أجمع الفقهاء على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس، غير أنهم اختلفوا في كيفية التحقق من وقوع غروب الشمس، أي في علاماته ودلالاته التي تكشف عن وقوعه.
قال العلامة محمد بن يوسف الحلي (ت ٧٢٦هـ) في كتابه التذكرة: أول وقت المغرب غروب الشمس بإجماع العلماء، واختلف علماؤنا في علامته.
قال المحقق يوسف البحراني (ت ١١٨٦هـ) في كتاب الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب في أن أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس، قال في المعتبر: وهو إجماع العلماء، وإنما الخلاف في ما به يتحقق الغروب.
وانقسم الموقف الفقهي في هذه المسألة إلى رأيين رئيسين، وهما:
الأول: يتحقق الغروب عند سقوط قرص الشمس بدلالة غياب الحمرة المشرقية.
الثاني: يتحقق الغروب عند سقوط قرص الشمس واستتاره عن الأفق.
وسنشير في هذه المقالة الى نصوص فقهية حول هذه المسألة لفقهاء الإمامية من القرن الرابع الى القرن العاشر الهجري.
وسنصنف كلمات الفقهاء حسب وضوحها؛ الى ثلاثة أصناف وهي:
الصنف الأول: صرح بتحقق الغروب عند سقوط قرص الشمس واستتاره، وعلامة ذلك هو ذهاب الحمرة المشرقية، وذهب الى ذلك جماعة من العلماء منهم:
1ـ الحسن بن علي بن ابي عقيل العماني (ت ق4هـ) ولم تصلنا كتبه، ولكن نقل عنه العلامة الحلي (ت ٧٢٦هـ) في كتاب مختلف الشيعة، قال: إن أول وقت المغرب سقوط القرص وعلامته أن يسود أفق السماء من المشرق وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو واشتباك النجوم.
2ـ محمد بن محمد النعمان، الشيخ المفيد (ت ٤١٣هـ) في كتابه المقنعة، قال: وأول وقت المغرب مغيب الشمس وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق.
3ـ محمد بن الحسن، الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠هـ) وله قولان، أحدهما في كتابه النهاية، قال: وأول وقت صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس وعلامته سقوط القرص وعلامة سقوطه عدم الحمرة من جانب المشرق.
وقال في المبسوط: وفي أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من ناحية المشرق وهو الأحوط.
4ـ تقي الدين، أبو الصلاح الحلبي (ت ٤٤٧هـ) في كتابه الكافي، قال: وأول وقت المغرب غروب الشمس ـ وهو الافضل ـ وعلامة غروبها اسوداد المشرق بذهاب الحمرة.
5ـ محمد بن علي، ابن حمزة الطوسي (ت ٥٦٠هـ) في كتابه الوسيلة، قال: وقت المغرب غروب الشمس وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق.
6ـ محمد بن منصور، ابن ادريس الحلي (ت ٥٩٨هـ) في كتابه السرائر، قال: فاذا غربت الشمس ويعرف غروبها بذهاب الحمرة من ناحية المشرق فاذا ذهبت دخل وقت صلاة المغرب.
7ـ جعفر بن الحسن، المحقق الحلي (ت ٦٧٦هـ) وله قولان، أحدهما في كتابه المعتبر ، قال: مسألة: أول وقت المغرب عن غروب الشمس وهو إجماع العلماء…و بعد بحث في أوقات الفرائض والنوافل، قال: مسألة: ويعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، وبعد ذكر بعض الروايات والاقوال حول سقوط القرص وذهاب الحمرة المشرقية ، قال: اذا ذهب الشفق المشرقي، وأضاف: وهو اختيار الشيخ في النهاية وعليه عمل الأصحاب، وذكر رواية ضعيفة في المقام، وأردف: لكنها مطابقة لأحاديث كثيرة، يعضدها عمل الأصحاب والاعتبار، وأيده بقوله: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا أقبل الليل من هنا وأدبر النهار من هنا وغربت الشمس أفطر الصائم.
والرواية المذكورة، وردت في عدة مصادر حديثية منها صحيح البخاري، في باب متى يحل فطر الصائم، حديث رقم (1954) قال: إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.
8ـ يحيى بن سعيد الحلي (ت ٦٨٩هـ) في كتابه الجامع للشرائع، قال: ووقت المغرب غيبوبة الحمرة المشرقية.
9ـ الحسن بن يوسف، العلامة الحلي (ت ٧٢٦هـ) في كتابه التحرير، قال: إذا غربت الشمس دخل
وقت المغرب ويعرف غروبها بغيبوبة الحمرة المشرقية ولا يكفي استتار القرص على أصح القولين.
وفي كتابه المنتهى: أول وقت المغرب غروب الشمس، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم،لا نعرف فيه خلافا… ويعرف الغروب بذهاب الشفق المشرقي، ذهب إليه أكثر علمائنا. وفي كتابه التذكرة، قال: المشهور ـ وعليه العمل ـ إذا ذهب الشفق المشرقي.
10ـ محمد بن الحسن الحلي، فخر المحققين (ت 771هـ)، في كتابه إيضاح الفوائد، قال: وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقة.
11ـ محمد بن مكي العاملي، الشهيد الأول (ت ٧٨٦هـ) في كتابه الدروس، قال: وأول وقت المغرب غروب الشمس ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية على الاقوى لا باستتار القرص.
وقال في كتابه الذكرى: السابعة: أول وقت المغرب غروب الشمس بالإجماع… وقال في الثامنة: يعلم الغروب بذهاب الحمرة المشرقية في الأشهر.
وأورد بعض الروايات والاقوال حول سقوط القرص وحول التحقق من الغروب، ثم انتهى بالجمع بينهما وقال: والجواب: كل خبر فيه غيبوبة القرص محمول على ذهاب الحمرة حملا للمطلق على المقيد.
12ـ علي بن الحسين العاملي، المحقق الكركي (ت ٩٤٠هـ) في كتابه جامع المقاصد؛ قال: قوله ـأي الماتن وهو العلامة الحلي ـ وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس المعلومة بذهاب الحمرة المشرقية، قال الكركي: هذا هو الأصح وعليه عمل أكثر الأصحاب. وأشار الى مسألة سقوط القرص وما استدل لها من روايات وقال: لا دلالة فيهما على تحقق الغروب قبل ذهاب الحمرة، فتبقى الأخبار الصريحة باعتبار زوالها بغير معارض.
الصنف الثاني: صرح بتحقق الغروب عند استتار قرص الشمس وسقوطه ، وذهب إليه جماعة من العلماء، منهم:
1ـ محمد بن علي، الشيخ الصدوق (ت 381هـ)، في كتابه علل الشرائع، روى رواية حول تحقق الغروب عند زوال الحمرة المشرقية، وأعقبها بعدة روايات تفيد دخول وقت المغرب عند ظهور كوكب في السماء وحين غياب كرسي الشمس وسقوط القرص. وبعدها قال: إنما أوردت هذه الأخبارعلى أثر الخبر الذي في أول هذا الباب، لأن الخبر الأول احتجت إليه في هذا المكان لما فيه من ذكر العلة، وليس هو الذي أقصده من الأخبار التي رويتها في هذا المعنى، فأوردت ما أقصده واستعمله وأفتي به على أثره، ليعلم ما أقصده من ذلك.
2ـ محمد بن أحمد، ابن الجنيد الاسكافي(ت ٣٨١هـ) ولم تصلنا كتبه، وقد نقل عنه العلامة الحلي في كتاب مختلف الشيعة: قال: غروب الشمس وقوع اليقين بغيبوبة قرصها عن البصر من غير حائل بينهما ولم يعتبر الحمرة. ويظهر أن العبارة الأخيرة تعليق للعلامة على كلامه.
3ـ الشيخ الطوسي في قوله الآخر في كتابه المبسوط، قال: وقت المغرب غيبوبة الشمس…و علامة غيبوبة الشمس هو أن إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ولا حايل بينه وبينها ورآها قد غابت عن العين علم غروبها.
وسبق تكملة كلامه بالاحتياط بذهاب الحمرة المشرقية.
4ـ عبد العزيز بن نحرير، القاضي ابن البراج الطرابلسي (ت ٤٨١هـ) في كتابه المهذب، قال: المغرب وله وقتان: أول وآخر، فالأول سقوط القرص من أفق المغرب والآخر غيبوبة الشفق من جهته.
5ـ المحقق الحلي في قوله الآخر في كتابه الشرائع، قال: اذا غربت الشمس دخل وقت المغرب…و الغروب باستتار القرص، وقيل بذهاب الحمرة المشرقية وهذا الأشهر.
6ـ السيد محمد العاملي (ت ١٠٠٩هـ)، في كتابه مدارك الأحكام، قال: لا ريب أن الاحتياط للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم، وإن كان القول بالاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو من قوة.
الصنف الثالث: أجمل كلامه بغروب الشمس أو مغيبها ولم يحدد كيفية تحققه: وهؤلاء جماعة منهم:
1ـ محمد بن علي، الشيخ الصدوق في كتابه المقنع، قال: اعلم أنه لا يجوز لك الافطار إلا إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع من غروب الشمس.
قال المحقق محمد حسن النجفي (ت 1266هـ) في كتابه الجواهر، وإن كان اعتبارها ـالأنجم الثلاث ـ لازما للقول بذهاب الحمرة (المشرقية) او قريبا منه، وأضاف: ومنه يعلم أنه مذهب الصدوقين (هو ووالده (ت ٣٢٩هـ) في الرسالة والمقنع. غير أن السيد الخوئي (ت 1992م) في كتاب التنقيح ـ علق قائلا: إن الأنجم ولا سيما الكواكب المنيرة أعني كبارها قد ترى قبل ذهاب الحمرة وتجاوزها.
2ـ علي بن الحسين، السيد المرتصى (ت ٤٣٦هـ) في كتابه الناصريات، قال: للمغرب وقتان كسائر الصلوات، عندنا إن أول وقت المغرب مغيب الشمس.
وفي الرسائل سئل عن وقت أول صلاة المغرب، هل لسقوط القرص أم ظهور أنجم لا ترى بالنهار؟ فأجاب: إذا غربت الشمس دخل وقت صلاة المغرب من غير مراعاة لطلوع الأنجم.
3ـ سلار بن عبد العزيز (ت ٤٤٨هـ) في كتابه المراسم، قال: ووقت المغرب عند غروب الشمس.
4ـ حمزة بن علي، ابن زهرة الحلبي (ت ٥٨٥هـ) في كتابه غنية النزوع، قال: فاذا غربت الشمس خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب.
وفي الختام نشير إلى أمور توضيحية:
أـ استعرضنا في هذه المطالعة، جملة من الآراء البارزة خلال الفترة المذكورة، وتبين لنا أن كلا الرأيين الفقهيين معروف، وقد تبنى فقهاء الإمامية الرأيين منذ عصور متقدمة، وليس من أغراض المقالة ترجيح أحدهما على الآخر.
ب ـ إن منشأ الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة كسواها، يرجع إلى عوامل أهمها اختلاف الروايات وإلى تعدد مناهج التعامل معها.
ج ـ إن أحد الرأيين، وهو تحقق الغروب بدلالة ذهاب الحمرة المشرقية، أشهر، كما صرح بعض الأعلام، ويظهر أنه كان مطروحا في القرن الثالث والرابع الهجريين، ومع ذلك، فإن الرأي الآخر مشهور أيضا، حسب تعبير بعض الأعلام.
د ـ إن بعض من ذهب إلى تحقق الغروب بسقوط قرص الشمس عن النظر أو استتاره بغير حائل، صرح بأن الرأي الأول أحوط، ويحقق فراغ الذمة اليقيني.
هـ ـ إن أكثر النصوص الفقهية المذكورة أعلاه، عدت ذهاب الحمرة المشرقية علامة كاشفة عن تحقق الغروب، غير أن عبارة الفقيه يحيى بن سعيد الحلي (ت 689هـ) جاءت مقتضبة، وقد يظهر منها، أن وقت المغرب عنده هو نفس ذهاب الحمرة المشرقية على نحو الموضوعية وليس الطريقية فلم يصرح بكونها علامة كاشفة عن الغروب، وقد يقال إن ضغط العبارة واقتضابها قد يوهم ذلك، وإلا فالمحصلة هي ذاتها.
و ـ نظرا لأن مسألة التفصيل في كيفية تحقق الغروب كانت مطروحة في كلمات الفقهاء منذ القدم، أدرجنا الكلمات التي لم تحدد كيفية تحققه، في الصنف الثالث.
ز ـ يلحظ من النصوص الفقهية أن بعض القدماء نسب إليه أكثر من رأي، بمعنى أن بعض العلماء استظهر أن أحدهم يرى رأيا، واستنتج آخر، أنه يرى رأيا مغايرا. ومرد ذلك في الغالب إلى مستوى البحث والتتبع في الآراء أو إلى وجود أكثر من قول لبعض العلماء، أو إلى وجود نوع إجمال في تعبيراتهم.
وفي هذا الصدد، قال المحقق البحراني في الحدائق ـ في سياق مناقشة ما استفاده بعض العلماء من بعض الروايات التي وردت فيها عبارات غيبوبة القرص وغروب الشمس ـ قال: وبالجملة فإن غيبوبة القرص وغروب الشمس ونحو ذلك من هذه العبارات مجملة قابلة للحمل على كل من القولين، إذ إن لفظ القرص ولفظ الشمس بمعنى واحد ولفظ الغيبوبة ولفظ الغروب بمعنى واحد كما لا يخفى. ونلحظ حسب رأيه، إن عبارة غيبوبة القرص وسقوطه أيضا مجملة.
كما توقف المحقق محمد حسن النجفي، في الجواهر، عند عبارات بعض القدماء الذين نسب إليهم أنهم ذهبوا إلى تحقق الغروب باستتار قرص الشمس، فلم يجدها صريحة في المقام .
قال عن رأي ابن الجنيد الإسكافي: بل لعله ـ أي ذهاب الحمرة المشرقية ـ مذهب الاسكافي أيضا. لأن اعتبار المشهور ذهابها للدلالة على غيبوبة القرص نفسه عن تمام أفق الارض المستوية، وإلا فالجميع اتفقوا على دخول وقت المغرب بغيبوبة الشمس. وأضاف: ولعله ـ الإسكافي ـيريد بقوله عن النظر، نظر الجميع بحيث يشمل من لم يكن حائلاً بينه وبين الأفق. وبعد التأمل والمراجعة في كلمات بعض القدماء الذين نسب إليهم كفاية سقوط القرص في تحقق الغروب، قال: ومن ذلك يعلم أنه لا صراحة في المحكي عن هداية الصدوق والمرتضى أيضا وسلار والقاضي (ابن البراج) لأنهم إنما عبروا بذلك خاصة.
وقال عن رأي الشيخ الطوسي في المبسوط: ولا صراحة في مبسوطه بالخلاف، بل لعله الى المشهور أقرب، خصوصاً إن قلنا إن الاحتياط في عبارته للوجوب كما هي عادته في الاستدلال به في العبادات. والحمد لله رب العالمين.