قراءة نقدية لمقولات فهد الرومي
د. فتح الله نجارزادگان(*)
مدخل ـــــــ
فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي باحث معاصر، ذكر في كتابه (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر) المذاهب التفسيرية في القرن الرابع عشر من حيث (العقائد، العلم، الأدب، العقل و..). كما تطرّق إلى ذكر التفاسير الشيعية في هذا الكتاب، حيث عرَّف بشكل إجمالي أهم التفاسير المعاصرة. وقد قام فهد الرومي بالتأكيد على تفسير الميزان بتفصيل أكثر من بقيّة الكتب، فقد بيّن مجموعة من النماذج لتفسير بعض الآيات القرآنية نقلها من تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي، لكن الكاتب وقع في متاهات وتناقضات واضحة في تعريفه لهذا الكتاب، وقد تأثّر كثيراً بالأفكار التي كان يحملها مسبقاً حول الشيعة الإمامية وأُصول تفاسيرهم، حيث إنّها أوقعته في طرح ادّعاءات لا أساس لها. فقد كان يرى أنّ التفاسير الشيعية لا قيمة لها، واتّهم العلاّمة أنه رجل خرافي يميل إلى العمل بالظن. فهد الرومي يعتقد أنّ رأيه في الشيعة حقيقي ومنصف.
وسوف نتـناول في هذه السطور نقداً لأفكار فهد الرومي، حيث سنتـناول أولاً بعض تلك العثرات والزلاّت والتناقضات، وكذلك التحريفات التي وقع فيها المؤلف حول تفسير الميزان، ثم بعد ذلك نتناول بتفصيل أكثر ادّعاءاته حول هدمه لأركان تفسير الميزان.
إشكاليات فهد الرومي وآراؤه ـــــــ
بَحَثَ فهد الرومي تفاسير القرن الرابع عشر الهجري، وبهذه المناسبة أطَلَّ على التفاسير الشيعيّة بشكل عام وتفسير الميزان بشكل خاص، باعتباره أهم التفاسير الشيعية في هذا القرن.
يرى المؤلف أنّ تفاسير الشيعة لا أساس لها، كما يعتقد بأن العلاّمة الطباطبائي رجل خرافي، تائه، ضائع، يؤمن بأُمور واهنة.
ويمكننا أن نسأل هنا: هل أنّ النتائج التي توصّل إليها فهد الرومي، من خلال بحثه، منصفة أو أنّها كانت خاضعة لأفكارٍ كان يحملها مسبقاً حول الشيعة؟
اهتمّ فهد الرومي في كتابه (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر)([1])، كثيراً بتسليط الضوء على كتاب تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي، فقد تحدّث حول هذا الكتاب بعد أن تناول حياة العلاّمة بشكل بسيط، قائلاً: <لاشكّ أنّ هذا الكتاب يعتبر من أهم مؤلفات الإماميّة الاثني عشرية في التفسير في القرن الرابع عشر، بل أهمها على الإطلاق…>([2])، وقد اكتفى المؤلف ببيان شيء من المقدّمة لكتاب الميزان في تبيين طريقة العلاّمة في التفسير، والتي تناول فيها العلاّمة الاحترازات من بعض البحوث المتعدّدة، أمثال: البحوث الروائية، الفلسفية، العلميّة، التاريخيّة، الاجتماعيّة والأخلاقيّة في متن التفسير، وتناول أيضاً عدم حجيّة أقوال الصحابة والتابعين عند العلاّمة.
بعدها تناول فهد الرومي بعض المواضيع التفسيريّة، بعنوان نماذج لتفسير الميزان، فقد انتقى بعض العبارات، واقتطع منها ما يتناغم مع أفكاره، دون ذكرها كاملة، وهذه المواضيع عبارة عن: الإمامة (في آية 124 من سورة البقرة)، التقيّة (في آية 28 من سورة آل عمران)، رؤية الله سبحانه (الآيات 22ـ23 من سورة القيامة)، الخلود في جهنّم (آية 6 من سورة المائدة)، إرث الأنبياء (آية 16 من سورة النمل)، والزواج المؤقّت (آية 24 من سورة النساء).
قام الكاتب بنقدٍ قصيرٍ جداً لآراء صاحب الميزان في هذا القسم، حيث تناول بالنقد الآيتين: 124 من سورة البقرة حول الإمامة، و6 من سورة المائدة حول مسح الرجلين بدل غسلهما، ثم أطلق بعد ذلك حكماً كلياً، قال فيه: <وإن شِئْتَ الحق في هذه المسألة وغيرها من المسائل التي شذّ بها الإمامية أو غيرهم من الفِرَق الضالّة فعليك بما ذكرته في تفسير أهل السنّة والجماعة وفي منهج التفسير الفقهي، فقد جعلتهما ميزاناً تَزن به الأقوال الشاذّة وترجع إليهما عند التباس السبيل، والله الهادي>([3]).
ومن الجدير ذكره في هذا الكتاب حول تفسير الميزان، أنّ فهد الرومي قد أشار بشكل عابر إلى التفسير الباطني والتفسير العلمي في الميزان، كما أشار الكاتب إلى التفسير الباطني من خلال البحث الروائي الوارد في الميزان، والذي تحدّث فيه حول الأخبار الواردة في بطون الآيات. وأعطى عنوان التفسير العلمي لبحث العلاّمة حول حجم الذرّة والمسافات بين الأجرام السماويّة، كما أشار الكاتب إلى أنّ العلاّمة أنّما جاء بالبحث العلمي من باب الاستشهاد، ولم يكن في مقام التفسير لألفاظ الآيات، ولم يتكلّم عن عنوان (التفسير الباطني) الذي جاء في الروايات العديدة هناك في باب (بحث روائي). ثم كتب فهد الرومي تحت عنوان (رأيي في هذا التفسير): <أما هذا التفسير [تفسير الميزان] فهو من أحسن التفاسير في العصر الحديث لولا ما فيه من التشيّع المتطرّف..، وإنّي لأعجب حقاً من هذه العقلية التي تغوص بك في عويص المعاني، وتجلو لك غامض الحقائق، أعجَبُ منها إذا ما طَفَت إلى السطح كيف يلتبس عليها الأمر؟!، وكيف تختلط عليها الحقائق وتلتبس السُّبل؟! وكيف تقبل هذه الخرافات والمهازل؟!… يؤخذ عليه كل ما يؤخذ على العقيدة الإمامية، فما تفسيره إلاّ على مذهبها، وما منهجه إلاّ منهجها>([4]).
وأخيراً يكتب المؤلّف تحت عنوان (رأيي في هذا المنهج (منهج الشيعة في التفسير)) فيقول: <ما مَثَلي وأنا أُريد الحديث عن منهجهم في التفسير إلاّ كمثل رجل وقف أمام قصرٍ منيف انهَدَّ عموده، فتساقطَت أركانه، وانطمرت معالمه، فلَم يظهر إلاّ العيوب والفجوات.
لستُ أقول هذا تعصّباً، ولست أقوله حِقداً، ولكنّي أرى منهجاً أسقط من حسابه العمود الذي تقوم عليه أُصول التفسير وأركانه، وهم يعترفون بها>([5]).
يعتقد المؤلف أنّ رأي الإماميّة في التفسير هو حذف دور صحابة رسول الله’ في التفسير، لذلك أدّى هذا الأمر إلى تحطّم الأعمدة الأصلية لتفسير الشيعة وتلاشيها؛ لأنّه <لا يشك عاقل أنّ صحابة رسول الله’ هم الذين تلقّوا هذا البيان منه، وهم الذين نشروه بعد ذلك بين المسلمين كافة، فالطريق إليه لا يكون إلاّ عن طريقهم، فإذا ما قامت فرقة وأعلنت أنّها لا تثق بهذا المروي عن طريق الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فإنما تعلن جهلها وتعلن انحرافها>([6]).
وعلى هذا الأساس يكتب فهد الرومي: <إنّ عدم اعتبارهم لما رواه الصحابة عن رسول الله’ هو مصدر انحراف منهجهم وسقوطه، ولذلك لجأوا إلى أُمور عدّة يسدّون بها ما انثلم:
1ـ رووا الروايات الموضوعة، ونسبوها إلى أئمتهم.
2ـ اعتبروا كل رواية لأحد أئمتهم تشريعاً؛ لأنهم بزعمهم معصومون.
3ـ لم يساعدهم ظاهر القرآن الكريم على ما انتحلوه من آراء وانحرافات، فقالوا بالباطن، وقالوا بالجري.
4ـ لم تكف هذه الأُمور كلها، فقالوا بتحريف القرآن الكريم، وإن أنكره بعضهم فإنّما ينكره تقيّة، فكُتُبهم التي بها يؤمنون وبأقوالها يعتقدون مليئة بروايات التحريف.
5ـ قالوا بالتقيّة والرجعية والبداء والإمامة والعصمة و.. و.. إلخ، ممّا لا يقوم على أصل، ولا يستند إلى كتاب، ولا إلى سنّة صحيحة…>([7]).
لماذا نقد آراء فهد الرومي؟ ـــــــ
نرى من الواجب أن نقوم بنقد آراء فهد الرومي؛ لأنّ رأيه وتوجّهاته بالنسبة إلى تفسر الميزان بشكل خاص، وتفسير الشيعة بشكل عام، أدّى بالمسلمين إلى زيادة هوّة الخلاف فيما بينهم، كما يؤدي إلى التشكيك والإنكار من قِبَل الآخرين؛ لأنّ الكاتب قد فرَض أنّ تلك التفاسير قد بُنيَت على أساس الخلط بين المباحث وكتمان الحقائق. وكان يدّعي: <وقد كنت إلى عهد قريب من أولئك المخدوعين بهم، الذين يؤرّق مضاجعهم ويقلق راحتهم أن يقوم على منبر أو يكتب في كتاب رجل فيذمّهم ويكشف سترهم، وكنتُ أقول: يكفي ما أصاب المسلمين من سهام الأعداء، فلنتّجه إليهم ولنترك خصوماتنا فيما بيننا، فإذا بي والأيام تكشف لي كيدهم ومكرهم، وقرأت في كتبهم الحديثة قبل القديمة، ممّا جعلني أُوقن بأنه يجب أن نعلن الدعوة إلى الإسلام بين صفوفهم في نفس الوقت الذي نعلنه عند غير المنتسبين إلى الإسلام إن لم يكن قبل ذلك، وأنه من الواجب أن نكشف خطرهم قبل أن نكشف خطر أُولئك؛ إذ هم أشدّ وأنكى>([8]).
دراسة نقدية لأفكار فهد الرومي ـــــــ
ينصبّ النقد والتحقيق الآتي حول رؤية الكاتب في تفسير الميزان، وكذلك رأيه في أركان تفاسير الشيعة التي من ضمنها طبعاً تفسير الميزان. فهناك بعض النقد حول تعريف الكاتب لتفسير الميزان، فنقول:
1ـ استفاد فهد الرومي في التعريف في تفسير الميزان من المقدمة التي جاءت فيه، لكنّه غضّ الطرف عن المحور الأصلي الذي من أجله كُتبت تلك المقدمة، وهو بيان طريقة تفسير القرآن بالقرآن، وقد عُرف تفسير الميزان واشتُهر بهذه الطريقة التي اتّخَذَها العلاّمة منهجاً أصلياً في تفسير آيات القرآن، بل إنّ العلاّمة لم يكتب تلك المقدمّة إلاّ للاستدلال على تلك الطريقة وبيان أركانها، فلو أنّ فهد الرومي تفحّص تلك المسألة المهمّة في المقدّمة، لما قام بنسف تفاسير الشيعة وبالخصوص تفسير الميزان، ولما قال: إنّ تفاسير الشيعة لا أساس لها، ولما صرّح بأنه يرى تفاسير الشيعة كأنها قصر مهدّم الأركان، ولما حكم بخطر الشيعة في العالم.
2ـ إفراط فهد الرومي بالتشبّث في الصحابة والتابعين أدّى به أولاً: إلى عدم الرؤية الواقعية للروايات ولآرائهم التفسيريّة، والتي سوف نرى تفاصيلها فيما بعد.
وثانياً: إنّه غفل عن نصّ عبارة العلاّمة، رغم أنّ العلاّمة كتب: <ثم وضعنا في ذيل البيانات متفرقات من أبحاث روائية نورد ما تيسر لنا إيراده من الروايات المنقولة عن النبي’ وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين من طرق العامة والخاصة، وأما الروايات الواردة عن مفسري الصحابة والتابعين…>([9]).
نَقَلَ فهد الرومي عين هذه العبارة من مقدمة تفسير الميزان، لكنّه غضّ النظر عنها ولم يدقّق فيها، بل إنّه حَكَمَ بعد نقله لهذه العبارة: <قلت: إنّ عدم اعتبارهم لما رواه الصحابة عن رسول الله هو مصدر انحراف منهجهم وسقوطه..>([10]). في حين أنّ العلاّمة، كما لاحظتم بعبارته الصريحة، يقبل الروايات المنقولة عن النبي’ عن طريق الشيعة والسنة (طبعاً وفق المعايير التي يراها العلاّمة في الردّ والقبول للروايات).
3ـ بدل أن يقوم فهد الرومي بنقل وإبراز دليل العلاّمة في عدم حجيّة تفسير الصحابة والتابعين، لا الروايات المنقولة عنهم([11])، أو على أقل تقدير الرجوع إلى كلام العلاّمة في المقدّمة حول كمّية الروايات التفسيريّة المنقولة عن الصحابة ومناقشتها، بدل كل ذلك اكتفى بالادّعاء أنّ الشيعة بإعراضهم «عمّا رواه الصحابة عن رسول الله’ هو مصدر انحراف منهجهم وسقوطه، ولذلك لجأوا إلى أُمور عدّة يسدّون بها ما انثلم: 1ـ رووا الروايات الموضوعة ونسبوها إلى أئمتهم…>([12]). فإذا كان فهد الرومي يرى أنّ فقدان النص في تفسير الشيعة ألجأهم إلى جَعْل الروايات فإنّ هذا الحكم يسري بشكل جدّي إلى روايات أهل السنّة أيضاً؛ لأنّه ـ حسب قول العلاّمة وغيره من الشيعة والسنّة، والتي سوف نتعرّض لها ـ فإنّ الروايات والآراء التفسيرية للصحابة قليلة جداً، فعلينا حسب رأي فهد الرومي أن نقوم بجعل الروايات لسدّ ذلك النقص.
4ـ يقول العلاّمة حول تفسير آية الابتلاء في سورة البقرة (آية124) في خطاب الله سبحانه لإبراهيم×: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾، «ولذلك ذكر عدّة من المفسّرين أنّ المراد به النبوة؛ لأنّ النبيّ يقتدي بن أُمته في دينهم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ (النساء: 63)، لكنه في غاية السقوط»([13]).
ثم يقوم العلاّمة بالاستدلال حول عدم إمكان قبول الإمام بأنه بمعنى النبيّ، أما فهد الرومي، الذي أبدى رأيه فقط في هذه الآية وآية الوضوء كما سترى، قام بالحكم على كلام العلاّمة بعد حذف الاستدلال، قائلاً: <ولا يخفى ضعف الاستدلال بالآيات المذكورة، بل عدمه في ما ذهب إليه من التفريق بين الإمامة والنبوّة>([14]). كما أنّه قام بنفس الحركة في حذف استدلال السيد الخوئي حول نسخ التلاوة، حيث قال: إنّ نسخ التلاوة هو عين القول بالتحريف([15])، فاتّهَمَ السيد الخوئي بالخداع والمكر([16]). هذه الطريقة غير العادلة في حذف الاستدلال في الموارد التي لا يستطيع الشخص الردّ على أدلّة الطرف المقابل ليست إلاّ دليلاً على ضعف ووهن المؤلف، وخروجاً عن الأمانة العلميّة([17]).
5ـ بعد أن نقَلَ الكاتب بعض عبارات العلاّمة في تفسير آية الوضوء، وهي الآية 6 من سورة المائدة، وهي: <وأما الروايات من طرق أهل السنّة فإنّها وإن كانت غير ناظرة إلى تفسير لفظ الآية، وإنّما تحكي عمل النبيّ’ وفتوى بعض الصحابة، لكنها مختلفة: منها ما يوجب مسح الرجلين؛ ومنها ما يوجب غسلهما. وقد رجّح الجمهور منهم أخبار الغسل على أخبار المسح، ولا كلام لنا معهم في هذا المقام؛ لأنّه بحث فقهي راجع إلى علم الفقه، خارج عن صناعة التفسير>([18])، يقول الكاتب بعد نقله لهذه العبارة: <وهكذا لمّا أعيَتْهُ الحيلة وعجز عن ردّ أدلّة الجمهور المستندة إلى فعل الرسول’، وقوله ما هو إلاّ التفسير الصحيح للقرآن الكريم>([19]). وممّا يُؤسف له أنّ فهد الرومي قد عثر قلمه هنا ووقع في تحريف رأي العلاّمة الطباطبائي، حيث تكلّم في مكان آخر من كتابه عن تفسير العلاّمة لآية الوضوء، ونَقَلَ بالتفصيل تفكيك العلاّمة بين المسائل التفسيرية والأُصولية والفقهية([20])، فقد غفل عن كلامه السابق حول حدود التفسير، رغم أنّ العلاّمة صرّح أنّ هذه الروايات، التي تحكي فعل رسول الله’ في أمر الوضوء، ليست ناظرة في أمر الألفاظ، لذا فإنّها خارجة عن دائرة تفسير الآية، وإنّ حل التعارض بين هذه الأحاديث واستخراج فتوى للحكم في الوضوء مسألة فقهية أيضاً([21]). أما تحريف الكاتب لرأي العلاّمة حول آية الوضوء فإنّ العلاّمة قال صراحةً أنّ روايات أهل السنّة مختلفة في هذا المورد، لكن فهد الرومي غضّ الطرف عن اختلاف الروايات، وراح يتّهم العلاّمة بعجزه عن ردّ أدلّة أهل السنة. وعلى سبيل نقل اختلاف الروايات عندهم ننقل نموذجاً من سنن البيهقي، حيث ينقل عن (رفاعة بن رافع) قول الرسول الأكرم’: <أنّها لا تتمّ صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين>([22]).
6ـ يدّعي فهد الرومي أنّ الإمامية وقعوا في الاعتقاد بتحريف القرآن من أجل سدّ الثغرة التي وقعوا فيها، وهي عدم أخذهم بروايات الصحابة في تفسيرهم، فيقول حول هذه المسألة: <قالوا بتحريف القرآن الكريم، وهم وإن أنكره بعضهم فإنّما ينكره تقيّة…>([23]). كما كتب في مكان آخر من كتابه: <ولم يجرؤ أحد من أصحاب المذاهب والفرق إلى القول بالزيادة أو النقصان في القرآن، إلاّ فرقة واحدة فرقة الشيعة؛ إذ لم يجدوا من النصوص القرآنية ما يؤيد عقيدتهم، فلم يجدوا موازياً لهذا الانحراف إلاّ القول بتحريف القرآن، وبغيره لا يستطيعون إثبات عقائدهم>([24]).
أما بحث التقيّة عند الشيعة في عدم تحريف القرآن، فيجب أن يُبحث في محلّه([25])، حيث تجد هناك ما يدلّك على سخافات القائلين بذلك الرأي.
وسوف نكتفي هنا بسؤالين نوجههما للكاتب حول ما أبداه من آراء:
أولاً: إنّه قال بصدد تعريفه لتفسير الميزان: إنّه من أهم التفاسير الشيعية.
ونحن نعلم أنّ العلاّمة قد أولى اهتماماً خاصّاً بعدم إمكان تحريف القرآن، حيث بَحَثَه بشكل واسع وعميق، وأثبَتَ هناك سلامة القرآن عن التحريف([26])، فهل كان ذلك تقيّة؟ وإذا كان كما يدّعي الكاتب هل يمكنه إقامة الدليل عليه؟
ثانياً: فهد الرومي يعترف أنّ تفسير الميزان ليس إلاّ لعقائد مذهب الإمامية، وأنّه يتّجه نحو إثبات عقائد الشيعة، بل إنّه يبيّن تلك العقائد بشكل مُفرط([27])، فهل يمكن للمؤلف بعد تلك الاعترافات أن يأتي بنموذج واحد فقط حول بيان عقائد الشيعة في الآيات القرآنية مبتنية على تحريف القرآن؟
جواب المؤلّف عن هذين السؤالين يبيّن مدى مصادقيّته في ادّعائه: <لستُ أقول هذا تعصّباً ولست أقوله حقداً>([28]). والأجدر بنا أن نؤكّد هنا على آراء فهد الرومي حول انهدام أركان تفسير الميزان، بدليل أنّ تفاسير الشيعة، ومن جملتها تفسير الميزان، اعتمدت على نفي قول صحابة رسول الله’ في التفسير، وتوجّهوا إلى حجيّة سنّة أهل البيت^ في التفسير؛ لأنّ فهد الرمي لم يتطرق إلى أدلّة الشيعة حول حجيّة سنّة أهل البيت لا نفياً ولا إثباتاً، وسوف نوكل البحث إلى محلّه المناسب([29]).
وسوف نبحث هنا فقط ميزان حجية قول الصحابة في التفسير استناداً إلى دلائل سنّية، مع قليل من التفصيل، من أجل إبراز شغف فهد الرومي بروايات وآراء الصحابة في التفسير، وكذلك بيان صحّة حكمه وسقمه في هذا المجال.
وقفة مع أدلة حجية قول الصحابي في التفسير ـــــــ
أدلّة أهل السنّة في التفسير بعد القرآن (تفسير القرآن بالقرآن)، وسنّة رسول الله’، أقوال الصحابة. وإنّهم متّفقون على هذا الرأي. وليس هناك دليل روائي خاص عن رسول الله’ في مصادر أهل السنّة حول حجية قول كل الصحابة في تفسير القرآن، ولم يتمسّك علماء أهل السنّة برواية معينة في هذا المجال([30]).
الدليل الأول: إنّ أدلّة أهل السنة اعتبارية (غير نقلية)، وهذه الأدلّة تشابه بعضها بعضاً، في أنّ صحابة الرسول’ كانوا يعيشون زمن نزول الوحي، يقول ابن كثير (م774هـ) في هذا المجال: <إنَّ الطُّرُقِ في ذلك أنْ يُفَسَّرَ القرآنُ بالقرآنِ، فما أُجْمِلَ في مكَانٍ فإنّه قد بُسِطَ في مَوْضِعٍ آخرَ، فإن أعْياكَ فَعَلَيْكَ بالسُّنَّة؛ فإنها شَارِحةٌ للقُرآنِ وَمُوَضِّحةٌ له، وحِينَئذٍ إذا لم نَجِدِ التفْسِيرَ فِي القُرآنِ ولا في السُّنةِ رَجَعْنا في ذلك إلى أقْوالِ الصَّحابةِ؛ فإنّهم أدْرَى بذلك لما شَاهَدُوا من القَرائِن والأحْوالِ التي اخْتُصُّوا بها، ولِما لهم مِنَ الفَهْمِ التَّامِ والعِلْم الصَّحِيح والعَمَل الصَّالِحِ، لا سيَّما عُلَماءَهُم وكُبَراءَهُمْ كالأئمَّةِ الأربعةِ الخُلَفاء الرّاشِدين، والأئمة المهتدِينَ الْمهدِيِّينَ، وعَبْدَ الله بن مَسْعودٍ ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ…>([31]).
وبعد سبعة قرون تقريباً تفوّه الذهبي بنفس عبارات ابن كثير، بل إنّه قلّده حتى في العبارات، وأضاف هذه الجملة: <لأنّه من المحتمل أنّ الصحابة كلّ ما قالوه في التفسير فقد سمعوه من رسول الله’>.
وكتب منيع عبد الحليم محمود حول هذه المسألة تحت عنوان (رسم المنهج السلفي للتفسير)، فقال: <الصحابة شهدوا نزول الآيات، وقد عاصروا أسباب القرآن، كانوا يعرفون الناسخ من المنسوخ، والشرائط الحاكمة على القرآن، وبيان المعاني التي كان يبديها رسول الله’، فَهمُهُم [للآيات] أكثر وضوحاً، وقدرتهم على الاجتهاد والاستنباط أقوى>([32]).
وقد استفاد هذه الطريقة من التفكّر السلفي لابن تيمية، حيث تبنّى هذا السلوك في هذا المجال.
الدليل الثاني في هذه القضية: رأي بعض أهل السنّة، ومن جملتهم ابن تيمية([33])، وتلميذه ابن قيم الجوزية([34])، الذين يقولون: <إنّ رسول الله قد بيّن للصحابة كل معاني القرآن الكريم. لذلك يدّعون أنّ غالبية الاختلاف بين السلف [الذين على رأسهم الصحابة] في التفسير هو اختلاف تنوّع، وليس اختلاف تضاد [يعني إمكانية الجمع بين آرائهم]> ([35]).
وسَبَقَ ابنَ تيمية الحاكمُ النيسابوري (ت 405هـ) الذي يميل شيئاً ما إلى هذا الرأي([36]).
الدليل الثالث: الحديث المنقول عن ابن مسعود: <كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم معانيهنّ والعمل بهنّ>([37]).
الشاطبي أيضاً حينما تعرّض لمراتب علم المفسّرين جعل الصحابة والتابعين في المرتبة الأُولى من العلم، حتى أنّه جعلهم من الراسخين في العلم، ولا يمكن أن يقاس بهم غيرهم([38]). وقال الذهبي: إنّ الذين أعرضوا عن مذهب الصحابة والتابعين في التفسير، وقعوا في مطبّات كثيرة، ففسّروا القرآن حسب أهوائهم([39]).
وقد تبعهم فهد الرومي في ذلك وتبنّى نظرياتهم([40]).
مناقشة أدلة حجية قول الصحابة في التفسير ـــــــ
عندما نبحث حجيّة قول الصحابي يجب أن نفرّق بين مقامَين:
أولهما: قول الصحابي باعتباره راوٍ للتفسير.
الثاني: قول الصحابي الذي يقوم بالاجتهاد بالتفسير، والذي يسمى (موقوف أو أثر).
في الموارد التي يكون فيها الصحابي راوٍ لتفسير الآيات يجب أن يخضع إلى مناقشة السند والدلالة، حاله حال بقيّة الأحاديث؛ لأنه:
أولاً: عدالة كل الصحابة غير مُحرَزة، فيجب أن تُحرز عدالة الراوي قبل كل شيء.
لكن أهل السنّة يقولون بعدالة كل الصحابة بشكل مطلق([41]). وقد صار هذا المبنى (عدالة تمام الصحابة) مورداً للمناقشة حسب نظر الصحابة وبعض أهل السنة، واستناداً للآيات والروايات والشواهد التاريخية([42]).
ثانياً: هناك أحاديث متواترة عن النبي’([43]) تحذّر من الكذب على رسول الله’، وتُثبت وقوع الكذب([44]) على رسول الله في زمن النبي’([45]) وبعده، فإذا قلنا: إن هذا الحديث من الأحاديث المجعولة أيضاً فإنّ ذلك يدلّ على وقوع الكذب والجعل فعلاً لأحاديث رسول الله’.
ثالثاً: نفس الصحابة بينهم تفاوت في تصديق بعضهم للبعض الآخر، مثلاً: عمر بن الخطاب صدَّق قول عبد الرحمن بن عوف، لكن أبا موسى الأشعري لم يصدّقه، وقال له: عليك الإتيان بشاهد يشهد على كلامك([46]).
رابعاً: حسب اعتراف بعض الصحابة فإنهم ينقلون الحديث عن رسول الله’، لكنّهم لم يسمعوا الحديث عنه مباشرة، أمثال: البراء بن عازب، الذي ينقل عن رسول الله لكنه لم يسمع منه مباشرة([47]).
خامساً: الصحابة أنفسهم يُخطِّئ بعضهم بعضاً، وينقد بعضهم كلام بعض، مثل: تخطئة عائشة لحديث عمر([48]).
هذه الأدلّة التي نقلناها والقرائن التي سقناها تدلّ على أن الحديث المنقول عن الصحابي لا يضفي على الرواية مسحة (الاعتبار)، إلاّ أن يكون خبراً متواتراً، أو محفوفاً بالقرينة القطعية، ففي هذه الحالة فقط يمكن أن تكون الرواية مبيّنة للآيات القرآنية.
علاوة على ذلك فإن صعوبة إثبات الروايات التفسيرية للصحابة والآخرين (كالتابعين..)، وما واجَهَته من صعوبات ومشاكل، من جملتها منع التدوين، بل منع نشر الحديث بين أهل سنة، الذي استمر ما يقارب القرن ونصف القرن، أبرزت هكذا مشاكل في تغيير وتبديل متون الأحاديث([49]) أضف إلى ذلك وضع وجعل الأحاديث ونسبتها إلى الصحابة، حيث أدّت إلى انتشار الروايات التفسيرية الجعليّة الكثيرة حسب اعتراف أهل السنّة.
يقول الذهبي حول هذه المسألة: <يجب أن لا ننخدع بكل ما يُنسب إلى الصحابة من تفسير؛ لأن هناك الكثير من الأحاديث التي نُسبت للصحابة في التفسير زوراً وبهتاناً>([50]).
ولهذا قال أحمد بن حنبل: إن هناك ثلاثة أشياء لا أساس لها؛ التفسير، الملاحم، والمغازي([51]).
ولأحمد الخولي بحثٌ أيضاً في هذا المجال لا بأس بالاطلاع عليه([52]).
أمّا إذا قام الصحابي بالاستنباط حسب رأيه من الآية فمن باب أولى أن يكون كلامه واستنباطه محلاً للنقد؛ لأنه:
أولاً: على خلاف رأي ابن تيمية وفهد الرومي وآخرين كل ما قاله الصحابي عن رسول الله’ حول تفسير الآيات لم يأخذوه مباشرة عن رسول الله’؛ لأن الرسول لم يبيّن كل المعارف القرآنية لكل الصحابة، وكما قال القرطبي: <فإن الصحابة رضي الله عنهم قد قرأوا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي’، فإنّ النبي’ دعا لابن عباس، وقال: اللهم فقِّهه في الدين، وعلّمه التأويل، فإن التأويل مسموعاً كالتنزيل، فما فائدة تخصيصه بذلك؟! وهذا بيّن لا إشكال فيه>([53]).
ويذهب البغدادي إلى نفس الرأي([54])، ويقول ابن عاشور في تأييده لهذا الرأي: <إن عمر بن الخطاب من أهل العلم، لكنه سأل عن معنى الكثير من الآيات، ولم يتشرط عليهم أن يجيبوه فقط بما سمعوه من رسول الله في هذا المجال>([55]).
لذلك ظهر الاختلاف بين الصحابة في فهم الآيات، وإن الاختلاف في بعض الموارد اختلاف تضاد، لا اختلاف تنوّع، كما يدّعي ابن تيمية، فكل واحد من الصحابة يقبل اجتهاده في فهم بعض الآيات، ولا يقبل اجتهاد ورأي غيره، ولا يوجد عندنا دليلٌ على عصمة الصحابة في جميع أقوالهم([56])، واتّفق علماء الشيعة على أن اجتهاد الصحابي في التفسير وغيره ليس حجة على الآخرين([57]).
يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره للآية الشريفة: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ..﴾ [النحل، 144]: «في الآية دلالة على حجية قول النبي‘ في بيان الآيات القرآنية، وأما ما ذكره بعضهم أن ذلك في غير النص والظاهر من المتشابهات، أو في ما يرجع إلى أسرار كلام الله وما فيه من التأويل، فمما لا ينبغي أن يصغى إليه.
هذا في نفس بيانه‘، ويلحق به بيان أهل بيته؛ لحديث الثقلين المتواتر وغيره، وأما سائر الأمة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجية لبيانهم؛ لعدم شمول الآية وعدم نص معتمد عليه يعطي حجية بيانهم على الإطلاق.
وأما قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾فقد تقدم أنه إرشاد إلى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم، من غير اختصاص الحكم بطائفة دون طائفة»([58]).
ثانياً: أهل السنّة اعترفوا بوجود المراتب للصحابة في فهم وتفسير الآيات، وأن هناك مجموعة منهم يمكن أن نعدّهم من علماء التفسير([59])، فلا يجب أن نقول بأن جميع الصحابة لهم القدرة على الفهم التام لآيات، أو أن عملهم كلّه صحيح، وأن قدرتهم على الاجتهاد والاستنباط أكثر من الآخرين، ولا يمكن أن نعدّهم من الراسخين في العلم؛ لأن هذا كلّه ينافي الواقع الذي عاشه الصحابة.
ثالثاً: في مقام الإثبات أيضاً يمكن أن نشاهد الصعوبات التي واجهها تفسير الصحابة، التي من جملتها: الإسرائيليات التي دخلَت التفسير؛ لأن أحد منابع التفسير التي اعتمد عليها الصحابة هم أهل الكتاب، فمن الطبيعي أن تتسلّل الإسرائيليات إلى تفسيرهم، وبالأخص في عصر خلافة عمر، الذي سمح لأشخاص، أمثال: كعب الأحبار، في نشره أفكار أهل الكتاب بين الصحابة([60])، في حين أن الرسول’ حذّر عمر قبل وصوله إلى الخلافة من مسألة ميله إلى أهل الكتاب وتعلّقه بهم([61])([62]).
تبيّن من الكلام السابق حول الصحابة أن بيانهم (إذا نُقل بسند صحيح) فإنه معتبر في نقل الأحداث الواقعة في صدر الإسلام، وبيان الآداب والرسوم الجاهلية، ونقل القرائن والشواهد التي حفّت بنزول القرآن، والتي لها دخلٌ في تفسير الآيات، خصوصاً في بيان شأن نزول الآيات وبيان المعنى اللغوي لها، كل ذلك يمكن أن يكون معتبراً من هذه الناحية؛ لأن القرآن نزل بلُغَتِهم، والمفسّر إذا أراد الوصول إلى المعنى الرائج زمان نزول الوحي عليه الاستعانة بأقوال الصحابة([63])، رغم أن هناك بعض المعاني لا تنطبق مع المعنى الاصطلاحي المُراد. أما اجتهادات واستنباطات العلماء من الصحابة فحالها حال سائر الاجتهادات، فيجب أن نعرضها على القرآن والسنّة القطعيّة، فإذا وافَقَتها نأخذ بها. والواقع يُشير إلى أن آراء وروايات الصحابة في التفسير قليلٌ جداً([64])، فبناءً على قول صاحب كتاب (كنز العمال) أنها بحدود 544 حديثاً([65])، ومع حذف المكرّر منها لا تتجاوز 350 حديثاً.
نتائج البحث ـــــــ
آراء فهد الرومي جاءت في كتابه (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر) حول تفسير الشيعة بشكل عام وتفسير الميزان بشكل خاص، وقد استقيناها من أطروحته للدكتوراه، وقد رأينا من الضروري نقد تلك الأفكار والآراء التي وقَعَت في مطبّات كثيرة.
فهو يرى أن تفسير الشيعة للقرآن، وتفسير الميزان بشكل أوضح، لا أساس له من الصحّة، وقد سعى فهد الرومي إلى تحميل ما عنده من ذهنية مسبقة حول الشيعة على عقيدة الشيعة في التفسير، كما أراد أن يحمّل تلك الآراء على تفسير الميزان بالخصوص.
لكن آراءه لا مبنى لها، حيث باءت بالفشل والخيبة، فقد وقع المؤلّف في التناقض، وكتمان الحقائق، وتقطيع وتحريف العبارات، كما أنه أورد مجموعة من الادّعاءات المتعدّدة من دون أن يقيم الدليل عليها.
يدّعي فهد الرومي أن العمود الفقري لتفسير أهل السنّة هو قول الصحابي، وبما أن الشيعة قد أعرضوا في تفسيرهم عن قول الصحابي، ومن ضمنهم تفسير الميزان، فإن تفسيرهم لا قيمة له ولا أساس، لذلك التجأ الشيعة حسب رأيه إلى عوامل أخرى لسدّ هذه الثغرة وهذا النقص في تفسيرهم، فتوجّهوا إلى تحريف القرآن، جعل الروايات، البطن، و…
ومن خلال تحليلٍ منصف يمكن أن نبيّن بطلان ادّعاءات فهد الرومي في تفسير (قول الصحابة)، وإظهار مقدار الضعف الذي وقع فيه.
الهوامش
(*) أستاذ مساعد، وعضو الهيئة العلمية، في جامعة طهران.
([1]) كتاب (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر)، لمؤلفه فهد بن عبد الرحمن الرومي، هذا الكتاب أصلاً هو رسالة دكتوراه للمؤلف، حيث حصل في وقتها على درجة ممتاز في قسم القرآن وعلوم القرآن ـ كلية أُصول الدين، جامعة محمد بن سعود الإسلامية في الحجاز، وبعد دفاعه عن الرسالة قام بطبعها عام 1407هـ.
كتب المؤلف في مقدمة كتابه توضيحات حول الهدف من تناوله الاتجاهات التفسيرية في القرن الرابع عشر، ثم عرّج بعد ذلك نحو ضرورة البحث في هكذا مواضيع، بعد ذلك قدّم تقريراً مفصّلاً حول مباحث الكتاب. وقد أفرَدَ الكاتب الفصل الثاني من الباب الأول، وجعل عنوانه (منهج الشيعة في القرآن الكريم)، تناول فيه بعض المقدّمات عن الشيعة مثل؛ تعريف الشيعة، نشوء الشيعة، فِرَق الشيعة، تعريف الشيعة الاثنا عشرية وأُصول اعتقاداتهم. ثم تناول بعد ذلك منهج الشيعة الامامية في التفسير، وخَتَمَ الفصل بالتعرّض لبعض التفاسير المهمّة للشيعة الإمامية في العصر الحاضر، وختم بحثه بتناول أهم تفاسير الشيعة الإمامية في العصر الحاضر (خلال خمسين صفحة).
([2]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 239:1، ط. الأُولى 1407هـ/1986م، المملكة العربية السعودية.
([9]) الميزان في تفسير القرآن 13:1، ط. جماعة المدرسين ـ قم.
([10]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 252:1.
([11]) الميزان في تفسير القرآن 278:12.
([12]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 252:1.
([13]) الميزان في تفسير القرآن 270:1.
([14]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 241:1.
([15]) السيد أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 206، ط. طهران 1364هـ.شمسي.
([16]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 72:1.
([17]) مثل حذف استدلال السيد الخوئي في نفس المورد من قبل الدكتور القفاري ـ الذي يحمل نفس آراء الرومي والمتخرج في نفس الجامعة، وهي جامعة محمد بن سعود ـ متّهماً السيد الخوئي بإنكار آية {ما ننسخ من آية أو نُنْسها..} (البقرة: 106)، وأنه يدور في متاهة وضياع. انظر: ناصر القفاري، أُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية: 154ـ155، ط. الثانية 1415هـ.
([18]) الميزان في تفسير القرآن 222:5.
([19]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 245:1.
([20]) المصدر السابق 487:2ـ489.
([21]) الميزان في تفسير القرآن 224:5.
([22]) البيهقي، السنن الكبرى 44:1، ط. دار المعرفة ـ بيروت 1406هـ.
([23]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 252:1.
([25]) فتح الله محمدي نجازرادگان، سلامة القرآن من التحريف وتفنيد الافتراءات على الشيعة الإمامية: 474ـ514، ط. منشورات مشعر ـ طهران 1382هـ.شمسي.
([26]) الميزان في تفسير القرآن 104:12ـ133.
([27]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 294:1.
([29]) نجازرادگان، التفسير التطبيقي ـ مبحث حول حجية سنة أهل البيت في التفسير ـ: 99ـ127، المركز العالمي للعلوم الإسلامية ـ قم 1383هـ.شمسي.
([30]) ربما يقال إنّ أهل السنّة تمسّكوا بإطلاق حديث: <أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم> (انظر: السنن الكبرى للبيهقي: 181؛ القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 613، تحقيق علي محمد البجاوي ـ بيروت. رغم أنّ هذا الحديث ضعيف السند، لكن بعضهم يقول بأنه موضوع (انظر: ابن الجوزي: 223؛ القاضي عياض 613، يقول ـ نقلاً عن ابن حزم والحافظ العراقي ـ : إنه حديث ضعيف، بل إنّه موضوع)، وأنه مخدوش من حيث الدلالة أيضاً؛ لأنه لا يمكن أساساً الاقتداء بكل الصحابة الذي تتناقض أقوالهم أحياناً.
([31]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) 3:1، ط. بيروت 1402هـ؛ ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 50:1، تحقيق عبد السلام عبد الشافي ـ بيروت 1413هـ.
([32]) منيع عبد الحليم محمود، مناهج المفسّرين: 206، ط. بيروت.
([33]) ابن تيميّة، المقدمة في أُصول التفسير: 9، دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
([34]) فهد بن عبد الرحمن الرومي، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 11:1.
([35]) مقدمة في أُصول التفسير: 11؛ اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 26:1.
([36]) نقلاً عن بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن 157:2، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. الثانية، دار المعرفة ـ بيروت.
([37]) الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن 27:1، ط. بيروت 1408هـ؛ البرهان في علوم القرآن 157:2.
([38]) نقلاً عن محمد القاسمي، محاسن التأويل (تفسير القاسمي) 166:1، دار الفكر ـ بيروت 1398هـ.
([40]) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 27:1.
([41]) السيوطي، الخصائص الكبرى 267:2، دار الكتب العلمية ـ بيروت؛ ابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة 3:1، ط. بيروت؛ العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 14:1، تحقيق وإشراف: محيي الدين الخطيب، دار المعرفة ـ بيروت؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) 297:16، دار الكتاب العربي ـ القاهرة 1387هـ.
([42]) انظر على سبيل المثال: مركز الرسالة، الصحابة في القرآن والسنّة: 5ـ110، قم 1415هـ؛ الفضل ابن شاذان، الإيضاح: 229، تحقيق: الأرموي، نشر جامعة طهران؛ الشيخ المفيد، الإفصاح في الإمامة: 40ـ41، ط. المؤتمر العالمي للذكرى الألفية للشيخ المفيد 1413هـ؛ التفتازاني، شرح المقاصد: 310ـ311، تحقيق: محمد عبد الرحمن عميرة، منشورات الرضي ـ قم 1409هـ؛ السيد علي خان الشيرازي، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 9ـ41، على سبيل المثال انظر: مركز الرسالة، 5ـ110؛ ابن شاذان، 229؛ المفيد، 40ـ41؛ التفتازاني 5: 310ـ311؛ سيد علي خان، 9ـ41).
([44]) البخاري، 1: 203؛ القاسمي: 179.
([45]) انظر: نهج البلاغة، الخطبة 210؛ ابن حزم 2: 582 وأبو ريّة: 65.
([49]) للتوضيح أكثر، انظر: الجلالي: 481ـ549؛ الشهرستاني: 504ـ505.
([52]) انظر: المصدر نفسه 7: 353.
([53]) المصدر نفسه 1: 33؛ وأيضاً انظر: القاسمي 1: 166.
([55]) التحرير والتنوير 1: 32.
([56]) انظر: أبو زهرة: 102، نقلاً عن الشهرستاني: 325.
([57]) الشهيد الثاني: 278ـ279.
([59]) انظر: السيوطي 2: 187ـ188؛ ابن خلدون 1: 446؛ الذهبي 1: 60.
([60]) انظر: ابن كثير 4: 17؛ الذهبي 3: 489ـ490.
([61]) ابن حنبل، 23: 349، ح15156.
([62]) يكفينا في هذا المجال ما كتبه الأستاذ معرفة، حيث كتب أكثر من مئتي صفحة في كتابه (التفسير والمفسرون) مع ذكر الشواهد عن الاسرائيليات في التفسير (انظر: معرفة، 2: 79ـ310.