بوّابة التشريع لقوانين الدولة
د. الشيخ ذبيح الله نعيميان(*)
تمهيد ــــــ
كانت نظرية منطقة الفراغ قد طُرحت من قبل السيد الشهيد محمد باقر الصدر(1350 ـ 1400هـ) في كتابه الشهير «اقتصادنا»، فحظيت بعناية وتطوير من قبل تلامذته في أقلّ تقدير. إلاّ أن هذا الإصلاح كان أوسع من النظرية ذاتها أيضاً، فحظي باهتمام العديد من الباحثين، واكتسب مجالات أوسع على الصعيد التطبيقي. وكان المفهوم المقدم في كتاب اقتصادنا مرتبطاً بصلاحيات وليّ الأمر والدولة الإسلامية.
وسنسلط الضوء هنا على سؤال رئيس، وهو: ما طبيعة العلاقة بين نظرية منطقة الفراغ وأحكام الدولة؟ ومن أجل تحليل هذا الموضوع سنبدأ البحث بدارسة علاقة أحكام الدولة ومقولة التشريع في الإسلام، مع التركيز على مقولة الأحكام الثابتة والمتغيِّرة، قبل الإمعان في تفاصيل كلام الشهيد الصدر حول الموضوع، بالإضافة إلى تقديم تقرير عن رأي أحد تلامذته المبرَّزين في الموضوع ذاته. ثم نصل إلى مرحلة النقد في بعض زوايا هذه النظرية.
1ـ العلاقة بين أحكام الدولة والتشريع ــــــ
أحكام الدولة هي الأحكام الصادرة عن الحاكم بإمضاء الشارع المقدّس، وعليه فإن من الضرورة بمكان التطرّق إلى مسألة ما إذا كانت أحكام الدولة ذات سمة تشريعية، أم أن وضع أحكام وقوانين الدولة ليس من التشريع في شيء؟ فإنْ كانت لا تحتوي على السمة التشريعية هل من الممكن اعتبارها ضمن نمط الحكم الموضوع؟ وفي هذه الحالة أليس وضع الحكم نوعاً من أنواع التشريع؟ وهل التشريع نفسه مقولة وضعية؟
يمكن تقسيم آراء الفقهاء في هذه المجال إلى اتجاهين:
الأول: وهو الذي لا يرى في إطلاق مفهوم التشريع اشتماله على صلاحيات الحاكم الإسلامي ووضع القوانين في الدولة.
فعلى سبيل المثال، ووفقاً لرأي الشيخ المؤمن ينبغي أن نقول في جواز التشريع: «لدينا روايات معتبرة في إثبات صلاحية الرسول| والإمام× في مجال تشريع القوانين؛ لكنّ هذا الحقّ لا يشمل الوليّ الفقيه»([1]).
وهذا يعني أنه لا يمكن اعتبار أحكام الدولة المتعلقة بالولي الفقيه ونظامه السياسي من المواضيع التشريعية. والأمر لا يقف عند هذا الحدّ وحَسْب؛ بل الأهم ضرورة النظر إلى ماهية حكم السلطة ـ في غير زمن الرسول والإمام ـ بالشكل الذي لا يؤدّي إلى مسار التشريع.
ومن جهةٍ أخرى تعدّ نظرية ولاية الفقيه المطلقة أحد الأسس التي ينطلق منها البعض، ومنهم الشيخ المؤمن في توسيع مديات صلاحية الحاكم الإسلامي. وهو ـ نوعاً ما ـ تعميم لإصدار الأحكام إلى دائرة وضع القوانين، الأمر الذي يدعونا إلى التفريق بينه وبين مبحث التشريع المذكور. وكان الشيخ المؤمن ـ الذي خصَّص فصلاً مستقلاًّ لمبحث صلاحيات ولي الأمر في وضع قوانين الدولة، ووجوب الامتثال لها ـ قد أتى على ذكر إمكانية وضع القوانين الملزمة من قبل ولي الأمر، منوهاً في الوقت نفسه إلى أن لا وجود لها في مجال الأحكام الشرعية إطلاقاً، ومعلّلاً ذلك بما يلي:
1ـ بناء على جملة من الآيات والروايات المتواترة فإنّ وليّ الأمر منصَّب من قبل الباري عزَّ وجلَّ في ولايته على الناس.
2ـ قد يؤدي تطبيق هذه الولاية إلى وضع هذا النوع من القوانين والالتزامات في بعض المواضيع، الأمر الذي لم تتطرق إليه الأدلة الشرعية، لا نفياً ولا إثباتاً.
3ـ يعدّ وضع هذه القوانين من متطلبات تطبيق الولاية ولوازمها التي لا تنفك عنها، وإنْ كان الأصل اللغوي لمفردة الولاية ومفهومها لا يفيد ذلك.
ويستنتج من هذه المقدمات بأنه عندما يكون وضع هذه القوانين من متطلبات ولوازم الولاية فإن جواز وضعها سيكون لصيقاً بشرعية مبدأ الولاية، ولا ينفك عنها أبداً([2]). والملفت هنا أن الشيخ المؤمن أشار في هذا السياق إلى إمكانية أن لا يقتصر هذا الموضوع عنده على مستوى صلاحيات وليّ الأمر؛ وإنما هو نمط وسطي بين نمط الصلاحيات ونمط الواجبات أيضاً([3]).
الثاني: وهو الاتجاه الذي يؤيِّد إطلاق التشريع على تلك الصلاحيات. وهو الاتجاه المتبلور في النظرية المعروفة بمنطقة الفراغ؛ حيث إن لها علاقة وثيقة بأحكام الدولة وصلاحيات الحاكم الإسلامي، ثم إن صلتها بمقولة التشريع تضاعف من أهمّية طرقها في البحث الحالي، ولا سيَّما مع وجود أكثر من بيان في تفسير هذه النظرية، بعضها قابل للمناقشة على صعيد أحكام الدولة.
2ـ تقريران للشهيد الصدر في نظرية منطقة الفراغ ــــــ
يستعين الشهيد الصدر في مجال صلاحية الحاكم الإسلامي بتعبير منطقة الفراغ([4]). هنا يقدّم السيد الشهيد تقريرين عن هذه الفكرة: أحدهما في كتاب «اقتصادنا»؛ والآخر في المبحث الأول من كتاب «الإسلام يقود الحياة»، المتكفِّل بالتنظير لآفاق عامة في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.
2ـ 1ـ التقرير التطبيقي للنظرية في «اقتصادنا» ــــــ
يؤسِّس السيد الشهيد بحثه هنا على جملة ركائز، وهي:
أولاً: إن أساس نظرية منطقة الفراغ هي الأحكام الثابتة والمتغيِّرة في الإسلام ــــــ
وهنا يعتمد سماحته على تقسيم الأحكام الشرعية إلى هذه الأقسام:
أـ الفصل بين الأحكام الثابتة والأحكام المتغيِّرة([5]).
ب ـ التمييز بين الأحكام الملزِمة وغير الملزِمة([6]).
ج ـ التمييز بين الأحكام الملزمة بوصفها أحكاماً ثابتة وبين الأحكام غير الملزمة بوصفها أحكاماً متغيِّرة.
د ـ تسمية دائرة الأحكام المتغيِّرة وغير الملزِمة بمنطقة الفراغ.
هـ ـ شمولية مديات منطقة الفراغ لجميع الأمور المباحة بالمعنى العامّ، من مستحبات ومكروهات، والمباحات بالمعنى الخاص([7]).
و ـ يرى السيد الشهيد أن القول بمنطقة الفراغ في الدين يأتي تأييداً لمقولة شمولية الشريعية الإسلامية لكلّ ظرفٍ ومتغيِّر([8]).
ز ـ ينوّه السيد الشهيد هنا إلى أن نظرية منطقة الفراغ إنما هي مستوحاةٌ من صميم الشريعة الإسلامية، ونصوصها، وليست مرتبطة بتطبيق الإسلام في عصر الرسول|، وكأن الفراغ الحاصل على عهد الرسول| كان قد تمّ ملؤه من قبله|([9]).
ح ـ لا تعني نظرية منطقة الفراغ وجود أيّ نقص في الشريعة([10]).
ط ـ يذهب الشهيد الصدر إلى أن أحكام منطقة الفراغ قابلة للتغيير وغير ثابتة([11]).
ي ـ يرفض السيد الصدر فرضية التشريع العام والثابت لجميع الأمور([12]).
ثانياً: الصلاحيات الولائية ومنطقة الفراغ التشريعي ــــــ
من وجهة نظره& فإن مبحث صلاحيات الحاكم والدولة الإسلامية على ارتباطٍ وثيق مع مبحث نظرية منطقة الفراغ:
1ـ يفرّق الشهيد الصدر بين دور الرسول| الرسالي ـ وهكذا الحال طبعاً بالنسبة إلى الأئمّة^ والفقهاء ـ وبين دوره الولائي([13]).
2ـ يرفض الشهيد الصدر مسألة إرجاع جميع التشريعات إلى الشأن الرسالي للرسول|([14]).
3ـ يرى الشهيد الصدر أن من الباحثين مَنْ أخطأ في فهم هذا الموضوع، فأرجعوا شأن الحكم والزعامة لدى الرسول| إلى شأن التبليغ والرسالة([15]).
4ـ من وجهة نظر الشهيد الصدر فإن صلاحيات الحاكم أو الدولة الإسلامية تتبلور في إطار منطقة الفراغ([16]).
5ـ يؤكّد السيد الشهيد على ارتباط تشريعات منطقة الفراغ بتوفّر كفاءة الحكم والسلطة ـ وليس الكفاءة الرسالية ـ في الحاكم أو الدولة، وأن صلاحيات ولي الأمر هي كصلاحيات الرسول| في الحكم والسلطة. وفي هذا السياق ينظر الشهيد الصدر إلى شرعية الحاكم كفرضيّة للبحث([17]).
6ـ يعتمد الشهيد الصدر في إثبات نظرية منطقة الفراغ على أدلّة وجوب طاعة أولي الأمر([18]).
7ـ يذهب الشهيد الصدر إلى القول بضرورة الفحص التاريخي وإرجاع حالات العمل بولاية الرسول| والأئمّة إلى نظرية منطقة الفراغ([19]).
8ـ يرى أيضاً أن ملء منطقة الفراغ من قبل الحاكم والدولة الإسلامية هو بمثابة واجب شرعي وملزم.
9ـ من وجهة نظره فإنّ صلاحيات الحاكم أو الدولة الإسلامية تتجلّى على صعيدي «تطبيق الأحكام الثابتة» و«ملء منطقة الفرغ التشريعي»([20]).
10ـ يرى أيضاً أنه؛ ونظراً للقوانين، ومفاد طاعة الحاكم في إطار طاعة الله وسائر الأحكام الإلهية، فإن مخالفة الوليّ للواجبات والمحرمات الإلهية هي قضية مرفوضة جملةً وتفصيلاً([21]).
ثالثاً: منطقة الفراغ وصياغة النظام الإسلامي ــــــ
يعتقد الشهيد الصدر أن الدين الإسلامي هو دين شامل للعديد من الأبعاد والمجالات. وهنا برزت علاقة نظرية منطقة الفراغ بعملية صياغة النظام الإسلامي. لذا ينتقل في هذا المبحث التنظيري إلى تطبيق هذه المقولة في مجال المذهب الاقتصادي الإسلامي:
1ـ يرى ضرورة الحاجة إلى نظرية منطقة الفراغ في بعض الجوانب الحسّاسة، من قبيل: موضوع تقويم المذهب الاقتصادي([22]).
2ـ على سبيل المثال، وفي معرض حديثه عن مقولة شمولية منطقة الفراغ، يتطرق السيد الشهيد إلى تطبيقها في مبحث صلاحيات الحاكم والدولة الاقتصادية، حيث رأى أن منح حق التشريع في منطقة الفراغ للدولة الإسلامية في بعض الجوانب الاقتصادية من شأنه خلق التوازن في أداء الدولة([23]).
3ـ يشدّد السيد الشهيد ـ في مجال تعريف النظام الإسلامي على مختلف الصعد ـ على ضرورة ضمان الأهداف العامّة للإسلام في ملء منطقة الفراغ([24]).
4ـ يرى أنه لا بُدَّ في فهم نظرية منطقة الفراغ وصلاحيات وليّ الأمر من معرفة بعض الأهداف الأساسية التي كان الرسول| مهتمّاً بتحقيقها، من قبيل: الأهداف المنشورة في السياسة الاقتصادية([25]).
5ـ حسب مبانيه& الفقهية فإن تشريعات منطقة الفراغ هي بمثابة العنصر المتحرِّك في صورة المذهب المعين، كأن يكون عنصراً من المذهب الاقتصادي، كما يصطلح عليه السيد الشهيد.
2ـ 2ـ التقرير الآخر للنظرية ــــــ
تطرّق السيد الشهيد المصدر، خلال بحثه التمهيدي عن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، إلى جوانب أخرى من نظرية منطقة الفراغ. وكان هذا النصّ هو القسم الأول من سلسلة «الإسلام يقود الحياة»، بينما اشتملت الأجزاء المتوالية منها على نقاط أخرى تساعد في فهم نظرية منطقة الفراغ عنده، وهي كما يلي:
1ـ منطلق نظرية منطقة الفراغ هي الأحكام الثابتة والمتغيرة في الإسلام ــــــ
يتّضح من خلال تقرير الشهيد الصدر هنا بأن منطلق وأساس هذه النظرية أيضاً يستنتج من تقسيم الأحكام الشرعية إلى: ثابتة؛ ومتغيرة. وقد تمت الإشارة إلى تطبيق النظرية في سياق صياغة الدستور الإسلامي:
أـ إن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ هو مصدر جميع أنواع السلطة. وعليه من الطبيعي أن تطبق معالمها وفقاً للشريعة الإسلامية، كما لا بُدَّ للدستور أن يسير في الإطار ذاته([26]).
ب ـ الأحكام الشرعية الثابتة هي جزءٌ ثابت من الدستور، سواء صُرِّح بها أم لم يصرَّح([27]).
ج ـ لفت الشهيد الصدر في مقالات سلسلة «الإسلام يقود الحياة» إلى وجود نوعين من الأحكام الثابتة والمتغيِّرة في الإسلام، مؤكِّداً على خضوع العناصر المتغيرة لبعض المعايير الخاصة التي تعمل كضوابط عامة في طريق تلك المتغيرات. وإن هذه الضوابط هي ذاتها في عداد العناصر الثابتة؛ حيث إن اكتمال بعض المقولات، من قبيل: «الاقتصاد الإسلامي» أو «اقتصاد المجتمع الإسلامي»، منوطٌ بتعاضد العناصر المتغيرة مع العناصر الثابتة، وتحقيق روح الشراكة في الأهداف([28]).
د ـ إن للرسول| والأئمّة^ دورين بارزين، هما: الدور الرسالي التبليغي من حيث تبليغ الأحكام الإلهية الثابتة؛ والدور القيادي في إدارة شؤون المجتمع الإسلامي. ووفقاً للدور الثاني فإنهم^ كانوا يستلهمون العناصر المتحرِّكة من صميم القوانين العامة في الإسلام، تماشياً مع المقتضيات الاجتماعية والإنسانية للشريعة المقدّسة. وأداؤهم هذا خير دليل على ما يتعين على الحاكم فعله. وهنا يستشهد السيد محمد باقر الصدر ببعض الأمثلة من سيرة أهل البيت^([29]).
2ـ صلاحيات ولي الأمر هي عبارة عن تحويل في منطقة الفراغ التشريعي ــــــ
من شأن صلاحيات وليّ الأمر في قيادة المجتمع ـ وهو الوليّ الفقيه، كما ورد في كتاب الشهيد الصدر وتلامذته([30]) ـ أن تشتمل على الشراكة المدنية العامة، وتتّخذ التدابير اللازمة في إدارة شؤون المجتمع. ويتضمّن هذا السياق إشارة إلى حضور بعض خبراء الأمّة الأمناء كنوّاب عن الشعب في عملية التشريع ووضع القوانين.
أكّد الشهيد الصدر على هذه الحقيقة الواقعة في الجمهورية الإسلامية، فلفت إلى إشراك الشعب وممثِّليه في عملية التشريع وتأسيس النظام السياسي في البلد، مع الحرص أيضاً على احترام خصوصية الحاكم الإسلامي الولائية، والذي يصفه بالمرجعية أحياناً. كما لفت أيضاً إلى الجانب الاجتهادي والاستنباطي في هذا المجال. وفي المحصّلة فإن صلاحيات ولي الأمر من شأنها أن تتبلور في إطار مشاركة الخبراء الأمناء، وتفويضهم بعض الصلاحيات الولائية أيضاً، في مجال التشريع والتقنين:
1ـ تتطلب عملية استنباط العناصر المتحرِّكة من قوانين الإسلام العامة ـ عند الشهيد الصدر ـ أموراً عدّة، وهي:
أـ توفُّر الفهم الإسلامي حيال العناصر الثابتة، والمعرفة الراسخة بضوابطها ودلالتها العامة.
ب ـ المعرفة التامّة بطبيعة بعض الأحكام المتغيِّرة، كالاقتصاد، والدراسة الفاحصة للأهداف المرجوّة من الضوابط العامّة، وكذلك لآليّات تحقيقها.
ج ـ الفهم الفقهي/ القانوني تجاه مؤهلات الحاكم الشرعي وولي الأمر، وتوفر الأطر التشريعية التي تحقّق مسار تلك العناصر المتحركة ضمن سياق صلاحيات الحاكم الشرعي، ومديات الولاية الممنوحة له([31]).
2ـ من وجهة نظر الشهيد الصدر فإن مختلف الأحكام الاجتهادية المشروعة ـ عند تعدد الآراء الاجتهادية ـ صحيحة من الناحية الدستورية، أما مهمة اختيار البديل الأنسب من سائر البدائل فهي ملقاة على عاتق السلطة التشريعية التي تطبّقها الأمة في إطار المصلحة العامة([32]).
3ـ يرى الشهيد الصدر أنه في الحالات التي لا يتوفر الحكم الشرعي القاطع في تحريم أو حليّة أمرٍ ما فإن للسلطة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب تشريع القوانين اللازمة في إطار الدستور إذا رأت المصلحة في ذلك. وهذه المساحة هي ما يصطلح عليه بعنوان (منطقة الفراغ). فهي المساحة الشاملة لجميع الحالات التي تركت الشريعة المجال مفتوحاً لاختيار المكلَّف. من هنا يحقّ للسلطة التشريعية وضع قوانين ملزمة وفقاً للمصلحة العامة، وفي إطار الدستور والقانون.
4ـ يعتقد الشهيد الصدر بأن كلاًّ من السلطة التشريعية والتنفيذية إنما تستمدّان شرعيتهما من كيان الأمّة والشعب. وللأمة الحقّ في توظيف هاتين السلطتين في إطار الدستور وقوانينه. إذاً إن هذا الحقّ هو حقّ الاستخلاف في الأرض، والولاية الممنوحة من قبل المصدر الأول للسلطات، أي الباري عزَّ وجلَّ. وإن أداء الأمة في الأرض يتم بوصفها خليفة الله فيها، لكنها ليست هي صاحبة الأمر والسلطان، وإنما هي مسؤولة أمام الله إزاء الأمانة الإلهية ووجوب ردّها. وعليه تمنح بعض الصلاحيات للأمة في إطار الوفاء بهذه المسؤولية والأمانة، منها: اختيار أحد البدائل المختلفة بين الآراء الاجتهادية، وكذلك صلاحية ملء منطقة الفراغ عن طريق تشريع القوانين المناسبة([33]).
5ـ يؤكّد الشهيد الصدر على أن الشعب في الأنظمة الديمقراطية هو مصدر الحكم، أما في النظرية الإسلامية فهو بمثابة الخليفة والمسؤول أمام الباري عزَّ وجلَّ. وبناءً عليه فإن الدستور في الأنظمة الديمقراطية إنما هو صنيعة الإنسان نفسه، ومفاده ـ في أخسّ حالاته ـ تحكم الأغلبية بالأقلية؛ في حين تكون الشريعة والعدالة في النظام الإسلامي هما المكوِّن الأساس للدستور([34]).
6ـ يعتقد الشهيد الصدر أن مسألة تخويل بعض الصلاحيات الولائية لا تعني إلغاء صلاحيات وليّ الأمر؛ لأنه يرى في المرجع النائب المطلق للإمام. وعليه يتحمل العديد من المسؤوليات والوظائف، منها: كونه الرجل الأول في الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقع على عاتقه توقيع أحكام تعيين رئيس السلطة التنفيذية وتوكيله. وهكذا الحال بالنسبة إلى مسألة البتّ في قوانين أهل الحلّ والعقد في ملء منطقة الفراغ([35]) .
7ـ يتطرّق الشهيد الصدر في أبحاثه المتلاحقة من سلسلة «الإسلام يقود الحياة» إلى أبعاد أخرى من خلافة الإنسان وعلاقتها بالمرجعية والولاية، وهو الموضوع المرتبط كثيراً ببيان موقف نظرية منطقة الفراغ، حيث يرى أن خلافة الإنسان إنّما تتمّ بإشراف الأنبياء والأئمّة^ والمرجعية الدينية. وهنا يصطلح على هذه الأقسام الثلاثة عنوان خطّ الشهادة، إلى جانب خط الخلافة([36]). كما نوّه أيضاً ـ في حلقات السلسلة الأخرى ـ إلى أن مسؤولية خط الخلافة والشهادة موزَّعة بين المرجع والأمّة، وأن الإشراف على خلافة الأمة يتمّ من قبل المرجعية، كما هو الحال بالنسبة إلى المرجعية في عصر الغيبة بوصفها المرحلة الثالثة من خطّ الشهادة، حيث يقع على عاتقها بيان الأحكام الثابتة وتحديد العناصر المتحرّكة، حسب معطيات العصر؛ بوصفها الممثل الأول للأيديولوجيا الإسلامية. ويرى الشهيد الصدر أن خطّيْ الخلافة والشهادة في زمن الغَيْبة من مختصّات المرجعية([37]).
3ـ دور الشريعة في ملء منطقة الفراغ ــــــ
يمكن ملء منطقة الفراغ بأنحاء متعددة، إلاّ أن الشهيد الصدر يضع إطاراً محدَّداً في تحقّق هذه العملية:
أـ يعتقد السيد الشهيد بضرورة الالتزام بتوجيهات الشرع عند ملء منطقة الفراغ؛ لذا فهو يرى عندما يشرِّع الكتاب أو السنة حكماً ما، مصرّحاً بالهدف المرجوّ منه، فإن هذا الهدف هو دليلٌ ومؤشِّر على حضور في مرحلة ملء الفراغ الحاصل في الحكم المتغيِّر ضمن الأطر التشريعية الهادفة إلى تحقيقه، بحيث يكون تحديد هذه الأطر التشريعية من صلاحيات الحاكم الشرعي؛ من أجل تحقيق ذلك الهدف، وفقاً لمعطيات حال المجتمع ومساراته([38]).
ب ـ لقد رسمت الشريعة في خطوطها العامة، وعناصرها الثابتة، أهدافاً لوليّ الأمر، على أن يعمل على تحقيقها أو السعي من الاقتراب منها. وهذه الأهداف هي النواة الأساس في التقنين وتحديد آلية التعامل مع العناصر المتحرِّكة؛ كي يتسنى تحقيق تلك الأهداف، أو توجيه المجتمع للسير نحو تحقيقها في أسرع وقتٍ ممكن([39]).
ج ـ إن حرص بعض النصوص الدينية على جملة من القيم الاجتماعية ـ كالمساواة والأخوّة والعدالة والقسط ـ يتطلّب توفير آليات تشريعية ديناميكية ومتطورة، تتلاءم مع المتغيِّرات؛ من أجل تحقيق تلك القيم، وهو ما يقع على عاتق الحاكم الشرعي في ملء هذه المنطقة من الفراغ([40]).
3ـ تقرير السيد علي أكبر الحائري لنظرية منطقة الفراغ ــــــ
يعدّ الشهيد الصدر أول فقهاء العالم الإسلامي الذين استخدموا هذا المصطلح، ونظَّر له، علماً أنه لم يكن قد طرح هذا الموضوع في كتبه الفقهية، بل كان ذلك من نصيب كتاب «اقتصادنا»، وذلك عبر التنظير لمذهب الاقتصاد الإسلامي؛ إذْ يرى أن هذا المذهب لا ينتظم من غير نظرية منطقة الفراغ.
ثم جاء من بعد الشهيد الصدر تلامذته ـ كالسيد علي أكبر الحائري ـ فعملوا على تقرير هذا المبحث من جديد، وتعضيد مبانيه([41]).
كما كان السيد كمال الحيدري قد تطرَّق إلى نظرية منطقة الفراغ في معرض تقييمه النقدي لنظرية الحسبة، مقترحاً أن تكون النظرية الأولى بديلاً للثانية([42]).
هذا بالإضافة إلى بعض وجهات النظر لدى تلامذة آخرين([43]).
وعلى صعيد علماء أهل السنة المعاصرين كان عبد الكريم الحمداوي من الذين تناولوا نظرية منطقة الفراغ بالنقد والتحليل، مخصِّصاً قسماً كبيراً من كتابه للغرض ذاته([44]).
أما بالنسبة إلى السيد الحائري فقد تناول النظرية بنحوٍ مفصَّل، لافتاً إلى بعض النقاط الجوهرية والقيِّمة في هذا الصدد، بل يمكن عدُّ تقريره شرحاً وافياً لنظرية السيد الشهيد. ولم يسبقه إلى ذلك أحدٌ على هذا النحو من التفصيل. وهنا نتناول جانباً من تقريره في النقاط التالية:
أوّلاً: منشأ النظرية هو الأحكام الثابتة والمتغيِّرة في الإسلام ــــــ
هنا يتناول الأستاذ الحائري منطلق النظرية، وعلاقته بتقسيم أحكام الشرع إلى الثابتة والمتغيِّرة:
1ـ يرى السيد الحائري أن مفهوم منطقة الفراغ هو من المفاهيم الجديدة التي تبنّاها الشهيد الصدر([45])، إلاّ أن أصل الفكرة يعود إلى صدر الإسلام([46]).
2ـ يرى أن مصدر النظرية الأساس نابع من أدلة وجوب إطاعة وليّ الأمر([47]).
3ـ كما يرى أن القول بوجوب الإطاعة لدى الفقهاء يقتضي بالتضمن والالتزام القول بنظرية منطقة الفراغ أيضاً([48]) .
يذكر السيد الحائري ثلاثة احتمالات لمعنى وجوب إطاعة أولي الأمر من الآية الشريفة([49])، مرجِّحاً الاحتمال الثالث الكاشف عن نظرية منطقة الفراغ:
أـ مجرّد تطبيق الأحكام الشرعية الثابتة الواردة في الشريعة على هيئة تكاليف مباشرة، دون وجود حقٍّ في تشريع أيّ حكم.
ب ـ وجوب الإطاعة لجميع التكاليف والأوامر الصادرة من قبل وليّ الأمر، حتى لو تضمَّن أمره معصية الخالق.
ج ـ وجوب الإطاعة في المنطقة الخالية من التكاليف المباشِرة والملزِمة([50]).
ومعلوم أنه لا ينبغي لرأي السيد الحائري أن يقصر مصاديق وجوب إطاعة الحاكم على حدود منطقة الفراغ؛ بل ـ وحسب ما سترد الإشارة إليه ـ إن ذلك يشمل أيضاً مجالين آخرين، هما: تحديد موضوع الأحكام الثابتة؛ وحلّ موارد التزاحم. وبناء عليه يمكن عدّ هذا الرأي تحديداً لمديات النظرية على أساس التسامح في هذا المبحث.
4ـ يعدّ السيد الحائري أحكام الشرع الثابتة تكاليف مباشرة، كما ينظر إلى صلاحيات الحاكم على أنها تكاليف غير مباشرة([51]). وهكذا تكون إطاعة الخالق في النوع الأول مباشرة، وإطاعته في أحكام النوع الثاني غير مباشرة([52]).
5ـ يرى السيد الحائري أن منطقة الفراغ مقتصرة على القضايا التي لم يضع لها الشارع المقدَّس تكاليف ملزمة بصورة مباشرة([53]).
6ـ يؤكِّد السيد الحائري على أن نظرية منطقة الفراغ هي الإطار الضروري لضمان استمرار النبوّة بنحوٍ يتناسب مع المتغيِّرات المتسارعة في حياة الإنسان، وهي السبيل إلى تجنُّب التلاعب والتغيير في الشرائع والأديان، والتفسير الجليّ لمفهوم ختم النبوّة([54]).
7ـ إن معنى كون الإسلام رسالة خالدة للبشرية إنما يمكن تفسيره من خلال ملاحظة جميع المتطلبات الثابتة والمتغيِّرة، دون المباشرة التفصيلية من قبل الشرع في تشريع العناصر المتغيِّرة([55]). وبناء على ذلك لن يكون معنى منطقة الفراغ نقصاً في الشريعة الإسلامية؛ بل هي تفسيرٌ لطبيعة كماله واستيعابه للأمور كافّة([56]).
8ـ إن عملية التشريع المباشر لما يتعلق بالقضايا المثيرة ستشكِّل عائقاً أمام مفهوم الدين الخالد([57]).
ثانياً: بين الاجتهاد الاستنباطي والتدبير الولائي ــــــ
يتطلَّب التشريع الإلهي جهوداً فقهية واجتهادية؛ كي تتمّ عملية الاستنباط من الأدلة الشرعية المتوفّرة، وبدونها لا يمكن تجسيد مقولة: إن الشريعة أساس لكلّ شيءٍ. وفي هذا السياق يمكن أن تفصح طريقة الأستاذ السيد الحائري عن نظرية منطقة الفراغ إفصاحاً أكثر، فهو يعتقد بالأمور التالية:
1ـ ليس المراد من منطقة الفراغ فقدان النصّ التشريعي، أو ما لا نصّ فيه؛ بل هي بمعنى المساحة المتاحة في الصلاحيات التشريعية لدى وليّ الأمر وإزاء المتطلّبات المتغيِّرة في الأزمان والأماكن المختلفة؛ حيث من المصالح والملاكات ما هو ثابت ويمكن حصره وتقنينه، وهنا الإسلام وضع أحكاماً ثابتة، وإنْ كانت في أطار القضايا الشرطية وقيام الشرط الخاصّ أو العام عليها؛ لكنْ هناك ملاكاتٌ أخرى متغيرة، ولا يمكن تقنينها في إطار الحكم الثابت. وعليه باتت هذه المسؤولية ملقاة على عاتق وليّ الأمر في اتّخاذ ما يلزم. وفي غير ذلك لا بُدَّ من وضع أحكامٍ ثابتة سيطرأ عليها التغيير لاحقاً. وبالتالي لا بُدَّ للنبوة والرسالة من تغيُّر وتحوُّل، لكن الإسلام بقي خالداً من خلال إحالة هذه القضايا إلى دور وليّ الأمر، ليبتّ فيها. وعلى أيّ حال فإن هذا الموضوع مختلف تماماً عن القول بفقدان النصّ في الأحكام الشرعية الثابتة([58]).
2ـ إن لمفهوم فقدان النصّ أسباباً وعللاً عديدة، من قبيل: عدم تدوين الروايات أو اندثارها على مرّ العصور، أو المسائل المستجدّة التي لم تكن موجودة في زمن التشريع؛ لكنّ مشكلة فقدان النصّ ـ بغضّ النظر عن موضوع صلاحيات وليّ الأمر ـ تبقى بحاجة إلى حلولٍ وآليات مستقلّة([59]).
3ـ من واجب المجتهد السعي وراء معرفة الأحكام الشرعية الثابتة، وتمييزها عن الأحكام الولائية. وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال القرائن الحالية، وظهور النصّ، وكذلك العلاقة بين الحكم والموضوع في تحديد نوع الظهور([60]).
4ـ من خلال هذه النقاط المطروحة ينتقل السيد الحائري إلى الردّ على بعض النقود الموجَّهة إلى النظرية:
أـ يرى السيد الحائري أن حداثة نظرية منطقة الفراغ مقتصرة على حداثة المصالح، وليس في أصل النظرية، مفسِّراً فحواها بوجوب طاعة ولي الأمر([61]).
ب ـ لا يرفض السيد الحائري القول بكون منطقة الفراغ نقصاً في أحكام الإسلام وحَسْب، بل يعدّها عنصراً في كماله وخلوده([62]).
ج ـ يعتقد السيد الحائري بأن القول بانجرار نظرية منطقة الفراغ إلى التعديل والتبديل في الأحكام الشرعية هو مجرّد وهمٍ لا غير؛ لأنه لا يرى فيها الصلاحية المطلقة لولي الأمر وحرّيته غير الشرعية؛ بل يضع أطراً خاصّة في تحديد ذلك([63]). تماماً كما أن مهمة تحديد الأحكام الثابتة من المتغيِّرة هي من مختصّات الفقهاء ذوي الخبرة حَصْراً، الواجدين للشرائط([64]).
د ـ ينفي السيد الحائري وجود تعارض بين نظرية منطقة الفراغ والروايات الدالّة على أن لكلّ واقعة حكماً؛ وذلك عبر دليلين:
الأول: إن الأحكام الشرعية على نوعين: بعضها بصورة مباشرة؛ والبعض الآخر بصورة غير مباشرة([65]).
الثاني: إن ما تنضوي عليه منطقة الفراغ يخضع إلى العنوان الأولي والثانوي من الأحكام، فهي في عنوانها الأولي مباحة، وفي الثانوي واجبة. وعليه لدينا حكمان شرعيّان؛ أي حكم الموضوع قبل صدور حكم وليّ الأمر في عنوانه الأولي، وهو الإباحة، وبعد صدور الحكم يكون له حكمٌ ثانوي، وهو الوجوب [أو الحرمة]([66]).
5ـ وهذا لا يعني أن أصل طاعة وليّ الأمر من قبيل الحكم الثانوي؛ بل إن هذا الحكم بالذات حكمٌ أوّلي، كسائر الأحكام الثابتة الأخرى، من قبيل: حكم إباحة الكذب في إصلاح ذات البين، فإن إباحة أو استحباب إصلاح ذات البين نفسه حكمٌ أوّلي ثابت في الشرع سَلَفاً؛ إلاّ أن تطبيقه على الكذب جاء بعنوانٍ ثانوي([67]).
6ـ لا يرى السيد الحائري أيَّ تعارض بين القول بنظرية منطقة الفراغ والروايات التي تفيد بأن حلال وحرام محمد| باقيان إلى يوم القيامة؛ وذلك لما يلي:
أوّلاً: الجواب النقضي. هناك من الأحكام ما تتبدّل بتبدّل بعض حيثياتها الموضوعية، ولا يتعارض ذلك مع مفاد تلك الروايات.
ثانياً: الجواب الحلّي. إنّ جميع الأحكام الشرعية سارية مع وجود موضوعها. وبناءً عليه ففي فرضية وجود قيود خاصة لموضوع الحكم سيكون سارياً إذا تحقَّقت جميع القيود، لكنْ إذا انتفى شيءٌ من تلك القيود لن يكون الحكم سارياً، وينحو منحى الإباحة في هذه الحالة. ومع ذلك فإن هذا التحوُّل من حكمٍ إلى آخر لا يتعارض مع مبدأ بقاء الأحكام الشرعية إلى يوم القيامة. إذاً فإن المراد من نفي التغيير في الأحكام هو منعه في حالة توفّر جميع الشروط والقيود اللازمة، وإن تغيير الحكم بلحاظ تغيُّر موضوعه أو قيوده ليس بالأمر المُنْكَر أبداً.
7ـ المحصّلة النهائية في رأي السيد الحائري ـ وهي غاية في الأهمّية ـ هي أنه عندما يأمر الإسلام بطاعة ولي الأمر في المباحات لا بُدَّ أن يكون مشروطاً بعدم وجود أمر بوجوب تأديتها. وعليه إذا صدر الأمر من قبل وليّ الأمر بوجوب المباح فإنّ ذلك من قبيل التبدُّل في الموضوع ومحتوى الأمر نفسه([68]).
4ـ الصلاحيّات الولائية نمطية التخويل في منطقة الفراغ ــــــ
ليس الاجتهاد الاستنباطي وحده كافياً في إدارة شؤون المجتمع، بل لا بُدَّ من الاجتهاد التدبيري أيضاً. وهنا تتجلى أهمّية نظرية منطقة الفراغ:
1ـ يؤكِّد السيد الحائري في معرض حديثه عن مفهوم منطقة الفراغ على أن «حقّ التشريع» الضامن لأهداف الشريعة العامة هو من مختصّات وليّ الأمر أو السلطة التشريعية في البلاد؛ كي يتسنّى إصدار الحكم اللازم، وفقاً للشروط والمعطيات الحاكمة([69]).
2ـ من وجهة نظر الحائري ليس هناك أيّ تأثير لاختلاف الرؤى بين الشيعة والسنّة على وجود منطقة في التشريع كمنطقة الفراغ العائدة صلاحيتها إلى وليّ الأمر([70]).
3ـ ينوّه السيد الحائري هنا إلى أنه يفضّل لوليّ الأمر في زمن الغَيْبة استشارة المختصين في تحديد مصلحة الأمة، واختيار القانون الأنسب في إطار مجلس النواب، بوصفه مركزاً للسلطة التشريعية([71]).
4ـ يعتقد السيد الحائري بأن السلطة التشريعية هي في الأصل من صلاحيات وليّ الأمر نفسه؛ لكنْ يمكنه أيضاً تخويل هذه الصلاحية إلى مجلس النواب؛ ليشرعوا ما يلزم في منطقة الفراغ([72]) .
5ـ حكم الحاكم هو الحكم الذي يصدر عنه؛ بغية سدّ الحاجة وملء الفراغ الحاصل في منطقة التشريع. وهذه صلاحية أُحليت إليه. وعليه فإن هذه المسألة تختلف عن مسألة فقدان النصّ في التشريع، والتي يسعى المفتي فيها إلى العثور على الحكم الإلهيّ الغائب([73]).
6ـ الولاية هي منصبٌ إلهي من أجل ملء منطقة الفراغ، وقد خوّل بها وليّ الأمر، وهي بذلك تختلف عن منصب الفُتيا([74]).
7ـ كان للرسول الأكرم دوران: أحدهما رسالي تبليغي؛ والآخر ولائي يمكِّنه إصدار ما يلزم من الأحكام، وفقاً للشروط الحاكمة([75]).
8ـ انطلاقاً من وجود هذين الدورَيْن للرسول| فإن الأحكام الصادرة عنه كانت على نحوين أيضاً: بعضها ثابت؛ والبعض الآخر متغيِّر، إلاّ أن البعد التاريخي صعَّب علينا عملية التمييز بن النوعين، ومصاديقهما([76]).
5ـ دور الشرع في ملء منطقة الفراغ ــــــ
يرى السيد الحائري أن الشريعة كانت قد تكفَّلت بإرشاد وتوجيه السلوك الولائي عند الحاكم والنظام السياسي:
1ـ تتمخَّض تشريعات وليّ الأمر إزاء المتغيرات في إطار موازين وضوابط محددة رسمها له الشارع المقدَّس. كما أن هذه الضوابط هي من العناصر الثابتة في التشريع الإسلامي، وينبغي استنباطها كسائر الأحكام الشرعية، وفقاً للقواعد الفقيهة والأصول الاستنباطية([77]).
2ـ إن الأمر بطاعة وليّ الأمر في منطقة الفراغ واجب، طالما أنه يعمل في حدود وأطر الشرع([78]).
3ـ يقدِّم الأستاذ السيد الحائري ثلاثة ضوابط لعملية ملء الفراغ التشريعي، وهي: أـ أسس اختيار وليّ الأمر؛ ب ـ ضوابط تحديد مديات منطقة الفراغ؛ ج ـ ضوابط التشريع وأسسه([79]).
4ـ ثمّة فرق جوهري بين الشيعة والسنّة في ضوابط اختيار وليّ الأمر، فالشيعة يلتزمون بالنصّ في تنصب خليفة الرسول|([80]).
5ـ يمكن بيان القسم الثاني من الضوابط المتقدّمة في ثلاثة مجالات:
أـ تشخيص مواضيع الأحكام الثابتة، والتي وضع تشريعها الإسلام بصورة مباشرة. وهذه المهمة مختصّة بوليّ الأمر، والمجلس الذي يحيل إليه القيام بالمهمة([81]).
ب ـ تشخيص الأهمّ عند التزاحم بين الأحكام الثابتة. وليس هذا من قبيل طاعة المخلوق في معصية الخالق، فليس لوليّ الأمر إلاّ الحكم بما تمليه الأولوية والمصلحة عليه([82]).
ج ـ ظهور المصلحة الملزِمة في المباحات. وهذا أيضاً ليس من مصاديق طاعة المخلوق في معصية الخالق. ويبقى حكم وليّ الأمر هنا مفترض الطاعة على الجميع([83]).
6ـ يرجع القسم الثالث من الضوابط السابقة إلى آليات ملء منطقة الفراغ، فليس لوليّ الأمر العمل في هذا المجال وفقاً لأهوائه الشخصية، وعليه لا بُدَّ من مراعاة أمرين:
أـ مراعاة مصلحة الأمة جمعاء في جميع القوانين والتشريعات، وتجنب تقديم المصلحة الشخصية أو الحزبية والفئوية([84]).
ب ـ مراعاة المصلحة ضمن إطار القيم الإسلامية، وتجنب الميل إلى القيم المادية وغير الإسلامية. فعلى سبيل المثال: لا يصح إلغاء الفرائض والواجبات الدينية بدعوى زيادة الإنتاج([85]).
وهكذا على صعيد جلب الضرائب، فبالإضافة إلى الضرائب الشرعية الثابتة لا بُدَّ من التركيز على «منظومة القيم والأهداف في الإسلام»، والانطلاق من خلالها في تحديد «الأولويات»، وتقديم موضوع على آخر([86]).
محصّلة البحث ــــــ
كان الشهيد الصدر قد طرح نظريته المعروفة بمنطقة الفراغ بما يوهم اتّحادها مع المفهوم السائد لدى أهل السنّة، والقول بفكرة «ما لا نصّ فيه».
ومن خلال ما جاء في طيات هذا البحث اتّضح لنا أنه لم يُرِدْ أيّاً من هذه الأفكار؛ بل كان مراده هو الفراغ من الأحكام الملزِمة في مساحة المباحات بمعناها الأعمّ. وبناء عليه، وعلى الرغم من تعميمه الأحكام الشرعية إلى كل ما يلزم الإنسان من متطلبات، إلاّ أنه كان قد استخدم مصطلح النظرية المذكورة للدلالة على مديات صلاحية وليّ الأمر والدولة الإسلامية الخاضعة لإشرافه.
وعلى أيّ حال فإن هذه النظرية تهتمّ بصلاحيّات وليّ الأمر، وفي مقدمتها دوره في إصدار أحكام وقوانين الدولة. إلاّ أن كلام السيد الشهيد في هذا المجال اقتصر على الصلاحيات الخاصة بوليّ الأمر والدولة الإسلامية في مساحة الأحكام غير الملزِمة.
الهوامش
(*) أستاذٌ جامعي وحوزوي، متخصِّص في مجال الفكر السياسي المعاصر وتاريخه، وأحد الفاعلين في عدّة مؤسَّسات بحثية في إيران.
([2]) المؤمن، 1425هـ 1: 316 ـ 317، 319.
([4]) الصدر، 1417هـ: 279 ـ 382.
من قبيل ما ورد في ردّه على سؤال حول نمطية الجمهورية الإسلامية في فكر الإمام الخميني عندما خصّص القسم الأول من سلسلة كتاب «الإسلام يقود الحياة» لبيان مقدمة نظرية في دستور الجمهورية الإسلامية، تحت عنوان «لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران». وهنا عاد مرة أخرى إلى استخدام مصطلح منطقة الفراغ أيضاً. (انظر: السيد محمد باقر الصدر، «لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران»، المندرج في: الإسلام يقود الحياة: 29).
([5]) المصدر السابق، 232 ـ 324.
يقول الشهيد الصدر: «إن النظام الاجتماعي الصالح للإنسانية ليس من الضروري ـ لكي يواكب نمو الحياة الاجتماعية ـ أن يتطور ويتغير بصورة عامة، كما أنه ليس من المعقول أن يصوغ كليات الحياة وتفاصيلها في صيغ ثابتة، بل يجب أن يكون في النظام الاجتماعي جانب رئيسي ثابت، وجوانب مفتوحة للتطوّر والتغيّر، ما دام الأساس للحياة الاجتماعية (الحاجات الإنسانية) يحتوي على جوانب ثابتة وجوانب متغيرة، فتنعكس كلٌّ من جوانبه الثابتة والمتطورة في النظام الاجتماعي الصالح. وهذا هو الواقع في النظام الاجتماعي للإسلام تماماً، فهو يشتمل على جانب رئيسي ثابت يتصل بمعالجة الحاجات الأساسية الثابتة في حياة الإنسان، كحاجته إلى الضمان المعيشي والتوالد والأمن وما إليها من الحاجات التي عولجت في أحكام توزيع الثروة وأحكام الزواج والطلاق وأحكام الحدود والقصاص ونحوها من الأحكام المقرَّرة في الكتاب والسنة، ويشتمل النظام الاجتماعي في الإسلام أيضاً على جوانب مفتوحة للتغير وفقاً للمصالح والحاجات المستجدة، وهي الجوانب التي سمح فيها الإسلام لوليّ الأمر أن يجتهد فيها وفقاً للمصلحة والحاجة على ضوء الجانب الثابت من النظام. كما زوّد الجانب الثابت من النظام بقواعد تشريعية ثابتة في صيغها القانونية، غير أنها تتكيّف في تطبيقها بالظروف والملابسات، وبذلك تحدّد الأسلوب الصحيح لإشباع الحاجات الثابتة التي تتنوّع أساليب إشباعها بالرغم من ثباتها، وذلك كقاعدة نفي الضرر في الإسلام؛ ونفي الحرج في الدين». (انظر: الصدر، 1412: 325).
([6]) المصدر السابق، 689 ـ 690.
يقول السيد الشهيد: «الدليل التشريعي: والدليل على إعطاء وليّ الأمر صلاحيات كهذه لملء منطقة الفراغ هو النصّ القرآني الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59). وحدود منطقة الفراغ التي تتّسع لها صلاحيات أولي الأمر تضم في ضوء هذا النصّ الكريم كلّ فعل مباح تشريعياً بطبيعته. فأيّ نشاط أو عمل لم يرِدْ نصٌّ تشريعي يدل على حرمته أو وجوبه يسمح لوليّ الأمر بإعطائه صفة ثانوية بالمنع عنه أو الأمر به. فإذا منع الإمام عن فعل مباح بطبيعته أصبح حراماً، وإذا أمر به أصبح واجباً. وأما الأفعال التي تبث تشريعياً تحريمها بشكلٍ عام ـ كالرِّبا مثلاً ـ فليس من حقّ وليّ الأمر الأمر بها، كما أن الفعل الذي حكمت الشريعة بوجوبه ـ كإنفاق الزوج على زوجته ـ لا يمكن لوليّ الأمر المنع عنه؛ لأنّ طاعة وليّ الأمر مفروضة في الحدود التي لا تتعارض مع طاعة الله وأحكامه العامّة. فألوان النشاط المباحة بطبيعتها في الحياة الاقتصادية هي التي تشكِّل منطقة الفراغ». (المصدر السابق: 689 ـ 690).
كما يعبر الشهيد الصدر فإن «منطقة الفراغ تضمّ جميع ألوان النشاط المباحة بطبيعتها». (المصدر السابق: 656).
([8]) المصدر السابق: 686، 688 ـ 689.
يقول الشهيد الصدر: «لماذا وضعت منطقة فراغ؟ والفكرة الأساسية لمنطقة الفراغ هذه تقوم على أساس أن الإسلام لا يقدم مبادئة التشريعية للحياة الاقتصادية بوصفها علاجاً موقوتاً، أو تنظيماً مرحلياً، يجتازه التاريخ بعد فترةٍ من الزمن إلى شكلٍ آخر من أشكال التنظيم، وإنما يقدمها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور. فكان لا بُدَّ لإعطاء الصورة هذا العموم والاستيعاب أن ينعكس تطوّر العصور فيها ضمن عنصر متحرّك يمدّ الصورة بالقدرة على التكليف وفقاً لظروف مختلفة». (المصدر السابق: 686). ويقول في موضعٍ آخر: «فكان لا بُدَّ للصورة التشريعية من منطقة فراغ يمكن ملؤها حسب الظروف؛ فيسمح بالإحياء سماحاً عاماً في العصر الأول، ويمنع الأفراد في العصر الثاني ـ منعاً تكليفياً ـ عن ممارسة الإحياء، إلاّ في حدود تتناسب مع أهداف الاقتصاد الإسلامي وتصوّراته عن العدالة. وعلى هذا الأساس وضع الإسلام منطقة الفراغ في الصورة التشريعية التي نظم بها الحياة الاقتصادية؛ لتعكس العنصر المتحرّك، وتواكب تطوّر العلاقات بين الإنسان والطبيعة، وتدرأ الأخطار التي قد تنجم عن هذا التطوّر المتنامي على مرّ الزمن». (المصدر السابق: 688 ـ 689).
يذكر السيد الشهيد: «ونحن حين نقول: «منطقة فراغ» فإنما تعني ذلك بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية ونصوصها التشريعية، لا بالنسبة إلى الواقع التطبيقي للإسلام، الذي عاشته الأمة في عهد النبوة». (المصدر نفسه).
يؤكّد الشهيد الصدر على أن «منطقة الفراغ ليست نقصاً، ولا تدلّ منطقة الفراغ على نقص في الصوة التشريعية، أو إجمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة؛ لأن الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصاً أو إهمالاً، وإنما حدَّدت للمنطقة أحكامها، بمنح كلّ حادثة صفتها التشريعية الثانوية حَسْب الظروف». (المصدر السابق: 689).
([11]) المصدر السابق: 380 ـ 381.
([12]) المصدر السابق: 293 ـ 394.
([13]) المصدر السابق: 325 ـ 326، 381. ويراجع الهامش رقم (2).
([14]) المصدر السابق: 393 ـ 392.
([16]) المصدر السابق: 682 ـ 683.
جاء في تعبير السيد الشهيد: «ولا يقتصر تدخل الدولة على مجرّد تطبيق الأحكام الثابتة في الشريعة، بل يمتدّ إلى ملء منطقة الفراغ من التشريع، فهي تحرص من ناحية على تطبيق العناصر الثابتة من التشريع، وتخضع من ناحية أخرى للعناصر المتحركة وفقاً للظروف». (المصدر السابق: 685).
([21]) المصدر السابق: 688 ـ 690.
يقول الشهيد الصدر: «أما الأفعال التي ثبت تشريعياً تحريمها بشكلٍ عام ـ كالرِّبا مثلاً ـ فليس من حق وليّ الأمر الأمر بها، كما أن الفعل الذي حكمت الشريعة بوجوبه ـ كإنفاق الزوج على زوجته ـ لا يمكن لوليّ الأمر المنع عنه؛ لأن طاعة أولي الأمر مفروضة في الحدود التي لا تعارض مع طاعة الله وأحكامه العامّة». (المصدر السابق: 688 ـ 690).
يقول السيد الشهيد: «وحيث جئنا على ذكر منطقة الفراغ في التشريع الاقتصادي يجب أن نعطي هذا الفراغ أهمية كبيرة خلال عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي؛ لأنه يمثل جانباً من المذهب الاقتصادي في الإسلام، فإن المذهب الاقتصادي في الإسلام يشتمل على جانبين: أحدهما قد ملىء من قبل الإسلام بصورة منجّزة، لا تقبل التغيير والتبديل، والآخر يشكّل منطقة الفراغ في المذهب، قد ترك الإسلام مهمة ملئها إلى الدولة أو أولي الأمر، يملؤها وفقاً لمتطلبات الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ومقتضياتها في كلّ زمان». (المصدر السابق: 380). ويقول في موضعٍ آخر: «إن تقويم المذهب الاقتصادي في الإسلام لا يمكن أن يتمّ بدون إدراج منطقة الفراغ ضمن البحث، وتقدير إمكانيات هذا الفراغ، ومدى ما يمكن أن تساهم عملية ملئه، مع المنطقة التي ملئت من قبل الشريعة ابتداءً، في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي». (المصدر نفسه).
([24]) المصدر السابق: 656، 658.
يقول الشهيد الصدر في هذا الصدد: «وفي المجال التشريعي تملأ الدولة منطقة الفراغ التي تركها التشريع الإسلامي للدولة؛ لكي تملأها في ضوء الظروف المتطوّرة، بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي، ويحقّق الصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعية». (المصدر السابق: 685).
([26]) الصدر، 1429هـ: 18 ـ 19.
([28]) المصدر السابق: 43؛ وفي المقالة الثالثة: 68 ـ 69.
([29]) المصدر السابق: 50 ـ 53.
([30]) كان بعض تلامذة الشهيد الصدر ـ ومنهم: الشيخ محسن الأراكي ـ قد استند إلى بياناته في ما يتعلق بدستور الجمهورية الإسلامية في إيران، وراح ينظِّر لولاية الفقيه من هذا المنطلق. (انظر: محسن الأراكي، نظرية الحكم في الإسلام: 223 ـ 230).
([33]) المصدر السابق: 19 ـ 20، 24.
([35]) المصدر السابق: 20 ـ 21، 24.
([36]) المصدر السابق: 136 ـ 140.
([37]) المصدر السابق: 160 ـ 161.
([38]) المصدر السابق: 47 ـ 48.
([41]) الحائري، 1417هـ: 111 ـ 114.
([42]) الحيدري، بلا تاريخ: 103 ـ 141؛ وله أيضاً: 1430هـ، العدد 55: 142 ـ 171.
([43]) انظر: يوسف كمال وأبو المجد حرك، الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه أهل السنة، قراءة نقدية في كتاب اقتصادنا، بلا تاريخ.
([44]) الحمداوي، 2003: 473 ـ 487.
([46]) المصدر السابق: 111 ـ 112، 135.
([47]) المصدر السابق: 113، 135.
([49]) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59).
([50]) المصدر السابق، 113 ـ 114.
([54]) وهنا يشير سماحته إلى محاضرة للشهيد الصدر بعنوان «التغيير والتجديد في النبوّة»، وهي منشورة ضمن باقة من محاضراته في كتاب حمل عنوان «أهل البيت: تنوّع أدوار، ووحدة هدف»، دار التعارف، بيروت.
المصدر السابق: 115 ـ 116.
([57]) المصدر السابق: 116 ـ 117، 136.
([58]) المصدر السابق: 128 ـ 130.
([66]) المصدر السابق: 138 ـ 139.
([68]) المصدر السابق: 140 ـ 141.
([69]) الحائري، 1417: 112ـ 113.
يفسّر الاستاذ السيد علي أكبر الحائري مراد الشهيد الصدر من «منطقة الفراغ» في هذا المعنى تحديداً، فيقول: «المقصود بمنطقة الفراغ في التشريع الإسلامي تلك المساحة من الأمور والقضايا التي تركت الشريعة الإسلامية حقّ التشريع فيها لوليّ الأمر أو للسلطة العامّة بالتخويل أو بالإشراف من قبل وليّ الأمر؛ لكي يصدر فيها الحكم المناسب للظروف المتطوّرة بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للشريعة الإسلامية. وهذا المعنى من لوازم وجوب طاعة وليّ الأمر الشرعي في كلّ عصر وزمان». (انظر: السيد علي أكبر الحائري، منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي: 112 ـ 113).
([70]) المصدر السابق، 114 ـ 115.
([73]) المصدر السابق: 130 ـ 131.
([75]) المصدر السابق: 131 ـ 132.
([79]) المصدر السابق: 117 ـ 128.
([80]) المصدر السابق: 118 ـ 119.
([81]) المصدر السابق: 120 ـ 121.
([83]) المصدر السابق: 122 ـ 123.
([84]) المصدر السابق: 123 ـ 124.