تابعت بعض المقالات التي ينشرها الكاتب الفاضل محمد دهيني في موقع النصوص و بعض الدوريات التي يتولى ادارة التحرير فيها ، و قد استرعى نظري أهمية الموضوعات التي يطرحها و العناوين الكبيرة التي يتناولها . و في نفس الوقت لفتتني بعض العناوين الصادمة – من وجهة نظري- التي تحملها بعض المقالات . و أثناء قراءتي لها خطرت لي بعض الملاحظات ، فرأيت من المناسب طرحها في شكل تعليقات و هوامش . و كلي أمل أن يتسع لها صدر الكاتب الفاضل و أن تكون مساهمة متواضعة في المناقشات و الآراء النقدية .
المقالة الأولى : و قد حملت عنوانا مثيرا جدا بل مستفزا – في نظري – و هو : اسم فاطمة جاهلي بامتياز ، و قد نشرت في موقع النصوص بتاريخ 19/ 8/ 2011 للميلاد .
و ذكر فيها بأن بعض الخطباء يزعم بان اسم السيدة فاطمة بنت الرسول صلوات الله عليهما هو إلهي المنشأ و مشتق من فاطر . و حاول الكاتب فيه ان يورد أمثلة من التاريخ و الأدب ليثبت بأن هذا الاسم لم يكن جديدا في التاريخ العربي ، و ان السيدة فاطمة ع لم تكن أول من تسمى به ، و ما الى ذلك . و أخال ان ثمة مبالغات تضمنها المقال ، إذ لم نسمع يوما ان خطيبا متمرسا و مطلعا على أبجديات الخطابة و موضوعاتها ، ينكر ان يكون اسم فاطمة لعدد من النساء قبل السيدة فاطمة الزهراء ع ! بل أخال ان الأطفال عندنا يحفظون عن ظهر قلب اسم والدة أمير المؤمنين ع و هو فاطمة بنت أسد . فما أكثر المرات التي يطرح فيها الخطباء العاديون فضلا عن الحوزويين منهم ، فضائل و مناقب السيدة فاطمة بنت أسد (رض) و ما حظيته من حب النبي (ص) و حفاوته و اهتمامه بها في حياتها و بعيد وفاتها . و ما أكثر المرات التي نسمع الخطباء يذكرون بأن النبي (ص) كلف الامام عليا ان يبيت على فراشه ليلة الهجرة للتمويه على رجالات قريش و لإنجاح هجرة النبي (ص) و نجاته ، و أن يؤدي عنه الأمانات ثم يلتحق بالنبي (ص) و يحمل معه الفواطم عند هجرته . و ما أكثر المرات التي سمع جمهور هذه المجالس قصة هجرة الامام علي و حمله الفواطم معه و هن فاطمة بنت حمزة ، و فاطمة بنت الزبير وفاطمة بنت أسد و فاطمة بنت رسول الله (ص) . بل ان كثيرا من جمهور هذه المجالس درسوا الأدب العربي في المدارس و المعاهد و ربما حفظوا معلقة امرؤ القيس المعروفة ” أطلال ” التي كان يتغزل فيها بحبيبته فاطمة . و بعد كل ذلك ، لا أدري ان كان هناك خطيب يزعم بأن هذا الاسم لا سابقة له في التاريخ ! أخشى أن يبدو لقارئ هذا المقال غير المطلع على طبيعة هذه المجالس ، بما فيها الشعبية ، ان خطباءها فضلا عن جمهورها غارقون في الجهل و الأمية ! .
أما كون اسم السيدة فاطمة بنت النبي (ص) إلهي المنشا ، إذا كان القصد منه بأن الله تعالى اختاره لها ، او انه تعالى وجه رسوله (ص) ان يسميها بهذا الاسم ، فإذا وجدت أخبار معتبرة في ذلك ، فأي مانع من ان يكون الله تعالى اختار هذا الاسم من بين سائر الأسماء في الدنيا لابنة جبيبه و صفيه محمد (ص) ؟ و ما المانع أن تأتي روايات عن أهل البيت (ع) فتكشف بعض دلالات و خصوصيات هذا الإختيار الإلهي أو النبوي لهذا الإسم والمشتقة منه أو المتسقة مع بعض معانيه و تطبيقاته ؟
شخصيا لا أجد مسوغا لتضخيم المسألة و طرحها بهذه الطريقة المثيرة بل المستفزة في بعض تعبيراتها ، و لا أوافق الكاتب على بعض الأوصاف التي أسقطها بشكل مباشر أو غير مباشر ، عند مطالبته الجمهور في ختام المقالة بالقول : كفى السماح لهؤلاء الجهلة المتنسكين و المدلسين ان يعبثوا بعقولنا !! ان المطالبة بتطوير الخطاب المنبري الديني أمر مشروع و ان السعي لتحسين أداء المنابر شكلا و مضمونا ، أمر في غاية الأهمية ، كما ان الإتجاه النقدي لدور المنابر الدينية و خطابها و مضامينها بغية تنميتها غدا مطلبا ملحا جدا على أن يتحلى بالضوابط الموضوعية .
المقالة الثانة : حول رواية من زار الرضا (ع) فأصابه في طريقه قطرة من السماء أو صداع في رأسه حرم الله جسده على النار ، المنشورة في موقع الكاتب بتاريخ 19/ 5/ 2011 .
و في البداية لا بد من الإشارة بأني هنا لست في وارد التوجيه و التأويل لهذه الرواية أو ما يشبهها ، أو قبولها و ردها ، و لكني بصدد مناقشة منهج الكاتب و طريقة تعامله مع من يخالفه في متبنياته . أشار ان بعض الخطباء و مرافقي الزوار يطرحون الموضوع بطريقة بعيدة عن الأمانة العلمية في النقل و الآلية الصحيحة للفهم .. فينقلب فعلهم الحسن الى قبيح . و تطرق الى روايتين ثم أسقطهما من الاعتبار . فقد رأى ان الأولى جاء في سندها محمد بن أحمد السناني و هو مجهول و سهل بن زياد الآدمي و هو ضعيف . و في سند الثانية محمد بن علي ماجيلويه و هو مجهول و ابراهيم بن هاشم والد علي بن ابراهيم و هو مجهول.
و الواقع لو كان الكاتب بصدد بحث مستقل حول الموضوع و بالمنهجية التي يرتضيها و لغرض طرح رؤيته و قناعاته الشخصية و النتائج التي ينتهي إليها ، لكان ذلك من حقه ككاتب و باحث ، و يكون من حق القارئ و المتابع ان يتفق أو يختلف معه في منهجه أو في آرائه و نتائج بحثه . أما و الحال انه ينقد رؤى و أفكار جملة من الخطباء و المتحدثين و التي يعرضونها عبر المنابر و أثناء الزيارات ، فعندها يفترض ان لا يلزمهم يقناعاته الشخصية في مناهج البحث و قواعده . كما لا يصح في هذه الحالة أن يغفل المباني و الآراء المخالفة لقناعاته و اختياراته و كأنه قد وضع يده على كبد الحقيقة و أصاب الحق الحقيق دون سواه .
و في ضوء هذه المنهجية الأخيرة المقترحة ، ستختلف نتائج البحث ، فمثلا ان محمد بن احمد السناني هو من مشايخ الصدوق و ممن أكثر الصدوق الرواية عنه مترحما و مترضيا عنه . كما ان محمد بن علي ماجيلويه من مشايخ الإجازة أيضا و روى عنه كثيرا و ترضى عنه . و قد ذهب جملة من العلماء بان مشيخة الإجازة و الترضي و الترحم و كثرة الرواية من مثل الصدوق و ما شابه هي قرائن تفيد التوثيق أو الوثوق حسب تفاوت المباني . صحيح ان بعض العلماء كالسيد الخوئي لم يقبل ذلك حسب مبناه ، و رأى بان الترضي لا يدل على التوثيق ، و لا يعدو ان يكون مجرد دعاء ، و لكنه ليس هو الرأي الوحيد المطروح في المقام . و اذا جئنا الى ابراهيم بن هاشم القمي فقد نص بعض الرجاليين كالكشي و الطوسي بانه نشر حديث الكوفيين في قم ، و مع تشدد القميين في قبول الروايات اعتبر ذلك قرينة في صالحه . و حسنه بعض العلماء مثل الشهيد الأول و البهائي و التفريشي و بحر العلوم . و العلامة الحلي و ان توقف فيه في خلاصته في البداية لكنه في الأخير رجح قبول رواياته و صحح بعض الروايات التي يرد في طريقها . و لئن ذهب بعض الى عدم التعويل على توثيقات المتأخرين لحدسيتها ، فإنه ليس محل اتفاق . كما انه وقع في رجال كامل الزيارات و تفسير القمي ، و قد ذهب بعض كالسيد الخوئي في مبناه السابق حول الكامل ، و من وافقه على توثيق كل من ورد فيهما . أما سهل بن زياد فقد اختلف في شأنه بين مضعف و موثق ، و قد نقل عن الشيخ الطوسي قولان فيه ، وقيل ان التعديل في الفهرست هو رأيه الأخير ، و إن نوقش بتضعيفاته لبعض رواياته . و رأى بعض كالوحيد البهبهاي توثيقه بناء على بعض القرائن، و هذا يعني ان ثمة خلاف بين العلماء بشأنه . و في ضوء ذلك ، فانه يمكن القول بان ضعف الروايتين ليس موضع اتفاق ، و من ثم هناك من لا يرى اسقاطهما ، لا سيما في مثل هذه الموارد من فضائل الأعمال و السنن .
و عليه مالمانع ان يعمد بعض الخطباء و المتحدثين في المجالس في سياق الترغيب لزيارة الامام الرضا عليه السلام بالاستشهاد بهذه الروايات . أضف الى ذلك ، ان هناك من يأخذ بقاعدة التسامح في أدلة السنن ، و يعتمد على روايات من بلغه ، و من ثم يرى صحة العمل بأمثالها رجاء . على ان أصل زيارة الإمام المعصوم عليه السلام و فضلها مفروغ منه كما ذكر الكاتب . طبعا من حق الكاتب أن يتبنى الرأي المتشدد في الجرح و التعديل ، و لكن و حيث انه بصدد مناقشة غيره ، فليس من حقه ان يلزمهم أو يحاسبهم أو يحاكمهم طبقا لقناعاته و مبانيه ، بل عليه ان لا يغفل بقية المباني في هذا السياق .
من جهة أخرى و في سياق متصل بالروايات المتعلقة بفضل زيارة الامام الرضا فقد ذكر الكاتب بعض المحاذير العقائدية فيما اذا لم تفسر هذه الروايات بالمعنى الكنائي الذي اختاره ، و من هذه المحاذير ، كما يقول : ان ذلك خلاف سياقات الوعد الإلهي بالجزاء و الثواب ، فالوعد يكون عادة في مقابل المشقة و التعب.
و الواقع ان هذه المقولة مما يذكرها بعض أهل الحديث في ردهم لكثير من الروايات الواردة في مصادر المسلمين أجمع ، فقد اعتبر بعضهم كابن الجوزي و غيره ان من علامات الوضع ورود ثواب كثير على أعمال بسيطة . و هنا فانني أرى ان الكاتب علي الدهيني كفانا مؤونة البحث و الرد على هذه الدعوى ، في القسم الأول من بحثه حول أحكام الشعائر الحسينية المنشور في الاجتهاد التجديد ، في مناقشته للشيخ البهبودي و السيد الحسني في بحثه المذكور . و رأى ان البهبودي وقع فريسة عدم تعقل الثواب الكبير على فعل بسيط كالبكاء على الحسين عليه السلام . و مما ذكره ان الثواب الالهي إما تفضل أو استحقاق ، فالأول بيده سبحانه كما و كيفا ، و على الثاني فكلنا نعلم انه لا مطابقة بين الواجبات و بين المستحبات و بين ثوابها و جزائها . و ان الثواب هو الذي يرفع من قيمة العمل ، و الدليل على ذلك الخلود في الجنة . و أهم ما ذكره في هذا الصدد هو ان الموازين الإلهية في الإثابة تختلف عما هو سائد بين الناس . و في سياق رده عليهما ذكر جملة من الروايات بما فيها الصحيحة السند التي توعد ثوابا جزيلا على أعمال بسيطة و من مصادر المسلمين ، منها عن أبي عبد الله عليه السلام ، من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات : الحمد لله الذي يحيي الموتى و يميت الأحياء و هو على كل شيئ قدير ، خرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه . و عنه عليه السلام : الحاج على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، و صنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، و صنف يحفظ في أهله و ماله ، و هو أدنى ما يرجع به الحاج . و قال لقد رأيت العشرات بل المئات من الأحاديث التي تفرغ ثوابا عظيما على بعض الاعمال .
المقالة الثالثة : مقالة لبيك يارسول الله من النداء الى الفعل ، المنشورة في موقعه بتاريخ 22/ 9/ 2012 .
ان الدعوة الى اجرء البحوث النقدية لكتب الأخبار و الرويات عند المسلمين ليست جديدة ، بل ان المحققين
من علماء المسلمين من مختلف المذاهب مارسوها – و لا يزالون- حسب المناهج و القواعد التي اقتنعوا بها . فالدعوة مشروعة و القيام بها مهم للغاية على ان يتم وفق الأسس العلمية و الموضوعية . و الجيد في المقالة انها تناولت أمثلة من مختلف مصادر المسلمين دون التركيز على اتجاه دون غيره ، و لقد كان الأوفق البدء بالأمثلة بحسب حسب التسلسل التاريخي للمصادر التي اعتمد عليها ، بصرف النظر عن انتماءات أصحابها . كما يلاحظ ان المقالة أبرزت البحار و كأنه هو المصدر الأساس لما ذكر عن صهاك ، في حين ان ثمة مصادر في المثالب كما للكلبي و غيره أقدم بكثير ، و لعلها هي الأساس في بعض ذلك ، و قد جمعت في البحار و غيره . نعم اني اشاطر الكاتب الرأي في عدم الحاجة الى طرح أمثالها ، فضلا عما يترتب عليه من نتائج سلبية ، العرب و المسلمون في غنى عنها . بل اننا أحوج الى تعزيز الصفوف و تقوية الترابط الداخلي للعرب و المسلمين .
المقالة الرابعة : هل الشهادة الثالثة بدعة أم شعيرة ؟ المنشورة في موقع النصوص بتاريخ 22/5/ 2011 .
لقد بدا لي من قراءة المقال كاملا ، و لا سيما في جانب من كلام الكاتب فيه انه صادر عن رد فعل من بعض الأحكام المتسرعة التي تصنف الناس الى ولائي و غيره . كما اشتكى الكاتب من ردود فعل الجمهور ، و قال : فإذا أوردنا الأذان بالصيغة النبوية بدون الشهادة الثالثة ، ثار علينا جمهور الشيعة الكرام مستنكرين و مستهجنين بدافع العصبية العمياء . كما انطلق رد فعله – كما يبدو – من بعض ما تقوم به بعض القنوات الفضائية من إخفاء الإقامة الخالية من الشهادة الثالثة لبعض الأعلام . و قد خاطبهم بقوله : لقد فتح لكم باب الخلاص من هذه البدعة مرجع كبير هو السيد محمد حسين فضل الله ، فهل تتابعون المسيرة أو تنقلبون على الأعقاب ، ثم عقب ذلك بالآية الكريمة المخاطبة للمسلمين بعد واقعة أحد ” و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ” و أيا كان فقد انتهى الكاتب الى ان الشهادة الثالثة بدعة في الدين . و ذهب الى ان من مناشئ القول باستحبابها هو عدم كون الأذان و الإقامة من الواجبات في الصلاة ، و عدم حرمة الكلام الأجنبي في صحتها ، و تذكيرنا بالعقيدة الشعية ، و رضى العوام الذين يعيشون العصبية و لا يعنيهم الحق . و قال في ختام مقاله : اسمعوا نصيحتي احذفوها قربة الى الله تعالى .
و قد نقل الكاتب في هذا السياق ، آراء بعض العلماء كالصدوق و الطوسي و الشهيدين و غيرهم . و مما نقله كلام الشيخ الطوسي في النهاية و مفاده بأن ما ورد في شواذ الأخبار من قول أشهد ان ولي الله و آل محمد خير البرية ، فمما لا يعمل عليه في الأذان و الإقامة ، فمن عمل بها كان مخطئا . و استظهر بأن شواذ الأخبار تعني الأخبار الضعيفة و الكاذبة و الموضوعة و إلا لم ينسب العامل بها جازما الى الخطأ .
و الواقع ان الخبر الشاذ حسب علماء المصطلح و الدراية هو ما يرويه الثقة بما يخالف ما رواه غيره من الثقاة أو الجمهور أو الأكثر . فهو أقرب الى الإنفراد في الرواية المخالفة لما عليه المشهور . و اعتبره بعضهم من قبيل العلل القادحة ، غير ان الشهيد الثاني ذهب الى ان الشذوذ لا يضر في صحة الحديث مع استجماعه لسائر شروط الصحة بحيث يكون رواي الشاذ احفظ او اضبط او اعدل . ثم انه من المعلوم ان ثمة فرق كبير بين الخبر الضعيف و المكذوب و الموضوع متى تحقق من كذبه . فالضعيف قد يستأنس به و قد يستشهد به على نحو المؤيد ، بل قد يرقى الى مستوى المقبول اذا عمل به ، و قد ينجبر ضعفه بكثرة الطرق و ما الى ذلك ، بعكس المكذوب و الموضوع . و يظهر من كلام الشيخ الطوسي من الشاذ انه غير المعمول به أو غير المعول عليه ، فهو أشبه بالمتروك . و من هنا نسب العمل به الى الخطأ بمعنى خلاف الأولى و ليس ما ذهب اليه الكاتب ، و يؤيد ذلك ما صرح به في المبسوط ، و هو قد وضعه للتفصيل و التفريع ، حيث قال فيه : و لو فعله الإنسان لم ياثم به . و به صرح جماعة كالشهيد الأول و الثاني و الأردبيلي و كاشف الغطاء و غيرهم ممن أورد الكاتب كلماتهم التي تدل على ذلك . و فصل الشهيد الثاني في الروضة البهية، و هو ما لم ينقله الكاتب : فلو فعل هذه االزيادة .. بنية انه منه أثم في اعتقاده ، و لا يبطل الأذان بفعله ، و بدون اعتقاده ذلك فلا حرج . و قد نبه الأردبيلي الى ذلك بوضوح حين قال : و لا يتوهم المنع من الصلاة على النبي فيه ، لظهور خروجه منه ، و عموم الأخبار الدالة بالصلاة عليه مع سماع ذكره و لخصوص الخبر الصحيح المنقول ..” و قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، حسب نقل الكاتب ، و من قصده جزء من الأذان في الإبتداء بطل أذانه بتمامه .. و من قصد ذكر أمير المؤمنين لإظهار شأنه أو لمجرد رجحانه لذاته مع ذكر رب العالمين أو ذكر سيد المرسلين ، كما روي ذلك فيه ، و في باقي الأئمة الطاهرين أو الرد عل المخالفين و إرغام الفرق المعندين أثيب على ذلك . و من ذلك يفهم ان الفقهاء فصلوا القول في المسألة منذ القدم ، و بذلك فرقوا بين الزيادة البدعية التي لم يرد أي دليل على رجحانها ، و بين ما دل دليل على صحتها و رجحانها في نفسها .
بل ندب الى ذكرها في بعض العمومات كالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) عند ذكره . و بهذا أو قريب منه جاءت كلمات معظم الفقهاء بأن الشهادة الثالثة ليست من فصول الأذان و ليست جزء منه و لا من الإقامة ، و لكن من أتى بها دون اعتقاد بجزئيها لم يأثم و لم يبطل أذانه أو اقامته ، بل رجحها بعضهم بذاتها لكونها من تمام الرسالة ، كما هو الحال بالنسبة للصلاة على النبي عند ذكره في كل حال .
أما ما ذكره الكاتب بأن إخفات السيد الخميني الراحل للشهادة الثالثة أثناء الإقامة و إتيانه بها لمرة واحدة ، فانه ليس كما استوحاه بأنه يدل على ان في نفسه من استحبابها شيئ . بل هو للتفريق بين فصول الإقامة و بينها ، و لإبعاد الإشتباه عند الناس بأنها منها . و هو ما نبه اليه بعض الفقهاء مثل الشيخ جعفر كاشف الغطاء و الشيخ اللنكراني و غيرهما ، بأهمية التغاير في صيغ الشهادة الثالثة ، و إلا فرأي السيد الخميني فيها واضح بينه في رسالته العملية و في الآداب المعنوية للصلاة .
و هنا أود أن أطرح وجهة نظر شخصية قابلة للأخذ و الرد و النقد . لقد حان الوقت للكف عن تبادل أوصاف التبديع و التضليل لما نختلف فيه من المناهج و الآراء و الأفكار ، خصوصا و ان معظمها صادرة عن اجتهادات العلماء المتأهلين و المفكرين المختصين . لأن الاسترسال في إطلاق هذه الأوصاف و إصدار هذه الأحكام يعني ان كل من يختلف مع الآخر ، كان مجتهدا أو مقلدا ، يحق له أن ينسبه إلى شيئ من هذه الأوصاف أو ما يشاكلها . ثم اننا نلاحظ ان ثمة اختلاف في تحديد و ضبط لمفاهيم بعض تلكم الأوصاف ، فهذا يعرف البدعة و أهلها بشكل و ذاك بآخر و ثالث يضيف عليه شرطا و رابع ينقص منه قيدا و و هذا يوسع و ذاك يضيق و هكذا . انني أشدد كثيرا على المثقفين بالذات ، في أن يبتعدوا عن اتباع هذه الأساليب ، و إلا إذا جاز لأحد أن يصف فعلا شعبيا قائما على اجتهاد جمهور أهل الفقه على انه بدعة و ضلالة و كل ضلالة في النار ، و ان ذلك قد ينسحب بالتالي على من يزاوله فيوصفوا بالفئة المبتدعة و الضالة ، فانه يجوز لغيره مثل ذلك . حان الوقت لكي نبدل هذه الثقافة التبديعية و التضليلية و الإقصائية بثقافة و مفاهيم و أوصاف علمية و موضوعية غير جارحة و غير مهينة من قبيل الصواب و الخطا أو قريب منهما و ما شابه . لست هنا في وارد نفي وجود البدعة و الضلالة و ما شابه من أوصاف وأحكام و مفاهيم و تطبيقاتها ، و لكني أدعو الى عدم التسرع في إطلاقها على من يخالف في المنهج الاجتهادي و النتائج المختلفة التي ينتهي اليها ، حتى لانقع في فوضى تبادل مثل هذه الأحكام الإلغائية و الإقصائية و التضليلية بحيث لن يبقى أحد إلا و يطاله شيئ منها .
و أخيرا ما أود إعادة التأكيد عليه ، بان أي كاتب – لا سيما المختص – و أتحدث هنا بشكل عام ، له ان يبحث في الأدلة و الملابسات التاريخية لمختلف فروع الفكر عند المسلمين و غيرهم و بالطريقة و المنهج الذين يقتنع بهما علميا ، و له أن يتبنى من القواعد و المباني و الاراء التي ينتهي إليها في بحوثه . و لكن حين ينسب رأيا إلى غيره فعليه ان يلتزم الأمانة في النقل و يبتعد عن الإنتقائية و عن الأساليب الخطابية الإنفعالية و إطلاق الأحكام و الأوصاف السلبية على من يخالفه في المنهج و الرأي ، كما عليه أن يتجنب إلزام غيره بما لم يلتزموا به . إن وصف جملة من الفقهاء بأنهم ينطلقون في بعض فتاويهم و آرائهم الفقهية من إرضاء العوام الذين يعيشون العصبية العمياء و لا يعنيهم الحق و الحقيقة ، و ما شاكل ذلك ، من أوصاف و تعبيرات ، لا تندرج بحال من الأحوال ضمن الأسلوب العلمي الموضوعي و لا الخطاب المنضبط . لقد تمنيت لو ان الكاتب في هذه المقالات – و أتمنى مراعاته في غيرها – طرح رؤيته حول الملابسات التاريخية ، و عرض أدلة القائلين و المانعين ، و ناقشها و حاكمها بالطرق العلمية المتعارفة ، ووجه نقوده المنهجية الموضوعية لمن يخالفهم في المنهج و الرأي ، و قدم رأيه أو ما يرجحه من آراء مع أدلتها ، لكان قد أثرى البحث فيها ، و قدم للقاريئ – عاميه و متخصصه – مادة فكرية مفيدة .
مشتاق اللواتي
أهم المراجع :
مقالات الكاتب في موقعه و موقع نصوص معاصرة .
مجلة الاجتهاد و التجديد ، العدد 22 .
معجم رجال الحديث ، للسيد الخوئي .
تعليقة الوحيد البهبهاني .
الدراية للشهيد الثاني
الروضة البهية للشهيد الثاني