الشيخ سعيد نورا(*)
الشيخ مهدي قاسمي(**)
المدخل
نحن اليوم نواجه منعطفاً تاريخياً في المباحث الفقهية، حيث إنّ الفقه في هذه العقود الأخيرة واجه الكثير من التساؤلات، ولا تكاد توجد مسألةٌ فقهية إلاّ وعليها الكثير من الإشكاليات والتساؤلات الجادّة، حتّى بِتْنا مع الأسف في موقف الدفاع أكثر منّا في موقف الهجوم.
وهذا يتطلّب منّا أن نهتمّ بالمباحث الفقهية الإشكالية أكثر من اهتمامتنا بالمباحث الفقهية المكرَّرة والواضحة، بل علينا أن نأخذ بزمام الأمور، ونحاول اكتشاف رؤية الشريعة تجاه الموضوعات المختلفة، مقدَّماً على التحدّيات التي من المتوقَّع أن تطرح في الساحة الثقافيّة والعلميّة، لا أن نقف مكتوفي الأيدي حتّى تطرح المسائل والإشكاليات، ثمّ نحاول وضع الحلول، بعد أن تكون هذه الإشكاليّات قد أخذت ضحايا كثيرةً من شبابنا وفتياتنا.
ومن المواضيع التي أثارت جَدَلاً واسعاً في العقود الأخيرة مسألة حقوق المرأة، التي بلغت ذَرْوتها بعد أن طرحت مدارس فكريّة، من قبيل: الفمينيسم ((Feminism والأومانيسم (Humanism)، في العالم، حيث اعتبر بعضٌ الأحكام الدينية معارضةً لحقوق الإنسان وما شابه ذلك.
ومن هذه الموضوعات التي ترتبط بحقوق المرأة كراهةُ الزواج من المرأة العقيم، التي طُرحت في الكثير من الكتب الفقهية، الأمر الذي اعتبر دليلاً على عدم عدالة الشريعة الإسلاميّة؛ لأنّها اتّخذت المعايير الخَلْقية للحكم على النساء، بينما المعايير الخُلُقية هي التي يمكن أن تكون معياراً للتفضيل بين النساء. فما هو ذنب هذه المرأة التي وُلدَتْ عقيماً؛ لتأتي الشريعة الإسلاميّة وتتعامل معها كأنّها مصداقٌ من مصاديق الشرّ، أو تصفها بأن حصيراً في ناحية البيت أفضل منها؟!
لا نريد أن نبحث هنا في إطار فلسفة الأحكام، وتوجيه هذا الحكم، وإنّما نريد أن نركِّز على أصل ثبوت هذا الحكم في الشريعة الإسلامية؛ لنرى مدى صحّة انتساب هذا الحكم إلى الشريعة الإسلامية؛ إذ لا يصل الدَّوْر إلى تبرير هذا الحكم وفلسفته إنْ لم يثبت كونه من الشريعة.
سوف نقدِّم البحث القرآني على البحث الروائي؛ إيماناً منّا بتقديم الكتاب على الحديث في فهم الدِّين، كما ورد في النصوص الحديثية نفسها، النصوص التي عُرفَتْ بنصوص العَرْض على الكتاب؛ حيث لا نرى اختصاصها بمجال معارضة الأحاديث فقط، بل هي معيارٌ لحجِّية النصوص الحديثية نفسها. فالخبر المخالف للقرآن الكريم ليس بحجّةٍ، لا أنّها حجّةٌ في نفسها، لكنّها في مجال التعارض تسقط عن الحجِّية. فالبحث القرآني يمثِّل البِنْية التحتيّة للاجتهاد الفقهيّ عموماً.
وبما أنّ مثل الإجماع والشهرة ليست دليلاً مستقلاًّ في الاجتهاد الإمامي، وإنّما هي كاشفةٌ عن السُّنَّة، ولا نرى كاشفيّة الإجماع والشهرة في مثل هذه المسألة، فلا نخوض في البحث فيهما.
فتكون محاور البحث ـ بعد المقدِّمة ـ محوران، وهما:
المحور الأوّل: موقف القرآن الكريم من المرأة العقيم.
المحور الثاني: موقف النصوص الحديثيّة من المرأة العقيم.
المقدّمة: تحرير محلّ النزاع
يظهر من كلمات الكثير من الفقهاء القول بكراهة الزواج من المرأة العقيم([2])؛ وبعضهم عبَّر باستحباب الزواج من المرأة الولود([3])؛ والمحقِّق الكركي يفسِّرها بـ «ما من شأنها ذلك، بأن تكون في سنّ الولادة، والغالب على قراباتها ذلك، ولم تدلّ العلامات الظنِّية على عقمها»([4])؛ لأنّ العلم لم يكن متطوِّراً في ذلك الزمان؛ ليعرفوا سبب العقم.
والظاهر من هذه الفتاوى أنّ الكراهة هنا مولويّة، أو ساكتة عن هذا الموضوع.
ولكنّ السيد الخوانساري يصرِّح في كلامه بأنّ الكراهة هنا إرشاديةٌ، كإرشادات الطبيب، حيث قال: «النصوص الواردة في صفات الزوجة ليست مولويةً تكليفيةً، إنما هي إرشادية، كإرشادات الطبيب، يعني تريد أن تقول: في مثل المرأة العقيم أو الثيِّب قد تكثر المشاكل. فليس فيها شأن المولوية، فيلغى خصوصية المولوية»([5]). وعليه، لن تكون هذه القضية دينيّةً وإنّما قضيّة عقلائيّة، يفهمها الإنسان، ويصدِّقها في تجربة حياته.
بعد ملاحظة النصوص في المقام، وهي عمدة الدليل على القول بكراهة الزواج من المرأة العقيم، سنجد أنّ هناك أمرَيْن تجب ملاحظتهما، ومحاولة اكتشاف رؤية الشريعة الإسلامية فيهما:
الأمر الأوّل: كراهة الزواج من المرأة العقيم كراهةً قانونيّة.
الأمر الثاني: تشنيع كرامة المرأة العقيم.
رُبَما لا يستفاد من بعض النصوص الآتية الكراهة القانونية، ولكنّها قد تتضمّن تشنيعاً في حقّ المرأة العقيم، مشتملةً على تعابير رُبَما تبدو غير منسجمةٍ مع عدالة الشريعة الإسلامية. فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذين الأمرَيْن معاً؛ لنرى مدى صحّة انتساب كلٍّ منهما إلى الشريعة الإسلامية.
المحور الأوّل: المرأة العقيم في النصّ القرآني
يُعتبر القرآن الكريم المصدر الأساس في استنباط القضايا الفقهية؛ فنبدأ الحديث عن رؤية القرآن الكريم تجاه الزواج من المرأة العقيم من ناحيةٍ، وتجاه التشنيع في حقّها من ناحيةٍ أخرى؛ فنقسم البحث إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: موقف القرآن الكريم من الزواج من المرأة العقيم.
المرحلة الثانية: توصيف القرآن الكريم للمرأة العقيم.
المرحلة الأولى: موقف القرآن من الزواج بالمرأة العقيم
لا نجد في القرآن الكريم آيةً صريحة تتحدَّث عن حكم الزواج من المرأة العقيم، مع أنّنا نجد القرآن الكريم تناول موضوع صفات الزوجة في بعض آياته الشريفة. فنستعرض هنا الآيات التي تتحدَّث عن صفات الزوجة؛ لنرى هل نستطيع الوصول إلى شيءٍ من ذلك؟ أو هل نستطيع أن نستدلّ بالإطلاق المقامي في هذه الآيات لنفي الحكم بكراهة الزواج من المرأة العقيم، قرآنيّاً، أو لا؟
إذا راجَعْنا القرآن الكريم؛ لنستخرج الآيات التي تتحدَّث عن صفات الزوجة، سنجد ما يلي:
1ـ الصلاح: ﴿وَأَنكحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور: 32). وقد دعا القرآن إلى تزويج الأيامى مطلقاً، وقيّد تزويج العباد والإماء بالصلاح.
2ـ الإحصان والإيمان: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ولاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النساء: 25).
3ـ العفاف والإيمان: ﴿الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النور: 3).
4ـ الإيمان: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ولَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ولَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ولاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ولَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ولَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ واللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ والْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ويُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (البقرة: 221)؛ وكذلك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ولاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ولاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ولاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ واسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ ولْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (الممتحنة: 10).
5ـ القنوت و…: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ (التحريم: 5). وقد يستفاد من هذه الآية أن هذه الصفات التي ذُكرت؛ بقرينة «خَيْراً مِنْكُنَّ»، هي صفاتٌ راجحة ومطلوبة في الزوجات.
ولا نجد في الآيات القرآنية ما يشير إلى مسألة الولادة أو العقم كمعيارٍ للزواج، لا للرجل، ولا للمرأة. كما لا نجد إشارةً إلى الصفات الخَلْقية في ذلك، وإنمّا ركَّز القرآن الكريم على الصفات الخُلُقيّة، كالإيمان، والصلاح. فلا نستطيع أن نستدلّ بالقرآن الكريم على كراهة الزواج من المرأة العقيم، بل قد يُستدلّ بالإطلاق المقامي على عدم كراهة الزواج منها، حيث لم نجِدْ في القرآن الكريم، مع أنّه تناول صفات الزوجة، إشارةً إلى شيءٍ من ذلك، فيثبت بذلك أن الزواج من المرأة العقيم ليس مكروهاً. وهذا مبنيٌّ على أنّ القرآن في مقام بيان تمام الصفات المعتَبَرة شَرْعاً للزوجة.
وكذلك يمكن الاستشهاد بالآيات القرآنية التي تتناول معايير التفضيل بين العباد، حيث يركِّز كثيراً على الصفات الخُلُقية، مثل: التقوى، الجهاد، الأمر بالعدل والعلم والإنفاق و..([6]).
وقد يستدلّ كذلك بالإطلاق في قوله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا﴾ (النساء: 3)؛ حيث لم يقيّد النكاح بأن تكون المرأة ولوداً أو ما شابه ذلك.
ولكنّها لا تبدو في مقام بيان تمام الصفات المعتبرة للزوجة؛ كي نتمسّك بإطلاقها.
المرحلة الثانية: توصيف القرآن للمرأة العقيم
قد طرح العقم مرّةً واحدة في القرآن الكريم، ونسبه الله تبارك وتعالى إلى نفسه، حيث قال: ﴿للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً ويَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإِنَاثاً ويَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى: 50 ـ 49)، فنستفيد من هذه الآية الشريفة أن العقم من الصفات الخَلْقية، التي جعلها الله تبارك وتعالى في الإنسان. وكذلك لم يفصِّل بين الرجال والنساء في هذه القضية. فلا نجِدُ في القرآن الكريم شيئاً من التشنيع في حقّ المرأة العقيم، بل أسند ذلك إلى الله سبحانه، بلا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك.
المحور الثاني: المرأة العقيم في النصوص الحديثية
كما قلنا سابقاً نحن أمام إشكالين أساسين، وهما:
1ـ الكراهة القانونية للزواج من المرأة العقيم (أو استحباب الزواج من المرأة الولود).
2ـ التشنيع على المرأة العقيم؛ بسبب عقمها.
وسوف نحاول أن نرصد النصوص الحديثية من هاتين الزاويتين؛ لنستكشف رؤية الشريعة الإسلامية تجاه هذَيْن الأمرَيْن؛ فنقسم هذه النصوص إلى قسمين:
القسم الأوّل: النصوص القانونية الدالّة على كراهة الزواج من المرأة العقيم، أو استحباب الزواج من المرأة الولود. وهذه الروايات تشتمل على تعابير قانونية، مثل: صيغة الأمر أو النهي، ولهذا تكون أكثر دلالةً على مسألة الكراهة القانونيّة للزواج من المرأة العقيم.
القسم الثاني: النصوص التوصيفيّة الدالّة على التشنيع على المرأة العقيم. فهناك روايات لا تشتمل على تعابير قانونية، وإنما تستخدم توصيفاتٍ معيَّنة بالنسبة إلى المرأة العقيم، والزواج منها، التي قد لا يُستفاد منها الكراهة القانونية، ولكنّها من حيث استخدامها تعابير معيَّنة بالنسبة إلى المرأة العقيم جديرةٌ بالاهتمام.
ثمّ يستمرّ البحث في كلّ قسمٍ من خلال مرحلتين:
المرحلة الأولى: الدراسة التفصيلية للروايات. وفي هذه المرحلة نحاول أن نجمع جميع الروايات المتَّصلة بهذا الموضوع من المصادر الحديثية، الإمامية والسنّية، وندرسها دراسةً سندية ودلالية.
المرحلة الثانية: الدراسة الاجماليّة للروايات. فبعد أن دَرَسْنا جميع الروايات مستقلّةً سوف نحاول أن ندرسها جميعاً إلى جانب بعضها البعض؛ لنخرج بنتيجةٍ شاملة عن رؤية السُّنَّة الشريفة تجاهَ المرأة العقيم، والزواج منها.
أوّلاً: النصوص القانونية في كراهة الزواج بالمرأة العقيم أو استحباب الزواج بالمرأة الولود، رصدٌ تفصيليّ
سوف ندرس هنا الروايات، التي وجَدْناها في التراث الإماميّ، التي تشتمل على تعابير قانونية (الأوامر والنواهي) تتّصل بكراهة الزواج من المرأة العقيم، أو استحباب الزواج من المرأة الولود. وسنبدأ بالروايات التي تتحدَّث مباشرةً عن العقيم، وسنختم بالروايات التي تحثّ على الزواج بالوَلُود.
وبما أن هذه الروايات تشتمل على الصيغ القانونية، كالأمر والنهي، تكون دلالتها على الكراهة القانونية أو الاستحباب القانوني أقوى من غيرها، وكذلك يكون حملها على الإرشاديّة أصعب.
وسوف نركِّز في هذا الفصل على هذه الروايات، ونؤجِّل الحديث عن الروايات التوصيفية، التي تتضمَّن تعابير قد يبدو فيها تشنيعٌ في حقّ المرأة العقيمة إلى القسم الثاني من البحث؛ حيث خصَّصنا بحثاً مستقلاًّ في هذا الموضوع.
نعم، قد يُستفاد من تلك الأحاديث كراهة الزواج من المرأة العقيمة بالدلالة الالتزامية، فلذلك نعقد بحثاً صغيراً عن مَدَى صحّة هذه الملازمة، بعد الانتهاء من دراسة الروايات القانونية في التحليل الإجماليّ لها.
1ـ «تزوَّجْ سوءاء ولوداً»
وهي صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله× قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله|، فقال: يا نبيّ الله، إنّ لي ابنة عمّ قد رضيتُ جمالها وحُسْنها ودينها، ولكنّها عاقرٌ، فقال: لا تزوّجها؛ إنّ يوسف بن يعقوب لقي أخاه، فقال: يا أخي، كيف استطعْتَ أن تتزوَّج النساء بعدي؟! فقال: إنّ أبي أمَرَني، وقال: إن استطعْتَ أن تكون لك ذرّيةٌ تُثقل الأرض بالتسبيح فافْعَلْ. قال: فجاء رجلٌ من الغد إلى النبيّ|، فقال له مثل ذلك، فقال له: تزوَّج سوءاء ولوداً؛ فإنّي مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة. قال: فقلتُ لأبي عبد الله×: ما السوءاء؟ قال: القبيحة»([7]).
وقد ورد ما يشبه ذلك في المصادر السنّية، بما لفظه: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّﷺ، فَقَالَ: ابْنَةُ عَمٍّ لِي ذَاتَ مِيسِمٍ وَمَالٍ، وَهِيَ عَاقِرٌ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ عَنْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، ثُمَّ قَالَ: «لامْرَأَةٌ سَوْدَاءُ وَلُودٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا؛ أَمَّا عَلِمْتَ أَنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، وَأَنَّ أَطْفَالَ الأُمَمِ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَحْقَاءِ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا آبَاؤُنَا وَأَمَّهَاتُنَا، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ وَأُمَّهَاتُكُمْ، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ السِّقْطُ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَظَلُّ مُحْبَنْطِئاً، أَيْ مُتَقَعِّساً، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ أَبُوهُ»([8]).
أـ الدراسة السنديّة: يشتمل سند هذه الرواية في الحقيقة على طريقين:
الطريق الأوّل: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×.
الطريق الثاني: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×.
والسند الثاني ضعيفٌ؛ بسبب اشتماله على سهل بن زياد.
لكنّ السند الأول صحيحٌ لا غبار عليه.
فهذه الرواية من الناحية السندية تامّةٌ. وبناءً على حجِّية الخبر الواحد الثقة يمكن الاعتماد عليها.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: هذه الرواية وإنْ كانت صادرةً في الجواب عن سؤال شخصٍ معين، وهذا يقوى فيه احتمال الخصوصية، ولكنّ التعليل بأمرٍ عامّ، وهو الإكثار من ذرّيةٍ تُثقل الأرض بالتسبيح، يُبعد احتمال الخصوصية. فتكون الرواية عامّةً حينئذٍ، مع الأخذ بعين الاعتبار التعليل الوارد فيه. وتربط هذه الرواية بين كراهة التزويج من المرأة العقيم ومسألة النسل، وسيأتي الحديث عن هذه النقطة في التحليل الإجماليّ للنصوص.
وتشتمل هذه الرواية على صيغة النهي. وهناك خلافٌ في دلالة هذه الصيغة على الحرمة؛ حيث ذهب الكثير من علماء الأصول إلى كونها موضوعةً للدلالة على الحرمة. وسوف ندرس في التحليل الإجماليّ هل يمكن القول بالحرمة استناداً إلى مثل هذه الرواية أو لا؟
2ـ «تزوَّجوا…ولوداً، ولا تزوَّجوا…عاقراً»
وهي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: «قال رسول الله|: تزوَّجوا بِكْراً ولوداً، ولا تزوَّجوا حسناءَ جميلة عاقراً؛ فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة»([9]).
وكذلك ورد في المصادر السنِّية ما يشبه هذا الحديث، بما لفظه: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: «دَعُوا الْحَسْنَاءَ الْعَاقِرَ، وَتَزَوَّجُوا السَّوْدَاءَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي أُكَاثِرُ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى السِّقْطِ يَظَلُّ مُحْبَنْطِياً، أَيْ مُتَغَضِّباً، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ، فَيُقَالُ: ادْخُلْ أَنْتَ وَأَبَوَاكَ»([10]).
أـ الدراسة السنديّة: تعتبر هذه الرواية من الروايات المعلَّقة؛ حيث علَّق الكليني سندها على الرواية التي قبلها، وهي صحيحة عبد الله بن سنان، التي نقلناها قبل قليلٍ.
وهذه الرواية أيضاً تشتمل على طريقين:
الطريق الأوّل: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر×.
الطريق الثاني: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر×.
والسند الثاني ضعيفٌ؛ بسبب اشتماله على سهل بن زياد، حيث اعتبره النجاشي ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه([11]).
ولكنّ السند الأوّل لا إشكال فيه.
فهذه الرواية أيضاً من الناحية السندية صحيحةٌ.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: إن هذه الرواية، خلافاً للرواية السابقة، تتضمّن لساناً عامّاً، حيث لم يَرِدْ في جواب سؤال شخصٍ معيَّن، وفي قضيّةٍ معيَّنة، فيمكن استفادة حكمٍ عامّ منها. ولكنّها أيضاً، كسابقتها، وردَتْ في سياق تحديد النسل، وكثرة المسلمين في العالم، وسيأتي الكلام عنه.
والظاهر من السياق أن زيادة صفة جميلة ليست لتقييد الحكم بها، بأن يكون المنهيّ عنه الزواج من المرأة الجميلة العقيمة، بل المقصود منه المبالغة في النهي من الزواج من العقيمة، وإنْ كانت حسناء جميلة.
3ـ «تزوَّجْها…ولوداً، ولا تزوَّجْها…عاقراً»
وهي خبر سليمان بن جعفر الجعفريّ، عن أبي الحسن الرضا× قال: «قال رسول الله| لرجلٍ: تزوَّجْها سوءاء ولوداً، ولا تزوَّجْها حسناء عاقراً؛ فإنّي مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة، أَوَما علمْتَ أنّ الولدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم، يحضنهم إبراهيم، وتربِّيهم سارة، في جبلٍ من مسكٍ وعنبر وزعفران»([12]).
أـ الدراسة السنديّة: إنّ هذه الرواية ـ من الناحية السنديّة ـ ضعيفةٌ؛ لأنّ سندها يشتمل على سهل بن زياد، الذي اعتُبر ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه. وكذلك يشتمل على عليّ بن سعيد الرقّي، وهو مهملٌ تماماً في المصادر الرجاليّة الإماميّة.
وقد نقل ما يشبه هذه الرواية مرسلةً، في كتاب النوادر، للراوندي، مع اختلافٍ سيأتي ذكره.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: قد يُقال بأنّ هذه الرواية وردَتْ في قضيّةٍ معيَّنة، حيث جاء فيها: (قال رسول الله| لرجلٍ…)، فاستفادة التعميم منها يحتاج إلى تأمُّلٍ. وقد يسهل الأمر؛ لأنّ الحديث يشتمل على تعليلٍ عامّ بالنسبة إلى جميع المكلَّفين، وهي مباهاة النبيّ| بأمّته الأمم الأخرى، التي تشير إلى مسألة النسل.
ولكنْ تبدو هذه المباهاة غيرُ واضحةٍ؛ إذ ما هو تأثير كثرة أو قلّة الأمّة المسلمة عند النبيّ|؟! وما هو دَوْر هذه الكثرة في أداء رسالته أو في رضوانه إلى الله تبارك وتعالى؟ وخاصّة الكثرة التي نشأَتْ من الولادة، لا الهداية. وإذا كان المقصود الهداية وتثقيل الأرض بذكر لا إله إلاّ الله فرُبَما كان السعي وراء هداية الكفّار والمشركين أسهل وأسرع بكثيرٍ من إنجاب الأطفال، فتأمَّلْ.
إلاّ أن يُقال: إنّ الأمّة الإسلامية كانت تحتاج آنذاك إلى البسط والتمدُّد، وكانت بحاجةٍ إلى المجاهدين يدافعون عن الأمّة التي أخذت بالظهور للتوّ، وكانت تواجه الأعداء من الجهات المختلفة، كالمشركين وأهل الكتاب.
وهو الأمر الذي يقوّي احتمال الفهم التاريخي لهذه النصوص؛ حيث نعرف جميعاً أنّ موضوع النسل وتحديده في العالم يتبع الظروف الزمكانية؛ فالنموّ السكاني يكون مطلوباً في بعض الأزمنة والأمكنة؛ بينما يكون مضرّاً في الأزمنة والأمكنة الأخرى. وهذا ما نجده اليوم في العالم؛ فبعض البلدان التي تعاني من كثرة السكّان، كالصين، يحاولون التحكُّم بالسكّان؛ بغية تقليلهم؛ بينما البلدان التي تعاني من شيخوخة السكّان تحاول زيادة عدد السكّان عبر أساليب مختلفة.
أما ذيل هذه الرواية: (أَوَما علمْتَ أن الولدان تحت العرش…) فغير واضحٍ؛ إذ ما هو المقصود من أن الولدان تحت العرش؟! وما هي علاقة هذا بالمباهاة يوم القيامة؟! وهل هذا معقول؟!
4ـ «تزوَّجوا…الولود، ولا تتزوَّجوا…العاقر»
وهي مُرْسَلة نوادر الراوندي، قال: قال رسول الله|: «تزوَّجوا السوداء الولود الودود، ولا تتزوّجوا الحسناء الجميلة العاقر؛ فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة، أَوَما علمْتَ أن الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم، ويحضنهم إبراهيم×، وتربِّيهم سارة÷، في جبلٍ من مسكٍ وعنبر وزعفران»([13]).
ونجد في هذه الرواية تعبير «سوداء». ورُبَما كان الأصل؛ بقرينة سائر الروايات، وانسجامها مع المضمون، «السوءاء»، بمعنى قبيحة المنظر. وهذا التصحيف متوقَّعٌ جدّاً؛ إذ تشبه هاتان الكلمتان بعضهما بعضاً.
أـ الدراسة السنديّة: هذه الرواية مرسَلةٌ، لا سند لها في مصادرنا الإماميّة، فهي روايةٌ ضعيفة من الناحية السنديّة.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: إنّ هذه الرواية تشبه الرواية السابقة تماماً، مع اختلافٍ مهمّ؛ ففي الرواية السابقة كان النبيّ| يخاطب رجلاً، وهذا يقوّي من احتمال الخصوصية، وإنْ أبعدنا هذا الاحتمال؛ بسبب التعليل الموجود في الرواية، ولكنّ هذه الرواية من الأصل روايةٌ عامّة.
5ـ «ذَرُوا…العقيم، وعليكم بـ…الولود»
وهي مُرْسَلة صاحب الرياض: قال رسول الله|: «ذَرُوا الحسناء العقيم، وعليكم بالسوداء الولود؛ فإنّي مُكاثِرٌ بكم الأمم، حتّى بالسقط»([14]).
أـ الدراسة السنديّة: إنّ هذه الرواية مرسَلةٌ، لا سند لها، نقلها لنا الطبرسي في كتابه «مكارم الأخلاق»، عن كتاب الرياض، ورُبَما نقل صاحب الرياض مضمون الروايات السابقة، فلا يمكن إحراز استقلال هذه الرواية.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: تحتوي هذه الرواية على المضمون المشترك في الروايات السابقة، والتي سبق أن تحدَّثنا عنه.
6ـ «تزوَّجْ…سوءاء…؛ فإنهُنَّ أكثر أولاداً»
وهي مُرْسَلة إسماعيل بن عبد الخالق، عمَّنْ حدَّثه، قال: شكَوْتُ إلى أبي عبد الله× قلّة ولدي، وأنّه لا ولد لي، فقال لي: «إذا أتيْتَ العراق فتزوَّجْ امرأةً، ولا عليك أن تكون سوءاء»، قلتُ: جُعلتُ فداك، وما السوءاء؟ قال: «امرأةٌ فيها قُبْحٌ؛ فإنهُنَّ أكثر أولاداً»([15]).
أـ الدراسة السنديّة: إنّ هذه الرواية من الناحية السنديّة ضعيفةٌ؛ بسبب اشتمال السند على أحمد بن عبد الرحمن، فهو رجلٌ مهمَلٌ في المصادر الرجاليّة الإماميّة، ورواياته قليلة.
وكذلك هذه الرواية مرسَلةٌ؛ حيث نقلها إسماعيل بن عبد الخالق عمَّنْ حدَّثه، ولم يسمِّه.
هذا بغضّ النظر عن الخلاف في إبراهيم بن هاشم، الذي وقع في هذا السند.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: قد وردت هذه الرواية في قضيّةٍ شخصية؛ حيث يشتكي السائل إلى الإمام× قلّة ولده، والإمام× يرشده إلى الزواج من المرأة السوءاء، مستدلاًّ بأنّ المرأة التي فيها قُبْحٌ أكثر أولاداً. فلا نستطيع أن نستفيد من هذه الرواية حكماً عامّاً، يتعلَّق بالجميع. والتعليل الوارد في هذا النصّ لا يُستفاد منه أكثر من قضيّةٍ واقعيّة، يخبر الإمام× فيها عن الواقع الخارجيّ. فليست هذه الرواية ناظرةً إلى قضيّةٍ تشريعيّة لزوماً.
ثانياً: النصوص التوصيفيّة في التشنيع على المرأة العقيم، عرضٌ ونقد
سوف نقوم هنا بدراسة القسم الثاني من الروايات التي تتحدَّث عن المرأة العقيم، والتي قد لا تشتمل على صيغ وتعابير قانونية، ولكنّها من حيث استخدامها تعابير معيَّنة في حقّ المرأة العقيم جديرةٌ بالاهتمام، وهي:
1ـ «شرار نسائكم…العقيم»
وهي صحيحة جابر بن عبد الله: عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعتُه يقول: قال رسول الله|: «أَلاَ أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم، الحقود، التي لا تورَّع من قبيحٍ، المتبرِّجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنَّعَتْ منه كما تمنَّع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عُذْراً، ولا تغفر له ذَنْباً»([16]).
هذه من الروايات النبويّة الشيعيّة الصحيحة، التي لا يُمَرُّ فيها بالإمام×، وتعتبر من النوادر في الأحاديث الإمامية. هذا الحديث قد ورد في التهذيب أيضاً، وهناك تكملةٌ([17])، عن أبي حَمزَةَ قَالَ: سَمعتُ جَابراً الأَنصَاريَّ يُحَدِّثُ قَالَ: «كنَّا جُلوساً مع رسول الله|، فذكرنا النِّساءَ وفضلَ بعضهنَّ على بعضٍ، فقال رسُولُ الله|: أَلاَ أُخبرُكُم؟ فقُلنا: بلى يا رسُول الله، فأخبرنا، فقال: إنّ من خير نسائكُمُ الوَلُود الوَدُود الستّيرة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المُتبرِّجة مع زوجها، الحصان عن غيره، التي تسمعُ قولهُ، وتُطيعُ أمرهُ، وإذا خلا بها بذلت لهُ ما أراد منها، ولم تبذَّل لهُ تبذُّل الرَّجُل، ثمّ قال: أَلاَ أُخبرُكُم بشرّ نسائكُم؟ قالُوا: بلى، قال: إنّ من شرّ نسائكُمُ الذّليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم، الحقُود، التي لا تتورَّعُ من قبيحٍ، المُتبرِّجة إذا غاب عنها بعلُها، الحصان معهُ إذا حضر، التي لا تسمعُ قولهُ، ولا تُطيعُ أمرهُ، وإذا خلا بها بعلُها تمنَّعت منهُ تمنُّع الصعبة عند رُكُوبها، ولا تقبلُ لهُ عُذراً، ولا تغفرُ لهُ ذَنْباً، ثمّ قال: أفلا أُخبرُكُم بخير رجالكُم؟ فقُلنا: بلى، قال: إنّ من خير رجالكُمُ التقيّ، النقيّ، السَّمِح الكفَّين، السليم الطَّرَفين، البرّ بوالدَيْه، ولا يُلجئُ عيالهُ إلى غيره، ثمّ قال: أَفَلا أُخبرُكُم بشرّ رجالكُم؟ فقُلنا: بلى، قال: إنّ من شرّ رجالكُمُ البهّات، الفاحش، الآكل وحدهُ، المانع رفدهُ، الضارب أهلهُ وعبدهُ، البخيل، المُلْجِئ عيالهُ إلى غيره، العاقّ بوالدَيْه»([18]).
أـ الدراسة السنديّة: قد يُقال بأن اتّصال هذا السند غير معلومٍ؛ حيث لا ندري هل (سمعْتُه يقول) هو مقول أبي حمزة، فيكون السند متّصلاً؛ أو مقول جابر بن عبد الله، فيكون السند غير متّصلٍ؟ إذ لا ندري مرجع الضمير في «سمعتُه»، فتكون الرواية مضمرةً.
ولكنْ بعد الرجوع إلى الرواية في التهذيب يرتفع هذا الإشكال.
فقد ورد هذا الحديث في الكتاب الكافي للكليني، وكذلك نقلها الشيخ الطوسي بطريقٍ صحيح في التهذيب، والشيخ الصدوق أيضاً نقلها في كتابه مرسَلاً. فهذا الحديث ورد في الكتب الأربعة، عدا الاستبصار.
ويشتمل سند هذه الرواية في الكافي على ثلاثة طرق، وهي:
الطريق الأوّل: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله|.
وهذا الطريق ضعيفٌ؛ بسبب وجود سهل بن زياد في السند.
الطريق الثاني: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله|.
وهذا الطريق صحيحٌ لا غبار عليه.
الطريق الثالث: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي حمزة، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله|.
وهذا الطريق مختلفٌ فيه؛ بسبب اشتماله على إبراهيم بن هاشم.
وثمّة خلافٌ في توثيق أبي حمزة الثمالي؛ وبعضهم ـ كالبهبودي والكثير من أهل السنّة ـ أنكر وثاقته؛ لما ورد من شربه النبيذ([19]). وهذا، إضافةً إلى عدم الوثوق بثبوته في حقّ الثماليّ، لن يضرّ بوثاقته في الحديث، إلاّ في ما يتعلَّق بالنبيذ. وقد يرجع هذا إلى خلافٍ فقهيّ؛ حيث نجد بعض الفقهاء في التاريخ كانوا يجيزون شرب النبيذ، فلعلّه كان ممَّنْ يجيز شربه؛ انطلاقاً من مقاربةٍ فقهية. فلا يمكن تضعيف الثمالي بعد ثبوت وثاقته بتصريح النصوص الرجالية؛ استناداً لما ورد من شربه النبيذ. فتكون الرواية من الناحية السنديّة تامّةً، لا غبار عليها.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل أن هذه الصفات أُخذَتْ على النحو المجموعي أو الجميعي؟ هل يفهم العُرْف أن عنوان شرار النساء يصدق على التي تتّصف بجميع هذه الصفات أو يصدق على التي تتّصف ولو بواحدةٍ من هذه الصفات؟
الإنصاف أنّ الفهم العُرْفي لمثل هذا النصّ يرى لكلّ خصوصيّةٍ من الخصوصيات جانباً من الشرّ، والتقاؤها هو الذي جعلهُنَّ شرار النساء. ولكنّ الكلام في مفهوم الشرّ هذا، هل فيه جانبٌ قانونيّ أو تشنيعٌ في حقّ المرأة العقيم أو لا؟
لو تأمَّلْنا قليلاً سنرى أنّ هذا الحديث ليس في مقام بيان الأحكام القانونيّة، وإنّما هو قضيّةٌ إرشاديّة. وعلى الأقلّ لا يمكن إحراز كونها في مقام بيان الأحكام القانونيّة، ولسنا ممَّنْ يقبل بأصالة القانونية أو المولوية في النصوص الدينيّة، فلا تدلّ هذه الرواية على الاستحباب أو الكراهة. فهذه الرواية تبدو إرشاديّةً، أو على الأقلّ لا يمكن إحراز المولويّة فيها.
وأما من جهة التشنيع في حقّ المرأة بجهة توصيفها بالشرّ، وهذا تعبيرٌ نجده في كثيرٍ من روايات هذا الباب، فسوف ندرس ذلك في التحليل الإجماليّ حول كلمة الشرّ، ومدى دلالتها على التشنيع.
إذن، هذه الرواية من حيث السند تامّةٌ؛ ومن حيث الدلالة غير دالّةٍ على الكراهة، ولكنّها قد تدلّ على نوعٍ من التشنيع والتوهين في حقّ المرأة العقيم.
2ـ «امرأةٌ عقيمة…لا تعين زوجها على خيرٍ»
وهي خبر إبراهيم الكَرْخي قال: قلتُ لأبي عبد الله×: إنّ صاحبتي هلكَتْ، وكانت لي موافقة، وقد همَمْتُ أن أتزوَّج، فقال لي: «انظر أين تضع نفسك، ومَنْ تُشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك؛ فإنْ كنتَ لا بُدَّ فاعلاً فبِكْراً، تنسب إلى الخير، وإلى حُسْن الخلق، واعلَمْ أنهُنَّ كما قال:
ألا إن النِّساء خُلقْنَ شتّى *** فمنهُنَّ الغنيمة والغرامُ
ومنهُنَّ الهلال إذا تجلّى *** لصاحبه ومنهُنَّ الظلامُ
فمَنْ يظفر بصالحهِنَّ يسعد *** ومَنْ يغبن فليس له انتقامُ
وهُنَّ ثلاث: فامرأةٌ ولود، ودود، تعين زوجها على دهره، لدنياه وآخرته، ولا تعين الدهر عليه؛ وامرأةٌ عقيمة، لا ذات جمالٍ ولا خُلُقٍ، ولا تعين زوجها على خيرٍ؛ وامرأةٌ صخّابة، ولاّجة، همّازة، تستقلّ الكثير، ولا تقبل اليسير»([20]).
أـ الدراسة السنديّة: يشتمل سند هذه الرواية على طريقين:
الطريق الأوّل: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي.
وهذا الطريق ضعيفٌ؛ بسبب اشتماله على سهل بن زياد.
الطريق الثاني: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي.
وأحمد بن محمد عنوانٌ مشترك بين أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، وكلاهما ثقةٌ. لكن لا نجد توثيقاً صريحاً بالنسبة إلى إبراهيم الكرخي، وبعضهم وثَّقه عبر التوثيقات العامّة.
إذن، اعتبار السند مبنيٌّ على وثاقة إبراهيم الكرخي، الذي اختُلف فيه.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: لا نجد في هذه الرواية نَهْياً مباشراً للزواج من المرأة العقيم، وإنّما السائل جاء ليستشير الإمام× في الزواج، والإمامُ يصنِّف النساء إلى ثلاثة أقسام، ويجعل المرأة العقيم، التي لا ذات جمال ولا خُلُق، ولا تعين زوجها، في المرتبة الثانية. فلا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية أيَّ نهيٍ تشريعيّ بخصوص الزواج من المرأة العقيم أو الوَلود. وكذلك لا نجد استخدامَ تعبيرٍ شنيعٍ في حقّ المرأة. وكلّ ما في الأمر أصل التمييز بين العقيم والولود، الذي سوف نتحدَّث عنه لاحقاً، إنْ شاء الله تعالى.
3ـ «شرار نسائكم المعقَرة»
وهي رواية ابن سنان: عن ملحان، عن عبد الله بن سنان قال: قال رسول الله|: «شرار نسائكم المعقَرة، الدنسة، اللجوجة، العاصية، الذليلة في قومها، العزيزة في نفسها، الحصان على زوجها، الهلوك على غيره»([21]).
ثمّة اختلافٌ في النسخ في نقل «المعقرة». ويعلّق الفيض الكاشاني، في الوافي، على هذا الحديث قائلاً: ««العقرة» التي لا تلد. وفي بعض النسخ «القفرة»، بالقاف ثم الفاء، أي قليلة اللحم؛ وفي بعضها «المقفرة»، أي الخالية من الطعام. وكأنّهما من المصحَّفات»([22]). ولكنّه لم يوضِّح وجه اختياره للعقرة على سائر الاحتمالات. وعلى أيّ حال هناك أربعة احتمالات في هذه الكلمة، حَسْب النسخ المختلفة:
1ـ المُعقَرة: وهذا هو المتوافق مع النُّسَخ المطبوعة للكافي.
2ـ العَقِرة: نقلها الفيض في كتابه «الوافي».
3ـ القَفِرة: نقلها العلاّمة المجلسي في كتابه «مرآة العقول»([23])، بمعنى قليلة اللحم.
4ـ المقفرة: ورد في هامش بعض نُسَخ الكافي، طبع دار الحديث([24]).
ويبدو أنّ هذه الاحتمالات كلّها محتملةٌ. والبتُّ في هذا الموضوع يحتاج إلى دراسةٍ مستقلّة في النُّسَخ المخطوطة.
فلنفرض أنّها المعقرة أو العقرة، فتدخل الرواية في محلّ البحث.
أـ الدراسة السنديّة: يعاني سند هذه الرواية من الإرسال؛ إذ نقله أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابه؛ إضافةً إلى أنّ السند يشتمل على ملحان، وهو رجلٌ مهمَلٌ جدّاً في المصادر الرجاليّة الإماميّة. فهذا السند ضعيفٌ من الناحية السنديّة.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: لا نجد في هذه الرواية نَهْياً مباشراً عن الزواج من المرأة العقيم. وكلُّ ما في الأمر توصيف المرأة العقيم بأنها من شرار النساء، ويحتمل أن يكون هذا تعبيراً لبيان التمييز بين المرأة العقيم والوَلود، لا تشنيعاً في حقِّها.
4ـ «شؤم/سوء المرأة…عُقْم رَحِمِها»
وهي خبر خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله× قال: تذاكروا الشؤم عند أبي عبد الله×، فقال: «الشؤم في ثلاث: في المرأة؛ والدابّة؛ والدار. فأمّا شؤم المرأة فكثرة مَهْرها وعُقْم رَحِمِها»([25]).
ونجد ما يشبه ذلك في المعجم الكبير، للطبراني، ممّا رُوي عن رسول الله|، حيث جاء فيه: عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِﷺ: «إِنَّ مِنْ شَقَاءِ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا ثَلاثَةً: سُوءَ الدَّارِ، وَسُوءَ الْمَرْأَةِ، وَسُوءَ الدَّابَّةِ»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا سُوءُ الدَّارِ؟ قَالَ: «ضِيقُ سَاحَتِهَا، وَخُبْثُ جِيرَانِهَا»، قِيلَ: فَمَا سُوءُ الدَّابَّةِ؟ قَالَ: «مَنْعُهَا ظَهْرَهَا، وَسُوءُ ضَلْعِهَا»، قِيلَ: فَمَا سُوءُ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «عُقْمُ رَحِمِهَا، وَسُوءُ خُلُقِهَا»([26]).
أـ الدراسة السنديّة: سند هذه الرواية يشتمل على خالد بن نجيح، ولا دليلَ على توثيقه. وما ورد في رجال الكشّي لا يدلّ إلاّ على كونه صحيح المذهب، على أبعد التقادير، وهذا لا يدلّ على وثاقته. ولكنْ وثَّقه بعضهم.
وكذلك يشتمل على عثمان بن عيسى، الذي لم يَرِدْ له توثيقٌ صريح في الكتب الرجالية، وإنْ وثَّقه بعضٌ. وقد يكون أحد وجوه توثيقه كونه من أصحاب الإجماع على قولٍ، كما نقل الكشّي في رجاله.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: في النقل الشيعي لهذه الرواية نجد تعبير: «الشؤم»؛ وفي النقل السنّي لها نجد تعبير: «السوء». والفيّومي اعتبر الشؤم بمعنى الشرّ([27]). واعتبره ابن منظور خلاف اليمن([28]). ويبدو أنّ التخصيص هنا بسبب إبطال التطيُّر بالسوانح والبوارح من الطير والظباء و… في الإسلام. ويبدو أن المقصود من الشؤم هنا ما تُكْرَه عاقبته، ويُخاف منها، كما ذكر ابن منظور([29]). فعلى أيّ حالٍ لا نجد في هذه الرواية أيضاً تعبيراً قانونيّاً. وإذا كانت الرواية الراجحة «الشؤم»، وكان المقصود من الشؤم الخوف من العاقبة، فلا نجد تعبيراً شنيعاً أيضاً في حقّ المرأة.
5ـ «شؤم المرأة…عُسْرُ ولادتها، وبركة المرأة…يُسْر ولادتها»
وهي خبر عبد الله بن ميمون. روى الصدوق، عن أبيه& قال: حدَّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله× قال: «قال رسول الله|: الشؤم في ثلاثة أشياء: في الدابّة؛ والمرأة؛ والدار. فأما المرأة فشؤمُها غلاءُ مَهْرها وعُسْرُ ولادتها؛ وأما الدابّة فشؤمُها كثرةُ عِلَلها وسوءُ خُلُقها؛ وأما الدار فشؤمُها ضيقُها وخبثُ جيرانها». وقال: «من بركة المرأة خفّة مؤونتها، ويُسْر ولادتها؛ و[من] شؤمها شدّة مؤونتها، وتعسُّر ولادتها»([30]).
أـ الدراسة السنديّة: سند هذه الرواية، بغضّ النظر عن إبراهيم بن هاشم، سندٌ معتبر. وإنْ اعتبرنا عبد الله بن ميمون إماميّاً([31]) فيكون السند حينئذٍ صحيحاً.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: تشبه هذه الرواية الرواية السابقة، مع اختلافاتٍ فيهما. لكنّ هذا الحديث تحدَّث عن تعسُّر الولادة، واعتبرها شؤماً للمرأة. وقد يُقال بشمول الحديث للعقيم أيضاً؛ إما بالدلالة المطابقية، بأن نقول: التعسُّر يشمل عدم الإمكان أيضاً؛ أو بقياس الأولويّة. وعلى أيّ حالٍ لا نجد في هذا الحديث أيضاً سوى مفهوم «الشؤم»، الذي تحدَّثنا عنه، وكذلك معضلة التمييز بالأمور التكوينيّة، الذي سوف يأتي الحديث عنه.
6ـ «المرأة…إذا كانت ولوداً أحبّ إليَّ من…العاقر»
وهي مرسلة الصدوق: قال×: «اعلموا أن المرأة السوداء إذا كانت ولوداً أحبّ إليَّ من الحسناء العاقر»([32]).
أـ الدراسة السنديّة: من الواضح أن هذه الرواية من مرسَلات الشيخ الصدوق، ولا سند لها. فمَنْ يبني على صحّة مرسَلات الشيخ الصدوق، أو يفصِّل فيها بأن يعتبر ما نقله الشيخ الصدوق مباشرةً عن الإمام×، فهذه الرواية تكون معتبرةً، وإلاّ فلا.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: لا يمكن استفادة الكراهة من هذه الرواية، إلاّ إذا قلنا: يُستفاد من هذه الرواية استحباب الزواج من الوَلود، وكذلك قلنا: إن ترك المستحبّ مكروهٌ.
وإنْ قبلنا بالأول فلا نستطيع القبول بالثاني، فلا تدلّ الرواية هذه إلى الكراهة، بل لا تدلّ على تشنيعٍ في حقّها أيضاً، وإنّما كلُّ ما في الأمر تمييزٌ بين المرأة الولود والعقيم، وسوف نتحدَّث عن هذه النقطة في التحليل الاجماليّ.
7ـ «حصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ لا تلد»
وهي خبر أبي سعيد الخدري: حدَّثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي& قال: حدَّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضوان الله عليه قال: حدَّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ العدوي قال: حدَّثنا يوسف بن يحيى الأصبهاني أبو يعقوب قال: حدَّثني أبو عليّ إسماعيل بن حاتم قال: حدَّثنا أبو جعفر أحمد بن صالح بن سعيد المكّي قال: حدَّثنا عمرو بن حفص، عن إسحاق بن نجيح، عن حصيب، عن مجاهد، عن أبي سعيد الخدري قال: أوصى رسول الله| عليّ بن أبي طالب×، فقال: «يا عليّ، إذا دخلَتْ العروس بيتك… وامنع العروس في أسبوعها من الألبان والخَلّ والكزبرة والتفاح الحامض، من هذه الأربعة أشياء»، فقال عليٌّ×: يا رسول الله|، ولأيّ شيءٍ أمنعها من هذه الأشياء الأربعة؟ قال: «لأنّ الرَّحِم تعقم وتبرد من هذه الأربعة أشياء عن الولد. ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ لا تلد…»([33]).
أـ الدراسة السنديّة: قد ورد هذا الحديث في أمالي الشيخ الصدوق. ويبدو أنّه أخذه من المصادر السنّية؛ إذ يشتمل سند هذا الحديث على أسماء لا نعرفها في المصادر الإماميّة كثيراً، وإنّما نجدها في الغالب في المصادر السنّية. وكما نعرف فإنّ الشيخ الصدوق والطوسي والمفيد كانوا يلقُون أماليهم في الملأ العامّ، ورُبَما لأجل ذلك كانوا يأتون بأحاديث سنّية؛ كي يكون لها وقعٌ عند عامّة الناس من غير الشيعة، أكثر من استخدام الأسانيد المختصّة بالشيعة. ورُبَما يكون هذا أقربَ تفسيرٍ لوجود أسماء غير مألوفة إماميّاً في كتب الأمالي هذه. وإنْ كان بعض المعاصرين([34]) يشكِّك في نسبة بعض كتب الأمالي إلى أصحابها. وتفصيلُ ذلك يراجع في محلّه.
إنّ رسول الله| يوصي في هذه الرواية عليّاً× بمنعه عروسه من أربعة أشياء في أسبوعها، ويعلِّلها بأنّها تبرِّد الرَّحِم وتعقِّمها، ثمّ يأتي بجملةٍ هي محلّ الشاهد؛ إذ قد يُستفاد منه تشنيعٌ في حقّ المرأة العقيم؛ إذ جاء في الحديث: «ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ لا تلد…».
لكنّ هذا المقطع ورد في المصادر السنّية على أنّه قول عمر بن الخطّاب، فاعتبروه من الموقوفات([35]). وفي بعض المصادر منسوبٌ إلى ابن عمر([36]). ولكنْ في المصدر الشيعي نُسِب هذا المقطع إلى رسول الله|. نعم، ذكر ابن الجوزي هذه الرواية، مسندةً إلى رسول الله|، في كتابه «الموضوعات»؛ حيث يذكر الرواية هذه بسندٍ شبيهٍ، معتبراً إيّاها من الموضوعات. وكما نعرف من منهج ابن الجوزي، كلّما كان في سند الحديث رجلٌ وضّاع([37]) يصف الحديث بالموضوع، مع أنّ هذا المنهج ليس بصحيحٍ، ومن الخطأ في الاصطلاح؛ إذ لا تلازم بين وجود رجلٍ وضّاعٍ في السند والقطع بكون الحديث موضوعاً، غاية الأمر التشكيك بالصدور. وكذلك نجد هذا المقطع منسوباً إلى رسول الله| في بعض الكتب غير الحديثيّة لأهل السنّة، مثل: أبي طالب المكّي والغزالي، حيث نقلا هذا المقطع مرسَلاً، بلا سندٍ، عن رسول الله|([38]).
وعلى أيّ حالٍ هذا الحديث في جميع المصادر التي ورد فيها حديثٌ ضعيفٌ، بل في بعض المصادر لا سند له.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: هذا التعبير الوارد هنا: «ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ لا تلد» هو التعبير الأكثر إثارةً؛ إذ قد يُقال بأنه صريحٌ في التشنيع في حقّ المرأة العقيم. فما ذنب المرأة العقيم التي جعلها الله عقيماً أن تُعامَل هكذا؟ ولكنْ قلنا: إن صدور هذا التعبير عن رسول الله| غير مُحْرَزٍ، فلا يمكن الاعتماد عليه.
8ـ «إنّ الله بارك في الوَلود»
وهي خبر أبي المقدام، عن أبي عبد الله× قال: دخل رسول الله| منزله، فإذا عائشة مقبلةٌ على فاطمة تصايحها، وهي تقول: واللهِ، يا بنت خديجة، ما ترين إلاّ أن لأمِّك علينا فضلاً، وأيُّ فضلٍ كان لها علينا؟! ما هي إلاّ كبعضنا. فسمع مقالتها لفاطمة، فلما رأَتْ فاطمة رسول الله| بكَتْ، فقال لها: «ما يبكيكِ، يا بنت محمد؟»، قالت: ذكرَتْ أمّي، فتنقَّصتها، فبكيتُ، فغضب رسول الله|، ثمّ قال: «مَهْ، يا حميراء، فإنّ الله تبارك وتعالى بارك في الوَلود الوَدود. وإنّ خديجة رحمها الله ولدَتْ منّي طاهراً، وهو عبد الله، وهو المطهَّر، وولدَتْ منّي القاسم وفاطمة ورقيّة وأمّ كلثوم وزينب؛ وأنتِ ممَّنْ أعقم الله رَحِمَه، فلم تلدي شيئاً»([39]).
أـ الدراسة السنديّة: إنّ هذه الرواية من متفرِّدات الشيخ الصدوق، نقلها في كتاب الخصال. ومن الناحية الرجالية سندُها ضعيفٌ؛ إذ يشتمل على أبي عليّ الواسطي، وهو رجلٌ مجهول، لا نجد له توثيقاً أو تضعيفاً في المصادر الرجاليّة الإماميّة، ورواياته قليلةٌ جدّاً. وكذلك يشتمل على عبد الله بن عصمة، وهو أيضاً رجلٌ مجهولٌ في المصادر الإماميّة، ورواياته في الإمامية قليلةٌ، لا تتجاوز أصابع اليدين؛ ولكنْ نجد له روايات في المصادر السنّية، وتناوله علماء الرجال من أهل السنّة، وضعَّفه غيرُ واحدٍ من علماء أهل السنّة([40]). وكذلك يشتمل على عمرو بن أبي المقدام، الذي لم تثبت وثاقته.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: يؤكِّد رسول الله| في هذه الرواية على أنّ الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود. وهذا يبدو منه التمييز التكويني للمرأة العقيم. والقياس بين خديجة وعائشة في هذه النقطة يدلّ على امتياز الوَلود على العقيم. ولكنْ لا نجد في هذه الرواية أيَّ تعبيرٍ قانونيّ للنهي عن الزواج من العقيم، بل يدلّ على فعل رسول الله| للزواج من العقيم، أو البقاء في زواجها؛ إذ قد يُقال بأنّ عائشة كانت طفلةً عندما تزوَّجَتْ من رسول الله|، فلم تكن حالُها معلومةً حينئذٍ ولكنْ على أيّ حالٍ لم يطلِّقْها رسول الله| بسبب عقم رحمها، وهذا يدلّ على الأقلّ على جواز الزواج من المرأة العقيم. وكذلك لا تشتمل هذه الرواية على تعبيرٍ شنيع في حقّ المرأة العقيم، وإنّما كلُّ ما في الأمر التمييز بين العقيم والولود، الذي سيأتي الكلام عنه.
واللطيف أنّ القرآن الكريم أيضاً تناول اختلافاً بين رسول الله| وزوجتين له في سورة التحريم، حيث قال: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وجِبْرِيلُ وصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ والْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وأَبْكَاراً﴾ (التحريم: 3 ـ 5). ففي ختام هذه الآيات عندما يريد الله سبحانه أن يصف الأزواج اللواتي هُنَّ خيرٌ لرسول الله| يصفهنَّ بمسلماتٍ مؤمناتٍ…، وهي صفاتٌ ترجع إلى الأخلاق والفضيلة، وعندما يأتي إلى مسألة الثيبوبة والبكارة يذكرهما معاً، وكأن الصفات الخَلْقية لا تهمّ. بل قد يُقال بأنّ الآية هذه شاهدٌ على عدم مانعيّة الزواج من العقيم؛ إذ المرأة الثيِّب عقيمٌ لا محالة.
ويتوقَّف شيخنا الأستاذ([41]) بالنسبة إلى تعيير النبي| لزوجته عائشة في هذه الرواية بأمرٍ خلقها الله عليه، معتبراً إيّاه غير منسجمٍ مع أخلاق النبيّ|، وغير منسجم مع الآيات القرآنية، ومنها هذه الآيات التي ذكرناها، والآيات التي تركِّز على الصفات التي ترجع إلى الأخلاق والفضيلة والدين و… في التفضيل بين العباد.
9ـ «خير النساء…الولود»
وهي مرسَلة دعائم الإسلام: عن رسول الله| أنّه قال: «أيّها الناس، تزوَّجوا؛ فإنّي مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة. وخير النساء الودود الولود، ولا تنكحوا الحمقاء؛ فإنّ صحبتها بلاء، وولدها ضياع»([42]).
أـ الدراسة السنديّة: إنّ هذه الرواية من الناحية السندية مرسَلةٌ، لا سند لها. وهي من كتاب دعائم الإسلام، الذي ألّفه القاضي النعمان، ويُقال بأنّه ألَّفه كقانونٍ للدولة الفاطميّة، ورُبَما لذلك لم يأتِ بذكر الأسانيد.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: لا تشتمل هذه الرواية على أيّ نهيٍ أو تشنيعٍ في حقّ المرأة العقيم، وإنّما يعتبر الولود الودود خير النساء. وغاية ما فيها أصل التمييز بين المرأة العقيم والولود، وسوف يأتي الحديث عنه.
10ـ «خير نسائكم…الولود»
وهي مرسلة القطب الراوندي، في لبّ اللباب: عن النبيّ| أنّه قال: «خير نسائكم الودود، الولود، المؤاتية؛ وشرُّها اللجوج»([43]).
أـ الدراسة السنديّة: هذه الرواية، التي ذكرها المحدِّث النوري في مستدرك الوسائل، لا نجد لها سنداً. فهي حديثٌ ضعيف.
ب ـ الدراسة الدلاليّة: هذه الرواية أيضاً تشبه الروايات السابقة، ولا تشتمل على حثٍّ مباشر على الزواج من المرأة الولود. فلا يمكن أن نستفيد منها حكماً قانونيّاً يتعلَّق بكراهة الزواج من العقيم، أو باستحباب الزواج من الولود. ولا نجد فيها سوى أصل التمييز بين المرأة الولود والعاقر.
ثالثاً: التحليل الاجماليّ للنصوص
بعد أن انتهَيْنا من دراسة الروايات من الناحية السندية والدلالية، كلٌّ منها على حِدَة، ينبغي أن نتوقَّف في عدّة نقاطٍ تتعلَّق بالتحليل الإجماليّ لها. وبعض هذه النقاط يتعلَّق بالجانب الصدوري لهذه الروايات؛ وبعضها الآخر يتعلَّق بمضمونها، والإشكاليّات التي تواجهها. وهي:
1ـ الأغلبيّة الساحقة من هذه الروايات نبويّةٌ
لو راجَعْنا هذه الروايات لوجَدْنا أنّ أغلبيّتها الساحقة مرويّةٌ عن رسول الله|. وهذا من الأمور اللافتة، وخاصةً عند الشيعة الإماميّة؛ إذ قلَّما نجد موضوعاً في التراث الإمامي يكون أغلب الروايات فيه نبويّاً. هذا قليلٌ أو نادرٌ في التراث الإمامي؛ إذ نجد عادةً، في كثيرٍ من الموضوعات، أنّ الأحاديث مرويّةٌ عن أهل البيت^ خاصّة، أو إلى جانب الأحاديث النبويّة. وهذا أمرٌ جديرٌ بالاهتمام.
2ـ النَّهْي، ومدى دلالته على الحرمة أو الكراهة
كما قلنا في بداية الكلام: بعض هذه النصوص يشتمل على الأوامر والنواهي، ممّا يساعد على استنتاج الأحكام الشرعيّة والقانونية منها. وذكرنا هناك سبع روايات في هذا القسم؛ اثنتان منها صحيحة السند، تستخدم تعبير النهي. والسؤال هنا: ما هو الموجب لحمل هذا النَّهْي على الكراهة، مع أنه لا معارض له؟ ليس هناك رواياتٌ تأمر بالزواج من المرأة العقيم؛ لكي نحمل النَّهْي على الكراهة، وإنّما المعارض هو العمومات، فينبغي تخصيصها.
قد يكون المستند في ذلك التعليل الوارد فيها، حيث لا يتناسب مع الإلزام. إنّ هذه الروايات تعلِّل هذا الحكم في الغالب بمسألة النَّسْل، ونحن نعلم من الخارج أنّ تكثير النسل ليس واجباً في نفسه على الجميع، وإلاّ كان أصل الزواج واجباً عينيّاً. فهذه قرينةٌ على عدم إرادة الحرمة من النَّهْي هنا، وكذلك عدم إرادة الوجوب من الأمر بالزواج من المرأة الولود.
ولعلّ الفقهاء استندوا في ذلك لقيام سيرة المتشرِّعة على عدم الزواج من المرأة العاقر، فاعتبروا أن تلك قرينةٌ على استفادة الكراهة والاستحباب من هذا النوع من الروايات.
ولعلّ المستند في ذلك بعض القرائن الموجودة في نفس هذه الروايات، مثل: صحيحة محمد بن مسلم، حيث جاء فيها: «تزوَّجوا بِكْراً وَلُوداً»، مع أنه لا يجب الزواج من البِكْر الوَلود. وهذا رسول الله| قد تزوَّج من الثيِّبات أيضاً، ولا يجد القرآن الكريم أيّ ضَيْرٍ في الزواج من الثيِّبات، مع أنهُنَّ من العاقرات: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ (التحريم: 5).
3ـ العلاقة بين النَّهْي عن الزواج من العقيم ومسألة النَّسْل
بعض هذه الروايات، ومنها ما هو صحيح السند، يربط المسألة بقضيّة تكثير النسل. وهذه المسألة وقعَت محلاًّ للجَدَل في كونها قضيّةً تاريخية ترتبط ببدايات الدعوة، والحاجة إلى كثرة المسلمين؛ أو أنها قضيّةٌ أبديّة إلهيّة. والبتّ في هذا الموضوع يحتاج إلى دراسةٍ مستقلّة. لكنْ التركيز على هذا الموضوع في العصر النبويّ، حيث رأَيْنا أنّ الأغلبية الساحقة لهذه الروايات نبويّةٌ، ومناسبة انطلاقة الدعوة الإسلاميّة مع لزوم أو رجحان ازدياد النَّسْل، يقوّي احتمالية التاريخية في مثل هذه الروايات؛ حيث كان المسلمون يعيشون وسط إمبراطوريتين مليئتين بالسكّان: إمبراطورية فارسيّة؛ وإمبراطورية رومانيّة، وعدد المسلمين في بداية الدعوة لم يكن يتجاوز بضع عشرات من الآلاف. هذا كلُّه كان يدعو المسلمين لزيادة عددهم السكّاني.
4ـ عدم تناول العقم في الرجل
إنّ هذه الروايات تركِّز على المرأة العاقر، ولا إشارة فيها إلى الرجل العاقر، مع أنّ خصوصية الإنجاب وإكثار النَّسْل مشتركةٌ بين الرجل والمرأة، بل عقم الرجل مانعٌ من إنجاب الزوجة، فيما عقم الزوجة ليس مانعاً من إنجابه؛ إذ يمكنه الزواج ثانياً، وخاصّةً في العصر النبويّ؛ حيث كان هذا عُرْفاً سائداً، بل كان بإمكانهم استيلاد الإماء أيضاً في ذلك الزمان.
فإذا كانت القضية مرتبطةً بالاستيلاد لماذا لم نجِدْ أيَّ إشارةٍ إلى عقم الرجل؟! وكيف يمكن فهم هذه الخصوصية، مع أننا لم نجد عَيْناً وأَثَراً لذلك في النصوص؟! وكلُّ ما وجدناه عن الرجل العقيم هو ما ورد بعض المصادر السنّية، حيث جاء فيها: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلاً عَلَى السِّعَايَةِ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَقَالَ: «أَخْبَرْتَهَا أَنَّكَ عَقِيمٌ لا يُولَدُ لَكَ»، قَالَ: لا، قَالَ: «فَأَخْبِرْهَا، وَخَيِّرْهَا»([44]). فلا نجد أيّ نَهْيٍ عن الزواج من المرأة العقيم، أو أيّ تعبيرٍ تشمّ منه رائحة التعيير في حقّ الرجل العقيم. وهذا أمرٌ يستحقّ التأمُّل، وخاصّةً إذا كانت المسألة مرتبطةً بازدياد النَّسْل.
5ـ الروايات والتشنيع على المرأة العقيم
ألمَحْنا قبل قليلٍ إلى أنّ لسان بعض هذه الروايات بالغُ الحِدّة على المرأة، مع أنّه لا ذنب لها في عُقْمها، والله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى: 49 ـ 50).
فما معنى هذه التوصيفات الحادّة في مثل هذا المورد، وهو أمرٌ تكوينيّ، خلقها الله عليه، في الكثير من موارده؟
بعد هذه الجولة المفصَّلة مع الروايات في هذا الباب رأَيْنا أنّ التعبير الأكثر إثارة هو: «ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ لا تلد…». وهذا التعبير منقولٌ في المصادر الإماميّة عن رسول الله|، ولكن في حديثٍ متفرِّدٍ ضعيفٍ، فلا يمكن الاعتماد عليه. وفي المصادر السنّية هذا التعبير منسوبٌ في الغالب إلى عمر بن الخطّاب، فلا نستطيع أن ننسب هذا التعبير إلى الإسلام أساساً.
والتعابير الأخرى، كالشؤم، قلنا: يمكن أن يكون بمعنى ما تُكْرَه عاقبته، ويُخاف منها. وهذا لا يحمل أيّ معنىً سلبيّ تجاه المرأة العاقر نفسها، أكثر من كونه تنبيهاً لعاقبة مثل هذا الزواج. وكذلك تعبير: (شرّ) و(شرار)، قد يكون لبيان التمييز والمفاضلة بين المرأة الولود والعاقر.
6ـ مقتضى التعليل تخصيص النَّهْي بالزواج الذي يُراد منه الإنجاب
كما رأينا في بعض هذه الروايات ـ ومنها صحيح السند ـ نجد علاقةً وطيدة بين النهي عن الزواج من المرأة العقيم ومسألة ازدياد النَّسْل. وهذا يدعو لتقييد الكراهة ـ لو ثبتَتْ ـ بالمورد الذي يُراد أو يمكن الإنجاب، وإلاّ إذا لم يمكن الإنجاب ـ من جهة عقم الرجل مثلاً ـ فلا موجب لهذا النَّهْي.
ولا نستطيع أن نحصر غايات الزواج في الإنجاب؛ فإنّ المرأة العاقر، وخاصّةً في ظّل ثقافة تعدُّد الزوجات، وفي ظلّ ثقافة الإماء وملك اليمين أيضاً، حتّى لو لم تنجب، كانت تنفع في تربية أولاده، وفي العطف والإحسان على الزوج، وما شابه ذلك.
على أن الرجل الكبير، الذي توفِّيت زوجته، قد يحتاج لامرأةٍ لا تنجب. وهذا شائعٌ كثيراً، حيث يبحث الرجال الكبار، الذين لهم أولادٌ، وتوفِّيت زوجاتهم، عن امرأةٍ أخرى عاقرٍ، فلماذا النهي عن التزويج بالمرأة العاقر بالمطلق، مع أن لهذه المرأة حقّ الزواج، وهو شيءٌ فُطرَتْ عليه، وتحتاجه؟! وإذا فسدت هذه المرأة فهي أشدُّ إفساداً للمجتمع من المرأة التي تنجب؛ إذ ليس هناك قلقٌ من حَمْلها.
7ـ مآلات تطبيق هذا الحكم في المجتمع، قراءةٌ ميدانية
يوجِّه النبيُّ المسلمين إلى الزواج من الولود، وينهى عن الزواج من المرأة العقيم. وهذا يثير تساؤلاً حول مصير المرأة العاقر في المجتمع؟ ما هي قراءة المقنِّن الإسلامي، عندما يحثّ على الزواج من المرأة الولود، وفي المقابل ينهى عن الزواج من المرأة العاقر، لمصير المرأة العاقر في المجتمع؟
لنفرض أنّ الناس التزمَتْ بهذه التوجيهات فما هو مصير المرأة العاقر في المجتمع؟ هل تريدها الشريعة محرومةً من الزوج والحياة الأُسَرية، مع أنّ الله تبارك وتعالى فطرها على الرغبة في النكاح؟ ألا يمكن للشريعة توجيه المسلمين لكي يكون زواجهم المتعدِّد يشمل امرأةً غير ولودٍ، في حين كان الزواج المتعدِّد سائداً في تلك الفترة؟ وماذا عن التأثيرات السلبيّة التي سوف يتركها في المجتمع النَّهْيُ عن الزواج من المرأة العقيم؟
هذه الأسئلة كلّها تقوِّي احتمال التاريخانيّة في هذه النصوص، وخاصّة أنها منقولةٌ في الأعمّ الأغلب عن رسول الله|، ومتناسبةٌ مع ظروف المسلمين في بداية الدعوة، حيث كان عدد المسلمين قليلاً لا يتجاوز بضعة آلاف. هذه فرضيّةٌ محتملة.
وإنْ قلنا بأنّه حكمٌ إلهيّ ثابت فلا بُدَّ أن نأخذ بعين الاعتبار سائر الأحكام الأوّلية والعناوين الثانويّة في المقام؛ حيث يمكن أن يصبح الزواج منها واجباً أو مستحبّاً في بعض الفروض.
8ـ احتماليّة الوحدة في الروايات
تتشابه الكثير من الروايات السابقة في المضمون، وأكثرها رُويَتْ عن رسول الله|، الأمر الذي يقوّي احتماليّة الوحدة في بعض هذه الروايات، وخاصّة الروايات المرسَلة التي تشبه الروايات المسندة؛ حيث يمكن أن مصنِّف الكتاب نقل مضمون الروايات المسندة؛ لتحقُّق غرضه، من دون أن يذكر سَنَداً له, فلا نستطيع القول بأنّنا أمام سبع عشرة روايةً مستقلّة في هذا الباب.
9ـ الاعتبار الصدوريّ لهذه الروايات
تحتوي المجموعة الأولى من الروايات ستّ روايات، اثنتان منها صحيحتان؛ وتحتوي المجموعة الثانية عشر روايات؛ رواية واحدة منها صحيحة. ففي مجموع هذه الروايات إنّما نجد ثلاث روايات صحيحة؛ وكثيرٌ منها مرسَلة، بل لا سَنَد لها أساساً. فعلى مبنى حجِّية خبر الثقة النَّهْي عن الزواج من المرأة العقيم أمرٌ ثابت. وإنْ لم يفهم فهماً تاريخياً فيمكن استنباط كراهة الزواج من المرأة العقيم، بعد طرد احتمال الارشاديّة في هذه الروايات.
ولكنْ على مبنى حجِّية الخبر الموثوق يبعد حصول الاطمئنان بصدور هذه الروايات كحكمٍ تكليفيّ أَبَديّ؛ إذ يحتمل فيها الإرشاديّة والتاريخيّة احتمالاً معتدّاً به.
10ـ العلاقة بين الكراهة والاستحباب
وكما رأينا فإن بعض هذه الروايات إنّما تتحدَّث عن المرأة العقيم؛ وبعض الآخر إنّما يتحدَّث عن المرأة الولود؛ والقسم الثالث منها يجمع بينهما. وبما أنّ هناك علاقة وطيدة بين الأمرَيْن حاولنا أن نجمع بينهما في هذه الدراسة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي العلاقة القانونية بين الاستحباب والكراهة في هذا الموضوع؟ هل يمكن أن ننتقل من كراهة الزواج من المرأة العقيم ـ لو ثبت ـ إلى استحباب الزواج من الولود، والعكس كذلك، أو لا؟
إذا لم نقبل بكلِّية استحباب ترك المكروه، أو كراهة ترك المستحبّ، لا نستطيع أن نقبل بهذه الملازمة هنا أيضاً. وبما أنّنا لا نقبل بهاتين القضيّتين ككبرى كلِّية فلا نستطيع أن ندَّعي ذلك هنا أيضاً؛ إذ لا نجد خصوصيّةً زائدة في هذا الموضوع.
11ـ النصوص الذامّة للمرأة العاقر، ودلالتها على الكراهة القانونيّة
وكما رأَيْنا فإن الكثير من الروايات المتعلِّقة بالمرأة العقيم لا يشتمل على الأمر والنَّهْي، وإنّما تصف المرأة العقيم بتعابير مرجوحةٍ. والسؤال هنا: هل نستطيع أن نستفيد من مثل هذه النصوص الكراهة القانونيّة للزواج من المرأة العقيم أو لا؟
قد يُقال بأنّ توصيف المرأة العقيم بـ «شرار النساء»، أو اعتبار عقم المرأة شؤماً لها، وإنْ لم يدلّ بالمطابقة على النَّهْي، ولكنّه بالدلالة الالتزامية يدلّ على النَّهْي التنزيهيّ على الأقلّ، فتدخل هذه الروايات في مجموع الشواهد التي تؤكِّد على النَّهْي عن الزواج من المرأة العقيم.
ولكنّ هذه الملازمة غير مفهومةٍ من قِبَلنا؛ إذ لا نجد ملازمةً دائميّة بين المرجوحية في الخارج والكراهة القانونية؛ كي ننتقل من بيان المرجوحيّة هذه إلى الكراهة الشرعيّة. وكذلك في الاستحباب.
12ـ النصوص القانونيّة الاستحبابيّة، ودلالتها على التشنيع بحقّ المرأة العقيم
لقد استحضَرْنا في هذه الدراسة النصوص التي تحثّ على الزواج من المرأة الولود، وتمدحها؛ إذ قد يقال بأنّ هذا الاستحباب يلازم كراهة الزواج من المرأة العقيم. وكذلك هذا بنفسه مؤشِّرٌ للتمييز بين المرأة العقيم والوَلود في النصوص الدينية، وهو الأمر الذي سنتناوله في النقطة الأخيرة. ولكنّنا لا نفهم من هذه النصوص أيّ تعييرٍ في حقّ المرأة العقيم، وإنّما كلُّ ما في الأمر مسألة التمييز والتفضيل.
13ـ إشكاليّة التمييز بين المرأة العقيم والولود تشريعاً، بل تكويناً
إنّ الكثير من الإشكاليّات التي يسجِّلونها اليوم على الأحكام الشرعيّة، بل الأفعال الإلهيّة التكوينيّة، يرجع إلى مسألة التمييز بين العباد، الأمر الذي اعتبر مصداقاً للظلم. وكذلك في المقام، قد اعتبر الحكم بكراهة الزواج من المرأة العقيم من مصاديق التمييز والظلم، وخاصّةً أنّ القرآن يصرِّح بأن العقم أمرٌ تكوينيّ يرجع إلى الله نفسه، فلماذا ميَّز الله سبحانه بين عباده، وجعل الزواج من المرأة العقيم مكروهاً، والزواج بالوَلود مستحبّاً؟ بل لماذا جعل بعضهم عقيماً، والآخر وَلوداً، تكويناً؟ أليس هذا مخالفاً للعدل الإلهيّ؟!
وبصرف النظر عن ثبوت الكراهة أو عدم ثبوتها لا بُدَّ من الجواب عن هذه الإشكاليّة؛ لأن التمييز التشريعي وإنْ لم يكن ثابتاً، فإنّ التمييز التكويني أمرٌ ثابت، وصرَّح القرآن الكريم بأنّ الله هو الذي جعل بعضاً عقيماً.
يمكن الجواب عن ذلك بأنّ العدل لا يعني التساوي في كلّ شيءٍ؛ فإنّ العدل حتّى في مفهومه العُرْفي لا يعني إلاّ إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقَّه. فلا بُدَّ من إثبات الحقّ في مرحلةٍ سابقة. وإنّ الإنسان، بل جميع المخلوقات، لا يملكون حقّاً في مقابل مَنْ أعطى لهم الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى، ورُبَما من هنا نجد التركيز على مقولة «الفضل» في النصوص الدينيّة، كقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ واسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ (النساء: 32). وكذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ (النساء: 54).
فما نراه من التمييز والافتراق بين البشر، بل في جميع المخلوقات، ليس إلاّ من فضل الله سبحانه وتعالى، فلا يُسْأَل سبحانه عن شيءٍ من ذلك؛ إذ لا حقَّ للآخرين في مقابله تعالى. فالتمييز ليس ظلماً.
هذا، إضافةً إلى أنّنا لا نستطيع أن نثبت أنّ الإنجاب أمرٌ مطلوبٌ للجميع؛ فرُبَما إنجاب الولد يجلب الشرّ والمفاسد لبعضٍ، فلا نستطيع اعتبار العقم شرّاً مطلقاً.
وثمّة جوابٌ نَمَطِيّ يبرِّر الشرور في العالم عبر فكرة النظام الأحسن. ويمكن توظيف هذا الجواب هنا أيضاً، بأن نقول: إنّ النظام الأحسن، الذي يريده الله سبحانه، يقتضي بأن يكون بعض الناس عقيماً؛ فإنْ كان العقم في ذاته شرّاً ـ لو ثبت ذلك ـ فهو حَسَنٌ بالنظر إلى النظام الأحسن. إذاً لا بُدَّ من وجوده لتحقُّق النظام الأحسن.
الخاتمة
لقد حاوَلْنا في هذا المقال أن نتناول موضوعاً نجد أنه يحتاج إلى إعادة نظرٍ فقهيّ، وهو «كراهة الزواج من المرأة العقيم، والتشنيع بها في النصوص الدينيّة». وبدأنا بعَرْض قراءة القرآن عن هذا الموضوع، ثمّ انتقلنا إلى الحديث الشريف، الذي يعتبر الأساس في هذا الحكم. ووجدنا قرابة ستّ عشرة رواية في هذا الموضوع في المصادر الحديثية. وحاوَلْنا دراسة أسانيدها، ومداليلها، كلٌّ على حِدَة، لننتقل بعد ذلك في التحليل الإجماليّ إلى مقارنة النتائج، وبعض الملاحظات التي أشَرْنا إليها. ووصلنا إلى عدم ثبوت كراهة الزواج من المرأة العقيم كحكمٍ قانونيّ كلِّي يعمّ جميع الأزمنة والأمكنة في العالم، إلاّ بناءً على أصولٍ اجتهاديّة لا نقبل بها، كأصالة المولويّة في النصوص، وحجِّية خبر الثقة، وأصالة الخلود أو الإطلاق الأزمانيّ في جميع النصوص الدينيّة. نرجو من الله سبحانه أن يوفِّقنا للعمل الصالح في هذه الدنيا، ويرزقنا مقام الأبرار في عالم الآخرة.
الهوامش
(*) باحثٌ في الحوزة العلميّة في قم، وطالبٌ في مرحلة الدكتوراه في قسم «الكلام الإمامي» في جامعة طهران ـ پرديس فارابي.
(**) باحثٌ في الحوزة العلميّة في قم، وطالبٌ في مرحلة الدكتوراه في قسم «العلوم الاجتماعية» في جامعة طهران ـ پرديس فارابي.
([1]) أتوجَّه بالشكر الجزيل إلى شيخنا الأستاذ الدكتور حيدر حبّ الله؛ حيث استفدنا من دروسه الصوتية وإرشاداته في كتابة هذا المقال.
([2]) انظر: النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 463؛ المختصر النافع في فقه الإمامية 1: 171؛ نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر: 98؛ تبصرة المتعلِّمين في أحكام الدين: 133؛ القواعد والفوائد 1: 381؛ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 7: 15؛ والعروة الوثقى (للسيد اليزدي) 2: 799؛ منهاج الصالحين (للخوئي) 2: 259؛ منهاج الصالحين (للتبريزي) 2: 332؛ منهاج الصالحين (للوحيد الخراساني) 3: 294؛ وغيرها من الکتب.
([3]) انظر: النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 463؛ شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 2: 211؛ السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى 2: 560؛ إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان 2: 4؛ اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية: 173؛ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 7: 17؛ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 29: 38؛ كتاب النكاح (للشيخ الأنصاري): 32؛ العروة الوثقى (للسيد اليزدي) 2: 799؛ تحرير الوسيلة 2: 237؛ وغيرها من الکتب.
([4]) جامع المقاصد في شرح القواعد 12: 13.
([5]) جامع المدارك في شرح مختصر النافع 4: 131: أمّا كراهة تزويج العقيم فلما في الخبر الراجع إلى استحباب اختيار العفيفة المذكور؛ ولما في بعض الأخبار: «الحصير في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ لا تلد». ويمكن أن يُقال: استفادة الاستحباب الشرعيّ أو الكراهة لا تخلو عن الإشكال بالنسبة إلى بعض الأخبار الواردة، بل الظاهر أنّه من قبيل: الإرشاد، كأوامر الطبيب ونواهيه.
([6]) التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)؛ الجهاد: ﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ (النساء: 95)؛ الطيبة: ﴿قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ والطَّيِّبُ ولَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 100)؛ الأمر بالعدل والسَّيْر على صراطٍ مستقيم: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ ومَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (النحل: 76)؛ الحياة: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ ولاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ومَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (فاطر: 22)؛ العلم: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ (الزمر: 9)؛ الإيمان والعمل الصالح: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى والْبَصِيرُ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ولاَ الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ (غافر: 58)؛ الإنفاق والجهاد قبل الفتح (في ظروف المحنة): ﴿وَمَا لَكُمْ أَنْ لاَ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (الحديد: 10).
([7]) الكافي 5: 333، طبعة الإسلامية.
([8]) عبد الرزّاق الصنعاني، المصنَّف 6: 160. كذلك ورد في سنن النسائي 6: 65 ما يشبه ذلك: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ، إِلاَّ أَنَّهَا لا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ».
([9]) الكافي 5: 333، طبعة الإسلامية.
([10]) عبد الرزاق الصنعاني، المصنَّف 6: 160.
([12]) الكافي 5: 334، طبعة الإسلامية.
([15]) الكافي 5: 333، طبعة الدار الإسلامية.
([17]) الشيخ الكليني أيضاً نقل هذه التكملة، ولكنْ في حديثٍ مستقلّ، في الكافي 2: 57، بسنده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ|: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ رِجَالِكُمْ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ خَيْرِ رِجَالِكُمُ التَّقِيَّ، النَّقِيَّ، السَّمْحَ الْكَفَّيْنِ، النَّقِيَّ الطَّرَفَيْنِ، الْبَرَّ بِوَالِدَيْهِ، وَلا يُلْجِئُ عِيَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ». كما نقل الكليني صدر الرواية في باب خير النساء. والظاهر؛ بقرينة نقل الطوسي، ووحدة السياق، أنّها كلّها رواية واحدة، نقل لنا الطوسي بعضها إلى جانب بعضٍ.
([19]) الکشّي، اختيار معرفة الرجال: 201.
([20]) الكافي 5: 323، طبعة الإسلامية.
([24]) الكافي 10: 575، دارالحديث.
([25]) الكافي 5: 567، طبعة الإسلامية.
([26]) الطبراني، المعجم الكبير 24: 153.
([29]) لسان العرب 12: 314 ـ 315.
([31]) ثمّة خلافٌ في كونه إسماعيلياً أو إمامياً، ولا نريد الخوض فيه هنا.
([32]) مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 392
([34]) وهو الشيخ آصف محسني، حيث يشكِّك في نسبة كتاب الأمالي للشيخ الطوسي، مستنداً إلى أنّه لم يصِلْ إلى أحدٍ من كبار المحدِّثين المتأخِّرين بسندٍ صحيح. وكذلك كتاب الأمالي، للشيخ المفيد، حيث يقوله عنه المحسني: «في الاعتماد عنه وَجَلٌ». انظر: حيدر حبّ الله، نظرية السنّة: 583، نقلاً عن مشرعة بحار الأنوار 1: 15؛ وبحوث في علم الرجال: 511.
([35]) انظر، على سبيل المثال: سنن أبي داوود 4: 19؛ ابن أبي الدنيا، العمر والشيب: 77.
([36]) أبو بكر البغدادي، تاريخ بغداد 13: 353.
([37]) وفي سند هذه الرواية، بالطريق الذي ذكره ابن الجوزي، نجد عبد الله بن وهب. ويذكر في حقّه: «كَذَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ: وَعبد الله بْن وَهْب شيخٌ دجّال، يضع الحَدِيث على الثقات، لا يحلّ ذكره فِي الْكتب إِلاَّ عَلَى سَبِيلِ الْجَرْحِ فِيهِ». ابن الجوزي، الموضوعات 2: 268.
([38]) انظر: أبو طالب المكّي، قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد 2: 403؛ الغزالي، إحياء علوم الدين 2: 26.
([40]) لمزيدٍ من الاطلاع انظر: العيني، شرح سنن أبي داوود 1: 550؛ المظفَّر، الإفصاح عن أحوال رواة الصحاح 2: 437.
([41]) وهذا في دروسه الصوتية المنشورة في موقعه الرسمي: بحوثٌ فقهية، زواج العقيم وتنظيم الأسرة: 3.
([43]) مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 14: 162
([44]) عبد الرزّاق الصنعاني، المصنَّف 6: 162؛ السيوطي، الجامع الكبير 15: 87.