناه من المُطلِع من أنّ «الأجر وهو العوض» أقربُ ما قيل إلى الصواب؛ فإنّ الأجر قد أُطلق في القرآن مرّتين على بعض أفراد المهر، وهما: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ (الأحزاب: 50)؛ وقوله تعالى: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (الممتحنة: 10)، والمهر المذكور ليس جزاءً لعملها، ولا جزاءً على عملها، ولا ثواباً لعملها، ولا كراءً على عملها، ولا عوضاً لعملها، خلافاً لما قاله أهل اللغة في توضيح الأجر. ولهذا اضطُرّ السيد مرتضى الزَّبِيدي إلى حمل الأجر في الآيتين على المجاز، حيث قال: «ومن المجاز: الأَجْرُ: المَهْرُ، وفي التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾»([12]). ولكنّه لا وجه لهذا الحمل؛ إذ المجاز خلاف الأصل، لا يُصار إليه إلاّ في صورة تعذُّر إرادة المعنى الحقيقيّ، وهنا يصحّ إرادته، فلا يصار إلى المجاز. ولذا لم يعدّه الزمخشري من المجاز في هذه المادّة، حيث قال: «أجرك الله على ما فعلت، وأنت مأجور عليه. ومنه: قوله تعالى: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾، أي تجعلها أجري على التزويج، يريد المَهْر، ومنه: قوله تعالى: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾»([13]).

بل يمكن أن يُقال: الأقرب إلى الصواب أنّ المراد بالأجر في آيتي المهر البدل؛ لما بين العوض والبدل من الفرق. قال العسكري في الفرق بين البدل والعوض: «(العوض) ما تُعُقِّب به الشيءُ على جهة المثامنة، تقول: «هذا الدرهم عوض من خاتمك» و«هذا الدينار عوض من ثوبك»… و(البدل) ما يُقام مُقامه ويُوقَع مُوقَعه على جهة التعاقب دون المثامنة. ألا ترى أنّك تقول لمَنْ أساء إلى مَنْ أحسن إليه: «إنّه بدَّل نعمته كفراً»؛ لأنّه أقام الكفر مقام الشكر. ولا تقول: «عوَّضه كفراً»؛ لأنّ معنى المثامنة لا يصحّ في ذلك»([14]). ومن المعلوم أنّ مهر المرأة (أو نصفه) قد يقع بَدَلاً لما لم يُنتفَع به؛ لأجل عروض الموت أو المرض أو الغيبة أو غير ذلك من موانع انتفاع الزوج بمبدله، وإنّما وقع لها على جهة التعاقب لعقد الزواج، دون المعاوضة والمثامنة، ومع ذلك أطلق (الأجر) عليه في القرآن.

ويؤّيده أو يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 47)؛ حيث أَطلق على المهر «الصَّدُقة»، ثمّ أكَّده بقوله: ﴿نِحْلَةً﴾؛ فإنّه ـ كما قال الخليل ـ «ويقال: «أعطيتُها مهرها نحلةً» إذا لم ترد عوضاً»([15]). وقال الراغب: «سُمِّيَ الصَّدَاقُ بها من حيثُ إنّه لا يجب في مقابلته أكثرُ من تمتُّعٍ دون عِوَضٍ ماليّ»([16]). وقال مصطفوي: «هو عطاء بلا عوض وبلا مطالبة شيء»([17]). فلا يقال: إنّ إطلاق الأجر في القرآن على المهر يكون فيما إذا لوحظ فيه أن يكون جزاءً وعوضاً، وأمّا إذا لم يلاحظ فيه ذلك فإنّما يطلق عليه «الصَّدُقة».

وممّا ذُكِر ظهر أنّه لا تَتِمّ الحجّتان اللتان استدلّ بهما المفيد على عدم دلالة آية المودّة على أنّ الله تعالى جعل أجر نبيّه مودّة أهل بيته^؛ لأنّه مع التصريح في قوله: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ (سبأ: 47) بأنّ هذا الأجر المسؤول يكون لهم (لا للنبيّ|) فليس المراد به الأجرَ بمعناه المتعارف عندنا؛ إذ الأجر ـ كما تقدَّم في كلمات أهل اللغة ـ يطلق عندنا على الجزاء والعوض على عمل، وهو ما يكون لصالح السائل على المسؤول عنه، ولا يطلق عندنا على ما يكون لصالح المسؤول وما يَنتفِع هو به خاصّةً. بل المراد البَدَلُ، ولو كان بدلاً لصالح المسؤول فقط ـ لا السائل ـ كالمبدل منه. ومن المعلوم أنّ طلبَ بدلٍ كهذا لا تنافيه الحجّتان اللتان استدلّ بهما المفيد؛ فإنّ النبيّ| على هذا عَمِلَ خالصاً لله تعالى، ولم يسأل عوضاً لنفسه، فلا ينافيه ما استدلّ به المفيد من حكم العقل بأنّ العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصاً، وما كان لله فالعوض فيه على الله تعالى، دون غيره. كما لا تنافيه الآيات القائلة بأنّ نبيّنا| ـ كسائر الأنبياء^ ـ لم يسأل أجراً.

هذا كلُّه على ما صار إليه كثيرٌ من المفسِّرين من أنّ مرجع الضمير في قوله: ﴿عَلَيْه﴾ هو أداء الرسالة وتبليغها. ولكنْ هنا احتمالٌ آخر لا يتطرّق إليه الإشكالان المطروحان في كلام المفيد، وهو أن يرجع ضمير ﴿عَلَيْه﴾ إلى التبشير المذكور في الآية السابقة على هذه الآية، فلنقرأ مرّةً أخرى الآيةَ والسابقة عليها.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.

والآيتان ـ بصريح صدر الأولى ـ نزلتا في ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، لا في الكفّار والمشركين، خلافاً لما قاله بعض أهل التفسير. ويؤيِّده ما حُكي عن ابن عبّاس وقتادة من أنّ الآية مدنيّة([18])، وما رُوي أنّ الآية نزلت بعد أن رجع رسول الله| من حجّة الوداع وقدم المدينة([19])، وما رُوي أنّ الآية التالية لها نزلت في الأنصار([20]). ومن الواضح جدّاً أنّ ﴿ذَلِكَ﴾ في مفتتح الآية الثانية هو تكرار ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور في ذيل الآية الأولى، وهو إشارةٌ إلى ما تقدَّم عليه من بشارة المؤمنين بكونهم ﴿فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. ومع هذه العبارة المشتملة على اسمَيْ الإشارة هذين لِمَ لا يحقّ للقارئ أن يُرجِع ضمير «عَلَيْه» في قوله: ﴿قُلْ لاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ إلى ما أُشير إليه مرّتين بقوله: ﴿ذَلِكَ﴾؟ أجل، له أن يُرجِع ضمير «عَلَيْه» إلى هذا التبشير، ولهذا صرَّح في بعض كتب التفسير([21]) بأنّ مرجعه التبشير. وليت شعري كيف يجوز أن يُجعَل لضمير «عَلَيْه» مرجعٌ آخَرُ غيرُ ما أشير إليه مرّتين باسمي الإشارة هذين؟! وأين جاء ذكرٌ من الرسالة وتبليغها أو النبوّة ومشاقّها في الآيتين أو قبلهما ليقع مرجعاً لهذا الضمير؟! وعليه فما سُئِل منهم هو الأجر على ذلك من بشارتهم؛ إذ «مَنْ بَشَّرَ أحداً بالخير طَلَبَ عليه أجراً»([22])، ولا سيَّما الذي يبشّر بشرى عظيمة أبديّة. وعليه فالأجر المسؤول في الآية ليس على أداء الرسالة وتبليغها والنبوّة ومشاقّها، لينافيَها سائرُ الآيات وحجّةُ العقل، بل هو على ذلك التبشير. ولا محذور في سؤال الأجر على شيءٍ وقع في ضمن أداء الرسالة وتبليغها لله تعالى، ولا سيَّما أنّ الله هو الذي أمر أن يسأل أجراً عليه.

فحصل ممّا مرّ إلى الآن أنّ آية المودّة تقول: «يا أيّها الرسول قُلْ: لا أسألكم على ذلك من البشارة أجراً إلاّ المودّة في القربى». فينبغي هنا التدبُّر في مفاد «المودّة في القربى»، التي هي أجر البشارة الأبديّة الأُخرويّة.

الفرق بين الودّ والحبّ

اختلف كلام أهل التفسير والأدب في الفرق بين الودّ والحبّ، فجعل الرازي المودّة هي المحبّة التامّة([23]). ونحوه الحسيني الهَمَداني في تفسير أنوار درخشان([24]). ونحوهما السيد حيدر الآملي، حيث قال: «إنّه تعالى جاء بلفظ المودّة وهو أثبت على المحبّة»([25]).

والشيخ الطوسي تارةً جعل المحبّة أعمّ من المودّة، حيث قال: «والمودّة هي المحبّة إذا كان معها ميل الطباع»([26])، فكانّه قال: للمحبّة ضربان، ثانيهما ما كان معها ميل الطباع، فتسمّى مودّةً. ولعلّ هذا ما صرّح به في موضعٍ آخر، حيث قال: «والمحبّة على ضربين: أحدهما: المحبّة التي هي ميل الطباع، والثاني: إرادة المنافع»([27]). ونحوه فيه أيضاً([28]).

وأخرى عَكَسَ، فجعل المودّة أعمّ، فقال: «الفرق بين المودّة والمحبّة أنّ المودّة قد تكون بمعنى التمنّي، نحو قولك: «أودّ لو قدم زيد»، بمعنى أتمنى لو قدم، ولا يجوز: أُحبّ لو قدم»([29])، فكأنّه قال: للمودّة ضربان، ثانيهما ما يكون بمعنى التمنّي، فتسمّى مودّة. وهذا ما صرَّح به في موضعٍ آخر، فقال: «والمودّة على ضربين: أحدهما: بمعنى المحبّة، تقول: «وددت الرجل» إذا أحببته؛ والثاني: «وددت الشيء» إذا تمنّيته»([30]). ووافقه بعض المفسِّرين([31]).

وثالثةً جعلهما مترادفين، فقال: «يلقون إليهم المودّة، وهي المحبّة»([32])، وقال: «المودّة المحبّة»([33]). وهذا ما صرَّح به جماعةٌ من المفسّرين([34]).

وقال العسكري: «الفرق بين الحبّ والودّ أنّ الحبّ يكون في ما يوجبه ميلُ الطباع والحكمةُ جميعاً، والوداد من جهة ميل الطباع فقط. ألا ترى أنّك تقول: «أُحبّ فلاناً وأَوَدّه»، وتقول: «أُحبّ الصلاة»، ولا تقول: «أودّ الصلاة»»([35]). ولعلّ البيضاوي أراد مراد العسكري أيضاً، حيث قال: «المحبّة ميل النفس إلى الشي‏ء لكمالٍ أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه»([36])؛ إذ المحبّة والمودّة مشتركتان كلتاهما في ميل النفس إلى شيءٍ، ولكنّه جعل مدار كون هذا الميل محبّة كونها ناشئة من جهة إدراك كمالٍ فيه، وهذا الإدراك لا محالة حِكَميّ ينشأ من العقل. وعليه فما جاء في مبتدأ كلامنا، نقلاً من تفسير السعديّ، من «أنّ مودّة الإيمان بالرسول|… فرضٌ» لا يخلو من مسامحةٍ في استخدام المودّة موضع المحبّة، وصوابه أن يقال: «إنّ محبّة الإيمان بالرسول|… فرضٌ»؛ إذ محبّةُ الرسول الإيمانية تنشأ من الحكمة، لا من الطبع لتكون مودّةً.

وما ذكره العسكريّ من الفرق بين الودّ والحبّ ظاهرٌ من القرآن أيضاً؛ فإنّ مَنْ نسب في القرآن إليهم فعل الودّ وما يودّون كالتالي:

ـ الكفّار يودّون كفر المؤمنين: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ (النساء: 89، الممتحنة: 2).

ـ الكفّار المهاجمون يودّون غفلة المؤمنين عن أسلحتهم وأمتعهم: ﴿وَدَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَميلُونَ عَلَيْكُمْ﴾ (النساء: 102).

ـ الكفّار يودّون مداهنة النبيّ|: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (القلم: 9).

ـ مخالفو المسلمين يودّون عَنَت المؤمنين: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ (آل عمران: 118).

ـ المنافقون يودّون كونهم بعيدين عن معركة القتال: ﴿وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ﴾ (الأحزاب: 20).

ـ كفّار أهل الكتاب والمشركين يودّون عدم تنزيل الخير على المؤمنين: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (البقرة: 105).

ـ كثيرٌ من أهل الكتاب يودّون ردّ المؤمنين إلى الكفر: ﴿وَدَّ كَثيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّاراً﴾ (البقرة: 109).

ـ طائفة من أهل الكتاب يودّون إضلال المؤمنين: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ (آل عمران: 69).

ـ اليهود يودّون تعمير ألف سنة: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (البقرة: 96).

ـ الكفار يودّون يوم القيامة كونهم مسلمين: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ (الحجر: 2).

ـ الكفار والعاصين يودّون يوم القيامة تسوية الأرض بهم: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾ (النساء: 42).

ـ كلّ إنسان يوم القيامة يودّ الأمد البعيد بينه وبين عمله السوء: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً﴾ (آل عمران: 30).

ـ المجرمون يوم القيامة يودّون الافتداء من عذاب الله: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ (المعارج: 11).

ـ آحاد الناس يودّون جنّةً من نخيل وأعناب: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي…﴾ (البقرة: 166).

ـ المؤمنون يودّون غير ذات الشوكة مع الكفّار: ﴿تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ (الأنفال: 7).

فنرى في هذه الآي أوّلاً أنّ مَنْ نسب إليهم فعل الودّ أكثرهم من الكفّار والمشركين واليهود ومَنْ شابههم من المسيئين، سوى موردين. وهؤلاء يميلون إلى ما مالت إليه طباعهم أكثر ممّا مالت إليه عقولهم وحكمهم فيما إذا تعارض الطبع والعقل. وثانياً: إنّ أكثر المودودات مذمومة، أو ليست بممدوحة على الأقلّ، سوى موارد قليلة تختصّ بيوم القيامة، وبعد أن عاين الكفّار والمجرمون سوء عاقبتهم وأنّهم سيعذّبون بعذاب الله. وثالثاً: إنّ مودّة هذه المودودات تنبعث من ميل الطبع، وتبتني عليه غالباً، وليس فيها ما ينبعث من الحكمة. ورابعاً: لم ينسب فعل الودّ إلى الله تعالى قطّ بأن قال: «يودّ الله كذا» أو «لا يودّ الله كذا»، وإن نسب إليه صفة الودّ فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ (هود: 90)، ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ (البروج: 14)، ولكنّ اتّصافه بالودّ يكون من حيث اقتضاء ذاته الشريف وُدَّه، فهو من صفاته الذاتيّة، بخلاف محبّته فهو من صفاته الفعليّة. وأمّا الحبّ فيظهر من استعمالاته الخمس والثمانين في القرآن أوّلاً: إنّ في أكثر من ثلثها نسب فعل الحبّ إلى الله تعالى، فجاء في أكثر في ستّة عشر مورداً أنّه تعالى يحبّ كذا، وجاء في ستّة عشر مورداً أُخر أنّه تعالى لا يحبّ كذا. وثانياً: إنّ المحبوب في القرآن يكون قسمه محموداً وقسمه الآخر مذموماً. وثالثاً: إنّ محبّة هؤلاء المحبّين تنبعث من الميل الناشئ من الحكمة، وتبتني عليه غالباً، وما لا يخلو عن ميل الطبع قليلٌ جدّاً.

هذا، مضافاً إلى أنّ القرآن جعل المودّة ضدّ العداوة، حيث قال: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ (المائدة: 82). ولكنْ جعل المحبّة ضدّ الكراهة، حيث قال: ﴿وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾، وقال: ﴿عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾، وقال: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾. وكما أنّ الكراهة تغاير العداوة كذلك ضدّاهما ـ أي الحبّ والودّ ـ يتغايران. والنسبة بين هذه الأربعة أنّ حبّ الشيء يضادّه كراهته وعداوته، ولكنّ ودّ الشيء يضادّه عدواته فقط، فربما يجتمع مع حبّه، كما قد يجتمع مع كراهته. ولاجتماع الودّ والكراهة أمثال كثيرة في حياتنا الاعتياديّة؛ فمن ابتُليَ بمرض السكّر يكره الحلويّات بالحكمة، ومع ذلك يودّها بالطبيعة، فاجتمع فيه ودُّها وكراهتُها. ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً﴾ (الأحقاف: 15) فهو يدلّ على كراهة الأُمّ المذكورة لحمل الإنسان المذكور ولوضعه، ومن المعلوم أنّ الأمّهات الشابّات يوددن الحمل، وخصوصاً الوضع، بالطبع.

فإنْ قيل: إنّه لو كان الفرق بينهما ما ذكره العسكري، وأشار إليه البيضاوي، لكان الأَوْلى أو المتعيِّن في قوله: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً﴾ (يوسف: 30) أن يُقال: «قد شغفها ودّاً»، وفي قوله: ﴿عَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ (البقرة: 216) أن يقال: «عسى أن تودّوا شيئاً وهو شرّ لكم»، وأن يتّصف الله تعالى بكونه حبيباً (بمعنى المحبّ) في الآيتين أعلاه.

يُقال: ميل امرأة العزيز الأوّلي إليه كان ناشئاً من طبعها، ولكنّ الذي شغفها هو حبّها المنبعث عمّا تقتضيه حكمتها، ولذا قال السيد الطباطبائي: «فإنّ استغراقها في حبّ يوسف إنّما حصل لها تدريجاً»([37]). ولكنْ ليس كلُّ ما اقتضَتْه الحكمة صواباً ومحموداً، بل رأينا في ما سبق في الحبّ أنّ القرآن عدّ بعض الحبّ مذموماً. وبهذا ظهر الجواب عن الآية الثانية. كما تقدَّم آنفاً وجه اتّصاف الله تعالى بالودّ.

الفرق بين المودّة والودّ

لا شَكَّ أنّ اختلاف المباني يدلّ على اختلاف المعاني فلا يمكننا القول بأنّ «المودّة» هي نفس «الودّ» أو «الوداد»، سواء كانت المودّة مصدراً ميميّاً والتاء للمبالغة ـ كالمسرّة والمعرّة والمحبّة والمشقّة والمذلّة والمذمّة وغيرها ـ أو مصدراً سماعيّاً. وثمّة مصادر سماعيّة أخرى للفعل كثيرة، هي: الودّ بفتح الواو وضمّها وكسرها، والوداد بفتح الواو وكسرها وضمّها، والودادة بفتح الواو، والمَوْدَدة بالتخفيف، والمودودة([38]). وقال إبراهيم بركات: «المصدر الميميّ نوعٌ من الأسماء التي تؤدّي دلالة المصدريّة ـ أي دلالة الحدثيّة ـ مع تفخيم للدلالة وقوّة تأكيدها»([39]). ونحوه في النحو الوافي([40]). «وقد اشتهر في علم اللغة أنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني. وهي قاعدةٌ متّبعة، خصوصاً في لغة العرب التي بنيت على الدقّة والفصاحة والبلاغة»([41]). وعلى هذا يمكننا أن نقول: إنّ الوداد في المودّة أقوى وآكد ممّا في الودّ، وفيها أثبت ممّا في الودّ.

الفرق بين «المودّة في القربى» و«المودّة للقربى»

كما قلنا آنفاً: إنّ اختلاف المباني يدلّ على اختلاف المعاني، فلا يمكن القول بأنّ «المودّة في القربى» يرادف «المودّة للقربى» أو «مودّة القربى»، وإنْ كان الاختلاف بينها في حروف؛ إذ قد يصير معنى فعلٍ إلى ضدّه باختلاف حرفين، كما في «رغب إليه» و«رغب عنه»، وفي «مال إليه» و«مال عنه»، وفي «شغل به» و«شغل عنه». وأمثالها كثيرة، ممّا هو ظاهر لا خلاف فيه. وعلى هذا لا يصحّ القول بأنّ «في القربى» بمعنى «للقربى»، وإنْ استشهد ابنُ هشام في مغني اللبيب([42]) وغيرُه لمجيء «في» للسببية والتعليل بقوله تعالى: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ (يوسف: 32)، وقوله: ﴿لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال: 68)، وبالنبويّات: «إنّ امرأةً دخلت النار في هرّةٍ»، و«في النفس المؤمنة مائة من الإبل»، و«في خمس من الإبل شاة». ولكنّ الحق أنّ «في» تفيد نحواً من الظرفيّة خفي على القائلين بكونها للسببيّة في هذه المواضع وفي غيرها، مثل: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ﴾، و﴿شَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، و﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾، و﴿قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾، و﴿يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾، و﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالميْسِرِ﴾. ولذا قال الرازيّ: «لفظة «في» للظرفية محقّقاً أو مقدّراً… ومن الفقهاء مَنْ قال: إنّها للسببية، كقوله عليه الصلاة والسلام: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل». وهو ضعيفٌ؛ لأنّ أحداً من أهل اللغة ما ذكر ذلك، مع أنّ المرجع في هذه المباحث إليهم»([43]). ووافقه المحقّق الحلّي، في معارج الأصول، بقوله: «في للظرفية خاصّةً. وقيل: للسببيّة، كقوله×: «في خمس من الإبل شاة». ولا يعرفه أهل اللغة»([44]).

وقال الزمخشري: «فإنْ قلت: هلاّ قيل: «إلاّ مودّة القربى»، أو «إلاّ المودة للقربى»؟ وما معنى قوله: ﴿إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ قلتُ: جُعِلوا مكاناً للمودّة ومقرّاً لها، كقولك: «لي في آل فلان مودّة» و«لي فيهم هوىً وحبّ شديد»، تريد أُحبّهم وهُم مكانُ حبّي ومحلُّه. وليست «في» بصلة للمودّة ـ كاللام إذا قلت: «إلاّ المودّة للقربى» ـ إنّما هي متعلّقةٌ بمحذوف تعلّق الظرف به في قولك: «المال في الكيس»، وتقديره: «إلاّ المودّة ثابتة في القربى ومتمكّنة فيها»»([45]). فوجه العدول في قولهم: «لي في آل فلان مودّة» عن مثل: «لي لآل فلان مودّة» أنّ قولهم هذا أبلغ وآكد في إفادة مودّته بالنسبة إليهم؛ إذ جَعَلَهم جميعاً ظرفاً استقرّت فيه مودّته لهم، ولم يُرِدْ أنّ له في آل فلان شخصاً مودوداً لا يريد تعيينه وتسميته. ولذا قال محيي الدين الدرويش: «لم يقل: «إلاّ مودّة القربى» أو «إلاّ المودّة للقربى»؛ فقد جُعِلوا مكاناً للمودّة ومَقَرّاً لها، كقولك: «لي في آل فلان مودّة ولي فيهم هوىً شديد»، تريد: أُحبّهم وهم مكانُ حبّي ومحلُّه»([46]). مضافاً إلى أنّ إرادة أنّ له في آل فلان شخصاً مودوداً يكون من حمل «المودّة» على «المودود» وهو تجوُّزٌ. وعليه فليس مراد الآية أيضاً المودّة المتعلّقة بشخصٍ ما في ظرف القربى.

وقَبِلَ كلامَ الزمخشري كثيرٌ من الشيعة ومن أهل السنّة([47]).

ويظهر ممّا قاله الزمخشري وتابعوه (من أنّ «في» ليست بصلة للمودّة، وإنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به) أنّ الفرق بين «المودّة في القربى» و«مودّة القربى» ليس من قبيل: الفرق بين «سرتُ في ليل» و«سرتُ ليلاً»، حيث يدلّ أوّلهما على وقوع السير في بعض الليل؛ وثانيهما على استيعابه جميعَ الليل؛ إذ «الليل» في كلتا الجملتين يتعلّق بالسير لا محالة، فلا بُدَّ من الفرق بينهما بالاستيعاب وعدمه، بخلاف «في القربى»، فيجوز تعلّقها بغير «المودّة»، كما لا يخفى.

وكيف كان فالحاصل إلى الآن أنّ الأجر الذي سأله النبيّ المودّةُ حال كونها ثابتةً ومستقرّة في القربى.

المراد بـ (القربى)

اتّفق الإماميّة وغيرُهم جميعاً على أنّ «القربى» مصدر بمعنى القرابة([48]). كما أنّ الزلفى والبشرى والرجعى والعقبى والحسنى مصادر. وبما أنّ «المصادر تُجعَل ظرفاً على إرادة إضافة أسماء الزمان [والمكان] إليها وحذفها»([49]) قَدَّروا أجمعُ كلمةَ «أهل» قبل «القربى»، وقالوا: إنّ المراد «في أهل القربى»([50])، أو «أن تودّوا أهل قرابتي»([51]). مع أنهم أنفسَهم قد صرّحوا كثيراً بأنّ الحذف والإضمار والتقدير خلاف الأصل، لا يُصار إليها إلاّ لضرورةٍ. فإذا صحّ المعنى بدونها لا ضرورة تدعونا هنا إليها؛ إذ القُرْبَى أطلق على الدنوّ والقرابة في الرَّحِم، كما صرّح به ابن منظور، حيث قال: «القَرابَة والقُرْبَى: الدُّنُوُّ في النَّسب، والقُرْبَى في الرَّحِم»([52]). وعليه فكما نقول: «لا أسألك إلاّ المودّة في الرحم»([53]) قال الله تعالى: «قل، يا أيّها الرسول: لا أسألكم على هذه البشارة أجراً إلاّ المودّة الثابتة في قرابة الرَّحِم».

مضافاً إلى أنّه تعالى لو أراد أهل القربى لقال: «ذي القربى» أو «ذوي القربى» أو «أولي القربى»، كما قال بهذه التعبيرات في هذه الآيات: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ (الأنفال: 41)، وقال: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ (الحشر: 7)، وقال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ (الإسراء: 26)، وقال: ﴿وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى﴾ (البقرة: 177)، وقال: ﴿وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى﴾ (النساء: 8)، وقال: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى﴾ (النور: 22). فليست في موضع من القرآن توصيةٌ بأهل القربى بلفظ «في القربى». فلمّا جاء هنا المصدر ـ دون الاسم ـ دلّ على أنّه لم يُرَدْ «أهلُ القربى». مع أنّه لا يقول من طلب المودّة لغيره: «أسألك المودّة في فلان»، بل يقول: «أسألك المودّة لفلان»([54]).

وبهذا يظهر الوجه في تعبير الآية بالمودّة، دون المحبّة؛ إذ ـ كما جاء سابقاً في الفرق بين الحبّ والودّ ـ الودّ من جهة ميل الطباع، ومن المعلوم أنّ المودّة الثابتة في الرَّحِم طبعيّة ومن جهة ميل الطباع، لا حِكْميّة لتكون محبّة وإنْ أحكمته الحكمةُ أيضاً. كما يظهر الوجه في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ (سبأ: 47)، حيث جعل الأجر المسؤول لهم، لا للنبيّ|؛ لأنّ مودّة القربى طبيعيّة يقتضيها ميل الطباع وتكون لصالح المسؤولين؛ إذ كلّ ما هو مقتضى طباعهم يكون لهم ولصالحهم. ولذا قال صاحب الميزان في وجه الفرق في كيفيّة التشريع بين القصاص والوصيّة وبين الصيام: «إنّ القصاص في القتلى أمرٌ يوافق حسّ الانتقام الثائر في نفوس أولياء المقتولين، ويلائم الشحّ الغريزيّ الذي في الطباع أن ترى القاتل حيّاً سالماً يعيش ولايعبأ بما جنى من القتل… فهذان ـ أعني القصاص والوصيّة ـ حكمان مقبولان بالطبع عند الطباع، موافقان لما تقتضيها، فلا يحتاج الإنباء عنها بإنشائها إلى تمهيد مقدّمة وتوطئة بيان، بخلاف حكم الصيام… فهو ثقيلٌ على الطبع… يحتاج في توجيه حكمه إلى المخاطبين… إلى تمهيد وتوطئة، تطيب بها نفوسهم، وتحنّ بسببها إلى قبوله وأخذه طباعهم»([55]).

والحاصل من آية المودّة أنّ المراد بالأجر الذي سأله النبيّ| هي المودّة الثابتة في قرابة الرحم بينه وبين مخاطبيه، ولا سيَّما من قريش؛ إذ لم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ بينهم وبين رسول الله| قرابة([56])، المودّة التي تقتضيها طباعهم، والتي تجرّها الرحم إلى ابنته وابن عمّه وأولادهما^؛ صلةً للرحم. وهم رَحِمه التي أمر الله بها أن توصل، سواء مَنْ وُجِد منهم في زمن نزول الآية ومَنْ وُجِدوا بعده. وإلى هذا أشار الكميت (60 ـ 126هـ) في قوله:

وجدنا لكم في آل حم آيةً *** تَأَوَلَّها منّا تقيٌّ ومُعرِبُ([57])

أي وجدنا آيةً في السور المنسوبة إلى لفظ «حم»، وهي السور المفتتحة بـ «حم»، تأوّلنا جميعاً هذه الآية على أنّكم المراد بها، سواءٌ مَنْ يحبّ التقيّة ومَنْ يجاهر منّا([58]). وقال الآلوسي في روح المعاني: «ولله تعالى درُّ السيد عمر الهيتي، أحد الأقارب المعاصرين، حيث يقول:

بأيـّة آيةٍ يأتي يزيدُ *** غداة صحائف الأعمال تُتلى
وقام رسول ربّ العرش يتلو *** وقد صُمَّتْ جميع الخلق: ﴿قُلْ لاَ﴾»([59])

أراد أنّه في يوم القيامة الذي تُقرأ صحائف الأعمال، إذا قام الرسول| ـ حال كون الخلق صمّاً ـ يتلو آية المودّة، فيزيد يحتجّ بأيّ آيةٍ على جرائم أعماله في آل الرسول، بدلاً للمودّة فيهم؟!

وبهذا ظهر أنّ المراد بـ «ما» الموصولة في قوله تعالى: ﴿مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ في 3 آيات (البقرة: 27، الرعد: 21، 25) هي «المودّةُ في القربى» المذكورةُ هنا، كما تقدّمت إشارةٌ إليه.

والتوضيح أنّ لفظة «أن» تفسير للمأمور به في قوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ (البقرة: 27، الرعد: 25)، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ (الرعد: 21)؛ إذ «يجوز تفسير الشيء ببعضه، شبه بدل البعض من الكلّ»([60])؛ فإنّها مع مدخولها بدل اشتمال (أو بدل بعض) من الهاء في «به»، وبدل الاشتمال والبعض لا يخلو عن إيضاحٍ وتفسير؛ «لما فيه من التفصيل بعد الإجمال، والتفسير بعد الإبهام»([61])، وبعبارةٍ أخرى: «لأنّ البدل ذكر إجمالاً أوّلاً في ضمن المبدل منه، ثمّ ذكر بلفظه مفصّلاً ثانياً»([62]).

وهذا ممّا صرّحوا به في كثيرٍ من كتبهم. فقال الزجّاج: «أي: ما أمر الله بوصله، فـ «أن» بدل من الهاء المجرورة»([63]). وقال الشيخ الطوسي: «وقوله: ﴿أَنْ يُوصَلَ﴾ بدل من الهاء التي في ﴿بِهِ﴾، تقديره: «ما أمر الله بأن يوصل»، وهو في موضع خفض»([64]). وقال أبو حيّان: «و﴿أَنْ يُوصَلَ﴾ في موضع جرّ بدل من الضمير في ﴿بِهِ﴾، تقديره: به وَصْلِه، أي ما أمرهم الله بوصله»([65]) وقال مؤلّفو إعراب القرآن الكريم: ««أن» وما بعدها في تأويل مصدر بدل من الضمير في «به»»([66]). وقال محيي الدين الدرويش: «و«أن» وما في حيزها في تأويل مصدر بدل من الضمير في «به»، والمعنى: ويقطعون ما أمر الله بوصله»([67]).

هنا نتساءل: أين وفي أيّ آيةٍ أمر الله بصلة الرحم عموماً، وبصلة رحم النبيّ| خصوصاً، ليصحّ أن يقول ثلاث مرّات: ﴿أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾؟ والجواب: إنّنا لم نجد آيةً ذُكِر فيها أنّ الله أَمَر بصلة الرحم غيرَ آية المودّة، فهي الآية الوحيدة التي جاء فيها أنّ الله أَمَر بطلب المودّة في قرابة الرحم، والتي تستلزم صلةَ الرحم لا محالة. نعم، في الآية 1 من سورة النساء جاء ذكرٌ عن الأرحام، حيث قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾، ولكنّه لا يستفاد منه أنّ الله أمر بوصلها. كما أنّ في قوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (محمد: 22) وبّخ بعض الذين في قلوبهم مرض ـ وهم طائفةٌ خاصّة من المنافقين أشدّ نفاقاً ممَّنْ سمّاهم القرآن بالمنافقين، على ما يظهر ممّا ورد في القرآن بشأنهم وبشأن الذين سمّاهم القرآن منافقين ـ على قطع أرحامهم، ولكنْ مع ذلك ليس فيه أمرٌ صريحٌ بصلتها.

وممّا يعضد أنّ المودّة في القربى هي المراد بقوله تعالى: ﴿مَا أَمَر اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ ما جاء ذيلاً له في عدّةٍ من روايات الشيعة، من قوله×: «هي/هو رحم آل محمّد»([68])، أو «نزلت في رحم آل محمّد»([69]). ولا ينافيها ما في بعضها من جريانها في كلّ رحمٍ، مثل: خبر أبي بصير، عن الصادق×: «إنّ الرحم معلَّقةٌ بالعرش تقول: «اللهُمَّ، صِلْ مَنْ وصلني، واقطع مَنْ قطعني»، وهي رحم آل محمد، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾، ورحم كلّ ذي رحمٍ»([70])؛ إذ الظاهر أنّ المراد أنّ كلّ رحم معلّقة بالعرش تقول: «اللهمّ، صِلْ مَنْ وصلني، واقطع مَنْ قطعني»، لا أنّ الآية في كلّ رحمٍ أيضاً؛ فإنّه× جعل الآية في آل محمّد خاصّةً، حيث قدّم الاستشهاد بها، ولم يقُلْ: «وهي رحم آل محمد ورحم كلّ ذي رحمٍ، وهو قول الله: ﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾». والدليل على ذلك خبر محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن× قال: «إنّ رحم آل محمد| معلّقة بالعرش، يقول: «اللهُمَّ، صِلْ مَنْ وصلني، واقطع مَنْ قطعني»، وهي تجري في كلّ رحمٍ»([71]). نعم، في خبر العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد الله×: «الرحم معلّقة بالعرش، تقول: «اللهُمَّ، صِلْ مَنْ وصلني، واقطع مَنْ قطعني»، وهي رحم آل محمّد ورحم كلّ مؤمنٍ، وهو قول الله: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾»([72]). ولكنّ الظاهر أنّ في نصّ الخبر تقديماً وتأخيراً، علّهما نَشَآ من النقل بالمضمون الشائع في الأخبار، والصواب تقديم الاستشهاد بالآية على قوله: «ورحم كلّ مؤمن»، ليوافق سائر الروايات، وكذا الآية. ولذا جاء أيضاً في تفسير القمّي: «نزلت هذه الآية في آل محمّد وما عاهدهم عليه وما أخذ عليهم من الميثاق»([73]).

وكيف كان، فإنّ أكثر مخاطبي الآية من قريش وغيرهم تركوا هذه المودّة في القربى، وقطعوا الرحم، كما جاء مرّتين في القرآن: ﴿يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ (البقرة: 27، الرعد: 25). بل في قرب الإسناد: «مَا وَفى بِهَا إِلاّ سَبْعَةُ نَفَرٍ»([74])، فلعنهم الله، حيث قال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ (محمد: 22 ـ 23).

لمحةٌ إلى بعض روايات آية المودّة

ثمّ إنّه هنا روايات كثيرة رواها الإماميّة وأهل السنّة تقول: إنّ مراد الآية مودّة النبيّ وأهل بيته^. نذكر بعضاً ممّا رواه السيوطي في الدرّ المنثور([75])، ذيلاً للآية.

1ـ أخرج أبو نعيم والديلمي، من طريق مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهﷺ: ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، أن تحفظوني في أهل بيتي وتودّوهم بي.

2ـ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: لما نزلت هذه الآية ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسول الله، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودّتهم؟ قال: عليٌّ وفاطمة وولداها.

3ـ أخرج سعيد بن منصور، عن سعيد بن جبير: ﴿إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قال: قربى رسول اللهﷺ.

4ـ أخرج ابن جرير، عن أبي الديلم قال: لما جيء بعليّ بن الحسين (رضي الله عنه) أسيراً، فأُقيم على درج دمشق، قام رجلٌ من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له عليّ بن الحسين (رضي الله عنه): أَقَرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: لا، قال: أما قرأت ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ قال: فإنّكم لأنتم هم؟! قال: نعم.

5ـ أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عبّاس: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾ قال: المودّة لآل محمّد.

6ـ أخرج أحمد والترمذي ـ وصحَّحه ـ والنسائي والحاكم، عن المطَّلب بن ربيعة رضي الله عنه قال: دخل العبّاس على رسول اللهﷺ، فقال: إنّا لنخرج فنرى قريشاً تحدّث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول اللهﷺ، ودرّ عِرْقٌ بين عينيه، ثمّ قال: والله، لا يدخل قلب امرئٍ مسلم إيمانٌ حتّى يحبّكم لله ولقرابتي.

الاستدلال بآية المودّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)

بقي كلامٌ، وهو أنّ بعض الإماميّة المتأخّرين استدلّوا بآية المودّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر^، مع أنّه مضت على علمائهم مئاتٌ من السنين، ولم يوجد في ما كتبوه حول الآية، أو في ما استدلّوا به على إمامة الأئمّة^، ما يشير إلى ذلك. هذا شيخ الطائفة الإماميّة أبو جعفر الطوسي& لم يُشِرْ إلى ذلك، ذيلاً للآية، حيث يقول: «قال عليّ بن الحسين’ وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب: معناه أن تودّوا قرابتي. وهو المرويّ عن أبي‌ جعفر وأبي‌ عبد الله’. وقال الحسن: معناه إلاّ المودّة في القربى إلى الله تعالى والتودّد بالعمل الصالح إليه. وقال ابن عبّاس وقتادة ومجاهد والسُّدّي والضحّاك وابن زيد وعطاء بن دينار: معناه إلاّ أن تودّوني لقرابتي منكم. وقالوا: كلّ قرشيّ كانت بينه وبين رسول الله| قرابة، ويكون المعنى إنْ لم تودّوني لحقّ النبوة أفلا تودّوني لحقّ القرابة. والأوّل هو الاختيار عندنا، وعليه أصحابنا»([76]). مضافاً إلى كلمات الصدوق والمفيد، التي تقدّمت في صدر الكلام، ولم تجِئْ فيها إشارة إلى دلالة الآية على الإمامة! بل الشيخ نفسه لم يذكرها في كتابه الخاصّ بالإمامة، أي تلخيص الشافي، فضلاً عن أن يستدلّ بها عليها. وكذا ابن جرير الطبري في دلائل الإمامة. كما أنّ العلاّمة الحلّي أيضاً لم يذكرها في الألفين، فضلاً عن أن يدرجها في عداد أدلّة الإمامة، وهو بصدد استقصائها. بل لم يذكر الطَّبْرِسي في الاحتجاج حديثاً احتجّ فيه بالآية على ذلك! نعم، في تجريد الاعتقاد وكشف المراد([77]) وغيرهما استُدِلّ بها على أفضليّة أمير المؤمنين× من الصحابة، وهذا ممّا لا إشكال فيه عندنا، وإنْ كان في دلالتها على ذلك نظرٌ، يظهر من مطاوي ما تقدَّم.

وكيف كان، فالمهمّ تقريب الاستدلال بآية المودّة على الإمامة. قال الآلوسي: «ومن الشيعة مَنْ أَوْرَد الآية في مقام الاستدلال على إمامة عليّ (كرَّم الله تعالى وجهه)، قال: عليّ (كرّم الله تعالى وجهه) واجب المحبّة، وكلّ واجب المحبة واجب الطاعة، وكلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة، ينتج: عليّ (رضي الله تعالى عنه) صاحب الإمامة. وجعلوا الآية دليل الصغرى. ولا يخفى ما في كلامهم هذا من البحث؛ أمّا أوّلاً فلأنّ الاستدلال بالآية على الصغرى لا يتمّ إلاّ على القول بأنّ معناها لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودّوا قرابتي وتحبّوا أهل بيتي، وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأوّل. وقيل في هذا المعنى: إنّه لا يناسب شأن النبوّة لما فيه من التهمة؛ فإنّ أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفعٌ لأولادهم وقراباتهم. وأيضاً فيه منافاةٌ ما لقوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [يوسف: 104]؛ وأمّا ثانياً فلأنّا لا نسلِّم أنّ كلّ واجب المحبّة واجب الطاعة؛ فقد ذكر ابن بابويه في كتاب الاعتقادات أنّ الإماميّة أجمعوا على وجوب محبّة العلوية، مع أنّه لا يجب طاعة كلّ منهم؛ وأمّا ثالثاً فلأنّا لا نسلِّم أنّ كلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة، أي الزعامة الكبرى، وإلاّ لكان كلّ نبيّ في زمنه صاحب ذلك، ونصُّ: ﴿إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً﴾ [البقرة: 247] يأبى ذلك؛ وأمّا رابعاً فلأنّ الآية تقتضي أن تكون الصغرى «أهل البيت واجبو الطاعة»، ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا ينتج النتيجة التي ذكروها، ولو سلّمت جميع مقدّماته، بل ينتج «أهل البيت صاحبو الإمامة»، وهم لا يقولون بعمومه»([78]).

قوله: «وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأوّل»، أي إلى ما جاء في كلامه أوّلاً، حيث قال: «أي إلاّ مودّتكم إيّاي ﴿فِي الْقُرْبَى﴾، أي لقرابتي منكم، فـ «في» للسببيّة»([79]) ثمّ كرَّره بقوله: «وحاصله لا أطلب منكم إلاّ مودتي ورعاية حقوقي لقرابتي منكم، وذلك أمرٌ لازم عليكم»([80]).

وتقدَّم الجواب عنه من أنّ كثيراً من أهل السنّة والشيعة ـ كالرازي والمحقّق الحلّي ـ أنكروا مجيء «في» للسببيّة، وهو الحقّ.

وأمّا قوله: «قيل في هذا المعنى: إنّه لا يناسب شأن النبوّة… وقراباتهم» فقد تقدَّم أنّ المفيد قال به أيضاً، ولكنْ بتقريبٍ آخر سمّاه حجّة العقل. وتقدّم الجواب عنه أيضاً في معنى الأجر.

وكذا قوله: «وأيضاً فيه منافاةٌ ما لقوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾»، فقد تقدَّم أنّ المفيد قال به أيضاً، وسمّاه حجّة القرآن. وتقدّم الجواب عنه أيضاً في معنى الأجر والمودّة.

وقال في الأمثل، ردّاً عليه: «إنّ هذه المحبّة ليست أمراً عاديّاً، بل هي جزاءٌ للنبوّة وأجر للرسالة، ولا بُدَّ أن يكون الأجر والثمن مساوياً للمثمن حتّى يمكن اعتباره جزاءً له. من جانبٍ ثانٍ فإنّ الآيات القرآنيّة تؤكّد أنّ نفع هذه المحبّة ليس شيئاً يعود إلى النبيّ|، بل إنّ حاصل ذلك يعود إلى المؤمنين أنفسهم. وبعبارةٍ أخرى: يعتبر أمراً معنويّاً يؤثّر في هداية المسلمين وتكاملهم. وبهذا الترتيب، ورغم أنّه لا يستفاد من الآية سوى وجوب المحبّة، إلاّ أنّ وجوب المحبّة هذه ـ بمراعاة القرائن المذكورة ـ لها علاقة بقضيّة الإمامة، التي تعتبر السند لمقام النبوّة والرسالة([81]).

وقد ظهرت وجوه الخدشة في كلامه ممّا تقدَّم في بيان المرادِ بالأجر في الآية، والفرقِ بين المودّة والمحبّة، والوجهِ في جعل الأجر المسؤول لهم، لا للنبيّ|. كما تظهر وجوه الخدشة في ما قاله بعد هذا، خصوصاً في ما قاله من أنّ «هذه المحبّة بمستوى الرسالة»([82])، ثمّ كرَّره في كتابٍ آخر بقوله: «إنّ أجر الشيء لا بُدَّ وأن يماثله في القيمة، ويتطابق معه في الاعتبار، والمحبّة التي تفضي إلى الولاية والإمامة هي التي تنسجم وتتناسب مع الرسالة، وأمّا المحبّة العادية والفارغة من الولاية فلا شَكَّ أنّها بعيدة عن مضمون الرسالة. وبما أنّنا نعتقد بأنّ الله تعالى حكيم ويجازي الأعمال بمثلها وبما يناسبها من الجزاء، وكذلك النبيّ الأكرم| حكيمٌ أيضاً، ولا يطلب إلاّ الأجر المناسب أيضاً، يكون المراد بلا شَكٍّ من المحبّة مورد البحث هو الإمامة والولاية»([83])؛ فإنّه لو سلّمنا عدم الفرق بين الحبّ والودّ، وقلنا: إنّ الرسول سأل أجراً على أداء الرسالة (لا على ذلك التبشير)، وقلنا: إنّ المراد بالقربى أهل القربى، ولكنْ من المعلوم أنّ الحبّ والودّ ـ من الصفات ذات الإضافة بين الإنسان ومتعلَّقاتها ـ كما لا يتحقّقان إلاّ إذا تعلّقا بشيء هو المحبوب والمودود، كذلك لا يُقَوَّمان إلاّ بحَسَب متعلَّقهما، فحبّ الله تعالى أفضل المحابّ وأعلاها، وحبّ أعدائه أرذلها وأرخصها. والمفروض أنّ المحبوب أو المودود في الآية أهل البيت^، فقيمة محبّتهم أعلى قِيَم الحبّ، و«هذه المحبّة بمستوى الرسالة» على حدّ تعبيره، «وهل الدِّينُ إلاّ الحبُّ؟»([84]). وما كان له القيمة الأعلى يماثل الرسالة في القيمة، ويتطابق معها في الاعتبار. وأمّا قوله: «المحبّة الّتي تُفضي إلى الولاية والإمامة هي التي تنسجم وتتناسب مع الرسالة» فلا معنىً له؛ إذ مراده إفضاء المحبّة إلى ولاية المحبوب وإمامته، وليت شعري كيف يمكن إفضاء مقولة ذات إضافة كالحبّ إلى إثبات صفة كالإمامة في متعلَّقها (أي القربى هنا) ليست تلك الصفة من لوازمها العقليّة أو الشرعيّة أو العرفيّة؟! نعم، بعد أن فرضنا أنّ الإمام والوليّ هو متعلَّق الحبّ فلا يتحقّق حبُّه حقَّ محبّته إلاّ بمحبّته إماماً ووليّاً. فالمحبّة التي تُفضي إلى إمامة المحبوب تتفرّع على إمامته، وليست دليلاً عليها، كما لا يخفى! وللإماميّة في مذهبهم الحقّ من الآيات البيّنات والروايات المتواترات ما يكفيهم عن أمثال هذه الكلمات.

النتيجة

آية المودّة تقول: يا أيّها الرسول، قل للمؤمنين الذين أبلغتَ إليهم، وبشّرتَهم بأنّهم ﴿فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: إنّي لا أسألكم على تلك البشارة العظيمة الأبديّة أجراً إلاّ المودّة الثابتة في قرابة الرحم بيني وبينكم، هذه المودّة التي تقتضيها طباعُكم، والتي تجرّها الرَّحِمُ إلى ابنتي وابن عمّي وأولادهما^؛ صلةً للرحم. وبهذه الآية يعلم أنّ هؤلاء أنفسَهم رَحِمُه التي أمر الله بصلتها في ثلاث آياتٍ، سواء مَنْ وُجد منهم في زمن نزول الآية ومَنْ وُجدوا بعده. ولكنْ مع ذلك لا دلالة فيها على إمامة أهل البيت^ وزعامتهم.

الهوامش

(*) أستاذٌ في حوزة قم العلميّة.

([1]) تفسير السعدي: 913.

([2]) اعتقادات الإماميّة: 111.

([3]) تصحيح اعتقادات الإماميّة: 140 ـ 142.

([4]) العين 6: 173؛ المحيط 7: 171؛ شمس العلوم 1: 185، «أجر».

([5]) القاموس المحيط 1: 362، «أجر».

([6]) صحاح اللغة 2: 576، «أجر»؛ إسفار الفصيح، «أجر».

([7]) لسان العرب 4: 10، «أجر».

([8]) المفردات: 64، «أجر».

([9]) مقاييس اللغة 1: 62، «أجر».

([10]) المُطلِع 1: 264.

([11]) التحقيق في كلمات القرآن 1: 37.

([12]) تاج العروس 6: 12، «أجر».

([13]) أساس البلاغة: 4، «أجر».

([14]) الفروق اللغويّة: 380.

([15]) العين، «نحل».

([16]) المفردات، «نحل».

([17]) التحقيق في كلمات القرآن، «نحل».

([18]) مجمع البيان 9: 31؛ الجامع لأحكام القرآن 16: 1.

([19]) الكافي 1: 293 ـ 296، ح3.

([20]) روح المعاني 13: 11.

([21]) منها أنوار التنـزيل 5: 80؛ البحر المديد 5: 211؛ روح البيان 8: 311؛ كنـز الدقائق 11: 499؛ روح المعاني 13: 31؛ زبدة التفاسير 6: 215؛ وغيرها.

([22]) لطائف الإشارات 3: 351، ذيل الآية.

([23]) مفاتيح الغيب 7: 51.

([24]) تفسير أنوار درخشان 1: 262.

([25]) المحيط الأعظم 1: 454.

([26]) التبيان 3: 615.

([27]) التبيان 6: 101.

([28]) التبيان 6: 272.

([29]) التبيان 2: 341.

([30]) التبيان 6: 54.

([31]) منهم: الطبرسي، حيث قال بمثل كلامه المذكور آنفاً في مجمع البيان 2: 653؛ وقال نحوه في موضعٍ آخر منه 10: 533؛ وكذا الغرناطي، حيث قال: «ودّ يودّ له معنيان: من المودّة والمحبّة، وبمعنى تمنّى» (التسهيل لعلوم التنـزيل 1: 45).

([32]) التبيان 9: 576.

([33]) التبيان 1: 390.

([34]) منهم: ابن عاشور في مواضع من تفسيره 4: 185؛ 20: 158؛ 21: 33؛ 25: 146، وغيرها؛ المراغي في تفسيره 16: 88؛ الزحيلي في التفسير المنير 16: 170؛ 21: 67؛ والوسيط 3: 1993؛ روح البيان 9: 412؛ فضل الله في من وحي القرآن 15: 76، 80؛ القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 10: 90؛ الطبرسي في مجمع البيان 1: 321، 344؛ الطباطبائي في الميزان 14: 113.

([35]) الفروق اللغويّة: 174.

([36]) أنوار التنـزيل 2: 13.

([37]) الميزان 11: 146.

([38]) الجدول في إعراب القرآن 5: 91.

([39]) النحو العربي 3: 465.

([40]) النحو الوافي 3: 231.

([41]) مواهب الرحمن 5: 243.

([42]) مغني اللبيب 1: 168.

([43]) المحصول 1: 376 ـ 377.

([44]) معارج الأصول: 58.

([45]) الكشّاف 4: 219.

([46]) إعراب القرآن و بيانه 9: 30.

([47]) منهم: السيد ابن طاووس في سعد السعود: 140؛ والمولى فتح الله الكاشاني في زبدة التفاسير 6: 215؛ وابن عجيبة في البحر المديد 5: 211؛ والسيد الطباطبائي في الميزان 18: 48.

([48]) راجع التبيان 1: 328؛ البحر المحيط 1: 453؛ البحر المديد 5: 211؛ التحرير والتنوير 25: 146؛ جامع البيان 1: 309؛ الجامع لأحكام القرآن 2: 14؛ روح المعاني 1: 308؛ سعد السعود: 140؛ فتح القدير 1: 126؛ الكشّاف 4: 219؛ مجمع البيان 1: 297؛ محاسن التأويل 8: 363؛ وغيرها.

([49]) التبيان 9: 373.

([50]) البحر المديد 5: 211؛ غرائب القرآن 6: 73؛ زبدة التفسير 6: 215؛ سعد السعود: 140؛ الكشّاف 4: 219؛ وغيرها.

([51]) إعراب القرآن 9: 30؛ البحر المحيط 9: 335، جوامع الجامع 4: 47؛ روح البيان 8: 311؛ فتح القدير 4: 612؛ وغيرها.

([52]) لسان العرب 1: 665، قرب.

([53]) محاسن التأويل 8: 366.

([54]) محاسن التأويل 8: 365.

([55]) الميزان: 2: 6.

([56]) التبيان 9: 159؛ جامع البيان 25: 10؛ زاد المسير 4: 64؛ وغيرها.

([57]) مجمع البيان 9: 43.

([58]) رسائل المقريزي: 209.

([59]) روح المعاني 13: 32.

([60]) التحرير والتنوير 10: 174.

([61]) المطوّل: 100.

([62]) دروس في البلاغة 1: 368.

([63]) إعراب القرآن 2: 577.

([64]) التبيان 1: 120.

([65]) البحر المحيط 1: 207.

([66]) إعراب القرآن 1: 18.

([67]) إعراب القرآن وبيانه 1: 70. ونحوها في الجلالين: 8؛ وتفسير المظهري 1: 43؛ والمنير 1: 109؛ وروشن 1: 147؛ وغرائب القرآن 1: 208؛ وروح المعاني 1: 214؛ وغيرها.

([68]) الأصول الستّة عشر: 224؛ تفسير العيّاشي 2: 208، ح27 و29؛ الكافي 2: 151، ح7؛ المناقب 2: 168.

([69]) الكافي 2: 156، ح28.

([70]) الكافي 2: 151، ح7.

([71]) تفسير القمّي 1: 363.

([72]) تفسير العيّاشي 2: 208، ح27.

([73]) تفسير القمّي 1: 363.

([74]) قرب الإسناد: 79، ح255.

([75]) الدرّ المنثور 6: 7.

([76]) التبيان 9: 158 ـ 159.

([77]) كشف المراد: 392.

([78]) روح المعاني 13: 33.

([79]) روح المعاني 13: 31.

([80]) روح المعاني 13: 32.

([81]) الأمثل 15: 518.

([82]) الأمثل 15: 519.

([83]) آيات الولاية في القرآن: 149 ـ 150.

([84]) المحاسن 1: 263؛ تفسير العيّاشي 1: 167، ح27؛ الكافي 8: 80، ح35؛ الخصال 1: 21، ح74؛ وغيرها.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً