أحدث المقالات

ـ القسم الثالث ـ

د. الشيخ خالد الغفوري(*)

 

البحث الخامس: في معارضة الحديث

1ـ المعارضة مع بعض الأحاديث

أـ لقد ادّعي وجود المعارض لما رواه أبو بكر. ومن ذلك: ما رواه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري بطريق أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: «أنت ورثت رسول الله| أم أهله؟» قال: بل أهله، قالت: «فما بال سهم رسول الله|؟»، قال: إنّي سمعت رسول الله| يقول: إنّ الله أطعم نبيَّه طعمة، ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده، فولّيت أنا بعده على أن أردّه على المسلمين([1]).

وقد اشتمل هذا الحديث على أمرين:

الأول: هو اعتراف أبي بكر صريحاً بأنّ النبي| موروثٌ يرثه أهله.

والقاعدة المتَّبعة في الأخبار المتعارضة هي الرجوع إلى المرجِّحات، التي منها موافقة الكتاب. وعليه يكون الخبر الثاني مقدَّماً.

الثاني: إنّ صرفه إرث النبي| على المسلمين كان استنباطاً من قول رسول الله|: «إنّ الله أطعم نبيّه طعمة» أن يُجرى رسول الله| عند وفاته مجرى ذلك النبيّ([2]). فلم يثبت كونه خبراً، وإنَّما هو اجتهاد في فهم كلام النبيّ|.

ب ـ كما رُوي عن النبي| قوله: «ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عيالي [عاملي] فهو صدقة»([3]). ففي هذا الحديث تصريح بعدم كون جميع تركة النبي| صدقة، بل استُثني منها نفقة نسائه ومؤونة عياله. وممّا لا يخفى على ذي مِسْكة المعارضة بين مفاد هذا الحديث وحديث «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث».

وقد يقال بإمكانية الجمع بينهما بالتخصيص، إلاّ أنّ دعوى التخصيص هنا غير مقبولة؛ لأنّ لسان الحديث الأول لسانٌ قاطع يبيِّن استثناءً للنبيّ| من حكم الإرث، وصيرورة المال المتروك صدقة، فيكون آبياً عن التخصيص.

وبعبارةٍ أخرى: لو كان التعبير: (ما تركنا صدقة) ونحوه فقط، من دون قول: (لا نورث)، لأمكن قبول دعوى التخصيص. فهنا تنافٍ جليٌّ بين المفادين؛ فإنّ الحديث الثاني يثبت التوريث بمقدار نفقة العيال ومؤونتهم.

ولو تنزَّلنا وقلنا بإمكانية التخصيص فهذا معناه استثناء نفقة نساء النبي| ومؤونة عياله مهما بلغت مع كثرتهنّ([4]). وهو غير معلوم من ناحية المقدار بصورةٍ دقيقة. ومن المحتمل قوياً إرادة النفقة والمؤونة مدى الحياة، ومقتضى ذلك استثناء لمبلغٍ معتدّ به، وهذا لا يتلاءم مع نفي التوريث عن أموال النبيّ|.

ومع الإغماض عمّا تقدَّم فإنّ عدم التوريث يستلزم عدم وصول أمواله| إلى ورثته، وعدم انتفاعهم بها مطلقاً، ولو بمقدارٍ يسير. فحتّى لو ادُّعي قلّة المؤونة فالتنافي مستحكِمٌ.

مضافاً إلى عدم معلومية مقدار المؤونة إلاّ بعد انقراض عياله كافّة، وقبل ذلك لا يُمكن جعل أموال النبيّ| صدقة، بل تكون أمواله مجمّدة خلال هذه المدّة الطويلة حتّى يتبيّن الحال. وهي نتيجةٌ عجيبة! ولا أظنّ أحداً يلتزم بها، ولم يعمل بذلك أحدٌ من الخلفاء.

 

  2ـ المعارضة مع الكتاب

أـ اعلم أنّه لا خلاف بين المسلمين في تخصيص عموم الكتاب بالخبر المتواتر؛ نظراً لكون أحد مجالات السنّة هو تصدّيها لشرح وبيان الكتاب، وتفصيل ما جاء به من تشريعات وأحكام. وليس هناك ما يمنع من تخصيص الكتاب بها ما دام المخصّص بمنزلة القرينة الكاشفة عن المراد من العامّ. والظاهر أنّه بهذا المقدار موضع اتفاق المسلمين، ولذلك أرسلوا إرسال المسلَّمات إمكان تخصيص الكتاب بما تواتر من السنّة.

ولكنّ موضع الخلاف في السنّة التي تثبت بخبر الواحد، فهناك ثلاثة آراء:

الأول: عدم جواز ذلك مطلقاً، مهما كانت درجة الصحة في الخبر؛ لأنّ الكتاب قطعي، وخبر الواحد ظنّي.

الثاني: جواز ذلك مطلقاً، وأنّ خبر الواحد يخصّص عام الكتاب كما يخصّصه المتواتر. وهذا ما عليه الجمهور([5]).

الثالث: التفصيل بين أن يكون العامّ الكتابي قد خُصِّص من قَبْلُ بقطعيٍّ، حتّى صار بذلك التخصيص ظنِّياً، فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، وبين ما لم يخصَّص فلا يصحّ. وهذا ما اختاره الحنفية([6]).

وما يُقال عن التخصيص يُقال عن التقييد بأخبار الآحاد لمطلقات الكتاب، والحديث فيهما واحدٌ.

ومن هنا اتَّضح الموقف تجاه حديث «لا نورث»:

ــ فبناءً على الرأي الأوّل لا يصح أن يكون الحديث مخصّصاً لآيات الإرث. وقد مرّ عليك أنّ دلالة الحديث غير قطعية، بل هي على أحسن التقادير تكون محتملة. وكذلك فإنّ السند ليس قطعياً، إنْ سلّمنا صحته، وأغمضنا عمّا يعارضه، ولا سيَّما أنّه قد أنكره كثير من الصحابة، ولم يُرْوَ إلاّ عن واحدٍ مع التهمة([7]).

وعليه فلا يمكن الجمع بينه وبين آيات الإرث، ويقع التعارض حينئذٍ، ويكون التقديم للكتاب؛ لكونه قطعياً، على الحديث؛ لكونه ظنّياً.

ــ وأمّا بناءً على الرأي الثالث ـ وهو مختار الحنفية ـ فحيث إنّ العامّ الكتابي لم يخصّص من قبل بقطعي فكذلك لا يصحّ أن يكون الحديث مخصّصاً لآيات الإرث، بل سيأتي بيان أنّ لسان آيات الإرث لسانٌ حاسم وقاطع.

قد يُقال: إنّه بناءً على الرأي الثاني يمكن أن يكون الحديث مخصّصاً لآيات الإرث.

إلا أنّ ذلك لا يصحّ؛ لكون دعوى التخصيص إنّما تكون مقبولة فيما لو كانت دلالة الدليل العامّ القرآني من باب الظهور، لا فيما إذا كانت دلالة الدليل القرآني نصّاً في الحكم. ففي مثل هذه الحالة لا شكَّ في أنّ العموم الكتابي ممّا لا يقبل التخصيص؛ لكونه نصّاً في مدلوله لا يحتمل الخلاف، ولا يتقبَّل قرينة عليه، فيتعيّن القول بإسقاط الخبر وتكذيبه؛ لاستحالة صدور التناقض من الشارع. وحيث إنّ الكتاب مقطوع الصدور ومقطوع الدلالة فلا بُدَّ أن يكون الكذب منسوباً إلى الخبر، ويتعيَّن لذلك طرحه.

ب ـ يضاف إلى ذلك أنّه في خصوص المقام ليست المعارضة بين حديث وآية واحدة، حتّى تحلّ المشكلة من خلال اللجوء إلى قاعدة تخصيص العامّ، أو قاعدة تقييد المطلق، بل المعارضة هنا بين الحديث وبين آيات عديدة، تبلغ ستّاً، وتشتمل على أحكام كثيرة جدّاً.

قال النراقي: «لا شكَّ أنّ التخصيص خلاف الأصل، لا يصار إلى أكثره مع إمكان أقلِّه»([8]).

وبيانُ ذلك: إنّه يمكن تعميم النكتة التي ذكرها، من كون التخصيص خلاف الأصل، لما إذا كان نفي حكم يقتضي ارتكاب التخصيص في جميع أدلّة ذلك الحكم، وإثباته يقتضيه في بعضها، فهنا يقدَّم الثاني. فكيف إذا دار الأمر بين التخصيص لجميع الأدلّة وبين عدم تخصيص شيءٍ منها؟! إذ لا رَيْب حينئذٍ من تقديم الثاني، وعدم ارتكاب التخصيص بالمرّة.

وما نحن فيه من هذا القبيل؛ حيث إنّ نفي إرث النبيّ| يستلزم ارتكاب التخصيص لجميع أدلّة الإرث كتاباً وسنَّة، وإثباته لا يستلزم ارتكاب التخصيص لدليلٍ واحد.

ج ـ لقد تنوَّعت آيات الإرث في كيفية الدلالة على ما تضمَّنته من أحكام:

1ـ فبعضها دلَّّت على الحكم بدلالة العموم، من قبيل قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ… (النساء: 33)؛ فإنّ (كلّ) من أدوات العموم، وقوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ… (النساء: 7)؛ فإنّ المعروف أنّ الجمع المحلّى بالألف واللام يدلّ على العموم، وكذلك قوله: ﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ (الأحزاب: 6)، وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا… * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ… وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ (الأنفال: 72 ـ 75).

2ـ وبعض الآيات دلَّتْ على الحكم بدلالة الإطلاق، من قبيل قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ… (النساء: 11)، وقوله: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ… وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ… وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ… (النساء: 12)، وقوله: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ (النساء: 176).

د ـ إنّ لسان بعض آيات الارث ـ بل كلّها ـ ليس فقط لسان بيان للحكم الشرعي، بل ورد فيه بعض الخصوصيّات التي تجعلنا لا نتقبَّل الاستثناءات بسرعة، ومنها:

1ـ البيان التامّ للحكم من خلال التصريح به، والتنصيص عليه، وذكره مفصّلاً، وعدم الاكتفاء بالتعويل على ظهور اللفظ، من قبيل: قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (النساء: 7).

ففي هذه الآية نرى أنّ القرآن الكريم لم يكتفِ ببيان أنّ لكلٍّ من الرجال والنساء نصيب من التركة، بل فصّل وبيّن حكم كلٍّ من صنفي الورثة، كلاًّ على حِدَة، وهم الرجال والنساء، فقال: ﴿لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ… وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ. هذا أوّلاً.

وثانياً: إنّ المراد من ذكر الرجال والنساء: الذكور والإناث، فيكون تشريع الإرث شاملاً للجميع، وأنّه قانون عامّ للأقرباء كافّة، كقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ (النساء: 33). والفرق بينهما هو بالإجمال والتفصيل. ومن أجل قطع دابر الشكّ لم يقتصر الشارع على البيان العامّ، فأردفه بهذا التفصيل.

وثالثاً: كرَّر ذكر المورّث والموروث، ولم يكتفِ ببيانه في الجملة الأولى، فأعاد الفقرة مرَّتين، فقال: ﴿مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ… مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ.

ورابعاً: أتبع ذاك البيان بالتصريح بشمول الحكم لكلّ مالٍ متروك، سواء أكان قليلاً أم كثيراً: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ.

وخامساً: التأكيد على أنّ لكلّ وارث من هؤلاء نصيباً معيَّناً لا يمكن التلاعب فيه. ومن الواضح أنّ هذا التعيين هو من قِبَل الله تعالى: ﴿نَصِيباً مَّفْرُوضاً.

وهكذا الحال بالنسبة لسائر الآيات، فإنّ كلّ واحدة منها اشتملت على بعض الخصائص البيانية التي تنمّ عن ثبات أحكام الإرث، وكونها من الأحكام المهمّة جداً بنظر الشارع، وأنّها من الأحكام الشاملة للجميع دون استثناء.

2ـ الاعتناء بشأن أحكام الإرث من حيث عدم الاكتفاء ببيانها على الإجمال، بل ذكرها بصورة تفصيلية، فبيَّن مقادير السهام وأصحابها وحالاتهم المختلفة، كحالات الأب مع الولد ومع عدمه، وحالات الأمّ مع الولد ومع عدمه، ومع الإخوة ومع عدمهم، وحالات الإخوة من كونهم للأب أو للأمّ، وحالات الورثة من ناحية الانفراد والتعدّد، إلى غير ذلك من التفاصيل التي لم ترِدْ في أيِّ حكمٍ آخر سوى الإرث، ممّا يدعو إلى استبعاد التخصيصات والتقييدات ومحدوديتها، بخلاف غير الإرث من الأحكام الحافلة بورودها عليها، بل لولاها لما أمكن الاكتفاء بالعمومات والمطلقات، كما هو الحال بالنسبة للصلاة أو الزكاة، اللتين لم يفصِّل القرآن في بيان أحكامهما.

3ـ تصدّي القرآن لبيان أحكام الإرث، والتصريح بأنّها مشرَّعة من قبل الله سبحانه. فعلى الرغم من أنّ جميع الأحكام الشرعية هي أحكام إلهية، سواء أكانت مبيَّنة في الكتاب العزيز أو السنّة الشريفة، إلاّ أنّنا نجد في هذه الآية التأكيد على أنّ أحكام الإرث هذه صادرةٌ ومبيَّنة من قِبَل الله تعالى، وأنّها مثبّتة عند الله، كما نرى ذلك في التعابير التالية: ﴿نَصِيباً مَّفْرُوضاً (النساء: 7)، ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ… فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (النساء: 11)، ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (الأحزاب: 6)، ﴿فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الأنفال: 75)، ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ… وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (النساء: 12).

بل تأمَّلْ قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ… يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النساء: 176)، حيث كان السؤال موجَّهاً للنبي|، إلا أنّ الحقَّ جلَّ وعلا تصدّى للإجابة، ولم يكتفِ بذلك، بل صرَّح بأنّ الله هو الذي يبيِّن ذلك بأقصى درجات البيان والتوضيح؛ كي لا يُبتلى المكلَّفون بأيِّ غموض وتخبّط.

4ـ التأكيد على تطبيق أحكام الإرث، والترغيب في ذلك، والتحذير والتهديد من عدم إجرائها. لاحِظْ قوله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (النساء: 13 ـ 14)، وقوله: ﴿... فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيداً (النساء: 33).

فأنتَ إذا لاحظتَ هذه الآيات بدقّة، وأنعمت النظر فيها، تجدها دالّة بوضوح من خلال تعابيرها المختلفة على أنّ هذه الأحكام ثابتة في كتاب الله العزيز، لا تتغيّر بنسخٍ أو بتخصيص أو تقييد؛ حيث إنّ وصف أحكام الإرث بأنّها في كتاب الله، وأنّها مسطورة فيه، وأنّها فريضة من الله، وترغيب الممتثل لها بالجنّة، وتهديد المخالف لها بالعذاب، كلّ ذلك يدلّ على ثبات أحكام الإرث، وعدم تغيُّرها بأيِّ نحوٍ من أنحاء التغيير.

هـ ـ إنّ تخصيص العامّ أو تقييد المطلق تارةً يكون بذكر عنوان لحالة، كالاضطرار والحرج والضرر ونحو ذلك، وهذا أمرٌ عقلائي ومتعارف في التشريعات عموماً؛ وأخرى يكون باستثناء فردٍ وشخص بعنوانه الخاصّ، وهذا النحو غير متعارف ونادر، ولا سيَّما إذا كان بنحو تخصيص العموم؛ فإنّه يكون أكثر استبعاداً من تقييد المطلق.

و ـ في حال دَعَتْ الحاجة إلى استثناء فردٍ بحكم فهنا لا بُدَّ من بيان الاستثناء بشكلٍ واضح ومتناسب مع خطورة مثل ذلك، كأن يتكرَّر البيان من قِبَل النبي| حتّى يشيع عُرْفاً، أو يكون هذا الاستثناء وارداً في الكتاب نفسه؛ كي لا يبقى مجال للوسوسة أو الشكّ في ذلك، كما تصدّى القرآن لبيان حكم زواج النبيّ|.

ز ـ إنّ الاستثناءات التي وردت في القرآن للنبيّ| جاءت في قبال المطلقات، فهي مقيِّدات لها، وليست مخصِّصة لعمومٍ من العمومات، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر فيها تعليل، كإباحة الزواج له بأكثر من أربع، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً (الأحزاب: 50).

وأمّا آيات الإرث فقد تقدَّم أنّ بعضها عامٌّ وصريح في بيان الإرث وأحكامه.

ح ـ لقد وردت بعض الأحكام الخاصّة بالنبي|، ولكنْ ليست من باب تخصيص العامّ، بل ولا حتّى من باب تقييد المطلق، بل هي إضافة بعض الأحكام المشرّعة، كتكليفه بقيام الليل.

ط ـ إنّ هذه الأحكام الخاصة ـ والتي تسمّى باختصاصات النبيّ| ـ معدودة ومحدودة، وهي إمّا معلّلة؛ أو يكون وجه الحكمة فيها واضحٌ لا يفتقر إلى التحليل والتدقيق العقلي. ولم يتَّضح لنا وجه الحكمة في استثناء النبيّ| من الارث.

ولو قيل: إنّ الحكمة هي ما أشار إليه من أنّ الأنبياء^ يورِّثون العلم والحكمة.

فالجواب: إنّ هذه القرينة تضرّ بالمدَّعى كما تقدَّم، وتجعلنا نحمل الكلام على إرادة الأمور المعنوية والأخلاقية، لا التشريع، هذا أوّلاً.

وثانياً: لو سلَّمنا ذلك فسوف يدلّ الحديث على أنّ ورثة النبيّ| أعلم من غيرهم، وأكثر فقهاً وفهماً وحكمة، وحينئذٍ فقولهم هو المتَّبَع.

ي ـ إنّ الاستثناء هنا يستبطن دعوى كبيرة وخطيرة، وهي وجود قاعدة كلِّيّة تشمل جميع الأنبياء^ في كونهم مستثنَيْن من أحكام الإرث.

وفي مثل هذه الحالة لا بُدَّ من تبيين هذه القاعدة في نفسها بشكلٍ واضح؛ لأهميتها، حتّى لو لم تكن على سبيل التخصيص.

ك ـ إنّ هذا الاستثناء وإنْ كان منصبّاً على النبيّ|، ولكنّه في واقعه يترشّح إلى ورثته، فالاستثناء يصيبهم ويفوِّت عليهم نفعاً. فهذه ليست من خصائص الأنبياء^، بل من خصائص ورثتهم. ثمّ إنّ المترقَّب من الشريعة التي تتَّسم بالسماحة والرحمة من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى احتراماً وتشريفاً للنبيّ| وورثته وأهل بيته^، أن تعوِّضهم عمّا فات، فإنْ لم يعطَوْا امتيازاً أكثر من الآخرين فلا يكونوا أدون منهم، بحيث يُحْرَمون من نصيبهم من الإرث، دون تعويضٍ ولو تقريبي، كما في حرمانهم من الصَّدَقة التي عُوِّضوا عنها بالخُمْس.

هذا، مضافاً إلى أنّ النبي| نفسه لم يُمنَع من إرث أقاربه وأمّه وأبيه، بل ورث منهما أموالاً، كما يذكره المؤرِّخون، فلِمَ يكون وارثاً لغيره ولا يورِّث غيره؟!

ل ـ إنّ الفقهاء من مختلف مذاهبهم الإسلامية لم يذكروا في بحوثهم وفي كتبهم الفقهية النبوّة ضمن موانع الإرث، ولم يشيروا لذلك، إلاّ ما حكاه الشربيني عن بعضٍ لم يُسَمِّه([9]).

وقد يُقال: إنّ عدم ذكرهم ذلك لا يعني الرفض، ما داموا ذكروه في بحوثهم التفسيرية، ولا سيَّما مع عدم كونه مسألةً مبتلى بها الآن، وإنَّما هي قضية ترتبط بورثته| سابقاً.

والجواب:

1ـ إنّ عدم ذكرهم ذلك في البحوث الفقهية إنْ لم يُعَدّ دليلاً فلا أقلّ من كونه منبِّهاً على أنّ ذلك ليس مرتكزاً في الذهنية الفقهية، بحَسَب صناعة الاستنباط وآلياته.

2ـ لقد تعرَّض الفقهاء إلى مسائل جزئية جدّاً، وليست محلاًّ للابتلاء؛ إمّا لانقراض موضوعها وتبدُّله؛ وإمّا لكون المسألة افتراضية ولا موضوع لها بالخارج أصلاً. ومسألة إرث النبي| ليست أقلّ شأناً ممّا ذكروه.

3ـ إنّ مسألة إرث النبيّ| مسألة مبتلى بها إلى الآن؛ باعتبار أنّ الملكية والحقّ لا يبطلان بمرور الزمان، وبسبب التقادم، فمن الممكن لذرِّيَّته| الموجودين في عصرنا أو في العصور التالية أن يطالبوا بحقِّهم فيما لو كان لهم حقٌّ واقعاً.

4ـ إنّ مسألة إرث النبيّ| من المسائل التي كانت مثاراً للجدل الحادّ بين المذاهب الإسلامية من الناحية النظرية، وهذا ما يقتضي التعرُّض لها نفياً أو إثباتاً.

5ـ ثمّ إنّ موانع الإرث جميعاً، سواء المتَّفق عليها أو المختلف فيها، لو حلّلناها لرأيناها تشكِّل نقطة ضعف في العلاقة بين المورِّث والوارث، كالقتل والكفر، أو لورود علاقةٍ أخرى أقوى تضعِّف من علاقة القرابة، كالرقّ الذي يمنع الإرث؛ لكون الملك درجة قويّة من الارتباط تجعل الرقيق تابعاً لمالكه تبعيّة خالصة، وليس فيها مراعاة لما للرقيق من علاقات قُرْبية أو زوجية أو غيرها، وبالنتيجة فإنّ الاسترقاق يؤدّي إلى ضعف العلاقة القُرْبية بين الأقارب.

والنبوّة ليست كذلك قطعاً، بل هي تزيد من قوّة العلاقة القُرْبية، وتُضفي عليها قدسيّة وكرامة واحتراماً.

 

 3ـ عمل الصحابة

أـ لقد نقل المؤرِّخون أنّ أبا بكر قد ورَّث بعضاً من أموال رسول الله|. فقد روي أنّه دفع عمامة وسيف وبغلة رسول الله| لعليٍّ×. كما نقل قاضي القضاة عن أبي عليّ أنّ أبا بكر بعد أن اختلف عنده عليٌّ والعباس في إرث رسول الله| دفعه إلى عليٍّ×([10]).

ب ـ لقد أوصى أبو بكر أن يُدفن إلى جوار رسول الله|، ولم يذكر أنّه استأذن المسلمين في ذلك. وعدم الاستئذان كاشفٌ عن عدم كون أموال النبيّ| صدقة. وهذا لا ينسجم مع ما رواه من كون تركة النبيّ| صدقة مشتركة بين المسلمين عامّة([11]).

3ـ ولا ننسى أن أبا بكر أوصى([12]) أن يدفن إلى جوار رسول الله|، ولا يصحّ ذلك إلاّ إذا كان قد عدل عن اعتبار روايته مدركاً قانونياً في الموضوع، واستأذن ابنته في أن يدفن في ما ورثته من أرض الحجرة ـ إذا كان للزوجة نصيبٌ في الأرض، وكان نصيب عائشة يَسَع ذلك ـ. ولو كان يرى أن تركة النبيّ| صدقة مشتركة بين المسلمين عامّة للزمه الاستئذان منهم. وهَبْ أنّ البالغين قد أجازوا ذلك فكيف بالأطفال والقاصرين ممَّنْ كانوا في ذلك الحين؟!

4ـ ونحن نعلم أيضاً أنّ الخليفة لم ينتزع من نساء النبيّ| بيوتهنّ ومساكنهنّ التي كنَّ يسكنَّ فيها في حياة رسول الله|، فما عساه أن يكون سبب التفريق الذي أنتج انتزاع فدك من الزهراء، وتخصيص حاصلاتها للمصالح العامة، وإبقاء بيوت نساء النبيّ| لهنَّ يتصرَّفن فيها كما يتصرَّف المالك في ماله، حتّى تُستأذن عائشة في الدفن في حجرتها؟ أكان الحكم بعدم التوريث مختصّاً ببضعة النبيّ|، أو إنّ بيوت الزوجات كانت نحلة لهنَّ؟! فلنا أن نستفهم عمّا أثبت ذلك عند الخليفة، ولم تقم بيِّنةٌ عليه، ولا ادَّعته واحدةٌ منهنّ. وليست حيازتهنّ للبيوت في زمان رسول الله| شاهداً على ملكيتهنَّ لها؛ لأنّها ليست حيازة استقلالية، بل من شؤون حيازة النبيّ|، ككلِّ زوجةٍ بالنسبة إلى زوجها.

كما أنّ نسبة البيوت إليهنَّ في الآية الكريمة: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ (الأحزاب: 33) لا يدلّ على ذلك؛ لأنّ الإضافة يكفي في صحَّتها أدنى ملابسةٍ، وقد نُسبت البيوت إلى النبي| في القرآن الكريم بعد تلك الآية بمقدارٍ قليل؛ إذ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ (الأحزاب: 53). فإذا كان الترتيب القرآني حجّة لزم الأخذ بما تدلّ عليه هذه الآية. وورد في صحاح السنّة عن رسول الله| إسناد البيت إليه في قوله: «إنّ ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنّة»([13]).

ح ـ المنقول تاريخياً أنّ أمّ المؤمنين عائشة بقيت في بيتها ـ كسائر أزواج النبيّ| ـ، وكانت تتصرَّف فيه تصرّف المالك، ولم ينتزع الخليفة من أزواج النبي| بيوتهنَّ التي كنَّ يسكنَّ فيها في حياة النبيّ|.

د ـ لقد روى شريك بن عبد الله في حديث رفعه: «إنّ عائشة وحفصة أتتا عثمان حين نقص أمّهات المؤمنين ما كان يعطيهنَّ عمر، فسألتاه أن يعطيهما ما فرض لهما عمر، فقال: لا واللهِ، ما ذاك لكما عندي، فقالتا له: فآتنا ميراثنا من رسول الله| من حيطانه، وكان عثمان متَّكئاً فجلس ـ وكان عليّ بن أبي طالب× جالساً عنده ـ فقال: ستعلم فاطمة÷ أنّي ابنُ عمٍّ لها اليوم، ثمّ قال: ألستما اللتين شهدتما عند أبي بكر، ولفَّقتما معكما أعرابياً يتطهَّر ببوله مالك بن [الحويرث]([14]) بن الحدثان، فشهدتم أنّ النبيّ| قال: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة»؛ فإن كنتما شهدتما بحقٍّ فقد أجزْتُ شهادتكما على أنفسكما؛ وإنْ كنتما شهدتما بباطلٍ فعلى مَنْ شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فقالتا له: يا نعثل، واللهِ، لقد شبَّهك رسول الله| بنعثل اليهودي، فقال لهما: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ (التحريم: 11)، فخرجتا من عنده»([15]).

هـ ـ لقد نقل المؤرِّخون أنّ الخليفة تراجع عن موقفه، وكتب لفاطمة÷ كتاباً بأخذها إرثها من أبيها، ولكنْ صرفه عمر بن الخطاب عن ذلك، وأشار عليه بعدم إعطائها، وصرف ذلك في حروب الردّة، وخرَّق الكتاب([16]).

ويمكننا فهم ذلك ممّا تُحدِّثنا به الروايات من أنّ الخليفة سلَّم فدكاً للزهراء، وكاد الأمر أن يتمّ لولا أن دخل عمر، وقال له: «ما هذا؟ فقال له: كتابٌ كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها، فقال: ماذا تنفق على المسلمين وقد حاربَتْك العرب كما ترى، ثمّ أخذ الكتاب فشقَّه»([17]). وعلَّق الشهيد الصدر على ذلك قائلاً: «ونحن ننقل هذه الرواية في تحفُّظٍ، وإنْ كنّا نستقرب صحَّتها؛ لأنّ كلّ شيء كان يشجِّع على عدم حكاية هذه القصّة لو لم يكن لها نصيبٌ من الواقع. وإذا صحت فهي تدلّ على أنّ أمر التسليم وقع بعد الخطبة الفاطمية الخالدة، ونقل الخليفة لحديث نفي الإرث عن رسول الله|؛ لأنّ حروب الردّة التي أشار إليها عمر في كلامه ابتدأَتْ بعد يوم السقيفة بعشرة أيام([18])، وخطبة الزهراء قد كانت في اليوم العاشر أيضاً، كما سبق»([19]).

و ـ المنقول تاريخياً أنّ الخليفة الأول حين دنَتْ منه الوفاة قد ندم وأسف على ثلاثٍ ودَّ أنّه لو لم يفعلهنّ، منها: منع فاطمة من الارث([20]). ولو كان ما فعله حقّاً بنظره فلِمَ الندم والأسف؟!

وقد أظهر الخليفة الندم في ساعة وفاته على عدم تسليم فدك لفاطمة([21]). وقد بلغ به التأثُّر حيناً أن قال للناس، وقد اجتمعوا حوله: «أقيلوني بيعتي». وندرك من هذا أنّ الخليفة كان يطوي نفسه على قلقٍ عظيم عظيم، مردّه إلى الشعور بنقصٍ مادّي في حكمه على فاطمة، وضعفٍ في المدرك الذي استند إليه. ويثور به ضميره أحياناً فلا يجد في مستنداته ما يهدِّئ نفسه المضطربة. وقد ضاق بهذه الحالة المريرة، فطفحت نفسه في الساعة الأخيرة بكلامٍ يندم فيه على موقفه من الزهراء. تلك الساعة الحرجة التي يتمثَّل فيها للإنسان ما مثَّله على مسرح الحياة من فصل أوشك الستار أن يسدل عليها، وتجتمع في ذاكرته خيوط حياته بألوانها المختلفة، التي آن لها أن تنقطع، فلا يبقى منها إلاّ التَّبِعات.

ز ـ كما أنّ المنقول في الكتب الروائية والتاريخية أنّ سيدتنا الزهراء÷ عندما سمعت قول أبي بكر غضبت، وهجرت أبا بكر، فلم تزَلْ مهاجرة حتى توفيت. ومن ذلك: ما أخرجه البخاري عن أمّ المؤمنين عائشة([22]). ولو كان الحديث صادراً عن النبيّ| فِلَم الغضب؟ ولِمَ الهجران؟ وهل يناسب شأن فاطمة بنت رسول الله| أن تعترض على قول أبيها وعلى حكم الله عزَّ وجلَّ؟!

 

 ملحوظةٌ

كلُّ ما تقدّم من بحوث كان في إطار المحاولة الأولى، وهي عبارة عن التمسّك بالسنّة النبوية من أجل إثبات استثناء الأنبياء^ عموماً، أو النبي| خاصةً، من أحكام الإرث.

أجل، حاول البعض أن يثبت ذلك الاستثناء، لكنْ لا من باب دعوى التخصيص، ولا التقييد، وإنّما من باب نفي الموضوع، فتكون القضية سالبةً بانتفاء موضوعها. فليس البحث كبروياً وشرعياً، وهل أنّ الحكم سارٍ بحقّ الأنبياء^ ـ أو نبينا| ـ أو ليس بسارٍ، بل البحث يكون صغروياً. وهذا ما سنبحثه في المحاولات التالية.

 

المحاولة الثانية

دعوى أنّ النبي| لم يكن مالكاً لشيءٍ بالملكية الخاصّة، وكلّ ما لديه إنّما كان مملوكاً بالملكيّة العامة.

فقد قيل: إنّ ما بيده إنّما هو من مال المسلمين، وكان في تصرُّفه نيابةً عنهم؛ حتّى يعمل فيه لهم.

كما قيل: إنّ الأنبياء^ لا ملك لهم مع الله.

وتعسّف بعضٌ وتعجرف، كابن عطاء الذي قال: لا زكاة عليهم([23]).

 

تقويم المحاولة الثانية

لقد ظننتُ قبل المراجعة أنّه لم يحتمل مثل هذه الدعوى ـ أي إنّ ملكيته| كانت عامّة، وليست خاصّة ـ أحدٌ من الفقهاء، لكنّي عثرت على مَنْ ذهب إليه. ومهما يكن من أمرٍ فيَرِدُ عليها ما يلي:

أوّلاً: إنّ احتمال عدم ملكيته| الخاصة باطلٌ عقلاً وعقلائياً، فضلاً عن الشرع:

1ـ أمّا بطلانه عقلاً فلأنّه خلاف الوجدان؛ باعتبار أنّه كان مالكاً لما ورثه من أمّه وأبيه وزوجه خديجة، وكان يعمل في التجارة،  ولا سيَّما قبل البعثة، وكانت لديه مبادَلات يربح فيها، وله عقارات وبيوته التي فيها أزواجه، ووسائله الخاصّة، من لباسٍ وغيره.

وقد صرَّح العلماء بذلك في أكثر من مجال، وفي أكثر من موضعٍ. ومن ذلك: ما ذكره القاضي عياض في تفسير صدقات النبيّ|، قال: «صارت إليه بثلات حقوق:

أحدها: ما وُهِب له|، وذلك وصيّة مُخيريق اليهودي له بعد إسلامه يوم أحد، وكانت سبعة حوائط في بني النضير، وما أعطاه الأنصار من أرضهم، وهو ما لا يبلغه الماء، وكان هذا مِلْكاً له|.

الثاني: حقّه في الفَيْء من أرض بني النضير، فحملوا منها ما حملته الإبل غير السلاح، كما صالحهم، ثمّ قسَّم| الباقي بين المسلمين. وكانت الأرض لنفسه ويخرجها في نوائب المسلمين. وكذلك نصف أرض فدك، صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها، وكان خالصاً له. وكذلك ثلث أرض وادي القرى، أخذ في الصلح حين صالح أهلها اليهود. وكذلك حصنان من حصون خيبر، وهما: الوطيح والسلالم، أخذهما صلحاً.

الثالث: سهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوةً.

فكانت هذه كلُّها مِلْكاً لرسول الله| خاصّة»([24]).

وقد حكى المؤرِّخون أنّ رسول الله| ورث من أبيه عبد الله أمّ أيمن الحبشية…، وخمسة أجمال، وقطعة من غنم…. وورث من أمّه آمنة بنت وهب الزهرية دارها التي وُلد فيها في شعب بني عليّ. وورث من زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها دارها بمكّة بين الصفا والمروة([25]).

كما أنّه كانت له أموالٌ خاصّة، فإنّه كان يبيع ويشتري ويهب ويتصدَّق ويتصرَّف بأمواله بأنحاء التصرّفات، قبل النبوّة وبعدها، شأنه في ذلك شأن الآخرين.

وقد ضبط المؤرِّخون أموال النبي| الخاصّة، وهي عبارة عن: دار صغيرة، وأثاثها، وسيف، ودرع، وحمار، وبعير، وبغل، وشاة. كما أنّهم نصّوا على أنّ لِقاح النبيّ| ـ وهي الإبل الحوامل ذوات الألبان ـ كانت عشرين لقحة([26]).

وقال الحسن بن عليّ الوشاء: سألت مولانا أبا الحسن عليّ بن موسي الرضا×: هل خلّف رسول الله| غير فدك شيئاً؟ فقال أبو الحسن×: «إنّ رسول الله| خلّف حيطاناً بالمدينة صدقة، وخلَّف ستة أفراس، وثلاث نوق: العضباء؛ والصهباء؛ والديباج، وبغلتين: الشهباء؛ والدلال، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين، وأربعين ناقة حلوباً، وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول([27])، وعمامته السحاب، وحبرتين يمانيتين، وخاتمه الفاضل، وقضيبه الممشوق، ومراتب([28]) من ليف، وعباءتين قطوانيتين، ومخادّاً من أدم، فصار ذلك كلّه إلى فاطمة÷، ما خلا درعه وسيفه وعمامته وخاتمه؛ فإنّه جعلها لأمير المؤمنين×»([29]).

2ـ وأمّا عقلائياً فباعتبار أنّ الملكية الخاصّة أمرٌ عقلائي سنَّه العقلاء تنظيماً لحياتهم؛ نظراً لحاجتهم الماسّة إليها. ومن هنا فإنّ الملكية سبقَتْ الشريعة. ولا فرق في ذلك بين الكبير والصغير، وبين الشريف والوضيع، وبين المتديِّن والكافر، وبين النبيّ وغيره.

هذا، وقد سجَّل التاريخ لنا أعطيات رسول الله| بدقّة؛ فقد نحل فدكاً لفاطمة÷، وقسَّم غنائم خيبر فأعطى جماعة، منهم: زوجاته، وأسامة بن زيد، والمقداد بن الأسود، وأم رميثة. وقد ذكروا مقدار الأعطيات والإقطاعات والأفراد الذين أعطاهم، ونوع الأموال التي أُعطيت لهم، هل كانت من الغنائم أو الأنفال أو الخمس أو الفيء؟([30]).

ثانياً: إنّ ما ادّعاه ابن عطاء من نفي الزكاة عن الأنبياء قد رُدَّ([31]) بأنّه خلاف ظاهر قوله تعالى: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (مريم: 31).

المحاولة الثالثة

دعوى أنّ ما لديه من المال جعله صدقةً ووقفاً قبل موته، فلم يخلِّف مالاً شخصياً كي يصبح موضوعاً للإرث، وربما يفسّر الحديث المتقدّم بذلك.

 

تقويم المحاولة الثالثة

1 ـ إنّه من غير المعقول أنّ النبيّ| لم يترك مالاً وتركة على الإطلاق؛ إذ لا أقلّ من أنّه خلَّف ملابسه ومركبه ومتاعه الشخصي وبيوته وغير ذلك، وهو له قيمة مالية، بل ومعتدّ بها، ولا سيَّما في ذلك الزمان، ولا سيَّما ما يتعلَّق بالنبي الأكرم|.

ثمّ إنّ مثل هذه الدعاوى لا يثبت بالاحتمالات والتكهّنات، بل يحتاج إلى دليلٍ، وليس.

2 ـ وأمّا دعوى أنّ أمواله صدقة، فمضافاً إلى أنّه دعوى بغير دليل وافتراض معلّق في الهواء، إنْ كانت صيرورته صدقة حين حياته فهذا خلاف الوجدان؛ لأنّه كان يتصرَّف بأمواله الخاصة؛ وإنْ كانت صيرورته صدقة بعد ارتحاله عُدْنا إلى دعوى التخصيص السابقة.

 

المحاولة الرابعة

وهي تتمثَّل بما حكاه المناوي عن إمام الحرمين، وجعله أحد وجهين، بل قال: وهو الصحيح. وحُكي أنّه مال إليه السبكي([32]).

وعلّل بأنّ الأنبياء^ أحياء في قبورهم، وقضيته أنّهم يعطون بعض أحكام الدنيا.

كما احتمل ابن عابدين في رسائله بقاء الملك، معلّلاً بكون الأنبياء^ أحياء في قبورهم، كما ورد في الحديث، مضيفاً بأنّ اقتضاءه أن يكون الشهيد أيضاً كذلك؛ لحياته؛ بدليل الآية، وهي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران: 169)، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ (البقرة: 145).

وقد يُقال: إنّ ذلك في مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولعلَّه أحدث رياءً أو قصد غنيمة، فلم يتحقَّق ذلك، بخلاف الأنبياء، فتدبَّرْ([33]).

أقول: وكأنَّ صاحب هذا القول ـ كما ترى ـ لا يذهب إلى تمليك الميت، بل يرى بقاء الملك على ما هو عليه؛ لعدم موت مالكه، فلا تنتقل أموال الأنبياء^ إلى ورثتهم بالإرث؛ لانتفاء أحد شروط موضوعه، وهو موت المورِّث، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

وصاحب هذا القول قد أراح نفسه من جميع أعباء الجَدَل التاريخي المعروف حول ما هو الدليل الدالّ على تخصيص الأنبياء^ واستثنائهم من حكم الإرث؛ لعدم حاجة صاحب هذا الوجه إلى ذلك البحث الطويل، كما هو واضحٌ.

 

تقويم المحاولة الرابعة

وهذا باطلٌ؛ لأنّ الملكية من شؤون الحياة بأيّ مرتبة كانت، ولو ضعيفة، كملكية الحمل، فلا ملكية للميت.

 

النقطة السابعة: هل أنّ الأنبياء^ لا يُورثون؟

إنّه بناء على صيغة «لا نورث» ونحوها من صيغ الجمع ينفتح البحث في أنّه هل يراد بها التعميم لجميع الأنبياء^، أو أنّ ذلك خاصٌّ بنبيِّنا|؟ وأمّا بناءً على صيغة الإفراد، كما في بعض النقول، فلا مجال لهذا البحث حينئذٍ، نظير: «إنّ النبي لا يورث»([34])، و«إنّي لا أورث»([35]).

ويبرز في ذلك أمامنا قولان، كما حكاه ابن حجر عن ابن عبد البرّ([36]):

القول الأوّل: كون الحديث دالاًّ على قاعدة كلّية، وهي عدم إرث الأنبياء^ جميعاً دون استثناء. وقد نُسب إلى الأكثر([37])، بل ادّعى بعضٌ قيام الإجماع عليه([38]).

وهذا هو المستظهر بَدْواً من الحديث مع لحاظه في نفسه.

القول الثاني: كون الحديث دالاًّ على حكمٍ خاصّ بنبينا| فقط، فيكون من خصائصه. واختاره عبد الله بن عبّاس والحسن البصري والضحّاك والسدّي ومجاهد والشعبي([39])، وحُكي عن جماعة من أهل البصرة. وممَّنْ قال بذلك من الفقهاء: إبراهيم بن إسماعيل بن عليّة([40]).

أقول: وقد ذهب إليه عمر بن الخطّاب أيضاً.

ويمكن تقريب عدم التعميم هذا بأحد البيانات التالية:

البيان الأول: ما ذكره النحّاس من أنّ الواحد يستطيع أن يُخبر عن نفسه بإخبار الجمع، أي يكون خاصّاً بالنبيّ|([41]).

البيان الثاني: ما ذكره القرطبي من أنّه لا يُراد به العموم، بل يُحمَل على أنّه غالب أمرهم([42])، أي إنّ ذلك من فعل الأنبياء^ وسيرتهم وإنْ كان فيهم مَنْ ورَّث ماله، كزكريا على أشهر الأقوال فيه. وهذا كما تقول: إنّا معشر المسلمين شغلتنا العبادة، والمراد أنّ ذلك فعل الأكثر. ومنه: ما حكى سيبويه: إنّا معشر العرب أقرى الناس للضيف([43]).

البيان الثالث: هو التمسُّك بما ورد من نقل الحديث بصيغة الإفراد، كما في رواية عن أحمد والبيهقي: «إنّ النبي لا يورث»([44])، و«إنّي لا أورث»([45])، وكما في النقل الثاني للحديث: «لا يقتسم ورثتي دنانير»([46]حيث ورد في آخره «ما تركتُ… صدقة»([47])، أو «ما تركت… فهو صدقة»([48])، أو «ما تركت… فإنّه صدقة»([49])، أو «ما تركته… فهو صدقة»([50]).

 

مناقشة القول الثاني

1ـ لقد اتّضح كون البحث في أنّ الأنبياء^ يورثون أو لا يورثون مسألة مختلف فيها بين علماء المسلمين. وليس الخلاف بين الإمامية وغيرهم فقط، فلا إجماع بين علماء السنّة أنفسهم. وعليه فللمناقشة فيه وإبداء الرأي مجالٌ.

لكنْ من الغريب ما ادّعاه الباجي من الإجماع على نفي التوريث عن جميع الأنبياء^، وتفرُّد الإمامية بالقول بالتوريث، قال: «والذي أجمع عليه أهل السنّة أنّ هذا حكم جميع الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وقال ابن عليّة: إنّ ذلك لنبينا× خاصّة».

ثمّ قال: «وقالت الإمامية: إنّ جميع الأنبياء يورثون»، ووصمهم بأنّهم تعلَّقوا في ذلك بأنواع من التخليط لا شبهة فيها»([51]).

2ـ إنّ القول بعدم التعميم هو ما فهمه الخليفة عمر بن الخطّاب من الحديث، كما ورد في خبر مالك بن أوس بن الحدثان، فإنّه قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أنّ رسول الله| قال: «لا نورِّث، ما تركنا صدقة» يريد رسول الله| نفسه، كما اعترف به بعضٌ، كالشنقيطي.

فما أدري كيف أجمع أهل السنّة ـ حَسْب المدَّعى ـ على خلاف رأي عمر هنا؟! بل حتّى لو سلَّمنا بما حاوله البعض من تأويل كلام عمر ـ الواضح في إرادة تخصيص الحكم بالنبيّ فحَسْب ـ بتمحُّلات يمجّها الذوق السليم فكيف يمكن نسبة العموم إلى عمر، وبالتالي ادّعاء الإجماع في هذه المسألة؟!

ومن الغريب ما ذكره الشنقيطي هنا، قال: وقول عمر لا يصحّ تخصيص نصٍّ من السنَّة به؛ لأنّ النصوص لا يصحّ تخصيصها بأقوال الصحابة، على التحقيق، كما هو مقرَّر في الأصول([52]).

فإنّه وإنْ كان ما أشار إليه من القاعدة الأصولية في منتهى المتانة، إلاّ أنّ البحث ليس في ما ذكر؛ إذ إنّ مراد المستدلّ هو جعل عدم فهم عمر العموم من الحديث قرينة على عدم إرادة العموم، وليس مراده تخصيص النصّ النبويّ بقول عمر ورأيه الشخصي؛ كي يُعتَرَض عليه بأنّه خلاف المقرَّر في الأصول.

3ـ إنّ عدم كون التعميم مراداً من الحديث ـ بكلا تقريبيه الأوّل والثاني ـ دعوى مخالفة لظاهره الأوّلي مع لحاظه في نفسه، فلا بُدَّ من دليلٍ يُسوِّغ لنا هذه المخالفة. ويبدو أنّ الذي دعا أصحاب هذا الرأي هو ثبوت التوريث من بعض الأنبياء^؛ بدلالة الكتاب العزيز، وهذا هو الذي دعا الخليفة عمر الى إقحام تفسيره للحديث.

وعليه يدور الأمر بين محذورين:

أوّلهما: إنْ كان المراد التعميم، وهو الظاهر الأوّلي للحديث، فيُبتلى بمخالفة الكتاب؛ لدلالته على توريث بعض الأنبياء^؛ لعدم كون النسبة بين الكتاب والسنّة هي التخصيص ونحوه، حتّى يجمع بينهما، بل النسبة بينهما التنافي والتكاذب.

ثانيهما: إنْ لم يكن التعميم مراداً فسوف يُبتلى بمخالفة ظاهر الحديث نفسه.

وحيث لا يمكن ارتكاب المحذور الأوّل يتعيَّن ارتكاب المحذور الثاني، ورفع اليد عن ظهور الحديث في التعميم.

4ـ إنّ التقريب الأوّل ـ لبيان الاختصاص بالنبيّ| ـ يَرِد عليه:

أولاً: إنّ إخبار الواحد عن نفسه بالإخبار عن الجمع خلاف الظاهر جدّاً، بل لا يمكن قبوله في المقام بحالٍ؛ لأنّه يستلزم تخصيص الأكثر، وهو مستهجنٌ وقبيح عُرْفاً.

ثانياً: مع قطع النظر عن المناقشة المتقدِّمة فإنّ دعوى الإخبار عن الواحد بصيغة الجمع إنّما يكون لها وجهٌ لو كان الحديث بلفظ: (إنّا لا نورث) فقط، وأمّا بناءً على افتراض وجود زيادة لفظ: (معاشر الأنبياء)، أو (معشر)، أو (إنّ الأنبياء لا يورثون) ـ على ما في بعض النقول للحديث كما مرّ ـ فإنّ إرادة الواحد بهذا التعبير حينئذٍ يُعتبر كذباً بنظر العُرْف، ولا يمكن صدور مثل ذلك منه|.

5ـ إنّ التقريب الثاني ـ لبيان عدم التعميم لجميع الأنبياء^ ـ يَرِد عليه:

أولاً: إنّ التسامح في الإخبار مستبعد صدوره من النبيّ| ـ بل مقطوع العدم ـ إنْ أريد منه الإخبار الصِّرْف؛ لأنّه لا يكون كلاماً دقيقاً حينئذٍ، ولا يوجد أيّ داعٍ للنبي| أن يتعمّد عدم الدقّة في الكلام؛ فإنّه إمّا أن يكون منشؤه الجهل؛ أو عدم الأمانة والكذب على الأنبياء^، وكلاهما منتفيان بشأنه|، ولا سيَّما عند الإخبار عن وصفٍ من أوصاف الأنبياء^، نظير: قوله|: «إنّا معاشر الأنبياء تنام عيوننا، ولا تنام قلوبنا، ونرى من خلفنا كما نرى من بين أيدينا»([53])، وقوله|: «إنّا معاشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء [كما يضاعف لنا الأجر]»([54])؛ فإنّ المراد به الإخبار عن ثبوت هذه الأوصاف لجميع الأنبياء^، لا أنّ المراد بعضهم.

ثانياً: إنْ أريد من الحديث بيان قضية تشريعية فإنّه يقطع بعدم صدوره من النبي|؛ لأنّ مقام التشريع لا يتحمّل المسامحة أو التردُّد اللذين يكونان سبباً لاشتباه المخاطب، وعدم إيصال الحكم إليه بصورةٍ دقيقة. وهذا خلاف وظيفة النبي| التبليغية، وهو لا يقلّ قُبْحاً عن التقوُّل والافتراء على الشريعة، ولا سيَّما في مثل هذه القضية الحسّاسة، التي من الواضح أنّها مرشَّحة لأن تكون سبباً لإثارة النزاع والاختلاف في المجتمع الإسلامي، ومنشأً للشُّبَه الفكرية.

نظير: قوله|: «إنّا معاشر الأنبياء لا نشهد على الجنف»([55])، وقوله|: «إنّا معاشر الأنبياء [أُمرنا أن] نكلّم الناس على قدر عقولهم»([56])، وقوله|: «إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة»([57])؛ فإنّ المفهوم عرفاً من هذه التعابير كونها في مقام ضرب قاعدةٍ عامّة للأنبياء^ كافّة، على نحو الموجبة الكلِّيّة.

 

النقطة الثامنة: هل أنّ نبيَّنا| لا يَرِث؟

ونواجه هنا دعوى الإجماع المتكرِّرة على أنّ الأنبياء والرُّسُل لا يرثون ولا يورثون، ولازم هذه الدعوى شمول الحكم لنبيّنا| أيضاً.

ولا نعلِّق على هذا الادّعاء الواهي.

ومهما يكن من أمرٍ فإنّ في هذه المسألة قولان أيضاً:

القول الأوّل: إنّه| يرث.

ويدلّ عليه:

1ـ العمومات والإطلاقات، كتاباً وسنّة.

2ـ ما ذكره المؤرِّخون وأهل السِّيَر من أنّه| قد ورث من أبويه وزوجه أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها. فقد حكى الواقدي أنّ رسول الله| ورث من أبيه عبد الله أمّ أيمن الحبشية…، وخمسة أجمال، وقطعة من غنم… وورث من أمّه آمنة بنت وهب الزهرية دارها التي ولد فيها في شعب بني عليّ، وورث من زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها دارها بمكّة بين الصفا والمروة([58]).

القول الثاني: إنّه| لا يرث.

وحاول البعض التكلُّف للاستدلال عليه، من قبيل: ما ادّعاه ابن قتيبة من كون وارثية رسول الله| تتنافى مع الكتاب العزيز، قال: وكيف يأكل رسول الله| التراث وهو يسمع الله عزَّ وجلَّ يذمّ قوماً فقال: ﴿كَلاَّ بَل لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً (الفجر: 17 ـ 20). وقد ادَّعى أنّ ما روي من وراثة النبي| لأبويه إنّما كان ذلك قبل الوحي، وأمّا بعد أن أوحى الله إليه فلم يرث([59]).

وادَّعى آخر أنّ ما قيل: إنّه| ورث خديجة رضي الله عنها لم يصحّ، وإنّما وهبت مالها له في صحّتها([60]).

 

 المناقشة

1ـ إنّ دعوى منافاة وارثية النبي| للآيات الكريمة المذكورة في منتهى الفساد؛ إذ لو كانت دالّة على النهي عن حيازة الإرث لحَرُم ذلك على جميع المكلَّفين. وكيف استساغ ابن قتيبة أن يوجِّه إلى النبي الكريم| مثل هذا الخطاب المشحون بالذمّ والتوبيخ والمليء بالصفات والممارسات غير اللائقة به|؟!

2ـ إنّ دعوى ابن قتيبة كون وراثة النبي| لأبويه إنّما كانت قبل أن يوحى إليه هو تحكُّمٌ محض من دون دليلٍ. وكذا الحال بالنسبة لدعوى عدم وراثة النبيّ| لأمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها.

فلستُ أدري كيف يدَّعى رجحان القول بأنّ الأنبياء لا يرثون؟! وكيف يدّعى نسبة ذلك إلى المذاهب الأربعة، وإلى أهل السنّة والجماعة، من دون أيّ إشارة إلى وجود خلاف؟!([61]) مع أنّ القول بوارثية الأنبياء لمورِّثيهم هو المعروف بينهم، بل بين فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم.

 

 النقطة التاسعة: هل أنّ الأنبياء^ يَرِثون؟

إنّه بناء على صيغة «لا نورث» ونحوها من صيغ الجمع ينفتح البحث في أنّه هل يراد بها التعميم لجميع الأنبياء^ أو أنّ ذلك خاصٌّ بنبينا|؟

لقد مرّ أنّ ثمّة مَنْ ادَّعى الإجماع على ذلك. والصحيح أنّه وَهْم؛ أمّا الشافعية فقد ذهبوا إلى أنّ الأنبياء^ يرثون، كما حكاه ابن عابدين عنهم؛ وأمّا المالكية فالراجح عندهم أنّهم يرثون، كما قال الدردير؛ وأمّا الحنفية فقد اختلفت أقوالهم في ذلك، واختاره عددٌ من الفقهاء([62]).

وعليه ففي المسألة قولان:

القول الأوّل: أنّهم^ يرثون.

وهذا هو القول المعروف لدى أكثر فقهاء الإسلام، بحَسَب التتبُّع والاستقراء. فقد اختاره الإمامية، وأكثر فقهاء المذاهب الأربعة، وغيرهم.

ومستند الإمامية هو:

1ـ الآيات الصريحة الدالّة على إرث بعض الأنبياء^، كيحيى وداوود.

2ـ عمومات ومطلقات الكتاب العزيز، وعدم ثبوت المخصِّص لذلك.

3ـ ما ثبت في الأثر من إرث نبيِّنا| لأمّه وأبيه وغيرهما، كزوجه أمِّ المؤمنين خديجة.

وأمّا مستند غيرهم فهو:

1ـ حديث «لا نورث ما تركنا صدقة».

2ـ مضافاً إلى ما ثبت في الأثر من إرث نبينا| لأمّه وأبيه وغيرهما([63]).

أقول: إنّ استدلال أهل السنّة بحديث «لا نورث ما تركنا صدقة» على توريث الأنبياء^ ليس فنيّاً على ظاهره؛ لعدم ثبوت المفهوم فيه؛ إذ إنّ نفي الحكم ـ وهو الموروثية ـ للأنبياء^ لا يثبت الوارثية لهم.

فالصحيح هو التمسُّك بعمومات ومطلقات الكتاب بعد دلالة الحديث على استثناء موروثية الأنبياء^ لا غير. وعليه فالظاهر رجوع هذا الاستدلال إلى ما استدلّ به الإمامية، وإنْ كان الإمامية لم يثبت عندهم أيّ تخصيص في المقام.

القول الثاني: إنّهم^ لا يرثون.

ومن الجدير بالذكر أنّه لا توجد في الأحاديث ولا في غيرها من الأدلّة أيّ إشارة ـ صريحة كانت أو غير صريحة ـ إلى كون الأنبياء^ عامّة، أو نبينا| خاصّة، لا يرثون من غيرهم.

ومن ثَمّ لم أعثر على وجهٍ فنّي يمكن أن يكون مستنداً لهذا القول، بحَسَب فحصي.

أجل، ربما يُقال: إنّه بناء على كون نبيّنا| لا يرث قد يُتعدّى إلى سائر الأنبياء^؛ بدعوى عدم الفرق بينهم^ وبينه|، أو الأولوية.

لكنْ من الواضح ضعف هذه الدعوى؛ لأنّ ذلك لو كان فضيلة للنبي| ـ كما هو المدَّعى ـ فمن المحتمل قوّياً حينئذٍ بحَسَب النظر العرفي اختصاصه بها دونهم^؛ لكونه| سيِّد الأنبياء والمرسلين^، ولأنّه| أفضلهم على الإطلاق. ومعه لا يُحرز عدم الفرق، فضلاً عن دعوى أولويّتهم^ منه|.

 

النقطة العاشرة: فلسفة الحكم بعدم إرث الأنبياء^

لقد عُلِّل هذا الاستثناء من الإرث للأنبياء^ عامّة، أو للنبي| خاصّة، بما يلي:

1ـ ما ذكره ابن بطّال من أنّ الله تعالى بعث الأنبياء^ مبلِّغين رسالته، وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجراً، كما قال ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً (الشورى: 23). وقال نوحٌ وهود وغيرهما نحو ذلك. فكانت الحِكْمة أن لا يورثوا؛ لئلاّ يُظنّ أنّهم جمعوا المال لوارثهم([64]).

2ـ ما حكاه ابن حجر من أنّه قيل: لكون النبيّ| كالأب لأمّته، فيكون ميراثه للجميع، وهذا معنى الصدقة العامّة([65]).

3ـ ما ذكره الشربيني قائلاً: والحِكْمة فيه أن لا يتمنّى أحدٌ من الورثة موتهم لذلك، فيهلك، وأن لا يظنّ بهم الرغبة في الدنيا، وأن يكون مالهم صدقة بعد وفاتهم؛ توفيراً لأجورهم([66]).

 

المناقشة

أمّا ما ذُكر من وجوه الحكمة فنحن وإنْ كنّا نعتقد بكون الأحكام مبنية على المصالح والمفاسد، وأنّها مشرَّعة على أساس الحكمة، وليست جزافاً؛ لكون الشارع المقدَّس منزَّهٌ عن العبث؛ ولأنّه لطيف بعباده، وغنيّ عن طاعتهم، إلاّ أنّ التعليلات المذكورة لهذا الاستثناء من الحكم العامّ للميراث ـ على فرض ثبوته ـ غير صحيحة؛ وذلك:

أوّلاً: إنّها رجمٌ بالغيب، وليست تعليلات علمية؛ لخلوّها من أيّ دليل، بل وشاهد.

ثانياً: أمّا التعليل الأوّل فإنّه أوهن من بيت العنكبوت، وإلاّ فلو جرينا طبقه لاقتضى عدم تمليك الأنبياء^ شيئاً من الأساس، أو تمليكهم أقلّ ما يمكن من مؤونتهم، كقوت اليوم ونحو ذلك، لا أن يسمح لهم بتملُّك ما شاؤوا، ويحرم ورثتهم منه، ولا سيَّما إذا لاحظنا أنّ نبينا| قد أُبيحت له مساحة معتدّ بها من الأموال، كالفَيْء والخُمْس.

ثالثاً: ليت شعري أين المنافاة بين الحكم بإرث الأنبياء^ وبين قوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً (الشورى: 23)؛ إذ من الواضح أنّ ورثة النبيّ| إنّما يرثون أموال مورّثهم المملوكة له والخاصّة به، ولا ارتباط لذلك بأخذ الأجر على الرسالة من الناس ـ بل ولا بعدم أخذه ـ، لا من قِبَل النبي| ولا من قِبَل ورثته.

رابعاً: إنّنا لو أكملنا قراءة هذا النصّ المذكور بشأن نبيِّنا| لرأينا أمراً ملفتاً للنظر، حيث قال تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى (الشورى: 23)؛ فهل ورد هذا الأمر الرباني بمودّة قربى النبيّ| مطلقاً، حتّى مع العلم بمطالبتهم بالإرث ومخاصمتهم، أو كان الأمر بمودّتهم مقيَّداً بغير هذه الحالة وأمثالها؟! وكيف يمكن الجمع بين مخاصمتهم وامتثال الأمر الإلهيّ بمودَّتهم؟!

خامساً: وأمّا مسألة دفع الظنون والتُّهَم عن الأنبياء^ فهو أمرٌ مهمّ في نظر جميع الشرائع بصورة عامّة، وفي شريعتنا بصورة خاصَة، لكنْ لو تتبّعنا التُّهَم التي وجِّهت إلى الأنبياء^ ـ بل وإلى الأولياء أحياناً ـ لرأينا أنّ المولى عزَّ وجلَّ قد تصدّى بنفسه للدفاع عنهم. والأمثلة على ذلك في القرآن كثيرةٌ جدّاً، من قبيل:

الدفاع عن كليم الله موسى× تجاه التُّهَم التي تعرَّض لها من قِبَل بني إسرائيل، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (الأحزاب: 69).

ومن قبيل: الدفاع عن نبينا| تجاه الاتِّهامات الباطلة التي رماه بها مشركو قريش، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً * وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِي مَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (الأحزاب: 36 ـ 38)، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (التحريم: 4)، وقوله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (القلم: 1 ـ 2)، وقوله تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الحاقة: 38 ـ 43).

ومن قبيل: الدفاع عن نزاهة مريم ابنة عمران وبراءتها ممّا رُميت به من بهتان وافتراء من قِبَل قومها، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (مريم: 26 ـ 30).

سادساً: إنّ الذي يثير التُّهم والشكوك هو التهالك على الدنيا وجمع الأموال الطائلة، وليس ترك المال بالمقدار المتعارف إلى الورثة، ولا سيَّما مع بذل الصدقات والوقوف العامّة والوصيّة بالخير إلى جانب التركة. مضافاً إلى ما هو المعروف من سيرة نبينا| خاصّة، من الزهد، وكثرة إحسانه إلى المعوزين.

سابعاً: وأمّا التعليل الثاني فإنّ كونه| كالأب لأمّته، وأنّه وليّها العامّ، لا يتنافى مع العناوين الخاصة الثابتة له|، ككونه أباً لفاطمة الزهراء، أو زوجاً لأمّهات المؤمنين. وهل يصحّ إلغاء تلك العناوين النسبية والسببية بسبب ثبوت عنوان عامّ له|؟!

ولست أدري هل ثمّة مَنْ يقول بعدم توريث تركات أمّهات المؤمنين لورثتهنَّ؛ لمنافاة التوريث لمقامهنَّ، وهو مقام الأمومة للمؤمنين([67])؛ استناداً لقوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (الأحزاب: 6)، ولقوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ (الأحزاب: 32)؟!

ثامناً: إنّ هذا التعليل يتنافى مع ما ورد في تلك الأحاديث نفسها من استثناء نفقة نسائه| ومؤونة عامله؛ فإنّه استثناءٌ وامتياز لبعض ذويه ومَنْ يتعلّق به، دون سائر أفراد الأمّة، والصرف عليهم مقدَّمٌ على الصدقة العامّة، وما بقي ـ على فرض وجود باقٍ ـ يكون للأمّة، فإنْ كان إعطاء مثل هذا الامتياز لبعض ذويه ـ مع كثرتهم ـ([68]) غير مستدعٍ لإساءة الظنّ به| فلمَ لا يكون هذا الامتياز شاملاً لسائر ورثته|، مع قلَّتهم؟!

تاسعاً: وأمّا التعليل الثالث فإنّ الشقّ الأوّل منه ـ وهو الحيلولة دون تمنّي موت الأنبياء^ ـ لا يتأتَّى إلاّ في وارثٍ شقيّ، بل من أشقى الناس. وفي مثله لا تنحصر أمنيّته بالحصول على المال، بل قد توسوس له نفسه الحصول على ما كان للأنبياء^ من مقامٍ وجاه، وربما سلطان. فالحرمان من الإرث لا يسدّ أبواب الفساد تماماً أمام مثل هؤلاء الناس. ومن الواضح أنّ الطريق الأسهل المفتوح أمام الشريعة؛ لسدّ جميع أبواب الفساد تلك، هو تحريم تمنّي موت الأنبياء^ مطلقاً.

عاشراً: وأمّا الشقّ الثاني من التعليل الثالث فقد تقدَّم جوابه.

الحادي عشر: وأمّا الشقّ الأخير منه فهو في منتهى الطَّرافة؛ فإنّ الصدقة القهرية الحاصلة بمجرَّد الموت غير معلومة الأجر؛ لعدم صدورها عن اختيار المالك. وعلى فرض وجود الأجر فيها؛ تفضّلاً من الله تبارك وتعالى، فلا يُقاس بالأَجْر في صدقة التطوّع التي تؤدّى حال الحياة، وحال الاختيار.

وإذا قيل: إنّ المراد وقوع الصدقة من النبي| قبل الموت. قلنا: ذلك ما كنّا نبغي؛ إذ بناءً عليه لا يبقى خلافٌ في البين، فإنّ المال الذي يُتصدَّق به قبل الموت لا يحسب تركة، ولا يكون موضوعاً للإرث، والذي هو أحد الاحتمالات الوجيهة المتقدِّمة في تفسير حديث «لا نورث».

 

النقطة الحادية عشرة: احتجاج الزهراء÷

لقد تضمَّن احتجاج الزهراء÷ على أبي بكر في المسجد النبوي عدّة أمور، والذي يرتبط بموضوع البحث([69]) ما يلي:

1ـ الاستدلال بالنصوص القرآنية الواردة في إرث سليمان لداوود، وإرث يحيى لزكريا^.

2ـ الاستدلال بعموم وإطلاق آيات الارث.

3ـ نفي ورود أيّ تخصيص أو تقييد في الكتاب لعمومات وإطلاقات أدلّة الإرث. وأيضاً نفي ورود المخصِّص في السنّة النبوية الشريفة.

4ـ وجود المقتضي للإرث، وارتفاع المانع، حيث لا يوجد أحد موانع الإرث، كالكفر أو غيره.

5ـ كون أهل البيت أعلم من سائر المسلمين طُرّاً ـ بمَنْ فيهم الصحابة ـ بأحكام الله، وما ورد في الكتاب من عمومٍ أو خصوص.

فقد روي عن عبد الله بن الحسن، بإسناده عن آبائه^، أنّه لمّا أجمع أبو بكر([70]) على منع فاطمة فدك، وبلغها ذلك جاءت إليه، وقالت له: «يا بن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فريّاً. أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله وراء ظهوركم؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُودَ… (النمل: 16)، وقال عزَّ وجلَّ في ما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (مريم: 5 ـ 6)، وقال عزَّ ذكره: ﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ (الأنفال: 75؛ الأحزاب: 6)، وقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (النساء: 11)، وقال: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (البقرة: 180).

وزعمتم أنْ لا حظوة لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصَّكم الله بآيةٍ أخرج نبيَّه منها؟!

أم تقولون: أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أَوَلستُ وأبي من أهل ملّةٍ واحدة؟!

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبيّ|؟!

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُونَ (المائدة: 50)؟!

أأُغلب على إرثي ظلماً وجوراً، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ (الشعراء: 227)»([71]).

 

النقطة الثانية عشرة: مسؤوليّة البحث

إنّ مسؤولية هذا البحث بالدرجة الأولى تتركَّز حول دراسة مداليل النصوص القرآنية، ولكنْ إنّما طال بحث السنّة نظراً لاقتضاءات منهجية؛ بسبب تأثير السنّة على تحديد مدلول النص القرآني. ولم نسترسل في البحث إلى دراسة جميع الجوانب؛ لخروج ذلك عن الهدف الأصلي. من هنا لم نتصدَّ إلى القضاء في ما يرتبط بالخلاف التاريخي المعروف، والدعوى التي أقامتها فاطمة الزهراء÷ ضدّ الخليفة الأول، وهل اجتهد في فهم الآية أو الرواية؟ أو هل كانت لديه حجّة أخرى غير الحديث الذي نقله عن النبيّ| أو لا؟ أو هل كانت صلاحياته باعتباره وليّاً للأمر تبيح له مثل ذلك الموقف أو لا؟ فإنّ جميع ذلك خارجٌ عن المراد بهذا البحث.

 

الهوامش

(*) باحثٌ وأستاذ في الحوزة العلمية، وعضو الهيئة العلميّة لجامعة المصطفى| العالميّة، ورئيس تحرير مجلّة فقه أهل البيت^. من العراق.

([1]) مسند أحمد 1: 4؛ البيهقي، السنن الكبرى 6: 303؛ سنن أبي داوود 2: 24، رقم (2953).

أقول: لقد رويت قصة مطالبة السيدة الزهراء÷ بإرثها بصيغ مختلفة: إحداها: ما أوردناه هنا؛ وفي بعضها ذُكر أنّ العباس كان معها، كما أنّها اشتملت على مضمون مؤيّد لحديث «لا نورث ما تركنا صدقة»، كما تقدّم في حديث عائشة.

([2]) ابن أبي الحديد، شرح النهج البلاغة 15 ـ 16: 350.

([3]) الحطّاب، مواهب الجليل 5: 11 ـ 12.

([4]) لقد رُوي أنّ رسول الله| مات عن تسع: خمس ـ أو ستّ ـ من قريش؛ وثلاث ـ أو اثنتان ـ من سائر العرب؛ وواحدة من بني هارون، وهنّ:

1ـ عائشة بنت أبي بكر، من تيم.

2ـ حفصة بنت عمر بن الخطّاب، من عدي.

3ـ أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ـ واسمها رملة ـ، من بني أمية.

4ـ سودة بنت زمعة، من بني أسد بن عبد العزّى.

5ـ أمّ سلمة بنت أبي أميّة ـ واسمها هند ـ، من بني مخزوم.

6ـ زينب بنت جحش، من بني أسد، وعدادها من بني أمية.

7ـ ميمونة بنت الحارث، من بني هلال.

8ـ جويرية بنت الحارث.

9ـ صفية بنت حيي بن أخطب، من بني إسرائيل.

(انظر: مسند الشافعي: 260، 267؛ مسند الحميدي 1: 241، ح524؛ البيهقي، السنن الكبرى 7: 296؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 20: 244 ـ 245، باب 140 من مقدّمات النكاح وآدابه، ح10، 11؛ وغيرها).

([5]) انظر: الخضري، أصول الفقه: 184.

([6]) انظر: المصدر نفسه.

([7]) انظر: الأردبيلي، زبدة البيان: 656.

([8]) النراقي، مستند الشيعة 19: 151.

([9]) الشربيني، الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع 2: 50؛ الشربيني، مغني المحتاج 3: 26.

([10]) شرح نهج البلاغة 15 ـ 16: 247.

([11]) انظر: الصدر، فدك في التاريخ: 149.

([12]) الطبري، تاريخ الأمم والملوك 2: 614.

([13]) مسند أحمد 2: 236، 376، 438، 466، 533، و3: 4، 39؛ صحيح البخاري 2: 57، و7: 209، و8: 154؛ صحيح مسلم 4: 123.

([14]) أقول: لقد أشرنا في ما مضى إلى أنّ كلمة (الحويرث) مصحّف (أوس)، أو مصغّرها (أويس)؛ فإنّ مالك بن الحويرث أبو سليمان هو ابن أشيم الليثي الذي سكن البصرة، وليس هو ابن الحدثان الذي كان بالمدينة، والذي كان إسلامه متأخّراً، حتّى أنّه لم تثبت له صحبة، وكان مخضرماً وقضّى غالب عمره جاهلياً، أي كانت تغلب عليه الطبيعة البدوية والجاهلية، وهذا ما يتناسب مع وصفه من قِبَل عثمان بأنّه (أعرابيٌّ يتطهَّر ببوله).

([15]) الفضل بن شاذان الأزدي، الإيضاح: 256؛ المفيد، الأمالي: 67.

([16]) السيرة الحلبية 3: 488.

([17]) راجع: السيرة الحلبية 3: 488؛ شرح نهج البلاغة 16: 234 ـ 235؛ الإيضاح: 256؛ الأمالي: 67.

([18]) المسعودي، مروج الذهب 1 ـ 2: 464؛ الإيضاح: 256؛ الأمالي: 67.

([19]) فدك في التاريخ: 148، الهامش رقم (4). ثمّ قال: «ولعلّ هذا يضعف من شأن الرواية؛ لأنّ الخليفة لو كان مستعدّاً للتراجع لأجاب الزهراء إلى ما تطلب في المسجد حينما خطبت وأسمعته من التأنيب والتقريع الشيء الكثير».

([20]) تاريخ الأمم والملوك 2: 619؛ مروج الذهب 1 ـ 2: 464؛ المتقي الهندي، كنـز العمّال 5: 632، ح14113؛ ابن حجر، لسان الميزان 4: 189؛ الذهبي، ميزان الاعتدال 3: 109؛ الصدوق، الخصال: 171، ح227؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 30: 420 ـ 421؛ الكوفي، الاستغاثة 1: 17؛ شرح نهج البلاغة 6: 51، و20: 24؛ تاريخ الأمم والملوك 2: 619؛ الإيضاح: 256؛ الأمالي: 67.

([21]) انظر: المصادر السابقة.

([22]) صحيح البخاري 5: 5، في باب فرض الخمس.

([23]) انظر: الكاندهلوي، أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 324.

([24]) نقلاً عن حاشية صحيح مسلم 4: 32، طبعة مؤسّسة عزّ الدين. وانظر: الفرّاء، الأحكام السلطانية: 197 وما بعدها؛ الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية: 169 وما بعدها؛ الصالحي، سبل الهدی والرشاد 7: 361 وما بعدها؛ ابن سيِّد الناس، عيون الأثر 2: 397، 409؛ المقريزي، إمتاع الأسماع 6: 302 ـ 348، 366 ـ 398 و7: 3 ـ 262. وانظر أيضاً: حماد بن زيد البغدادي، تركة النبيّ.

([25]) انظر: الصدوق، الأمالي: 129 ـ 130، ح2 [117].

([26]) السيرة الحلبية 2: 679؛ سبل الهدی والرشاد 5: 95، و7: 407؛ عيون الأثر 2: 411؛ إمتاع الأسماع 1: 259، و7: 244، و8: 380.

([27]) في نسخة: ذات الفصول.

([28]) في نسخة: فراشاً.

([29]) وسائل الشيعة 26: 102 ـ 103، باب 4 من ميراث الأبوين والأولاد، ح8.

([30]) انظر: الأحمدي، مكاتيب الرسول 2: 312 ـ 355، 3: 433 ـ 543، 621 ـ 669؛ الواقدي، المغازي 2: 693 وما بعدها. وانظر أيضاً: المصادر السابقة.

([31]) أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 324.

([32]) انظر: المصدر نفسه.

([33]) المصدر نفسه.

([34]) مسند أحمد 1: 10، 13؛ البيهقي، السنن الكبرى 6: 302.

([35]) مسند أحمد 1: 13، و2: 353.

([36]) انظر: ابن حجر، فتح الباري 12: 6.

([37]) انظر: المصدر نفسه.

أقول: ما حكاه ابن حجر عن ابن عبد البرّ غير صحيح؛ فإنّ ما ذكره ابن عبد البرّ في كون نبينا يورّث أو لا، وذكر فيه قولين. (انظر: ابن عبد البرّ، التمهيد 8: 16). وقد نبّه عليه الكاندهلوي في أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 320.

([38]) انظر: الباجي، المنتقى شرح موطّأ مالك 9: 500.

([39]) انظر: أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 322.

([40]) انظر: فتح الباري 12: 6. وهذه النسبة غير صحيحة، وقد نبّه علی ذلك الكاندهلوي في أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 320.

([41]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 11: 81.

([42]) المصدر السابق 11: 78.

([43]) المصدر السابق 13: 164.

([44]) مسند أحمد 1: 10، 13؛ البيهقي، السنن الكبرى 6: 302.

([45]) مسند أحمد 1: 13، و2: 353.

([46]) موطّأ مالك 2: 993.

([47]) مسند أحمد 2: 463؛ الجوهري، السقيفة وفدك: 111.

([48]) موطّأ مالك 2: 993، 28؛ مسند أحمد 2: 376؛ صحيح البخاري 3: 197، 4: 45، 8: 4؛ صحيح مسلم 5: 156؛ سنن أبي داوود 2: 25؛ البيهقي، السنن الكبرى 6: 302، و7: 65؛ مسند الشافعي: 323.

([49]) مسند أحمد 2: 464.

([50]) المصدر السابق 2: 376.

([51]) المنتقی شرح موطّأ مالك 9: 500.

([52]) الشنقيطي، أضواء البيان 3: 362.

([53]) الصفّار، بصائر الدرجات: 440، ح8.

([54]) الهيثمي، مجمع الزوائد 2: 292؛ فتح الباري 8: 107.

([55]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 69، ح3349.

([56]) البرقي، المحاسن 1: 195، ح17؛ الكليني، الكافي 1: 23، ح15، و8: 268، ح299.

([57]) البيهقي، السنن الكبرى 4: 238.

([58]) انظر: الصدوق، الأمالي: 129 ـ 130، ح2 [117].

([59]) ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث: 282 ـ 283.

([60]) انظر: أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 325.

([61]) انظر: برّاج، أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 275.

([62]) انظر: أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 324 ـ 326.

([63]) انظر: المصدر السابق 15: 325.

([64]) أوجز المسالك إلى موطّأ مالك 15: 321.

([65]) فتح الباري 12: 6.

([66]) الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع 2: 50.

([67]) لا يُقال: ثمّة مَنْ ذهب إلى عدم توريث بيوت أمّهات المؤمنين لورثتهنّ، كابن حجر.

فإنّه يُقال: إنّ منشأ هذا القول ليس ما ذُكر، بل منشؤه هو القول بكون البيوت مِلْكاً للنبي|، وبعده تصبح صدقةً، كسائر أمواله، على ما هو المعروف عند أهل السنّة.

([68]) لقد رُوي أنّ رسول الله| مات عن تسع. كما تقدّم ذكر أسمائهنّ مفصَّلاً في بحث معارضة حديث «لا نورّث» مع بعض الأحاديث.

([69]) وليُعلم أنّ الاحتجاج تضمَّن أيضاً الاستدلال بآية الوصية التي ورد فيها التأكيد على الوصية للأقرباء، وحاشا النبي| أن يخالف هذا الحكم المؤكَّد، الذي عبّرت عنه الآية بأنّه حقٌّ على المتقين. ولم نُشِرْ لذلك لأنّه خارج عن بحث الإرث.

([70]) أجمع: أي عزم.

([71]) الطبرسي، الاحتجاج 1: 138.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً