أحدث المقالات

د. مرتضى الايرواني

 

اقتسمت خراسان في القرن السادس الهجري المدرستان الموروثتان في التفسير هما:

مدرسة التفسير الأثري أو الروائي، والتفسير بالرأي أو التفسير العقلي.

فالتفسير بالرأي ما يحمل فيه المفسر النص القرآني ما يراه، أما التفسير العقلي فهو ما يؤدّي إليه اجتهاد المفسر بشروطه وضوابطه.

والاتجاهات التفسيرية التي كانت سائدة في خراسان يمكن تقسيمها على أربعة أقسام:

الاتجاه الأدبي (اللغوي النحوي) ويمثله مجمع البيان للطبرسي (ت 548 هـ)، والاتجاه الروائي القصصي ويمثله معالم التنزيل للبغوي (ت 516هـ)، والاتجاه البلاغي ويمثله جوامع الجامع للطبرسي (ت 548 هـ)، والاتجاه الكلامي ويمثله التفسير الكبير للفخر الرازي (ت 606 هـ).

والبقعة الجغرافية التي يتناولها البحث هي خراسان القديمة التي تضم الولايات الأربع نيشابور ومرو وبلخ وهراة. فقد احتضنت هذه المنطقة مفسرين كان لهم شأن خاص في مجال الدراسات القرآنية.

وهذا البحث محاولة متواضعة لدراسة مناهج التفسير في هذه المنطقة لتلك الحقبة الزمنية، واستعراض اتجاهات التفسير فيها.

 

المنهج الأثري في التفسير

يظهر لمن يقرأ كتب التفسير وموسوعاته، ويطالع كتب تاريخ التفسير ومناهجه أن المفسرين الذين سلكوا هذا الطريق وساروا عليه على قسمين:

القسم الأول: اكتفى بذكر الروايات الواردة في الآية أو في جزء منها دون ان يضيف إليها شيئاً، أو يعلق عليها، وخير من يمثل هذا المنهج ويرسمه فرات الكوفي في تفسيره والسيوطي في (الدر المنثور)، والسيد هاشم البحراني في (البرهان) فإن كلاً منهم درج على ذكر الروايات المنقولة في تفسير آية دون تعليق أو توضيح، وإذا لم يرد في الآية رواية أو أثر أضرب عن تفسيرها صفحا ولم يفسرها، لذلك يُشاهد كثير من الآيات لم تذكر في هذا النوع من التفاسير؛ لعدم ورود رواية تفسيرية فيها.

والقسم الثاني: ما لم يقتصر فيه على إيراد الروايات فحسب، بل يلاحظ القارئ ثمة إضافات توضيحية من المفسر، ويمكن ملاحظة نمطين لهذا الصنف من التفسير:

الأول: ما ذكر فيه المفسر الروايات الواردة ويضيف إليه ملاحظاته من جهة، ويصنفها من جهة أخرى، فالطبري (ت 310هـ) لا يقتصر على ذكر الروايات وإنما يضيف إليها شرحاً وتعليقاً، وفي كثير من الأحيان يصنف الروايات الواردة في موضوع، فعند حديثه عن قوله تعالى: ] ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه…[(2) يقول:

(اختلفت تراجمة القرآن في تأويل قول الله تعالى ذكره (ألم) فقال بعضهم: هو اسم من أسماء القرآن ذكر من قال ذلك، حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله (ألم) قال: اسم من أسماء القرآن…)(3).

ثم ذكر روايتين أخريين، وبعدها ذكر (وقال بعضهم: هو فواتح يفتح الله بها القرآن. ذكر من قال ذلك حدثني..) وهكذا يذكر الآراء ومع كل رأي ما رواه عن شيوخه في هذا الصدد. وبعد أن ذكر ما حضرته من الروايات في تفسيرها قال (وأما أهل العربية فأنهم اختلفوا في معنى ذلك فقال بعضهم: هي حروف من حروف المعجم استغنى بذكر ما ذكره منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها…)(4).

ويلاحظ من النص الأخير أن الطبري لم يكتف بإيراد الروايات، بل عقب عليها بالتعليق والتوضيح، وقد استغرق تعليقه على هذه الآراء سبع صفحات من القطع الكبير في حين أن الروايات التي ذكرها لم تستغرق صفحة ونصفاً.

والطبري مع كل هذا يقف عند حدود الروايات المفسرة روائياً ولا يتعداها إلى تفسير الآيات التي لم ترد فيها روايات تفسيرية نقلها عن شيوخه.

الثاني: ما لم يلتزم فيه المفسر بذكر الروايات التفسيرية، بل يبدو تصرفه في الروايات واضحا جلياً حتى يخيل إلى من لم يمارس مناهج المفسرين واتجاهاتهم أنه يسلك الطريقة الاجتهادية في التفسير، خصوصا إذا لوحظ كذلك تفسير الآيات التي لم ترد فيها روايات تفسيرية، فهو يذكر ما يحضره في تفسيرها، فهو على هذا تفسير روائي في طابعه العام، وخير من يمثل هذا الاتجاه الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان لعلوم القرآن)، والبغوي في (معالم التنزيل) وهما موضوعا بحثنا الحاضر.

 

مجمع البيان لعلوم القرآن

يمكن عدّ (مجمع البيان) ضمن التفسير الأثرى إذا أخذنا بنظر الاعتبار التقسيم المار الذكر. ويمكن لمن يراجع (مجمع البيان) ملاحظة ما يلي:

1-   اتخذ الطبرسي طريقة تجزئة المادة العلمية التي يذكرها، فهو يبتدأ البحث بذكر القراءات، ويذكر عادة القراءات العشر وبعض القراءات الشاذة، ويذكر ضمنا الاختلاف في عدد الآيات إن وجد، ثم الحجة وبعدها يعرج على ذكر اللغة فالإعراب، فأسباب النزول، وبعد ذكر كل هذه البحوث التمهيدية التي تعارف المفسرون على ذكرها لخدمة التفسير وتوضيحه يشرع في بحث (المعنى) الذي يشغل الساحة الكبرى من تفسيره، فالبحوث التي تخدم التفسير لا تشغل في الغالب أكثر من نصف المساحة التي يشغلها المعنى. وبملاحظة ما ذكرناه يحق للطبرسي أن يسمي كتابه بـ(مجمع البيان لعلوم القرآن) لأنه يذكر أسماء السورة، وبيان مكان نزولها، وعدد آياتها، وفضلها، ومناسبتها لما قبلها، وسبب النزول والقراءة والحجة، و… وكل واحد من هذه يشكل فرعاً من علوم القرآن التي درج العلماء على ذكرها في كتب علوم القرآن، وبهذا الاعتبار يمكن إطلاق مصطلح (تفسير جامع) على مجمع البيان، لأنه يحوي علوماً مختلفة تتعلق بالقرآن الكريم.

وإذا كان الملاك في تقسيم كتب التفسير إلى نقلي وغيره بملاحظة محتويات (المعنى) من أي تفسير، وليس شيئاً غيره، أمكن اعتبار مجمع البيان من التفسير الأثري، لان أكثر ما يذكره في حقل المعنى من التفسير بالمأثور.

2-  أولى الطبرسي مسألة تناسب السور عناية خاصة. فقد حرص على ذكر تناسب أكثر السور القرآنية مع ما قبلها، في محاولة لبيان ارتباطها، ويكفي دليلاً على ذلك أن الطبرسي ذكر التناسب بين 109 سور من بين 114 سورة ذكرت في القرآن الكريم. وإذ استثنينا سورة الفاتحة من العدّ، فإن الطبرسي لم يذكر التناسب في أربع سور فقط وهذا العدد إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمامه ببيان تناسب السور فيما بينها.

والطبرسي يذكر هذا بعد ذكر اسم السور أو أسمائها، وذكر مكان نزولها واختلاف المفسرين في ذلك، وذكر عدد آياتها وفضلها، ثم يذكر تحت عنوان (تفسيرها) ارتباط السورة بما قبلها.

3-  يُولي الطبرسي مسألة تناسب الآيات في السور عناية خاصة، فهو كثيراً ما يذكر ارتباط الآية أو الآيات بما قبلها فعند الشروع في بيان معنى الآية أو الآيات يذكر وجه ارتباطها بما قبلها وقد لا يكتفي بذكر وجه واحد، بل يذكر وجوهاً متعددة (5).

4-  سلك الطبرسي طريقة من يذكر آية أو عدة آيات بما يناسب المقام ثم يشرع في تفسيرها، فهو لم يلتزم طريقة ذكر الآية منفردة ثم ينتقل إلى غيرها، بل ينظر إلى السياق والموضوع، وبعد ذلك يقطع الآية إلى مقاطع متناسبة، ويأخذ بتفسير كل مقطع بما حضره من التفسير.

5-  لا يكتفي الطبرسي بذكر الرأي المعتمد في التفسير، بل يورد ما استطاع جمعه من آراء أو ما يراه قابلاً للذكر، وفي أكثر الموارد يعطي كل رأي رقما، ومن يتصفح أوراق مجمع البيان يلفت نظره في أكثر الصفحات أرقام الآراء المطروحة، وقد يصل عدد الآراء المذكورة إلى ستة، كما في قوله تعالى ].. وآتوا حقه يوم حصاده ولا تُسرفوا انه لا يحب المسرفين…[(6).

وقد أوصل عدد الأقوال في بعض الموارد إلى ثمانية(7)، كما في تفسير قوله تعالى ]يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله…[(8).

أمّا الآيات التي ذكر فيها أقل من ستة آراء فهي أكثر من أن يسعها مقال ففي بعضها ذكر خمسة أوجه(9)، وفي بعضها أربعة أوجه(10) وهكذا.

6-  ويلاحظ القارئ لمجمع البيان كذلك أن الطبرسي لا ينقل عبارة المفسرين بعينها بل يتصرف فيها، ويصوغها بنفسه ثم ينسبها إليهم، ونراه كذلك يجمع الأقوال المتشابهة مع بعضها تحت رقم واحد، كما في قوله تعالى: ] ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم…[(11).

ويلاحظ أن الطبرسي في تفسيره لا يقتصر على ذكر الآراء المنسوبة إلى الصحابة والتابعين وأئمة أهل البيت عليهم السلام، بل يضيف إليها ما وصل إليه من آراء غيرهم، كأبي مسلم وأبي علي الجبائي، وأبي هاشم الجبائي والفراء والزجاج وغيرهم.

ويبدو لمن يطالع كتاب (مجمع البيان) بدقة وإمعان أن الطبرسي جمع كتب التفسير المختلفة، أو جمع الآراء المطروحة ثم صنفها تصنيفا ضم فيه النظير إلى نظيره – يدل على ذلك نسبة بعض الأقوال إلى أكثر من واحد – ولعل النص التالي يكشف عن مجهود الطبرسي هذا ويؤكده. ففي قوله تعالى: ]… وآتوا حقه يوم حصاده…[(12) ذكر أن (هذا أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد على الجملة. والحق الذي يجب إخراجه يوم الحصاد فيه قولان: أحدهما: انه الزكاة العشر أو نصف العشر عن ابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن أسلم والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وطاوس.

والثاني: أنه ما تيسر مما يعطى المساكين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام وعطاء ومجاهد وابن عمر وسعيد بن جبير والربيع بن أنس، وروى أصحابنا أنه الضغث بعد الضغث، والجفنة بعد الجفنة. وقال إبراهيم والسدي: الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر لان هذه الآية مكية وفرض الزكاة إنما أنزل بالمدينة، ولما روي أن الزكاة نسخ كل صدقة، قالوا ولأن الزكاة لا تخرج يوم الحصاد، قال علي بن عيسى وهذا غلط لأن (يوم حصاده) ظرف لحقه، وليس بظرف للإيتاء المأمور به)(13).

فالطبرسي كما يبدو من هذا النص استوعب أقوال المفسرين ووعاها، ثم قسمها تقسيما حاول فيه استقصاء ما طرحه المفسرون في الآية، وكثيرا ما تطالعنا في التفسير عبارة (في أحد قوليه) أو (في رواية) وهذا يعني أنه لاحظ قولين نسبا لهذا الشخص فحاول الدقة في ذكر ما وجده.

7-  والطبرسي حينما ينقل أقوال العلماء في تفسير آية يصوغ العبارة بقلمه، ويقدمها بأسلوبه هو ثم ينسبها كما لاحظناه سابقاً. وهذا الأمر هو الذي يجعل الناظر في تفسير الطبرسي يصنفه ضمن التفسير الاجتهادي، ولا يجعله ضمن التفسير الأثري، والطبرسي في عمله هذا قد اختصر عبارات المفسرين، ولو أراد ذكر عباراتهم بنصها لطال به المقام، وازداد حجم التفسير على ما هو عليه.

8-  على الرغم من أن تفسير (مجمع البيان) يعد من التفسير الروائي بأنه لم يقتصر على ذكر التفسير المأثور؛ أي لم يقتصر على تفسير الآيات التي وردت فيها أقول تفسرية مأثورة فحسب، فسر القرآن آية آية، بل عبارة، فالآيات أو العبارات التي لم تفسر روائيا ذكر تفسيرها غير الروائي. وبعبارة موجزة: دوّن الطبرسي تفسيراً مختصراً للقرآن الكريم، ذكر فيه ما حضره من تفسير أئمة أهل البيت عليهم السلام والصحابة والتابعين في آيات من القرآن الكريم. وأكمل ما بقي من آيات لم ترد فيها روايات تفسيرية وهو بهذا يختلف عن كتب التفسير الروائي من الصنف الأول التي حرصت على ذكر الروايات، فأنها تعرضت لتفسير الآيات التي وردت فيها روايات تفسيرية فقط، وسكتت عن الآيات أو المقاطع التي لم ترد فيها روايات، كما في تفسير الطبري، والدر المنثور للسيوطي، وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني وغيرها.

9-  لا يقتصر الطبرسي في ذكر آراء المفسرين على ذكر الأقوال التفسيرية المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، بل ضم إلى ذلك الأقوال التفسيرية التي نسبت إلى غيرهم. وهو بهذا يختلف عن بقية المفسرين من غير الشيعة الذين لا يذكرون عادة ما نُسب إلى أئمة أهل

البيت عليهم السلام إلاّ نادرا ففي قوله تعالى: ]… وآتوا حقه يوم حصاده…[(14) ذكر قولين نسب القول الثاني إلى الامام الصادق – عليه السلام – عن آبائه الطاهرين كما نسبه إلى غيرهم، ونسب القول الأول إلى من نسبه وهم: ابن عباس وزيد بن أسلم، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والضحاك، وطاوس اليماني، ومحمد بن الحنفية(15).

10-      والطبرسي على عادة المفسرين قد ينتخب قولاً ويستسيغه ويرجحه، وهو في انتخابه قولاً من الأقوال لا يغرق في توجيهه، ولا يذكر الأدلة وردودها كما نرى ذلك في تفسير الفخر الرازي والآلوسي، وغيرهما ممن يغرقون في هذه الناحية؛ بل يشير إلى ما يري

 بأقل عبارة ممكنة. ففي قوله تعالى: ] قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج…[(16)، ذكر ان شعيب – عليه السلام – أراد (أي أزوجك ]… إحدى ابنتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج…[ أي على ان تكون أجيراً لي ثماني سنين ]… فان أتممت عشراً فمن عندك…[ أي ذلك تفضل منك وليس بواجب عليك، وقيل معناه على ان تجعل جزائي وثوابي إياك على ان انكحك إحدى ابنتي ان تعمل لي ثماني سنين فزوجه ابنته بمهر واستأجره للرعي، ولم يجعل ذلك مهراً، وإنما شرط ذلك عليه، وهذا على وفق مذهب أبي حنيفة، والأول أصح وأوفق لظاهر الآية)(17).

وقد ينتخب رأياً ويرجحه استناداً إلى آية أخرى. وهذا ما يسمى بتفسير القرآن بالقرآن ففي قوله تعالى: ]وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله…(18). ذكر أن المراد (أي من مثل القرآن) وعلى قول من يقول الضمير في مثله عائد إلى عبدنا فالمعنى فأتوا بسورة من بشر من مثله لا يحسن الخط والكتابة ولا يدري الكتب. والصحيح هو الأول لقوله تعالى في سورة أخرى: ]فليأتوا بحديثٍ مثله…[(19) وقوله: ]…فأتوا بسورة مثله…[(20) وقوله: ]…لئن اجتمعت الأنس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله…[(21) يعني فأتوا بسورة مثلما أتى به محمد صلى الله عليه وآله في الإعجاز من حسن النظم وجزالة اللفظ والفصاحة التي اختصت به والإخبار عمّا كان وما يكون دون تعلم الكتب ودراسة الأخبار)(22).

11-         ويلاحظ في مجمع البيان ان الطبرسي إذا أراد ترجيح رأي وانتخابه من بين الآراء التي يذكرها، وفيها رأي منسوب لأهل البيت – عليهم السلام – فانه ينتخب هذا الرأي، ويفضله على غيره، انظر على سبيل المثال تفسير قوله تعالى: ]… وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه…[(23).

12-         يتعرض الطبرسي لبيان الأحكام الشرعية التي تتضمنها الآيات المفسرة بشكل موجز فهو عند تفسيره آيات الأحكام يذكر الحكم الشرعي الذي تحكيه الآية، ويحاول قدر جهده بيان مختلف الأقوال في المسألة مع بيان مذهب أهل البيت – عليهم السلام – وكثيراً ما يشير إلى هذه المسائل دون الاغراق في الأدلة والردود(24).

13-         ولا ينسى الطبرسي ذكر أسباب النزول، ولا ذكر بعض قصص الأنبياء بشكل موجز، كذلك لا ينسى ذكر بعض الوقائع كغزوة بدر وغيرها.

والطبرسي في ذكر أسباب النزول لا يقتصر على ما اقتصر عليه الشيعة في هذا الصدد، بل يذكر معه غيره إن روي ففي قوله تعالى: ]ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله…[(25). ذكر قول من قال إنها نزلت في علي بن أبي طالب – عليه السلام – ليلة المبيت وهو المشهور، كما ذكر بقية الآراء حيث (قال عكرمة نزلت في أبي ذر الغفاري وصهيب بن سنان.. وروي عن علي وابن عباس ان المراد بالآية الرجل يقتل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال قتادة نزلت في المهاجرين والأنصار وقال الحسن هي عامة في كل مجاهد في سبيل الله)(26).

أما القصص الحاكية عن بعض المناسبات التي حدثت في المجتمع الإسلامي وأشار إليها القرآن الكريم، وكذلك القصص القرآني فانه يحتل مكانا بارزا في مجمع البيان، ويلفت النظر والطبرسي غالبا ما يعقد لذلك فصلاً خاصاً فيقول (القصة)، فيورد تحتها ما يرد حكايته(27).

14-      قد يتعرض الطبرسي لبعض المباحث الكلامية بشكل موجز ومقتضب وإن بسط الكلام بسطاً ما في بعضها بما يتقضيه المقام، ولكنه ليس كثيراً.

ففي قوله تعالى: ]وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون[(28)، (رد على المجبرة، لأن هؤلاء اليهود قالوا مثل ما يقولونه من أن على قلوبهم ما يمنع الإيمان ويحول بينها وبينه فكذبهم الله تعالى في ذلك بان لعنهم وذمهم، ولو كانوا صادقين لما استحقوا اللعن والطرد ولكان الله سبحانه قد كلفهم مالا يطيقونه)(29).

ومن هذا يتبين أن الطبرسي لا ينسى عقيدته ومذهبه، بل يحاول الإشارة إليه بقدر الإمكان، ولكنه في هذا لا يجانب عفة اللسان والقلم، ولا يترك طريقته في الحوار الهادئ الرصين.

فالكتاب وإن حوى علوماً قرآنية مختلفة وتطرق إلى مباحث متعددة تجعله ضمن التفاسير الجامعة، لكن الحكم عليه بأنه تفسير أثري يرجع إلى المنهج الذي اعتمده في بيان المعنى، والأصل الذي يعتمد عليه فيه فهو الملاك في تصنيف كتب التفسير إلى أثري أو عقلي، ويمكننا اعتبار (مجمع البيان) وما شابهه – فيما بين أيدينا من كتب التفسير – نُقلت بين التفسير الأثري والعقلي فبينما كان تفسير كل من علي بن إبراهيم القمي، ومحمد بن مسعود العياشي، وفرات الكوفي، ومحمد بن جرير الطبري تفاسير أثرية صرفة، وتفسير الكشاف للزمخشري وتفاسير من سبقه من المعتزلة عقلية صرفة، كما يبدو من أقوال العلماء في شأنها: نرى (مجمع البيان) اعتمد الروايات التفسيرية إضافة إلى أقوال المفسرين المتأخرين كالفراء والزجاج والرماني، والبلخي والجبائي وغيرهم.

 

معالم التنزيل للبغوي

يعد كتاب (معالم التنزيل) لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى سنة (516 هـ) من خير ما كتب في التفسير الأثري على طريقة أهل السنة. ولعل إطلاق لقب محيي السنة على البغوي من جهة، ومقالة ابن تيمية في حق تفسيره بأن (اسلمها (أي أسلم التفاسير بين تفسير البغوي، والزمخشري، والقرطبي) من البدعة والأحاديث الضعيفة: البغوي) (30).

من جهة أخرى؛ أقول لعل هذين الأمرين يعكسان قيمة تفسير البغوي، ومنزلته عند أهل الفن.

ويمكن لقارئ (معالم التنزيل) ملاحظة ما يلي:

1-  ذكر في مقدمة تفسيره أسانيده إلى تفسير كل من عبد الله بن عباس، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، ورفيع بن مهران، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم، ومحمد بن السائب الكلبي، والضحاك بن مزاحم الهلالي، ومقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان، والسدي)(31).

 

ويلاحظ على الأسانيد التي ذكرها:

‌أ.       اقتصر في تخريج تفسير ابن عباس على ما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي عن عبد الله بن عباس، مع ما في هذا الطريق من الانقطاع لـ (ان ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير). وكذلك اعتمد في تفسيره على ما روي عن طريق عطية العوفي وعكرمة عن ابن عباس دون ذكر بقية الطرق التي تزيد على ذلك بكثير.

‌ب.  قال عند ذكره سند تفسير الكلبي (وأما تفسير الكلبي: فقد قرأت بمرو على الشيخ أبي عبد الله محمد بن الحسن المروزي في شهر رمضان سنة أربع وستين وأربعمائة، قال: أنا أبو مسعود محمد بن أحمد بن محمد بن يونس الخطيب الكشمهيني، في محرم سنة خمسين واربعمائة، قال: ثنا أبو إسحاق بن إبراهيم بن احمد بن معروف الهرمروزي، ثنا محمد بن علي الأنصاري المفسر، ثنا علي بن إسحاق وصالح بن محمد السمرقندي قالا: ثنا محمد بن مروان عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي نضر عن أبي صالح، أنا ذاذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب عن ابن عباس)(32). وهذا طريق آخر لتفسير ابن عباس وليس طريقاً لتفسير الكلبي خاصة.

‌ج.    لم يذكر أسانيده إلى تفسير بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب – عليه السلام – وعبد الله بن مسعود، وغيرهما ممن ذكرهم في تفسيره.

2-  طريق البغوي في إيراد أقوال المفسرين تقوم على نسبة الرأي إلى المفسر دون ذكر أسانيده إلى المفسرين لأنه ذكر أسانيده في صدر كتابه، واكتفى بذلك عن إيراد السند كل مرة، كما أنه يذكر خلاصة الرأي.

وقد ينسب قولاً واحداً إلى عدد من المفسرين فيقول مثلاً: واليه ذهب فلان وفلان وفلان وهذه الطريقة تخالف ما ألفيناه عند الطبري من ذكر السند كاملاً، وذكر عبارة كل مفسر منفصلة عن عبارة غيره.

3-  ذكر سند بعض الروايات كاملاً، وهذا الأمر يختص بما عدا ما ذكر من المفسرين في النقطة الأولى، لأنه ذكر في صدر كتابه أسانيده إليهم فلا حاجة إلى ذكر سند ما يرويه عنهم كل مرة، كما أشير إلى ذلك في المقدمة التي كتبها محققا الكتاب. أما غيرهم فإنه قد يذكر أسانيده إليهم ولا يلتزم ذلك، وقد يذكر سنده كاملاً إلى بعض من تقدم ذكره كابن عباس.

فعند تفسيره قوله تعالى: ]ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب[(33). قال: (أخبرنا الامام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الاسفرايني، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ، أنا أحمد بن عبد الجبار، أنا ابن الفضل عن حصين بن عبد الرحمن عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وآله فرآه استيقظ فتسوك ثم توضأ وهو يقول…)(34).

والبغوي لا يلتزم ذكر السند كاملاً عندما ينقل عمن لم يذكرهم في صدر كتابه، فهو كثيراً ما ينقل عن بعض الصحابة آراء تفسيرية دون ذكر سنده إليهم فعند تفسيره قوله تعالى: ]الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم…[(35) قال (قال علي بن أبي طالب وابن عباس (رضي الله عنهم) والنخعي وقتادة: هذا في الصلاة يصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب)(36).

فقد ذكر في هذا النص علي بن أبي طالب من الصحابة والنخعي من التابعين، ولم يذكر سنده إليهم لا في مقدمة الكتاب ولا عند ذكر الرأي.

ويلاحظ في هذا الصدد أن أكثر ما يذكر سنده كاملا يختص بما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أو يرجع تفسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بشكل من الأشكال.

4-  يلاحظ القارئ في الكتاب كثرة نسبية في عدد القصص يذكرها البغوي إيضاحاً لتفسير ما يريد تفسيره من قوله تعالى من جهة، والاطناب في ذكرها من جهة أخرى. ولو أردنا أن نذكر مثالاً واحداً للتدليل على ذلك لضاق بنا المقام، ولملئت أكثر من صفحة في ذلك. ولكننا نورد مطالب مختصرة من بعض القصص ليتبين مقدار إطنابه في ذلك. ففي موضوع دخول إبليس الجنة وإغواء آدم وحواء – على حد زعمه – ذكر:

       دخول إبليس الجنة بواسطة الحية.

       صفة الحية.

       محاورته آدم وحواء وبكائه لخداعهما.

       أكلهما من الشجرة والأقوال في كيفية أكل آدم.

       هبوط آدم من الجنة.

       تعليم الله آدم صنعة الحديد والزراعة.

       جزاء حواء على إغوائها آدم بالأكل.

       بدو السوءات(37).

وإذا كان في ذكر بعض القصص فائدة منها: توضيح النص القرآني، والاعتبار بقصص الماضين، وبيان نصرة الله أنبيائه وعباده الصالحين، فإن في ذكر ذلك مختصراً مندوحة عن ذكره مفصلاً ما دامت الفوائد المتوخاة حاصلة.

ويُلاحظ في بعض الأخبار التي يذكرها البغوي إضافة إلى الإطالة والإطناب حشوها بمالا فائدة فيه، ولا إيضاح للنص، فطول قوائم الكرسي في قوله تعالى: ]… وسع كرسيه السماوات والأرض…[(38)، وعدد حملة الكرسي، وعدد وجوه كل ملك، ومكان أقدامهم، وصورة كل ملك، وما يسأله كل ملك من الله تعالى، والمسافة بين حملة العرش وحملة الكرسي، كل ذلك كان يمكن الاستغناء عنه دون أدنى عيب أو نقص يلحق الكتاب، ويمكن لمن أراد المزيد مراجعة ما ذكره في قصة طالوت وجالوت وغيرها(39).

ومما أخذ على البغوي ذكره الإسرائيليات دون التنبيه على ما فيها، فهو يذكر بعض الإسرائيليات ولا يُعقب عليها ليعلم موقفه منها من جهة، وموقفه مما ينسب إلى الأنبياء صلى الله عليه وآله من جهة أخرى، وبعض هذه الإسرائيليات يمكن نقدها من جهة المتن لاحتوائها على مالا يستسيغه العقل. فعند حديثه عن قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ]… وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم…[(40). ذكر قول السدي (كان عيسى – عليه السلام – في الكتاب يحدث الغلمان بما يصنع آباؤهم ويقول للغلام: انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ورفعوا لك كذ1 وكذا، فينطلق الصبي إلى أهله ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشيء، فيقولون: من أخبرك بهذا؟ فيقول: عيسى – عليه السلام – فحسبوا صبيانهم عنه، وقالوا: لا تلعبوا مع هذا الساحر فجمعوهم في بيت، فجاء عيسى – عليه السلام – يطلبهم فقالوا ليسلوا ههنا، فقال: فما في هذا البيت؟ قالوا: خنازير، قال عيسى: كذلك يكونون، ففتحوا عليهم فإذا هم خنازير…)(41). لا أدري كيف جمع الصبيان كلهم في بيت واحد؟ ولو قال: حبست كل عائلة صبيها عنه لكان مقبولاً.

وفيما نقله عن وهب بن منبه عند تفسير قوله تعالى: ]أو كالذي مرّ على قريةٍ وهي خاوية على عروشها…[(42)، خير شاهد ودليل على ما نقول. ولا يهمنا من الخبر الطويل الذي ذكره البغوي سوى فقرتين هما:

       اختار بختنصّر من صبيان بني إسرائيل (سبعين ألف صبي فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه، فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة) (43). وهذا يعني أن الملوك الذين كانوا معه يزيد عددهم على سبعة عشر ألف ملك. فهل يعقل أن يكون معه هذا العدد من الملوك؟

       والفقرة الثانية (رجعنا إلى حديث وهب، قال: ثم ربط أرمياء حماره بحبل جديد فالقى الله تعالى عليه النوم فلما قام نزع الله منه الروح مائة عام… فلما مضى من موته سبعون سنة أرسل الله ملكاً إلى ملك من ملوك فارس يقال له نوشك، فقال: ان الله يأمرك ان تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا حتى يعود أعمر ما كان فانتدب الملك بألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل وجعلوا يعمرونه…)(44). فهل يعقل ان ينتدب الملك ألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل، أي ثلاثمائة مليون عامل لبناء بيت المقدس وإعماره؟ فمن أين جيئ بهؤلاء العمال؟ وأين أسكنوهم ليعملوا؟ وكيف أطعموهم؟ وكيف نسقوا العمل بينهم؟ وهل يحتاج بناء مدينة إلى مثل هذا العدد من العمال؟ ولنا في بناء بغداد في زمن المنصور، والقاهرة في زمن المعز الفاطمي شاهدان على عدد العمال الذين استخدموا لبناء كل واحدة من هاتين الحاضرتين المهمتين اللتين لا تقلان عن بيت المقدس أهمية وسعة وعظمة ان لم تزيدا عليها، لأن كل واحدة منهما بنيت لتكون عاصمة للخلافة الإسلاميّة .

وقد يطيب للبغوي ذكر القصص الإسرائيلي الذي يسود به صفحات من تفسيره من جهة، ويكمل به القصص القرآني، ويشرح به ما أبهم منه، ويسد به الثغرات بسرد الوقائع من جهة أخرى، فيجري وراء الإسرائيليات ناسباً إياها إلى أهل الكتاب المشهورين بذكر القصص الإسرائيلي كوهب بن منبه أو ناقلاً لها عمن اشتهر عنه الأخذ عن أهل الكتاب كابن عباس وغيره. وقد يستغرق بعض ما ذكره البغوي ما يزيد على ثلاث صفحات من الحجم الكبير كقصة طالوت وداود وجالوت(45).

5-  يمتاز كتاب معالم التنزيل بقلة بحوثه المتعلقة بعلوم العربية، كالنحو والصرف واللغة وعلوم البلاغة، حتى انه قد تمر الصفحات دون ملاحظة شيء منها والبحوث اللغوية أكثر هذه البحوث حظاً في معالم التنزيل، ولكنها على كثرتها – بالنسبة لغيرها من البحوث – لا تستغرق شيئا يذكر. ويبدو لمن يقرأ (معالم التنزيل) ان البغوي يذكر ما يزيل الغموض عن معنى الكلمة دون الإغراق في البحث اللغوي، أو متابعة اشتقاقات الكلمة، وتتبع نظائرها، وتفسيرها بأضدادها، أو بعقد فصل خاص بها كما فعل الطبرسي) (46).

والمباحث النحوية هي الأخرى قليلة من جهة ومختصرة من جهة أخرى. ففي سورة الفاتحة ذكر أعراب (بسم الله الرحمن الرحيم) ومحله من الأعراب، وما يتعلق بـ (الله) و(إياك)(47).

والبغوي قد يشير إلى بعض النكت البلاغية ليفسر بها النص ويوضح المراد منه دون الإغراق في ذلك. فعند تفسير قوله تعالى: ]الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون[(48).

ذكر ان المقصود من يستهزئ بهم (يجازيهم جزاء استهزائهم، سمي الجزاء باسمه لأنه بمقابلته كما قاله الله تعالى ]وجزاء سيئة سيئة مثلها[(49).

6-  والبغوي رغم كونه من أهل السنة، وتفسيره قائم على ذلك، لا يغرق في بيان المسائل الكلامية التي اختلف فيها أهل السنة مع المعتزلة، ويتحاشى ذكر المسائل الكلامية المتعلقة بصفات الله تعالى، ويذكر رأي أهل السنة في ذلك غالبا دون الإشارة إلى غيره، أو التشهير بغير أهل نحلته، ففي قوله تعالى حكاية عن أم مريم عليها السلام ]… وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم[(50).

ذكر ان المعنى (امنعها وأجيرها…أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب، عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب قال: قال أبو هريرة (رض) سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ما من بني آدم من مولود إلاّ يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل الصبي صارخاً من الشيطان، غير مريم وابنها…)(51).

وقد يشير البغوي إلى رأي غير أهل السنة على أنه رأى مأثور منقول عن السلف، فعند تفسيره قوله تعالى ]… وسع كرسيه السماوات والأرض…[(52) ذكر ان المراد (ملأ وأحاط به ، واختلفوا في الكرسي، فقال الحسن هو العرش نفسه، وقال أبو هريرة رضى الله عنه: الكرسي موضوع أمام العرش… وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: أراد الكرسي علمه(53)، وهو قول مجاهد، ومنه قيل لصحيفة العلم كراسة، وقيل: كرسيه ملكه وسلطانه والعرب تسمي الملك القديم كرسياً)(54).

وقد يذكر رأي المعتزلة وينسبه إليهم صراحة دون ان يعلق على ذلك بكلمة ففي قوله تعالى: ]ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة…[(55). اختلف المفسرون في الختم الذي ذكر، وقد أشار البغوي إلى ذلك بقوله (طبع الله على قلوبهم؛ فلا تعي خيراً ولا تفهمه… قال أهل السنة أي: حكم على قلوبهم بالكفر لما سبق من علمه الأول فيهم، وقال المعتزلة: جعل على قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها)(56).

7-  ويتعرض البغوي لذكر المسائل الفقهية في الآية، فيطيل الحديث عنها ذاكراً ما وصلت إليه من روايات وأحاديث تتعلق بذلك الحكم الشرعي. وهو يتطرق عادة إلى ذكر أهم الآراء المختلفة في المسألة، وذكر فروعها مع عدم الاستدلال لكل رأي.

8-  قد يورد البغوي اشكالاً على ظاهر النظم القرآني ثم يجيب عليه. ففي قوله تعالى: ]يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون[(57) استعمل النص القرآني لفظ (يخادعون) وهو مما يستعمل في المشاركة، وهي غير متصورة في حقه تعالى فقال (فان قيل: ما معنى قوله (يخادعون الله) والمفاعلة للمشاركة، وقد جل الله تعالى عن المشاركة في المخادعة؟ قيل: ترد المفاعلة لا على معنى المشاركة كقولك: عافاك الله وعاقبت فلاناً وطارقت النعل، وقال الحسن: معناه يخادعون رسول الله صلى الله عليه وآله)(58).

9-  تفسير البغوي من النوع الأثري الذي لم يلتزم فيه بالأثر فقط، بل ذكر إضافة إلى ذلك بعض التفسير العقلي، كالتفسير الذي نقله عن المعتزلة، إضافة إلى أنه فسر الآيات التي لم يرد فيها شيء عن السلف؛ كما هو ملاحظ لمن يطالع التفسير ويقرؤه.

10-      ولا ينسى البغوي استقصاء الآراء التي نقلت عن السلف في الآية. فكثيراً ما نرى في معالم التنزيل عبارة (قيل) أو (وقال فلان).

وبعد تلك السياحة في آفاق هذين التفسيرين تبين ان التفسير الأثري في خراسان في القرن السادس عشر الهجري تمخض عن اثرين جليلين من طائفتين من طوائف المسلمين كان كل تفسيرمنها يمثل قمة في تفسير تلك الطائفة، فتفسير (مجمع البيان) غني عن التعريف، وألفاظ الاحترام والتقدير، وعبارات الاعجاب بمجمع البيان وصاحبه من قبل علماء الشيعة ومحققيها فضلاً عن علماء بقية المذاهب الإسلاميّة، كشيخ الجامع الأزهر الشيخ سليم البشري ووكيله الشيخ محمود شلتوت. وما وجد على ظهر نسخة الشيخ سليم البشري الخاصة من ان (هذا التفسير من خير التفاسير التي قرأتها)(59)، وما ذكره الشيخ محمود شلتوت عند تقديمه لمجمع البيان من انه (نسيج وحده بين كتب التفسير، وذلك لأنه مع سعة بحوثه وتنوعها وعمقها له خاصة في الترتيب والتبويب والتنسيق والتهذيب لم تعرف لكتب التفسير من قبله ولا تكاد تعرف لكتب التفسير من بعده)(60) خير دليل على ذلك.

أمّا نظرة علماء أهل السنة إلى تفسير البغوي (معالم التنزيل) فيكفي فيها قول ابن تيمية (واما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها – الزمخشري، البغوي، القرطبي – فاسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة: البغوي).

ويمثل هذان الكتابان حلقة واحدة من سلسلة التفسير التي امتدت من زمن الرسول صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا. وهي التفسير بالمأثور للآيات التي ورد فيها قول مأثور إضافة إلى تفسير ما لم يرد فيه شيء عن السلف، بما يصل إليه اجتهاد المفسر، كما ان التفسير المأثور في هذين يتمركز حول نسبة الأقوال لأصحابها دون ذكر السند، أو ذكر المتن كاملاً، فلا يكتفيان بذكر الروايات التفسيرية دون ذكر ما يوضحها، ويقربها إلى الأذهان، كما لا يتركان الآيات التي لم يفسرها السلف دون تفسير.

ورغم اتفاق هذين الكتابين في هذه النقطة بالذات فإن ثمة فوارق يمكن ملاحظتها، نستطيع الإشارة إليها بسرعة:

       ان المطالع لمجمع البيان تظهر له قدرة الطبرسي الفائقة على عرض الآراء وتنسيقها، كما يمكنه استخلاص: ان اطلاع الطبرسي – على أقوال المفسرين واختلافهم – أكثر من اطلاع البغوي.

       تنظيم الطبرسي مطالب كتابه وبحوثه المختلفة بعكس البغوي الذي لم ينسق بحوث كتابه أبداً. هذا إضافة إلى ان (معالم التنزيل) يخلو مما نراه شائعاً في (مجمع البيان) من بحوث نحوية ولغوية وبلاغية وغيرها. وبهذا يمكن بحق القول ان (مجمع البيان) تفسير جامع بينما لا يمكن إطلاق ذلك على (معالم التنزيل).

       ان الطبرسي عندما يطرق بحثاً فإنه يحاول ان يوفي البحث حقه من العرض، بعكس البغوي الذي يبقى بحثه النحوي واللغوي أبتراً، لا تعمق فيه، وكذلك المباحث التفسيرية.

وليس ببعيد ان يكون البغوي قصد إلى ذلك قصداً ليخلص تفسيره مما شحن به المفسرون كتبهم من مباحث تكميلية تزيد في حجم الكتاب ومباحثه، ولكن الأمر على كل حال يبقى، ملاحظاً من ان أحد الكتابين يزيد على الثاني في بعض بحوثه.

       ولأن (مجمع البيان) تأليف عالم شيعي ينتمي إلى طائفة لها نظراتها الخاصة في بعض الأشياء، منها تنزيه الأنبياء وعصمتهم من الصغائر فضلاً عن الكبائر نراه يعلق على بعض القصص القرآني التي ينسب من خلالها إلى بعض الأنبياء – عليهم السلام – ما لا يليق بمنزلتهم ومكانتهم.

  

مذاهب التفسير واتجاهاتها

في القرن السادس الهجري في خراسان61

ـ 2 ـ

الدكتور مرتضى الايرواني 62

 

 المنهج العقلي في التفسير

في هذا المنهج التفسيري الذي يسمّيه بعضهم التفسير بالرأي نقف عند تفسيرين هما: التفسير الكبير للفخر الرازي، وجوامع الجامع للطبرسي.

والمنهج العقلي في التفسير تمتد جذوره الحقيقية إلى عهد الصحابة، ومن بعدهم من التابعين، حيث كانت آراؤهم في الواقع النواة الأولى لتشكيل هذا المنهج، ثم تطور هذا التفسير فيما بعد، وبلغ مبلغا خاصا على يد المعتزلة وبعض مفسري الشيعة كالشريفين الرضي(ت 406 هـ) والمرتضى (ت 436هـ) في كتابيهما (حقائق التأويل) و(غرر الفرائد ودرر القلائد) ثم مضى يشق طريقه إلى عصر الزمخشري (ت 538 هـ) وفخر الدين الرازي (ت 606 هـ)، ومن جاء بعدهما حتى يومنا هذا.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن مشروعية هذا التفسير أو عدم مشروعيته، بل إن موقفنا من تقويم أي تفسير من هذا النوع يقوم على أساس التزام المفسر بالشروط المحددة للتفسير العقلي، لا على أساس عقيدة المفسر ومذهبه في الأصول، كما فعل الذهبي في (التفسير والمفسرون) حيث قسم التفسير بالرأي إلى ممدوح وجعل فيه تفسير الأشاعرة، والى مذموم وضمنة تفسير المعتزلة والشيعة في الدرجة الأولى، بحجة أنهم أقاموا تفسيرهم على أصول فكرية تخالف الأصول الفكرية للأشاعرة.

والحقيقة التي لا يمكن إنكارها: أن التفسير العقلي ضرورة تمليها الظروف الفكرية والاجتماعية والساسية للامة الإسلاميّة، إضافة إلى أنه وجود طبيعي في كيان الأمة، تقتضيه سنة التطور في الحياة.

وقد احتفظت لنا المكتبة الإسلاميّة بكتابين يرجعان إلى القرن السادس الهجري، ضمن خطة خراسان – موضع البحث – يقومان على أساس التفسير بالرأي هما: (جوامع الجامع) للطبرسي (ت 548 هـ) و(التفسير الكبير) للفخر الرازي.

وقد آثرنا اعتبار الفخر الرازي ضمن القرن السادس الهجري، لأنه عاش معظم حياته العلمية في هذا القرن، وإن كانت وفاته في أوائل القرن السابع.

وهناك تفاسير، عاش أصحابها في القرن السادس الهجري، لم يتضح لنا بصورة دقيقة البقعة الجغرافية التي عاشها مؤلفوها. هل هي خراسان أو غيرها؟ ومن هذه التفاسير ( روض الجنان وروح الجنان) للشيخ أبي الفتوح الرازي، و(متشابه القرآن ومختلفه) للشيخ رشيد الدين بن شهرآشوب (ت 588 هـ) و(قصص الأنبياء) للقطب الراوندي (ت 573) المدفون بقم.

وبناء على هذا، فإن دراستنا تقتصر على بحث كتابين هما: (جوامع الجامع) و(التفسير الكبير).

ويمثل الكتابان وجهتي نظر مختلفتين. فبينما يمثل الفخر الرازي قمة التفسير بالرأي، على أساس مذهب الأشاعرة، يمثل (جوامع الجامع) وجهة النظر الأخرى في التفسير، إضافة إلى أن تفسير الفخر الرازي يمثل التفسير المبسوط، الذي لم يترك مؤلفه مسألة وصل علمها إليه لم يذكرها فيه أما (جوامع الجامع) فإنه يمثل تفسيرا مختصرا بالنسبة إلى التفسير الكبير، وإذا أضيف إلى هذا أن الشيخ الطبرسي ينتمي إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام بينما ينتمي الفخر الرازي إلى مذهب أهل السنة، أمكن تصور المنطلقين في التفسير.

 

التفسير الكبير للفخر الرازي

عرف أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني، المشهور بالفخر الرازي، المتوفى سنة (606هـ) بمناظراته وسعة باعه في علم الجدل والمناظرة والكلام. وقد كتب تفسيرا للقرآن الكريم سمّي بـ (مفاتح الغيب) واشتهر بالتفسير الكبير أو تفسير الرازي. وقد ذكر أصحاب التراجم أنه لم يتمه، بل وصل فيه إلى سورة الأنبياء على قول، ثم اختلف في اسم من أتمه. لذا آثرنا – التزاما لجانب الحقيقة والحيطة في نسبة الآراء إلى الرازي – الاكتفاء بدراسة التفسير في سوره الأولى لكي لا نقع في نسبة ما لم يقله إليه.

وقد كنت أراجع هذا التفسير كثيرا، بحكم تدريسي علوم القرآن، وتاريخ التفسير لعدة سنين؛ فاستخرجت منه ما أود أن أضعه في متناول أيدي الدارسين:

       يعد تفسير الفخر الرازي تفسيرا جامعا، لأنه تعرض إلى مباحث اللغة والإعراب والقراءة والبيان والكلام والأصول والفقه وغيرها؛ فأشبع في كل واحد منها القول، ولكنه لا يعقد مباحثه – كما علمنا الطبرسي – على شكل مباحث يعنون كل منها بعنوان يناسب البحث، بل يعقد لكل موضوع يريد بحثه مسألة.

       يحاول الفخر الرازي استقصاء الموضوع الذي يبحثه، فيتتبع شوارده، ويتعمق بنحو يخرجه عن كونه تفسيرا يذكر فيه هذه المباحث لخدمة التفسير وتوضيح المراد، بل يجعله في بعض الموارد كتابا اكثر تخصصا من الكتب الخاصة بالموضوع. وللاستدلال على ما نقوله نسوق النص التالي: ففي قوله تعالى: ]إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون[(63). مسائل نحوية، ومسائل أصولية، ونحن نأتي عليها إن شاء الله تعالى، أما قوله (إنّ) ففيه مسائل:

(المسألة الأولى) إعلم أنّ (إنّ) حرف والحرف لا أصل له في العمل، لكن هذا الحرف أشبه الفعل صورة ومعنى، وتلك المشابهة تقتضي كونها عاملة، وفيه مقدمات (المقدمة الأولى) في بيان المشابهة، واعلم أن هذه المشابهة حاصلة في اللفظ والمعنى؛ أما في اللفظ فلأنها تركبت من ثلاثة أحرف وانفتح آخرها ولزمت الأسماء كالأفعال، ويدخلها نون الوقاية نحو إنني وكأنني، كما يدخل على الفعل نحو: أعطاني وأكرمني. وأما المعنى فلأنها تفيد حصول معنى الاسم وهو تأكد موصوفيته بالخبر، كما أنك إذا قلت: قام زيد، فقولك قام أفاد حصول معنى في الاسم. (المقدمة الثانية) إنها لما أشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل وذلك ظاهر بناء على الدوران (المقدمة الثالثة) في أنها لِمَ نصبت الاسم ورفعت الخبر؟ وتقريره أن يقال: إنها لما صارت عاملة فإما أن ترفع المبتدأ والخبر معا، أو تنصبهما معا، أو ترفع المبتدأ وتنصب الخبر وبالعكس. والأول باطل، لأن المبتدأ والخبر كانا قبل دخول (إنّ) عليهما مرفوعين، فلو بقيا كذلك بعد دخولها عليهما لما ظهر له أثر البتة، ولأنها أعطيت عمل الفعل، والفعل لا يرفع الاسمين فلا معنى للاشتراك والفرع لا يكون أقوى من الأصل. والقسم الثاني أيضاً باطل، لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع، فإن الفعل يكون عمله في الفاعل أوّلا بالرفع ثم في المفعول بالنصب، فلو جعل الحرف ههنا كذلك لحصلت التسوية بين الأصل والفرع.

ولما بطلت الأقسام الثلاثة تعين القسم الرابع: وهو أنها تنصب الاسم وترفع الخبر، وهذا مما ينبه على أن هذه الحروف دخيلة في العمل لا أصلية لأن تقديم المنصوب على الموضوع في باب الفعل عدول عن الأصل فذلك يدل ههنا على أن العلم لهذه الحروف ليس بثابت بطريق الأصالة بل بطريق عارض) 64.

فأنت ترى أن الكتب المختصة بالنحو كشرح ابن عقيل، والبهجة المرضية للسيوطي، وأوضح المسالك لابن هشام، ومغني اللبيب له أيضاً، وعشرات غيرها من كتب النحو لم تذكر ما ذكره الرازي في تفسيره، فهل كتابه أكثر تخصصا من كتبهم؟ وهل هناك حاجة ملحة لذكر كل هذا؟

إن هذا النص بطوله وإسهابه هو أحد نصين ذكرهما الرازي في (إنّ) وفي الحقيقة هذا النص أقصر من النص الثاني الذي ذكره، وذكر فيه اختلاف البصريين والكوفيين في رافع الخبر بعد (إنّ) ودليل كل فريق، وتوجيه كل دليل بنحو قلما يوجد في كتب المطولات النحوية، بل لم أجده في كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف) للأنباري الذي أورد هذه المسألة مع ذكر أدلة كل طرف.

       تطغى المباحث الكلامية في تفسير الرازي على غيرها من المباحث حتى يخيل إلى القارئ أنه كتاب جدل ومناظرة وكلام، لا كتاب تفسير؛ يشير مؤلفه عند الحاجة إلى بعض المباحث إشارة توضح النص القرآني، وتلقي عليه ضوءا يفتح أمام القارئ آفاقا رحبة لفهم النص وتذوقه.

صحيح أن الرازي ينتمي إلى المذهب الأشعري في الأصول، وينصب نفسه مدافعا عن مذهب السلف في مقابل مذهب المعتزلة والشيعة، ويحاول تفسير القرآن الكريم بنحو يقرر فيه أقوال الأشاعرة وآراءهم، ويرد المعتزلة وغيرهم، ولكن هذا لا يبرر جعل كتابه كتابا كلاميا يذكر فيه التفسير على هامش بحوثه الأخرى حتى قيل فيه: (فيه كل شيء إلاّ التفسير).

ومن يطالع تفسير الرازي تلفت نظره عبارة (أصحابنا) و(أهل السنة) وبالمقابل (المعتزلة) و(القدرية) فعند تفسيره قوله تعالى: ]قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون[(65).

قال: (المسألة الثانية: أحتج أصحابنا بهذا على أن الحوادث بأسرها مرادة لله تعالى فإن عند المعتزلة أن الله تعالى لما أمرهم بذلك فقد أراد اهتداءهم لا محالة وحينئذ لا يبقى لقولهم إن شاء الله فائدة. أما على قول أصحابنا فإنه تعالى قد يأمر بما لا يريد فحينئذ يبقى لقولنا إن شاء الله فائدة.

المسألة الثالثة: احتجت المعتزلة على أن مشيئة الله تعالى محدثة بقوله (إن شاء الله) من وجهين: الأول: أن دخول كلمة (إن) عليه يقتضي الحدوث. والثاني: وهو أنه تعالى علق حصول الاهتداء على حصول مشيئة الاهتداء، فلما لم يكن حصول الاهتداء أزليا وجب أن لا تكون مشيئة الاهتداء أزلية)(66).

وفي مبحث الاستعاذة ذكر قول المعتزلة في الاستناد إلى الاستعاذة في رد مذهب الجبر، وذكر ستة أدلة للمعتزلة في ذلك، ثم عقب عليها بذكر رد أهل السنة على هذه الأدلة ثم ذكر أدلتهم في الاستفادة من الاستعاذة في رد مذهب القدرية (المعتزلة) فأورد خمسة أوجه(67).

ومن أراد مزيدا فليراجع التفسير، فإني لا أكون مبالغا إذا قلت: إنه لا تكاد تمر بضع صفحات إلاّ ويذكر الرازي مبحثا كلاميا أو اصوليا، وأكثر هذه البحوث تستغرق صفحات متعددة، يصل بعضها إلى ست صفحات من القطع الكبير، ويزيد بعضها على ذلك، وقد تطول بحوث تفسير بعض الآيات نتيجة ذلك، فقوله تعالى: ]وعلم آدم الأسماء كلها…[(68).

استغرق تفسيرها أربعا وثلاثين صفحة، أكثر بحوثها جانبية(69).

ويبدو أن الرازي بعد كل هذا البحث في الجبر والتفويض لم يخرج برأي دقيق يحكم به، بدليل قوله: (ويحكى أن الامام أبا القاسم الأنصاري سئل عن تكفير المعتزلة في هذه المسألة فقال: لا، لأنهم نزهوه، فسئل عن أهل السنة فقال: لا، لأنهم عظموه، والمعنى أن كلا الفريقين ما طلب إلاّ إثبات جلال الله وعلو كبريائه، إلاّ أن أهل السنة وقع نظرهم على العظمة فقالوا: ينبغي أن يكون هو الموجد، ولا موجد سواه. والمعتزلة وقع نظرهم على الحكمة فقالوا: لا يليق بجلال حضرته هذه القبائح، وأقول: هاهنا سر آخر، وهو أن إثبات الإله يلجئ إلى القول بالجبر، لأن الفاعلية لو لم تتوقف على الداعية لزم وقوع الممكن من غير مرجح؛ وهو نفي الصانع، ولو توقفت لزم الجبر وإثبات الرسول يلجئ إلى القول بالقدرة. بل هاهنا سر آخر هو فوق الكل، وهو أنا لما رجعنا إلى الفطرة السليمة.. فلهذه المآخذ التي شرحناها والأسرار التي كشفنا عن حقائقها صعبت المسألة وغمضت وعظمت، فنسأل الله العظيم أن يوفقنا للحق وأن يختم عاقبتنا بالخير آمين رب العالمين)(70).

4- ومن مظاهر إطالة الرازي في تفسيره، استطراده في ذكر أمور هو في غنى عنها، ولا ارتباط لها بالموضوع، وكان يمكنه ذكرها بصورة مختصرة إن كان لابد من ذكرها. فلا ملامة على من يسأل عن حكمة ذكر الرازي سؤال الكندي الفيلسوف أبا العباس المبرد عن الفرق بين (عبدُ الله قائم) و (إن عبدَ الله قائم) و(إن عبدَ الله لقائم) وجواب المبرد والإطالة في ذلك(71).

ومن يطالع ما ذكره الرازي عند تفسير قوله تعالى: ]… وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون[(72). يجد الرازي ذكر أربعة فصول في أحوال السماوات هي:

الفصل الأول: في ترتيب الأفلاك.

الفصل الثاني: في معرفة الأفلاك.

الفصل الثالث: في مقادير الحركات.

الفصل الرابع: في كيفية الاستدلال بهذه الأحوال على وجود الصانع. وعقّبه بذكر أحوال الأرض وذكر فيه فصلين هما:

الفصل الأول في بيان أحوال الأرض، والفصل الثاني في بيان الاستدلال بأحوال الأرض على وجود الصانع وقد استغرق الحديث عن كل هذا قرابة عشرين صفحة من القطع الكبير(73).

ومن مظاهر الإطالة والخروج عن أصل الموضوع ذكر موضوعات بتفاصيلها كما في أحوال الأفلاك والأرض.

وكما في مبحث الحسد، فقد ذكر فيه سبع مسائل: الأولى في ذم الحسد، والثانية في حقيقته، والثالثة في مراتبه، والرابعة في أسبابه، والخامسة في سبب كثرة الحسد وقلته وضعفه، والسادسة في الدواء المزيل للحسد، والسابعة عقاب الحاسد، وقد استغرق الحديث عن هذا ما يزيد على سبع صفحات(74).

5- والرازي يولي مسألة تناسب الآيات أهمية خاصة حملت السيوطي على القول بأنه: (قل اعتناء المفسرين به لدقته، وممن أكثر فيه الإمام فخر الدين الرازي)(75).

فعند تفسير قوله تعالى: ]أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل…[(76). نقل عن المفسرين أنهم (ذكروا في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوها:

أحدها: أنه تعالى لما حكم بجواز النسخ في الشرائع فلعلهم كانوا يطالبونه بتفاصيل ذلك الحكم فمنعهم الله تعالى عنها، وبين أنهم ليس لهم أن يشتغلوا بهذه الأسئلة كما أنه ما كان لقوم موسى أن يذكروا أسئلتهم الفاسدة.

وثانيها: لما تقدم من الأوامر والنواهي قال لهم: إن لم تقبلوا ما أمرتكم به وتمردتم عن الطاعة كنتم كمن سأل موسى ما ليس له أن يسأله؛ عن أبي مسلم.

وثالثها: لما أمر ونهى قال: أتفعلون ما أمرتم أم تفعلون كما فعل من قبلكم من قوم موسى؟) 77.

6 – تطرق الرازي في بعض الموارد إلى توجيه الآيات المتشابهة وهي الآيات المتكررة في القرآن الكريم باختلاف يسير، كاختلاف بحرف أو كلمة أو تقديم أو تأخير، وما شابه ذلك من الأمور التي ذكرها أصحاب علوم القرآن(78)، ففي قوله تعالى: ]وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما[(79).

(لقائل أن يقول: إنه تعالى قال هاهنا ]… وكلا منها رغدا…[ وقال في الأعراف: ]… فكلا من حيث شئتما…[(80). فعطف (كلا) على قوله (اسكن) في سورة البقرة بالواو وفي سورة الأعراف بالفاء، فما الحكمة؟

والجواب: كل فعل عطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزاء عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو كقوله تعالى: ]وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا..[(81).

فعطف (كلوا) على (ادخلوا) بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقا بدخلوها فإنه قال: إن دخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصل إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده، يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة الأعراف: ]وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم…[(82). فعطف (كلوا) على قوله (اسكنوا) بالواو دون الفاء لأن (اسكنوا) من السكنى وهي المقام مع طول اللبث والأكل لا يختص وجوده بوجوده، لأن من دخل بستانا قد يأكل منه وإن كان مجتازا، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط وجب العطف بالواو دون الفاء.

إذا ثبت هذا فنقول: إن (اسكن) يقال لمن دخل مكانا فيراد منه؛ إلزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل عنه، ويقال لمن لم يدخل: اسكن هذا المكان، يعني أدخله واسكن فيه. ففي سورة البقرة هذا الأمر إنما ورد بعد أن كان آدم في الجنة فكان المراد منه اللبث والاستقرار. وقد بينا أن الأكل لا يتعلق به فلا جرم ورد بلفظ الواو، وفي سورة الأعراف هذا الأمر إنما ورد قبل أن دخل الجنة فكان المراد منه دخول الجنة وقد بينا أن الأكل يتعلق به فلا جرم أن ورد بلفظ الفاء والله أعلم)(83).

7 – والرازي مولع بذكر الآراء المختلفة في الآية، وهو يسعى دائما لسرد الآراء التي ذكرها المفسرون في الآية، لسنا بحاجة إلى ذكر مثال لهذا فتفسيره طافح بذكر الآراء المختلفة.

والملاحظ في الآراء التي يسردها الرازي ما يلي:

1 – قد يعقب على هذه الآراء بأنه لا حاجة إلى بيانه (الاختلاف في الآراء) لأنه لا يتوقف على عدم معرفته قصور في فهم النص القرآني، فبعد أن ذكر اختلاف المفسرين في نوع الشجرة التي نهي آدم عن أكلها قال: (واعلم أنه ليس في الظاهر ما يدل على التعيين فلا حاجة أيضا إلى بيانه، لأنه ليس المقصود من هذا الكلام أن يعرفنا عين تلك الشجرة، وما لا يكون مقصودا في الكلام لا يجب على الحكيم أن يبينه)(84).

2 – لا يكتفي الرازي في كثير من الموارد بذكر الآراء بل يعقب عليها بما يراه أو – بعبارة أخرى – يعطي رأيه في المسألة، فينتخب رأيا ويرد آخر(85).

وقد يسأل سائل فيقول: إن الفخر الرازي لا يختلف عن الطبرسي والبغوي في ذكر آراء السلف كابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم، فلم يعد تفسيره تفسيرا بالرأي في حين يعد تفسير الطبرسي والبغوي تفسيرا أثريا مع أن الطبرسي كثيرا ما ينقل عن أبي هاشم والبلخي والفراء والزجاج وغيرهم؟

والجواب على هذا: أن الرازي يختلف عن غيره في أنه – وإن ذكر آراء القدامى في التفسير – يذكر ما يرتأيه في أغلب الموارد. وقد يحمل النص القرآني رأيه، بنحو قد يدفعه إلى التناقض في أقٌواله. فعند تفسيره قوله تعالى: ]… وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم…[(86) أقام الدنيا ولم يقعدها ليثبت أنه لا يجوز الخوض في تأويل ما لا يمكن حمله على ظاهره، ولولا خوف الإطالة لذكرنا نص كلامه ليتبين القارئ الكريم مدى سعي الرازي إلى إثبات ذلك، ويطالعنا بعد ذلك تفسيره قوله تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[(87) ذكر كلاما طويلا ذا فروع في أنه لابد من المصير إلى التأويل)(88). ويبدو أن الرازي عندما تناول قوله تعالى: ]… وما يعلم تأويله إلاّ الله…[ كانت نصب عينيه آراء المفسرين في ذلك ومنها رأي الاشاعرة فاتخذ ذلك الموقف، وعندما تناول الآية الثانية تناولها وهو مفسر يتذوق النص القرآني، لهذا قال ما قال، والأمر الملفت للنظر أنه – في المورد الثاني – ناقش من توقف في التأويل ورد قوله بإسهاب.

ولأجل كل هذا عد تفسيره تفسيرا بالرأي.

8 – والرازي يسعى في كثير من الموارد إلى توجيه ما يراه إشكالا على ظاهر نظم القرآن في نظر بعض الناس(89). وقد يشغل نفسه بما هو في غنى عنه لتوجيه ظاهر نظم القرآن(90).

9 – والقصص القرآني لم يذكر في تفسير الرازي إلاّ مختصرا، أو للرد عليه، وبعبارة أخرى أن الرازي لم يعر القصص القرآني أهمية خاصة ن فهو وإن نقل عن وهب بن منبه الذي هو من أبطال الروايات الاسرائيلية لكنه لا يسترسل في ذلك(91).

ومن مظاهر عدم تأكيده على القصص التي ذكرت في توضيح بعض آيات القرآن ما علق به على أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: ]وشروه بثمن بخس…[(92).

(واعلم أن شيئا من هذه الروايات لم يدل عليه القرآن، ولم يثبت أيضاً في خبر صحيح وتفسير كتاب الله لا يتوقف على شيء من هذه الروايات، فالأليق بالعاقل أن يحترز من ذكرها)(93).

10 – إن لأسباب النزول – في تفسير الرازي – محلا شاخصا ومكانة خاصة، فهو لا يألو جهدا في ذكر أسباب النزول وإن تعددت الروايات فيها(94)، ويؤخذ عليه في ذلك أنه لم يتحر الدقة في نقله، ولم يعقب على ما يحتاج منها إلى نقد، إلاّ في موارد نادرة في مقابل بعض الفرق الإسلاميّة.

ولعل ما نقله عند تفسير قوله تعالى: ]وإذا سألك عبادي عني فإني قريب…[(95)، من أن أحد الأقوال في سبب نزولها؛ سؤال موسى ربه خير دليل على ما نقول: فهل يعقل أن يكون ما قاله موسى عليه السلام سببا لنزول آية على نبينا (صلى الله عليه وآله) (96)؟

 

(جوامع الجامع) للطبرسي

بعد أن أتم الطبرسي (ت 548هـ) تأليف كتابه في التفسير (مجمع البيان) عثر على كتاب (الكشاف) للزمخشري (ت 538هـ) فاختصره في كتاب أسماه (الكاف الشاف) كما قال في مقدمة كتابه (جوامع الجامع)(97)، ثم طلب منه ولده أبو نصر الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي أن يجرد من الكتابين (الكشاف) و(مجمع البيان) كتابا ثالثا يكون مجمع بينهما ومحجر عينهما يأخذ بأطرافهما، ويتصف بأوصافهما ويزيد بأبكار طرائف وبواكير لطائف عليهما، فيتحقق ما قيل: أن الثالث خير، فإن الكتب الكبار قد يشق على الشادي حملها ويثقل على الناقل نقلها)(98).

وقد استعفاه الطبرسي في ذلك فأصر ولده عليه فلم يجد بدا من إجابة ذلك، فشرع في كتابة كتاب أسماه (جوامع الجامع) وقد أتمه في اثني عشر شهرا بعدد نقباء موسى عليه السلام وخلفاء النبي (صلى الله عليه وآله). وكان ابتداؤه يوم السبت الثامن عشر من شهر صفر سنة 542 هـ وانتهاؤه في محرم سنة 543 هـ(99).

والذي يهمنا هنا قبل الدخول في الموضوع أن عبارة الطبرسي (أما بعد فإني لما فرغت من كتابي الكبير في التفسير الموسوم بمجمع البيان لعلوم القرآن، ثم عثرت من بعد بالكتاب الكشاف لحقائق التنزيل لجار الله العلامة) يدل دلالة واضحة أنه أثناء تأليفه مجمع البيان لم يشاهد الكشاف، ولم يطلع عليه. وإنما رآه بعد إتمام تأليف مجمع البيان؛ ولكني عثرت أثناء مطالعتي مجمع البيان على ثلاثة نصوص مقتبسة من الكشاف صرح فيها الطبرسي بنسبتها إلى الزمخشري(100).

ويبدو أن الطبرسي بعد اطلاعه على الكشاف وإعجابه به اقتبس منه هذه النصوص الثلاثة وضمنها كتابه بعد أن أتمه. أو أن هذه النصوص الثلاثة سقطت إليه من الكشاف بواسطة شخص آخر كتلميذه ابن شهرآشوب المازندراني (ت 588 هـ) الذي تتلمذ للزمخشري أيضاً ويمكن تلخيص طريقة الطبرسي في هذا الكتاب مع رعاية الاختصار بما يلي:

1 – إن الكتاب تلخيص لكشاف الزمخشري أكثر من أن يكون جمعا بين فوائد الكتابين، أي إذا حاولنا تحليل عبارات الطبرسي في (جوامع الجامع) وجدنا أكثرها اختصار عبارات الزمخشري، وليس فيه مما في (مجمع البيان) إلاّ القليل بالنسبة إلى ما أخذ عن الكشاف ففي قوله تعالى: ]في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا…[(101). قال (استعير المرض لإعراض القلب، كسوء الاعتقاد والغل والحسد وغير ذلك مما هو فساد وآفة شبيهة بالمرض، كما استعيرت الصحة والسلامة في نقائض ذلك، والمراد به هاهنا ما في قلوبهم من الكفر أو من الغل والحنق على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين…)(102).

وهذا النص قريب جدا مما جاء في الكشاف باختصار بعض الجمل(103).

ولو أردنا إيراد عبارة الطبرسي من مجمع البيان إضافة إلى عبارة الزمخشري في الكشاف لطال بنا المقام، وخرج الأمر إلى حد الملل.

وهذا لا يعني أن الطبرسي لا يضيف من مجمع البيان شيئا، بل ينقل بعض ما ذكره هناك وأكثر ما يكون ذلك في نقل أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام. فقد ذكر أن المراد من قوله تعالى: ]… وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم…[(104). (أي الثابتون في العلم الضابطون له المتقنون فيه واختلف في نظمه وحكمه على قولين: أحدهما أن (الراسخون) معطوف على (الله) بالواو على معنى أن تأويل المتشابه لا يعلمه إلاّ الله وإلا الراسخون في العلم فإنهم يعلمونه… وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام فانه قال: كان رسول الله أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما أنزل الله عليه من التأويل والتنزيل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله هو وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله)(105).

وهذا القول ذكره مختصرا في (جوامع الجامع) (وهو المروي عن الباقر عليه السلام قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين في العلم)(106). وهذه العبارة ليست في الكشاف.

2 – إن الشيخ الطبرسي قد يذكر في (جوامع الجامع) ما رآه الزمخشري، ولا ينقل ما ذكره هو في (مجمع البيان) ولا يشير إليه. وفي هذا ترجيح لجانب الكشاف. ففي قوله تعالى: ]… لن تراني…[(107). ذكر في (مجمع البيان) أن (لن) تفيد تأبيد النفي(108)، بينما ذكر في (جوامع الجامع) أنها تأكيد نفي المستقبل109 وهذا كما في الكشاف(110).

وهذا لا يعني أن الطبرسي يتابع الزمخشري في كل ما يذكره، فقد يذكر شيئا مما أورده الزمخشري في الكشاف ثم يرد عليه كما في مسألة مسح الرجلين.

3 – بما أن (جوامع الجامع) جمع فوائد كتابين هما (الكشاف) و(مجمع البيان)، والكشاف ينحو فيه الزمخشري منحى بلاغيا، نرى أثر ذلك في (جوامع الجامع) واضحا بنحو نستطيع معه القول أن اتجاهه فيه بلاغي كالكشاف. وقد يقتصر بحثه في الآية على موضع البلاغة فيها(111).

4 – والطبرسي – تبعا للزمخشري في الكشاف – لا يتناول بالتفسير كل كلمات الآية كما هو ديدنه في (مجمع البيان) بل يقتصر عادة على ما اقتصر الزمخشري عليه في (الكشاف).

5 – والطبرسي في (جوامع الجامع) لا يلتزم بذكر ما يسعه جمعه من آراء قيلت في تفسير كلمة أو مقطع أو آية. وهذا على عكس ما نراه في (مجمع البيان)؛ فقد عودنا الطبرسي في (مجمع البيان) على ذكر ثلاثة آراء أو أربعة أو خمسة أو أكثر، بينما لا نلاحظ ذلك في (جوامع الجامع) حيث يقتصر عادة على ما يذكره الزمخشري في الكشاف.

 

الهوامش:

 

1حذفنا بعض الاستشهادات المطولة المنقولة من مجمع البيان توخيا للاختصار وأحلنا القارى الكريم إلى المصدر (التحرير).

2البقرة / 1 – 2.

3جامع البيان 1 / 67.

4جامع البيان 1 / 68.

5أنظر على سبيل المثال الوجوه التي ذكرها عن تناسب قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) الأنفال / 5، مجمع البيان 2 / 520، كذلك أنظر: 1 / 385، 2 / 7 و 12 و14 و19 و20، 5 / 26 و28 و30 و44 و48 و57 و73.

6الأنعام: 141.

7مجمع البيان 2 / 154.

8المائدة: 2.

9أنظر: 2 / 216، 4 / 155 وغيرها.

10مجمع البيان 2 / 24، 46، 55، 61، 126 وغيرها.

11النور / 61، مجمع البيان 4 / 155 – 156.

12الأنعام: 141.

13مجمع البيان 2 / 375.

14 – الأنعام:141.

15 – مجمع البيان 2 / 375 وانظر كذلك 1/28و39و240،2/299و546، 3 / 7 و 9 و 24 و 55 و 61، 4 / 375 و 389، 5 / 181 وغيرها.

16 – القصص: 27.

17 – مجمع البيان 4 / 349.

18 – البقرة: 23.

19 – الطور: 34.

20 – يونس: 38.

21 – الإسراء:88.

22 – مجمع البيان 1 / 62.

23 – الأحزاب: 37، مجمع البيان 4 / 360.

24 – انظر مجمع البيان 1 / 240 في تفسير الآية 206 من سورة البقرة.

25 – البقرة: 206.

26 – مجمع البيان 1: 301.

27 – مجمع البيان 1 / 107، 116، 134، 203، 347، 357 وغيرها.

28 – البقرة / 88.

29 – مجمع البيان 1 / 157.

30 – فتاوى ابن تيمية 2 / 193.

31 – معالم التنزيل 1 / 28 – 30.

32 – معالم التنزيل 1 / 29.

33 – آل عمران / 190.

34 – معالم التنزيل 1 / 384.

35 – آل عمران / 191.

36 – معالم التنزيل 1 / 385.

37 – معالم التنزيل 1 / 64.

38 – البقرة / 255.

39 – معالم التنزيل 1 / 226 – 235.

40 – آل عمران: 49.

41 – معالم التنزيل: 204.

42 – البقرة: 259.

43 – معالم التنزيل 1 / 244.

44 – معالم التنزيل 1 / 245.

45 – معالم التنزيل 1 / 232 – 235.

46 – انظر معالم التنزيل 1 / 35، 60.

47 – معالم التنزيل 1 / 39 و 41.

48 – البقرة: 15.

49 – معالم التنزيل 1 / 295.

50 – آل عمران / 36.

51 – معالم التنزيل 1/295.

52 – البقرة / 255.

53 – في معالم التنزيل (عمله) ويبدو انه خطأ مطبعي.

54 – معالم التنزيل 1 / 240.

55 – البقرة: 7.

56 – معالم التنزيل 1 / 49.

57 – البقرة / 9.

58 – معالم التنزيل 1 / 50 وانظر كذلك 1: 241.

59 – من مقدمة طبعة دار التقريب بالقاهرة.

60 – من مقدمة دار التقريب بالقاهرة 1 / 20.

61 – حذفنا بعض الاستشهادات المطولة المنقولة من مجمع البيان توخيا للاختصار واحلنا القارئ الكريم إلى المصدر (التحرير).

62 – أستاذ في جامعة مشهد.

63 – البقرة / 6.

64 – التفسير الكبير 1 / 36.

65  – البقرة / 70.

66 – التفسير الكبير 3 م 120.

67 – التفسير الكبير 1 / 68 – 71.

68 – البقرة / 31.

69 – التفسير الكبير 2 / 175 – 208.

70 – التفسير الكبير 2 / 52 – 53.

71 – التفسير الكبير 2 /36 – 37.

72 – البقرة / 164.

73 – التفسير الكبير 4: 180 – 201.

74 – التفسير الكبير 3: 236 – 244.

75 – الاتقان 3 / 369.

76 – البقرة / 108.

77 – التفسير الكبير 3 / 236.

78 – البرهان في علوم القرآن 1 / 145، والإتقان 3 / 390.

79 – البقرة / 35.

80 – الأعراف / 19.

81 – البقرة / 58.

82 – الأعراف / 161.

83 – التفسير الكبير 3 / 4، وانظر كذلك 15 / 34.

84 – التفسير الكبير 3 / 5 – 6.

85 – ـ التفسير الكبير 3 / 2. وانظر كذلك 7 / 125.

86 – آل عمران / 7.

87 – طه / 5.

88 – التفسير الكبير 22 / 6.

89 – التفسير الكبير 3 / 170، 6 / 112، 7 / 144.

90 – التفسير الكبير 12 / 40 – 41.

91 – التفسير الكبير 18 / 87.

92 – يوسف / 20.

93 – التفسير الكبير 18 / 109… وانظر كذلك 18 / 120.

94 – التفسير الكبير 12 / 26، 5 / 94.

95 – البقرة / 186.

96 – التفسير الكبير 5 / 94.

97 – جوامع الجامع 1 / 2.

98 – جوامع الجامع 1 / 2 – 3.

99 – جوامع الجامع / 557 (الطبع القديم).

100 – مجمع البيان 3 / 259 من الكشاف 1 / 651، ومجمع البيان 2 / 457 من الكشاف 2 / 101؛ ومجمع البيان 4 / 203 من الكشاف 3 / 131.

101 – البقرة / 10.

102 – جوامع الجامع: 1 / 20.

103 – الكشاف: 1 م 175.

104 – آل عمران: 7.

105 – مجمع البيان 1 / 41.

106 – جوامع الجامع: 1 / 160.

107 – الأعراف: 143.

108 – مجمع البيان 2 / 474.

109 – جوامع الجامع 1 / 468.

110 – الكشاف 2 / 113.

111 – جوامع الجامع 1 / 21.

 

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً