أ. مشتاق بن موسى اللواتي
1ـ النقص في الموضوعات
المناهج الدراسية الدينية في بعض المؤسسات الدينية تتمحور ـ من حيث المبدأ ـ حول درس الفقه والأصول ودرس آيات الاحكام الفقهية في القرآن الكريم.
ولا تشتمل على دراسات قرآنية متعلقة بعلوم القرآن وكذلك الحال بالنسبة لدراسات الحديث وعلومه.
كما لا يدرس الطالب فيها الفقه المقارن فضلاً عن دراسة الفقه والقانون من منظور مقارن.
من جهة أخرى فإن الطالب طبق هذه المناهج له الخيار في أن يدرس في حقل العقيدة بعض المتون في الكلام أو الفلسفة السينوية والصدرية ولو عبر مؤلفات متأخرة ولا يدرس الفكر الفلسفي الحديث.
و لا يدرس الأديان والمذاهب المقارنة فضلاً عن المذاهب الفكرية المعاصرة.
ولا يدرس الطالب القضايا الفكرية العقدية التي تطرح في زماننا والتي تتعلق بالتوحيد والنبوة والامامة والمعاد وما يرتبط بها من مسائل الوحي وخاتمية النبوة والعصمة وشمولية الدين والقرآن الكريم ومدى توافقه مع العقل والعلم ومدى توافق الدين والشريعة مع العلم ومدى تلبية الدين لمتطلبات الحياة المعاصرة.
كما لا يتلقّى دروساً تحليلية اجتماعية في نظم الشريعة وأهدافها وحكمتها ومدى صلاحيتها لتطورات الحياة الاجتماعية.
ومن جهة ثالثة فانه لا يدرس السيرة والتاريخ الإسلامي.
وبهذا فإن الطالب في معظم هذه الحقول الدينية المهمة إما أنه لا يعرف ما يدور في المشهد الفكري والمعرفي المعاصر إلاّ لماماً، وإما تكون لديه متابعات محدودة من خلال مطالعاته ومتابعاته الذاتية.
2ـ غياب مناهج البحث العلمي
أضِفْ إلى ذلك أنه لا يدرس مناهج البحث العلمي في هذه الحقول ولا يدرب على كيفية البحث والكتابة فيها كما لا يتلقى دورات في الخطابة والإلقاء والمشاركة في الندوات ولا يحضر المؤتمرات الفكرية.
وبهذا فإنه يعاني من فجوة واسعة بين ما تلقاه والتحديات والتساؤلات والإشكالات الفكرية التي يضج بها المشهد الفكري المعاصر.
ويظهر أن منهم مَنْ قطع أشواطاً واسعة من الدرس الفقهي والأصولي ولكنه لا يعرف المعاملات المستجدّة فضلاً عن أن يحكم البحث فيها للوصول إلى رؤى فقهية لأن دراساته تخلو منها.
ومن ذلك تنتج جملة من المشكلات تتعلق بضعف الطرح الديني والخطاب الديني في الشكل والمضمون.
ولهذا حان الوقت للنظر في تطوير هذه المناهج شكلاً ومضموناً وفق المتطلبات والتحديات المعاصرة.
3ـ طبيعة العلاقة بين الخطاب الديني والمناهج الدراسية
إن العلاقة بين الخطاب الديني والمناهج الدراسية تقترب من العلاقة بين المقدمات والنتائج.
وهذه المقالة هي بمثابة رسالة إلى مَنْ يهمه الأمر، وهدفها أن تسترعي النظر إلى أهمية المراجعة والتطوير ليس إلاّ.
يبدو أن هناك قناعة راسخة لدى القائمين على بعض هذه المؤسسات مفادها: إن مستوى مناهجها عال مناسب، وهي وإنْ كانت تتمحور حول الفقه والأصول، إلاّ أن الطالب يدرس إلى جانبها علوماً مساعدة في اللغة والمنطق توفر له إمكانيات الفهم وأصول البحث والاستنتاج والنقد المنطقي.
وإن الطالب المواظب على مقررات الدراسة والمباحثة والمذاكرة تتكون لديه خلال سنيّ الدراسة ملكات بحثية وعلمية تؤهِّله لفهم الخطابات الدينية من الكتاب والسنّة واستخراج مختلف المفاهيم والأحكام من مصادرها، عبر إعمال الأصول والقواعد التي تلقاها وتمرس على تطبيقها.
كما تتشكَّل لديه معرفة عميقة بأحكام الشريعة في العبادات والعقود والايقاعات والأحكام، أو حسب التصنيف الإجمالي في العبادات والمعاملات.
وهذه المعرفة التراكمية تجعله ملمّاً ليس بالمسائل الفرعية للشريعة بل كذلك بمداركها وأدلتها وحججها، وكذلك بالاتجاهات العامة التي ترسمها الشريعة للحياة.
والدراسة في هذه المؤسسات العريقة تتبع أسلوب استعراض مختلف الآراء المطروحة حول الموضوع محل الدرس، وطرح أدلتها وأسانيدها ومناقشتها ونقدها وهذا يكسب الطالب قدرة عالية على التحليل والتفكيك والمناقشة النقدية للأفكار والآراء وتكوين رؤى مستقلة.
وفي الوقت نفسه تتيح له متابعة التوجهات البحثية المتعددة في الفقه والأصول بالإضافة إلى الحديث والتفسير.
وبهذا ـ وحسب هذه النظرة ـ فإن الطالب يتمرس خلال دراسته على مزاولة جملة من مبادىء علوم القرآن والسنة خلال دراسة الآيات والروايات المتعلقة بالأحكام الشرعية، حيث يدرسها من مختلف الوجوه المتعلقة بالصدور والسند ـ للروايات ـ والدلالة ودرجتها ومستواها كما يدرس العلاقات بين الآيات والرويات وعموم الأدلة.
وهذا بدوره يجعله قادراً على دراسة مجمل الأمور المتعلقة بالدين عبر البحث في المصادر المقررة.
وبهذا فإن هذه المناهج بمجموعها تؤهِّل الطالب لدراسة مجمل الأفكار والتساؤلات والإشكالات التي تطرح في الساحة الفكرية عبر عرضها على المصادر الأساس والقواعد والكليات التي استوعبها وهضمها.
كما تكون لديه المكنة العلمية على فحص الأفكار وأسانيدها وتحليلها وتفكيكها ونقدها وقبولها أو ردّها وتقديم رؤى فكرية منسجمة مع تعاليم الدين.
أضِفْ إلى ذلك أن الأبواب ليست موصدةً أمام الطالب ـ إنْ رغب ـ أن يدرس سائر المواد العلمية التي توفِّرها المؤسَّسات.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أن هناك محاولات لتطوير المناهج قامت بها بعض المؤسسات وأدخلت بموجبها عدداً من المواد الدراسية المساعدة، كفلسفة الدين وعلم الكلام الجديد والأديان والمذاهب المقارنة وهكذا.
4ـ استخلاصٌ ورأي
مع تقديرنا لهذه الرؤية، إلا أن الدراسة المركزة في حقل معين من شأنها أن تخرِّج متخصصين مقتدرين فيه يكونون مسكونين بقضاياه ومشكلاته.
ويكون شاغلهم الأساس في البحث فيما تخصَّصوا فيه ومتابعة ورصد الأسئلة المتصلة به وتقديم المعالجات للمشكلات التي تواجهه. وعليه فإنهم في الغالب لا توجد لديهم الدافعية لمتابعة المشهد الفكري والمعرفي والإسهام الإيجابي فيه خارج مجالهم.
وفي المقابل فإن من إيجابيات تلقّي الطلبة ـ في بعض مراحل الدراسة ـ لمواد فكرية متعددة متصلة بالدين، أنها ستوجه أنظارهم إلى مختلف القضايا الفكرية وتفتح آفاقهم المعرفية على مجالات فكرية متنوعة، وتوجد لديهم قلقا فكرياً وهاجساً معرفياً يدفعهم للبحث عن التساؤلات والإشكالات المطروحة فيها وتقديم نتاجات علمية رصينة فيها، مما يسهم بفاعلية في الحراك الفكري.
وربما دفعهم ذلك للتخصُّص في بعض تلكم المجالات، الأمر الذي يؤدّي إلى إيجاد متخصصين في مختلف مجالات الفكر الديني أو المجالات التي تخدم هذا الفكر، مما يسهم في تنشيط وإثراء الحركة الفكرية.
وأخيراً، وحسبما انتهت إليه الدراسات التربوية، إن عمليات مراجعة المناهج وتطويرها يلزم أن تكون متواصلة ومستمرة في المؤسسات التعليمية.
والمؤسسات الدينية ليست بدعاً عنها، ولكلّ ما سبق، فإنه بات أمراً ملحّاً ومهمّاً لمواكبة المشهد الفكري المعاصر.