نجاة عاشور عيسى عاشور
محــاور رئيسـة:
– التقوى كقيمة أصيله في المشروع التربوي الاسلامي للأسره ( المرأه عمودا )
– اعادة النظر في الخطاب الديني حول قضايا المرأه ( في الواقع التربوي )
– أهمية احياء القدوة الرمز في الجيل الواعد ( زينب عليها السلام انموذجا )
المحور الأول:
نثير هنا سؤالا جوهريا يشكل قوام البحث:
ماهي الاصول الحاكمة التي ينبغي ان تحكم الانسان في نظرته للكون وبالتالي تكون هي المحرك والموجه لسلوكه؟
أولا- القرآن الكربم ينظر للانسان كوحدة لاتقبل التجزئه رافضا المذاهب التي تعتبر الانسان وجودا ماديا محضا مصادرة حاجاته المعنوية ورافضا الفلسفات التي تدعو الى التجرد التام والزهد حيث كلتا النظريتين تعجزعن تحقيق الشخصية المتوازنة (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) القصص 77
ثانيا- فان المنهج القراني يرى ان الاصالة في الانسان للروح وليس للجسد قال الشيخ الصدوق: الإعتقاد في الروح أنّه ليس من جنس البدن، وأنّه خلق آخر لقوله تعالى: ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون 14، وإذا فارقت الأبدان فهي باقية ؛ منها منعّمة، ومنها معذّبة إلى أن يردّها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها. (شبكة مركز الابحاث العقائدية)
ثالثا- الميل الفطري الى الاستعلاء والكمال يجعل الانسان منشدا الى الكامل ( نظرية الامكان الفقري للملا صدرا الشيرازي رض) والتي تنفي الاستقلال عن كل الموجودات وتثبت التوحيد الواجب لعلة الوجود وهو الله عز وجل، وان الانسان في هذا العالم يمثل اعلى مرتبة في الموجودات وانه اي الانسان مظهر للتوحيد وقد اودع الله عز وجل فيه الامكانات والقابليات للوصول الى هذا الكمال مشروطا بالانقطاع عن قيود عالم المادة وبمقدار استعلائه عن عالم المادة تتسع قدرته على استيعاب الآيات االربانية الانفسية والافاقية وصولا الى وحدة وجوده وانتفاء شتاتها واستقامة توجهها نحو الهدف الواحد وهو الله عزوجل ( التوحيد ) .(نظرية التربية والتعليم .علم الهدى)
– لذا نجد ان منهج التربية في مدرسة اهل البيت عليهم السلام تجعل من (الله عز وجل) هدفا للمسيرة الانسانية “ياأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ” الانشقاق 6 وتطرح صفات الله عز وجل كمعالم اساسية لهذا الهدف ( تخلقوا باخلاق الله ) وتجعل من اهل بيت العصمة ع مظهرالتوحيد الكامل نماذجا بشرية عليا يقتدى بها،ومعنى ذلك كله هو أنها تكسب هذه الحركة الانسانية طابع الاستمرارية نحو الكمال وتحول الدنيا من مسرحا للتنافس والتكالب الى مسرحا للبناء الصالح والابداع المستمر وفقا للمدلولات التربوية في التركيب العقائدي عند الشيعه حيث الايمان بالله عزوجل والايمان بجزاء الاعمال العادل في الدنيا والاخره هو الحجر الاساسي في التربية الاسلامية العامه والايمانية الخاصة . واضافة الى الاعتقاد بمفهوم الانتظار للظهور المقدس لولي الله الاعظم ارواحنا فداه حيث تجعل من فكرة الانتظار الواعي مشروعا للعمل نحو تقريب ذلك اليوم الموعود.
ومن هنا نجد ان الجهد الاكبر لائمة اهل البيت عليهم السلام موجها نحو تهذيب النفوس وبناء الشخصية الانسانية وفق معايير اخلاقية وتربوية عالية، بل كانوا عليهم السلام لايعتبرون الرجل مواليا الا اذا كان مطيعا لامر الله مجانبا لهوى من اهل الصدق والورع والتقوى .
( يقول الامام الباقر ع: ماشيعتنا الا من اتقى الله واطاعه ) وعن الصادق ع ( يابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم لاتذهبن بكم المذاهب فوالله لاتنال ولايتنا الا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومؤاساة الاخوان في الله وليس من شيعتنا من يظلم الناس ).
ان بذرة هذه القيم التربوية هي قوام المنهج الاسلامي الشامل وصولا لتحقيق الاهداف الاسلامية الكبرى . نحن بحاجة اليوم الى بناء منهجا معرفيا تربويا قائم على سيرة وروايات اهل البيت ع بعيدا عن حالة التشويش الفكري والثقافي التي تغزونا كل يوم وتتحكم في سلوكياتنا ونمط تفكيرنا واسلوب تعاملنا مع المشكلات.
مما سبق نصل الى نتيجه مفادها ان جوهر العملية التربوية في مدرسة اهل البيت عليهم السلام قائمة على مبدأ التوحيد الخالص لله عزوجل والتي ينتج عنها اصولا حاكمة على سلوك الانسان وافعاله:
واولها التقوى “انَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات13 وهي الكف والامتناع عن المحرمات والتحرز من الذنوب واقتحام الشبهات . يقول امير المؤمنين ع ( التقى رئيس الاخلاق) يسال الامام الصادق ع عن التقوى فيقول: ( ان لايفقدك الله حيث امرك ولا يراك حيث نهاك ) “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” المائده 27 . ان منهج التربية والتعليم في الاسلام يقوم على مبدأ التزكية واساس التزكية هو التقوى.
ويمكننا الاعتماد على هذا المعيارالسلوكي الحاكم في الدوائر التربوية كضابطة اخلاقية تربوية في تشكيل الاسرة بدءا من اختيار الزوجين الى اسلوب التعامل بين الزوج والزوجه، وبين الوالدين والابناء،وبين افراد الاسرة والمجتمع لبناء أسرة سليمة وأفراد أسوياء.. تبدأ من الدائرة الفردية ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ ….” التحريم 6، ثم دائرة الاسرة ( …. وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ” التحريم 6، ثم دائرة المجتمع “وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ” الشعراء (214)
لماذا التركيز على المرأه؟
ان العملية التربوية هي عملية تشكيل للمخزون الثقافي والنفسي والسلوكي الذي سيلقي بظلاله على الإنسان طيلة مسيرة حياته، ولاشك ولا ريب ان دور الأم في الاسرة يشكل الدعامه الاولية والأساسية في هذا المخزون وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته” وإلى هذه الحقيقة يشير الإمام الخميني قدس سره بقوله: “وإن معظم المفاسد ناتجة عن هذه العقد التي تنشأ عند الأطفال” . ويقول قدس سره: “إن طفلاً صالحاً يتربى في أحضانكن من الممكن أن يسعد شعباً كاملاً”. ( شبكة المعارف الاسلامية).
المحور الثاني:
– اعادة النظر في الخطاب الديني حول قضايا المرأه ( في الواقع التربوي )
من اكثر القضايا التي وقع فيها الظلم وعدم الانصاف والتي تاثرت بالموروثات الاجتماعية على مر التاريخ هي القضايا المتعلقة بالمرأه، ان الخطاب الديني العام، يخاطب المرأة من منطلق ( قصورالفهم ) في مسألة ولاية الرجل عليها تاثرا بالمخزون النفسي والثقافي الاجتماعي الموروث ” بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ” (22) الزخرف ..، ويراها كائناً من الدرجة الثانية عاطفياً ضعيفا لا تبلغ الرشد العقلي ولا يمكنها ان تحسن التصرف إلا تحت وصاية، وهذه النظرة الغير إنسانية والغير واقعية والمخالفة للقرآن الكريم والتي تصطدم مع سيرة قادتنا وقدوتنا من اهل بيت العصمة عليهم السلام من المؤسف انها تحكم الكثير من السلوكيات والعلاقات في داخل كيان الاسرة وخارجها بل طالت حتى الكثير من القوانين والتشريعات .
ولماذا التاكيد على العوده الى سيرة اهل البيت ع كمقياس ؟ (لان النظام التربوي عند الشيعه والذي هو فرع من النظام التربوي العام له ميزاته عن غيره من فروع التربية الاسلامية الاخرى فالشيعه رغم اعتقادهم ان القران هو كتاب المسلمين وان السنه تفسر وتكمل القران الا انهم يرون بان المدارس الاسلامية الاخرى لم تنقل المصدرين من منابعهما الحقيقية وان حملة الشريعه بعد رسولنا الكريم ص هم الائمة المعصومون، مما ترتب على ذلك وقوع الخطأ والاضافة والنقص لان نقلتها غير معصومين، ونتج عن هذا الاختلاف في الاعتقاد بين الشيعه وغيرهم من المسلمين نتائج تربوية وتعليمية ذات شأن فالرحلة في طلب العلم خاصة في زمن الائمة عليهم السلام اتخذت عند الشيعه طابعا مميزا عن غيرهم من المسلمين فالطالب الامامي يرحل للقاء الامام لياخذ الحديث من مصدره الذي لاشك في قوله في حين ان الطالب غير الامامي يتلقى الحديث من اناس ليسوا بمعصومين) (من كتاب الفكر التربوي عند الشيعه الامامية للدكتور علاء الدين القزويني)ص 447-448.
ان اكثر مايميز مدرسة اهل البيت ع هو التماسك الفكري الوثيق والترابط بين افكارها واتجاهاتها وهذا ما اجتهد ائمتنا الاطهار عليهم السلام من اجل تحقيقه على ارض الواقع حفاظا على المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع ومن هنا نجد ان ما قدموه من قيم تربوية مرتبطه ببعضها البعض ترتبط فيها العقيده مع العبادات مع الاخلاق وصولا لهدف واحد وهو التوحيد كما اسلفنا في المحور الاول.
من هنا فان تاصيل المحتوى الفكري لمدرسة وسيرة اهل البيت عليهم السلام في واقعنا الحياتي والتي تمثل الترجمان الواقعي للثقلين من الاهمية بمكان لاعادة المرأه الى موقعها الحقيقي كشريك رئيسي للرجل في اعمار الحياة، بل وقد تتفوق برشدها العقلي على الرجل في احلك الظروف، وها نحن اليوم نحيي سيرة امرأة كانت في صلابة عقيدتها ودفاعها عن الشرعية انموذجا سقط امامها فلولا من الصناديد وانحنت امام عفافها ملائك السموات ..
كيف لا وهي ربيبة بيت الرسالة والنبوة وبنت الطهر فاطمة عليها السلام، انها ( فخر النساء زينب بنت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام ) اما القرآن فيحكي لنا قصصا لنموذجين لرجل وامرأه فرعون وآسيا فتامل واتعظ !
المحور الثالث:
أهمية احياء القدوة الرمز في الجيل الواعد ( زينب عليها السلام انموذجا )
من اقسام التربية التربية بالقدوة . وهنا جملة من النقاط ينبغي الالتفات اليها:-
– يقول سبحانه:” أولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)الانعام يقول الدكتور علي رضا صادق زادة في محاضرة له في مركز الابحاث والدراسات التربوية ان ( في فضاء التربية الإسلامية النمذجة أو التربية بالقدوة هي عمل لهداية الأفراد وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث بالتبعية العمياء ودون أسئلة مثل كيف ولماذا) .
وهذا المنهج واعني (التفكر) هو منهج قرآني يدعو الانسان الى الوصول الى الحقائق العقلية من خلال التأمل والتفكر في الانفس والافاق او مايسمى بالتربية الحسية وهي جزء مهم جدا في التربية العقائدية {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} البقرة: 219.. مما يعني افساح المجال للعقل بالسؤال والنقد والتفكير دون قمع او مصادرة للتفكير الحر لدى المتربي.
– يقول سبحانه:” قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) ال عمران”. إذاً محبة الله هي مقدمة لاتباع النبي(ص) و اله . وهنا يصبح حب أولياء الله ضرورة للوصول الى الحق تعالى.أن هذه الموالاة والمودة لال البيت ع تشكل ركيزة للتحرك للوصول الى الله سبحانه وتعالى . ومن هنا كان وجود الرمز ( الكامل ) القدوة في حياة الانسان عاملا تربويا مهما في استقامة السلوك . (وهذه قيمة الولاية في خطّ الرسالة والإمامة أنّها تلاحق الإنسان في مفاهيمه وحركيّته لتمنحه الوضوح في الخطّ، والسّداد في الرأي، والسلامة في الحياة، والاستقامة في الطريق، والرعاية في الحركة في خطواته السّائرة إلى الله سبحانه. ولذلك فإنَّ الارتباط بها يحمي الإنسان من الانحراف، ويقوده إلى الصراط السّوي ).( موسوعة الفكر الاسلامي 6 سيد فضل الله) انتهى .
توصــيات:
1- مطلوب من المعنيين بالشأن التربوي بناء منهجا معرفيا تربويا قائم على سيرة وروايات اهل البيت ع حفاظا على الجيل الواعد من التشويش الفكري والثقافي الذي يغزونا كل يوم ويتحكم في سلوكياتنا ونمط تفكيرنا واسلوب تعاملنا مع المشكلات. (مقتبس من محاضرة للسيد منير الخباز ).
2- المحافظه على المصطلحات القرانية واستبدال المصطلحات الدخيله والوافدة من باب وضع الشيء موضعه الصحيح وتسمية الاشياء بمسمياتها الواقعية لأهميتها في تميييز الحق من الباطل .قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا} مثال: يُطلق بعض الناس عبارة “مشروبات روحية” على المسكرات والخمور، وهو إطلاق مضلِّل وغير صحيح، لأنّ هذه المشروبات تزيل العقل وتفقد الوعي بما يسيئ إلى كرامة الإنسان وينتهك حرمته. مقتبس من كتاب الخطاب الديني بين المصطلحات الموروثة والمستورد للشيخ حسين الخشن
3- تصحيح الخطاب الديني والمفاهيم حول المرأة بشكل عام وحول الشخصيات الدينية النسائية بشكل خاص، كشخصية بطلة كربلاء زينب عليها السلام واخراجها من دائرة الضعف التي يحاول البعض وضعها فيها وابراز شخصيتها العملاقة كقائدة لحركة الاصلاح بعد استشهاد اخيها الحسين عليه السلام.
4- التاكيد على قيم العفاف والحياء والحجاب كضروريات في الدين وكأصول حاكمة في استقامة شخصية المراة ورشدها والتي لم تعيق او تقيد الحركة الرسالية لنساء ال البيت عليهم السلام في الدفاع عن بيضة الدين .
5- الاهتمام بالقضايا الاسرية ودور المرأة في السكن” وَجَعَلَ منْهَا زَوْجَهَا ليَسْكنَ إليْهَا” الاعراف 189 لأهميتها في الاستقرار النفسي للأبناء وبناء الشخصية السوية.
6- الاهتمام بنمط التربية بالقدوة مقدما على باقي الاساليب التربوية نتيجة لتاثر ابناء هذا الجيل بالشخصيات الوهمية في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من اجل خلق البديل الواقعي المؤثر مع أهمية التاكيد على الحوار وافساح المجال للتفكير الناقد والحر والذي يحتاج بلا شك الى صبر من الطرفين من المربي والمتربي .
مصــادرالبحث:
-الدكتور علاء الدين القزويني: كتاب الفكر التربوي عند الشيعه الامامية
-الدكتور علي رضا صادق زادة: مركز الابحاث والدراسات التربوية – لبنان
– جميله علم الهدى: كتاب النظرية الاسلامية في التربية والتعليم، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي – سلسلة الدراسات الحضارية.
– الشيخ حسين الخشن: كتاب الخطاب الديني بين المصطلحات الموروثة والمستورد
-الشيخ محمد رضا فرهاديان: كتاب أسس التربية والتعليم في القرآن والحديث
-السيد محمد حسين فضل الله: موسوعة الفكر الاسلامي 6
– شبكة مركز الابحاث العقائدية من خطب الامام الخميني رض
– محاضرات سيد منير الخباز