أحدث المقالات

تلتقي الوهّابيّةُ المقنّعةُ -ولو عن حُسْنِ نيّة- مع الوهّابيّة «السّعوديّة»، ومع خلفيّات أجهزةِ المخابرات العالميّة المحرّضةِ للمرتدّ »رشدي» وأضرابِه، وحمَلاتِ الرّسوم المُسيئة، في إضعافِ العلاقةِ الرّوحيّةِ للأُمّة والبشريّة بسيّد النّبيّين الإنسانِ الأوّل، والشّاهدِ على الأنبياء، وسرِّ الخَلْقِ بإذنِ الله تعالى.

ما يلي، مقاربة لهذه الإشكاليّة الثّلاثيّة الأطراف، تُقدّمها «شعائر» في أجواء احتفال الأمّة بذكرى مولد الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله.

 

تتوقّفُ سلامةُ توحيدِ أيّ موحِّدٍ لله تعالى على حُسْنِ اتّباعِ «رسول» الله صلّى الله عليه وآله.

إنّها بديهةٌ تندرجُ في السّياقَين العقليّ والعرفيّ، فكلُّ رسولٍ يبلِّغ عن المرسِل، ويوصلُ إليه. وأيُّ تنكُّبٍ للرّسول أو نقصٍ في اتّباعه سيظهرُ خَلَلاً في تلقّي البلاغ، وحُسنِ الوصول.

وقد ثبّت القرآنُ الكريم هذه القاعدة العقليّة بالوجدان، التي قام عليها عرفُ البشريّة وما يزال.

قال اللهُ تعالى: ﴿..وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..﴾ الحشر:7. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ..﴾ آل عمران:31. ﴿..أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ آل عمران:32.

ويتلازم الرّفضُ لمضمون أيّ «رسالةٍ» مع أمور:

الطَّعن بالمرسِل، والطَّعن بالرّسول، والطَّعن بمضمونِ الرّسالة. قد تجتمعُ هذه الثّلاثة، وقد تترادف فيُنتقل من أحدِها إلى الآخر-أو الآخرَيْن- عند العجز عن تحقيقِ الهدف من خلالِ التّركيز عليه.

والأخطرُ من هذه الأساليب كلِّها هو «النّفاق» الذي يعني اللّجوءَ عند العَجز في جميع المجالات المتقدّمة إلى التّظاهر بالإيمان بالمرسِل والرّسول والرّسالة، لحاجةٍ في نفس «قريش» وأشباهها.

والأشدُّ إيلاماً أن تنطلي بعضُ تَمظهرات هذا «النّفاق» والتّظاهر التّسلُّقيّ والإنتهازيّ، على بعض المؤمنين الصّادقين المخلصين، فإذا هم يسوّقون -عن جهلٍ مركّب- لما يصبُّ بالحالِ أو المآل أو كلَيهما في تحقيق أهدافِ المنافقين والكافرين.

هذا المرضُ الفتّاك بأهلِه -وهم بعضُ أهلنا- هو ما ينبغي أن يعمَل على تظهيره بقوّة الدّليل والبرهان باسم «الوهّابيّة المقنَّعة» تقدمةً للحجّة وبراءةً للذّمّة استعداداً ليوم العرض الأكبر، وحرصاً واجباً على إنقاذ مَن يمكن إنقاذُه من «الضّلال البعيد».

***

واجهت الجاهليّةُ الأولى و«قريش» بالتّحديد وبنو أميّة بالخصوص، دعوةَ توحيد الله تعالى التي بلّغها خاتمُ النبيّين وسيّدُهم صلّى الله عليه وعليهم، بالأساليب الثّلاثة وشنّت الغاراتِ والحروبَ المتتاليةَ للقضاء على الرّسول والرّسالة، ثمّ لجأتْ، بعد الفشلِ في كلِّ جولاتِها، إلى «النّفاق» فتظاهرت «قريش» عبر الأمويّين، وغيرِهم بالإسلام.

ولقد سجّلَ القرآن الكريم هذه المواجهات -في التّشكيك بالمرسِل والرّسول والرّسالة- بآياتٍ كثيرة منها قولُه تعالى: ﴿..وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ الإسراء:46-49.

وعندما فشلت كلُّ أساليبِ الطّعن والتّشكيك هذه في محاصرةِ الدّعوة الإسلاميّة، أعلنت الجاهليّةُ الأولى الحربَ العسكريّة للقضاء على هذا التّحدّي الخطير الذي مثَّلته رسالةُ التّوحيد التي حملَها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله للعالَمين.

كانت الجولات العسكريّة عاتيةً لم يخطر ببالِ أحدٍ آنذاك أن تدورَ فيها الدّائرةُ على قريش وأصنامِها والجاهليّة الأولى، وينتصر التّوحيدُ وتدخل كلُّ القبائل في دين الله أفواجاً.

هالَ قريشاً أن ترى هيبتَها قد تلاشت، فقد تحطّمت شوكتُها العسكريّةُ في الصحاري المحيطة بالمدينة المنوّرة وعلى أعتابِها، وكم من فارسٍ يعَدُّ بألف وكم من فرعونٍ «أعتَى من فرعون موسى» -كما وصفَ الصّادقُ الأمينُ بذلك أبا جهل- حصدَتهم سيوفُ عليٍّ عليه السلام والملائكة المسوِّمين وسائرِ المسلمين.

قرّرتْ قريش أنْ تنحني للعاصفةِ إرصاداً وترقُّباً للّحظةِ المناسبةِ لإطلاقِ الثّورة المضادّة بالأسلوبِ الذي تبلورُ أفضليّتَه المستجدّات.

 
خطّة قريش كما حدّدها الإمام عليّ عليه السلام

أوردَ «ابنُ أبي الحديد» في (شرح نهج البلاغة) نصّاً عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، هو بمنزلة الوثيقة النّبويّة الأبرز عن خطّةِ قريشٍ في مواجهة الإسلام بعد عجزِها في ميادين التّشكيك والحروب.

 
جاءَ في هذا النَّصّ البالغ الأهميّة قولُ أمير المؤمنين عليه السلام:

«..إِنّ العَرَب كَرِهَتْ أَمْرَ محمّدٍ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، وحَسدَتهُ عَلى ما آتاه اللهُ من فَضْلهِ، واستطَالَت أيّامَهُ حتّى قَذَفَتْ زَوجَته، ونَفَّرَتْ به ناقَتَه، مع عظيمِ إحسانِه إليها، وجَسيمِ مِنَنهِ عندها، وأجمَعَت مُذْ كانَ حَيّاً على صَرْفِ الأَمْرِ عن أهل بَيْتهِ بَعدَ مَوتهِ، ولَولا أنّ قريشاً جَعَلَتْ اسمَه ذَريعةً إلى الرّياسَة، وسُلّماً إلى العِزّ والإمْرَةِ، لَما عَبَدَتِ اللهَ بعد مَوتِهِ يَوماً واحداً، ولَارْتَدّتْ في حافرتِها، وعاد قارحُها جَذَعَاً، وبازلُها بَكراً، ثمّ فَتحَ اللهُ عَلَيها الفتُوح، فأثْرَتْ بعدَ الفاقَة، وتموّلَتْ بعد الجُهدِ والمخمَصةِ، فحَسُنَ في عُيونها من الإسلام ما كان سَمجاً، وثبتَ في قلُوبِ كثيرٍ منها من الدِّين ما كانَ مضطرباً، وقالت: لَولا أنّه حَقٌّ لَما كان كذا، ثمّ نسبَتْ تلكَ الفتُوحَ إلى آراء وُلاتِها، وحُسْنِ تدبيرِ الأمَراءِ القائمينَ بها، فتَأكّدَ عند النّاسِ نَباهَةُ قَومٍ وخمولُ آخرين، فكُنّا نَحنُ مِمّن خَمَلَ ذِكرُهُ، وخَبَت نارُهُ، وانقطَعَ صَوتُهُ وَصِيتُه، حتّى أكلَ الدَّهرُ عَلَينا وشربَ، ومَضَتْ السّنون والأحْقابُ بما فيها، ومات كثيرٌ مِمّن يعرف، وَنَشأ كثيرٌ ممّن لا يَعرف..».

يكشفُ الإمام عليّ عليه السلام عن مدى ضَراوة أحقادِ العرب وقريش -التي يخصُّها عليه السلام بالذّكر عادةً- على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنّ هذه الأحقاد الدّفينة اعتملتْ في نفوسِ أصحابِها حتّى وصلتْ بعد استطالةِ أيّامِه إلى محاولاتِ قتلِه صلّى الله عليه وآله.

 
الحقدُ الدّفينُ على رسول الله ﴿أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِل﴾؟!

لم يذكر أميرُ المؤمنين عليه السلام -هنا- من هذه المحاولات إلّا مؤامرةَ العقَبة التي جرى فيها تنفيرُ النّاقةِ في سياقِ ما هو معروفٌ في مصادر السّيرَة.

ويجدرُ التّأمّلُ جيّداً في إشارةِ القرآنِ الكريم إلى هذه المحاولات، بقولِه تعالى: ﴿..أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..﴾ آل عمران:144. لدلالةِ ذلك البيّنةِ على تربُّص الكثيرين وانتظارِهم المريبِ لمرحلةِ ما بعد الرّسول، وهو بعضُ ما عناه أميرُ المؤمنين عليه السلام باستطالةِ العرب أيّامَه صلّى الله عليه وآله.

وعلاقةُ هذا بما نحن فيه هنا أنّ الحقدَ الدّفين على رسولِ الله الذي ظهرَ بعد وفاتِه صلّى الله عليه وآله، ضدَّه وضدَّ أهلِ البيت عليهم السلام، والذي يتوالى فصولاً و«آياتٍ» شيطانيّة إلى الحاضر، كان خزينُه المكتوم امتداداً لأحقادِ أبي لهب وأبي جهل و«دار النّدوة» وأبي سفيان وهند، وقد ورثَه آلُ أبي سفيان وارتكبوا به الفظائعَ ضدَّ أهل البيت، ولم يكن ذلك إلّا استهدافاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله.

إنّ من أولى واجباتِ المسلم الإعتقاديّة التّنبُّهَ إلى حقيقة أنّ أهل البيت عليهم السلام لم يستهدَفوا إلّا من منطلَق الحقدِ على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلو أحبَّ بنو أميّة الرّسولَ لمَا تعقّبوا عترتَه بالقتل. وكذلك غيرُ بني أمية وإلى يومنا هذا، تلك قاعدةٌ مطّردةٌ تتوقّفُ على إدراكِها سلامةُ المعتقَد وحسنُ العاقبة والمصير.

 

«دَفناً.. دَفناً»

من أبرز ما عبّرَ به بنو أميّة عن إلحادِهم وشديدِ حقدِهم على رسولِ الله صلّى الله عليه وآله ما قاله معاويةُ في حوارٍ بينَه وبين المغيرة بن شعبة.

أوردَ كلامَ معاوية هذا إبنُ أبي الحديد المعتزليّ تحت عنوان «أخبارٌ متفرّقة عن أحوال معاوية»، فقال: «وقد طعنَ كثيرٌ من أصحابنا في دينِ معاوية، ولم يقتصروا على تفسيقِه، وقالوا عنه إنّه كان ملحداً لا يعتقدُ النّبوّة، ونقلوا عنه في فلَتات كلامِه، وسقطَات ألفاظِه ما يدلُّ على ذلك. وروى الزّبيرُ بن بكّار في (الموَفّقيّات) -وهو غيرُ متَّهَمٍ على معاوية، ولا منسوب إلى اعتقادِ الشّيعة، لما هو معلومٌ من حالِه من مجانبةِ عليٍّ عليه السلام، والانحرافِ عنه- : قال المطرفُ بنُ المغيرة بنِ شعبة: دخلتُ مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه، فيتحدّث معه، ثمّ ينصرف إليَّ فيذكر معاويةَ وعقلَه، ويُعجب بما يرى منه، إذ جاء ذاتَ ليلةٍ فأمسكَ عن العشاء، ورأيتُه مغتمّاً فانتظرتُه ساعة، وظننتُ أنّه لأمرٍ حدثَ فينا، فقلت: ما لي أراك مغتمّاً منذ اللّيلة؟

فقال: يا بنيّ، جئتُ من عند أكفرِ النّاس وأخبثِهم. قلت: وما ذاك؟

قال: قلتُ له [لمعاوية] وقد خلوتُ به. إنّك قد بلغتَ سنّاً يا أميرَ المؤمنين، فلو أظهرتَ عدلاً، وبسطتَ خيراً فإنّك قد كبرت، ولو نظرتَ إلى إخوتِك من بني هاشم، فوصلتَ أرحامَهم فَوَالله ما عندَهم اليومَ شيءٌ تخافُه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكرُه وثوابُه.

فقال: هيهاتَ هيهاتَ! أيّ ذكرٍ أرجو بقاءَه! مَلَكَ أخو تَيْمٍ فعدَلَ وفعلَ ما فعل، فما عدا أنْ هلكَ حتّى هلكَ ذكرُه، إلّا أن يقولَ قائلٌ: أبو بكر، ثمّ مَلَكَ أخو عَديٍّ، فاجتهدَ وشمّرَ عشرَ سنين، فما عدا أن هلكَ حتّى هلكَ ذكرُه، إلّا أن يقولَ قائلٌ: عمر، وإنّ ابنَ أبي كبشة (!!يقصد الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله) لَيُصاحَ به كلَّ يومٍ خمسَ مرّات: (أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله)، فَأيُّ عملي يبقى، وأيّ ذِكرٍ يدومُ بعدَ هذا لا أباً لك! لا وَاللهِ إلّا دَفْناً دفناً». (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 5، ص 129)

 
استئصالُ أهل البَيت لفصلِ الأمّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله

لا يعني «الدّفن الدّفن» إلّا قراراً أُمويّاً باستئصالِ أهلِ البيت عليهم السلام -معنويّاً باختلاقِ البديلِ الموهومِ عنهم كما يأتي، وماديّاً بالمطاردةِ والتّشريد والقَتل- لأنّ بقاءَهم المعنويَّ في مرتبتِهم السّامية في أذهان المسلمين، وعدم استهدافِهم بالقتل، يخلِّدُ ذكرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويُبقي تعاليمَه في متناولِ الأجيالِ دونَ تحريف، وذلك هو الخطرُ الأكبرُ الذي كانت قريشٌ تريدُ مواجهتَه والتّخلُّصَ منه.

ما تقدّم هو محورٌ منهجيٌّ مركزيٌّ بالغُ الدّلالات والنّتائج يُضيء على السّببِ المركزيّ في قتلِ الإمام الحسن عليه السلام بالسّم، ثمّ في منعِ دفنِه عليه السلام عندَ جدِّه صلّى الله عليه وآله، وقد قال مروانُ بن الحكم يومَها لأمّ المؤمنين عائشة: «إنْ دُفِنَ الحسنُ عندَ جدِّه ذهبَ فخرُ أبيك وصاحبِه إلى يوم القيامة» كما يُضيءُ هذا المحورُ على السّببِ في منعِ الماء عن معسكرِ الإمام الحسين عليه السلام ليهلكَ حتّى الصّغارُ عطشاً، وعلى ذبْحِ الطّفلِ الرّضيع بين يدَي أبيه سيّدِ الشهداء بسهمٍ من الوريد إلى الوريد، كما يُضيءُ على سبب كلِّ ذلك الإصرارُ على قتلِ الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليهما السلام وتعدُّد المحاولات لإنجاز ذلك وعظَمة الإعجازِ الإلهيّ في نجاتِه عليه السلام من القتلِ خصوصاً في الشّام. [أنظر: ملف العدد السابق]

 
اختلاقُ البديلِ عنهم

ترافقَ القرارُ الأمويُّ باستئصالِ أهل البيت عليهم السلام جسديّاً، مع العملِ على اختلاقِ البديلِ عنهم لسبَبين:

الأوّل: قد لا ينجح قرارُ الاستئصال في بُعدِه الجسديّ الماديّ.

والثاني: كوْن التّظاهر بالإسلام بهدفِ السّلطة والحكم باسمِه، يستدعي واسطةً بديلةً عن أهل البيت يتظاهرُ الأمويّون بتقديسِها بنفسِ مستوى القداسةِ التي ركّزَها النبيُّ صلّى الله عليه وآله في الأمّة لأهلِ البيت عليهم السلام.

وكان هذا البديل المختلَق هو عنوان «الصّحابة».

ولا بدّ من التّأكيد بوضوح على أنّ الأمويّين لم يكونوا يحترمون الصُّحبة ولا الصّحابة فهُم ملحدون يحقدون على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فكيفَ يحترمون مَن صَحِبَه وأحسنَ الصُّحبة، وخاضَ الغمراتِ ضدَّ قريش خصوصاً في حروبِها بقيادةِ أبي سفيان؟

كلُّ ما في المخطّط الأمويّ هو المتاجرةُ بعنوان «الصُّحبة» بناءً على ما لهذا العنوان من قدسيّةٍ لدى الأمّة، يمكن تضخيمُها بالوَضع والتّحريف -حتّى بما لا يقبلُه الصّحابةُ الأبرارُ أنفسُهم ولم يقولوه أبداً- ليُصنَع من هذه القداسة المصطنَعة الوسيلة التي تفصلُ الأمّةَ عن أهلِ البيت ليكونَ هذا الفصلُ وسيلةً لتقديمِ الصّورة الأمويّة عن شخصيّةِ رسول الله، فيتحقّقَ بذلك -بزعم قريش وبني أميّة- دفنُ صورتِه الحقيقيّة صلّى الله عليه وآله، وينجح مشروعُ نفاقِهم والمتاجرة بالإسلام واتّخاذ اسمِ رسول الله «سُلّماً لِلعِزِّ والإمْرَة» كما عبّرَ أميرُ المؤمنين عليه السلام.

وقد زادَ الأمويّين قناعةً بالتّستُّر بعنوان «الصّحابة» -لفصلِ الأمّة عن أهل البيت وقطعِ الطّريق على كلِّ مَن يبحثُ عن معرفةِ رسول الله وحُسْنِ الاقتداء به صلّى الله عليه وآله- أنّ من الأمويّين مَن يُمكنهم أن يتاجروا بادّعاءِ الصُّحبة كأبي سفيان، ومعاوية، ومروان بن الحكم، وأبيه طريدِ رسولِ الله من المدينة، والوليد بن عقبة -اليهوديّ نَسَبَاً- وأضرابِهم.

 
الثّقافة الأمويّة، ثقافة الثّورة المضادّة والمنافقة

ولَئِن كان الأمويّون قد فشلوا في تحقيقِ هدفِهم كليّاً، فإنّهم أحرزوا تقدّماً خطيراً ما تزالُ الأمّةُ تعاني من آثارِه ونتائجِه حتّى اليوم.

فشلت الإمبراطوريّةُ الأمويّةُ في القضاء على جميعِ أهل البيت عليهم السلام جسديّاً، إلّا أنّها قتلت السّبطَين وعدداً من الأئمّة الإثني عشر النّقباءِ الخلفاء، والأسباط.

وفشلت هذه الإمبراطوريّةُ الجاهليّةُ في فصلِ الأمّة كليّاً عن أهل البيت عليهم السلام فما تزالُ الأمّةُ إلى يومِنا هذا لا تقدّمُ الصّحابةَ على أهل البيت، إلّا أنّ بني أميّة نجَحوا في تشويشِ الأذهان ونشْرِ سُحُبِ التّضليل على نطاقٍ واسع، الأمرِ الذي جعلَ الوصولَ إلى معرفةٍ حقيقيّةٍ برسول الله صلّى الله عليه وآله، وحصْر الطّريق الموصلِ إليه بأهلِ البيت عليهم السلام صعبَ المنال. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ فصّلت:35

 
أُسُس المخطّط الأمويّ
اعتمدَ بنو أميّة لتثبيتِ انقلابِهم على الأعقاب، الأُسسَ التّالية:

1- الإلحاد المكتوم، لعدمِ الجرأةِ على الجَهر به، فالحربُ على الرّسول، فرعُ إنكارِ المرسِل، وهو ما يجعلُ المخطَّطَ الأمويّ ماديّاً لا يؤمنُ بالغَيب.

2- استبدال حجّيةِ العقل أي «ما تسالمَ عليه العقلاء»، بحجّيةِ الرّأي والمزاج، والاستحسانِ والاستغراب.

3- نزع القداسة عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: ﴿..بَشَرٌ مِثْلُكُم..﴾ الكهف:110، ولا تُكمِل الآية! ولقد تمادت حركةُ الوَضع في اختلاقِ «رواياتٍ» تصبُّ في هذا الهدف.

4- نزع القداسةِ عن أهلِ البيت عليهم السلام واستبدالهم بآل أبي سفيان، وسائرِ الصّحابةِ الذين استُشهدوا، أو لم يواجهوا الأمويّين.

5- تحريف الحديثِ الشّريف، والسّيرة النّبويّة، وتزوير التّاريخ حيثُ أمكَن.

6- اعتماد طبقةٍ من «الفقهاء» لا خَلاقَ لهم في الفقه ولا في الدّين. «وعّاظ السّلاطين».

7- تثبيت مفهومِ الجَبر كضمانةٍ لتجنُّب الخروجِ على الحاكمِ الظّالم.

 
 
ثقافة العبّاسيّين والعثمانيّين، أمويّة.

يوصِلنا البحثُ العلميُّ الموضوعيُّ إلى أنّ التّخطيطَ الشّيطانيَّ للجاهليّةِ الأولى الذي أسهمَ فيه وتمحّض لتنفيذِه الأمويّون، قد تمكّن خلالَ عمْر «الشَّجرة الملعونة في القرآن» -الإمبراطوريّة الأمويّة- أن يفرضَ استمرارَه -بِنسَبٍ مختلفة- إلى يومنا هذا!

وجدَ العبّاسيّون أنفسَهم مضطرّين لاعتمادِ الخطّةِ الأمويّة في أكثر خطوطِها العامّة، لأنّهم وجدوا أنّ أهل البيت عليهم السلام ما يزالون يشكّلون في وَعي الأمّةِ ذلك الرّمزَ النّبويَّ المقدّس الموصِلَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسيؤدّي التّساهلُ معهم إلى أن يفقدَ العبّاسيّون «المُلْكَ» الذي تسلّقوا إليه باسم «الرِّضا من آل محمّد» كما وجدَ العبّاسيّون أنّ إفساحَ المجال للأمّة لتتواصلَ مع الحديث الشّريف غيرِ المحرَّف، والسّيرة النّبويّة الصّحيحة سَيؤدّي إلى كشفِ زَيفِهم بالمقياسِ النّبويّ، فقرّر-العبّاسيّون- بناءً لهذا وذاك أنْ يواصلوا الحربَ ضدَّ أهل البيت عليهم السلام ويواصلوا -بشكلٍ عامّ- اعتمادَ نفسِ البنية الثقافيّة التي أرسى الأمويّون دعائمَها.

وهذا ما فعلَه مَن جاءَ بعدَ العبّاسيّين، خصوصاً العثمانيّين، مع فوارق لا تمسُّ جوهرَ المشروع الشّيطانيّ القرشيّ – الأمويّ.

 
وثقافةُ المستشرقين، والوهّابيَّتَين، أمويّة

عندما برزت حركةُ الاستشراق، وتبلورت، اتّضحَ جليّاً أنّ المستشرقين قد وجدوا صيدَهم الثّمينَ -الذي بثّوا سمومَهم من خلالِه- في هذه الثّقافةِ الأمويّةِ التي تقدّمت الإشارةُ إلى أُسُسِها، وقد تصدّى الكثيرُ من الباحثين لتوضيحِ معالمِ هذا التّلاقي الاستشراقيّ – الأمويّ في الإساءةِ إلى النّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله ورسالةِ التّوحيد، فَأكتفي بهذه الإشارة.

وفي سياقِ الاستشراق وهو بريطانيُّ الغلَبة والهوى، نشأت الوهابيّةُ المعروفة، فإذا هي نسخةٌ طِبقَ الأصلِ عن المشروعِ الأمويّ لمواجهةِ رسول الله بعدَ وفاتِه صلّى الله عليه وآله بحيث إنّه لا داعيَ للحديثِ عن أُسُسِها الفكريّة، فهي نفسُ الأُسسِ الأمويّة التي تقدّم بيانُها.

إلّا أنّ من المفيدِ هنا الإشارة إلى بعضِ ما تفرّع على هذه الأُسُس لدى الوهّابيّين وهو التالي:

1- تحريمُ الوهّابيّين الاحتفالَ بمولدِ الرّسول صلّى الله عليه وآله.

2- تحريمُهم السّفرَ إلى المسجدِ النّبويّ بنيّةِ زيارةِ قبر الرّسول صلّى الله عليه وآله، فإذا سافرَ المسلمُ بنيّةِ الصّلاة في المسجد جازَ له ذلك، لكنْ هل يجوزُ له الالتفاتُ إلى القبر الشّريف قائلاً: السّلامُ عليك يا رسولَ الله؟ يحرِّمُ ابنُ تيميّة ذلك في غير المرّةِ الأولى!! أمّا في المرّة الأولى فهو «مكروه»!

3- مَنْعُ الوهّابيّين المسلمين من زيارةِ الأماكنِ التّاريخيّة المرتبطةِ برسول الله صلّى الله عليه آله، كَمكان مولدِه الشّريف المعرَّضِ للهدمِ الآن، بعد هدْمِ منزله صلّى الله عليه وآله الذي كانت معه فيه أمُّ المؤمنين السيّدة خديجة رضي اللهُ تعالى عنها.

4- التّحفّزُ الوهّابيّ منذ عقود لهدْمِ قبّةِ المسجد النّبويّ التي يتردّدُ الآن أنّها في معرَض الخطر.

5- هدْمُ قِباب مقاماتِ الأئمّة الأربعة من أهلِ البيت عليهم السلام، في البقيع بالمدينة المنوّرة.

6- استبدالُ أهلِ البيت بآل أبي سفيان، ففي حين يتحدّثون بحماسٍ وحبٍّ وذَوبان عن أبي سفيان وهند ومعاوية ويزيد يتميّزون من الغَيظِ والحنَقِ والحقدِ على مَن يحبُّ أهلَ البيت، أو يذكرُهم بأدنى الخير.

 
الوهّابيّة المقَنَّعة

برزت في العقودِ الأخيرة ظاهرةُ «الوهّابيّة المُقَنّعة»، وهي ظاهرةٌ خطيرةٌ شديدةُ التّدليسِ والإلتباس، ترجعُ بالمآل -وبعدَ طَيِّ مراحلِ تأثُّرِها بنتائج حركة الاستشراق، والوهّابيّة المكشوفة- إلى الثّقافة الأمويّة وإنْ بنسبةٍ أقلَّ بكثير من الوهّابيّة المكشوفة، والدّليلُ على هذه المرجعيّة هو التّشابهُ بين الوهّابيّتَين المكشوفة والمقنَّعة في عدّة طروحاتٍ عقائديّةٍ رئيسةٍ، كما سترى.

وليس المقصودُ هنا خصوص الرّمزِ الذي يتبارى بعضُ وَرَثَتِه في إكمالِ المُرتَقى الصَّعبِ الضّالِّ الذي أسّسَ له، فالظّاهرةُ أعمُّ من لبنان والبلاد العربيّة. إنّها توجَدُ حيث توجُد عدوى الوهّابيّةِ المعروفةِ المكشوفةِ التي أدّى تلاقحُها مع الغزو الثقافيّ -الاستشراقيّ وما بعدَه- إلى توهُّم المقنَّعين بأنّهم يرتقون في مَدارج «الحداثة» فيُقدّمون الإسلامَ بما «ينسجمُ مع روحِ العَصر».

للتّدليلِ على هذا التّشابهِ العجيب، أقفُ عند أبرز ما تُركِّزُ عليه الوهّابيّة المقنَّعة:

1- تَغْييب «الغَيب» عن حركة التّثقيف بالإسلام، بحجّةِ المغالطةِ المَقيتة التي تؤكِّدُ التّقابلَ بين الغَيب والواقعِ الموضوعيّ! في حين يتلخَّصُ الاعتقادُ الدّينيُّ الحقُّ في أنّ الواقعَ الموضوعيّ «غيبٌ، وما عالَمُ الشّهادةِ إلّا ظلالُه».

سوءُ الفهم هذا يجعلُ الطّرحَ الإسلاميّ ماديّاً، يلتقي مع المنطلَقاتِ الماديّةِ للثّقافةِ الأمويّة والجاهليّتَين الأولى والثّانية.

2- ادّعاء التزامِ العقلِ إلى أبعدِ الحدودِ دونَ التّمييزِ بين العقلِ الحجّةِ وَوَهْمِ العقل. الأمر الذي يفسحُ المجالَ في أن يصبحَ المزاجُ هو الحَكَم، ومن أسوأ ما ينتجُ عنه وأخطره المبادرةُ إلى نَفْي المغيّباتِ والرّواياتِ التي لا تنسجمُ مع ذَوق النّافي ومزاجِه و«روح العصر» التي يعتبرُها المقياسَ والدّليل.

3- التّقليل من تقديس رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، وأهلِ البيت عليهم السلام، والمبادرة إلى التّشكيكِ بكثيرٍ من المغيَّبات، بحُجّةِ «محاربة الغُلوّ» من دون التّمييز العلميّ بين ما هو غُلوٌّ وما هو إنزالٌ لهم «عن مراتبِهم التي رتّبَهم اللهُ فيها».

4- التّأكيد على حَصر العلاقة برسول الله بالبُعد البَشريّ، بحُجّةِ قوله تعالى: ﴿..إِِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُم..﴾ الكهف:110، بتوهُّم أنّ دلالةَ ذلك بمعنَى «لستُ إلّا بشراً» ويحملُ هذا التّوهُّم -أو الضّلال- على عدم التّفكير بدلالة ﴿..يُوْحَى إِلَيَّ..﴾ الكهف:110، ودلالة ﴿رَسُولاً﴾ في قوله تعالى ﴿..بَشَراً رَسُولاً﴾ الإسراء:93، ونسيان -أو تَناسي- قاعدة «لا ينعقدُ الظّهورُ إلّا بعدَ اكتمالِ البيان».

ولكي يتّضحَ التّشابهُ بين الوهّابيّتَين، ينبغي استحضارُ موقفِ الوهّابيّة المقَنّعة – بالإضافة إلى الخلَل في تفسيرِهم الماديّ لبشريّة الرّسول صلّى الله عليه وآله- في الموضوعاتِ التّالية:

الأوّل: اعتبار الاستحسانِ دليلَ القبول، والاستغراب دليلَ الردّ.

الثاني: محاربة التّوسُّل المباشر بالمعصومين، تَذَرُّعاً وتَقَنُّعاً بمغالطةِ الفرقِ بينَ «يا وجيهاً عند الله»، «الحرام» «الشِّرك» عندَهم وبزعمِهم، وبين «يا أللهُ اغفرْ لي بحقِّ الوجيهِ عندَك». واللّافت أنّ هذه المغالطة من أبرز وجوهِ التّشابهِ بين الوهّابيّتَين وإصرارهما على محاربة التوسُّل، خلافاً لما أجمعَ عليه الشيعةُ والسنّة.

الثالث: التّقليل من قَداسة المعصوم. آدم عليه السلام عندَ رمزِهم الأبرز، لم يكن ساذجاً، بل لم تكن عنده تجربة! والزّهراء عليها السلام «الكاتبة الإسلاميّة الأولى»!

وعلى هذَين فَقِسْ ما سواهما وهو بالصّوت كثير، ولعلّه بالصّورةِ كذلك.
 
وثقافةُ أدعياء الحداثة، والتكفيريّين، أمويّة

من المفارقات أن مدّعي الحداثة الموهومة طيفٌ يشملُ مَن يسمّون أنفسَهم بـ «العلمانيّين» كما يشملُ بعضَ «الإسلامويّين»، ويشتركان مع «التكفيريّين» في إلغاء الآخر، فالحداثويّون «تكفيريّون» من الدَّرْك الأسفلِ لأنّهم «تجهيليّون» لكلِّ مَن عداهم.

وكما وجدَ المستشرقون بُغيتَهم في الثّقافةِ الأمويّةِ القائمةِ على التّقليل من قداسةِ الرّسول، كذلك وجدَ الحداثويّون في نكراءِ معاوية ومصلحيّتِه وشيطنتِه وفسادِه ما يسوِّغُ لهم الخروجَ على الثّوابت باسمِ التّحرُّر.

وأمّا التّكفيريّون فهم نسخةٌ عن الوهّابيّة ممعنةٌ في الضّلال البعيد، تشكِّلُ امتداداً للخوارج الذين «مرقوا من الدِّين كما يمرقُ السّهمُ من الرَّمْية» كما في الحديثِ الشّريف، وتلتقي هذه النّسخةُ مع ما تختزنُه الماديّةُ من تحكيمِ المزاج و«الرّأي المخترَع» باسم العقلِ والعقلانيّة والتّحرُّر المُدَّعى و«الإنسان سيّد الطّبيعة والكون».

 
الإساءة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله

كان هذا العرض ضروريّاً لتظهيرِ سعة المَروحة التي تشتركُ في عنوان «الإساءة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله»، ولا يُلغي صدق هذه الإساءةِ أن يكونَ أكثرُ مَن تصدرُ عنهم ممّن ينتسبون إلى الإسلام بشكلٍ وآخر فقد كان الحكّامُ الأمويّون أئمّةَ جمعةٍ وجماعة. كما لا يُلغي صدق هذه الإساءة أن يكونَ البعضُ قد انخرطَ في تيار الثّقافة الشّيطانيّ الأمويّ عن سوء فَهمٍ، وحُسْنِ نيّة.

يستطيعُ حتّى الغبيُّ أن يدركَ أنّ اجتماعَ كلمة الكفر -منذ بدايةِ الإمبراطوريّة الأمويّة وإلى الصّوَر والأفلامِ المسيئةِ للنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله التي انتشرتْ في الغربِ وما تزال- على عنوان الإساءةِ والتّقليلِ من القداسة أو ضرْبِها، يفرضُ التّدقيقَ في أيّ رأيٍ يطرَحُ حولَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والحذر من أن يكونَ في هذا الطّرحِ ما يخدمُ مشروعَ الكفرِ الذي ينطلقُ من قاعدةِ أنّ السّبيلَ الحصريَّ للقضاءِ على الإسلام هو فصلُ المسلمين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله.

 
الموقفُ من الاحتفال بالمولدِ النّبويّ

من أبرز مفردات الإساءةِ إلى سيّد النّبيّين والشّاهد عليهم، الموقفُ السَّلبيُّ من الاحتفال بذكرى المولد النّبويّ!

ولم يشذَّ عن إجماعِ الأمّة ويخرج عليه في كوْن هذا الاحتفال سُنّة مؤكّدة إلّا الوهّابيّون القدامى والجُدد. الوهّابيّتان المكشوفة والمقنَّعة. أما الوهّابيّة المكشوفة فليست من الأمّة من قريبٍ أو بعيد، فما بالُ الوهّابيّةِ المقنّعةِ وهل تريدُ أن تثبّتَ خروجَها من دائرة الأمّة؟

ليس في هذا الكلامِ مبالغةٌ ولا أدنى شبهة تَجَنٍّ. هذا كلامُ «السيّد» يقدّم لكم الدّليل: «إنّ الاحتفالَ بالمولدِ النّبويّ كتقليد جاءَنا من الغرب كمرورِ مائة سَنة على ولادة فلان، أمّا في الإسلام فليسَ لدينا مثلُ هذا التّقليد».

ذلكم أقلُّ ما يحتِّمُ البحثَ والتّحليلَ في القواسم المشتركة بين ثلاثيّة الغزو الثّقافي والوهّابيّتَين. وللبحثِ صِلات، إلّا أن تَضربوا على أفواهِ مَن يتطاولون على «التّوسُّل»، و«الزّيارة الجامعة»، و«زيارة عاشوراء»، و«دعاء العهد»، وحُرمةِ كلِّ تربةِ كربلاء كما حدَّدها الفقهاءُ المعترَف بفقاهتِهم لا غير. واللهُ المستعانُ على ما تَصفون.

***
 
معلِّم الأولين والآخِرين، والملائكة

رسول الله صلّى الله عليه وآله كان معلِّمُ الأوَّلين والآخرين، وكانت الملائكةُ تستقي علمَها من علمِه، وكان قلبُه أسمى موْضعٍ للوحي الإلهي، فيجب الحفاظ على القِيَم الموجودة في الوجود المقدَّس للنبيّ صلّى الله عليه وآله وفي مَن هو امتدادٌ لوجوده.

الإمام السيّد عليّ الخامنئي دام ظلّه
 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً