إشكاليّات في المبادئ الفكريّة والتأثيرات العمليّة
د. الشيخ علي أكبر نوائي(*)
تمهيدٌ ــــــ
هنالك الكثير من الألفاظ والمفاهيم الثقافيّة والسياسيّة تُستخدم خلافاً لما هي عليه في انطباعاتها الحقيقيّة؛ لتتّخذ بعد ذلك مجراها إلى الثقافة العامّة، مع مغايرتها للاتّجاهات الفكريّة في المجتمع. وبما أنّ هذه المصطلحات مستوردةٌ وذاتُ معانٍ جديدة فإنّها تحظى باهتمامٍ واسع، بيد أنّها تُحدث هزّةً كبيرة في المجتمع. وليس هذا إلاّ مظهراً من مظاهر الجدب الثقافيّ.
ونتيجةً لذلك فقد شاع استخدامها دون الالتفات إلى بوادر نشوئها، وما كانت عليه حقيقتها في بادئ الأمر.
وقد شهدت بلادنا في الآونة الأخيرة آثاراً لبعض تلك المفاهيم والمصطلحات. وهذه هي مأساة الثقافة اليوم. فمن جملة هذه الألفاظ المستوردة كلمة (Tolerance)، أي التسامح والتساهل والتحمُّل، ممّا شاع في المعاجم السياسيّة والثقافيّة حديثاً.
وفي هذا المقال تحليلٌ للأهداف المرجوّة من وراء طرح هذه الفكرة، والتي عادةً ما تُطرح من قبل المفكريّن والباحثين الجُدُد. وأيضاً نتناول بالبحث الإشكاليّة، والعواقب في ذلك، ومن ثمّ استبيان العلاقة بين نظريّة التسامح والفكر الدينيّ، آملين أن لا يخلو البحث من الفائدة إنْ شاء الله.
مفهوم التسامح عند فلاسفة الغرب ــــــ
كلمة التسامح مشتقّة من (Tolerance)، أي التحمُّل والاصطبار. وللكلمتين معنىً مشتركٌ هو التساهل والمسامحة، بمعنى تحمُّل الشيء المرفوض ـ ذهناً أو خارجاً ـ وقبوله.
ويرى بعض فلاسفة السياسة في القرن التاسع عشر أنّ معنى التسامح هو منح الحرّيّة؛ أي إنّ الشخص المتساهل ديمقراطيّ ومتحرِّر فكريّاً، فيمنح الآخرين حرّيّة الفكر والعمل، وإن كانت أفكارهم وأفعالهم لا توافق أفكاره ومبادئه.
ومن هذا المنظار كان «جون ستيوارت مِل»([1]) يتطلَّع إلى التسامح، بحيث كان يستبدل الحرّيّة بالتسامح، ويقدِّمه عليها، باعتباره من أهمّ عناصر روح العصر في الانتقال من مرحلة الخنوع والعبوديّة إلى مرحلة الانفتاح والتحرُّر.
وقد اتَّخذ «جون لوك»([2]) سابقاً قيوداً ومعايير للتسامح، لكنّ «جون ستيوارت مِل» قدّم تعريفاً جديداً له، مُلغِياً جميع قيود «جون لوك». ولذلك يتعيّن القول: إنّ الغرب في الوقت الحاضر يعمل بتعريف «جون ستيورات مِل»، وحسب نظريّاته السياسيّة؛ إذ إنّها أصبحت ميزاناً لأفعال الفرد والمجتمع.
ومن أجل تقديم تعريف ليبراليّ للتسامح يفترض «ستيوارت مِل» معياراً في ذلك، فيقول: الملاك عندنا هو (أصالة المنفعة)، فمتى كانت أفكار وأعمال الفرد باعثةً على السرور والمتعة فهي إذاً صحيحةٌ. فقد فسَّر السرور والفرح كما فسَّره ـ من قبل ـ «بنثام»([3])، فقال: إنّ الفرح والابتهاج هو الرغبة في المتع الجسديّة، والهروب من التعذيب والألم الجسديّ.
إذاً الغاية من هذه النظريّة هي إشباع الرغبات الفرديّة، وهي لا تشمل سوى السرور الفرديّ. ولا يمكن لأيّ شيء تقييد الحرّيّة الفرديّة، ومنع الفرد من ممارسة هكذا أفعال. فكل ما يحدُّ من حرّيّة الفرد، ويلغي المتعة والرغبة الفرديّة، يكون ضد الحرّيّة، ويُقيَّم على أساس التعسُّف والعنف.
وبناءً على ما تقدم يمكننا تحديد معنى التسامح في نظر الغرب؛ إذ ليس هو إلاّ الأنانيّة والفرديّة (المذهب الفرديّ) والشخصانيّة بعينها. فالتسامح هو ممارسةٌ خارجيّة للحرّيات الفرديّة في أُطُر هوى النفس والشهوات، ممّا يُحقِّق الرغبة والميول الفرديّة.
إذاً تكمن جذور هذه النظريّة عند (بنثام)، و(ستيوارت مِل)، وحتّى (بيير بل)، في الحرّيّات الفرديّة، بحيث إنّ المجتمع نفسه لا يمكنه التدخُّل في أفعال الفرد.
ونستنتج من نظريّات فلاسفة السياسة الشخصانيّين في الغرب أنّه واقعاً لا يمكننا التدخُّل في نطاق أفعال الفرد، سياسيّة كانت أم أخلاقيّة، أو حتّى في المعتقدات، بل يجب تحمّل أفعال وتصرُّفات الفرد ومراعاته، وعلينا أن نطلق العنان للأفراد ليعملوا وفق ما تُعيِّنه مصالحهم الشخصيّة.
الفرق بين التسامح والتساهل ــــــ
مجمل التساهل هو الترخيص والمراعاة. وهذا هو المتداول بين المذاهب السياسيّة والثقافيّة كأسلوب في التصرُّفات الفرديّة. لكنّ استخدام التساهل في موازاة التسامح على أنّهُ مرادف له أمرٌ لا يخلو من الخطأ، وإنْ كان متداولاً في معظم الكتب؛ لأنّ التسامح ضربٌ من التخفيف والتقليل، ويتضمَّن أيضاً معنى التهاون والإهمال في الشخص المتسامح، في حين أنّ التساهل يعمل بأسلوب المراعاة والتسهيل، إلاّ أنّ الفرد المتساهِل يبقى حَذِراً وقَلِقاً لما يجري حولـه، لكنّ المصلحة العامّة اقتضت سكوته، والترخيص في ذلك. أمّا التسامح في مجال المعتقدات والأفعال الصادرة من الأفراد، ممّا يقضي على النظم الفكريّة والمبادئ العامّة للمجتمع، فيفترض علينا أن نمرّ عليه مرّ الكرام. ومن هنا يظهر اعتدال التساهل بالقياس إلى التسامح المفرط؛ حيث إنّ الأساس في التساهل هو الرأفة والعفو، وليس الإهمال والإباحيّة، كما هو الحال في التسامح. إضافة إلى أنّه من باب التساهل يمكن للآخرين التدخُّل فكريّاً مع الحفاظ على المبادئ العامّة؛ لأنّ في هذا جانباً إنسانيّاً، وهو مراعاة حقوق الآخرين. أمّا التسامح فالأساس فيه هو التخلّي عن معتقداتنا الأساسيّة، وهذا هو مرادهم من فكرة التسامح الغربيّ.
ويرى «كرسْتين موريس» في معرض تعريفه للتسامح «أنّه عبارة عن سياسة التحمُّل والصبر تجاه المرفوض وكلّ ما يفتقد الصلاحيّة في نظر المتسامِح»([4]). ويقول أيضاً: «عندما نتحدَّث عن التسامح والتحمُّل نعني تحمُّل أهل البِدَع، والمضلِّين، والمخالِفين للدين والمذهب، والملحِدين، أو المجرمين، وتحمُّل الفحشاء والمنكر، كالمقامرة، وتجارة المخدَّرات، ممّا يعتبره الناس شرّاً»([5]).
ويبقى التسامح ـ أي تحمُّل الشيء دون النظر في عواقبه وتقييم ما ينتج عنه ـ مؤامرةً تحاول النيل من مبادئنا الفكريّة.
وهناك فرقٌ بين التسامح واللامبالاة؛ فالأخيرة تستبطن بصيصاً من المخالفة، مع غضّ الطرف عمّا يجري حولها من أفكار وأعمال، أمّا في التسامح فلا توجد أيّة مخالفة، حتّى الذهنيّة منها.
«ولابدّ لنا هنا من الفصل بين التسامح والحياد (Indifference). فالإنسان الذي لا يملك الإحساس والشعور تجاه أمرٍ ما هو محايدٌ، وليس متسامِحاً، ولا يصدق عليه مفهوم الموافقة والمخالفة. فهو موضع لا تصحّ فيه المَلَكة، فلا يمكنه أن يقول: أنا محايدٌ في الأمر مع مخالفتي له. ويرى الباحثون أنّ التسامح الدينيّ هو نوع من الحياد. وهذا طبعاً ممّا يوقع ويضرّ بالدين»([6]).
النشأة التاريخيّة لنظريّة التسامح ــــــ
ثمّة علاقة بين نشوء فكرة التسامح في الفكر الغربيّ والدور الذي لعبته الكنيسة إبّان هيمنتها في القرون الوسطى. فقد مهَّد القصور والإخفاق في أفكار الكنيسة، ولجوؤها إلى استخدام القوّة آنذاك، لظهور نزعات إفراطيّة في أوروبا. فعلى الصعيد الفكريّ أخفقت الكنيسة بتقديم الصورة الصحيحة للمعالم الربّانيّة. فقد اتّسم الربّ في نظر الإنسان بالضعف والقصور والمادّيّة والنقص…إلخ. وبعبارة أخرى: كانت الكنيسة تخوض صراعها مع العقل والعلم.
«أضفت الكنيسة على الإله مسحةً بشريّة في مخيَّلة الأفراد، فكان الفرد الغربيّ ـ ومن الطفولة ـ يرى ربَّه في أُطُر بشريّة مادّيّة، حتّى تقدَّمت العلوم، فرأَوْا أنّ هذا المبدأ لا يتّفق مع الموازين العلميّة الواقعيّة لدى العقل السليم. فلم يكن بمقدور عامّة الناس قبلها التحرّي عن إمكانيّة الترابط بين المفاهيم العقليّة والغيبيّة؛ ليدركوا سُقم الأفكار الكنيسيّة. ولأنّهم أدركوا فيما بعد مغايرة المفاهيم الكنيسيّة للمعايير العلميّة جحدوا بها جملةً وتفصيلاً»([7]).
أما على صعيد العقائد فكانت الكنيسة قد جهّزت عدّتها لنشر أفكارها القطعيّة، والتضييق الفكريّ على الأفراد، الأمر الذي أدّى إلى تشويه العقيدة بالله وزعزعتها.
والأهم من ذلك كلّه قراراتها التعسفيّة، والتي كانت سبباً للهروب والتذمُّر من الدين.
«كان خطأ الكنيسة الأساسيّ الإخفاق من ناحيتين:
الأولى: تبنّي بعض الأفكار التقليديّة للسلف من الفلاسفة وعلماء الكلام المسيحيّين، واتّخاذها كأصول وركائز للدين، بحيث كان يُحكَم على مَنْ يخالفها بالإلحاد والارتداد.
الثانية: لم تكتفِ الكنيسة بإصدار أحكام الارتداد على المخالفين فحسب، بل كانت تنفيهم عن المجتمع المسيحيّ بتعسُّف وانتهازيّة. وقد طالت ملاحقاتها حتّى ما يدور في خَلَدِ المرء من أفكار؛ إذ كانت تتصنَّع الحيل والدسائس للكشف والإيقاع بكلّ مَنْ يحمل آراءً معادية لأفكارها؛ لتمارس معه أبشع أنواع العنف والإرهاب.
ولهذا لم يكن باستطاعة العلماء والباحثين الخوض في المجالات العلميّة التي كانت الكنيسة تعتبرها مغايرةً للعلوم»([8]).
وقد كانت (المحاكم الدينيّة) تحكم بالكفر والإلحاد على المجدِّدين في العلم، من الذين وقفوا في وجه العنف والحرمان، لتصدر بعد ذلك أحكام الإعدام في حقّهم. وقد شرح «ويل ديورانت» هذه القصّة المأساويّة مفصَّلاً في كتابه «قصّة الحضارة»([9]).
كلُّ ذلك كان دافعاً إلى التمرُّد، والطغيان الفكريّ في المجتمع، ممّا أدّى إلى التمرُّد الاجتماعيّ على الكنيسة نفسها.
ويرجع تأريخ طرح فكرة التسامح إلى القرنين السادس والسابع عشر، عندما أودت الفرق صاحبة النفوذ بهيمنة الكنيسة، وأمّا أولئك الذين ما يزالون في عوالمهم الروحانيّة فقد مهَّدوا الطريق للبروتستانيّة (Protestantism) في الدين المسيحيّ، أمثال: «جيمس ميلتون»، و«جون لوك»، و«ستيوارت مِل»، فإنّ هؤلاء؛ ومن أجل ترويج أفكارهم، وتفنيد ما جاء قبلهم، طرحوا فكرة التسامح، وأصرّوا على الدفاع عنها، باعتبار أنّ عنصر المعرفة لا يتحقق إلاّ في المجال الاجتماعيّ (حرّيّة المنافسة).
كان هؤلاء يقولون: إنّ المسيحيّة هي دين التسيير وفرض الأفكار والعقائد، ولا يمكن للمبدأ والعقيدة أن يفرض نفسه بالقوّة. فلا يمكن أن تكون العقيدة مطلقة، لتُعمِّم نفسها، وتنفي غيرها. وقد تضمَّنت هذه النقاشات هجمات عنيفة نَجَمَ عنها انتشار التعدُّديّة (مذهب الكثرة)، ومحاربة (مذهب الواحديّة).
«يجب علينا تقصّي بوادر فكرة التسامح الغربيّ في الحركات الإصلاحيّة، والصراع بين الكنيسة والدولة، وإنْ كان هذا المعنى أكثر انطباقاً على القرن السابع عشر، في معالم الفكر السياسيّ آنذاك، عندما انحصر مفهوم التسامح في حرّيّة اختيار المذهب من قبل الأفراد أنفسهم. وبعد ذلك توسَّع هذا المفهوم ليشمل مصاديق أكثر من ذي قبل، بمعنى تحمُّل مختلف الأفكار، دينيّة كانت أم سياسيّة. وبحكم ما للدين من أهمّيّة بالغة أخذت فكرة التسامح تشقّ طريقها إلى شتى العقائد؛ إذ لم يكن التساهل في بادئ الأمر نابعاً من إهمال وتشكيك أو انفتاح، بل كان وليداً للإيمان ذاته، وإنْ خضع بعد ذلك لنزعات المذاهب الفرديّة، كالاتّجاه الإنسانيّ، والمذهب الفرديّ، والعقلانيّة»([10]).
وكان يتخلَّل كلّ فكرة وأُطروحة جديدة ـ وإنْ كانت إيجابيّة ـ في بدء نشوئها الجدل والمخالفة، فيطرأ عليها بمرور الزمن توسّعات انحرافيّة تحرفها عن غايتها المثلى، فتجرّها إلى هاوية الإفراط والتفريط؛ ليتّخذها ذوو البدع والمضلّون ذرائع في تحقيق مآربهم. وسوف نرى ما طرأ على نظريّة التسامح، وما آلت إليه؛ إذ لا يحمل هذا المفهوم ـ اليوم ـ مصداقيّته الأولى في المجتمع الغربيّ.
مراحل تبلور (نظريّة التسامح) في الفكر الغربيّ ــــــ
لعلّ «بيير بِلْ» كان أوّل الذين دَعَوْا إلى فكرة التسامح؛ لمواجهة التحجُّر الفكريّ في المسيحيّة. وقد قدّم «بِلْ» أدلّة واضحة في كتابه «أَجْبِرْهم حتّى يؤمنوا» في معرض دفاعه عن التسامح الدينيّ. وتناول «بِلْ» عنوان الكتاب ـ وهو ما نُقل من قول المسيح ـ بالبحث والتدقيق، فقد كان يعتقد بأنّ هذه الجملة المرويّة عن المسيح تشكِّل أساس المسيحيّة في محاربة مخالفيها والتضييق عليهم. وبهذه الذهنيّة حارب «بِلْ» عقائد المسيحيّة وفنّدها.
لقد كان «بِلْ» يعتقد أنّ الإيمان الحقيقيّ بالمذهب هو «عبارة عن تصوُّر وانطباع شخصيّ عن الربّ». وبما أنّ العقل نفسه لا يملك القدرة الكافية في التيقُّن والاطمئنان إذاً لا محيص عن العمل بأصالة فقدان اليقين. ومن هنا ينشأ اللجوء إلى فكرة التسامح.
وحسب رأي «بِلْ» لا توجد مبرِّرات لتعالي الإنسان عن معرفة الحقيقة وإدراكها. وبما أنّ البشر ـ مع اختلافهم في العادات والطباع ـ يريدون الوصول إلى الحقيقة فقد يختصّ بعضهم بمعرفة بعض الحقائق، دون غيرهم. فالعقل يحتمل الصحّة والخطأ، وما أكثر الغموض والاستتار في معرفة الأحكام الحقيقيّة. نعم، كلّ فردٍ يمكنه العمل بما قد توصّل إليه، ولا يجوز لأحدٍ التضييق عليه في ما يتبنّاه من اتّجاه.
وعلى هذا «أصبح ضمير الفرد هو المصدر الوحيد في معرفة الحقائق، بعنوانه الملاك الأوّل والأخير في ذلك»([11]).
ويتضح ممّا تقدم أن نظريّات «بِلْ» مبتنية على النزعات الفرديّة، والعقل المادّيّ والدنيويّ.
رأي (جون لوك) في التسامح ــــــ
يُعدُّ «جون لوك» ـ الفيلسوف الإنجليزيّ ـ الداعية الثاني لفكرة التسامح. ففي عام (1688م) كتب رسائله في باب التسامح، لكنّها ولفقرها الفلسفيّ لم تحظَ بعناية ملحوظة.
«وإنّ من جملة أسباب التنكُّر لهذه الرسائل هو ما خضعت له من أجواء خاصّة في أواخر القرن السابع عشر، وخصوصاً في إنجلترا. فقد تأثّر «لوك» كلّ التأثُّر بمذهب «بورتن»، وبحكم علاقته باللورد «شفتسبري»، ممّا جعله في صميم الأحداث السياسيّة. وكان سبب كتابة تلك الرسائل نقد المضايقات من قبل الحكومة الإنجليزية، ومناقشة المشاكل الناجمة عن إلغاء (التسامح) في أوروبا، وإنجلترا على الخصوص.
ومن جملة سلبيّات تلك الرسائل تركيزها على التسامح الدينيّ، دون التطرّق إلى أدلّة وافية في هذا المجال»([12]).
ومع ذلك فإنّ رسائل «جون لوك» من أولى التأليفات في هذا المجال.
أمّا المسائل التي تضمّنتها فهي كما يلي:
«إنّ القمع ليس سياسةً ناجحة. وإذا تسنّى لهذه السياسة انصياع الأفراد وإخضاعهم في الظاهر، لكنْ لا يمكنها فرض عقائدها وأفكارها على الضمائر. ولا ينتج عنها سوى التظاهر، وشيوع النفاق في المجتمع. فالسياسة القمعيّة لا يمكنها أن تكون سبيلاً للهداية ونجاة الإنسان؛ لما تحمله من سلبيّات كثيرة»([13]).
وهناك نقطة مهمّة في رسائل «لوك» هي التأكيد على ازدواجيّة عمل الكنيسة والدولة تجاه المجتمع.
«إن المسألة الثانية عند «لوك»، هي قوة أدلّته الاستدلاليّة. فبينما كان السلفيّون في المسيحيّة يقولون: إنّ عمل الفرد تجاه الكنيسة يتَّحد مع عمله وواجباته تجاه الدولة، فالتساهل مع مخالفي الكنيسة يبعث الفوضى في أجهزة الدولة، كان «لوك» يقول: إنّ رسالة الكنيسة إلى العالم منفصلة تماماً عن دور الحكومات، وإنّ غاية الكنيسة هي نجاة الروح الإنسانيّة وسعادتها، ولا يمكن التبشير بهذه الرسالة إلاّ عن طريق الترغيب فيها، وهذا لا يتسنّى للأنظمة القمعيّة. أمّا الدولة فغايتها حفظ النظام وحقوق الناس، أي حفظ النفس والمال وحرّيّات الأفراد. ولهذا لا يمكن استخدام القوّة والعنف، إلاّ في موارد يتعيَّن فيها اللجوء لتفعيل القوّة كخيارٍ أخير»([14]).
إنّ نظريّة التسامح تسلب صلاحيّة تشخيص الحقائق من الدولة؛ لقصورها، وتعدُّد الحقائق، واختلاف ملاكاتها. فلا يصحّ للدولة أن تفرض آراءها وأفكارها الخاصّة على الآخرين، وتجبرهم على قبولها.
ويتحتَّم على نظريّة التسامح هنا ضمان سلامة النظام في المجتمع، وتوازن الأفكار.
وقد دافع الكاثوليكيّون أيضاً عن هذه النظريّة. ولذلك لقيت أفكار «لوك» في باب التسامح ترحيباً واسعاً من جميع الفصائل؛ لتلاؤمها مع مآربهم.
وكادت نظريّات «لوك» تأخذ طابعاً أوسع من ذلك، لكن سرعان ما ظهرت نظريّات «جون ستيوارت مِل» الأكثر موضوعيّة من سابقتها، ممّا حدا بالمجتمع إلى نبذ نظريّات «لوك» وهجرها.
كان «جون ستيوارت مِل» (1806 ـ 1873م) في البداية من مؤيِّدي «لوك»، لكنّه بعد أن أدرك سلبيّاته، وردود الفعل تجاهه في أوروبا، لم يرَ لنفسه بدّاً من التأقلم مع ما يماشي الرأي العامّ آنذاك. فسارع إلى إلغاء جميع الشروط والقيود التي وضعها «لوك» في باب التسامح، ليصنع من التسامح (حرّيّةً مطلقةً) تماماً، وفي جميع المجالات.
وقد نجح في استقطاب الرأي العامّ في المجتمع؛ إذ كان الجميع يعملون بنظريّاته.
وبما أنّ «مِل» أولى أهمّيّة كبيرة للتسامح، باعتباره من مميِّزات روح العصر، فقد بلغت الحرّيّات الفرديّة ذروتها في تلك الفترة، ممّا اجتاز بالتسامح من السياسة والثقافة إلى دائرة الأخلاق.
ويكمن سرّ نجاح نظريّات «مِل» في توظيفه لحرّيّة الأفراد المطلقة، وفي تأثُّرها بالنظريّات الليبراليّة. وهذا ما منح «مِل» توسيع رقعة التسامح لتشمل معالم الأخلاق هذه المرّة، ويبقى الملاك في كلّ ذلك الفرد وحرّيّاته.
كان «مِل» يعتقد أنّه لا يوجد مجال لإلغاء التسامح، إلاّ إذا استلزم إعمال التسامح المساس بحرّيّة الآخرين. فليس بإمكان الدين أو الدولة الحدّ من دائرة التسامح. نعم، قد تتوفّر أحياناً صلاحيّة ذلك للرأي العامّ وسيرة السلف.
وكان يرى أيضاً أنّ التسامح في الأخلاق من لوازم التسامح في السياسة. وبَرْهَنَ على ذلك بأنّ السبب في استياء المجتمع هو إلغاء الحرّيّات الفرديّة (التسامح الاجتماعيّ)، وهو ممّا يعرقل تكامل الشخصيّة الفرديّة ونموّها»([15]).
وقد نالت آراء هذا الفيلسوف ترحيباً كبيراً في الغرب آنذاك، ممّا حدا ببعضهم السير على نهجه، وخصوصاً في الجانب الأخلاقيّ منه.
وفي القرن العشرين أيضاً شكّلت آراء ذلك الفيلسوف حجر الأساس في تكوين مذهب الكثرة (التعدديّة)، ممّا حظي بتأييد أكثر المسيحيّين.
وكان من جملة المناصرين لنظريّة التسامح من المسيحيّين «إيليوت»، وذلك عندما دافع عنها بعبارة دقيقة وغريبة في نفس الوقت، فقال: «نحن المسيحيّون لا نقبل أن يعاملونا برفقٍ وتسامح». فكان لهذه العبارة تأثيرٌ بالغ في ظهور مذهب الكثرة والتعدُّديّة الدينيّة.
كان كلام «إيليوت» هذا سبباً في إثارة الاستغراب والحيرة، مع أنّه لم يكن يقصد نفي التسامح، بل كان مراده توسيع دائرة التسامح، لتشمل غير المسيحيّين أيضاً، وكان يقول: لماذا يقتصر التسامح على الأحبار فقط، بل لابدّ من المساواة وإجراء العدالة في التسامح، فهذا التسامح المحدود ليس كافياً، ولابدّ من التطلُّع إلى آفاقٍ أسمى.
ويشير «إيليوت» من خلال كلامه هذا إلى ضرورة إعمال التسامح مع المخالفين للمسيحيّة؛ وذلك لتوسيع حدودها. فهو كان يحاول الحفاظ على كيانها الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ولذا كان يقول: لابدّ من التطلُّع إلى أفاقٍ أسمى، وتسامحٍ أوسع، يشمل المخالفين أيضاً.
مضمون التسامح الغربيّ ــــــ
التحرُّرية والانفتاح ركنان أساسيّان في مفاد التسامح.
«معنى التسامح في استعمالاتنا اللغويّة هو ترك الشخص وشأنه، أو إعطاؤه الحرّيّة المطلقة في عمل أيّ شيء شاء»([16]).
ويوحي هذا المعنى في الحقيقة بأنّ التسامح يُحتِّم على الشخص المتسامح عدم التدخُّل في شؤون الفرد. ففي نظر الغرب لا يحقّ لأحدٍ الوقوف في وجه النزعات الفرديّة.
«يُشير مفهوم إعمال الحرّيّة (Permissireness) إلى مسألة اجتماعيّة مفادُها فسح المجال للأفراد ليعملوا وفق الأسلوب المرجَّح لديهم»([17]).
وبناءً على ما تقدَّم نستنتج ضرورة تأويل التسامح الغربيّ بالنزعات الليبراليّة.
ويمكننا الجزم بتأثّر هذا المفهوم بالتعاليم الليبراليّة، وإنْ طُرح في بعض الأحيان بأُطُر مختلفة. فإنّ التسامح في الحقيقة هو إطلاق العنان للفرد ليتخيَّر وفق رغباته طريقة وموقعيّة العمل. فلو اتَّفق المجتمع بأكمله على رأيٍ ما يخالف ما يحبِّذه الفرد سوف لن يحقّ حينها للمجتمع فرض مفاهيمه العامّة على ذلك الفرد.
ولذلك نحن نقول: إنّ التسامح الغربيّ ذو اتّجاه فرديّ أوّلاً؛ وثانياً: يحمل تعاليم ليبراليّة وتحرُّريّة مطلقة.
وممّا يجدر الإشارة إليه هنا أنّهم يعتبرون التسامح من المعالم الفكريّة. فالشخص الذي يدافع عن المبادئ الليبراليّة والفرديّة يكون أكثر نضوجاً في الفكر والمعرفة؛ لتأييده مبدأ التحرُّر الفرديّ. لذلك يُعتبر «جون ستيوارت مِل» أكثر منهجيّة من «لوك»؛ لأنّ الأوّل ألغى ما وضعه «لوك» من قيود وشروط في التضييق على دائرة التسامح.
أقسام التسامح ــــــ
وفقاً لما جاء في رسائل «جون لوك» المسيحيّ في باب التسامح يمكن حصر التسامح في قسمين: 1ـ التسامح الإيجابيّ؛ 2ـ التسامح السلبيّ.
فقد قدَّم المنظِّرون الأوائل فكرة سليمة عن التسامح، حين كتب «جون لوك» في رسائله: «إذا أرادوا الاقتداء بزعيمنا المنجي (عيسى المسيح) فعليهم أن يتمنَّوْا ـ وبصدق ـ سعادة ونجاة الروح الإنسانيّة، وأن يسيروا على نهجه بإخلاص، ويتأسَّوْا بالمُثُل العليا لرسول السلام (عيسى)، الذي بعث بجنوده لهداية الشعوب وتوحيدهم تحت راية الكنيسة. ولم يتحقَّق ذلك بالسيف، بل كان جنوده مسلَّحين بأناجيل الصلح والسلام، وذوي ورع وتقوى في أقوالهم وأعمالهم. هكذا كانت سيرة المسيح عيسى. ولو كان يطمع في إيمان الكفّار، وأولئك الذين لجّوا في طغيانهم، عن طريق استخدام القوّة والعنف لردعهم لكان من السهل عليه إرسال جيوشه الإلهيّة للفتك بهم وإخضاعهم لمطالبه»([18]).
وممّا لا شكّ فيه أنّ مراد «جون لوك» هنا هو شجب كلّ الضغوطات التي تمارسها الكنيسة وأربابها. ومن الواضح أيضاً أنّ «جون لوك» ـ وبصفته أحد المسيحيّين ـ كان يحاول الإصلاح في أجواء الكنيسة التعسفيّة، والدعوة للرويّة والتسامح الإيجابيّ، وإنْ حاول البعض بعد ذلك استغلال بعض الجوانب في رسائل «جون لوك» بما تستهويه أنفسهم.
أمّا عندما تطرَّق الفلاسفة المتأخِّرون والليبراليّون لموضوع التسامح فقد توسَّع مفهومه، ليدخل المجال السياسيّ والأخلاقيّ، وإعمال الأصالة الفرديّة. وإذا أردنا مقارنة أفكار أرباب التسامح الغربيّ اليوم بنظريّات بعض القدماء، كـ «جون ستيوارت مِل»، لأدركنا مدى انحراف هذه النظريّة عمّا رَسَمَ لها القدماء، وإجحاف المتأخِّرين بحقها، مما أدّى إلى نبذ النظريّات الأولى، وإقبال المُحدَثين على الجانب السلبيّ في التسامح.
الأسس الفكريّة للتسامح الشائع في الغرب ــــــ
ثمّة أصولٌ ومذاهب فكريّةٌ خاصّة بالتسامح الجديد في البلدان الغربيّة. وللأسف الشديد فإنّ في بعض الدول الشرقيّة مَنْ انخدعوا بتلك الأفكار، فمارسوا ضغوطاتهم على المبادئ والأصول العامّة في بلدانهم. أمّا مباني نظريّة التسامح فهي ـ إجمالاً ـ كما يلي:
1ـ الليبراليّة ــــــ
إنّ نظام الليبراليّة لا يختصّ بالمبادئ والقيم الخاصّة. فأساسها مبتنٍ على نظريّة ماهيّة الإنسان والمجتمع. فهي فكرة وجوديّة كونيّة ومعرفيّة.
«الليبراليّة هي نظرةٌ شاملة للحياة والوجود والإنسان، ومفادها التحرُّر في جميع جوانب الحياة، أي التخلُّص من جميع تلك القيود المحيطة بالفرد. والليبراليّ هو الشخص الذي تحرَّر من تلك القيود»([19]).
وهناك تأثيراتٌ واضحة تركتها النزعات الليبراليّة على جميع الاتّجاهات الغربيّة المعاصرة.
«وهنا تكمن نقاط القوّة والضعف في الليبراليّة المعاصرة. فجميع الفرضيّات المتداولة في الغرب اليوم في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة ذات طابع ليبراليّ، قبل أن تكون مسيحيّة أو إقطاعيّة أو اشتراكيّة أو فوضويّة.
والسمة البارزة لتلك الفرضيّات أنْ ليس لها نزعة سياسيّة. ولا تختصر تلك الفرضيّات على الجانب السياسيّ فقط، كما هو الحال في سائر المذاهب السياسيّة، بل تكتسب نزعات وجوديّة معرفيّة في ما يخصّ ماهيّة العالم والإنسان، والتي تشكّل حجر الأساس في بنائها التكوينيّ. فقد باتت الليبراليّة من أهمّ مواضيع الرؤية الكونيّة عند الناس، فحظيت باهتمام أكثر من التحفُّظ والالتزام أو الاشتراكيّة الثوريّة»([20]). لذلك نرى أنّ الليبراليّة أصبحت ملاكاً لأغلب الذهنيّات والأفكار في النشاط الغربيّ.
«الليبراليّة هي الأيديولوجيّة المسيطرة على الغرب سيطرةً ذكيّة، وأحياناً أكثر فاعليّة ممّا يُطرح بشكل قسريّ، كما هو الحال بالنسبة إلى الماركسيّة في معظم الدول الشيوعيّة. وليست الليبراليّة في مفهومها المعاصر مجموعة الأفكار والنظريّات التي اختارها الناس بوعيهم، بل هي أسلوبٌ خاصٌّ في الرؤية الاجتماعيّة. ومجموعة من فرضيّاتها تستدرج أفراد المجتمع دون تحسُّسهم لها»([21]).
ومن هذه الحصيلة نستنتج أنّ الفرد يخضع لنظامٍ رصين ومدروس، يُعيِّن مصيره دون أن يعي هذا الدور الخطير. ومن خلال هذه الأجواء والتيّارات يُسخِّرون الفرد بتلك الفرضيّات الاجتماعيّة؛ ليجد نفسه خاضعاً ومسلِّماً لها، وعاملاً بها.
«تحوَّلت الليبراليّة بعد الحروب الصليبيّة إلى أيديولوجيا خاصّة من المباني الأخلاقيّة أكثر شموليّة. ومع تكهُّناتها وغموض نواياها فقد كان لها دورٌ فعّال ومؤثِّر في توجيه الفكر البشريّ، وخصوصاً في مسائل مهمّة، كالنظريّات الحسّاسة التي بات من الصعب دراستها والمناقشة فيها»([22]).
وعليه يمكن ملاحظة نفوذ الليبراليّة في شتّى المجالات، وعلى مختلف الأصعدة، فهي كانت أطروحة لحرّيّة الإرادة واختيار العمل، ممّا يدور في المجتمع، أي ليس بإمكان أحد فرض آرائه على الآخر.
2ـ الفرديّة ــــــ
يبقى الفرد وما يتعلَّق به محوراً لنظريّة التسامح، بحيث يمكن القول: إنّ الفرديّة هي نواة التسامح الميتافيزيقيّة والوجوديّة المعرفيّة. ومن هنا تتَّضح مسألة التحمُّل الفرديّ. وعليها يكون الفرد مرجَّحاً على المجتمع، وأكثر مصداقيّةً من الأنظمة والأسس الاجتماعيّة. ففي رأي بعضهم، كـ «جون لوك» أو «جون ستيوارت مِل» ـ الأكثر تحمُّساً للموضوع ـ، الفردُ سابقٌ على المجتمع بالمرتبة الزمنيّة، وعليه «فإنّ حقوقَه ومطالبه تحظى بالأولويّة من الناحية الأخلاقيّة على المجتمع، وإنّ الوجوديّة المعرفيّة في الفرديّة تضمن المبنى الفلسفيّ للفرديّة الأخلاقيّة والسياسيّة»([23]).
3ـ التعدُّديّة ــــــ
يبتني أصل التعدُّديّة على نفي أفضليّة أيّ رأي من الآراء. وعلى ذلك لا يمكن لأحدٍ ادّعاء توصُّله إلى الحقيقة، دون غيره؛ لأنّها متشعِّبةٌ، ويمكن أنْ تصدق على العديد من العقائد والآراء. فلا يوجد هناك دافع إلى التزمُّت والتعصُّب إطلاقاً، ولا ترجيح عقليّ أو استدلاليّ لعقيدةٍ على أخرى، إلاّ بملاك المنفعة التجريبيّة، وهو ضعيفٌ ونادر. والأَوْلى إنهاء الخلافات الاجتماعيّة عن طريق التسامح، فيتحمَّل الجميع بعضهم بعضاً؛ ليكتسب المجتمع المدنيّ صورة منسجمة في الظاهر.
في الحقيقة إنّ مفهوم التسامح هذا يتضمَّن قانون الغاب، القائل بالصراع من أجل البقاء، من تأويل هذه التعدُّديّة والكثرة إلى نزاعٍ دائم بين مختلف الفصائل؛ في سبيل القضاء على بعضها البعض؛ طمعاً بتوسيع رقعة النفوذ. ويحمل هذا التسامح أيضاً بين طيّاته ديكتاتوريّة جديدة؛ لأنّ هناك مَنْ يريد البقاء وحيداً في سدّة الحكم، من خلال شحن الأجواء لصالحه؛ بُغية القضاء على غيره وتنحيته. وبهذه الصورة تظهر أسس بلورة التسامح في أُطُر التعدُّديّة، فيتعذّر إعمال الواحديّة بتعيين حقيقة واحدة؛ لأنّ ذلك يصطدم مع بقيّة الآراء والعقائد. ومن هنا توجّب الدفاع عن نظريّة التسامح والدعوة إليها؛ لاحتمال وجود الحقيقة في عقائد الآخرين([24]).
وليست الدعاية لنظريّة التسامح من قِبَل القوى الاستبداديّة إلاّ من أجل استغلال غفلة عامّة الناس، وتأجيج الفتن؛ للإيقاع بمفكريّن قد اتخذوا أيديولوجيّات مخالفة للتفكير السلفيّ عند المتعصِّبين. ولطالما ذهبت الحقيقة ضحيّةً للاستبداد الليبراليّ ومصادرة الحرّيّات.
ووفقاً لهذه الفكرة الليبراليّة (التسامح) لن تبقى استراتيجيّة للمقدَّسات في أيّ مكان، ولا استدامة للأفكار إلاّ بتزييفها، وتضليل الناس وخداعهم، وأن تفرض (الليبراليّة) مطالبها بالسيف والاستبداد؛ بُغية إقصاء المعالم الدينيّة وهجرها.
فالتسامح الليبراليّ المعاصر يقول: قدّموا أولويّاتنا على أولويّاتكم، وإلاّ ستدرجون في قائمة العنف والإرهاب، كحركة طالبان في أفغانستان.
مجالات التسامح ــــــ
يمكن تقسيم التسامح مرّة أخرى، باعتبار نوعيّته، إلى:
1ـ التسامح العقائديّ ــــــ
لعلّ الغرض الأساسيّ من طرح فكرة التسامح كان عقائديّاً في بادئ الأمر. وكما يقول «جون لوك»: لا توجد أيّة علاقة بين الإنسان والكنيسة أو أيّ مذهب آخر بحسب الفطرة، بل إنّ كلّ فرد يحاول الانتماء إلى مجتمعه؛ لاعتقاده بمقبوليّة الأعمال العباديّة عند الله في ذلك المجتمع. فأمله بتحقيق السعادة والنجاة هو السبب الوحيد في انتمائه إلى المجتمع الدينيّ. وإذا كانت هناك حرّيّة في الانتماء والبقاء فما المانع من إعمال تلك الحرّيّة؛ للتخلّي عن ذلك المجتمع، فيما لو عُثر على أخطاء وإخفاقات فيه؟!»([25]).
وبهذه الطريقة كانوا يقدِّمون دعماً دعائيّاً لنظريّة التسامح، من أنّ الفرد والتكتُّلات الاجتماعيّة لهم مطلق الحرّيّة لبثّ أفكارهم في المجتمع.
2ـ التسامح السياسيّ ــــــ
هو نمطٌ من أنماط تعدُّد الاتّجاهات والمذاهب السياسيّة، بمعنى مشاركة الأحزاب والمذاهب الفكريّة المختلفة في إطار الحركات السياسيّة في الدولة، و«السماح للعقائد والنظريّات المخالفة بالمشاركة في النشاط السياسيّ»([26]).
والتسامح السياسيّ ـ كسابقه ـ يدخل تحت عنوان التسامح الإيجابيّ. ولعله يكون ضروريّاً من ناحية أخرى، وهي أنّ المجتمع الذي يفسح المجال للعقائد والنظريّات المخالفة، سياسيّة كانت أو غير سياسيّة، يكون من المجتمعات النامية وذات الوعي؛ لأنّ اختلاف الأفكار والآراء يصبح سبباً في تبادل الآراء وتنميتها.
أمّا المذاهب والذهنيّات التي تعيش أجواءً مليئة بالعنف والتضييق فلن تجد سبيلها إلى التقدّم والتنمية، كما كان الوضع سائداً في عهد الاضطهاد الملكيّ في إيران سابقاً، من تعتيم ومحاربة الحوار السياسيّ؛ إذ كان النشاط السياسيّ يشكّل هاجساً مخيفاً لدى السلطة آنذاك.
«إنّ سبب مخاوف السلطة الاستبداديّة من فسح المجال أمام حرّيّة الآراء هو أنّ ذلك سوف يمنح الأفراد كياناً اجتماعيّاً مترابطاً، في حين أنّ الاستبداد يطمح إلى تمزيق معالم الشخصيّة الاجتماعيّة، وإبعادها عن مجدها التاريخيّ، لتصبح كَمَنْ فَقَدَ ذاكرته في حادث سيارة، لا يتذكَّر أحداً، ولا يعرف مكاناً، وليس بإمكانه ممارسة أيّ نشاط. فالاستبداد عادةً يفضّل المتجاهل لمجتمعه وتأريخه»([27]).
ونحن لا نشكِّك في صحّة التسامح والمراعاة السياسيّة، إذا ما انخرطت تحت عنوان التسامح الإيجابيّ، ونرفض كلّ تسامح يكون أداةً قمعيّة للاضطهاد السياسيّ.
3ـ التسامح الأخلاقيّ ــــــ
في بداية الأمر كان التسامح عقائديّاً وسياسيّاً فقط، لكنه توسَّع بعد ذلك ليشمل التسامح الأخلاقيّ أيضاً. ومضمون التسامح في الأخلاق هو تلك النزعة الفرديّة التحرُّريّة، خلافاً لبعض المذاهب الفكريّة، التي تعتقد باختصاص القيم الأخلاقيّة بكيان الفرد الوجوديّ، وأنّ هذه المسألة تعود إلى طبيعة الفرد والمجتمع، وانصياع الفرد لما يقرّره بقيّة المجتمع.
أمّا قيم الأخلاق المطروحة في التسامح فهي ما ترفضه جميع المذاهب والقوانين الدنيويّة والدينيّة. فحتّى المذاهب الدنيويّة تحافظ على قيم الأخلاق العامّة في المجتمع، في حين أنّ فكرة هذا التسامح تقول: «إنّ الفرد نفسه يضع ما يشاء من نظم وقوانين في الأخلاق؛ ليؤسِّس نظاماً أخلاقيّاً جديداً وخاصّاً به»([28]).
فحينئذٍ لا تُبقي هذه الفكرة أيّة ضرورة للالتزام بواقعيّة القيم الذاتيّة، ليسير كلّ فرد خلف ما يحدّده له هواه، وميوله النفسيّة.
«هناك انطباعاتٌ لدى الفرد عن الوقائع التاريخيّة المعاصرة له، تمكِّنه من الحكم عليها، واتّخاذ القرار بشأنها، حسب تشخيصه الفرديّ للمسائل. فباستطاعته وضع تعاليمه الخاصّة به، ولا يمكن للحقائق والأولويّات التدخُّل في ذلك»([29]).
وعلى هذا الأساس لا توجد صلاحيّة للدولة أو المجتمع لردعه عن تصرُّفه الشخصيّ.
4ـ التسامح الثقافيّ ــــــ
يوجد لهذا النوع من التسامح أنصار ومتعصِّبون كثر في الغرب. والمراد منه هو الدفاع عن الحرّيّات الثقافيّة، ورفع المضايقات والقيود في مجالات التأليف والصحافة والخطابات، بغضّ النظر عمّا تحمله من أفكار واتّجاهات. ولعلّ الجانب الإيجابيّ في هذا النوع هو ما كان في إطار القانون، بأنّ لكلّ شخص حرّيّة إبداء رأيه وإظهار عقائده. فلا يُعاب على هذا الجانب إطلاقاً؛ لأنّه من ضرورات وعوامل التقدُّم والتنمية الاجتماعيّة.
أمّا الوجه الثاني للعُملة فهو سلبيّة ما يُنشَر من عقائد وأفكار غايتها هدم صروح الثقافة الدينيّة الأصيلة، والمساس بمعالمها وقيمها السامية. ومن المؤسِف أن يكون هذا النمط من التسامح هو السائد اليوم في أوروبا، وهذا هو مرادهم من الحرّيّة الثقافيّة؛ إذ ليست هي إلاّ الابتذال والإباحيّة، قبل أن تكون حرّيّةً حقيقيّة.
هل التسامح مطلقٌ؟ ــــــ
هل صحيح أنّ هناك تسامحاً مطلقاً في الغرب؟ وهل توجد ـ فعلاً ـ أجواء منفتحة لممارسة مطلق النشاطات، بمستوى ما حظي به التسامح من ثناءٍ ودعمٍ دِعائيّ؟ بل هل يوجد في الغرب تسامحٌ حقيقيّ في مجالات العقيدة، والسياسة، أو الثقافة؟
بالتأكيد لا يوجد تسامحٌ مطلقٌ في أيّ مكان من العالم. فقد أحاطت بهذا المفهوم شروط وقيود في تحديد مساحته في شتّى المجالات؛ وذلك لخطورة الإباحيّة المطلقة، وما ينتج عنها من عواقب، فإنّ من أهمّ المواضيع المطروحة في التسامح كيفيّة السيطرة عليه بحدودٍ معقولة.
لهذه المسألة مفهومٌ مغايِرٌ في الفكر الليبراليّ لما هو عليه في الفكر الدينيّ. وعلى كلا الحالين إذا أردنا الإجابة عن سؤالنا الأوّل نلاحظ نقطة اشتراك في الاتّجاهين في نفي الإطلاق في التسامح؛ وذلك لأنّه سوف يكون عاملاً في القضاء على السنن الإلهيّة، وسبباً في زعزعة النظم الاجتماعيّة، بل إنّ سلبيّة ذلك قد تشمل حقوق الفرد نفسه. ومع أنّ الليبراليّة تتضمَّن أفكاراً دعائيّة في هذا المجال إلاّ أنّه لا يُشاهَد أيّ (تسامحٍ مطلقٍ) في المجتمع الليبراليّ.
وهناك مسألة أخرى في الموضوع، وهي هل أنّ الدول التي تُعتَبَر مهداً لنظريّة التسامح تعمل بالتسامح واقعاً، ولا تحتوي مفاهيمهم على استثناءات في ذلك؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فلماذا إذاً يمارسون العنف والتعذيب مع مواطنيهم الذين يريدون طرح أفكارهم الإسلاميّة في الغرب أو انتقاد النظام الغربيّ بموضوعيّة؟ فهل تسمح السلطة الحاكمة في أمريكا للمسلمين هناك بنشر عقائدهم، أو ممارسة نشاطاتهم الخاصّة؟!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يُصِرّون على سياسة التمييز العنصريّ، والتفضيل الطبقيّ، بأبشع أساليب العنف والإرهاب؟ فلا تزال فكرة تمييز الأبيض عن غيره في العالم منتشرةً إلى يومنا هذا. فلو كان هناك تسامحٌ حقيقيّ لما مُنعت مجموعة من الطالبات المسلمات في فرنسا من دخول الجامعات بحجابهنّ الإسلاميّ. وهل تحتوي موازين التقييم في الغرب، المبتنية على أسس التمييز العنصريّ، على معالم التسامح الحقيقيّ، أو أنّها أجواءٌ مفعمةٌ بالعنف والاضطهاد؟!
في الحقيقة لا توجد دولةٌ أو نظامٌ يقول بالتسامح المطلق. ومن المؤسِف أن يكون مراد أولئك الذين ينعقون بتلك الأفكار الغربيّة ـ بسبب تقليدهم الأعمى ـ من التسامح هو الإباحيّة المطلقة؛ للقضاء على القيم والمقدَّسات الإسلاميّة؛ بذريعة (التسامح الغربيّ). في حين «أنّ أوسع النصوص الليبراليّة عندما تتطرَّق إلى الديمقراطيّة والتحرُّريّة أو التعدُّديّة فإنّها تضع حدوداً وموازين كثيرة لذلك، من قبيل: تعيين الأسلوب والقوانين الأمنيّة في المجتمع، بل كثيراً ما ضيّقت على الحرّيّات العامّة؛ بذريعة تلك الحدود والشروط الموضوعة»([30]).
الآثار السلبيّة للتسامح الليبراليّ ــــــ
للتسامح الليبراليّ نتائج مضطربة وسلبيّة كثيرة. ولأهمّيّة هذا الموضوع نشير إلى جملةٍ منها:
1 ـ تحكّم العُرْف بالشرائع السماويّة ــــــ
الشرائع السماويّة هي تعاليم الوحي الإلهيّ، التي عنيت بجميع شؤون الحياة البشريّة؛ من أجل رفعة وكرامة الإنسان. والإسلام من أبرز مصاديق تلك الشرائع.
ومن عواقب إعمال التسامح الليبراليّ تبعيّة الأحكام الإلهيّة لمسائل العُرْف والعادات الفرديّة القاصرة، ممّا يؤدي إلى قياس الأديان الإلهيّة ومطابقتها مع المفاهيم العرفيّة في المجتمع. فإنّ التسامح الليبراليّ يفرض استشارة وتحكيم جميع الأفراد في إدراك الحقائق، دون الاكتفاء برأيٍ واحد في التعبُّد بالأحكام الإلهيّة. وهذه هي قصّة إضفاء الوصف الدنيويّ على الشرائع الإلهيّة.
يعتقد «پاسكال»(1662م) ـ وهو لا يزال المسيحيّ المتحمِّس لدينه ـ «بضرورة إعمال التسامح، واستقراء كافّة الآراء والأفكار، دون التأكُّد من صحّتها». وقد قيل في «بيكوديلا»(1493م) من قبل ـ إبّان النهضة الإصلاحيّة ـ: «إنّه ـ وبصفته فيلسوفاً ـ يهدف إلى التطبيع بين كافّة الأنظمة والأفكار، عن طريق إثبات أنّ تعدُّد الأُطُر في الحقيقة لا ينافي وحدتها.
وكان يحاول نشر المعاهدات المبرَمة بين اليهوديّة والمسيحيّة، وبين فلسفة أرسطو وأفلاطون، وبين الفلسفة الدينيّة والإلهيّات، وأنّ وحدانية «الله» هي الحقيقة الوحيدة التي توحِّد العالم، وهي مبدأ الجمال والوئام»([31]).
وكان بعضهم ـ أمثال: ديمورغن (Demorgan)، وتولستوي (Tolstoy) ـ يعتقد أنّه لابدّ أن يشمل التسامح تحكيم العرف، والتدقيق في مختلف الأفكار، وأنّ جميع الأديان بُعثت من أجل هداية الإنسان إلى «الله». إذاً لابدّ من تجنُّب الالتزام بتقاليد بعض الشرائع، والتي ليست سوى انطباعات شخصيّة فحسب، ولابدّ لنا من الاعتقاد والعمل بمبدأ موحَّد.
«دول» (Dole) أيضاً كان يرى أنّ الفلسفة ودين الإنسان لابدّ له أن يكون عالميّاً وإنسانيّاً، دون اختصاصه بفرقةٍ ما»([32]).
2ـ الإباحيّة المطلقة ــــــ
هناك سلبيّة أخرى في التسامح الغربيّ، وهي الانفصال المطلق عن جميع الالتزامات، والإباحيّة الشاملة. فإنّ أولئك الذين لا يملكون أيّة خلفيّة دينيّة، من الذين طغت عليهم رغباتهم النفسيّة، لا يبتغون من التسامح سوى العفو وتحمُّل إصرارهم على الخطأ، وخصوصاً في الجانب الأخلاقيّ والثقافيّ في ما يخصّ العلاقة بين الرجل والمرأة. ومن الواضح أنّ هذا التسيُّب لن يكون أسلوباً سليماً في المجتمع، ولا سيّما في المجتمع الدينيّ، حيث توجد هناك حدود وشروط لحرّيّة الإنسان لا يمكن تجاوزها؛ للحفاظ على التوازن في المجتمع.
يقول الإمام الخميني في هذا الخصوص: «يجب علينا الالتفات إلى أنّ الإسلام والعقل يرفضان تلك الحريات بنمطها الغربيّ، الذي يبعث على ضياع واضمحلال الشباب. وإنّ دعم الكتابات والأحاديث المنافية للعفّة الاجتماعيّة ومصالح البلد محرَّم في نظر الإسلام. ويجب على المسلمين جميعاً الوقوف في وجه هذه التحدّيات والمؤامرات؛ فإنّ هذه مسؤوليّة تقع على عاتق الجميع، وإلاّ سوف تعود سلبيّاتها علينا نحن، ممّا يحلّ بالبلد الإسلاميّ والإساءة للإسلام. فإذا شاهد الناس والشباب الملتزم ظاهرةً من هذا القبيل في المجتمع وجب عليهم إعلام الأجهزة الأمنيّة. وإذا أخفقت الدولة في ذلك تحتَّم على الناس أنفسهم الوقوف في وجهها»([33]).
3ـ شيوع الرذيلة ــــــ
سيحاول كلُّ مَنْ يعتقد بالتسامح الليبراليّ الغربيّ إظهار الرذائل ونشرها في المجتمع، باعتبار أنّه متحرِّر يعمل بفكرته الخاصّة.
ويروي لنا التاريخ الإسلاميّ أنّ مجموعة من الكفّار حضروا عند الرسول| لإعلان إسلامهم بشروط ثلاثة: الأوّل: أن يُسمح لهم بعبادة الأصنام لسنة أخرى؛ والثاني: رفع وجوب إقامة الصلاة؛ لثقلها؛ والثالث: أن لا يُكرَهوا على هدم أصنامهم بعد إسلامهم؛ لما بذلوه من عناءٍ ومال في صناعتها، فقال لهم الرسول الأكرم|: «ألا لا خير في دينٍ ليس فيه ركوعٌ ولا سجود». ولو كان الرسول| يريد الالتزام بالتسامح السلبيّ لسمح للنساء بالطواف حول الكعبة دون حجاب، ولسمح بانتشار المنكرات والرذائل. لم يكن منهجه هكذا إطلاقاً، بل دعا الناس إلى العمل بالأصول والتعاليم الدينيّة، بعد أن بيّنها لهم.
الهوامش
_____________________
(*) أستاذٌ جامعيّ، وباحثٌ في الفلسفة والعلوم السياسيّة.
([1]) جون ستيوارت مِل (John Stuart Mill) (1806 ـ 1873م): عالمُ اقتصادٍ وفيلسوفٌ بريطانيّ. ابن جيمس مِل، أحد أبرز ممثلِّي مذهب المنفعة (Utilitarianism).
([2]) جون لوك (John Locke) (1632 ـ 1704م): فيلسوفٌ إنجليزيّ. اشتهر بدعوته إلى التسامح الدينيّ، وعارض نظريّة الحق الإلهيّ. يُعتبر مؤسِّس (المدرسة الحسيّة) التجربيّة (empiricism).
([3]) جيريمي بنثام (Jeremy Bentham) (1748 ـ 1831م): متشرّعٌ وفيلسوفٌ وعالمُ اقتصادٍ إنجليزيّ. له محاولات في حلّ المشكلات الاجتماعيّة بطريقة علميّة. وتُعرف فلسفته بـ «البنثاميّة» (Benthamism).
([4]) مقال لكرستين موريس، ترجمة: محمد سعيد فياني كاشاني، مجلة (نامه فرهنگ)، العدد 28: 62.
([7]) الشهيد مطهري، الأعمال الكاملة (أسباب النـزعات المادّيّة) 1: 480.
([9]) المصدر السابق: 488، نقلاً عن: ويل ديورانت، قصّة الحضارة 17: 360.
([10]) نشرة الفكر، الأعداد 5 ـ 7: 8.
([12]) الدكتور علي رضا بهشتي، رسالة الثقافة، العدد 28: 186.
([13]) نشرة الفكر، الأعداد 5 ـ 7: 12.
([14]) التسامح والشدّة، مقالٌ لضياء موحِّد، صحيفة (كيان): 60.
([15]) نشرة الفكر، الأعداد 5 ـ 7: 14.
([16]) صحيفة (همشهري)، العدد 1726: 6، عام 1377.
([18]) رسائل (جون لوك) في باب التسامح: 55، الطبعة الأولى.
([19]) أنطوني آير، بلاستر، الليبرالية الغربيّة، ظهورها وسقوطها: 1 ـ 50.
([24]) صحيفة (همشهري)، العدد 1726 و1727، هيفز، ترجمة: فردين عليخواه.
([25]) رسائل في باب التسامح: 62.
([26]) سيد أحمد ميري، التسامح، نعم أو لا؟: 266، مؤسسة الفكر المعاصر الثقافيّة.
([27]) سعيد برزين، المعلومات السياسيّة والاقتصاديّة، العددان 57 ـ 58: 45.
([28]) الليبراليّة الغربيّة، ظهورها وسقوطها: 22.
([30]) حسن رحيم پور أزغدي، التسامح، نعم أو لا؟: 281.