(القسم الثاني)
الشيخ محمد تقي سبحاني(*)
ترجمة: السيد حسن مطر
مقدمة ــــــ
كما تقدّم في القسم الأول من المقالة فإنّ الغاية من طرح هذه المقالة قبل كلّ شيء عرض إطار نظري للتعريف بالأفكار الدينية الأساسية المعاصرة في إيران، مما يشكل مقدمة للتعريف بالفكر الديني المعاصر. إنّ دراسة التيارات إنما هي في الأساس للتعرف بدقة على المواقف الفكرية والعملية للجماعات والشخصيات. في القسم الأول من هذه المقالة تعرفنا على ثلاثة تيارات أساسية في التفكير الديني الاجتماعي، وفي هذا القسم سنعمد إلى تطبيق العناوين المتقدّمة على الشخصيات والجماعات. ومن الواضح أن التحديد الدقيق لموقع بعض الشخصيات والجماعات في الاتجاهات المذكورة شاق جداً، الأمر الذي اضطرنا إلى ذكر موقع البعض منها بشكل متردد؛ لما يكتنفها من إبهامات وفقدان للوثائق والمعلومات الدقيقة. ومن هنا يجب التعامل مع هذه المقالة بوصفها طرحاً تفصيلياً، وسنعمل على تكميلها في البحوث القادمة إن شاء الله تعالى.
وسنعمد؛ بغية إيضاح بعض المطالب المتقدمة، وتوفير الأرضية لتحقيق أوسع، إلى استعراض بعض المصادر، مع الإشارة الضمنية إلى الشخصيات والمراكز والتصنيفات المهمة في كلّ اتجاه. إنّ عرض هذه المصادر إنما كان لغرض التعريف الأولي للدخول في تحقيق معرفة التيارات، وإلا فإنّ التعريف الدقيق والعميق بهذه التيارات يستوجب الرجوع إلى نصوص ومصادر أكثر أصالة في كل تيار من التيارات.
وقبل كلّ شيء لابد من التذكير بعدة نقاط:
أولاً: تمّ اختيار المصادر بحيث تقود الباحث إلى مصادر أهمّ منها. وكما تقدم فإنّ هذه التيارات كلما اقتربت من ظهور الثورة الإسلامية في إيران، والحوادث التي تلتها، تغدو أشدّ وضوحاً وأكثر تميّزاً. وقد كان لنا تأكيدٌ أكثر على المصادر والشخصيات المنتمية إلى العقود الأخيرة.
ثانياً: حيث استعرضنا الحركات الثقافية على شكل الطيف اللوني التدريجي فقد واجه تصنيف بعض الشخصيات والفئات الواقعة ضمن هذا الطيف صعوبات جمّة، وستعمل البحوث الأكثر دقة على حلّ هذه العقد، وسوف تتخطى الأخطاء المحتملة.
ثالثاً: تمّ الاكتفاء بالمصادر الفارسية فقط؛ لتكون الفائدة عامة للجميع. وفي السنوات الأخيرة ظهرت بحوث في هذا الخصوص بلغات أخرى، ولكن بعضها لم يترجم حتى الآن. وقد أحجمنا عن التعريف بالمقالات؛ وذلك لكثرتها؛ ولصعوبة الوصول إليها بالنسبة لغالبية الباحثين المبتدئين. إنّ الهدف من هذا البحث هو الإشارة إلى الموضوعات الأساسية والمنعطفات التاريخية، قبل تحشيد المعلومات. ولتعويض هذا الأمر المهم سنشير في نصّ التقرير إلى أهم المنشورات المهمة في كلّ مقالة، وفي الختام يتمّ التعريف بعدد من النشريات التاريخية التي تعنى بالأفكار المعاصرة.
وسنعمد في ذيل الكلام عن هذه الاتجاهات الثلاثة إلى التعريف بالتيارات التابعة لكلّ واحدٍ منها، مع فارق واحد، وهو أننا قدمنا الكلام عن الاتجاه التجديدي؛ للأسباب المتقدمة، على الاتجاه الشرعي. وقد خضنا في كلّ اتجاه ـ قبل البحث في المصادر والتيارات ـ في التعريف بالألفاظ والمصطلحات، وعرَّفنا العناوين المذكورة في باب كل اتجاه.
وفي ختام هذه المقدمة ننوّه إلى أننا في هذه المقالة نذكر أسماء الشخصيات مجرّدة من الألقاب والأوصاف؛ رعاية للحياد العلمي، وفراراً من صعوبة الولوج في متاهات انتقاء تلك الألقاب وما يناسب أو لا يناسب منها. ولذلك نغتنم الفرصة هنا ونعتذر من جميع أصحاب السماحة والفضيلة، سائلين الرحمة والغفران لجميع الراحلين منهم.
التعريف بالتيارات والاتجاهات الثلاثة ــــــ
أ ـ تيار التجديد الإسلامي ــــــ
إنّ عنوان التجديد الإسلامي يشمل كلّ الحركات الواقعة ضمن الإطار المتقدّم، سواء أشير لها تحت عنوان (التنوير الديني)، أو (التجديد الديني)، أو (إعادة بناء الفكر الديني)، أو أحياناً تحت عناوين من قبيل: (إصلاح الفكر الديني)، أو (إحياء الفكر الديني). والمصطلح الأخير (إحياء الفكر الديني) أنسب بالتيار الثالث أي (الحضارية الإسلامية)، وهو ما أطلق في الغالب على هذا الاتجاه الفكري، ولكنه بالتدريج تحوّل إلى مشترك لفظي، واستعمل لكلا الاتجاهين على حدّ سواء. ويبدو أنّ ترجمة عنوان كتاب (إقبال اللاهوري) هي التي فاقمت من توسيع رقعة الخطأ([1]). وأما في ما يتعلق بالمصطلح الأول، أي (التنوير الديني) و(التجديد الديني)، فقد كان يطلق في السابق غالباً على المتجددين، إلا أنه أخذ يُطلق في السنوات الأخيرة على بعض جهود المتمدنين. وقد استعمل عنوان (نهضة الوعي الإسلامي) لكلا التيارين في مستهل سنواتهما الأخيرة. وقد استعمل هذا المصطلح للمرة الأولى في السيد جمال الدين الأسد آبادي وتلاميذه، ثم أخذ يُطلق على جميع الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي.
وتجنباً لهذا الخلط والإبهام فقد استفدنا من مصطلح (التجديد الإسلامي) الذي يصح إطلاقه إلى الآن على هذا التيار فقط. وقد استعملنا مصطلح (التنوير الديني) كمرادف آخر للمعنى السابق. وفي السنوات الأخيرة خضع مصطلح (التنوير الديني) للنقاش، واعتبر متناقضاً في نفسه. وهذه الشبهة لم يتعرّض لها التجديد الإسلامي إلا نادراً. هذا مضافاً إلى أنّ هذا المصطلح يشير إلى المضمون والمحتوى الفكري لهذه الجماعة، في حين أن (التنوير) مفردة مرتبطة بشكل وأسلوب الأفكار.
ومهما كان فقد تمّ إرجاع هذا التيار المعاصر في إيران إلى ما بعد شهريور من عام 1320هـ ش، ولكن يمكن تعقب جذوره إلى ما بعد الانقلاب العسكري الذي قام به رضا خان عام 1299هـ ش.
إنّ تيار التجديد الديني قد تكوَّن إثر تفاعل بين تفكيرين سابقين عليه. إنّ النزاع بين علماء الدين والمستنيرين العلمانيين في بداية العصر القاجاري تحوّل بالتدريج إلى اصطفاف شامل بين أنصار المذهب من جهة، وأعداء الدين والشريعة من جهة أخرى. وقد نجح المتجدِّدون في إظهار هذه المواجهة على أنها مخالفة المؤسسة الدينية لكل أشكال التقدّم والتجديد. وبعد ظهور الفكر الماركسي والحركة اليسارية في إيران بدأت هذه المواجهة تأخذ أبعاداً أوسع، الأمر الذي زاد من الشعور بالحاجة إلى ضرورة الإجابة، والوقوف بوجه هذه التيارات الإلحادية التي بدأت هجومها بغطاء من المدنية والترقي. في خضمّ هذه الأجواء ظهرت على الساحة الإيرانية جماعة من الشباب المسلم الجامعي حاملةً فكرة تقديم تفسير للإسلام منسجم مع الحضارة الجديدة، ويمكنه منافسة المدارس المادية المتنوّعة. وفي ظلّ هذه الأجواء، ومن رحم مثل هذا الجيل، ولد التنوير الديني، وأنتج حزمة من الأفكار والتفسيرات الجديدة للدين.
وفي ما يتعلق بالأرضية التاريخية للعلاقة بين الدين والتجديد في إيران يمكن للمصادر التالية أن تلقي بضوء كاشف على هذه المرحلة الفكرية:
1ـ نخستين روياروئي هاي أنديشه گران إيران با رؤيه تمدّن بورجوازي غرب (باكورة مواجهات المفكرين الإيرانيين للنهج الحضاري البرجوازي في الغرب)، لعبد الهادي الحائري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1372هـ ش.
2ـ چالش سنت ومدرنيته در إيران أز مشروطه تا 1320 (تحديات التقليد والحداثة في إيران من الحركة الدستورية وحتى عام 1320)، لمحمد سالار كسرائي، طهران، نشر مركز، 1379هـ ش.
3ـ دين وروشنفكران مشروطه (الدين والمستنيرين في عصر الحركة الدستورية)، لغلام رضا كودرزي، طهران، نشر أختران، 1383هـ ش.
4ـ روشنفكران إيران در عصر مشروطيت (المستنيرون الإيرانيون في عصر الحركة الدستورية)، للطف الله آجوداني، طهران، نشر أختران، 1386هـ ش.
5ـ تجدد آمرانه، جامعه ودولت در عصر رضا شاه (عودة الدكتاتورية، المجتمع والدولة في عصر رضا شاه)، لتورج أتابكي، ترجمة: مهدي حقيقت خواه، طهران، انتشارات ققنوس، 1385هـ ش.
كما أنّ الكتب التالية تعد جزءاً من الظروف الثقافية لإيران في عصر ظهور التجديد الغربي في هذا البلد، وإنْ كان يبدو لنا عدم كفاية المصادر المتوفرة باللغة الفارسية في تحليل تلك المرحلة الثقافية بشكل دقيق، ولذلك فنحن بحاجة إلى تحقيقات أكثر حداثة ومطالعة وثائق أكثر أصالة:
1ـ إيران ومدرنيته (إيران والعصر الصناعي)، لرامين جهان لو بكلو (محاور)، طهران، انتشارات گفتار، 1379هـ ش.
2ـ چالش هاي عصر مدرن در إيران عهد قاجار (تحديات العصر الحديث في إيران إبان العهد القاجاري)، لمحمد علي أكبري، طهران، انتشارات روزنامه إيران، 1384.
وفي هذا السياق؛ وبغية التحليل النقدي لأسلوب مواجهة المتجددين للديانة في مستهلّ هذه المرحلة التاريخية، يمكن الرجوع للكتاب التالي:
ـ تجدّد ودين زدائي در فرهنگ وهنر منوّر الفكري أز أغاز تا عصر قاجار (التجديد ومحو الدين في الثقافة والفن التنويري، منذ البداية وحتى العصر القاجاري)، لمحمد مدد پور، طهران، نشر سالكان، 1373هـ ش.
إنّ التجديد الإسلامي في الدول العربية والإسلامية يعود إلى جذور تاريخية أكثر عراقة. وقد أثَّر في الغالب على فكر التنوير الديني في إيران. وللتعرّف على هذه الخلفية التاريخية يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ پيشكامان مسلمان تجدد گرائي در عصر جديد (طلائع التجديد من المسلمين في العصر الحديث)، لأحمد أمين، ترجمة: حسن يوسفي إشكوري، طهران، انتشارات علمي وفرهنگي، 1367هـ ش.
2ـ أنديشه سياسي در إسلام معاصر (الفكر السياسي في الإسلام المعاصر)، لحميد عنايت، طهران، انتشارات الخوارزمي، 1382هـ ش.
3ـ أنديشه إصلاحي در نهضت هاي إسلامي (الفكر الإصلاحي في الحركات الإسلامية)، لمحمد جواد صاحبي، بي جا، الطبعة الثالثة، 1376هـ ش.
4ـ مدرنيته وعصر مشروطيت/ مجموعه مقالات (الحداثة وعصر الحركة الدستورية، مجموعة مقالات)، قم، انتشارات مؤسسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني، 1384هـ ش.
وفي الكتب التي ذكرت أخيراً لم يتمّ الفصل بين التجديد والمدنيّة وفقاً لمصطلحنا. ومن الصعب جداً القيام بهذا التصنيف للمرحلة الأولى من حركة الوعي الإسلامي، فهي بحاجة إلى تحديد معايير أدق وأبحاث أوسع، ولكن مع ذلك ليس من المستحيل التعرف على بعض المصاديق البارزة لكل من هذين التيارين في تلك الأعوام الأولى. ويمكن لكتابَيْ (حميد عنايت) اللذين مرّ ذكرهما أن يلقيا بضوئهما على هذه المرحلة. كما لا يمكننا أن نغفل مؤلَّفات عبد الهادي الحائري في هذا المجال.
ومضافاً إلى كتاب (باكورة مواجهات المفكرين الإيرانيين) الذي تقدّم ذكره يرجع إلى الكتاب التالي أيضاً:
ـ تشيّع ومشروطيت (التشيّع والحركة الدستورية)، لعبد الهادي الحائري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1362هـ ش.
إذا تجاوزنا الخلفية التاريخية للتنوير بشكل عام فهناك الكثير من الكلام حول تاريخ تأسيس تيار التنوير الديني (أو التجديد الإسلامي) في إيران، ومَنْ هي الجماعات الأولى من المجددين المسلمين في إيران؟ ولم تقلِّل أية واحدة من هذه التحقيقات من دور وأهمية (حركة المؤمنين الاشتراكيين)، ومؤسّسها (محمد نخشب)، في دعم وتنظيم هذا التيار في عقد الثلاثينات والأربعينات. فقد سعت هذه الجماعة إلى تفسير الإسلام في ضوء المبادئ الاشتراكية، وسعوا إلى إقامة حكومة اشتراكية في إيران، من خلال تأسيس (حزب الأمة الإيرانية). وكان الكثير من المتنورين أعضاءً في هذه الجماعة؛ أو كانوا على علاقة بها من الناحية الفكرية. ويبدو أنّ تأسيس (اشتراكية دينية) من النوع الشيعي قد حصل أوّل مرّة في هذه الحلقة، ثمّ ترك تأثيراته على سائر الجماعات الإسلامية. وللتعرّف على هذه الجماعة راجع المؤلَّفات التالية:
1ـ خدا پرستان سوسياليست نخستين تشكل سياسي مذهبي پس أز شهريور 1320، سوسيال دموكراسي ديني (المؤمنون الاشتراكيون أوّل كيان سياسي ديني بعد شهريور 1320، الاشتراكية الديمقراطية الدينية)، لمرتضى كاظميان، طهران، انتشارات كوير، 1383هـ ش.
2ـ التيارات والمنظمات الدينية ـ السياسية في إيران (1320 ـ 1357)، لرسول جعفريان، الطبعة السادسة، بي جا، 1385هـ ش.
وأمّا تكوين وانتشار التجديد الديني ومراكزه الناشطة فيمكن تعقبه من خلال الكتب التالية، التي هي منحازة في غالبها:
1ـ تأملي در مدرنيته، بحثي در باره گفتمان هاي روشنفكري وسياست مدرنيزاسيون در إيران (إطلالة على التجديد، بحث حول حوارات التنوير والسياسة والحداثة في إيران)، لعلي مير سپاسي، ترجمة: جليل توكليان، طهران، انتشارات طرح نو، 1384هـ ش.
إنّ أهمية هذا الكتاب تعود إلى بيان مفهوم التجديد في الغرب، وعلاقته بالتنوير الديني وأحداث الثورة الإسلامية.
2ـ روشنفكران إيران وغرب (المتنورون في إيران والغرب)، لمهرزاد بروجردي، ترجمة: جمشيد شيرازي، طهران، انتشارات فرزان روز، 1384هـ ش.
وتعود أهمية هذا الكتاب إلى شموليته واستيعابه للتنوير الديني والعلماني من جهة، ورؤيته النظرية للموضوع من جهة أخرى.
3ـ باز سازي أنديشه ديني در إيران (إحياء الفكر الديني في إيران)، لفردين قريشي، طهران، انتشارات قصيده سرا، 1384هـ ش.
ويعدّ هذا الكتاب واحداً من التحقيقات القيّمة؛ بسبب اهتمامه بالأبعاد النظرية، وكذلك بسبب الحوارات العالمية التي تسود المتنوّرين المسلمين.
كما أنّ قراءة الكتب التالية نافعة لتكميل المؤلَّفات المتقدّمة:
1ـ روشنفكران ديني ومدرنيته در إيران پس أز انقلاب (التنوير الديني والحداثوية في إيران ما بعد الثورة)، لمسعود بدرام، طهران، نشر كام نو، 1382هـ ش.
2ـ إسلام دموكراسي ونوگرائي ديني در إيران أز بازرگان تا سروش (الإسلام، الديمقراطية، والتجديد الديني في إيران، من بازرگان إلى سروش)، لفروغ جهان بخش، ترجمة: جليل پروين، طهران، نشر كام نو، 1383هـ ش.
وفي المقابل فإنّ الكتب التالية قد تعرّضت لتاريخ التنوير بالتحليل والنقد، ومن بينها: التنوير الديني في هذه المرحلة:
1ـ روشنفكري وسياست، بررسي تحولات روشنفكري در إيران معاصر (التنوير والسياسة، دراسة منعطفات التنوير المعاصر في إيران)، لجهان دار أميري، طهران، انتشارات مركز إسناد انقلاب إسلامي، 1383هـ ش.
2ـ روشنفكري ديني وانقلاب إسلامي (التنوير الديني والثورة الإسلامية)، لفرهاد شيخ قرشي، طهران، انتشارات مركز إسناد انقلاب إسلامي، 1383هـ ش.
وقد قارن الكتابان التاليان بين معرفة تيار هذا الاتجاه وبين الاتجاهات الأخرى بعد الثورة الإسلامية:
1ـ جريان شناسي فرهنگي بعد أز انقلاب إسلامي إيران 1375 ـ 1380 (معرفة التيارات الثقافية بعد الثورة الإسلامية في إيران 1375 ـ 1380)، بإشراف: السيد مصطفى مير سليم، طهران، نشر مركز بازشناسي إيران وإسلام، 1384هـ ش.
2ـ تحوّلات سياسي اجتماعي بعد أز انقلاب إسلامي إيران، ج1 (التطوّرات السياسية والاجتماعية بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، ج1)، طهران، انتشارات عروج، 1384هـ ش.
وأما في ما يتعلق بالتعرف على المفاهيم السائدة في حوارات التجديد من وجهة نظر المتنورين وبعض الناقدين، وعلى الخصوص مفردات من قبيل: الحداثة، والتقليد، والتجديد، فيمكن الرجوع إلى الكتابين التاليين:
1ـ مدرنيته، روشنفكري، وديانت (الحداثة، التنوير، والتدين)، لمجيد ظهيري، مشهد، انتشارات دانشگاه علوم إسلامي رضوي، 1381هـ ش.
2ـ سنت، مدرنيته، وبست مدرن (التقليد، الحداثة، وما بعد الحداثة)، لأكبر كنجي (محاور)، طهران، انتشارات صراط، 1375هـ ش.
إنّ الحوارات المدوّنة في الكتب التالية مناسبة إلى حدّ ما لبيان الإشكالات الأساسية بشأن التنوير في الأعوام الأخيرة. إنّ من النقاط الملفتة طوال العقدين الأخيرين الانسجام الحاصل بين التنوير الديني والتنوير العلماني في مجال انتقاء المسائل والمشاكل، وحتى التشابه في نوع الإجابات والمقترحات البديلة. وهذا ما يمكن الشعور به على الخصوص من خلال قراءة الكتاب التالي:
ـ إيران در جستجوي مدرنيته (إيران تبحث عن الحداثة)، لرامين جهان بكلو، طهران، نشر مركز، 1384هـ ش.
وإذا تجاوزنا الكتب التحليلية والعامة فإنّ أفضل المصادر للاطلاع على آراء التجديد الإسلامي في ما يتعلق بالنسبة بين الدين والمجتمع هو الرجوع إلى مؤلفات الشخصيات الأساسية، وتحليل محتوى تلك المؤلفات. ولحسن الحظ فقد تمت إعادة طباعة أكثرها في السنوات الأخيرة.
مهدي بازرگان ــــــ
ومن بين المستنيرين الدينيين قبل الثورة الإسلامية يشار في العادة إلى شخصيتين تنتميان إلى نزعتين في التجديد الإسلامي، وهما: المهندس مهدي بازرگان، والدكتور علي شريعتي. فقد تزعّم الأوّل مشروع (التجديد العلمي) داخل الحوار الديني، بينما عمد الثاني إلى نشر (التجديد الاجتماعي). وقد بادرت هاتان الشخصيتان إلى التأكيد على رابطة الدين والسياسة في إيران المعاصرة، وأرادا للإسلام حضوراً فاعلاً في مسرح تلبية حاجات الإنسان والمجتمع الحديث. وإن كان بازرگان متأثراً في رؤيته الاجتماعية بالأفكار الأوروبية في عصر التنوير، بينما كان علي شريعتي متأثراً في نهجه الفكري بالنزعة الاشتراكية، حيث سادت هاتان الإيديولوجيتان المحافل العلمية والجامعية، ولكن على الرغم من ذلك لا ينبغي التقليل من شأن تأثير هذين العلمين في ما يتعلق بأسلمة ثقاقة جيل الشباب وأدبياته في تلك المرحلة الزمنية.
ينبغي تصنيف مهدي بازرگان في عداد المواصلين لمسيرة إحياء الفكر الديني، من أمثال: جمال الدين الأسدآبادي، ومحمد عبده، إلى المودودي، وإقبال اللاهوري، وغيرهم في القرون الأخيرة، ممَّن تصوروا أنّ بإمكانهم ـ من خلال الاستناد إلى المصادر الأصيلة، وخاصّة القرآن الكريم ـ تجديد قراءة الفكر الديني، وتنزيه الثقافة المسلمين من الانحرافات. فقد سعى من خلال كتاباته ومقالاته إلى إثبات تناغم الدين مع العلم التجريبي، وكذلك إظهار الجانب الاجتماعي والحضاري للإسلام. إلا أنّ الذي يدعو إلى وضع بازرگان في إطار تيار التجديد الديني اتخاذ المباني والقيم الحديثة، والسعي إلى مواءمتها مع الدين، بدلاً من الاستناد إلى الفكر القرآني والإسلامي، وبيان حلٍّ مستقلٍّ لمعضلات المجتمع المعاصر قائمٍ على الأسس الدينية.
وقد عمد مهدي بازرگان بعد الثورة، وفي أواخر حياته المفعمة بالمنعطفات، إلى إبداء بعض الآراء التي رأى فيها الكثيرون تغييراً لآرائه السابقة، بينما وجدها آخرون تطوراً طبيعياً لتلك الآراء([2]). وبناء على إطارنا التحليلي في هذه المقالة فإننا نرى أنّ ما صدر عن مهدي بازرگان في السنوات الأخيرة، مثل: كتاب (الله والآخرة، الهدف من بعث الأنبياء)، لا يعدو أن يكون تطوّراً طبيعياً لأفكاره السابقة في إطار النزعة التجديدية، مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلاف الظروف في تينك المرحلتين. وللوقوف على أفكار بازرگان في ما يتعلق بباب (العلاقة بين الدين والمجتمع) تراجع رسالاته ومقالاته في أعماله الكاملة في المجلدات التالية:
1ـ راه طي شده، مجموعه آثار، ج1 (نهاية الطريق، الأعمال الكاملة، ج1)، طهران، انتشارات قلم، 1377هـ ش.
2ـ بعثت، مجموعه آثار، ج2 (البعثة، الأعمال الكاملة، ج2)، طهران، انتشارات قلم، 1377هـ ش.
3ـ مباحث علمي، اجتماعي، إسلامي، مجموعه آثار، ج8 (البحوث العلمية والاجتماعية والإسلامية، الأعمال الكاملة، ج8)، انتشارات قلم، 1378هـ ش.
وأما في ما يتعلق بآرائه بعد الثورة الإسلامية فيمكن الرجوع إلى الكتابين التاليين:
1ـ انقلاب در دو حركت (الثورة في حركتين)، لمهدي بازرگان، بي جا، 1363هـ ش.
2ـ خدا وآخرت، هدف بعثت أنبياء (الله والآخرة، الهدف من بعث الأنبياء)، لمهدي بازركان، طهران، انتشارات رسا، 1377هـ ش.
ولفهم ظروفه الفكرية والاجتماعية يمكن الرجوع إلى الكتاب التالي:
ـ زندگينامه سياسي مهندس مهدي بازرگان (السيرة السياسية للمهندس مهدي بازرگان)، لسعيد زرّين، طهران، نشر مركز، 1374هـ ش.
وأما في ما نحن فيه فلا يخلو الكتاب التحليلي التالية من فائدة:
ـ در تكابوي آزادي (الكفاح من أجل الحرية)، لحسن يوسفي إشكوري، طهران، انتشار قلم، 1376هـ ش.
علي شريعتي ــــــ
وأما علي شريعتي فكان في خصوص التنظير في ما يتعلق بالنسبة بين الدين والمجتمع أكثر سعياً وانسجاماً من مهدي بازرگان. واستحق بذلك لقب المفكر الاجتماعي. كان علي شريعتي في شبابه عضواً في حركة (نهضة عباد الله الاشتراكيين) ـ فرع مشهد، وكان يطالع كتابات مهدي بازرگان، ويبدي إعجابه بها، وإن لم يكن عضواً رسمياً في نهضة الحرية واللجان السياسية التابعة لبازرگان. فقد أخذ بداياته الدينية والاعتقادية من والده السيد محمد تقي شريعتي، ومركز نشر الحقائق الدينية. وأثناء فترته الدراسية في فرنسا ـ التي استمرّت حتى عام 1343هـ ش ـ تعرّف على المذاهب الفلسفية والاجتماعية السائدة في الغرب، وخاصة الاشتراكية والوجودية، بشكل أعمق وأدق. وقد تعاون مع حركات التحرر في أمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا، (وخاصة الثورة الجزائرية)، حيث كانت ناشطة في فرنسا آنذاك. وفي مناخ العقدين الرابع والخامس، حيث كانت الجماعات اليسارية ناشطة في إيران، وهي ترفع لواء الماركسية، وكان الشباب المسلم محروماً من إيديولوجية إسلامية صالحة للمواجهة الفاعلة مع تلك الظروف السياسية الخاصة، بادر علي شريعتي إلى رسم تفسير جديد للمفاهيم الإسلامية، ملبياً هذه الحاجة من خلال تسليط ضوء كاشف على تاريخ النضال والمقاومة الشيعية طوال التاريخ. ومن هنا حصل على شعبية واسعة بين جمهور الشباب. كان علي شريعتي يسعى منذ البداية إلى إحداث تغيير اجتماعي قائم على تحريك الأسس الثقافية والإيديولوجية، ولكن مع ارتفاع وتيرة الكفاح المسلح للمنظمات اليسارية والإسلامية في أواخر العقد الرابع وبدايات العقد الخامس انتقلت العدوى إلى جهوده أيضاً، فاتخذت منحىً ثورياً وراديكالياً.
إنّ اختلاف علي شريعتي عن مهدي بازرگان يعود إلى اختلاف الظروف السياسية في إيران، وتصاعد النزاع بين الإسلاميين والنظام البهلوي، وكذلك اتساع رقعة الحركة اليسارية. كما يعود ذلك الاختلاف من جهة أخرى إلى اختلاف الظروف الثقافية بين جيل شريعتي، ومن ذلك ظهور التساؤلات الاجتماعية في مقابل الدين، خلافاً لجيل بازرگان الذي كانت التساؤلات عنده تدور حول التعارض بين الدين والعلم. وطبعاً لا يمكن تجاهل اختلاف التخصُّص الجامعي لهذين العلمين في هذا السياق. ومن بين مقالات علي شريعتي التي جمعت في أعماله الكاملة، البالغة حوالي أربعين مجلداً، يمكن في هذا الإطار الرجوع إلى العناوين التالية:
1ـ جهان بيني وإيديولوجي، مجموعه آثار، ج23 (العقيدة والإيديولوجية، الأعمال الكاملة، ج23)، طهران، انتشارات إلهام.
2ـ بازگشت، مجموعه آثار، ج4 (العودة، الأعمال الكاملة، ج4)، طهران، انتشارات إلهام.
3ـ شيعه، مجموعه آثار، ج7 (الشيعة، الأعمال الكاملة، ج7)، طهران، انتشارات إلهام.
4ـ چه بايد كرد؟، مجموعه آثار، ج20 (ماذا نفعل؟ الأعمال الكاملة، ج20)، طهران، انتشارات إلهام.
ويژگي هاي قرون جديد، مجموعه آثار، ج31 (خصائص القرون الحديثة، الأعمال الكاملة، ج31)، طهران، انتشارات إلهام.
بازگشت هويت إيراني ـ إسلامي، مجموعه آثار، ج27 (عودة إلى الهوية الإيرانية الإسلامية، الأعمال الكاملة، ج27)، طهران، انتشارات إلهام.
وينبغي القول: إنه طبقاً لمعايير النزعة المدنية، التي أشرنا إليها في المقال المتقدّم، فإنّ علي شريعتي يتمتع إلى حدّ كبير ببعض خصائص هذا الاتجاه، وهذا ما يُميّزه عن غيره من المتنورين الدينيين. ومن هنا فقد ذهبت جماعة من المحققين الغربيين إلى اعتبار شريعتي إلى جانب الإمام الخميني من قادة (الراديكالية الإسلامية) في إيران. وعليه فقد اتهمه بعض المفكِّرين الدينيين مؤخَّراً باعتناقه رؤية عقائدية. ولكن لو تعمقنا ودققنا في مجموع أفكار علي شريعتي فسوف نضعه في معسكر دعاة التجديد الديني.
ومهما كان فلا تزال أفكار شريعتي لم تأخذ حقها من التحليل والنقد الحيادي في إطار تاريخي منظَّم. ومن هنا نجد إفراطاً وتفريطاً في الأحكام الصادرة له وعليه. وللاطلاع على آراء الآخرين بشأن شريعتي يمكن الرجوع إلى الكتاب التالي، وإن لم يستوفِ جميع آراء المخالفين التقليديين والناقدين للعلمانية:
ـ دكتر علي شريعتي أز ديدگاه شخصيّت ها (الدكتور علي شريعتي في عيون الرجال)، لجعفر سعيدي (بجوم)، طهران، انتشارات سايه، 1380هـ ش.
ـ ومن بين الكتب المطبوعة حتى الآن في بيان آرائه يبدو الكتاب التالي نافعاً ومفيداً:
ــ مجموعه مقالات همايش بازشناسي أنديشه هاي دكتر علي شريعتي (مجموعة مقالات مؤتمر التعريف بأفكار الدكتور علي شريعتي)، ثلاثة مجلدات، مشهد، انتشارات جامعة فردوسي، 1380هـ ش.
التيارات السياسية للتجديد الديني، نهضة الحرية ومجاهدي خلق و.. ــــــ
تكونت داخل تيار التجديد الديني مختلف الفئات السياسية، ومن أهمها: (نهضة الحرية في إيران)، و(منظمة مجاهدي خلق). وقد تكونت نهضة الحرية في بداية العقد الرابع داخل الجبهة الوطنية في إيران، رافعةً شعار الوطنية الإسلامية والنضال السياسي في إطار القانون الأساسي في إيران، وبقيت وفية لهذا الشعار حتى النهاية. وقد تأسست هذه الحركة التي لعبت أكثر أدوارها في العقد الرابع وسط المناخ الديني في الجامعات الإيرانية، على يد شخصيات من قبيل: مهدي بازرگان، ويد الله سحابي، والسيد محمود الطالقاني، وإنّ السيد الطالقاني، وإن كان يبدي اقتراباً من تيار التجديد الديني من الناحية الفكرية والسلوكية، إلا أنّ أسسه المعرفية وتوجّهاته الدينية كانت أقرب إلى المتحضِّرين. وقد صرّح بازرگان فيما بعد بأنّ السيد الطالقاني لم يكن من المؤسِّسين لنهضة الحرية، وإنما دُعي إليها ليكون عضواً عادياً فيها؛ لتحصل النهضة على سمعة طيبة. ومهما كان فبعد اعتقال الكادر المؤسِّس لنهضة الحرية عام 1342هـ ش توقف نشاط هذه الحركة عملياً، إلا أنّ أفكارها بقيت مؤثرة بعد ذلك لسنوات طويلة.
وفي عام 1355هـ ش استعادت نهضة الحرية نشاطها، مستفيدةً من المناخ السياسي المفتوح، وأثرت في إعداد الفضاء الجامعي للثورة. وبعد تصدر كادر النهضة للمسؤوليات السياسية في الحكومة المؤقَّتة بعد الثورة، واستقالتهم المبكِّرة في أعقاب اقتحام السفارة الأمريكية من قبل الجامعيين السائرين على خطى الإمام، رمت بنفسها في أتون التحديات السياسية، فلم تتقدّم في أبعادها النظرية كثيراً. وبغض النظر عن بعض البيانات والمؤتمرات ربما كان أهم نشاط نظري قامت به هذه الحركة بعد الثورة هو إصدارها لصحيفة (إيران الغد)، برئاسة عزت الله سحابي. ورغم أنها لم تكن اللسان الرسمي الناطق باسم الحركة، إلا أنها في الغالب كانت تعكس توجّهات هذه الحركة.
وأما منظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي كان أبناؤها الأوائل ـ وخاصة محمد حنيف نجاد ـ من جيل الشباب في نهضة الحرية، وكانت أفكارهم بادئ الأمر مستوحاة من مؤلفات مهدي بازرگان، وخاصة كتابه (نهاية الطريق)، إلا أنها أخذت فيما بعد تجنح في الغالب إلى الماركسية، فهي تعد من النماذج الملفتة للانتباه في ما يتعلق بتيار التجديد الديني. إنّ ارتفاع وتيرة الكبت السياسي وضرورة مكافحة النظام الشاهنشاهي بشكل جاد، وتصاعد نمو الجماعات الثورية اليسارية في إيران من جهة، وانعدام التنظيم والتنظير للنضال في أوساط القوى الإسلامية من جهة أخرى، أدى بعدد من الشباب المؤمن والمتحمّس إلى التفكير في تأسيس مجاميع ثورية إسلامية([3]). وحيث كانت هذه المنظمة تؤمن بالكفاح المسلح فإنها كانت تنتقد كلّ نشاط ثقافي وإيديولوجي لا يؤدي مباشرة إلى القيام بالأعمال الثورية. ولذلك فإنهم لم ينفصلوا عن أفكار مهدي بازرگان فحسب، بل كانوا يمانعون من حضور أفرادهم وتواجدهم في حسينية إرشاد لسماع خطب علي شريعتي. وطبعاً أدرك قادة هذه المنظمة بعد الاعتقال أنّ أكثر الأعضاء قد انتسبوا إلى المنظمة متأثرين بأفكار شريعتي. وفي المقابل كان شريعتي في بداية الأمر يخالف الكفاح المسلَّح، وكان يؤكد على ضرورة النشاط الإيديولوجي؛ بغية إعداد المجتمع ثقافياً لتقبل تغيير سياسي جذري، ولكن في بدايات العقد الخامس، ومع تصاعد نضال المجاهدين، وجد نفسه مضطراً لقيادة وتوجيه هذه الحركة([4]).
كان القادة الأوائل في المنظمة يرجعون إلى السيد محمود الطالقاني؛ بوصفه مرجعاً، للحصول على أجوبة استفتاءاتهم الشرعية، والوثوق بفهمهم للقرآن ونهج البلاغة. ولم يبخل السيد الطالقاني في المقابل بحمايتهم ودعمهم وتشجيعهم([5]). ويبدو أنّ حنيف نجاد في بداية الأمر قد راجع بعض المفكرين من علماء الدين المحسوب على التيار الحضاري، مثل: السيد محمد حسيني بهشتي؛ بغية رسم إيديولوجية التنظيم، إلا أنه لم يحصل على إجابة جاهزة([6]).
إلا أنّ افتقار التنظيم إلى أسس دينية نظرية أدى منذ البداية بهذا التنظيم إلى أحضان الإيديولوجية الماركسية([7]). وبعد مقتل القادة الرئيسيين لهذا التنظيم عام 1354هـ ش عمد الكادر فيه إلى تغيير إيديولوجيته، وتحول رسمياً إلى منظمة ماركسية. ويمكن؛ للوقوف على سيرة هذا التيار، والتعرف على مصادر في هذا المجال، الرجوع إلى الكتاب التالي:
ــ جريان ها وسازمان هاي مذهبي ـ سياسي در إيران (التيارات والمنظمات الدينية ـ السياسية في إيران)، لرسول جعفريان، الطبعة السادسة، بي جا، 1385هـ ش.
وقد نشر الكتاب المذكور نفسه مؤخَّراً تحت عنوان (الإعلان عن المواقف الإيديولوجية)، مع ذكر بعض الشروح والتوضيحات. ولكن يبدو أنّ أكثر الكتب شمولية في هذا الخصوص، والذي يقدم وثائق وشروح تحليلية مناسبة في ما يتعلق بتأسيس وتطورات هذه المنظمة على المستوى الفكري، هو الكتاب التالي:
ـ سازمان مجاهدين خلق، پيدائي تا فرجام (منظمة مجاهدي خلق، التأسيس والمصير)، مؤسسة مطالعات وپژوهشهاي سياسي، مجلدان، 1384هـ ش.
إنّ الكتاب التالي يمثِّل مذكرات حسين أحمدي روحاني، وهو من المؤسسين الأوائل للمنظمة، وهو كاتب كراس المعرفة، وقد أصبح شيوعياً عام 1354هـ ش. وبعد الثورة عمد بمساعدة آخرين إلى تأسيس (منظمة الكفاح من أجل تحرير الطبقة العاملة). وإن الكتاب التالي هو واحدٌ من التقارير المهمة للتطوّرات التي حدثت داخل هذه المنظمة:
ـ سازمان مجاهدين خلق (منظمة مجاهدي خلق)، لحسين أحمدي روحاني، طهران، انتشارات مركز وثائق الثورة الإسلامية، 1384هـ ش.
وبعد أن تحررت فلول منظمة مجاهدي خلق من السجون في مستهل انتصار الثورة بادرت بزعامة مسعود رجوي إلى إقامة مجموعات تحت عنوان (حركة المجاهدين الوطنية)، وأصدرت نشرة (المجاهد)، وسلسلة أخرى من النشرات الواسعة. وإن من أهم إصداراتهم الإيديولوجية سلسلة (بيان العالم). وإن المصير المشؤوم والأسود لهذه المنظمة لا يخفى حالياً على أحد، ولكن لا تزال جذورها الفكرية، وأسباب ظهورها وسقوطها اجتماعياً، يستحق التحقيق والبحث من زاوية التعرف على هذه التيارات.
وهناك مجموعة أصغر من أعضاء المنظمة بمحورية لطف الله ميثمي عمدت بعد الثورة إلى تأسيس (نهضة المجاهدين)، وكانت من جملة إنتاجاتها الفكرية نشرة (سبيل المجاهد)، وفي الأعوام الأخيرة شهرية (أفق إيران). ومن خصائص هذه الجماعة نقد حركة مجاهدي خلق، وإعادة النظر فيها منذ البداية، والسعي إلى إصلاح الفكر الاجتماعي والثوري الإسلامي.
وهنا يجب التذكير بجماعة (حركة المسلم المجاهد) أيضاً. فقد قامت هذه الحركة بعد الثورة على يد (حبيب الله بيمان)، وقد تحولت من خلال نشرها لأسبوعية (الأمة) إلى واحدة من أهم المراكز الفكرية لـ (الإسلام اليساري). وقد كان حبيب الله بيمان قبل انتصار الثورة عضواً في جماعة (عباد الله الاشتراكيين)، ومن المقربين من علي شريعتي، الذي كان يشرح الرؤى الاشتراكية الإسلامية في مجال الاقتصاد والتاريخ. وقد سعى هو وعلي شريعتي في عامي 1355 و1356هـ ش إلى تدوين (إيديولوجية الإسلام الثوري)، ولكن بعد مغادرة شريعتي إلى أوروبا، واغتياله فيما بعد، فإنّ هذا المشروع لم يكتب له النجاح([8]). وقد ألف كتباً ومقالات عديدة في مجال الفكر الاجتماعي في الإسلام.
وأما حركة (المسلم المجاهد) فلم تدم طويلاً، وأعلنت انحلالها بالتزامن مع الأزمات السياسية عام 1360هـ ش. وبعد ذلك أخذ بيمان ونزرٌ يسيرٌ من أعضاء هذه الحركة يمارسون نشاطهم السياسي والإيديولوجي بصورة غير رسمية. وللوقوف على شيء من مواقف وأسباب انحلال حركة المسلم المجاهد يمكن الرجوع إلى العدد الأخير من نشرة (الأمة)، المؤرخ في العشرين من شهر مهر عام 1360هـ ش. ويمكن مطالعة تاريخ ومواقف هذه الجماعة في كتاب «الأحزاب والتيارات السياسية»، لعباس شادلو، طهران، نشر گسترده، 1379هـ ش.
وبعد انتصار الثورة انفتح فضاء جديد أمام التنوير الديني (التجديد الإسلامي). ولا شك في أنّ الأفكار الثورية التي صدع بها علي شريعتي كان لها دور كبير في تأجيج لهيب الثورة. وكان لأعمال شخصيات من قبيل: مهدي بازرگان، وجلال آل أحمد، وحبيب الله بيمان، ويد الله سحابي، تأثير على النخب. ولكن على الرغم من ذلك فإنّ الحضور الناشط لعلماء الدين في الساحة السياسية، وتحول الصراع السياسي إلى حالة جماهيرية، قد أدى إلى تراجع دور المتنورين الدينيين، وعدم حصولهم على موقع في الساحة الثقافية والاجتماعية لسنوات طويلة بعد انتصار الثورة. وقد ظهر التنوير الديني بعد الثورة من خلال تأسيس الجماعات اليسارية، مثل: منظمة مجاهدي خلق، وحركة المسلم المجاهد، وكذلك صعود الشخصية السياسية لأبي الحسن بني صدر، إلا أنّ غلبة المناخ السياسي على هذه التيارات سرعان ما أدى إلى أفول أفكارها الاجتماعية. وبعد عام 1360هـ ش لم يبقَ أي أثر لهذه الجماعات تقريباً، واختفى مشروع التنوير الديني لقرابة عقد كامل من الزمن. وبعد انتهاء الحرب المفروضة، وبدء مرحلة البناء والإعمار، أخذ المناخ الفكري بالانفتاح، الأمر الذي سمح لتيار التجديد الإسلامي في إيران بالعودة إلى ساحة التفكير الاجتماعي ثانية. وقد تمّ إحياء التجديد الإسلامي أواخر العقد السادس من جديد من خلال جهود عبد الكريم سروش وغيره.
سروش وشبستري وحركة التجديد ما بعد الثورة ــــــ
وكما ذكرنا فمن بين شخصيات التجديد الإسلامي بعد الثورة الإسلامية كان لعبد الكريم سروش ظهور أكثر من غيره، ويأتي بعده في الدرجة الثانية محمد مجتهد شبستري. وكذلك يمكن تصنيف مصطفى ملكيان في هذه المجموعة، وإنْ كانت ندرة مؤلفاته في ما يتعلق بنسبة الدين والمجتمع تجعلنا نشكك في هذا الحكم، مضافاً إلى رفض ملكيان لمفهوم التنوير الديني وعمله الخاص من الأساس.
إنّ من بين أعمال سروش الكثيرة، والتي هي في غالبها تنقيح لخطبه، يمكننا تصنيف الموارد الآتية ـ بعد شيء من التسامح ـ في خانة الفكر الاجتماعي:
1ـ راز داني وروشنفكري ودينداري (كشف الأسرار والتنوير والتدين)، طهران، انتشارات صراط، 1370هـ ش.
2ـ قبض وبسط تئوريك شريعت (القبض والبسط النظري في الشريعة)، طهران، انتشارات صراط، الطبعة الثالثة، 1373هـ ش.
3ـ فربه تر أز إيديولوجي (أرقى من الإيديولوجية)، طهران، انتشارات صراط، 1372هـ ش.
مدارا ومديريت (المداراة والإدارة)، طهران، انتشارات صراط، 1376هـ ش.
صراط هاي مستقيم (السبل المستقيمة)، طهران، انتشارات صراط، 1377هـ ش.
وأما بالنسبة لمحمد مجتهد شبستري فيمكن لمَنْ يريد التعرُّف على أفكاره الاجتماعية الرجوع إلى مؤلفاته التالية:
1ـ نقدي بر قرائت رسمي أز دين (نقد القراءة التقليدية للدين)، طهران، انتشارات طرح نو، 1379هـ ش.
2ـ هرمونوتيك كتاب وسنت (هرمونوطيقا الكتاب والسنة)، طهران، انتشارات طرح نو، 1375هـ ش.
3ـ تأملاتي در قرائت إنساني أز دين (تأملات في القراءة الإنسانية للدين)، طهران، انتشارات طرح نو، 1383هـ ش.
ومن الجدير بالذكر أنّ شبستري، ومن خلال إصداره إحدى أوائل نشرات النظرية الدينية بعد الثورة، تحت عنوان (التفكير الإسلامي)، التي صدر عددها الأول في شهر مرداد من عام 1358هـ ش، قد حاز قصب السبق في مواصلة مشروع التنوير الديني بعد الثورة لنفسه. إلا أنّ هذه النشرة لم يكتب لها البقاء طويلاً، وهو نفسه لم يطرح نفسه بوصفه متنوراً دينياً إلا بعد طرح سروش لبحوثه وآرائه المثيرة للجدل في الدين.
إنّ سروش وشبستري، اللذين أخذا ينظران إلى الدين، لا من الزاوية العلمية والاجتماعية (وهو ما كان عليه الأمر بالنسبة إلى بازركان وشريعتي)، بل من الزاوية المعرفية والهرمونوطيقا، وبدلاً من النموذج الماركسي أو الوجودي (الذي كان سائداً بين الجيل المعاصر لشريعتي) كانا يفكران على أساس من الليبرالية الديمقراطية والفلسفات التحليلية والتفسيرية، قد أوجدا جيلاً جديداً من المتنورين الدينيين، وأدّيا إلى ظهور الكثير من الجهود الفكرية والسياسية في الأوساط الموافقة والمخالفة للتجديد على السواء.
وقد ظهر هذا التيار التجديدي الإسلامي في الأعوام التي أعقبت الحرب المفروضة ورحيل الإمام الخميني، وذلك بعد نشرها لبعض المقالات في صحيفة (كيهان فرهنگي) منذ عام 1367 وحتى عام 1369هـ ش. وقد كانت الكتابات الأولى تحكي عن بعض الإشكالات الجذرية والنظرية، وكانت تدعو إلى الأمل في أن يبادر المتنورون هذه المرّة إلى ملء الفراغ المعرفي والاعتقادي لديهم. وقد تحوّلت هذه الجماعة بعد تأسيس مجلة (كيان) إلى تيار قوي بين النُّخَب، حتى أخذ البعض يدعو أنصار هذه النظرية بـ (حلقة كيان). وطبعاً قبل هذا ينبغي أن نشير إلى اجتماع عدد من المؤلِّفين الشباب في (مركز التحقيقات الإستراتيجية)، التابع لرئاسة الجمهورية وإدارة محمد موسوي خوئينيها، الذي كان له دور مهم في تنسيق وتوحيد جهود هذا التيار، وتأسيس الدعائم الفكرية لهذه الحلقة. وفي تلك السنوات كان هذا المركز يُدار من قبل حسن روحاني، وهو من المؤيدين فكرياً لأكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان رئيساً للجمهورية في حينها. وبعد أن بادر مركز التحقيقات الإستراتيجية إلى تأسيس معاونية التفكير الإسلامي في مدينة قم بإدارة محسن كديور، قام بتوسيع نشاطه والوصول به إلى حوزة قم. ويمكن القول: إنّ نفس الجماعة التي تجمعت في مركز التحقيقات الإستراتيجية قد شكلت فيما بعد النواة الفكرية لحلقة كيان بمحورية عبد الكريم سروش. وفي السابق كانت أسبوعية (راه نو)، وشهرية (آفتاب)، ومنشوران آخران، هما: مدرسه، وآئين، من بين المنشورات النظرية التي تعكس آراء هذا التيار. كما أنّ انتشارات صراط، وطرح نو، ونشر ني، من بين أهم دور النشر التي كانت تنشر أفكار سروش وشبستري وأنصارهما. كما كانت دار نشر شركت سهامي انتشار، وقلم، ورسا، تنشر أفكار حركة الحرية وعلي شريعتي.
ومن بين الفئات التي ساهمت في بلورة فكر التجديد الديني بعد الثورة تجب الإشارة إلى (منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية). إنّ هذه المنظمة التي تكوّنت بعد انتصار الثورة من خلال ائتلاف سبع مجموعات ثورية صغيرة تكونت قبل الثورة([9]). وسرعان ما وجدت لنفسها موطئ قدم في الفراغ الموجود آنذاك بوصفها جماعة فكرية وسياسية. وكما سيأتي فإنّ هذه المنظمة في مرحلتها الأولى كانت تعدّ واحدة من أهم المراكز الفكرية ومجاميع المتحضرين، ولكن سرعان ما تحوّل الخلاف الاقتصادي إلى خلاف سياسي ونظري بين الأعضاء، وانسحب مخالفو ممثِّل الإمام (حسين راستي كاشاني) من المنظمة. وفي عام 1365هـ ش ألغي التنظيم، وتمّ حله بشكل كامل([10]). ولكن أعيد نشاط التنظيم في عام 1370هـ ش بجهود عدد من الكوادر الأصلية، التي كانت قد انسحبت، وكان لها ميول تنويرية. إنّ هذه الجماعة الجديدة بمحورية بهزاد نبوي الناشئة من تبني الأفكار العادلة، والتي بدأت عملها من خلال إصدارها صحيفة (عصرنا) منذ عام 1373هـ ش، أخذت تقدم تقريراً جديداً عن التجديد الإسلامي. وبالالتفات إلى ميول سروش وشبستري نحو الأفكار الليبرالية فإنّ ظهور هذه القوّة الجديدة التي تحمل أفكاراً يسارية كانت تفاقم في خلق أجواء النقد والحوار الجادّ داخل بيت التنوير الديني. إلا أن هذه المواجهة لم تدم طويلاً، فسرعان ما تحوّلت إلى التناغم فيما بينها بالتدريج، واقتربت آراء هذه الجماعة من اللغة المهيمنة للتنوير الديني، بزعامة سروش وشبستري، وأخذت هذه الجماعة بالضعف والأفول على الصعيد العملي. ولمطالعة تقرير عن مواقف هذه الجماعة انظر: الأحزاب والتيارات السياسية، لعباس شادلو، طهران، نشر گسترده، 1379هـ ش.
وراجعوا شرحاً مختصراً لظروف ظهور وتطور منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية في الكتاب التالي:
ـ تحولات سياسي اجتماعي بعد أز انقلاب إسلامي إيران (التطورات السياسية والاجتماعية بعد الثورة الإسلامية في إيران)، طهران، انتشارات عروج، 1384هـ ش.
ومن بين الجيل الجديد لتيار التنوير الديني بدأ الكثير منهم في السنوات الأخيرة بالكتابة في الصحف. وعليه يجب التعرف عليهم وتصنيفهم من خلال أعمالهم وكتاباتهم. وكانت أكثر أعمال ونشاطات المتنوّرين الدينيين طوال السنوات الأخيرة تتمحور في قالب المنشورات والصحف (وهي التي عرفت بالصحف المتسلسلة). وفي الوقت نفسه فقد كانت هناك على الدوام مؤسسات ومراكز عديدة لطرح وبيان آرائهم.
لقد تمحور نشاط تيار التجديد الإسلامي خلال الأعوام الأخيرة في الجامعات. كما وحظي هذا التيار بدعم بعض الطلاب في الحوزة العلمية خارج الإطار الرسمي والاتجاه السائد في الحوزة العلمية. وقد عمل على نشر أفكاره في هذا الاتجاه. وإنّ بعض هؤلاء المؤلِّفين الحوزويين كان له تعاون وثيق مع جامعة المفيد في مدينة قم المقدسة، رغم أنه لا يمكن تصنيف هذه الجامعة، التي تأسست برئاسة السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي (وهو من تلاميذ الإمام الخميني، والأصدقاء المقربين من السيد محمد حسيني بهشتي) ضمن هذا التيار بشكل كامل. وقد كان لهذه الجامعة، بالإضافة إلى الدورات التعليمية العالية في مجال العلوم الإنسانية والإسلامية، نجاحات في النشاطات البحثية. وكانت نشرة (نامه مفيد)، وانتشارات الأعمال العلمية والتخصصية في مجال العلوم الإنسانية، وإقامة سلسلة (مؤتمرات الإسلام وحقوق الإنسان)، من أهم النشاطات البحثية لجامعة المفيد.
وقد نجح تيار التجديد الديني في عقد السبعينات (الإيراني)، من خلال تقربه من مجمع العلماء المجاهدين (بمحورية مهدي كروبي) وحزب كوادر البناء (المقرّب من أكبر هاشمي رفسنجاني)، في التأسيس لدعوة الإصلاح والتنمية السياسية في البلاد، الأمر الذي أدّى فيما بعد إلى تطوّرات الثاني من خرداد عام 1376هـ ش ـ 1997م، أي اتنخاب السيد محمد خاتمي رئيساً للجمهورية، وما تلا ذلك من الحوادث. ولا شك في أنه في هذه المرحلة تعدّ حركة تأميم النفط من أكبر النجاحات التي حققها تيار التجديد الديني على الساحة السياسية في إيران. وعلى الرغم من بعض أوجه الشبه لا ينبغي التصوّر أنّ لهذا الائتلاف السياسي (جبهة الثاني من خرداد) جذوراً في الأسس الفكرية المشتركة بين جميع هذه التيارات بالضرورة.
وللتعرف على أفكار هذه التيارات يمكن الرجوع إلى كتب الأحزاب والتيارات السياسية التي تقدّم ذكرها.
إنّ تيار التنوير الديني الذي وظَّف أكثر طاقاته طوال عقد السبعينات في الساحة السياسية قد تأثر سلبياً، وفقد الكثير من رصيده؛ بتوقيف صحفه ومجلاته وإقفال مراكزه على يد السلطات القضائية والأمنية من جهة، وانفراط شمل ائتلافاتهم السياسية من جهة أخرى، والخسارة التي حاقت بهم في انتخابات رئاسة الجمهورية في الثالث من شهر تير عام 1384هـ ش في نهاية المطاف، الأمر الذي أدّى به في الآونة الأخيرة إلى أن يعيش تجربة النقاهة والعزلة السياسية.
وطبعاً لا ينبغي اعتبار هذه العزلة والسكوت الراهن نهايةً لتيار التجديد الإسلامي في المجتمع الإيراني. ويجب التنبه إلى وجود الأرضية المعرفية التنويرية، وخلأ العقلانية الشاملة التي تلبي التحديات الماثلة أمام التفكير الديني تجاه التيارات الاجتماعية المتقدّمة، ومع ذلك من المتوقع أن يعاود تيار التجديد الديني ظهوره بنموذج جديد على الساحة الثقافية في إيران. وهذا ما يمكننا مشاهدته وإحساسه منذ الآن. وطوال السنوات الأخيرة كانت الأزمات الاجتماعية والاخفاقات في إدارة نظام الجمهورية الإسلامية تشكل على الدوام أرضية خصبة لظهور ونشاط التنوير الديني.
ب – تيار المتشرّعة، الاتجاه المدرسي ــــــ
كان هذا التيار يُعدّ في بعض مقاطع التاريخ الفكري المعاصر بوصفه تفكيراً دينياً سائداً، كما أنه لا يزال يحتفظ بحضوره كتيار قوي في الحوزات العلمية وبين المتدينيين في إيران. ولا زال الغموض والإبهام يلفان الخطوط العريضة والمفردات الرئيسة المتعلقة بهذا التيار. ويعود هذا الغموض في السنوات الأخيرة إلى الأحكام السياسية الخاطئة الصادرة بحقّ هذا التيار أحياناً، وإلى الخلط بين هذا التيار الفكري وبعض ممارسات العامة التي قد تجد لها تشجيعاً من قبل بعض المعمَّمين والمتديّنيين. ومن باب المثال: نسمع أحياناً إطلاق كلمات من قبيل: المتحجّرين، والمتقدّسين، والمتزمِّتين، على بعض المتشرّعين. وهو، مضافاً إلى خطئه، بقوّة الحكم أيضاً. وعلى أيّة حال لا ينبغي الخلط بين الممارسات الخرافية عند بعض المتدينيين وبين ما نحن بصدد بحثه، والذي يدور حول الاتجاه المعرفي السائد بين الشخصيات العلمية الكبيرة. إن تيار المتشرعة في بعض مفاهيمه، والذي تقدم في القسم الأول من المقال، يفيد تفسيراً خاصاً لمساحة الدين، والنسبة بين الدين والمجتمع في عصر الغيبة، وخاصة في العصر الراهن. وطبعاً هناك من يطلق على هذا التيار مصطلح (الأخبارية)، والحال أنّ هذا التعبير، مضافاً إلى كونه أخذ يعد سبّة في الآونة الأخيرة، لا يعبّر عن هذا التيار؛ وذلك لأنّ الكثير من أصحاب هذه الآراء هم من أبرز العلماء الأصوليين الشيعة. أجل، ربما أمكن القول: إنّ التيار الأخباري يخلق أرضية مناسبة لنموّ مثل هذا الاتجاه.
ومن الجدير بالذكر أنه يتمّ التعبير عن هذا التيار حالياً في المحافل الأدبية العالمية بـ (الأصولية) (fundamentalism)، ويعرّفونه من خلال تيارات من قبيل: (الإسلام السياسي)، و(الراديكالية الإسلامية) الذي يطلق على التيار (الحضاري) الثالث. إنّ مصطلح (الأصولية) أطلق للمرّة الأولى على جماعة مسيحية تقليدية دعت إلى العودة إلى الآداب والتقاليد القديمة، ومن ثمّ أطلق هذا المصطلح على التيارات السلفية عند أهل السنة (من قبيل: الوهابية؛ والحركات السلفية)، وأخيراً أخذ يُطلق على تيار المتشرعة في الفكر الشيعي أيضاً ([11]).
من هنا ينبغي التأكيد على التمييز بين المتشرّعين الشيعة وبين الأصوليين من النصارى والسنة؛ إذ إنه، على الرغم من أوجه الشبه بينهما، هناك الكثير من أوجه الاختلاف والتمايز الأساسية بينهما. فبعد ظهور القاعدة والظاهرة الطالبانية واتضاح عمق الإيديولوجية السلفية عند أهل السنة يمكن التعرّف على الهوّة الكبيرة والسحيقة بين السلفية السنية وبين النزعة التقليدية عند الشيعة. وإننا؛ تجنباً لمحذور هذا النوع من الخلط، لجأنا إلى مفردة (المتشرّعة)؛ لنحفظ الخصائص التي تنفرّد بها هذه النزعة الفكرية في المجتمع الشيعي المعاصر. وربما أمكن استعمال مفردة (التديّن) كعنوان مشير إلى هذا التيار الفكري.
إنّ غياب الدراسات الدقيقة حول تيار المتشرعة، وكذلك عدم تدوين الكثير من أفكار المنتمين لهذا التيار، أدى إلى عدم توفر مصادر كثيرة للتعرف على هذا التيار بشكل كامل. إنّ المتشرّعين يُشيرون إلى أفكارهم الاجتماعية في الغالب ضمن إطار آرائهم الفقهية بشكل مقتضب، أو أنهم أظهروها ضمن مواقفهم وسلوكياتهم السياسية، وعلى كلتا الحالتين فإن استنباط الأفكار من خلال تلك الفتاوى والمواقف في غاية الصعوبة والتعقيد، الأمر الذي يقتضي الحذر والاحتياط في تكوين الآراء وإصدار الأحكام. ومن هنا فإننا نسعى في حدود المستطاع إلى العثور على رؤوس أقلام تساعدنا على التحقيق بشأن هذا التيار.
وكما ذكرنا فإنّ هذا التفكير، بوصفه نزعة أساسية، موجودٌ في الحوزات العلمية الشيعية منذ ما يقرب من قرنين من الزمن قبل (أي بعد انهيار الصفوية). وهذان قرنان اقترنا بالاضطرابات السياسية، وأفول حضارة المجتمع الإيراني، وتغلغل القوى الغربية والثقافات الأجنبية في إيران.
إنّ النزعة المتشرّعة، وإنْ ظهرت أحياناً كردّ فعل اجتماعي في قبال إخفاق المؤسسة الدينية على الساحة السياسية في إيران، ولكنها في الحقيقة ذات جذور عميقة في تفكير وتاريخ التشيّع، ويجب عدم تجاهل أسسها ومبانيها المعرفية.
شرحنا في بداية هذا المقال الخصائص في اتجاه المتشرعة. وإذا أردنا تطبيقها على ظروف المرحلة المعاصرة لتوصّلنا إلى الخصائص التالية: الخصائص التي تغطي طيفاً متنوّعاً من الأذواق والمشارب، ولكنها تحتوي على محاور مشتركة أيضاً. وعلى أية حال فإن هذا التوجّه قد ظهر طوال القرنين المنصرمين على الساحة الفكرية والعمل الاجتماعي من خلال الخصائص التالية: التأكيد على الجوانب الفقهية؛ وقلة الاهتمام بالفلسفة الاجتماعية والسياسية للإسلام؛ ومنح الأولوية لصيانة الكيان المذهبي والمجتمع الشيعي بالقياس إلى مسألة الوحدة الإسلامية ومصلحة الشعوب المسلمة؛ وتقديم النشاط التربوي والثقافي على المواجهة السياسية ضدّ الحكومات؛ وارتفاع منسوب التوجّس من النفوذ المذهبي للأجانب وانحراف المجتمع عن الموازين الدينية والشرعية مقارنة بأضرار الاستبداد الداخلي وتبعية الحكومات السياسية والاقتصادية للدول الأجنبية؛ وعدم التدخل الفاعل في الشؤون الإدارية والسياسية في المجتمع؛ والاعتقاد بخطأ أو العجز عن إقامة حكومة دينية في عصر الغيبة؛ والاهتمام الجاد بالبدع والإعلام الاعتقادي السيّئ؛ وضعف الاهتمام بالانحطاط الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع؛ والاعتقاد بالفقه الفردي وضرورة العمل بالتكاليف الإلهية في حدود السلوكيات الشخصية؛ وعدم الحاجة في تطبيق الدين والشريعة إلى تأسيس منظمات اجتماعية ومدنية جديدة وما إلى ذلك.
وطبعاً كما ذكرنا في معرض الحديث عن أسس النزعة المتشرّعة فإنّ هذا التيار يُظهر نفسه في طيفٍ من الآراء. إنّ هذه الخصائص غالباً ما تظهر على شخصيات ترفض في الأساس قيام حكومة دينية في عصر الغيبة، وتذهب إلى فصل الدين عن السياسة؛ أو تظهر أحياناً في أشخاص يقبلون أصل قيام الحكومة الدينية، ولكنهم لا يذهبون في تعريف الحكومة الدينية إلى أكثر من تطبيق الأحكام الدينية البسيطة على يد الفقهاء. وقد ذكرنا في القسم الأول من هذا المقال أنّ الرؤية الأخيرة تندرج في النهاية ضمن الرؤية الغالبة على تيار المتشرّعة، وتندرج معها في إطار واحد.
وكما هو واضح فإنّ تيار المتشرّعة يتمتع بأسسه وأدلته الخاصّة، وقد أقام أفكاره وسلوكياته أبداً على النصوص الدينية، والسيرة العملية لأولياء الدين، وكذلك على مصالح الدين والأمّة. وهو يعمل على تبريرها من خلال الالتفات إليها. ويبدو أنّه يجب البحث عن جذور هذا التوجّه في القرون المنصرمة في أسس المعرفة الدينية والماضي السياسي. ومن وجهة نظر هذه الجماعة فإنّ إمامة الشيعة ـ التي تتكفل بقيادة الدين والدنيا في مختلف المجالات ـ لا يمكنها أن تبقى بعد غيبة إمام العصر# بنفس السعة؛ وذلك لأنّ الخلافة السياسية بجميع شؤونها إنما تتحقق في ظلّ دولة المعصوم× وزمن حضوره وظهوره. ومن وجهة نظر هذه الجماعة فإنّ الولاية الاجتماعية للدين في عصر الغيبة تقتصر على الموارد الضرورية التي لا يرضى الشارع بتعطيلها (الأمور الحسبية). ومن جهة أخرى فإنّ بعض هؤلاء الكبار من العلماء ضمن تلويحهم بإخفاق كفاح الشيعة عبر التاريخ، وعدم مساهمة أهل البيت^ في هذه الحركات الكفاحية بعد ثورة الإمام الحسين×، يشيرون إلى روايات تصرّح بفشل كل حركة أو ثورة قبل قيام دولة قائم آل محمد‘([12]).
وأما من ناحية البعد السياسي فيجب الالتفات إلى أنّ تاريخ تأسيس الدولة الشيعية في إيران بشكل رسمي يعود إلى العصر الصفوي، وهي دولة تدين في وجودها ـ بعد مرحلة طويلة من الضغوط والحرمان المفروض ضد الشيعة ـ إلى التنسيق المشترك بين ملوك الصفويين وعلماء الشيعة. إنّ هذه المرحلة الطويلة نسبياً من (الحكم المزدوج بين الملوك والفقهاء) في العصر الصفوي أخذت بالتدريج منحىً إيديولوجياً غير رسمي، تضطلع فيه السلطة بحفظ شوكة المسلمين سياسياً، وبإدارة شؤون المجتمع، وأما المؤسسة الدينية فتقوم بإضفاء الشرعية على السلطة الحاكمة، بتسيير أمور المجتمع الدينية في حدود الاستطاعة وبسط اليد([13]).
وطوال القرنين الأخيرين، حتى عندما لم يتمّ التصريح بتأييد هذه الرؤية من قبل علماء المتشرّعة من الزاوية الفقهية، تم تطبيقها بوصفها الخيار الوحيد في ظلّ الظروف السياسية والثقافية المضطربة. وللاطلاع على الخلفية التاريخية يمكن الرجوع إلى الكتب التالية:
1ـ ساختار نهاد وأنديشه ديني در إيران صفوي (بنية المؤسسة والتفكير الديني في إيران في العهد الصفوي)، منصور صفت گل، طهران، انتشارات رسال، 1381هـ ش.
2ـ نخستين روياروئي هاي أنديشه گران إيراني (باكورة المواجهات بين المفكرين الإيرانيين)، لعبد الهادي الحائري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1372هـ ش.
3ـ كاوش هاي تازه در باب روزكار صفوي (دراسات جديدة حول التاريخ الصفوي)، لرسول جعفريان، طهران، نشر أديان، 1384هـ ش.
4ـ دين ودولت در إيران (الدين والدولة في إيران)، لحامد الغار، ترجمة: أبو القاسم سري، طهران، نشر توس، 1369هـ ش.
ومضافاً إلى العاملين المتقدّمين، أي المعرفة الدينية؛ والماضي السياسي، في تحليل تيار المتشرعة في الحقبة الإيرانية المعاصرة لابدّ من الالتفات إلى عامل آخر، وهو وجود المنافسة الشديدة بين الحكومات الإيرانية (بوصفها الدولة الشيعية الوحيدة) وبين القوى المنافسة الأخرى، أي الدولة العثمانية وبعدها الحكومتان الروسية والإنگليزية. إنّ هذه المنافسة، والخوف الشديد من تضعيف القوة الشيعية في المنطقة، كانا من الأسباب التي دعت علماء الشيعة إلى التعاطي بحذر، وفي بعض الأحيان إلى الدعم للحكومات الفاسدة في الغالب والمستبدة في إيران المعاصرة.
الجيل المتقدم للاتجاه المدرسي ــــــ
وعند التعرّض لعلاقة العلماء المتشرّعين من الشيعة مع الحكومات الإيرانية المعاصرة يتمّ ذكر شخصيتين مهمّتين، وهما: الميرزا القمي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء. إنّ التحقيق في شخصية هذين العلمين، وتحليل أفكارهما ومواقفهما في قبال شخصيّات من قبيل: الملا أحمد النراقي، والسيد محمد المجاهد، من الذين كانت لهم نشاطات فاعلة في سياسات عصرهم توفر لنا أرضية خصبة للتحقيق في تيار المتشرعة والتحضر في المرحلة مورد بحثنا. ومن الطبيعي أنّ هذا التفريق بين الشخصيات المذكورة بحاجة إلى تحقيق أكثر. وللاطلاع على آرائهم في ولاية الفقيه، وحدود تدخل الفقه في المجتمع، يمكن الرجوع إلى الكتاب التالي:
ــ حكومت إسلامي در أنديشه فقيهان شيعه، ج2 (الحكومة الإسلامية عند فقهاء الشيعة، ج2)، لمحمد كاظم رحمن ستايش وآخرون، طهران، نشر مركز تحقيقات إستراتجيك، 1383هـ ش.
وكنموذج لتيار المتشرعة بين المرجعية الشيعية في المرحلة المعاصرة يمكننا الإشارة إلى الشيخ مرتضى الأنصاري. إنّ حياة وعصر هذا الفقيه، الذي لُقِّب بحق أكبر فقهاء الشيعة في العصر الحاضر، لا تزال بحاجة إلى تحقيق أكثر. إن مواقفه ورؤيته في باب ولاية الفقيه، التي يحصرها في الأمور الحسبية([14])، ومواقفه في خصوص المسائل الاجتماعية والسياسية في عصره، وطريقة تعامله مع حكومة ناصر الدين شاه، وعدم تدخله في حادثة احتلال الجنوب الإيراني على يد الإنگليز، وحتى امتناعه عن مواجهة تيار البابية والبهائية، على الرغم من مرجعيته القوية والمطلقة والاستثنائية وعيشه في برهة زمنية خطيرة وحساسة للغاية، هي من الأمور التي يجب دراستها في هذا الإطار. وفي هذا الصدد لا ينبغي تجاهل إخفاق التجربة التي خاضتها المؤسسة الدينية، بقيادة أستاذيه: السيد محمد المجاهد؛ والملا مهدي النراقي، في قضية الحرب بين إيران وروسيا. كما ينبغي التذكير بأنّ الميرزا حسن الشيرازي، الذي عُرِف بزعيم ثورة التنباك، كان من بين تلاميذ الشيخ الأنصاري البارزين. وفي الكتاب التالي؛ بالاستناد إلى تتلمذ الميرزا الشيرازي على الشيخ الأنصاري وأدلة من هذا القبيل، ظهرت جهود حثيثة تحاول عرض صورة سياسية كاملة عنه. ومن هنا بدأ يُنظر إلى جميع علماء الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ بوصفهم من القاعدين الأبطال:
ـ تراز سياست (معيار السياسة)، لعلي أبو الحسني، المؤتمر العالمي للشيخ الأنصاري، 1373هـ ش.
كما يتعرض الكتاب التالي إلى الظروف الاجتماعية لعصر الشيخ الأنصاري، ويعالج المواقف التي صدرت عنه:
ـــ زندگي نامه أستاد الفقهاء شيخ أنصاري (سيرة أستاذ الفقهاء الشيخ الأنصاري)، لضياء الدين سبط الشيخ، المؤتمر العالمي للشيخ الأنصاري، 1373هـ ش.
إنّ التحليلات المذكورة في مجموعها لا تخلو من الأحكام السياسية المسبقة لبيان انسجام شخصية الشيخ الأنصاري مع الأفكار الاجتماعية السائدة في المجتمع الإيراني المعاصر.
حركة المشروطة ــــــ
ومهما كان يبدو أنّ أول ظهور لتيار المتشرّعة كان في حادث الحركة الدستورية، والذي يُعبر عنه بالمشروطة، ومواجهة المجموعة التي طالبت بالمشروعة في قبال مجموعة أخرى من علماء الشيعة الذين طالبوا بالمشروطة في كل من النجف وطهران. إن تفكير المشروطة اقترن بشخصيتين مهمّتين في هذه المرحلة، وهما: الشيخ فضل الله النوري (في طهران)، والسيد محمد كاظم اليزدي (في النجف). وللتعرف على التيارات الفكرية والسياسية في هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى المصادر الآتية:
1ـ تشيّع ومشروطيت در إيران (التشيّع والمشروطة في إيران)، لعبد الهادي الحائري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1364هـ ش.
2ـ چالش مذهب ومدرنيسم وسير أنديشه سياسي مذهبي در إيران (تحديات الدين والتقدم ومسار الفكر السياسي الديني في إيران)، لمسعود كوهستاني نجاد، طهران، نشر ني، 1381هـ ش.
أما في ما يتعلق بالشيخ فضل الله النوري فهناك الكثير من الاختلاف في الآراء؛ فهناك من يرى أنّ اختلافه مع علماء المشروطة ناتج عن الاختلاف في المباني الفكرية؛ وهناك من يذهب إلى العكس، ويرى أنّ هذا الاختلاف يكمن في تحديد المصاديق والظروف العينية للمشروطة. وللتعرف على الرؤية الأولى، مضافاً إلى ما تقدّم، يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ مباني نظري حكومت مشروطه ومشروعه (الأسس النظرية لحكومة المشروطة والمشروعة)، لحسين آباديان، طهران، نشر ني، 1374هـ ش.
2ـ رسايل مشروطيت (رسائل المشروطة)، بجهود: غلام حسين زركر نجاد، طهران، انتشارات كوير، 1374هـ ش.
3ـ رهيافتي بر مباني مكتب ها وجنبش هاي سياسي شيعه در صد ساله أخير (مدخل إلى أسس المذاهب والحركات السياسية الشيعية في القرن الأخير)، لمظفر نامدار، طهران، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، 1376هـ ش.
وفي المقابل يمكن التعرف على رؤية الجماعة الثانية في المصادر التالية:
1ـ پايداري تا پايدار (الثبات والثابت)، لعلي أبو الحسني، مؤسسه تحقيقاتي وانتشاراتي نور، 1368هـ ش.
2ـ شيخ فضل الله نوري در روياروئي دو أنديشه (الشيخ فضل الله النوري في مواجهة فكرين)، لمهدي الأنصاري، طهران، انتشارات أمير كبير، 1369هـ ش.
3ـ تاريخ تحوّلات سياسي إيران (تاريخ التطورات السياسية في إيران)، لموسى النجفي وموسى فقيه حقاني، طهران، مؤسسة مطالعات تاريخ معاصر إيران، 1381هـ ش.
4ـ مشروطه، فقيهان، واجتهاد شيعه، مجموعة مقالات (المشروطة والفقهاء واجتهاد الشيعة، مجموعة مقالات)، قم، انتشارات مؤسسة آموزشي وپژوهشي إمام خميني، 1383هـ ش.
وحتى إذا لم نؤمن باختلاف الشيخ فضل الله النوري المبنائي مع أنصار المشروطة، فإنه في ما يتعلق بغيره من أنصار المشروعة، أو العلماء الذي اختاروا السكوت تجاه المشروطة، لا يصحّ هذا الحكم([15]). كما أنّ المقالة الطويلة التي نشرت في الأعداد من 134 إلى 137 من مجلة الحوزة (حوزه)، تحت عنوان (أهم التحديات الفقهية لعلماء عصر المشروطة)، تعكس جانباً من الاختلافات بين تيار المتشرعة والمتحضرين.
وأما في ما يتعلق بالسيد كاظم الطباطبائي فإنه ـ مضافاً لما تقدّم ـ يمكن الرجوع إلى مقالة (آية الله السيد كاظم الطباطبائي اليزدي والمشروطة) والمصادر التي يذكرها (والموجودة في كتاب المشروطة والفقهاء واجتهاد الشيعة، المذكور سابقاً). وفي هذا الإطار هناك وثيقة غير منشورة، وهي تحتوي على رسالة بعثها السيد اليزدي إلى الحاج حسين القمي قبل ثلاث سنوات من التوقيع على وثيقة المشروطة عام (1321هـ)، ويبيِّن فيها قلقه من الأوضاع الجارية في البلاد([16]).
الشيخ عبد الكريم الحائري والتأثير الجديد ــــــ
وفي متابعة تيار المتشرعة نصل إلى شخصية مهمة أخرى لها تأثيرها على الساحة الإيرانية المعاصرة، ونعني بذلك الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي. وقد ظهر بوصفه مؤسِّس الحوزة العلمية في قم المقدسة عام 1340هـ ، فاكتسب شهرة واسعة، وبرز في الفكر الفقهي وبرنامجه العملي في طول حياته بوصفه مرجعاً متشرِّعاً. وقد توصّل في دراسته حول ولاية الفقيه إلى عدم تمتُّع الفقهاء في عصر الغيبة بالولاية السياسية والاجتماعية، ولا يمكن إعطاء مثل هذا المنصب للمرجعية الشيعية. وقد بين سماحته رأيه حول ولاية الفقيه في كتابه التالي، ولكن عمد الناشر إلى حذف الفقرة التي يذكر فيها رأيه بصراحة:
ــ كتاب البيع (تقريرات: درس الشيخ عبد الكريم الحائري)، ج2، قم، انتشارات مؤسسه در راه حق، 1415هـ.
وفي الكتاب التالي، الذي ألَّفه مقرِّر الكتاب السابق، وذكر الرأي الصريح للأستاذ:
ـ المكاسب المحرمة، لمحمد علي الأراكي، قم، انتشارات مؤسسه در راه حق، 1413هـ.
وللاطلاع أكثر في هذا الخصوص راجع العدد الخاص لمجلة الحوزة (حوزه) (العدد: 125 و126)، حول الشيخ عبد الكريم الحائري، وخاصة: مقابلة السيد علي محقق داماد.
وقد واصل الشيخ الحائري سياسته هذه في مواقفه السياسية. حيث عاد إلى إيران عام 1318هـ، بعد سنوات من حضوره درس الشيخ فضل الله النوري، والسيد محمد الفشاركي، والآخوند الخراساني. وبعد ارتفاع وتيرة أحداث حركة المشروطة في إيران ترك مسقط رأسه ودراسته (أراك) عام 1324هـ قاصداً النجف الأشرف، فوجدها هي الأخرى متأثرة بأجواء وأصداء المشروطة أيضاً، فتركها متوجّهاً إلى مدينة كربلاء وأقام هناك. وبعد عودته إلى إيران للمرّة الثانية، وتأسيس الحوزة العلمية في قم عام 1340هـ ، لم يُجارِ أية واحدة من الحركات السياسية بقيادة العلماء في إيران، بل ونهى عنها في بعض المناسبات، وردع عنها بشدّة، أو أنه اتبع سياسة المصالحة بين العلماء وحكومة رضا خان. ويمكننا في هذا السياق الإشارة إلى مواجهة الشيخ محمد تقي بافقي لأسرة رضا خان في الحرم المطهر للسيدة فاطمة المعصومة، وهجرة علماء البلاد؛ تعبيراً عن اعتراضهم على قانون التجنيد الإجباري، وخاصة حركة علماء إصفهان بقيادة الآغا نور الله الإصفهاني، وكفاح السيد حسن المدرّس ضدّ رضا خان، ونفيه إثر ذلك، وحادثة نزع الحجاب وما إلى ذلك. ففي هذه المدة انصبّت جهود الشيخ الحائري على تعزيز وحفظ الحوزة ونشر ثقافة التشيّع. وللوقوف على الظروف التاريخية وشخصية الشيخ عبد الكريم الحائري يمكنكم الرجوع إلى المصادر التالية:
1ـ مؤسِّس حوزه (مؤسس الحوزة، مجموعة مقالات)، قم، مؤسسة بوستان كتاب، 1383هـ ش.
2ـ تاريخ شفاهي انقلاب إسلامي (التاريخ الشفهي للثورة الإسلامية)، في جزأين، لغلام رضا كرباستشي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1380هـ ش.
أما الكتاب التالي الذي كتب عن الشيخ عبد الكريم الحائري فإنه يرجع مواقفه السياسية إلى طبيعته الحذرة، ويقدم تحليلاً سيكيولوجياً عن حقيقة الأمر:
ـ حاج شيخ عبد الكريم حائري (الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسِّس الحوزة العلمية بقم)، لعماد الدين فياضي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1378هـ ش.
وفي الكتاب التالي عمد المؤلف من خلال تعريف (السياسة) بمعناها العام، الذي يعني (إدارة الأمور العامة وشؤون الناس)، إلى تفسير جميع مواقفه الاجتماعية والحوزوية تفسيراً سياسياً:
ــ بررسي عملكرد سياسي آية الله حاج شيخ عبد الكريم حائري (تحليل المواقف السياسة لآية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري)، لفرزانه نيكو برس، شركت چاپ ونشر بين الملل، 1381هـ ش.
وقد سار أبناء الشيخ عبد الكريم الحائري على نهجه. فقد كان الشيخ مرتضى الحائري من الفقهاء البارزين في الحوزة قبل وبعد الثورة الإسلامية، وكان من أوائل الشخصيات التي دعاها الإمام الخميني عام 1342هـ ش للنضال ضد نظام الشاه (وإنّ عقد الاجتماعات الأسبوعية بين الإمام وعدد من العلماء والإعلان الذي ضمّ تسع شخصيات أشهر من الأمور المعروفة)، إلا أنه فضَّل الاهتمام بالتدريس وتربية العلماء وإعدادهم روحياً، وهو من هذه الناحية يُعدّ شخصية كبيرة التأثير. وفي الأعوام التي تلت انتصار الثورة كان في رؤيته الناقدة لسلوك المسؤولين في الجمهورية الإسلامية موافقاً لرؤية المتشرّعة أيضاً([17]). كما قام ابنه الآخر، وهو الشيخ مهدي الحائري، باتخاذ نفس المواقف، حيث كتب في آخر عمره كتاب (الحكمة والحكومة)، ونظر فيه لفصل الدين عن الدولة من الناحية الفلسفية([18]).
امتدادات التيار المدرسي ــــــ
وعلى الرغم من انتشار نشاط التيار الفكري المنافس، والمتمثِّل في التيار المتحضِّر، في فترة زعامة ومرجعية السيد محمد حسين البروجردي، ولكن تيار المتشرّعة ظلّ هو التيار السائد في الحوزة العلمية في مدينة قم، إلى حين ظهور حركة الخامس عشر من خرداد من عام 1342هـ ش.
ولدراسة تيار المتشرّعة طوال العقدين الرابع والخامس يجب قبل كلّ شيء الرجوع إلى آراء بعض مراجع التقليد الكبار، وتأثيرها في الأوساط الدينية في تلك الفترة. ومن بين هؤلاء يمكن الإشارة إلى مرجعين كان لهما التأثير الأكبر من بين مراجع التقليد في الفترة الأخيرة، وهما: السيد أحمد الخوانساري (في إيران)، والسيد أبو القاسم الخوئي (في النجف). فقد قدّما، بالإضافة إلى المباني الفقهية، نماذج متكاملة نسبياً عن رؤية المتشرعة في السلوكية السياسية والاجتماعية، وتركا تأثيراً ملحوظاً على الثقافة الدينية للمجتمع الإيراني.
درس السيد أحمد الخوانساري في النجف على يد الآخوند الخراساني، والسيد كاظم الطباطبائي اليزدي، ثمّ عاد بعد ذلك إلى إيران، ودرس في أراك وقم على يد الشيخ عبد الكريم الحائري، ودرس في الوقت نفسه الفلسفة في قم على يد الميرزا علي أكبر اليزدي. وقد توجه عام 1330هـ ش إلى طهران بطلب من السيد محمد حسين البروجردي، ولم يقم بأي تحرك سياسي طوال عقد من الزمن. وفي العقد الرابع أصدر في ما يتعلق بحادث (منظمات الولايات والولاءات) بياناً دون التعرّض لهذا الحادث، ودعا فيه الناس إلى مسجده؛ للمشاركة في مجلس عزاء بمناسبة استشهاد السيدة فاطمة الزهراء÷، والاستماع إلى موضوع مذهبي هام. وقد انتقد الإمام الخميني هذا التعاطي الحذر في التعامل مع نظام الشاه في رسالة بعثها إلى محمد تقي فلسفي([19]).
وبعد عام واكب السيد الخوانساري المراجع الكبار في قم، من قبيل: السيد محمد رضا الگلبايكاني، والسيد كاظم شريعتمداري، والسيد شهاب الدين المرعشي النجفي، في تحريم التصويت على مشروع الثورة البيضاء، والاعتراض على سجن الإمام الخميني. وبعد ذلك لم يواكب السيد أحمد الخوانساري الحركة السياسية للمؤسسة الدينية، والتزم بنهجه السابق في تعليم الشريعة والمرجعية الدينية والمعنوية للمجتمع، وتكفَّل بنهج الوساطة في المسائل السياسية للبلاد، وحل مشاكل الساسة، ونصح نظام الشاه برعاية الحدود والأحكام الشرعية. ويمكن الاطلاع على جانب من المعلومات والوثائق المرتبطة بالسيرة الشخصية والاجتماعية للسيد الخوانساري في الكتاب التالي:
ــ آية الله سيد أحمد خوانساري به روايت أسناد (آية الله السيد أحمد الخوانساري في وثائق)، لعبد الله متولي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1383هـ ش.
لا شكّ في أن السيد أبا القاسم الخوئي؛ لما يتمتع به من شهرة علمية واسعة في مجال الفقاهة وتخريج الكثير من العلماء الكبار واتساع رقعة مرجعيته العامة، قد ترك تأثيراً كبيراً على الساحة الدينية. ومضافاً إلى ذلك فقد تمكن من عرض مفهوم المرجعية التقليدية بلغة معاصرة من خلال توسيع النشاطات الثقافية ونشر التشيع في سائر البلدان، مستفيداً في ذلك من أحدث الإمكانات واللغات بما يتناسب والظروف الجديدة، فأعطاها روحاً جديدة. وعلى الرغم من الجهود العظيمة التي بذلها في هذه الجهات، وتقديم الكثير من الإنجازات الثقافية والخدمات الاجتماعية الكبيرة، إلا أنه لم يتدخل في السياسة والإدارة الاجتماعية. وقد كان هذا الموقف متناغماً مع مبناه الفقهي في ولاية الفقيه وحصرها بالفتوى والقضاء والأمور الحسبية([20])، وهو يحاكي بذلك مواقف الشيخ الأنصاري. إنّ إجراء مقارنة بين النهج الفكري والمواقف الاجتماعية للسيد أبي القاسم الخوئي والسيد محمد باقر الصدر، الذي كان معاصراً له، وتلميذه في الوقت نفسه، يمكنه أن يساعد على معرفة الفوارق بين تيار المتشرعة والتيار المتحضِّر. هناك من يذهب إلى تأثر السيد الخوئي في مواقفه بأستاذه الميرزا النائيني، حيث اختار اعتزال السياسة في أواخر حياته بعد إخفاق المشروطة. وبالمناسبة فقد ظهر مؤخراً تقرير، قيد الطبع في انتشارات بوستان كتاب قم، يتحدّث عن ظهور تغيير في الرؤية السياسية لأبي القاسم الخوئي يجعله قريباً من رؤية الإمام الخميني، ولكن يجب النظر فيه بشيء من التمعن والتدقيق.
وعلى الرغم من ضعف الحضور الفكري لتيار المتشرعة في أوساط الحوزة العلمية في إيران بعد انتصار الثورة، إلا أنّ هذا التيار احتفظ ببعض الأنصار من بين علماء الدين والطبقات المتدينة، وخاصّة بعد تواجد عدد من تلاميذ السيد أبي القاسم الخوئي في الحوزات الإيرانية، وبذلك واصل هذا التيار الفكري حضوره في الحوزات. وبعد انتصار الثورة الإسلامية قام بعض المتشرّعة، وفي فترات مختلفة، وبما يتناسب والمناخ السائد، بنقد رؤى المتحضرين وأداء الجمهورية الإسلامية. ويمكن الإشارة من بينها إلى المباحث المتعلِّقة بحدود خيارات ولاية الفقيه، ومصادرة الأموال والممتلكات، وتنفيذ إعدامات دون محاكمة، وقوانين منح الأراضي، وما إلى ذلك.
يجب دراسة الحوزات العلمية في سائر المحافظات الإيرانية الأخرى في ضوء تيار المتشرّعة أيضاً. ومن بين هذه الحوزات تحظى الحوزة العلمية في مشهد بمساحة أكبر. وفي قضية المشروطة تحوَّلت حوزة مشهد إلى واحد من أكبر مراكز الصراع والنزاع بين أنصار المشروطة والمشروعة. فإن أنصار المشروعة، ومن بينهم: السيد علي السيستاني (تلميذ الميرزا الشيرازي)، رفضوا حركة المشروطة من الناحية الفقهية، ووجدوها غير منسجمة مع الشريعة. فمن وجهة نظر السيستاني لم تكن هناك حاجة إلى التشاور في تطبيق الشريعة، وكان الاستناد إلى الأكثرية لتدوين الدستور، والإحصاء، والتسعيرات، والمساواة بين الرجل والمرأة، والمسلم والكافر، وتدوين الأنظمة الداخلية للوزارات، مخالفاً للشرع. وفي هذا الإطار راجع المصدر التالي:
ـ روحانيت ومشروطه (المؤسسة الدينية والمشروطة)، لعدد من المحررين في مجلة الحوزة (حوزه)، قم، مؤسسة بوستان كتاب، 1385هـ ش.
وبعد انقلاب رضا خان، وسعيه إلى إزالة المظاهر الدينية في إيران، تصاعدت وتيرة المعارضة ضده على يد عدد من كبار العلماء في حوزة مشهد، وخاصة بعد حادثة نزع الحجاب، حيث اتخذت هذه المعارضة أبعاداً أوسع. وكانت ريادة علمين من أعلام الحوزة في مشهد، وهما: الحاج حسين القمي، والميرزا محمد الكفائي (ابن الآخوند الخراساني) معروفة. وقد عمد رضا خان إلى نفي هاتين الشخصيتين، وإلقاء القبض على عدد كبير من العلماء، ثم انتهى به الأمر إلى ارتكاب الجريمة الدموية في مسجد (گوهر شاد)، وبذلك قضى عملياً على الحركة السياسية في مشهد، واستمر غياب النشاط السياسي إلى شهريور من عام 1320هـ ش. وللاطلاع على الأوضاع العامة في حوزات مشهد في تلك المرحلة وما بعدها راجع الكتاب التالي:
ـ گزارشي أز سابقه تاريخي وأوضاع كنوني حوزه علميه مشهد (تقرير عن السابقة التاريخية والأوضاع الراهنة في حوزة مشهد العلمية)، للسيد علي الخامنئي، المؤتمر العالمي للإمام الرضا×، 1365هـ ش.
وبعد شهريور من 1320هـ ش اصطف تياران في مواجهة بعضهما في مدينة مشهد. وفي هذا السياق أشار البعض إلى دور السيد حسن القمي، والسيد محمد هادي الميلاني، والشخصية الأخيرة ـ مضافاً إلى المرجعية الدينية ـ تتمتع بتأثير كبير على جيل الشباب في الحوزة والطبقات الثقافية في مشهد من جهة؛ ودور الميرزا أحمد الكفائي (الابن الآخر للآخوند محمد كاظم الخراساني)، الذي كان يقود تيار المتشرّعة في حوزة مشهد من جهة أخرى. وطبعاً فإنّ هذا التحليل والتبويب يستحق التأمل والتدقيق الأكبر.
مكانة المدرسة التفكيكية في الفكر الاجتماعي المعاصر ــــــ
يتسع الحديث هنا عن الميرزا مهدي الأصفهاني، الذي ترك التأثير العقائدي الأكبر في الحوزة العلمية في مشهد، فقد كان تلميذاً بارزاً عند الميرزا النائيني، وكان يؤمن بولاية الفقيه بمعناها الواسع([21])، إلا أنه مثل الكثير من العلماء في مشهد لم يسجل حضوراً على الساحة السياسية، ولم يترك أيَّ مؤلَّف مستقل في هذا الموضوع، لا نفياً ولا إثباتاً. وقد نقل عن بعض تلاميذه أنه في هذا المجال كان يتبنى نفس رأي الشيخ عبد الكريم الحائري، ويؤيد طريقته ونهجه. ونحن نعلم أنّ كلتا هاتين الشخصيتين قد درستا في حوزة النجف، وقد اقترنت هجرة الميرزا الأصفهاني إلى مشهد عام (1340هـ) بهجرة الشيخ الحائري من أراك إلى قم، وتأسيس الحوزة العلمية فيها. ويحتمل أنّ فضاء حوزة النجف بعد إخفاق المشروطة قد ترك تأثيراً متساوياً على ذهنية هاتين الشخصيتين.
وطبعاً فإن الكثير من التلاميذ البارزين للميرزا الأصفهاني قد كان لهم فيما بعد نشاط واسع على الساحة السياسية والاجتماعية. ويمكن الإشارة من بينهم إلى الشيخ هاشم القزويني، والشيخ مجتبى القزويني، والشيخ جواد الطهراني، والشيخ محمود الحلبي. وقد كان الأخير تولى قيادة الحركة السياسية في مشهد في قضية تأميم النفط. وإن دعم الشيخ مجتبى القزويني لنهضة الخامس عشر من خرداد معروفة([22]). وفي ما يتعلق بالشخصية السياسية والفكرية للشيخ هاشم القزويني، الذي يبدو أنه كان الفقيه الوحيد في حوزة مشهد الذي انتقد حكومة الشاه علناً؛ بسبب حادث استشهاد السيد نواب صفوي وأصحابه، فإن هناك الكثير من الذين تحدثوا عنه. وفي ما يتعلق بالميرزا جواد الطهراني فلا تزال الذاكرة تحتفظ بمواقفه الداعمة للثورة وجبهات القتال (من باب المثال: راجع: (المدرّس، التقي، والبصير)، سيرة الحاج الشيخ هاشم القزويني، انتشارات آستان قدس رضوي؛ وخطاب قائد الثورة في جمع من علماء مشهد، بتاريخ 26/2/1386هـ ش). وقد التحق الكثير من تلاميذ هذه المجموعة، من قبيل: محمد رضا الحكيمي، بالحركة السياسية للمؤسسة الدينية في مشهد، ومنهم من مال إلى تيار المتشرعة.
وبسبب الإخفاق السياسي الذي تعرّضت له المؤسسة الدينية في حركة تأميم النفط، وبعد ذلك في ما يتعلق بالخامس عشر من خرداد، آثر بعض الناشطين السياسيين في مشهد ـ كما هو الحال بالنسبة إلى المحافظات الإيرانية الأخرى ـ اعتزال السياسة بالتدريج، وجعلوا النشاط الثقافي على سلّم أولوياتهم. ومن هؤلاء الشخصيات: الشيخ محمود الحلبي، الذي تخلى عن نشاطه السياسي القوي في قضية تأميم النفط بعد اتضاح بدايات فشل المؤسسة الدينية في تحقيق أهدافها، فانتقل إلى طهران، حيث حبس اهتمامه على ترويج المذهب، ومواجهة العقائد الضالة لفرقة البهائية التي كانت ناشطة آنذاك. وقد قام بنشاط واسع من خلال تأسيس (جماعة الحجتية المهدوية)، وتعليم جماعة من الشباب المثقف، وتأسيس مراكز ناشطة وواسعة نسبياً في الترويج للثقافة المهدوية ومناهضة البهائية. وقد وضَّحت مؤسساته في أنظمتها الداخلية نفيها القاطع في أن يكون لأعضائها أيّ نشاط في المجالات السياسية([23])، الأمر الذي أدى إلى تعرّض هذا التيار ومؤسِّسه إلى نقد من قبل أنصار الإسلام الثوري، وإطلاق عنوان (الحجتية) فيما بعد على أي شخص يؤمن بـ (فصل الدين عن السياسة). وطبعاً إنّ أغلب ما كتب عن تيار الحجتية كان بأقلام منتقديها، وربما كان أولها وأكثرها تأثراً كتاب (شناخت حزب قاعدين زمان)، لمؤلِّفه عماد الدين باقي، وقد ألفه سنة 1362هـ ش، ومع ذلك فقد أشكل هذا المؤلِّف في الأعوام الأخيرة بشكل صريح على الكثير من آرائه السابقة. وأما آخر كتاب في هذا الموضوع فهو (جريان شناسي أنجمن حجتية)، لمؤلِّفه السيد ضياء الدين عليا نسب وآخرين، 1385هـ ش، وقد تمّ فيه نقد هذا التيار ضمن التعرض إلى آرائه ومواقفه مدعومة بالوثائق. وفي حدود علمنا لم تنشر كتابات مستقلة وتفصيلية عن أنصار هذا التيار في بيان وشرح نشاطاتهم، والتعريف بأفكارهم الاجتماعية ومواقفهم السياسية. وربما كان أول ردّ فعل من قبل المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد تيار الحجتية يعود إلى انتقادات الشيخ أحمد جنتي في خطب صلاة الجمعة في مدينة قم، والتي تم تغطيتها على نطاق واسع في (صحيفة جمهوري إسلامي، بتاريخ 10/8/1360هـ ش). وقد أجاب التيار المذكور عن تلك الإشكالات والانتقادات في (صحيفة كيهان واطلاعات، بتاريخ 14/8/1386هـ ش). وقد صرحوا رسمياً بعدم اختلافهم مع الثورة الإسلامية، مؤكِّدين إيمانهم بمبدأ ولاية الفقيه، ودعمهم للثورة الإسلامية والحرب المفروضة. وطبعاً فإن أبا القاسم الخزعلي، وهو صديق عريق للشيخ جنتي، ومن الوجوه الثورية المعروفة، ومن أنصار الإمام الخميني، ظل مدافعاً عن هذا التيار إلى آخر مراحل حياته، وسعى على الدوام إلى التقريب بين وجهات النظر بين تيار الحجتية وآراء المسؤولين في النظام([24]). ولا يخفى أنّ الخزعلي هو الشخصية التي تولت عام 1358هـ ش، باقتراح الشيخ مرتضى مطهري، تمثيل الإمام في هذا التيار. وفي عام 1360هـ ش رفض الإمام الخميني تمثيل الخزعلي له. واقترح المطهري على هذا التيار كتابة مقدمة على الدستور. وقد تعرضوا إلى بيان مقترحهم بالنسبة لولاية الفقيه في كتيب([25]). ويبدو أنهم أشاروا أيضاً إلى موضوع ولاية الفقيه في موضع آخر([26]). وقد نشر هذا الكتاب وثيقة مهمة تتعلق بلقاء جرى بين الحلبي والميلاني في حوادث الخامس عشر من خرداد عام 1342هـ ش.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية جعل تيار الحجتية مواجهة الشيوعية فكرياً على سلم أولوياته، ويبدو أنه قام في هذا الإطار ببعض النشاطات إلى حين إلغائه. وربما لهذا السبب كان حزب تودة الشيوعي يعمل في الخفاء على تشويه سمعة هذا التيار([27]). وفي نهاية المطاف، وبعد توجيه الإمام انتقاده غير المباشر لهذا التيار في خطاب عام سنة 1362هـ ش، أصدر هذا التيار بياناً أعلن فيه وقف أنشطته في كافة أنحاء البلاد([28]). لا شك في وجود الاختلاف في أوجه النظر والمواقف بين المؤسسين لهذا التيار ونمط الفكر الاجتماعي لدى المتحضرين، حيث إنهم لم يعتبروا سياسة معارضة النظام الشاهنشاهي من الأولويات، كما كانوا يرفضون قيام دولة إسلامية في عصر الغيبة. وفي المجموع يمكن مشاهدة خصائص المتشرّعين التي تقدّم ذكرها على تيار الحجتية أيضاً.
وبالالتفات إلى فقدان الرؤية الصريحة والسلوكية الاجتماعية الواضحة من قبل الميرزا مهدي الأصفهاني، واضطراب مواقف وتوجهات تلاميذه، لا يمكن تصنيفهم ضمن واحد من التيارات الفكرية الاجتماعية الدينية، على الرغم من أنها من أكثر التيارات تأثيراً على واقع التفكير الديني المعاصر في إيران([29])([30]).
الهوامش
___________________________
(*) مسؤول مركز الحضارة للتنمية الفكرية في بيروت، باحث مهتم بقضايا المرأة.
([1]) إنّ عنوان كتاب إقبال اللاهوري في الإنگليزية هو: (Reconstruction of Religious Thought in Islam)، وقد ترجمه أحمد آرام إلى اللغة الفارسية بـ (إحياي فكر ديني در إسلام) (إحياء الفكر الديني في الإسلام)، طهران، انتشارات رسالت قلم، 1346هـ ش. وطبعاً صدرت فيما بعد ترجمة أخرى لهذا الكتاب، وكان عنوانها أدق من عنوان ترجمة أحمد آرام (محمد إقبال، باز سازي أنديشه، ترجمة: محمد بقائي (ماكان)، 1368هـ ش، ماكان).
([2]) انظر: صحيفة كيان، العدد: 23.
([3]) انظر: من نهضة الحرية إلى منظمة المجاهدين، مذكرات لطف الله ميثمي.
([4]) انظر: شريعتي ثانية، محمد مهدي جعفري، انتشارات نگاه إمروز.
([5]) انظر: منظمة مجاهدي خلق من الداخل، مذكرات محمد مهدي جعفري، انتشارات نگاه إمروز.
([6]) انظر: من نهضة الحرية إلى منظمة المجاهدين، المصدر المتقدم.
([7]) من باب المثال: راجع كراسات (المعرفة والتكامل)، وهما من أوّل إصدارات المنظمة.
([8]) انظر: شريعتي ثانية، مذكرات محمد مهدي جعفري.
([9]) انظر: تاريخ المجاميع المكوّنة لمنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، من منشورات المنظمة، 1359هـ ش.
([10]) مذكرات مرتضى الويري، حوزه هنري، 1375هـ ش.
([11]) للتعرف على مصطلح (الأصولية) راجع مقال: سنت گرائي وبنياد گرائي (التقليدية والأصولية)، لكاتبها شهرام بازوكي، في كتابه: خرد جاويدان (العقل الخالد)، جامعة طهران، 1382هـ ش.
([12]) من باب المثال: راجع هذه الرواية في مقدمة الصحيفة السجادية. وبالنسبة إلى الروايات الاخرى، راجع: الكافي 8: 264.
([13]) للتعرف على الآراء الاجتماعية لعلماء الشيعة في هذه الحقبة التاريخية راجع: نجف لك زائي، چالش سياست ديني ونظم سلطاني (تحديات السياسة الدينية ومنظام الدولة)، پژوهشگاه علوم و فرهنگ إسلامي، 1385هـ ش.
([14]) مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب 2: 47 فما بعد، مؤسسة النعمان.
([15]) من باب المثال: انظروا في رسائل أنصار المشروعة، في كتاب رسائل المشروطة الذي تقدم التعريف به.
([16]) انظر: التيارات الفكرية للمشروطة، مؤسسة مطالعات وپژوهشهاي سياسي، 1386هـ ش.
([17]) إنه في مبحث صلاة الجمعة يستند في وجوبها التعييني إلى ولاية الفقيه، وظاهر العبارة يوحي بذهابه إلى ولاية الفقيه المطلقة، ولكن لا يمكن الاكتفاء بها لإثبات رؤيته حول ولاية الفقيه السياسية (انظر: صلاة الجمعة: 153، مؤسسة النشر الإسلامي).
([18]) للوقوف على جانب من مواقفه الفكرية والاجتماعية انظر: مذكرات مهدي الحائري اليزدي، طهران، نشر كتاب نادر، 1382هـ ش.
([19]) وقد ذكر هذا الأمر في رسالة للإمام الخميني بعثها إلى محمد تقي فلسفي، ويمكن ملاحظة الاختلاف بين هاتين الرؤيتين في هذه الرسالة بوضوح (صحيفة الإمام 1: 85). وقد بين هذه الواقعة محمد تقي فلسفي نفسه (خاطرات ومبارزات حجة الإسلام فلسفي: 255، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي).
([20]) التنقيح في شرح العروة الوثقى: 419، دار الهادي، 1410هـ.
([21]) طرح هذا البحث في قسم الاجتهاد والتقليد من تقريرات دروس أصوله غير المطبوعة، وطبعاً فإنه قد وضع للفقيه في هذا الفرض شروطاً في غاية الصعوبة.
([22]) راجع قصة سفره ولقائه بالإمام الخميني في الكتاب التالي الذي يعكس الواقعة مباشرة: خاطرات أبو القاسم خزعلي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي، 1382هـ ش. ومن الجدير بالذكر أنه لم يذهب إلى لقاء الإمام من مشهد سوى عالمين، هما: الشيخ مجتبى القزويني، والسيد هادي الميلاني (انظر: نهضت إمام خميني، للسيد حميد روحاني، القسم الأول).
([23]) جاء في الفقرة الثالثة من النظام الداخلي: «إنّ هذه الجماعة لا علاقة لها بأي واحدٍ من الأحزاب السياسية، وهي تمنع كل نشاط سياسي أو إعلامي داخل مؤسساتها، وهي لا تهدف إلا إلى نشر الحقائق الإسلامية، والتبليغ للتعاليم الإلهية، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، وإشاعة الثقافة والمعارف الإلهية، والوقوف بوجه الخرافات التي تشوّه الوجه الناصع للدين الإسلامي الحنيف» (انظر: السيد حميد روحاني، نهضت إمام خميني، القسم الثالث: 977).
([24]) انظر: خاطرات أبو القاسم خزعلي، طهران، انتشارات مركز أسناد انقلاب إسلامي.
([25]) إنّ غرابة هذه المسألة تبدو بشكل خاص في أنه إلى حين تشكيل مجلس الخبراء لم يكن أي واحدٍ من المسؤولين في النظام والمنتمين للتيار المتحضر قد أشار إلى أصل ولاية الفقيه في الدستور (انظر: القسم المتعلق بتيار التحضر الإسلامي من هذه المقالة).
([26]) انظر: جريان شناسي أنجمن حجتية: 88 فما بعد.
([27]) انظر: كتاب كجراهة (الانحراف)، مذكرات إحسان طبري، وكذلك كتيب (ماهيت ضد انقلابي أنجمن حجتية را بشناسيم)، وهو من إصدارات حزب تودة غير الرسمية.
([28]) وللوقوف على جانب من هذه الحادثة راجع: جريانها وسازمانهاي مذهبي ـ سياسي إيران، لمؤلفه رسول جعفريان.
([29]) للوقوف على المباني الفكرية لهذا التيار انظر: مذهب التفكيك، لمؤلفه محمد رضا الحكيمي.
([30]) في اللحظة الأخيرة التي سبقت نشر هذه المقالة، صدر كتاب بعنوان: (أز مدرسه معارف تا مكتب تفكيك وأنجمن حجتية)، قم، انتشارات مؤسسة بوستان كتاب، 1386هـ ش. وإنّ محتوى مقدمته بالالتفات إلى ما ذكر في نصّ الكتاب تدعو إلى التأمل.