أحدث المقالات

تابعت بعض المقالات التي ينشرها الكاتب الفاضل  محمد دهيني في موقع النصوص و بعض الدوريات التي يتولى ادارة التحرير فيها ، و قد استرعى نظري أهمية الموضوعات التي يطرحها و العناوين الكبيرة التي يتناولها .   و في نفس الوقت لفتتني بعض العناوين الصادمة – من وجهة نظري-  التي تحملها  بعض المقالات  . و أثناء قراءتي لها خطرت لي بعض الملاحظات ، فرأيت من المناسب طرحها في شكل تعليقات و هوامش . و كلي أمل أن يتسع لها صدر الكاتب الفاضل و أن تكون مساهمة متواضعة في المناقشات و الآراء النقدية .

المقالة الأولى :  و قد حملت عنوانا مثيرا جدا  بل مستفزا  – في نظري – و هو  :  اسم فاطمة جاهلي بامتياز  ، و قد نشرت  في موقع النصوص بتاريخ 19/ 8/ 2011 للميلاد .
و ذكر فيها بأن بعض الخطباء يزعم بان اسم السيدة فاطمة بنت الرسول صلوات الله عليهما  هو إلهي المنشأ  و مشتق من فاطر . و حاول الكاتب فيه ان  يورد أمثلة من التاريخ و الأدب ليثبت  بأن هذا  الاسم لم يكن جديدا في التاريخ العربي  ، و ان السيدة فاطمة ع لم تكن أول من تسمى به ، و ما الى ذلك . و أخال ان ثمة مبالغات تضمنها المقال  ، إذ لم نسمع  يوما  ان خطيبا  متمرسا و مطلعا على أبجديات الخطابة  و موضوعاتها  ،  ينكر ان يكون اسم فاطمة لعدد من النساء قبل السيدة فاطمة الزهراء ع ! بل أخال ان الأطفال عندنا يحفظون عن ظهر قلب اسم والدة أمير المؤمنين ع  و هو فاطمة بنت أسد  . فما أكثر المرات التي يطرح فيها الخطباء  العاديون فضلا عن الحوزويين منهم    ، فضائل و مناقب السيدة فاطمة بنت أسد  (رض)  و  ما حظيته من حب النبي (ص) و حفاوته و اهتمامه بها في حياتها و بعيد وفاتها . و ما أكثر المرات التي نسمع الخطباء يذكرون بأن النبي (ص)  كلف الامام عليا ان يبيت على فراشه ليلة الهجرة   للتمويه على رجالات قريش و لإنجاح  هجرة النبي (ص) و نجاته ،   و أن يؤدي عنه الأمانات  ثم يلتحق بالنبي (ص)  و يحمل معه الفواطم  عند هجرته  . و ما أكثر المرات التي سمع جمهور هذه  المجالس قصة هجرة الامام علي و حمله الفواطم معه و هن فاطمة بنت حمزة ، و  فاطمة بنت الزبير  وفاطمة بنت أسد و فاطمة بنت رسول الله (ص)  .  بل ان كثيرا من جمهور هذه  المجالس درسوا الأدب العربي في  المدارس و المعاهد  و ربما حفظوا معلقة  امرؤ القيس  المعروفة ” أطلال ” التي كان يتغزل فيها بحبيبته فاطمة .   و بعد كل ذلك ، لا أدري ان كان هناك خطيب يزعم بأن هذا الاسم لا سابقة له في التاريخ !  أخشى أن يبدو لقارئ  هذا المقال  غير المطلع على طبيعة هذه المجالس ، بما فيها الشعبية  ،  ان خطباءها  فضلا عن جمهورها  غارقون  في الجهل و الأمية !  .

أما كون اسم السيدة فاطمة بنت النبي (ص)  إلهي المنشا ، إذا  كان القصد منه بأن   الله تعالى اختاره لها  ، او انه تعالى وجه رسوله (ص)  ان يسميها بهذا الاسم ، فإذا وجدت أخبار معتبرة  في ذلك ،   فأي مانع من ان يكون الله تعالى اختار هذا الاسم من بين سائر الأسماء  في الدنيا  لابنة جبيبه و صفيه محمد (ص)   ؟ و ما المانع أن تأتي روايات عن أهل البيت (ع) فتكشف  بعض دلالات و خصوصيات هذا الإختيار الإلهي  أو  النبوي لهذا الإسم  والمشتقة منه  أو المتسقة مع بعض معانيه و تطبيقاته  ؟
شخصيا لا أجد مسوغا لتضخيم المسألة  و طرحها بهذه الطريقة المثيرة بل المستفزة في بعض تعبيراتها ، و لا أوافق  الكاتب على بعض الأوصاف التي أسقطها  بشكل مباشر أو غير مباشر   ،  عند   مطالبته  الجمهور في ختام المقالة بالقول :  كفى السماح لهؤلاء الجهلة المتنسكين و المدلسين  ان يعبثوا بعقولنا !! ان المطالبة بتطوير الخطاب المنبري الديني  أمر مشروع و ان السعي لتحسين أداء المنابر شكلا و مضمونا ، أمر في غاية الأهمية  ، كما ان الإتجاه النقدي لدور المنابر الدينية و خطابها و مضامينها بغية تنميتها غدا مطلبا ملحا جدا على أن يتحلى بالضوابط الموضوعية .

المقالة الثانة : حول رواية من زار  الرضا (ع) فأصابه في طريقه قطرة من السماء أو صداع في رأسه حرم الله جسده على النار  ، المنشورة في موقع الكاتب بتاريخ 19/ 5/ 2011 .
و في البداية  لا بد  من الإشارة  بأني هنا لست في وارد التوجيه و التأويل لهذه الرواية أو ما يشبهها  ، أو قبولها و ردها  ، و لكني بصدد مناقشة  منهج الكاتب و طريقة تعامله  مع من يخالفه في متبنياته .  أشار ان بعض الخطباء و مرافقي الزوار يطرحون  الموضوع بطريقة بعيدة عن الأمانة العلمية في النقل و الآلية الصحيحة للفهم  .. فينقلب فعلهم الحسن الى قبيح . و تطرق الى  روايتين  ثم أسقطهما من الاعتبار  . فقد رأى ان الأولى  جاء في سندها محمد بن أحمد السناني و هو مجهول و سهل بن زياد الآدمي و هو ضعيف . و في سند الثانية محمد بن علي ماجيلويه و هو مجهول و ابراهيم بن هاشم والد علي بن ابراهيم و هو مجهول.
و الواقع لو كان الكاتب بصدد بحث مستقل حول الموضوع و بالمنهجية التي يرتضيها  و لغرض طرح رؤيته و قناعاته الشخصية و النتائج  التي ينتهي إليها  ، لكان ذلك من حقه ككاتب و باحث  ، و يكون من حق القارئ و المتابع ان يتفق أو يختلف معه في منهجه أو في آرائه و نتائج بحثه .  أما و الحال انه ينقد رؤى و أفكار  جملة من الخطباء و المتحدثين و التي يعرضونها عبر المنابر و أثناء الزيارات  ، فعندها يفترض ان لا يلزمهم  يقناعاته الشخصية  في مناهج البحث و قواعده   . كما لا يصح في هذه الحالة أن يغفل  المباني و الآراء  المخالفة لقناعاته و اختياراته  و كأنه قد وضع يده على كبد الحقيقة  و أصاب الحق الحقيق دون سواه  .
و في ضوء هذه المنهجية  الأخيرة  المقترحة ، ستختلف نتائج البحث ، فمثلا ان محمد بن احمد السناني هو  من مشايخ الصدوق  و ممن أكثر الصدوق الرواية عنه مترحما  و مترضيا عنه  .  كما ان محمد بن علي ماجيلويه من مشايخ الإجازة   أيضا  و روى عنه كثيرا و ترضى  عنه . و قد ذهب جملة من العلماء بان مشيخة الإجازة و الترضي و الترحم و كثرة الرواية من مثل الصدوق و ما شابه هي قرائن تفيد التوثيق أو الوثوق  حسب تفاوت المباني  . صحيح ان بعض العلماء  كالسيد  الخوئي لم يقبل ذلك حسب مبناه ، و رأى بان الترضي لا يدل على التوثيق ، و لا يعدو ان يكون مجرد دعاء  ، و لكنه ليس هو الرأي الوحيد المطروح في المقام .   و اذا جئنا الى ابراهيم بن هاشم القمي فقد نص بعض الرجاليين كالكشي و الطوسي  بانه نشر حديث الكوفيين في قم ، و مع تشدد القميين في قبول الروايات اعتبر ذلك قرينة في صالحه .  و حسنه بعض العلماء مثل الشهيد الأول و البهائي و التفريشي و بحر العلوم . و العلامة  الحلي و ان توقف فيه في خلاصته في البداية لكنه في  الأخير  رجح قبول رواياته و صحح بعض الروايات التي يرد في طريقها .   و لئن ذهب بعض الى عدم التعويل على توثيقات المتأخرين لحدسيتها  ، فإنه  ليس محل اتفاق  . كما انه وقع في رجال كامل الزيارات و تفسير القمي  ، و قد ذهب بعض كالسيد الخوئي في مبناه السابق حول الكامل  ، و من وافقه على توثيق كل من ورد فيهما . أما سهل بن زياد فقد اختلف في شأنه بين مضعف و موثق ، و قد نقل عن الشيخ الطوسي قولان فيه ،  وقيل ان التعديل في الفهرست هو رأيه الأخير  ، و إن نوقش بتضعيفاته  لبعض رواياته  . و رأى بعض كالوحيد البهبهاي  توثيقه بناء على بعض القرائن، و هذا يعني ان ثمة خلاف بين العلماء بشأنه .   و في ضوء ذلك ، فانه يمكن القول بان  ضعف الروايتين ليس موضع اتفاق ، و من ثم هناك من لا يرى اسقاطهما ،  لا سيما في مثل هذه الموارد من فضائل الأعمال و السنن .
و عليه  مالمانع ان يعمد بعض الخطباء و المتحدثين في المجالس  في سياق الترغيب لزيارة الامام الرضا عليه السلام بالاستشهاد بهذه الروايات . أضف الى ذلك ، ان هناك من يأخذ بقاعدة التسامح في أدلة السنن ، و يعتمد على روايات  من بلغه  ،  و من ثم يرى صحة العمل بأمثالها رجاء . على  ان  أصل زيارة الإمام المعصوم عليه السلام  و فضلها  مفروغ منه  كما ذكر الكاتب . طبعا  من حق الكاتب أن يتبنى الرأي المتشدد في الجرح و التعديل ، و لكن  و حيث انه بصدد مناقشة غيره   ، فليس من حقه  ان  يلزمهم أو يحاسبهم أو يحاكمهم طبقا لقناعاته و مبانيه ، بل  عليه ان لا يغفل  بقية المباني في هذا السياق .
من جهة أخرى و في سياق متصل بالروايات المتعلقة بفضل زيارة الامام الرضا فقد ذكر الكاتب بعض المحاذير  العقائدية فيما اذا لم تفسر هذه الروايات بالمعنى الكنائي الذي اختاره ، و  من هذه المحاذير   ، كما يقول :  ان ذلك خلاف سياقات الوعد الإلهي بالجزاء و الثواب ، فالوعد يكون عادة في مقابل المشقة و التعب.
و الواقع ان هذه المقولة مما يذكرها بعض أهل الحديث في ردهم لكثير من الروايات الواردة في مصادر المسلمين أجمع ، فقد اعتبر بعضهم كابن الجوزي و غيره ان من علامات الوضع ورود  ثواب كثير على أعمال بسيطة .    و هنا فانني أرى ان الكاتب علي الدهيني  كفانا مؤونة البحث و الرد على هذه الدعوى  ، في القسم الأول من بحثه حول أحكام الشعائر الحسينية المنشور في الاجتهاد التجديد ،  في مناقشته للشيخ البهبودي و السيد الحسني في بحثه المذكور . و رأى ان البهبودي وقع فريسة عدم تعقل الثواب الكبير على فعل بسيط كالبكاء على الحسين عليه السلام .   و مما ذكره ان الثواب الالهي  إما تفضل أو استحقاق ، فالأول بيده سبحانه كما و كيفا ، و  على الثاني  فكلنا نعلم انه لا مطابقة بين الواجبات و بين المستحبات و بين  ثوابها و جزائها . و ان الثواب هو الذي يرفع من قيمة العمل ، و الدليل على ذلك الخلود في الجنة . و  أهم ما ذكره في هذا الصدد هو  ان الموازين الإلهية في الإثابة تختلف عما هو سائد بين الناس  . و في سياق رده عليهما ذكر جملة من الروايات بما فيها الصحيحة السند التي توعد ثوابا جزيلا على  أعمال بسيطة  و من مصادر المسلمين ، منها عن أبي عبد الله عليه السلام  ، من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات : الحمد لله الذي يحيي الموتى و يميت الأحياء و هو على كل شيئ قدير ، خرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه .  و عنه عليه السلام :  الحاج على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، و صنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، و صنف يحفظ في أهله و ماله ، و هو أدنى ما يرجع به الحاج . و قال لقد رأيت العشرات بل المئات من الأحاديث التي تفرغ ثوابا عظيما على بعض الاعمال .

المقالة الثالثة :   مقالة  لبيك يارسول الله من النداء الى الفعل ، المنشورة في موقعه بتاريخ 22/ 9/ 2012 .
ان الدعوة الى اجرء البحوث النقدية لكتب الأخبار و الرويات عند المسلمين ليست جديدة ، بل ان المحققين
من علماء المسلمين من مختلف المذاهب مارسوها – و لا يزالون-  حسب المناهج و القواعد التي اقتنعوا بها . فالدعوة مشروعة و القيام بها مهم  للغاية على ان يتم وفق الأسس العلمية و الموضوعية .  و الجيد في المقالة انها تناولت أمثلة من مختلف مصادر المسلمين دون التركيز على اتجاه دون غيره  ، و لقد كان الأوفق    البدء  بالأمثلة بحسب حسب التسلسل التاريخي للمصادر التي اعتمد عليها  ، بصرف النظر عن انتماءات أصحابها  . كما يلاحظ  ان المقالة أبرزت البحار و كأنه هو المصدر الأساس لما ذكر عن صهاك ، في حين  ان ثمة مصادر في المثالب كما للكلبي و غيره أقدم بكثير ، و لعلها هي الأساس في بعض ذلك ، و قد جمعت في البحار و غيره . نعم اني اشاطر الكاتب الرأي في عدم الحاجة الى طرح أمثالها  ، فضلا عما يترتب عليه من نتائج سلبية  ، العرب و المسلمون في غنى عنها . بل اننا أحوج الى تعزيز الصفوف و تقوية الترابط الداخلي للعرب و المسلمين .

المقالة الرابعة : هل الشهادة الثالثة بدعة  أم شعيرة ؟  المنشورة في موقع النصوص بتاريخ 22/5/ 2011 .
لقد بدا  لي من قراءة المقال كاملا  ، و لا سيما  في  جانب من كلام الكاتب فيه   انه صادر عن رد فعل من بعض الأحكام المتسرعة التي تصنف  الناس الى ولائي  و غيره . كما  اشتكى الكاتب  من ردود فعل الجمهور  ، و قال :   فإذا أوردنا الأذان بالصيغة النبوية بدون الشهادة الثالثة ، ثار علينا جمهور الشيعة الكرام مستنكرين و مستهجنين بدافع العصبية العمياء .   كما انطلق رد فعله – كما يبدو –  من بعض ما  تقوم به بعض القنوات الفضائية من إخفاء الإقامة الخالية من الشهادة الثالثة لبعض الأعلام . و قد خاطبهم بقوله : لقد فتح لكم باب الخلاص من هذه البدعة  مرجع كبير هو السيد محمد حسين فضل الله ، فهل تتابعون المسيرة أو تنقلبون على الأعقاب ، ثم عقب ذلك بالآية الكريمة المخاطبة للمسلمين بعد واقعة أحد ” و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ”  و أيا كان فقد انتهى الكاتب الى ان الشهادة الثالثة بدعة في الدين    . و ذهب الى ان من مناشئ القول باستحبابها هو عدم كون الأذان و الإقامة من الواجبات في الصلاة ، و عدم حرمة الكلام الأجنبي في صحتها ، و تذكيرنا بالعقيدة الشعية ، و رضى العوام الذين يعيشون العصبية و لا يعنيهم الحق  .  و قال  في ختام مقاله : اسمعوا نصيحتي احذفوها قربة الى الله تعالى .

و قد نقل  الكاتب في هذا  السياق ،   آراء بعض العلماء كالصدوق و الطوسي و الشهيدين و غيرهم . و مما نقله كلام الشيخ الطوسي في النهاية و مفاده بأن ما ورد في شواذ  الأخبار من قول أشهد ان ولي الله  و آل محمد خير البرية ، فمما لا يعمل عليه في الأذان و الإقامة ، فمن عمل بها كان مخطئا . و استظهر بأن شواذ الأخبار  تعني الأخبار الضعيفة و الكاذبة و الموضوعة و إلا لم ينسب العامل بها جازما الى الخطأ .
و الواقع ان الخبر الشاذ  حسب علماء المصطلح  و الدراية هو ما يرويه الثقة بما يخالف ما رواه غيره من الثقاة أو الجمهور أو الأكثر  . فهو أقرب الى الإنفراد في الرواية  المخالفة لما عليه المشهور . و اعتبره  بعضهم من قبيل العلل القادحة ، غير ان الشهيد الثاني ذهب الى ان الشذوذ لا يضر في صحة الحديث مع استجماعه لسائر شروط الصحة  بحيث يكون  رواي الشاذ احفظ او اضبط او اعدل .  ثم انه من المعلوم ان ثمة فرق كبير بين الخبر الضعيف و المكذوب و الموضوع  متى تحقق من كذبه  . فالضعيف قد يستأنس به و قد يستشهد به على نحو المؤيد  ، بل قد يرقى الى مستوى المقبول اذا عمل به  ، و قد ينجبر ضعفه بكثرة الطرق و ما الى ذلك ، بعكس المكذوب و الموضوع  . و يظهر من كلام الشيخ الطوسي من الشاذ انه غير المعمول به  أو غير المعول عليه  ، فهو أشبه بالمتروك . و من هنا نسب العمل به الى الخطأ  بمعنى خلاف الأولى  و ليس ما ذهب اليه  الكاتب ، و يؤيد ذلك ما صرح به في المبسوط ، و هو  قد وضعه للتفصيل و التفريع  ، حيث قال فيه : و لو فعله الإنسان لم ياثم به .  و به صرح جماعة كالشهيد الأول و الثاني و الأردبيلي و كاشف الغطاء و غيرهم ممن أورد الكاتب كلماتهم  التي تدل على ذلك . و فصل الشهيد الثاني في الروضة البهية، و هو ما لم ينقله الكاتب  : فلو فعل هذه االزيادة .. بنية انه منه أثم في اعتقاده ، و لا يبطل الأذان بفعله ، و بدون اعتقاده ذلك فلا حرج .  و قد نبه الأردبيلي الى ذلك بوضوح حين قال : و لا يتوهم المنع من الصلاة على النبي فيه ، لظهور خروجه منه ، و عموم الأخبار الدالة بالصلاة عليه مع سماع ذكره و لخصوص الخبر الصحيح المنقول ..” و قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، حسب نقل الكاتب ، و من قصده جزء من الأذان في الإبتداء بطل أذانه بتمامه .. و من قصد ذكر أمير المؤمنين لإظهار شأنه أو لمجرد رجحانه لذاته مع ذكر رب العالمين أو ذكر سيد المرسلين ، كما روي ذلك فيه ، و في باقي الأئمة الطاهرين أو الرد عل المخالفين و إرغام الفرق المعندين أثيب على ذلك . و من ذلك يفهم ان الفقهاء فصلوا القول في المسألة منذ القدم ، و بذلك فرقوا بين الزيادة البدعية  التي لم يرد أي دليل على رجحانها ، و بين ما دل دليل على صحتها و رجحانها في نفسها .
بل ندب الى  ذكرها في بعض العمومات كالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) عند ذكره . و بهذا أو قريب منه جاءت كلمات  معظم الفقهاء بأن الشهادة الثالثة ليست من فصول الأذان و ليست جزء منه و لا من الإقامة ،  و لكن من أتى  بها دون اعتقاد بجزئيها لم يأثم و لم يبطل أذانه أو اقامته ، بل رجحها بعضهم بذاتها لكونها من تمام الرسالة ، كما هو الحال بالنسبة للصلاة على النبي عند ذكره في كل حال .
أما ما ذكره الكاتب بأن  إخفات السيد الخميني الراحل للشهادة الثالثة أثناء الإقامة و إتيانه بها لمرة واحدة  ، فانه ليس كما استوحاه  بأنه يدل على ان في نفسه من استحبابها  شيئ .  بل هو للتفريق بين فصول الإقامة  و بينها  ، و لإبعاد الإشتباه عند الناس   بأنها منها .  و هو ما نبه اليه بعض الفقهاء مثل الشيخ جعفر كاشف الغطاء  و الشيخ اللنكراني و غيرهما  ،  بأهمية التغاير في صيغ الشهادة الثالثة  ،  و إلا فرأي السيد الخميني فيها واضح بينه في رسالته العملية و في الآداب المعنوية للصلاة .

و هنا أود أن أطرح وجهة نظر شخصية قابلة للأخذ و الرد و النقد .  لقد حان الوقت للكف عن تبادل أوصاف التبديع و التضليل لما نختلف فيه من المناهج و  الآراء و الأفكار  ، خصوصا و ان معظمها صادرة عن اجتهادات العلماء  المتأهلين و المفكرين المختصين . لأن الاسترسال  في إطلاق هذه الأوصاف و إصدار هذه الأحكام يعني ان كل من يختلف مع الآخر ، كان مجتهدا أو مقلدا ، يحق له أن ينسبه إلى شيئ من هذه الأوصاف أو ما يشاكلها . ثم اننا نلاحظ ان ثمة اختلاف في تحديد و ضبط  لمفاهيم بعض تلكم الأوصاف ، فهذا يعرف البدعة و أهلها بشكل و ذاك بآخر و ثالث يضيف عليه شرطا و رابع ينقص منه  قيدا و و هذا يوسع و ذاك يضيق  و هكذا .  انني أشدد كثيرا على  المثقفين بالذات   ، في أن يبتعدوا عن اتباع هذه الأساليب  ، و إلا إذا جاز لأحد أن يصف فعلا شعبيا قائما على اجتهاد جمهور أهل الفقه على انه بدعة و ضلالة و كل ضلالة في النار ، و ان ذلك قد ينسحب بالتالي على من يزاوله  فيوصفوا بالفئة المبتدعة و الضالة  ، فانه يجوز لغيره مثل ذلك . حان الوقت لكي نبدل هذه الثقافة التبديعية و التضليلية  و الإقصائية بثقافة و مفاهيم و أوصاف علمية و موضوعية غير جارحة و غير مهينة   من قبيل الصواب و الخطا أو قريب منهما  و ما شابه . لست  هنا في وارد نفي وجود البدعة و الضلالة و ما شابه من أوصاف وأحكام و مفاهيم و تطبيقاتها ، و لكني أدعو الى عدم التسرع في إطلاقها على من يخالف في المنهج الاجتهادي و النتائج المختلفة التي ينتهي اليها ، حتى لانقع في فوضى تبادل مثل هذه الأحكام الإلغائية و الإقصائية و التضليلية بحيث لن يبقى  أحد إلا و يطاله شيئ منها .

و  أخيرا ما أود إعادة التأكيد عليه ، بان  أي كاتب  – لا سيما المختص – و أتحدث هنا بشكل عام  ،  له ان يبحث في الأدلة و الملابسات التاريخية لمختلف فروع الفكر عند المسلمين و غيرهم   و بالطريقة و المنهج الذين  يقتنع بهما علميا ، و له أن يتبنى من القواعد و المباني و الاراء التي ينتهي إليها في بحوثه  . و لكن حين ينسب رأيا إلى غيره فعليه ان يلتزم الأمانة في النقل و يبتعد عن الإنتقائية  و عن الأساليب الخطابية الإنفعالية  و إطلاق الأحكام و الأوصاف السلبية على من يخالفه في المنهج و الرأي   ، كما عليه أن يتجنب إلزام  غيره بما لم يلتزموا به .  إن  وصف جملة من الفقهاء بأنهم  ينطلقون  في  بعض فتاويهم و آرائهم الفقهية من إرضاء العوام الذين يعيشون العصبية العمياء  و لا يعنيهم الحق و الحقيقة  ، و ما شاكل ذلك ، من أوصاف و تعبيرات ، لا تندرج بحال من الأحوال ضمن  الأسلوب  العلمي الموضوعي  و  لا الخطاب  المنضبط . لقد تمنيت لو ان الكاتب في  هذه المقالات – و أتمنى مراعاته  في غيرها –  طرح رؤيته حول الملابسات التاريخية ، و عرض أدلة القائلين و المانعين  ، و ناقشها و حاكمها بالطرق العلمية  المتعارفة  ، ووجه نقوده المنهجية الموضوعية  لمن يخالفهم في  المنهج و الرأي ، و قدم رأيه أو ما يرجحه من آراء مع أدلتها ، لكان قد  أثرى البحث فيها ، و قدم للقاريئ – عاميه و متخصصه – مادة فكرية مفيدة  .
مشتاق اللواتي
أهم المراجع :
مقالات الكاتب في موقعه و موقع نصوص معاصرة .
مجلة الاجتهاد و التجديد ، العدد 22 .
معجم رجال الحديث ، للسيد الخوئي .
تعليقة الوحيد البهبهاني .
الدراية للشهيد الثاني
الروضة البهية للشهيد الثاني

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً