أ. عماد الهلالي(*)
مقدّمة تمهيدية
إنّ اليهود افترقوا على فرق كثيرة متعددة، كما افترق المسلمون والمسيحيون. ولقد كان انشقاق بعض هذه الفرق مبكِّراً في تاريخ اليهوديّة. كما أن منها ما اندثر واختفى، ولم يبْقَ منها إلاّ أخبارها يتلوها علينا التاريخ ويحدّثنا عنها؛ ومنها ما استمرّ في البقاء إلى العصر الحاضر. وفرقة القرّائين هي واحدة من هذه الفرق، التي ظلّت باقية إلى يومنا هذا، بعد أنّ مرّ على ظهورها أكثر من ألف ومئتي سنة. ويعتبر انشقاق فرقة القرّائين عن اليهوديّة، وانفصالها عنها في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، حَدَثاً من الأحداث الكبرى في تاريخ اليهوديّة.
وقد خلَّفت هذه الفرقة تراثاً قد يكون من أضخم ما خلّفته أيّ فرقة يهوديّة أخرى، كمّاً ونوعاً، وهو تراث حريّ بالقارئ العربي أن يعرفه ويطلّ عليه؛ ليرى جانباً آخر من جوانب اليهوديّة، التي يقول القرّاؤون أنّهم أحقّ مَنْ يمثّلها، وأصدق مَنْ يتّبع أحكامها.
واعتماد القرّائين على التوراة وحدها كان بسبب رفضهم للمصدر الرئيس الآخر لدى اليهوديّة، وهو «التلمود»، الذي يعتبر لدى عامّة اليهود جزءاً مهمّاً ومكمِّلاً للتوراة، ولذلك أطلق عليه اسم «الشريعة الشفويّة»، مقابل «الشريعة المكتوبة» (التوراة). وكان رفض القرّائين للتلمود رأس المسائل التي سبَّبت الانشقاق وبدأته بينهم وبين عامّة اليهود، والذي ازداد عمقه وتشعّبت مسائله بمرور الأيّام([1]).
هذا، ولا يسعني أن أغادر هذه المقدّمة القصيرة دون أن أزجي خالص الشكر والعرفان إلى الباحث العراقي المتخصِّص باليهوديّة واللغة العبريّة واللغات السامية الأخرى الدكتور جعفر هادي حسن، الذي وضع بتصرُّفي وقته وعمله لإنجاز هذا البحث عن الفرقة القرّائيّة.
1ـ عن مؤسِّس الفرقة
إن حركة إنكار التلمود، وعدم الاعتراف بأحكامه وبتعاليم الرّبانيين والحاخامات، والتمسّك بأسفار العهد القديم وحدها، تلك الحركة الدينيّة التي نادى بها السامريون والصدوقيون من قبل([2])، ظهرت من جديدٍ في القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) في بغداد على لسان عنان بن داوود([3]).
«هذه الفرقة التي أسّسها الحبر عنان بن داوود في العراق (بغداد)، والتي تعتبر من أهم الفرق اليهوديّة المعارضة لليهوديّة الحاخاميّة»([4])، وثانية الفرق اليهودية من حيث عدد أتباعها، وذات الأهمّية الكبرى في تاريخ الفكر الديني اليهودي عامّة»([5]). «وهي تدعو لنبذ التلمود، وتنادي علناً برفضه([6])، وتصف تعاليم الربّانيين بأنها خارجة عن التوراة. وقد أطلق أتباع هذه الفرقة على نفسهم اسم «القرّائين»([7]) و«بني المقرأ»، أي قارئو التوراة دون التلمود، فانشقوا بذلك عن غالبيّة اليهود، التي تنظر إلى التلمود نظرة المسلمين إلى الحديث»([8]).
ولم تستخدم كلمة «قرّائين» للإشارة إليهم إلاّ في القرن التاسع الميلادي؛ إذ ظلّ العرب يشيرون إليهم بالعنانيّة نسبةً إلى مؤسّس الفرقة([9]). يقول الفخر الرازي(606هـ)، شارحاً فرقة العنانيّة: «العنانيّة: أتباع عنان بن داوود. ولا يذكرون عيسى بسوء، بل يقولون: إنه من أولياء الله تعالى، وإنْ لم يكن نبيّاً. وكان قد جاء لتقرير شرع موسى×»([10]).
ولا بُدَّ أن نشير هنا إلى أن البيروني(440هـ) خلط بين عنان بن داوود وبين حفيده عنان بن دانيال بن شاؤول بن عنان بن داوود، فهو يقول: «ومنهم: فرقة يسمّون العنانيّة، وهم منسوبون إلى عنان رأس الجالوت، كان منذ مائة وبضع سنين، ومن شأن رأس الجالوت أن يكون من آل داوود، لا يصلح من غيره… وكان عنان هذا ابن دانيال بن شاؤول بن عنان بن داوود بن حسداي بن قفناي بن بوستناي بن هونمار… بن يهوشافاط بن أسا بن أبيا بن رحبعام بن سليمان بن داوود»([11]).
ويوجد رأيٌ يقول: «وهناك مَنْ ذكر أن أصل فرقة اليهود القرّائين يعود إلى فترة سابقة على ظهور الإسلام، وقبل ميلاد المسيح. ويؤكد المقريزي هذه الحقيقة بقوله: إنّ العنانيّة فرقةٌ أخرى غير القرّائين الذين أرجع تاريخهم إلى فترةٍ سابقة. ويبدو أنّ القرّائين والعنانيّة قد اندمجوا في كيانٍ واحد بعد موت عنان»([12]).
2ـ تسمية (القرّاؤون)
«تسمية القرّائين بهذا الاسم ترجع إلى أن العهد القديم (التوراة والأنبياء والكتب) كانت تُسمّى عند اليهود المقْرَا»([13])، أي (المقروء)، أو (القرآن). وهذه الفرقة رفضت العنعنات([14]) الحبريّة، والمرويات الشفويّة، التي تناقلها (التنّاؤون) في المشنه، و(الأمورائيون) في التلمود، «وجعلت المرجع الأول والأخير في الدين هو النصّ المقدس المكتوب المنزل، المسمّى (المقرّا)»([15]).
و«(قرّاؤون) كلمة مشتقة من الكلمة العبريّة المطابقة لكلمة قرأ العربيّة»([16]).
والمصطلح يقابله في العبريّة (قرّائيم) أو (بني مقرّا)، أو (بعلي هامقرّا)، أي: أهل الكتاب. «وقد سُمِّي القرّاؤون بهذا الاسم لأنهم لا يؤمنون بالشريعة الشفويّة (السماعيّة)، وإنما يؤمنون بالتوراة (المقرّا) فقط»([17]).
3ـ نشأة الفرقة
في حدود عام 761م توفي حاخام العراق الأكبر الگاؤون سليمان، حيث كان رأس الجالوت في الدولة الإسلامية، وزعيم المحافظين على التلمود؛ بحكم منصبه. ويبدو أنه لم يترك أولاداً يخلفه أحدهم في وظيفته. وكان أحد المرشحين لذلك ابن أخيه عنان بن داوود، وكان معروفاً بميوله التحرُّرية، وبخاصّة إزاء شرائع التلمود.
يحدّثنا الرحالة المسيحي «ديونيسيوس»، الذي زار بغداد في عهد المأمون، عن هذا الانقسام الخطير بين اليهود، قائلاً: «في هذه الأثناء أصدر المأمون قراراً يقضي بعدم معارضته أيّ مجموعة من عشرة أشخاص فأكثر تريد إقامة رئيس لها، وذلك من أجل إضعافنا والتحكُّم فينا»([18]).
»فنزل أبيرام إلى بغداد، وجلب فرماناً يخوّله أن يكون بطريريكاً. وقد عنّفه عبد الله بن طاهر مرّات عديدة، ولامه على تمرّده. وهو ما دعانا إلى زيارة الخليفة في بغداد لإلغاء هذا القرار، حيث ساد الخوف بعد انقسام اليهود إثر إقامة الذين في طبريّة شخصاً يُدعى داوود حبراً لهم، في حين أقام الذين في بابل شخصاً آخر يدعى دانيال من شيعة الكنعانيين، الذين يحلّون السبت ويحفظون الأربعاء، فلمّا وصلت قضيّتهم إلى المأمون قرَّر أن يختار كل جانب مَنْ يشاء رئيساً له»([19]).
درس عنان اليهوديّة في العراق منذ الصغر. وكان من أساتذته علماء مشهورون، مثل: الگاؤون يهودا بن نحمان. وقد وصل عنان مرتبةً علميّة متقدّمة، أقرّ له بها علماء اليهود في العراق، واعترفوا به عَلَماً متميّزاً.
وكان عنان مرشحاً لتولي رئاسة الطائفة؛ لتوفُّر الشروط فيه. ولكنْ يبدو أن آراءه المخالفة لليهوديّة الرسميّة وللحاخامين حرمته من ذلك، ورُشّح بدله أخوه (حنان). والسبب الرئيس لعدم ترشيح عنان بحَسَب قراءتي للمصادر اليهوديّة هي رفض عنان مرجعيّة التلمود وقدسيّته. فالتلمود يعتبر عند اليهود «شريعة شفويّة» مقدّسة، إلى جانب التوراة، التي تعتبر «الشريعة المكتوبة». بينما رفض عنان أن يكون للتلمود قدسيّة كالتوراة؛ إذ كلّ ما فيه ـ بحَسَب عنان ـ إنما هو آراء الحاخامين وأحكامهم. وقد رأى أن التوراة وحدها لها القدسيّة، ويجب الاعتماد عليها في أخذ الشريعة اليهوديّة([20]).
»وكان من المسائل المهمة التي انتقدها عنان أيضاً مسألة التقويم الشرعي، الذي كان معمولاً به منذ منتصف القرن الرابع»([21])، وتحديد اليوم الأول من الشهر. فاليهود في عصره كانوا، وهم ما زالوا إلى اليوم، يعتمدون الحسابات الفلكيّة في تحديد اليوم الأول من الشهر. ولكنّ عنان انتقد هذا النظام، وطالب اليهود بالرجوع إلى ما كانت تأخذ به اليهوديّة القديمة، وهو تحديد اليوم الأول من الشهر بواسطة رؤية الهلال. «وهذه القضيّة ذات أهمّية شرعيّة كبيرة عند اليهود؛ إذ بهذا التحديد تعرف أوقات المناسبات الدينيّة والأعياد([22])، وهي منذ البداية قد أصبحت موضع اختلافٍ كبير بين القرّائين والتلموديين»([23]).
إذن كان لعنان بن داوود الدَّوْر الأكبر في ظهور حركة اليهود القرّائين. ولولا ظهوره لما كان لهم هذا الأثر الكبير في تاريخ اليهوديّة. وكان عنان عالماً يهوديّاً عراقيّاً، وُلد وعاش وتُوفي في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، وكان ظهوره كمعارضٍ لليهود التلموديين، كما يذكر ذلك العالم اليهودي البغدادي أبو يعقوب القرقستاني([24]) وغيره، أيام حكم أبي جعفر المنصور العباسي(158هـ/775م)، في بغداد، في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي.
4ـ القرّاؤون والمعتزلة في العراق
ولما كان العراق في هذه الفترة يموج بتيّارات حيّة من الحوار الفكري والتفاعل الثقافي، ويشهد لذلك ظهور العديد من الفرق والمذاهب الفلسفية والدينية، فقد اختار اليهود بغداد لتكون لهم مركزاً اجتماعيّاً وثقافيّاً؛ نظراً لكونها حينذاك عاصمة الخلافة العبّاسيّة والمركز الثقافي للمسلمين. وكان لهذه الحرّية الاجتماعيّة والاقتصاديّة المنتعشة أثرها على الجانب الثقافي عند اليهود، فخرج اليهود عن عزلتهم الثقافيّة التي فرضوها هم على أنفسهم، حيث كانوا يقتصرون في ثقافتهم على تعلّم التوراة والتلمود، حيث تعقد جلسات دراسيّة مهمّتها الإفتاء وإصدار التشريعات، وإلقاء القصص والمواعظ الأخلاقيّة المستقاة من التوراة والتلمود.
«ولكنْ مع ظهور علم الكلام الذي يُعَدُّ في جوهره علماً جدليّاً، هدفه الدفاع عن أصول الدين، أصبحت الكتب الدينيّة موضوعاً للدراسة العلميّة النقديّة، فبدأ الكثير من علماء المسلمين يوجّهون نقدهم للنصّ التوراتي وما فيه من تناقضات»([25])، الأمر الذي أوقع حاخامات اليهود في أزمةٍ حقيقيّة على الصعيد الخارجي والداخلي في آنٍ واحد؛ فعلى الصعيد الخارجي ألّف الكثير من علماء المسلمين كتباً لنقد التوراة والتلمود؛ في حين أنّه على الصعيد الداخلي بدأت تظهر حركات يهوديّة مناهضة لحاخامات التلمود، فظهر مَنْ يدعون أنّهم المسيح المنتظر، أمثال: أبي عيسى الأصفهاني، الذي كان يعيش في زمن مروان بن عبد الملك (65 ـ 86هـ/ 685 ـ 705م).
«وفي العصر الوسيط اعتنق كتّاب اليهود آراء مدارس الكلام والمعتزلة، فألَّفوا بأفكارها وحججها روائع أدبيّة، واستمرّ تأثيرها إلى العصر الحديث»([26]).
ولكن الخطر الأكبر الذي هدّد سلطة حاخامات التلمود كان ظهور الناقد اليهودي «حيوي البلخي» وفرقة القرّائين.
ويعود أصل حيوي البلخي إلى مدينة بلخ في أفغانستان الحاليّة، ظهر في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، ورغم أنّه لم يتبقَّ شيءٌ ممّا ألَّفه([27])، فقد عرف فكره من المؤلَّفات التي تصدَّت لهذا الفكر. وقد وجّه سهاماً قاتلة للتوراة بوجهٍ خاص، وللعهد القديم بوجهٍ عام، مثل: سؤاله عمّا إذا كان الرّب يعرف كلّ شيء، لماذا سأل آدم أين أنت، عندما كان في الجنّة؟ لماذا اختار بني إسرائيل من بين كل الشعوب؟ هل يقدر الله على كلّ شيء؟ لماذا الله يغيِّر عقيدته باستمرار؟ و… هذا بالإضافة إلى التناقضات والانتقادات التي أشار إليها في التوراة، والتي تربو على المئتين، مثل: تكذيبه لمعجزات الأنبياء، كمعجزة موسى في شقّ البحر، وأنّ الرّب هو الذي غرز الشرّ في الإنسان وظلمه، وحبّب إليه القتل وتعطّشه للدم. كما فنّد كل قوانين النجاسة والطهارة، وعاب على العهد القديم التجسيم الذي زخر به، ورأى أنّ المعجزات من فعل الطبيعة([28]).
وقد تأثَّر اليهود بهذه الأجواء الثقافية الحيوية، وتأثّر بعضهم بفكر المعتزلة وأصحاب علم الكلام من المسلمين، ونشأ لأول مرّة في تاريخ اليهود علم الكلام اليهودي العقلاني، معتمداً على الحجج والبراهين، على غرار علم الكلام الإسلامي، ومكتوباً باللغة العربية. «ونشأت الفلسفة اليهودية على نسق فلسفات المسلمين عند الكندي والفارابي»([29])، فأخذوا في نقد تعاليم الربانيين، وتوجيه انتقاداتهم إلى تعاليم التلمود وأحكامه. وكان على رأس هذه الحركة ثلاثة من أحبار اليهود في العراق هم: إفرايم، وأليشع المعلم، وحنوكة. «ووجد هؤلاء الثلاثة في حركة عانان بن داوود، والنزاع الذي نشب بينه وبين أخيه الأصغر (حنانيا)، فرصتهم؛ بسبب ما كان عانان يتمتَّع به من نفوذ ومكانة كبيرة بين اليهود آنذاك، ونصّبوه رئيساً لحركتهم»([30]).
وما إن شاعت آراء عنان بين اليهود العراقيين حتّى أيّده مجموعة منهم، وانضموا إليه. ولم تكن المؤسّسة الدينيّة «رأس الجالوت» لتحتمل نقدها ونقد التلمود، وخاصّة أن عنان لم يكن رجلاً من عامّة الناس، بل كان عالماً له منزلته ومكانته العلميّة، لذلك أصدرت قراراً بطرده من اليهوديّة، وأعلنوه لليهود. ولكنّ عنان استمرّ في الدعوة إلى أفكاره والترويج لها. ولما خشيت المؤسّسة الدينيّة اليهوديّة من تأثيره على اليهود لجأت إلى الحكومة في بغداد تشكوه لها؛ بتهمة المروق عن الدين، وعدم الاعتراف باليهوديّة الرسميّة([31]).
وقبض على عنان، وأودع السجن، كما تذكر الروايات. وذكر بعض القرّائين، مثل: إلياهو بن أبراهام، أن عنان حكم عليه بالقتل([32]). وهو يذكر أيضاً أنه التقى في السجن بعالمٍ مسلم([33])، كان سجيناً معه، وعندما عرف هذا العالم بقصّة عنان اقترح عليه أن يجد طريقة للقاء أبي جعفر المنصور، ويشرح له معتقده باليهوديّة، ويبيِّن له أنه لم يخرج عنها، ولم يرتدّ عن دينه، وإنما هو صاحب رأي يخالف التلموديين([34]). واقتنع عنان بهذا، ورُتِّب له لقاء مع أبي جعفر المنصور ـ كما تقول الروايات ـ، وبعد لقائه هذا أمر الخليفة بإخراجه من السجن وإطلاق سراحه.
ألّف عنان عام 770م كتاباً في الفقه بعنوان: «سفر هامصفوت» ([35])، أي: كتب الفرائض([36]). «وقد كتبه باللغة الآراميّة، التي لم تكن قد اختفت تماماً في العراق في تلك الفترة، والتي كان يعرفها العلماء اليهود، من خلال النصوص الدينيّة عندهم والتلمود»([37]). وربما أراد عنان لكتابه أن يكون، مثل التلمود، الذي كتب أغلبه بالآراميّة، كتاباً مدرسيّاً لأصحابه، يُقبلون عليه ويدرسونه، كما يدرس اليهود الآخرون التلمود.
و«كتاب (سفر هامصفوت) كتابٌ مختصر في أحكام الفقه اليهودي. وقد عثر على بعض بقاياه في جنيزة([38]) القاهرة([39]) ـ التي احتوت على الكتابات اليهوديّة المقدَّسة التي لا يجوز إبادتها، حتّى وإنْ لم تَعُدْ تستعمل، وذلك لما يُفترض من ورود اسم الربّ في ثناياها»([40]) ـ، وطبعت مع آرائه التي نقلها العلماء القرّاؤون في مؤلَّفاتهم. ويتّضح مما بقي من نصوصه أن عنان لم يعتمد على رأي حاخامٍ من حاخامات اليهود، وإنما جعل التوراة مصدر أحكامه الفقهيّة وفتاواه. والكثير من آرائه اجتهاديّة، تعتمد على القياس المتداول في الفقه الحنفي، الذي وسَّع دائرته وتطبيقاته([41]).
وتأثَّر بعض القرّائيم بفكر المعتزلة ـ كما ذكرنا سابقاً ـ وأصحاب علم الكلام من المسلمين، حيث كان العراق يموج في زمن عنان بحركةٍ فكرية اعتزالية قويّة، بزعامة واصل بن عطاء(131هـ/748م)، فأخذوا في نقد تعاليم الربانيين وتوجيه انتقاداتهم لتعاليم التلمود وأحكامه. «فقد ذهب عنان وأتباعه من أحبار اليهود في العراق([42]) في بعض الأحيان مذهب أهل الاعتزال في الأصول وفي الفروع، وفي التوحيد والعدل والصفات، وفي الحُسْن والقُبْح، وفي الخلق والجبر والاختيار والمادة والهيولى، وما شاكل ذلك من مشكلات أثارت جَدَلاً حادّاً بينهم وبين خصومهم اليهود، حتّى ليصعب على المرء التفريق بين كتب المعتزلة وكتب القرّائين في موضوعات علم الكلام»([43]).
حوالي نهاية القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي على الأقلّ كان هناك عددٌ كبير من اليهود المتكلِّمين، والذين كانوا من المتأثِّرين بمذهب المعتزلة البهشمية([44]). ومن بين الربّانيين نذكر على الخصوص: صاموئيل بن خوفني(1013م)، ومن بين القرّائين البارزين لهذا الخطّ: أبو يعقوب يوسف البصير(بحدود 431هـ/1038م)، وتلميذه يشوع بن يودع([45]).
«وقيل: كانت للقرّائين صلاةٌ قريبة من صلاة المسلمين، يسبقها نوع من الطهارة والغسل والوضوء، وفيها حركات تشبه القيام والركوع والسجود في صلاة المسلمين»([46]). «ويرى البعض أن القرّائين هم الذين وضعوا النجمة السداسيّة شعاراً لهم»([47]).
حتّى أننا نجد بعض اليهود القرّائين يدوِّنون أو يختصرون بعض الكتب الكلاميّة ذات النزعة الاعتزاليّة، وحذف بعض موادها التي لا تتعلّق بالفكر القرّائيني اليهودي، كالمباحث القرآنيّة وما شابه ذلك، مثل: كتاب المغني في أبواب التوحيد والعدل، للقاضي عبد الجبّار(415هـ/1025م)، وكتب أخرى للمعتزلة([48]).
وتعتبر مصادر عنان، والتي استند عليها في آرائه، ذات قيمة هامّة. «والحقيقة أن القرّائين اعتبروا موت المسيح كشهيدٍ من أجل الشرع الموسوي بمثابة الاتهام ضدّ الربانيين؛ وربما نتج ذلك بتأثيرٍ من الخلاف حول لاهوت المسيح، كما ورد عن القرآن الكريم وما شابهه، ونجده لدى السامريين»([49]).
«وقد كان الكتّاب القراؤون المعتبرون حَذِرين في القرن العاشر إبان هجومهم على محمد والإسلام، ولذلك فقد استخدموا العبريّة لغةً للتأليف»([50]).
5ـ أصول الفقه القرّائي
يعتمد الفقه القرّائي على أصول ثلاثة، هي:
أـ النصّ: ويقصد به التوراة، وله صور متعدّدة بحسب قراءتهم.
ب ـ القياس: وهو يعتمد على الاجتهاد([51]).
ج ـ الإجماع: وأمّا الإجماع([52]) فهو يقتصر عند القرّائين على مجرّد رؤية العلماء والكهنة لوجوب شيءٍ ما، واتّفاقهم على اتّباع هذا الشيء([53]).
6ـ من مبادئ القرّائين
1ـ لا يؤمنون إلاّ بالكتاب المقدَّس العبري فقط (بكل أسفاره)([54]).
2ـ لا يؤمنون بالروايات الشفهيّة، التي تُسمّى بالمشنه، والگماره (التلمود)، وإنما يعدّونه لا يمتّ إلى الوحي بصلةٍ، وإنما يرونها من عمل الأحبار والحاخامات([55]).
3ـ لا يعترفون بسلطة الحاخامات.
4ـ يعتمد القرّاؤون في فكرهم وفلسفتهم على العقل واللغة([56])، حتّى سمّاهم البعض بفرسان العقلانيّة.
5ـ الاعتقاد بيوم الدين وما فيه من البعث والنشور([57]).
6ـ يعتقدون بالاجتهاد، حيث بقي باب الاجتهاد عندهم مفتوحاً، في حين أغلق هذا الباب لدى الربانيين بواسطة التلمود([58]).
7ـ رفض التقويم الربّاني، والأخذ بالتقويم القمري([59]).
8ـ الاعتقاد بالقبلة المكرَّمة التي موضعها بيت المقدس([60]).
9ـ ينكرون جميع القوانين والأحكام التي جاء بها الربانيون([61]).
لليهود القرائيم في العراق شخصيّات كثيرة، مثل: إسماعيل العُكبري؛ وموسى الزعفراني الشهير بأبي عمران التفليسي، الذي هاجر من بغداد إلى مدينة تفليس([62])، واستقرّ هناك؛ وملك رملي؛ وميشويه العُكبري؛ ودانيال بن مشه الدامغاني المعروف بالقومسي؛ وشخصيّات أخرى([63]).
7ـ أهم الشخصيّات القرّائينيّة
نذكر في ما يلي أسماء بعض أهمّ الشخصيّات اليهوديّة من القرّائين، ونحاول التزام التسلسل التاريخي في استعراض كتاباتهم:
بنيامين بن مُوشه (موسى) النهاوندي (أوائل القرن 3هـ / أواسط القرن 9م)
يقول القرقستاني عنه بأنه كان «عالماً بالتوراة، وكان قاضياً لليهود»([64]). «لعب بنيامين دَوْراً هاماً في تدوين وإصلاح بعض أفكار وآراء عنان، ولم يكن متشدّداً كعنان في الأحكام الشرعيّة، مثل: أحكام يوم السبت (شبّات)، حيث كان يجيز المشي خارج البيت في يوم السبت»([65]). له كتاب باسم «سفر هادينيم» أي: كتاب الشرعيّات، وكان مصدراً مهمّاً للأحكام الشرعيّة لدى اليهود القرّائيم. ونشر هذا الكتاب تحت عنوان «مَسآت بنيامين». وبقي لنا قسمٌ من كتابه «سفر هاميصووت» حيث نقل بنفسه بعض أجزائه. وله أيضاً تفاسير وشروحات لكتب: التوراة، أشيعا، نشيد الأنشاد، الجامعة، ودانيال. كانت كتبه بيد العالم اليهودي الأندلسي أبراهام بن عزرا(560هـ)، حيث مدح وبجَّل هذه الكتب التي كانت بين يديه([66]).
يوسف بن أبراهام (حوالي 930م)
جادل يوسف الفرق الإسلاميّة والمسيحيين في كتابه «المحتوى». وقد وصلنا هذا الكتاب، بالإضافة إلى مختصره، ويسمّى «كتاب التمييز»، في ترجمةٍ عبريّة.
أبو يعقوب يوسف البصير (1040م)
يُعَدّ البصير واحداً من أبرز متكلِّمي القرّائين ومتفلسفيهم. ولقد تأثَّر هذا الرجل كثيراً بكتابات المتكلِّمين المسلمين وفلاسفتهم. يقول عنه الباحث العراقي المعاصر، المتخصِّص باليهوديّة واللغة العبريّة، الدكتور جعفر هادي حسن: «ولم أكن أعرف مقدار هذا التأثير (يقصد تأثير الثقافة الإسلاميّة على اليهود القرّائيم) إلاّ بعد أن عثرت على كتابه «المحتوي»([67])، وهو مكتوبٌ بلغةٍ عربيّة وحروف عبريّة.
وهو يُعَدّ ذا قيمة وأهمّية كبيرة في القضايا الكلاميّة والفلسفيّة، التي كان يدور الجدل حولها في عصر المؤلِّف. كما يعطينا الكتاب كذلك فكرة عن مدى تفاعل أتباع الأديان الأخرى مع الثقافة الإسلاميّة، وتأثُّرهم بها، وهضمهم لها. ويتّبع البصير في كتابه هذا، وفي آرائه عموماً، آراء القاضي عبد الجبّار، أحد زعماء المعتزلة المعروفين، ويدافع عنها، كما أنّه يذكر بعض المتكلِّمين بالاسم»([68]).
سليمان بن يروحام
ويدعى سليم بن رُحيم بالعربيّة، وقد كتب ـ كما يبدو ـ تفسيراً للكتاب المقدَّس.
سهل أبو ساري بن مازلياح كوهين
وصف الإسماعيليين وأدوم بـ «اللطفاء»، في مقابل وصف الربانيين بـ «المفسدون».
يافث بن علي (حوالي النصف الثاني من القرن 10م)
يذكر بأنّ لديه تفسيراً باللغة العربيّة للكتاب المقدَّس. وقد اقتبس عن تفسيره بعض العلماء اليهود([69]).
الهوامش
(*) باحثٌ متخصِّصٌ في دراسات الأديان المقارنة. من العراق.
([1]) جعفر هادي حسن، تاريخ اليهود القرّائين منذ الظهور حتّى العصر الحاضر: 5 ـ 6، ط2، بيروت، العارف للمطبوعات، 2014م.
([2]) انظر: أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق (سلسلة دراسات فلسطينية 12: 197)، ط1، بغداد، مركز الدراسات الفلسطينية، 1978م.
([3]) علماً بأنه وفي وقت قريب ظهرت حركات أخرى تنادي بنبذ التلمود، ومنها: حركة شخصٍ يهودي من سوريا اسمه (سيرينوس)، ظهر في سنة 720م، ونادى بترك التلمود، وجعل شعاره (اتركوا تعاليم التلمود)، وصار له أتباع كثيرون، حتّى أعلن أنه المسيح المنتظر. وكان ذلك في خلافة يزيد بن عبد الملك(720 ـ 724م).
ثمّ ظهر بعده شخصٌ يهودي من مدينة أصفهان، يُدعى (عوبيدا بن عيسى)، الشهير بأبي عيسى الأصفهاني(القرن 8م/ القرن 2هـ)، ونادى بنفس الإصلاحات، وادخل إصلاحات عديدة على الأحكام اليهودية. وكان ذلك في حوالي سنة 750م. وكانت تعرف هذه الفرقة بالعيسويّة. وقد ذكر ابن حزم تفاصيل هذه الفرقة في كتابه: الفصل في الملل والأهواء والنحل 1: 103، تحقيق: يوسف البقاعي، ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2002م.
([4]) محمد خليفة حسن أحمد، تاريخ الديانة اليهوديّة: 227، ط1، القاهرة، دار قباء للنشر والتوزيع، 1998م.
([5]) عبده قاسم قاسم، التأثير الإسلامي على الفكر الديني اليهودي، فرقة القرائين، مجلة العربي، العدد 614: 24، الكويت، 2010م.
([6]) انظر: شاهين مكاريوس(1910م)، تاريخ الإسرائيليين، اليهود في العصور القديمة والوسطى والحديثة، وسير أشهر رجالاتهم في الغرب والشرق: 114، (أوفست عن الطبعة الأصلية التي طبعت في القاهرة من قبل مطبعة المقتطف، سنة 1984م)، خاتمة بقلم: حاخام مصر الأكبر روفائيل بن شمعون، جبيل (لبنان)، دار ومكتبة بيبليون، 2007م.
وبالعبريّة: יהדות קראית
([8]) جواد علي، أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام 2: 328، دراسة ومراجعة: نصير الكعبي، ط1، المركز الأكاديمي للأبحاث، 2011م.
([9]) عبد الوهّاب محمد المسيري(2008م)، موسوعة اليهود واليهوديّة والصهيونيّة، نموذج تفسيري جديد 5: 328، ط1، القاهرة، دار الشروق، 1999م.
([10]) فخر الدين الرازي، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: 82 ـ 83، مراجعة وتحرير: علي سامي النشار، القاهرة، مكتبة النهضة المصريّة، 1938م.
([11]) أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية: 58 ـ 59، تحقيق: إدوارد زاخائو (Eduard Sachau)، ليبزك (Leipzig)، 1923م. وكذلك: 67 ـ 68، طبعة ميراث مكتوب في طهران، بتحقيق وتعليق: پرويز أذكائي، المطبوعة سنة 2001م.
([12]) فهد حجازي، الوظيفة اليهوديّة من أرتحششتا إلى بلفور: 103، ط1، بيروت، دار الفارابي، 2016م.
([13]) Lasker, Daniel J, (Karaism), Encyclopedia of Jews in the Islamic World, (ed) Norman A. stillman, Leiden, Brill, 2010, vol. 3, p. 104.
([14]) العنعنة: اسم مفعول من العنعنة، مصدر جعلي، كالحمدلة والبسملة. وهو مصطلحٌ في علم الحديث والدراية. بمعنى: رواية الحديث بصيغة عن فلان. فيقال: فلان عن فلان، من غير ذكر للحديث والأخبار والسماع، ومن هنا سُمِّي معنعناً.
([15]) حسن ظاظا، الفكر الديني اليهودي، أطواره ومذاهبه: 274.
([16]) نسيم رجوان، موجز تاريخ يهود العراق من سبي بابل إلى نزوحهم عام 1951: 58.
([17]) المسيري، موسوعة اليهود واليهوديّة والصهيونيّة، نموذج تفسيري جديد 5: 328.
([18]) نشأ الخلاف أيّام المأمون بين رؤساء الجالوت، وهو لقب أمير الجماعة اليهوديّة الدنيوي في بلاد الرافدين العراق، ورؤساء المدارس أو الفقهاء الكاؤونيم، أي الرؤساء الدينيين، ممّا أضعف هاتين الرئاستين. وكان المأمون يحكم بينهم، حتّى ضاق صدره، فاتَّخذ القرار الذي ينصّ على السماح لكل عشرة أشخاص إذا اتَّفقوا فيما بينهم أن يقيموا رئيساً عليهم.
([19]) ديونيسيوس التلمحري، رحلات البطريك ديونيسيوس التلمحري في عهد الخليفتين المأمون والمستعصم: 68 ـ 69، جمعها وحقّقها وعلَّق حواشيها: تيسير خلف، ط1، دار السويدي/أبو ظبي ـ المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر/بيروت، 2014م.
([20]) والقرّاؤون يرفضون، إلى جانب التلمود، أن يكون للأدبيات اليهوديّة الأخرى قدسيّة، وتكون مصدراً للتشريع.
([21]) فؤاد حسين علي، من الأدب العبري: 132، القاهرة (مطبعة الرسالة)، جامعة الدول العربيّة، معهد الدراسات العربية العالمية، 1963م.
([22]) للمزيد عن التقويم اليهودي راجع: أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي، مقالة في استخراج تاريخ اليهود وأعيادهم، ضمن كتاب: الرسائل المتفرقة في الهيئة للمتقدمين ومعاصري البيروني: 2 ـ 9، ط1، حيدر آباد الدكن، جمعيّة دائرة المعارف العثمانيّة، 1947م. وكذلك راجع: ابن بامشاذ القايني، مقالة في استخراج تاريخ اليهود، ضمن كتاب: الرسائل المتفرقة في الهيئة للمتقدمين ومعاصري البيروني: 2 ـ 6.
([23]) جعفر هادي حسن، تاريخ اليهود القرّائين منذ الظهور حتّى العصر الحاضر: 25 ـ 27، ط2، بيروت، العارف للمطبوعات، 2014م.
([24]) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق القرقستاني، الأنوار والمراقب 1: 13، تحقيق وتصحيح: Loon Nemoy، نيويورك (NEW YORK)، The Alexander Kohut Memorial Foundation، 1939م.
يعتبر القرقستاني، المنسوب إلى مدينة قرقستان القريبة من بغداد في بلاد ما بين النهرين، أحد أشهر علماء القرّائين في العراق. ويعتبر كتابه الأنوار والمراقب، الذي ألّفه في العراق سنة 325هـ ـ وهو بمثابة الموسوعة في عقائد اليهود القرّائين ـ، من أهمّ التراث القرّائيني الذي وصل إلينا. ذكر في كتابه الكثير من الشخصيّات القرّائيّة التي اندثر تراثها، أو لم يصِلْ إلينا.
([25]) زالمان شازار، تاريخ نقد العهد القديم، من أقدم العصور حتى العصر الحاضر: 41 ـ 44.
([26]) نازك إبراهيم عبد الفتّاح، أبحاث ندوة التأثيرات العربيّة في اللغة العبريّة والفكر الديني والأدب العبري عبر العصور (تمهيد): 6، القاهرة، دار الزهراء للنشر ـ جامعة عين شمس، كليّة الآداب، قسم اللغة العبريّة وآدابها، 1992م.
([27]) أغلب الباحثين يشيرون إلى إمكان أن يكون حيوي البلخي قد ألّف رسالته في نقده للتوراة باللغة العربيّة، اللغة العلميّة في ذلك الوقت. كما أكد ذلك الباحث اليهودي والأستاذ في الجامعة العبريّة في أورشليم أمنون نتصر (Amnon Netzer) في كتابه: پادياوند، پژوهشنامه يهود إيران 2: 27، لوس أنجلس، منشورات مزدا، 1997م.
([28]) انظر في ذلك: عزّة محمد سالم، أثر مناهج تفسير القرآن الكريم في تفسير الحاخام سعديا جاؤون لسفر التكوين: 21 ـ 23، تقديم: محمد عوني عبد الرؤوف، القاهرة، مكتبة الآداب، 2009م. وكذلك انظر: أمنون نتصر، پادياوند، پژوهشنامه يهود إيران 2: 25 ـ 34.
([29]) حسن حنفي، (اليهود والتراث الإسلامي… وجذور النهضة)، الإمارات العربيّة المتحدة، جريدة الاتحاد، 15 نوفمبر 2014.
([30]) عبده قاسم قاسم، التأثير الإسلامي على الفكر الديني اليهودي، فرقة القرائين: 24.
([31]) انظر: أحمد أمين، ضحى الإسلام 2: 346، ط7، القاهرة، مكتبة النهضة المصريّة.
([32]) انظر: جعفر هادي حسن، تاريخ اليهود القرّائين منذ الظهور حتّى العصر الحاضر: 27، وكذلك انظر: حسن ظاظا، الفكر الديني اليهودي، أطواره ومذاهبه: 249.
([33]) ذكرت بعض مصادر القرّائين القديمة أن هذا العالم المسلم هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي(150هـ / 767م)، الفقيه البغدادي الشهير، وصاحب المذهب الحنفي الأشهر. ويذكر ابن خلّكان أن سبب سجن أبي حنيفة كان رفضه أن يتولّى القضاء، حيث أقسم أن لا يفعل، فسجنه المنصور، ومات في السجن. وهناك من الباحثين المعاصرين مَنْ يميل إلى أن عنان كانت له علاقة صداقة مع أبي حنيفة. وأنا شخصيّاً لا أستبعد ذلك، ولا سيَّما إذا درسنا منهج الاثنين في القياس، ورؤيتهما للنصوص الدينيّة الثانويّة. والرواية شهيرةٌ عن أبي حنيفة أنه لم يقبل من روايات النبي إلاّ 17 رواية فقط. انظر:
Nemoy, Leon, Encyclopaedia Judaica, Anan Ben David, Fred Skolnik, editor ـ in ـ chief; Michael Berenbaum, executive editor. 2nd ed., United States of America, Thomson Gale & Keter Publishing House Ltd., Jerusalem, 2007, Vol. 2.
([34]) انظر: نسيم رجوان، موجز تاريخ يهود العراق، من سبي بابل إلى نزوحهم عام 1951: 58.
([37]) Encyclopaedia Judaica, (Karaites), Second Edition, United States of America, Thomson Gale & Keter Publishing House Ltd., Jerusalem, 2007, vol. 11, pp. 785-802.
([38]) المسيري، موسوعة اليهود واليهوديّة والصهيونيّة، نموذج تفسيري جديد 5: 331.
تعني كلمة «جنيزة» بالعبريّة: مخبأ أو تخبئة أو مخزن. وهي من الجذر العبري، أي: جنز = خزن. وقد وردت الكلمة في التوراة بمعنى خزينة أو بيت المال، في سفر أستير (3 ـ 10) بصيغة «جنز»، بدون تاء التأنيث. ويرى البعض أنها من الكلمة الفارسيّة «نج»، التي لها المعنى نفسه. وأصبحت تطلق عند اليهود على مكان تخزَّن فيه الكتب والأوراق، التي تحتوي على أسماء الله أو أشياء دينيّة ومقدّسة، والتي لا يُستفاد منها، فتحفظ في هذا المكان إلى أن يحين وقت دفنها. ولكنهم أيضاً وضعوا فيها أشياء غير هذه، حيث نعرف ذلك ممّا اكتشف في جنيزة القاهرة. وقد تكون الجنيزة في كنيس أو ملصقة به أو في بيت، أو حتّى في مقبرة أو في مكانٍ خاص. (انظر: جعفر هادي حسن، تاريخ اليهود القرّائين منذ الظهور حتى العصر الحاضر: 9).
([39]) تطلق جنيزة القاهرة اليوم على الجنيزة التي اكتشفت في كنس بن عزرا، أحد كنس القاهرة المعروفة، حيث عثر على عشرات الآلاف من المخطوطات، التي يقدَّر عدد وثائقها بأكثر من ربع مليون وثيقة.
وأصل هذه الفكرة أخذت من المسلمين، عندما واتت المسلمين فكرة جنز، وإيداع الكتب الدينيّة البالية في غرفة بالمسجد؛ حمايةً لها من لمس غير المطهَّرين، فحاكاهم يهود العصر الوسيط، فجنزوا، وأودعوا كتبهم المقدّسة البالية في غرفة حصينة، بمصلّى السيدات، في معبد ابن عزرا (بمصر القديمة)، وهو ما يُعرف بـ «الجنيزا». نازك إبراهيم عبد الفتّاح، أبحاث ندوة التأثيرات العربيّة في اللغة العبريّة والفكر الديني والأدب العبري عبر العصور (تمهيد): 6.
([40]) مارك كوهن، المجتمع اليهودي في مصر الإسلاميّة في العصور الوسطى: 91، ترجمة: نسرين مرار وسمير نقّاش، تل أبيب، مكتبة لقاء المعهد اليهودي العربي ـ جامعة تل أبيب، 1987م.
([41]) انظر: جعفر هادي حسن، تاريخ اليهود القرّائين منذ الظهور حتى العصر الحاضر: 28.
([42]) مثل: إفرايم، وأليشع المعلّم، وحنوكة.
([43]) جواد علي، أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام 2: 328.
([44]) البهشميّة: فرقة من المعتزلة من أتباع أبي هاشم الجُبّائي(321هـ / 933م).
([45]) للمزيد حول هذا الموضوع انظر: سابينا شمتكه، (مواجهة القرّائين مع فكر أبي الحسين البصري)، التسامح، العدد 9: 224 ـ 236، مسقط (سلطنة عمان)، 2005م.
([46]) فؤاد علي حسنين، اليهوديّة واليهوديّة المسيحيّة: 2، معهد البحوث والدراسات العربيّة التابع لجامعة الدول العربيّة، 1968م.
([47]) محمد غالب بركات، الفرق والمذاهب في الرسالات الثلاث: اليهوديّة ـ المسيحيّة ـ الإسلام، دراسة مقارنة: 51، ط1، القاهرة، دار الآفاق العربيّة، 2011م.
([48]) انظر في ذلك: وأن المؤلف يهودي وعلى الأرجح من القرّائين، نكت الكتاب المغني، مختصر منقّح من المغني في أبواب التوحيد والعدل، للقاضي عبد الجبّار بن أحمد الهمذاني (الكلام في التوليد ـ الكلام في التكليف ـ الكلام في الاستطاعة ـ الكلام في النظر والمعارف)، قدم لهذه الأقسام الباقية وحقّقها: عمر حمدان وزابينه اشميدكه، ط1، بيروت، المعهد الألماني للأبحاث الشرقيّة، 2012م، الصفحتان «ط» و «ي» (من المقدمة).
([49]) موريتس شتينشنيدر، أدب الجدل والدفاع في العربيّة بين المسلمين والمسيحيين واليهود: 334.
([51]) القياس في الحقيقة هو أصلٌ إسلامي بَحْت، لا نجد له أصلاً أساساً في الفكر الديني اليهودي. بل هناك من علماء القرّائين مَنْ أشار إلى استحسانه للاجتهاد والقياس على نحو ما عند المسلمين.
([52]) الإجماع عند القرّائين يختلف عمّا ذهب إليه المسلمون؛ إذ وضع المسلمون للإجماع شروطاً تحميه.
([53]) انظر: محمد جلاء محمد إدريس، (التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، دراسة نقديّة مقارنة لطائفة القرّائين)، ضمن كتاب: أبحاث ندوة التأثيرات العربيّة في اللغة العبريّة والفكر الديني والأدب العبري عبر العصور: 114 ـ 115.
([54]) عماد الهلالي، (القرّاؤون اليهود أسقطوا من التاريخ لمعاداتهم الساميّة)، جريدة العرب، العدد 9678: 16، لندن، 2014م.
([55]) عبد المجيد همو، الفرق والمذاهب اليهوديّة منذ البدايات: 111.
([56]) وهما أيضاً ركنان بارزان في الفكر الاعتزالي.
([57]) والحقيقة أنّ أسفار موسى الخمسة خاليةٌ تماماً من الحديث عن البعث والثواب والعقاب. وأمّا النصوص الواردة في أسفار الأنبياء (مثل: أشيعا 26: 19) فهي نصوصٌ كانت وما زالت محل خلاف بين مفسِّريها؛ إذ يرَوْن في «البعث» الوارد فيها «بعثاً قوميّاً» دنيويّاً.
([58]) انظر في ذلك: حمدي عبد العال، الملّة والنحلة في اليهوديّة ـ المسيحيّة ـ الإسلام: 49، ط1، الكويت، دار القلم، 1989م.
([59]) كما هو الحال لدى المسلمين في تحديد أمورهم الدينيّة.
([60]) محمد جلاء محمد إدريس، (التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، دراسة نقديّة مقارنة لطائفة القرّائين)، ضمن كتاب: أبحاث ندوة التأثيرات العربيّة في اللغة العبريّة والفكر الديني والأدب العبري عبر العصور: 113 ـ 114.
([61]) بعد ذلك انقسمت فرقة القرّائيم إلى فرق متعددة، واشتهرت منها فرقتان: بنيامين؛ والأكبريّة.
محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دراساتٌ في اليهوديّة والمسيحيّة وأديان الهند: 226، ط2، الرياض، مكتبة الرشد ناشرون، 2003م.
عاصمة دولة جورجيا (Georgian) في العصر الحاضر.
([63]) للمزيد عن هذه الشخصيّات وشخصيّات أخرى راجع:
القرقستاني، الأنوار والمراقب 1: 13 ـ 14، 57 ـ 59، تحقيق وتصحيح: Loon Nemoy، نيويورك (NEW YORK)، The Alexander Kohut Memorial Foundation، 1939م.
([66]) للمزيد عن حياة بنيامين بن موشه راجِعْ:
ـ أمنون نتصر، پادياوند، پژوهشنامه يهود إيران 2: 39 ـ 44، لوس أنجلس، منشورات مزدا، 1997م.
ـ محمد كاظم رحمتي، (فرقه قرائيم وكلام إسلامي)، طهران، فصلية تاريخ وتمدّن إسلامي، العدد 16: 55 ـ 56، السنة 8، 2002م.
([67]) نشر الكتاب باللغة العربيّة، ولكن بحروف عبريّة، عام 1985م.
([68]) جعفر هادي حسن، تاريخ اليهود القرّائين منذ الظهور حتّى العصر الحاضر: 119.
([69]) انظر: موريتس شتينشنيدر، أدب الجدل والدفاع في العربيّة بين المسلمين والمسيحيين واليهود: 335 ـ 336.