أحدث المقالات

نظرية فقهية جديدة

ترجمة: حيدر حب الله

المقالة I.    مقدّمة

التمييز بين الرجل والمرأة في حقّ الطلاق من الموضوعات التي تثير في الفقه التساؤلات والاستفهامات، حيث يُسأل: كيف يكون للرجل الحق في قطع العلاقة بين الزوج والزوجة في أيّ زمان شاء بدفع المهر، أما المرأة فليس لها الانفصال عن زوجها عندما لا تغدو راضيةً عن حياتها مع شريكها؟! هل يعطي الإسلام ـ وهو القائم على أساس كرامة الإنسان، وتساوي الرجل والمرأة([1]) في الاستفادة من المواهب المادية والمعنوية ـ للرجل حق إبادة حياة المرأة فيما لا سبيل لهذه المرأة للخلاص من حياة سوداء تعيشها؟!

لقد حاول بعضهم الإجابة عن هذه الشبهة بالقول: إذا كان الطلاق بيد المرأة، وأمكنها أن تطلق نفسها، فإن هذا معناه ـ عندما نلاحظ الجانب العاطفي النشط والحساس عندها ـ ميلٌ لديها للطلاق عند بروز أدنى مشكلة، ولا تكون متوازنةً في هذا الأمر…، جاء في الحديث: <… ومحاباتهنّ النساء في الطلاق..>([2])، وهذا ما يوجب تزلزل مؤسسة الأسرة والحياة.

إلا أن هذا الجواب لا يرفع إشكالية التمييز وشبهة ظلم النساء; وذلك:

أوّلاً: إن الحديث عن رغبة النساء وميلهنّ للطلاق ادّعاء بلا دليل، ولا يوجد بأيدينا أي مستند أو دليل معتبر على ذلك على مستوى علم النفس وعلم النفس التحليلي والإحصائي، فهو ليس سوى صرف احتمال لا أكثر.

وكذلك الحال في الحديث المستند إليه هنا، فهو مناقش سنداً ودلالة.

ثانياً: إن هذا الجواب لا يمكنه رفع إشكال أولئك الذين لا يعتقدون إطلاقاً بالإسلام، فكيف بالأخبار والروايات؟!

ثالثاً: إن تزلزل مؤسسة الأسرة أمر حاصل أيضاً مع جعل الطلاق بيد الرجل؛ ذلك أن المرأة لا اطمئنان عندها باستمرار حياتها المشتركة مع زوج يمكنه في أيّة لحظة أن ينفصل عنها، وعليه فهذا الحقّ عندما يعطى للرجل سوف يهزّ أركان الحياة العائلية.

ونحن نسعى في هذه الدراسة إلى ممارسة قراءة جديدة في النصوص الفقهية، وفي مستندات حكم الطلاق؛ بهدف العثور على منفذ وطريق لرفع هذا الاختلاف، ورفع شبهة التمييز في البين، ومن هنا سوف نحاول تفسير القانون الإلهي هنا في حدود فهمنا وإدراكنا.

ويبدو أن السبيل الوحيد لرفع إشكالية التمييز هنا هي الحكم بوجوب طلاق الخلع ـ مع توفُّر شروطه وظروفه ـ على الرجل، والشرط الرئيس في طلاق الخلع هو كراهة المرأة وعدم رضاها باستمرار حياتها الزوجية، ولا يوجد أيّ قيد لهذه الكراهة وعدم الرضا، حتى أن أيّ سبب ينتجهما يحقق القضية هنا، فلو تحققت الكراهة؛ لأن المرأة تريد الزواج من رجل آخر ـ ولذا تريد الطلاق من الأول ـ، حصل الحكم.

ومع إثبات هذا القول، الذي هو مختار شيخنا الأستاذ حفظه الله أيضاً، يرتفع معضل التمييز; إذ كما أن الرجل يمكنه في أيّ وقت أراد دفع مهر المرأة وتطليقها فكذلك الحال في الزوجة أيضاً، فإن بإمكانها ـ بإعادة المهر، أو هبته والتنازل عنه للزوج ـ جعل الرجل ملزماً بالطلاق.

وبناءً عليه فالمرأة والرجل متساويان في امتلاك حق الطلاق، ولا اختلاف، وهنا قد يقال بأنه في حالة إرادة المرأة للطلاق يفترض أن يكون لها الحقّ أيضاً في الحصول على مهرها من الزوج.

لكن يمكن الجواب بأن هذا الكلام واضح البطلان؛ لأن إعطاء مثل هذا الحق للمرأة ليس عدلاً ومساواة في حق الطلاق، بل هو ظلم فاحش على الرجل؛ ذلك أنه لم يصدر منه أو يحصل لديه أية كراهة في الاستمرار في الحياة الزوجية، بل هو راض بذلك، وعليه فوجود حكم من هذا النوع، وإلزامه ـ مع هذا الوضع ـ بدفع المهر لتنفصل زوجته عنه…، أشبه ـ تقريباً ـ بالجمع بين العوض والمعوّض لأحد طرفي العقد، وبطلان الجمع بين العوض والمعوّض في العقود والمعاملات هو أيضاً حكم عقلي وعقلائي واجتماعي.

المقالة II.  تقسيمات الطلاق في الفقه الإسلامي

قبل الشروع في بيان تقسيمات الطلاق لابدّ من ذكر أمرين ضروريين ـ في ما يبدو ـ، وهما:

الأمر الأوّل: بالقدر الذي أكد فيه الإسلام على الزواج، وبشّر الزوجين بنتائجه وآثاره الإيجابية، واعتبره في الآيات القرآنية أساساً لسكينة الزوجين([3])، كما اعتبره في الأخبار سنّةً نبوية وأحبَّ بناءٍ عند الله تعالى([4])، بقدر ذلك كلّه حذّر من الطلاق والوقوع فيه، واعتبره أبغض الحلال عند الله، وأوصى بتركه وتجنبه([5])، فلا شك أن تخريب صرح الزواج المحبوب لا يمكن أن يكون محبوباً عند الله؛ وإلا لزم في هذه الحال اجتماع النقيضين.

الأمر الثاني: يعدّ الطلاق في الإسلام من الأحكام الإمضائية لا التأسيسية، بمعنى وجوده قبل البعثة النبوية، وتحققه طبق أعراف وعادات ذلك الزمان، وما فعله الإسلام أنه أنفذه وأمضاه، فليس صحيحاً أن الإسلام أقامه وشاده وأوجده وأحدثه، فالشواهد التاريخية في حياة البشر ـ ولاسيما عرب الجاهلية ـ تؤكد رواج ظاهرة الطلاق دون قيد أو شرط فيه، بل حصوله بكل يُسر وسهولة، إلى حدّ أن الرجل الواحد كان يطلّق زوجاته مراراً وتكراراً دون الأخذ بعين الاعتبار وجود حقوق لهنّ عليه، وبمجيء الإسلام صيّر حركة الطلاق مؤطّرة بإطار المزيد من المنافع للنساء([6]).

ينقسم الطلاق ـ في تنويع عام ـ إلى قسمين:

المقالة III.                        1 ـ الطلاق الرجعي

ويطلق على الطلاق الذي يوقعه الرجل بعد دفعه المهر وإجراء صيغة الطلاق، ويمكنه فيه ـ بعد الشروع في العدة ـ إعادة إقامة العلاقة الزوجية، عبر ألفاظ أو سلوك وأعمال تدلّ على رضاه باستمرار هذه الحياة الزوجية، وذلك في أيام العدة ودون حاجة إلى عقد نكاح جديد، فهذا العود إلى الحياة الزوجية يسمّى رجوعاً، وهو محدود من حيث العدد([7]).

المقالة IV.                       2 ـ الطلاق البائن

يطلق على الطلاق الذي لا يمكن للزوجين فيه ـ بمجرّد حصول الانفصال وفك عقدة الزوجية ـ أن يعودا فيه لبعضهما دون عقد جديد والحياة معاً، بل لابدّ من نكاح جديد لهما.

المقالة V. أقسام الطلاق البائن

ينقسم الطلاق البائن إلى ستة أقسام:

1 ـ لو طلّق الزوج ثمّ رجع، ثم طلّق ثم رجع، ثم طلّق، فهذا الطلاق الثالث يكون بائناً شرعاً.

2 ـ الطلاق الخُلعي المشروط بعدم رضا الزوجة عن الحياة الزوجية فيما يكون الرجل راضياً بها.

3 ـ طلاق المباراة، وشرطه عدم رضا الزوجين، وفي هذه الصورة يمكن للرجل الانفصال عن الزوجة مع أخذ كامل المهر أو أقل من ذلك.

4 ـ طلاق الزوجة التي لم يدخل بها.

5 ـ طلاق الزوجة اليائسة.

6 ـ طلاق الزوجة الصغيرة، وهي البنت التي لم تبلغ سنّ رؤية الحيض.

ونحن نتحدث هنا عن طلاق الخُلع، الذي هو أحد أقسام الطلاق البائن.

المقالة VI.                       طلاق الخُلع

طلاق الخلع أحد أنواع الطلاق المشروع في الفقه الإسلامي، وسنحاول هنا إعادة قراءته، ومطالعة أدلّته، لنرى هل يرفع هذا الطلاق شبهة ظلم المرأة والتمييز بينها وبين الرجل؟ وقبل بيان موضوع البحث وتقرير محلّ النزاع في طلاق الخلع نتعرّض لبيان المعنى اللغوي والاصطلاحي للخلع، ثم بعد ذلك نبحث في الأدلة والأقوال المتعلّقة بحكمه.

المقالة VII.                     المعنى اللغوي للخلع

تعني كلمة <الخلع> النزع والقلع، يقول صاحب القاموس: «الخلع، كالمنع: النزع… وبالضم: طلاق المرأة ببذلٍ منها أو من غيرها»([8]). وجاء في الصحاح الكلام عينه([9])، وقال في المصباح: «خلعت النعل وغيره (خلعاً) نزعته، و(خالعت) المرأة زوجها (مخالعة) إذا افتدت منه وطلّقها على الفدية (فخلعها) هو (خلعاً)، والاسم (الخُلع) بالضم، وهو استعارة من خلع اللباس؛ لأن كل واحد منهما لباس للآخر، فإذا فعلا ذلك فكأن كل واحد نزع لباسه عنه([10])، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (البقرة: 178).

المقالة VIII.                   المعنى المصطلح للخلع

يعني الخلع في الاصطلاح الفقهي قطع علاقة الزوجية وفصلها بفدية تقدمها الزوجة للزوج، وقد جاء هذا التعريف في كلام العلامة في القواعد([11])، وذكره الفقهاء بعده، واعتبروه صحيحاً([12]).

وفي بعض العبارات عبّر عن الخلع بالافتداء أيضاً([13])، كما جاء في التنقيح: <يقال لهذا الإيقاع افتداء وخلع; أما الأوّل فلقوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: 229)، كأنها لمكان كراهتها له مأسورة، فافتدت منه بشيء>.

المقالة IX.                        تشريح لكيفية كراهة المرأة للزوج

ولابد هنا من الالتفات إلى أن طلاق الخلع يشترط فيه كراهة وتنفّر الزوجة فقط، بحيث لا يكون عند الرجل كراهة أصلاً، وهذه الكراهة التي تعبر عن شرط في موضوع الخلع لها مراحل مختلفة; ذلك أنه قد يكون عند المرأة أحياناً نفرة شديدة من الرجل، بحيث تقول له: إني لن أطيعك بعد اليوم، بل قد يتخطى الأمر ذلك ليبلغ حدّ التهديد، بأن تقول: سوف أشارك رجلاً آخر الفراش، وبعبارة أخرى: أن تهدّد المرأة الرجل بارتكاب معصية عِرْضية، أو تهدّده بترك واجب يُفترض أن تقوم به مع زوجها.

وفي بعض الأحيان قد تظهر كراهتها للزوج وعدم رضاها عبر أخلاقها وسلوكها وشمائلها، ولا تتحدّث عن أي كلام يستشم منه رائحة المعصية والذنب، من هنا فما أفاده الأستاذ واختاره هو قابلية الخلع للتحقق بمطلق الكراهة، وليس لزاماً أن تبرز الزوجة بالألفاظ والتعابير ما يدل على العصيان.

المقالة X.  أدلة إثبات طلاق الخُلع

أدلّة إثبات طلاق الخلع هي: الكتاب، والسنّة، وإجماع المسلمين([14]).

المقالة XI.                      1 ـ الكتاب الكريم

أصل شرعية طلاق الخلع تنبع من القرآن الكريم، فقد قال تعالى في الآية 229 من سورة البقرة: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ…}.

ومع الأخذ بعين الاعتبار شأن نزول الآية، وسببه، واستدلال الإمام الصادق× بها في رواية أبي بصير([15]) في مورد أخذ المقدار المجاز من المال من المرأة، تبيّن الآية تشريع طلاق الخلع في الإسلام.

المقالة XII.                   2 ـ السنّة الشريفة

هناك روايات متواترة من طرف الشيعة([16]) والسنّة تدل على مشروعية طلاق الخلع، ونكتفي هنا برواية وردت من طرق أهل السنّة تبين سبب نزول الآية المتقدمة أيضاً وتشير إليه، فقد جاء أنه <روي أن جميلة بنت عبد الله بن أبي كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه وهو يحبّها، فأتت رسول الله’ فقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا ثابت، لا يجمع رأسي ورأسه شيء، والله ما أعيب عليه في دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام، ما أطيعه بغضاً، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدّهم سواداً، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهاً، فنزلت، وكان قد أصدقها حديقة فاختلعت منه بها، وهو أول خلع كان في الإسلام>([17]).

المقالة XIII.                    موضوع البحث ومركز النزاع والخلاف

يقسّم العلامة الحلي([18]) طلاق الخلع ـ من جهة الحكم الشرعي ـ إلى أربعة أنواع، هي: حرام، ومباح، ومستحب، وواجب.

المقالة XIV.                   الأحكام الأربعة لطلاق الخلع

المقالة XV.                  1 ـ الطلاق الخلعيّ المحرّم

ويكون عندما يجبر الزوج زوجته ـ كي يطلّق ـ أن تهبه مالاً ما أو تتنازل عن مال ما، والحال أن الزوجين متفاهمان مع بعضهما في حياتهما الزوجية، ولا تكون المرأة متنفرةً من زوجها. في هذه الحالة يحكم الفقهاء جميعاً بأن الطلاق الذي يقع ليس ـ بالجزم والقطع واليقين ـ خلعاً أبداً، وأن هذا المال الذي قدّمته الزوجة للزوج في سياق الطلاق ما زال على ملكية الزوجة، ولا يجوز للزوج التصرّف به إطلاقاً([19])، لكن بمجرد أن يجري المطلّق أو وكيله صيغة الطلاق على لسانه يحكم الفقهاء بوقوع الطلاق رجعياً، ويقولون: لا يملك الرجل المال، رغم أن صاحب كشف اللثام([20]) يحتمل بطلان هذا الطلاق من رأس، تماماً كما ذهب إليه أهل السنّة([21]); وذلك أن قصد الزوج من وراء إجراء صيغة الطلاق إيقاع الطلاق المؤدي إلى أن يأخذ في مقابله شيئاً، ومع الأخذ بعين الاعتبار حرمة المال المأخوذ ـ في صورة إجبار الزوجة ـ وعدم مالكيته له سيصبح طلاقه مجانياً; وعليه فما بنى عليه صيغة الطلاق لم يقع في الخارج، بمعنى أن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد؛ وبعبارة أخرى: عندما يكون طلاقه صحيحاً فإنّ لازم ذلك صحة وحليّة المال الذي أوقع الطلاق له، لكن بطلان هذا اللازم ـ نظراً لإجماع الفقهاء على حرمة المال المأخوذ ـ واضح وبيّن، وهو يوجب بطلان الملزوم، وهو صحة مثل هذا الطلاق.

المقالة XVI.                2 ـ الطلاق الخلعي المباح

ويكون عندما تتنفر الزوجة من زوجها، وتخاف أن لا تقدر على أداء حقوق زوجها، أي يفضي ذلك بها إلى المعصية، فهنا تهب مهرها أو أموالاً أخرى للرجل حتى يطلّقها.

المقالة XVII.             3 ـ الطلاق الخلعي المستحب

ويقع فيما إذا قالت الزوجة: إنها سوف تدخل شخصاً عليه يكرهه ويتنفر منه، كنايةً عن افتراشها لرجل آخر، وهذا القول ذهب إليه ابن إدريس([22])، والمحقق الحلي([23])، رغم أن صاحب كشف اللثام([24]) يقول في نهاية حديثه عن هذا التقسيم بأنه لا وجود له ولا لهذه المراتب من الكراهة في كلمات أيّ من الفقهاء، سوى كلام العلامة.

المقالة XVIII.           4 ـ الطلاق الخلعي الواجب

وموضوعه عين موضوع الطلاق السابق، لكنّ بعض الفقهاء قائل هنا بالوجوب، حيث يذهبون إلى أنه إذا بلغت الكراهة هذا الحدّ وجب على الزوج طلاق زوجته بعد قبولها بهبة المال.

ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه التقسيمات لابد أن نجعل مورد البحث وجوب الطلاق في مطلق حالات كراهة الزوجة للزوج، حتى لو أخذت شكلاً ظاهرياً مختلفاً، سواء التنفر الظاهري أم إرادة إدخال رجل آخر، وليس من الضروري أن يبلغ هذا التنفر حداً يحتمل معه المعصية من طرف الزوجة في الأمور الواجبة عليها تجاه زوجها.

إذا تمكّنا ـ عبر دراسة أدلّة الطرفين ـ من التوصل إلى وجوب الخلع في هذه الصورة فإنه لا مجال بعد ذلك لشبهة التمييز بين الرجل والمرأة في حكم الطلاق، ومن ثَمّ لا يضيع أيّ حق من المرأة حينئذ في هذا المجال، ولا يعرض عليها أيّ حيف أو ظلم; إذ كما يمكن للزوج أن يطلّق زوجته لأي سبب بدفعه المهر لها فكذلك يمكن للمرأة عندما تكون كارهة لزوجها بأيّ شكل من أشكال الكراهة، ولو الكراهة الناشئة من إرادتها الزواج من شخص آخر، يمكنها بدفع المهر لزوجها، أو مقداره على تقدير التلف، المطالبة بالطلاق من الرجل، وعلى الرجل الاستجابة لمطالبتها بإجراء الطلاق، حتى تتمكن المرأة من العيش بحرية تامة، والاستمرار بحياتها كذلك… حتى لو كان الرجل راضياً عن حياته مع هذه الزوجة، وليس عنده أيّة نفرة منها.

وطبقاً لهذه النظرية لا يضيع على الرجل أيّ حقّ؛ إذ في الحدّ الأدنى سوف يرجع إليه المهر الذي أعطاه للمرأة، ولا يضيع حق الزوجة; لأنها لو طلقت من طرف الرجل ستأخذ مهرها وعوض بضعها حينئذٍ.

وبعد تحديد محلّ النزاع، وهو مهم جداً في فتح مغالق الموضوع والجواب عن إحدى الشبهات المسجلة على النظام الحقوقي الإسلامي، نواصل بحثنا باستعراض الأقوال في المسألة، والأدلّة من الطرفين، مع ذكر الإشكالات والإيرادات، وفي خاتمة البحث نذكر أدلّتنا، ونحلّل تحليلاً ماهوياً جوهرياً رواية «الطلاق بيد من أخذ بالساق»([25])، التي تمثل أحد أهم أدلة القائلين بعدم وجوب طلاق الخلع هنا.

المقالة XIX.                    النظريات والآراء الفقهية

وقبل بيان أقوال الفقهاء لابد من الالتفات إلى أن ما يرفع شبهة التمييز هنا هو وجوب الخلع مع مطلق الكراهة، إلا أن محلّ النزاع بين الفقهاء إنما هو الصورة الثالثة من الصور التي ذكرها العلامة الحلي، والتي أسلفناها في بيان طلاق الخلع وأنواعه. لكن ولكي ندرس تمام جوانب الموضوع من الضروري عرض آراء الفقهاء واستدلالاتهم في هذه الصورة المشار إليها، ثم نخضعها للبحث والدراسة.

هناك قولان في القسم الثالث من طلاق الخلع: أحدهما، وهو القول المشهور بين الفقهاء: عدم وجوب طلاق الخلع على الرجل. وثانيهما، وهو مختار بعض الفقهاء، مثل: الشيخ الطوسي في «النهاية»([26])، وابن زهرة الحلبي في «غنية النزوع»([27])، وابن حمزة في «الوسيلة»([28]) وأبي الصلاح الحلبي في «الكافي»([29])، وابن البراج في «الكامل»([30])…: وجوب طلاق الخلع. ولا يفوتنا أن أوّل القائلين بهذا القول هو الشيخ الطوسي (460هـ) في كتاب النهاية([31]).

المقالة XX.                      أدلة القائلين بعدم وجوب طلاق الخلع([32])

استند تمام الفقهاء القائلين بعدم الوجوب هنا إلى وجهين، هما:

1 ـ أصل البراءة، أي براءة ذمة الرجل عن حكم الوجوب، ولا معارض لهذا الأصل.

2 ـ عدم وجود دليل من الكتاب والسنّة على إلزام الرجل بالطلاق؛ ذلك أن الآية 229 من سورة البقرة، التي تشكل الدليل الرئيس لطلاق الخلع، جاء فيها تعبير <فلا جناح>، وهو ظاهر في الجواز لا الوجوب: {…فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ…}. وكذلك الحال في الروايات([33]); حيث ورد التعبير في حقّ الرجل: «حلّ له ما أخذ منها»، وهو مشعر بالجواز، وهناك ملازمة بين جواز الأخذ وجواز الطلاق لا وجوب الطلاق، وعليه فإلزام الرجل بالطلاق اجتهادٌ في مقابل النص.

المقالة XXI.                    مناقشات في الأدلّة

أما الدليل الأول فلا يمكن الاعتماد على أصالة البراءة هنا; لما سيأتي من الأدلّة التي سنقيمها على القول المختار في المسألة؛ لأنّ أصل البراءة مبني على فقدان الأدلّة على الوجوب.

وأما الدليل الثاني فهو غير تام أيضاً؛ وذلك:

أوّلاً: إن الآية 229 من سورة البقرة، والروايات الواردة في موضوع طلاق الخلع، ناظرةٌ إلى حلية الأخذ، وليست في مقام بيان حكم جواز الخلع وعدم وجوبه؛ وذلك أن أصل تشريع الطلاق جاء في القرآن، ومع ملاحظة الآية: {…فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ…} إلى جانب الجمل السابقة التي يقول فيها الله العادل سبحانه: {…وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً…} (البقرة: 229) نفهم أن المولى الحكيم استثنى ـ بعد بيان حرمة الأخذ الإجباري لأموال المرأة ـ مورداً واحداً، وهو دفع المرأة المهر أو مالاً من جانبها باختيارها ودون إجبار زوجها ومطالبتها بالطلاق منه، وعليه فالاستثناء من حكم الحرمة مربوط فقط بما بيّنته الآية حيث قالت: {...فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ…} (البقرة: 229). وبعبارة أخرى: الاستثناء هنا استثناء منقطع يدلّ على خروج فرد ما من حكم المستثنى منه، دون أن يكون هذا الفرد من أفراد المستثنى منه نفسه، تماماً مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض مِنْكُمْ…} (النساء: 29)، فإن التجارة عن تراض، ليست من أفراد الباطل والمستثنى منه، لكنها استثنيت وأخرجت عن حكم المستثنى منه، وهو عدم جواز الأكل، وفي بحثنا الحكم المستثنى منه هو عدم جواز أخذ الأموال المدفوعة للمرأة، فيما حكم المستثنى هو جواز الأخذ في حالة تنفّر المرأة من الزوج. ولا يفوتنا هنا أن الروايات أيضاً ناظرة إلى هذا المطلب الذي جاء في القرآن الكريم، أي جواز وحلية أخذ الأموال التي تدفعها المرأة لزوجها عن كامل إرادتها واختيارها حتى يطلّقها، وليست الروايات في مقام بيان جواز الخلع أو وجوبه.

ثانياً: لو قبلنا بأن الآية والروايات كانت في مقام بيان جواز الخلع أيضاً فلابُدّ من الانتباه إلى أن جواز الخلع المستفاد منها لا ينافي وجوبه، سواء من باب النهي عن المنكر أم نفي الظلم أو العدل والارتكاز العقلائي; وذلك أنّ أكثر الأحكام مترتبة على الموضوعات في حدّ نفسها وبما هي هي، أي إنّ الحكم يحمل على الطبيعة المطلقة، لا على مطلق الطبيعة مع تمام عوارضها وطوارئها.

وتوضيح هذه النقطة أننا عندما نقول بتعلّق الحكم بالطبيعة المطلقة للموضوع فهذا معناه أنّ هذا الحكم يقبل التغيير مع الظروف الاختيارية، أو مع العسر والحرج، فهو حكم شأني، بخلاف المورد الذي يكون الحكم فيه منصباً على مطلق الطبيعة بتمام عوارض الموضوع وطوارئه، ففي هذه الحالة سيكون الحكم حكماً فعلياً من تمام الجهات، لا يقبل التغيير بأيّ وجه من الوجوه، مثل: الحكم بأن إجراء صيغة الطلاق جعله المولى بيد الرجل، والمرأة لا يمكنها إطلاقاً أن تجري صيغة الطلاق من طرف نفسها.

والجدير بالذكر أن جواز الخلع ليس حكماً فعلياً من تمام الجهات; ذلك أن فعلية حكم من تمام الجهات مخالفة لظواهر الأدلّة، فإذا أريد لحكم أن يكون فعلياً بهذا الشكل وبهذه الطريقة فلابد من إبراز شواهد وقرائن في أدلّته تعطي هذا المؤدى، ولا يوجد أي دليل من أدلة طلاق الخلع يحتوي على هذا الشاهد وهذه الخصوصية. وبعبارة أخرى: جواز الخلع منصبّ على الموضوع بما هو هو والطبيعة المطلقة، فيقبل هذا الجواز التغيير([34]).

المقالة XXII.                  أدلّة القائلين بوجوب طلاق الخُلع

حيث يستوعب مدّعانا وجوب الطلاق الخلعي على الرجل في تمام صور تنفّر الزوجة من الزوج، فإنه ـ إضافة إلى ذكر دليل الفقهاء القائلين بوجوب الطلاق في الصورة الخاصة، التي هي الحالة الثالثة من حالات كراهة الزوجة ـ سوف نورد الأدلّة التي تفيد وجوب طلاق الخلع في تمام موارد الكراهة، وهي كالتالي:

المقالة XXIII.           1 ـ مبدأ وجوب النهي عن المنكر([35])

إذا لم يطلّق الرجل المرأة التي تبدي كراهتها العيش معه فمن الممكن أن تتخلّى عن بعض الواجبات المفروضة عليها تجاه زوجها، وهذا ما يجعلها تسقط في المعصية والمنكر، وبناءً عليه؛ وللحيلولة دون معصية المرأة وفعلها المنكر، يجب على الزوج تطليقها وتخلية سبيلها.

المقالة XXIV.          دليل النهي عن المنكر، إشكاليات ومنافحات

أشكل مشهور الفقهاء على هذا الدليل وردّوه، وترجع عمدة إشكالاتهم إلى ثلاثة، هي:

أولاً: لا ينحصر طريق النهي عن المنكر بالطلاق الخلعي؛ وذلك أنّ النهي عن المنكر يمكن أن يقع عن طريق الطلاق العادي، أي أن يطلق الرجل زوجته دون أخذ المال منها، فعدم أخذه المال يوجب حفظ غيرته ومكانته.

وهذا الإشكال ليس وارداً; لأنه إذا قيل بوجوب الطلاق على الزوج الذي تكرهه زوجته، وهو سعيد معها غير متأذ من حياته العائلية، مع عدم أخذه المال، فإن ذلك ظلمٌ على للرجل نفسه؛ لأن قطع العلاقة الأسرية وتدمير العائلة يترك آثاراً روحيةً ونفسيةً ضاغطة على الزوج الذي يرغب ببقاء هذه العلاقة الأسرية، فإذا ألزمناه بالطلاق مع دفع المال فسيكون ذلك ضرراً عليه، من حيث ما دفعه من أموال لتكوين هذه الأسرة والمصاريف التي قدّمها في هذا المجال.

يضاف إلى ذلك أن هذا الإشكال نفسه يُثبت مطلوبنا ومقصودنا، وهو وجوب الطلاق على الرجل في حالة طلب الزوجة وكراهتها للزوج، بل هو ينتج أزيد مما نطلبه؛ إذ بهذا النوع من الطلاق تتحرّر المرأة بإرادتها من قيد الزوجية، وتأخذ معها مبلغاً من المال أيضاً، على خلاف طلاق الخلع الذي يفرض على الزوجة دفع شيء مقابل تحرّرها من عُلقة الزوجية. وبناءً عليه؛ وللحيلولة دون ظلم الرجل، لابد من القول بأن السبيل الوحيد للنهي عن المنكر في موضوع طلاق الخلع ـ أي كراهة الزوجة ـ منحصر في طلاق الخلع نفسه، لا في الطلاق العادي.

ثانياً: لابد في المنكر أن يتحقق في الخارج حتى يغدو رفعه والنهي عنه واجباً، وفي ما نحن فيه لم يحصل من المرأة فعلٌ للمنكر، وإنما صدر منها مجرد التنفّر والكراهة لزوجها، وعليه لا يمكن الحكم بوجوب الطلاق على الزوج للمنع من وقوع زوجته في المنكر، فالاستدلال بالنهي عن المنكر لإلزام الرجل بالطلاق لا وجه له. وبعبارة أخرى: الواجب رفع المنكر لا دفعه.

وفي الجواب عن هذا الإشكال يمكننا القول: إن دفع المنكر ـ كرفعه ـ واجب، ولتجلية هذه النقطة نقول: إن فلسفة النهي عن المنكر هي الحيلولة دون وقوع المفاسد وإصلاح المجتمع، وهذه العلّة موجودة أيضاً في دفع المنكر، كما أن رفع المنكر يرجع في الحقيقة إلى دفعه؛ ذلك أنه في رفعه يكون قد وقع منكرٌ ما، ويريد الناهي بنهيه عدم قيام الفاعل مرة ثانية بهذا الفعل السيء والقبيح، وهذا بنفسه دفع للمنكر. وخلاصة الكلام: إن فلسفة رفع المنكر ـ وهي عدم القيام بالمنكرات ـ تظهر بشكل أقوى في دفع المنكر; لأن الشارع الحكيم يمكنه، بإيجاب دفع المنكر ابتداءً، الحيلولة دون أصل القيام بالمنكر من رأس، وكما يقال: درهم وقاية خير من قنطار علاج.

ويمكن أن يشكل على المناط المشار إليه بأنه مع الأخذ بعين الاعتبار فلسفة النهي عن المنكر ـ وهي عدم العصيان ـ إذا فعل شخصٌ منكراً فلا معنى بعد ذلك لوجوب نهيه عن المنكر؛ لأن المنكر قد تحقق.

وفي الجواب عن هذا الكلام نقول: إن حكم الشارع على المكلّف بوجوب النهي عن المنكر الذي وقع وتحقق إنما هو لأن صدور هذا المنكر من جانب العاصي يمثل قرينةً على تكرار هذا الشخص لهذا الفعل مرّةً أخرى، وعليه فقد أمر الشارع بالنهي عن المنكر حتى لا يكرّر هذا العاصي فعله في المستقبل مرةً أُخرى، من هنا تظل فلسفة النهي عن المنكر باقيةً على حالها لا تلغو ولا تبطل، فإذا حصل اطمئنان بأن شخصاً سوف يوقع المنكر فيما بعد، ولم يوقعه حتى الآن، فالنهي عن المنكر في مورده يكون واجباً أيضاً، رغم أنه لم يوقع المنكر بعدُ، ولابد من دفع هذا الشخص كي لا يصدر عنه الذنب.

ثالثاً: لو سلّمنا وقبلنا بأن هذا الكلام من المرأة وكراهتها منكرٌ، وأن رفع المنكر واجب، إلا أنه قد ثبت في محلّه أن النهي عن المنكر غير واجب إذا لزم منه زوال حقّ الناهي. وبعبارة أخرى: لو كانت المرأة تريد أو قد تقع في الحرام لا يمكننا أن نقول للرجل: إنه يجب عليك طلاقها حتى لا يتكرر منها فعل المنكر; لأن الطلاق مُفضٍ إلى ذهاب حق الرجل الذي يريد ـ كما قلنا ـ استمرار حياته الزوجية مع امرأته، ومن الواضح أنه لا يقول بهذا الكلام فقيهٌ قط؛ لأنه إذا كان النهي عن المنكر واجباً بشكل مطلق ودون قيد أو شرط، لزم وقوع لوازم باطلة، منها: القول بأن العبد عندما لا يطيع مولاه في الأمور الراجعة إلى المولى ـ أي يعصي المولى ـ فيجب على المولى من باب النهي عن المنكر، وحتى لا يرتكب العبد إصراراً على المعصية…، يجب عليه أن يحرّره من رقّ العبودية ويطلق سراحه!!

وجواب هذا الإشكال واضح; وذلك أننا نقبل أيضاً بأن الحيلولة دون وقوع الذنب من الآخرين لا يفترض أن تؤدي إلى ذهاب حقوق الناهين عن المنكر أو أيّ شخص آخر، وهذه قاعدة عقلائية وشرعية، إلا أن إشكالنا هنا يكمن في أن إلزام الرجل بالطلاق الخلعي لا يضيّع حقاً من حقوقه; لأن طلاق الخلع يعطي الرجل الأموال التي دفعها مهراً لزوجته، فيما تأخذ المرأة ما كان مقابلاً لهذا المهر، وهو البضع، بحيث لا يبقى للرجل بعد ذلك حقّ التصرّف في بضعها، وعليه يكون الموقف مقارباً لعودة العوضين إلى المالك الأصلي والسابق، ومن ثَمّ لا يفوت حقُ أحد، حتى يقال بعدم إمكان إجراء النهي عن المنكر لإفضائه إلى ضياع حقّ الناهي نفسه. وبعبارة ثانية: نحن نقبل الكبرى الكلية، إلا أن ما نرفضه هو تطبيق الكبرى على الصغرى، فلا نعتبر هذه الصغرى مصداقاً للقاعدة الكلية العقلائية المذكورة.

وقد يُشكل على هذا الجواب بأن الذي يضيع على الرجل هو حقّه في بقاء حياته الزوجية؛ حيث يلزم هنا صيرورته بلا زوجة، وهذا ما يعني أن إشكالية التعارض بين وجوب النهي عن المنكر ولحوق الضرر للناهي ما تزال باقيةً على قوّتها.

لكن هذا الإشكال غير وارد أيضاً؛ إذ في الطلاق العادي، الذي يدفع فيه الرجل المهر ويطلّق زوجته، ستكون الزوجة بلا زوج، وهذا ما يؤدي إلى ضياع حقّ المرأة، وقد علمتَ أنه لا ضياع للحقوق في الموردين معاً، ولم يلحقهما ظلم؛ ذلك أن ما قدّمه كل واحد منهما بعنوان العوض قد عاد إليه.

المقالة XXV.             2 ـ الارتكاز والاعتبار العقلائي في العقود

يقضي الارتكاز والاعتبار العقلائي في العقود بأنه إذا كان عقدٌ ما لازماً فإن لزومه يكون من ناحية طرفي العقد، وكذلك إذا كان جائزاً فإن جوازه يطالهما معاً، أما الاختلاف بين الطرفين في لزوم العقد وجوازه، بحيث يكون لازماً بالنسبة لأحد الطرفين وجائزاً بالنسبة للطرف الآخر، فهو مخالف للارتكاز العقلائي; إذ لا يرى العقلاء مبرراً لإعطاء أحد الطرفين قرار فسخ العقد باختياره فيما يُحرم الطرف الآخر من هذا الحق، بل يرونه تمييزاً وترجيحاً بلا مرجّح ولا مبرّر، بل هو ـ إذا تحقق ـ يضيّع حقوق الأفراد، ويخالف الحياة الاجتماعية، كما يناقض مبدأ المساواة في القوانين.

يضاف إلى ذلك أن استقراء تمام العقود التأسيسية والإمضائية ودراستها يدلّ على موافقة ما قلناه من الاعتبار العقلائي، فلا يمكن أن نجد عقداً يكون لازماً من أحد الطرفين فيما يكون جائزاً من الطرف الآخر، فإذا كان لأحد الطرفين حق فسخ العقد وإلغائه فلابد أن يثبت هذا الحق للطرف الآخر.

وفي مسألتنا هنا لا يقبل العقلاء أن يكون للرجل الحقّ ـ متى أراد ـ أن يفسخ أو يلغي أو يبطل عقد النكاح القائم بطرفين اثنين فيما تسلب المرأة ـ التي هي طرفٌ أساس في هذا العقد ـ من مثل هذا الحقّ، وبناءً عليه يقول العقلاء: حيث لا مجال لأن تطلّق المرأة نفسها فلابدّ من العثور على سبيل يمكّن المرأة من إلزام الرجل بإلغاء العقد، ولو لم يرغب الرجل في ذلك أو يُرِدْه; حتى تتم بهذه الطريقة مراعاة البناء العقلائي في العقود، وهو البناء الذي لم يَرِدْ أيُّ دليل على الردع عنه، لا عموماً ولا خصوصاً.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الارتكاز العقلائي في العقود ممضىً من الشارع أيضاً ومقبول، إلا في موارد منع الشارع نفسه عنها، فقولنا: من الجائز للرجل متى أراد أن يطلّق زوجته مع دفعه المهر لها إنما يقبل عقلائياً به، ويحكم العقلاء بكونه حكماً عادلاً، عندما تطالب المرأة به، وتدفع المهر أو تهبه وتتنازل عنه، فيكون الرجل ملزماً بطلاق المرأة، وهذه الملازمة توافق الأصول والضوابط الإسلامية، وكذلك عدالة الأحكام التشريعية، التي تدلّ عليها أيضاً نصوص الكتاب والسنّة، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنعام: 115)، وقال سبحانه: {…وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ} (فصّلت: 46)، كما يعتبر العقلاء أن ما يخالف هذه الملازمة مخالفٌ للعدل، فيكون ظلماً.

وبعبارة أخرى: يعتبر العقل والعقلاء من القبيح أن يكون هناك أمرٌ غير اختياري ـ وهو الرجولة أو الأنوثة ـ سبباً لإعطاء تمام الصلاحيات لأحد طرفي العقد، ويكون هذا الأمر غير الاختياريّ نفسه موجباً لفقد أحد الطرفين المستعدّ لمراعاة تمام الحقوق… صلاحياته; فإن الرجولة أو الأنوثة ليست في يد الإنسان، قال تعالى: {…يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} (الشورى: 49).

ونشير هنا إلى أن أي مقنّن في الأمور الاختيارية الإرادية يمكنه أن يضع تفاوتاً واختلافاً ـ حسب المصالح الكامنة في تقنيناته ـ بين الأفراد في صلاحياتهم وحقهم في الاختيار والانتخاب والإرادة، ولا يوجد قبح عقلي ولا ظلم في ذلك، ولا يصحّ ذلك في الأمور غير الاختيارية، كالذكورة والأنوثة.

المقالة XXVI.          3 ـ حكم العقل

يحكم العقل بقبح تمكين الزوج لوحده من طلاق زوجته مع دفعه المهر لها متى أراد حتى لو لم ترضَ الزوجة بذلك، فيما تحرم المرأة من ذلك، فلا تقدر ـ ولو بالتخلّي عن مهرها أو دفعه ـ أن تلزم الزوج بطلاقها، ففي هذا النوع من الموارد يحكم العقل بأنّ هذا ظلم على المرأة؛ لأن العقل لا يرى اختلافاً بين المرأة والرجل في مثل هذا الحقّ، فإذا أراد الشارع الردع عن هذا الحكم العقلي أو الارتكازات العقلائية فمن الضروري أن يردع عبر نصوص كثيرة وصريحة، ويبيّن خطأ هذه الارتكازات واشتباهها، فالشارع يجب عليه أن يبيّن خطأ حكم العقل بالظلم أو القبح في فعل ما بياناً واضحاً جلياً متيناً، وإلا فروايةٌ واحدةٌ أو دليلٌ شرعيٌ يقع على خلاف حكم العقل سوف يسقطان عن الحجية تلقائياً؛ ذلك أن المخالف لحكم العقل لا يمكنه أن يكشف عن بطلان الإدراك العقلي، وبناءً عليه فالشارع الحكيم مطالب بتفهيم خطأ الإدراك العقلي للمكلّف عبر إقامة أدلّة وبراهين ونصوص كثيرة.

ومن الواضح أن موردنا لا توجد فيه أيّة رواية أو نصّ، فكيف بنصوص وروايات كثيرة؟! وغاية ما يمكن الاستناد إليه والتمسك به هو إطلاق الحديث القائل: <الطلاق بيد من أخذ بالساق>([36])، وهو حديث مخالف لمبدأ العدل ورفض الظلم في أحكام الإسلام، وقد بيّنا أنه لا حجية لظهور الدليل المخالف للأصول العقلية والنقلية المسلّمة، وهي العدل وعدم الظلم في أحكام الإسلام، وعدم مخالفة الأحكام للعقل، فماذا لو أردنا أن يكون إطلاق مثل هذه الرواية هو الدليل هنا؟! من هنا لا سبيل ـ مع حكم العقل بظلم الحكم بجواز (وعدم وجوب) الطلاق على الرجل مع كراهة الزوجة وتقديمها المال له وقبحه ـ سوى القول بوجوب مثل هذا الطلاق الخلعي; انطلاقاً من حكم العقل بقبح الجواز، وحكمه بحسن اللزوم والإيجاب.

المقالة XXVII.             إشكالات على مبدأ القول بوجوب الخُلع

بعد الفراغ عن الأدلّة التي سقناها لإثبات القول المختار، وهو إلزام الرجل بالطلاق بعد دفع المرأة أو تنازلها عن المهر وكراهتها للرجل، نحاول هنا إكمال البحث عبر مطالعة الإشكالات التي يمكن أن ترد على هذه الأدلّة الدالّة على مبدأ القول بوجوب الخلع.

المقالة XXVIII.     1 ـ إشكالية التناقض مع مبدأ الخيار بالطلاق

إن وجوب طلاق الخلع على الرجل ينافي الرواية المعروفة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»([37])؛ وذلك أن ظاهر هذه الرواية كون الرجل كامل الحرية والإرادة في أمر الطلاق، وهذا الأمر يعارض الحكم بوجوب الطلاق على الرجل، وعندما تقع المعارضة تقدّم هذه الرواية على الوجوه والأدلّة المقدّمة لصالح نظرية وجوب الطلاق على الرجل; لأنّها رواية موافقة للكتاب، ولما وصلنا من روايات في خصوص طلاق الخلع، فيكون الحكم بالوجوب اجتهاداً في مقابل النص.

المقالة XXIX.                دراسة في الحديث النبوي: <الطلاق بيد من أخذ بالساق>

يمكن دراسة هذه الرواية من ناحيتين: السند؛ والدلالة.

المقالة XXX.                  أ ـ مطالعة سندية

هذه الرواية رواية سنّية; فلم ينقلها سوى أهل السنّة في كتبهم، ولم ينقل ما يشابه هذه الرواية في المصادر الشيعية([38]). وقد وردت هذه الرواية في كتب أهل السنّة بطريقين وسندين، كلاهما ضعيف، وهما:

1 ـ حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتى النبي’ رجل، فقال: يا رسول الله، إنّ سيدي زوّجني أمته وهو يريد أن يفرّق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله’ المنبر، فقال: «يا أيها الناس، ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثم يريد أن يفرّق بينهما؟! إنما الطلاق لمن أخذ بالساق>([39]).

2 ـ… خالد بن عبدالسلام الصدفي، حدثنا الفضل بن المختار، عن عبيدالله بن موهب، عن عصمة بن مالك([40]).

وفي الطريق الأول نجد ابن لهيعة الذي ضعّفوه([41])، كما نجد في السند الثاني الفضل بن المختار الذي عدّوه ضعيفاً أيضاً([42])، وعليه فلا سند صحيح لهذا الحديث عند أهل السنة.

المقالة XXXI.                ب ـ مطالعة دلالية

يعاني هذا الحديث ـ في دلالته على عدم وجوب طلاق الخلع على الرجل وإلزامه به ـ من عدة إشكالات، هي:

أوّلاً: يحتمل أن الحصر الوارد فيه حصر إضافي، وليس بالحقيقي; وذلك أنه مع الالتفات إلى صدر الرواية الوارد في الاختلاف بين الزوج والمولى في حقّ الطلاق لا يكون حصر حقّ الطلاق بيد الزوج من قبل الشارع حصراً حقيقياً، حتى يدلّ على أن أيّ شخص غير الزوج ـ كائناً من كان ـ لا حقّ له في طلاق زوجة الرجل، بحيث يشمل هذا الأمر الزوجة نفسها، وسلب حق صيرورتها مطلَّقة من يدها هي أيضاً. والشاهد على إضافية الحصر هو مورد الرواية; ذلك أنها جاءت في السؤال عن اختلاف الزوج مع المولى، والجواب فيه ظهور في الحصر الإضافي بالنسبة إلى هذا المورد.

وهذا الاحتمال الذي طرحناه لو لم نقل: إنه ظاهر الحديث فلا أقلّ من كفايته في إعاقة تمامية الاستدلال به، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. يضاف إلى ذلك أن ظهور الحديث في الحصر الإضافي يغدو واضحاً بقرينة المورد ونصوص النبي الأكرم’ في ما يخصّ حُسن تزويج العبيد. وبعبارة أخرى: يحتمل أن يكون مورد الرواية مربوطاً فقط بالحصر في أمثال موردها، وهو طلاق المولى والعبد، أي لا يكون طلاق زوجة العبد بيد مولاه، وإنما بيد العبد نفسه، وبهذا لا يكون الحصر حقيقياً حتى يدل على أن الطلاق ـ دائماً وأبداً وفي جميع الموارد ومقابل جميع الأفراد ـ بيد الزوج. وبناءً عليه فالحصر في حديث «من أخذ بالساق» مربوطٌ أيضاً بهذا الحصر الإضافي، أي بالنسبة للعبد في مقابل المولى؛ وشاهد ذلك الاستفادة من تعابير مثل: «ما بال أحدكم»، أو «ما بال أقوام»، أو «ألا إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق»([43])، في إطار اختلاف نقل الحديث، وكان النبي يريد أن ينهى الناس عن تزويج العبيد والإماء من بعضهم ثم العمل على فصلهم وطلاقهم.

والشاهد الآخر أن جملة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» في تمام صور نقلها ومصادره جاءت إما طبقاً للصورة المنقولة عن ابن عباس، أو أنه جاء في تكملتها تحذير النبي من تزويج العبيد والجواري ثم الفصل بينهم. وبناءً عليه لا يمكن الوصول إلى حصر حقيقي من خلال هذه الجملة، بحيث يشمل تمام الأفراد بمن فيهم الزوجة نفسها؛ لأن احتمال إضافية الحصر مانع عن الاستدلال بالعموم في الحديث، فكيف بادّعاء ظهور الحديث في الحصر الإضافي؟!

ثانياً: حتى لو قبلنا بأن هذه الجملة تعبّر عن قاعدة عامّة، وأن الحصر فيها حصر حقيقي، لا يمكن ـ أيضاً ـ القول بتنافي هذه القاعدة مع وجوب طلاق الخلع; لأن هذه القاعدة مرتبطة بالطلاق، أما بحثنا فهو في الخلع الذي قال بعضهم: إنه لا يحتاج إلى صيغة طلاق([44])، كما ذهب بعضهم إلى أن وقوعه بدون لفظ الطلاق معناه أنه فسخ وليس بطلاق([45])، وعليه فالخلع والطلاق بابان منفصلان عن بعضهما، فلا تسري أدلّة الطلاق إلى الخلع أساساً([46]).

ثالثاً: حتى لو تمت هذه القاعدة فلا تنافي إجبار الرجل وإلزامه بالطلاق; لأننا ندّعي أنه مع فرض كراهة المرأة وتنازلها عن مهرها ومطالبتها بالطلاق يجب على الزوج أن يطلقها، وعندما لا يطلّق يجبره الحاكم الشرعي على الطلاق، تماماً مثل موارد العسر والحرج بالنسبة للمرأة، ومع هذا كلّه يظلّ الطلاق بيد الرجل، ولو لم نعتبر الطلاق بيد الرجل لكان يفترض الحكم بانفصال الزوجين عن بعضهما بمجرّد هبة المرأة المهر للرجل، لكننا نرى أن القائلين بوجوب طلاق الخلع ذكروا ـ أيضاً ـ أنه بعد الخلع لابد من صيغة الطلاق من قبل الرجل([47]).

من هنا فهذا الإلزام يؤيّد قاعدة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، ولا ينافيها، وإنما يؤكِّدها.

المقالة XXXII.        2ـ إشكالية المنع عن نقل حقّ الطلاق للزوجة

ينافي وجوب الخلع على الرجل وإلزامَه بالطلاق الرواياتُ([48]) التي تدلّ على أنه لا يمكن للرجل نقل حقّ الطلاق للزوجة عبر الشرط; ذلك أن اختيار الرجل في الطلاق ينافي إلزامه به، وإحدى هذه الروايات صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر: «أنه قضى في رجل تزوّج امرأةً، وأصدقته هي، واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنّة، وولّيت حقاً ليست بأهله، فقضى أن عليه الصداق، وبيده الجماع والطلاق، وذلك السنّة»([49]).

المقالة XXXIII.            قراءة نقدية

ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال بوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: استند الفقهاء لهذه الصحيحة لإثبات بطلان شرط وضع الطلاق بيد الزوجة، وعلى أساس هذه الدلالة في الرواية يمكن القول بمنافاة هذه الصحيحة للقول بوجوب وإلزام الرجل بطلاق الخلع، لكننا نعتقد أنه ليس لهذه الصحيحة ظهور في هذا المعنى ولا دلالة عليه، وإنما هناك احتمال آخر فيها، لا تنافي معه القول بوجوب الخلع، وهذا الاحتمال هو أن الإمام بيّن أن الطلاق بيد الرجل، بمعنى أن الرجل هو الذي يطلّق المرأة، لا أن المرأة هي التي تطلّق الرجل، فالمرأة ليس لها الحق في أن تشرط على الرجل أنها في أيّ وقت أرادت يمكنها أن تطلّقه، فتقول له: «أنت طالق، أو هو طالق»; ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا الاحتمال تغدو الرواية متصلة بنفي كون طلاق الرجل بيد المرأة، وليست في مقام بيان جواز أو عدم وجوب الطلاق على الرجل وإلزامه به.

ويؤيّد هذا الاحتمال بشاهدين: أحدهما خارجي؛ والآخر داخلي.

أ ـ أما الشاهد الخارجي فهو رواية ابن مسعود الواردة في كتاب «كنز العمال»، والتي وردت في هذا المجال، ومتنها كالتالي: «عن ابن مسعود، أنه جاء إليه رجل، فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس، فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع، فقال: فقلت: إن الذي بيدي من أمرك بيدك، فقالت: أنت طالق ثلاثاً…»([50]).

وشاهدنا في هذا الخبر جملة: «فقالت: أنت طالق ثلاثاً»، فإن صراحة هذه الرواية تقوي الاحتمال الذي اخترناه في رواية محمد بن قيس.

ب ـ وأما الشاهد الداخلي فهو تعبير: «خالفت السنّة»; ذلك أن المراد من السنّة هو السنّة الاجتماعية وديدن العقلاء في الجماع والطلاق؛ ذلك أن المبادرة والإقدام في الجماع وفي الطلاق كان بيد الزوج في كل المجتمعات وفي تمام الأزمنة السابقة على الإسلام، وإذا ما قيل في مجتمع ما: إن المرأة الفلانية طلّقت الرجل الفلاني فإنهم يسخرون من ذلك ويثير الضحك عندهم…، وهذه السنّة والديدن العقلائي استمرّ أيضاً سائداً بعد الإسلام إلى زماننا هذا، وبناءً على هذا المعنى للسنّة يتقوى الاحتمال الذي اخترناه من أن الرواية في مقام بيان طلاق المرأة للزوج وإجرائها صيغة الطلاق بنفسها عليه; فإن هذا الفعل مخالف للسنن السائدة ودأب الناس وديدن العقلاء; إذ الرجل هو الذي يفترض أن يطلق المرأة.

الوجه الثاني: لنفترض أنّ هذا الحديث دالٌّ على حق الرجل واختياره في أمر الطلاق، ودلالته كدلالة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، لكنه لا يمكننا القول بأن أيّ حكم يثبت بهذا الحديث في الطلاق يجري في طلاق الخلع أيضاً؛ لأن ما يقع في الطلاق هو دفع المهر من طرف الزوج وانفصال الزوجين عن بعضهما، أما طلاق الخلع فدفع المهر والمال فيه يكون من طرف المرأة. وبناءً عليه فهما نوعان منفصلان، وإن كانا قسمين من الطلاق، لهذا يمكن القول: إن الخلع ليس من أقسام الطلاق; فإن بعض الفقهاء ـ أوّلاً ـ لم يشرطوا إجراء صيغة الطلاق فيه([51])، كما أن كتب الفقهاء وضعت الطلاق والخلع ضمن عنوانين منفصلين: أحدهما «كتاب الطلاق»؛ وثانيهما «كتاب الخلع والمباراة».

الوجه الثالث: بصرف النظر عن الجوابين السابقين لا يرد هنا أيضاً إشكال التنافي؛ ذلك أن القول بوجوب الخلع تصرّف في حدود اختيار الرجل وصلاحياته…، أي تصرّف في إطلاق «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، أو إطلاق مثل صحيحة محمد بن قيس([52])، التي هي دليل حق الرجل واختياره في الطلاق، فالوجوب تقييد لهما، لا أنه ينفي أصل الحق والاختيار نفياً تاماً حتى يرد إشكال التنافي والتعارض، وهذا التحديد في حرية الرجل في طلاق الخلع حالةٌ لها أشباهها ونماذجها العديدة في الفقه الإسلامي، مثل: فتوى الأصحاب بوجوب الطلاق على الرجل في مورد لحوق العسر والحرج على المرأة، وهناك أيضاً يدور البحث حول التصرّف في إطلاق دليل «الطلاق بيد من أخذ بالساق»; حيث ذكر الفقهاء أن إطلاق هذا الدليل محكوم لدليل «لا حرج»، لا أن دليل لا حرج ينفي أصل دليل «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، فكما لم يرَ الفقهاء تنافياً في مورد العسر والحرج بين «لا حرج» وإطلاق دليل «الطلاق بيد من أخذ بالساق» كذلك الحال في ما نحن فيه. وبعبارة أخرى: لم يقيّد هذا الإطلاق في الخلع فقط، بل وقع تقييده أيضاً في موارد أخرى، مثل: العسر والحرج اللاحقين للزوجة بسبب استمرار الحياة الزوجية.

المقالة XXXIV.     3ـ إشكالية عدم تعيّن مقدار عوض الخلع

يقوم هذا الإشكال على مقدّمة تقضي بأن أحد أوجه الاختلاف بين الخلع والمباراة هو أن الرجل في المباراة لا حقّ له في أخذ ما زاد على مهر المرأة منها، على خلاف الحال في الخلع، حيث لا تحديد من هذا النوع أمام الرجل، فيمكن للرجل أخذ أي مقدار يراه من المرأة ولو زاد عن المهر، ثم يطلّقها.

انطلاقاً من هذه المقدمة يثار هنا إشكال، وهو أن عدم المحدودية في المطالبة بالمال في الخلع ـ وهو أمرٌ مجمع عليه بين الأصحاب، وعليه رواية صحيحة السند تامة الدلالة([53]) ـ لا يتلاءم مع إجبار الرجل وإلزامه بالطلاق; ذلك أنه إذا أراد الرجل أن لا يطلّق زوجته كان بإمكانه رفع سقف المبلغ الذي يطالب به بحيث يصبح فوق قدرة المرأة، وأنتم تقولون: إنه لا يمكن إجبار الزوج على الطلاق ما لم يأخذ منها ماله أو تكون هناك قابلية للأخذ. وبعبارة أخرى: إن المقنن وضع هنا قانوناً استبطن سبيلاً لعدم إجرائه وتنفيذه، بل للغوه، وهذا عمل قبيح لا يصدر من المقنن الحكيم، وعليه فالقول باللزوم لا وجه له ولا دليل، بل الدليل على خلافه.

وقفة مع النصوص الحديثية حول لا تناهي مقدار عوض الخلع

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاختلاف بين الخلع والمباراة دلت عليه الروايات الصحيحة، إضافةً إلى الجانب الاعتباري([54])، الذي أشارت إليه أيضاً بعض الروايات([55])، وحيث إن جوابنا على هذا الإشكال يرجع إلى دراسة تعارض هذه الروايات مع بعضها فلابد أن نشير إليها، ثم نخضعها للبحث والتحليل، وبدراسة هذه الروايات يعلم أن الروايات الدالة على الاختلاف بين الخلع والمباراة على مجموعتين: إحداهما تدل بإطلاقها على أن الرجل بإمكانه المطالبة في الخلع بأيّ مبلغ مالي من المرأة وله أخذه؛ والمجموعة الثانية صريحةٌ في الدلالة على هذا الأمر، والمجموعتان تدلان على عدم إمكان أخذ ما زاد على المهر في طلاق المباراة.

المقالة XXXV.             المجموعة الأولى

1 ـ رواية سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبدالله×… فقال: «إذا قالت: لا أطيع الله فيك حلّ له أن يأخذ منها ما وجد»([56]).

2 ـ رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر×، قال: «إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمراً… حلّ له ما أخذ منها…»([57]).

ومثل هاتين الروايتين روايات كثيرة وردت في الباب الأول والثالث من كتاب الخلع والمباراة، من وسائل الشيعة، ج 22، وبهذه التعابير أيضاً.

وتدل هذه الروايات بإطلاقها: «حلّ له ما أخذ منها، وله أن يأخذ من مالها ما قدر»، على أن للرجل أن يأخذ من الزائد على المهر من المرأة، حيث ورد هذا الإطلاق في مقام البيان كان تاماً وقابلاً للاستناد إليه.

المقالة XXXVI.           المجموعة الثانية

1 ـ صحيحة زرارة، عن أبي جعفر× قال: «المباراة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها (ما شئت)([58])، أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر…، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء…»([59]).

2 ـ رواية سماعة: «فإذا اختلعت فهي بائن، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه، وليس له أن يأخذ من المباراة كلَّ الذي أعطاها»([60]).

والرواية الأولى نصّ صريحٌ في المطلوب، كما أن رواية سماعة ظاهرة في جواز أخذ ما زاد على المهر من طرف الرجل في طلاق الخلع؛ نظراً لجملة: «ليس له أن يأخذ من المباراة كلّ الذي أعطاها».

المقالة XXXVII.         دراسة الروايات وتحليلها

حيث كان الإشكال الثالث المسجّل على القول المختار هنا، وهو وجوب طلاق الخلع على الرجل، مبنياً على هذه الروايات والاستفادة منها كان لا بد من تحليل الإشكالات الواردة على دلالة هذه الروايات؛ وذلك أنها تواجه إشكالين:

المقالة XXXVIII.       أ ـ إشكالية التعارض بين الروايات

تدل صراحة صحيحة زرارة وظهور رواية سماعة على أن الرجل لا يحق له في المباراة أن يأخذ تمام المهر، وإنما المتعين أن يأخذ ما قلّ عنه، وهذا المقطع من مدلول هاتين الروايتين يعارض رواية أبي بصير الصحيحة السند([61]) الواردة بالخصوص في المبارة نفسها; فإن الإمام× يصرّح في هذه الرواية بأنه لا يحلّ للرجل في طلاق المباراة سوى أخذ المهر أو ما هو أقلّ منه.

وبناءً عليه تدل هاتان الروايتان على عدم جواز أخذ تمام المهر في المباراة، فيما تدل الصحيحة على جواز أخذ تمام المهر، وعليه فهناك تعارض حول أخذ مقدار المهر نفسه في المباراة، وهو ما يؤدي إلى تساقط روايتي زرارة وسماعة في حكم المباراة، وسقوطهما عن الحجية.

وانطلاقاً من ذلك، وحيث سقط مقطع من روايتي زرارة وسماعة عن الحجية، نستنتج عدم حجية سائر فقرات الروايتين بما في ذلك أخذ الرجل للمال بلا قيد ولا شرط من المرأة في طلاق الخلع; لأن هذين الحكمين عطفا على بعضهما بحرف «الواو»، ومن الواضح أنه إذا كان المعطوف عليه (أخذ المال في المباراة) غير حجة فإن المعطوف (أخذ أيّ مقدار من أموال المرأة في الخلع) لن يكون حجةً أيضاً. إذاً المعطوف عليه (حكم المباراة) يعارض صحيحة أبي بصير فكذلك الحال في المعطوف أيضاً، يكون في حكم التعارض، ويسقط عن الحجية. وبعبارة أخرى: للمعطوف معارضة عَرَضيّة حينئذ.

ونتيجة الكلام أنه مع الأخذ بعين الاعتبار هذا التعارض فإما أن نقول بالتساقط، ونلتزم بالرجوع إلى الأصول والقواعد الأولية؛ أو نقول بالتخيير في باب التعارض، وهو مبنى الأستاذ (حفظه الله). وعليه نحن نعمل في المباراة برواية أبي بصير الدالة على جواز أخذ المهر والأقلّ منه في المباراة، ولا تكون روايتا زرارة وسماعة معمولاً بهما عندنا، وهذا يعني عدم بقاء دليل يجيز للرجل أخذ أموال المرأة بلا قيد ولا حدّ ولا شرط في طلاق الخلع، وعملاً بالقواعد لا يحقّ للرجل أن يأخذ ما زاد على المهر الذي تمّ التوافق عليه في هذا النكاح، كما لا يحقّ له مطالبة المرأة بغيره.

وربما قيل ـ لرفع التعارض هنا في ما يخصّ الخلع ـ بأن هناك موارد عديدة في الروايات يكون فيها صدر الرواية ساقطاً عن الحجية فيما يكون ذيلها حجة، فيفتي الفقهاء بقسم من الرواية ويرونه حجة، وهو ما يوافقهم عليه بناء العقلاء. ومن هنا إذا كانت صحيحة زرارة وموثقة سماعة في بحثنا هنا غير حجة في مجال المباراة فلا مبرِّر ولا مسوِّغ لعدم حجيتهما في حكم الطلاق الخلعي; لأن رفع اليد عن الحجة يحتاج إلى دليل، ولا دليل لدينا هنا على رفع اليد عن هذه الحجة.

إلا أن القليل من التأمل في بحثنا هنا يفهمنا عدم تمامية هذه القاعدة في نطاق دراستنا الحالية؛ لأن تلك الموارد التي اعتبر فيها الفقهاء مقطعاً من الرواية حجةً دون مقطع آخر تتّصل بحالة ما إذا كان كل حكم من حكمي المقطعين منفصلاً عن الحكم في المقطع الثاني، كأنهما كلامان منفصلان في موضوعين مختلفين، كما أن الصدر والذيل قابلان للتفكيك من ناحية الحكم، لا في مثل الحال التي نحن فيها، حيث يعطف الحكمان على بعضهما بحرف العطف «الواو»، ويرتبطان ببعضهما بهذه الطريقة، كما أن الحكم في الموردين معاً هو الطلاق بين الزوجين.

المقالة XXXIX.            ب ـ إشكالية مخالفة مبدأ العدالة

ثمة مشكلة أخرى هنا، وهي:

أوّلاً: إن الحكمَ المستفاد من صحيحة زرارة وموثقة سماعة والروايات المطلقة الدالّة على أنه يمكن للرجل أخذ أيّ مقدار أراده من المرأة على أن يطلقها… مخالفٌ للعدل الذي يعدّ جزءاً من الأصول الإسلامية المسلّمة; لأن البنية التحتية لتمام الأحكام هي العدالة، والحيلولة دون الظلم وتضييع الحقوق، فالعدل والعدالة ميزان أحكام الإسلام، لا أن الأحكام الشرعية هي ميزان العدالة ومعيارها.

وما أجمل أن نبيّن هنا ـ لاتضاح هذه النظرية الفقهية ـ كلام العلامة الشهيد مرتضى مطهري، حيث يقول بأن <أصل العدالة من مقاييس الإسلام، حيث لابد أن نرى ما الذي ينطبق عليه. إن العدالة تقع في سلسلة علل الأحكام لا معلولاتها، فليس ما قاله الدين هو العدل، بل ما هو عدلٌ قاله الدين، وهذا معنى معيارية العدالة للدين، إذاً فلابد من البحث: هل الدين مقياس العدالة أم العدالة مقياس الدين؟ الشكل التقديسي للأمور أن نقول: إن الدين هو مقياس العدالة، إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً عن ذلك، فهذا شبيه بما ساد في أبحاث المتكلمين في مسألة الحسن والقبح العقليين، فصار الشيعة والمعتزلة عدليين، أي إنهم جعلوا العدل مقياساً للدين، لا الدين مقياساً للعدل. من هنا كان العقل أحد الأدلّة الشرعية، حتى قالوا: «العدل والتوحيد علويان، والجبر والتشبيه أمويان»، ففي الجاهلية كان الدين هو مقياس العدالة، ويعتبرونه معياراً للحسن والقبح; لهذا نقل عنهم في سورة الأعراف أنهم كانوا ينسبون كل عمل قبيح إلى الدين، وقد قال القرآن الكريم: {قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} (الأعراف: 27ـ28)>([62]).

والمهم في هذا المجال أن تحديد العدالة وعدم الظلم في غير التعبديات يرجع إلى العقلاء وضمن مسؤولياتهم; وذلك أن الشارع والمقنّن الحكيم إذا أراد بيان حكم، وطالب الناس بالعمل به، فلا محالة مضطرّ لسنّ قانون يفضي إلى نشر العدالة في المجتمع، ورفع ألوان الظلم والتمييز، وهذا ما يستلزم أن يرى أفراد المجتمع والعقلاء هذا القانون عادلاً.

وانطلاقاً من هذا التوضيح يمكننا القول أيضاً:

أ ـ إن هذا الحكم ليس مخالفاً للعدل فحسب، بل هو حكم ظالم، ومخالف للآية الشريفة: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ} (فصّلت:46)؛ لأنّ الرجل إذا أراد طلاق زوجته فهو ملزم فقط بدفع المهر لها، أما المرأة إذا أرادت الطلاق فإن بإمكان الرجل أن يطالبها بما أراد ورغب وتمنّى، بل يمكنه أن يقدم مطالب ثقيلة قد تعدمها حقها في الحياة والوجود، وهي الحياة التي قدّرها الشارع سبحانه واحترمها. إن هذا الاختلاف في الحكم بين شخصين، نتيجة أمر غير اختياري (الذكورة والأنوثة)، في اتفاق وعقد عقلائي، ليس سوى ظلم وإجحاف.

ب ـ إن هذا الحكم مخالف لقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ…} (الحديد: 25)؛ لأن مثل هذا الحكم الظالم لا يتناغم مع مطالبة الناس بإقامة العدل والقسط. كيف يمكن لأحكام يفترض أن تكون مصدراً لتعليم القسط وعدم الظلم للناس أن تغدو هي بنفسها أحكاماً تمييزية على أسس غير إرادية، مما يمثِّل أعلى درجات الظلم والجور؟!

ج ـ إن هذا الحكم مخالف لآية التسريح بإحسان أو الإمساك بالمعروف في الطلاق، قال تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} (البقرة: 229).

وقد يشكل شخص هنا بأن هذا الذي ذكرتموه بأجمعه اجتهادٌ في مقابل النص; ذلك أن الحكم الذي تعدّونه ظالماً قد استفيد من الروايات الصحيحة التي تملك ـ في بعضها ـ دلالات نصية صريحة، ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود هذه الروايات فلابد لنا من التعبّد بالحكم الوارد فيها.

لكن هذا الإشكال غير وارد؛ وذلك:

1 ـ إن أوامر المعصومين^ ورواياتهم جعلت ملاك صحّة الروايات وحجيتها عدم مخالفتها للقرآن، وقد أثبتنا في ما سبق أن هذا الحكم مخالف للأصول القرآنية المسلّمة.

2 ـ إن الروايات المخالفة للعقل والنقل لا يمكن أن تكون حجةً ومعتبرة، وإنما ـ كما قال الفقهاء ـ: «يردّ علمها إلى أهلها»([63])، وهذا ما يصدق على مواضع متعدّدة من رواياتنا، كالكثير من الروايات ـ التي يمتاز بعضها بأسانيد معتبرة ـ الدالّة على تحريف القرآن([64])، أو الروايات المرتبطة بسهو النبي والمذكورة في الكتب الأربعة، وعددها ثمانية عشر رواية نقلها ثلاثة عشر شخصاً من المحدّثين الكبار، إلا أنّ العلماء ـ غير الصدوق([65]) وأستاذه ـ ردّوها؛ لمخالفتها لمبدأ عصمة الأنبياء، الذي هو مبدأ عقلي وعقلائي.

وبناءً عليه فصرف وجود روايات صحيحة لا يمكن أن يبرر إصدار أحكام وفتاوى; وذلك ـ أوّلاً ـ لضرورة عرضها على القرآن، حتى لا تكون مخالفةً للآيات الصريحة والمحكمة، كما أنه ـ ثانياً ـ يفترض عدم كونها مخالفةً للعقل أيضاً.

وقد أشار المحقق الأردبيلي& في كتاب (مجمع الفائدة والبرهان) مراراً إلى هذا الأمر، وعلى سبيل المثال: ذكر في ذيل الحكم بتنصيف دية المرأة نسبةً لدية الرجل أن هذا الحكم مخالف للقواعد المنقولة والمعقولة، مع أنه هو نفسه ذكر الأخبار الصحيحة الدالّة على التنصيف([66])، ويستفاد من كلامه واستدلالاته أن المقصود من العقل ليس عقل المعصومين^ وفهمهم، الذي هو علم ويقين; إذ لا سبيل لنا إليه، كما أنه ليس المراد من العقل العقلُ البرهاني القطعي الفلسفي; لأن تلك البراهين ـ كاجتماع النقيضين وغيره ـ تتصل بالحقائق والتكوين، لا بمجال القوانين والأحكام، التي هي مجالات اعتبار ومواضعة، يضاف إلى ذلك غالبية وجود مقدّمة ظنية في مجال الأحكام الشرعية، وحيث إن النتيجة في كل برهان تتبع أخسّ المقدمتين لهذا كانت نتيجة البرهان ظنية، ومن الواضح أن المقدمة الظنية لا يمكنها أن تكون وسيلةً لنتيجة قطعية، ولابد من الالتفات أيضاً إلى أنّه ليس المراد من العقل هو الإدراكات والأفكار والآراء المستقلّة غير المرتبطة بالكتاب والسنّة، وذلك أنه ـ أوّلاً ـ لا دليل على اعتبار حجية مثل هذه الآراء، التي هي ظنية; لأصالة عدم حجية الظن: {…إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً} (النجم: 28)، كما أن الأدلّة القطعية دلّت ـ ثانياً ـ على حرمة وبطلان القياس والاعتبارات العقلية غير المتصلة، بل المنفصلة عن الكتاب والسنّة.

لا يراد هذا كلّه من العقل، وإنما المراد ما استدلّ به في الفقه وأصوله، وطرح في موارد كثيرة من الفقه الإسلامي، وكان معتمداً عند الفقهاء، وهو الفهم والاستنتاج الذي يتراءى للفقيه من خلال نظره في الكتاب والسنّة (القرآن والعترة).

وبناءً عليه فإذا عثر الفقيه على حكم مخالف لحكم العقل فلا يمكنه الإفتاء وفقه، حتى لو دلّت عليه الروايات الصحيحة، ومن الواضح أن هذه المخالفة لا سبيل لها إلى أحكام العبادات; لأن العقل لا يمكنه إدراك الحسن والقبح والمصالح والمفاسد في التعبديات التي هي بيد الشارع نفسه، وهذا معناه أنه لا يمكن للعقل الحكم بصواب أو عدم صواب عمل ما. وبعبارة أخرى: لا يملك العقل فهماً كاملا للمصالح والمفاسد والحسن والقبح وسائر الجهات فيها فيمكنه تقديم حكم اطمئناني في موردها.

المقالة XL.                      محاولة للتخلّص من إشكال عدم التقدير في عوض الخلع

مع الأخذ بعين الاعتبار وجود نصوص صريحة من جهة على جواز أخذ الزائد على المهر في طلاق الخلع، ومخالفة هذه الأخبار من جهة أخرى لحكم العقل والعقلاء في باب المعاوضات، ووجود شبهة الظلم في هذا الحكم، لذا يمكن رفع هذه الشبهة بالقول: على المرأة أن تشرط في بداية عقد الزواج على الرجل أنه إذا أرادت أن تصبح مختلعة فلا حقّ للرجل بأخذ ما زاد على المهر منها، وبهذا الشرط لا تخالف عقد النكاح ومقتضياته، وفي الوقت عينه يمكن رفع شبهة الظلم المشار إليها آنفاً، والعمل بالنصوص والروايات المتقدمة.

المقالة XLI.                    مناقشة وتعليق

يعاني هذا الجواب من إشكال واضح، وهو أن رفع نقصان القوانين بوسيلة الشرط يدلّل على نقص المقنّن نفسه؛ فإن العادة في التقنين أن يكون القانون عادلاً أولاً، وعاماً ثانياً، بمعنى أن هذه العدالة التي لوحظت عند تدوين القوانين موجودة حتى في حق أولئك الذين لا يلتفتون إلى القوانين; لأن العدالة قانون عام، وإن لم تكن كذلك، وكان غير الملتفت للقانون يجري في حقه القانون، كان الحكم حينئذ ظالماً؛ لأن القانون جرى على شخص وحده، وهو غير مطلع على وضعه، ولا على رفعه.

من الواضح أن وضع الشرط في التقنين وحاكمية الإرادة أمر مربوط بذيول القانون وما يلحقه، حيث يتمكن الأفراد من الاستفادة من الشروط لتحصيل أرباح أكثر في معاملاتهم أو معاوضاتهم دون إلحاق ضرر بالطرف الآخر، ولا يجوز أن تكون هذه الشروط معارضةً أو منافيةً لذات المعاملة والمعاوضة، وعليه فإنّ الشروط لم توضع كي ترفع الظلم الموجود في الأحكام، أو تجبر النقص الموجود في القوانين.

المقالة XLII.                  وقفة مع أدلة القائلين بجواز أخذ الزائد على المهر في الخلع

استند القائلون بجواز أخذ المال مطلقاً بلا قيد ولا شرط في طلاق الخلع ـ بعد ادّعاء الإجماع على ذلك ـ إلى عموم الآية 229 من سورة البقرة، وكذلك إلى النصوص التي وصلتنا في هذا المجال.

لكن بملاحظة ما أسلفناه من أبحاث يثبت لدينا أن هذه الروايات لا يمكن الاعتماد عليها لسببين، ولا يمكن أن تكون حجةً أو دليلاً على القول المذكور.

أما في ما يخص الاستدلال بالآية الكريمة فيمكن القول:

أوّلاً: ليس في الآية المذكورة عموم، وإنما هي ـ فقط ـ في مقام بيان جواز أخذ الفدية من المرأة، وليست ناظرة إلى مقدار الفدية.

ثانياً: تقول الآية: {…فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ…} (البقرة: 229)، أي في ما قدّمته المرأة من مال بوصفه فدية، وتحكم بجواز أخذه، ولا تقول: إن كل ما يريده الزوج يمكن أخذه، حتى لو بلغت إرادة الزوج هنا حداً يحيل على المرأة إمكانية طلاق الخلع; لأن الإطلاق في الآية لو تمّ لكانت الآية نفسها مانعةً عن تحقق الحكم نفسه، وهو الحكم التي هي نفسها بصدد بيانه وتشريعه؛ لأن الرجل بطلبه مبالغ مالية باهظة من المرأة، بنحو يفوق قدرتها وطاقاتها، يمنع تحقق مثل هذا القانون، ومثل هذا التقنين لا يتناسب مع شأن المقنّن الحكيم([67]).

المقالة XLIII.                خلاصات ونتائج

إنطلاقاً من مبدأ تشريع طلاق الخلع في القرآن، وعدم وجود دليل معتبر من الكتاب والسنّة على المنع من القول بوجوب طلاق الخلع على الرجل، إلى جانب وجود أدلّة وارتكازات عقلائية في باب العقود، إضافةً إلى معيارية العدالة في الأحكام الشرعية، من ذلك كلّه نستنتج أنه إذا كرهت المرأة الحياة الزوجية مع زوجها، وقدّمت له المهر أو المال الذي يتراضى عليه الطرفان، وطالبت بالطلاق، وجب على الرجل الطلاق حينئذٍ، فإذا استنكف وامتنع رُفع الأمر إلى المحكمة، وكان بإمكانها تطليق زوجة الممتنع من باب ولايتها في هذا المضمار.

الهوامش

(*) أحد مراجع التقليد الشيعة، له آراء فقهية عديدة مخالفة للمشهور، ولاسيما في فقه المرأة.

([1]) {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ…} (الإسراء: 70)؛ {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى…} (آل عمران: 195)؛ {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً…} (النحل: 97).

([2]) وسائل الشيعة 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح 50.

([3]) {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً…}(الروم: 21).

([4]) قال’: <النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس منّي> (بحار الأنوار 103: 220)؛ وفي حديث آخر: قال أمير المؤمنين×: <تزوجوا; فإن رسول الله’ كثيراً ما كان يقول: من كان يحبّ أن يتبع سنتي فليتزوّج؛ فإن من سنتي التزويج، واطلبوا الولد؛ فإني أكاثر بكم الأمم غداً> (بحار الأنوار 103: 218).

([5]) وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن محمد، عن أبي خديجة، (عن أبي هاشم)، عن أبي عبدالله× قال: <إن الله ـ عزّ وجلّ ـ يحبّ البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ من الطلاق>. (وسائل الشيعة 22: 7، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، باب 1، ح 2).

([6]) موجبات الطلاق في القانون الإيراني والأقليات غير المسلمة: 31; والشاهد على هذه المحدودية الآيات المتصلة بأحكام الطلاق، مثل: الآيتين 229 و230 من سورة البقرة، والتي يضع الشارع فيها أحكاماً خاصة للزوجين.

([7]) كما لو طلق رجلٌ زوجته ثم رجع، وقاربها، ثم طلّق مع توفر شروط الطلاق، وعاد ورجع إليها ثانية قبل إتمامها العدّة، وقاربها، ثم طلّقها ثالثةً، فهنا لا يمكنه العودة إليها مرة ثالثة، إلا أن تتزوج هذه المرأة برجل آخر ويطلّقها، قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ…} (البقرة: 230).

([8]) القاموس المحيط: 642.

([9]) الصحاح 2: 934.

([10]) الفيومي، المصباح المنير 1: 178.

([11]) هو إزالة قيد النكاح بفدية (قواعد الأحكام 3: 156).

([12]) التنقيح الرائع 3: 359; وكشف اللثام 8: 181; وجواهر الكلام 33: 32.

([13]) إيضاح الفوائد 3: 375؛ والتنقيح الرائع 3: 359.

([14]) طلاق الخلع من ضروريات فقه الإسلام.

([15]) عن أبي بصير، عن أبي عبدالله×: <… وحلّ له ما أخذ منها من مهرها وما زاد; وذلك قول الله؛ {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}…>. انظر: وسائل الشيعة 22: 282، كتاب الخلع والمباراة، باب 1، ح 9.

([16]) وسائل الشيعة 22: 279، كتاب الخلع والمباراة، باب 1، ح 1، 2، 3، 4، 5، 7، 8، 9.

([17]) تفسير الكشاف 1: 274.

([18]) قواعد الأحكام 3: 156.

([19]) شرائع الإسلام 3: 41.

([20]) كشف اللثام 8: 185.

([21]) الحاوي الكبير 10: 6.

([22]) السرائر 2: 724.

([23]) شرائع الإسلام 3: 40.

([24]) كشف اللثام 8: 187.

([25]) سنن الدارقطني 4: 37، ح 103.

([26]) النهاية 2: 470.

([27]) غنية النزوع: 375.

([28]) الوسيلة: 331.

([29]) الكافي: 307.

([30]) راجع: الحدائق الناضرة 25: 555.

([31]) طبقاً لما ذكره الشيخ الطوسي نفسه في كتاب <المبسوط>؛ فإن كتاب <النهاية> ألّف على أساس متون الروايات، قال الطوسي: <وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل، وفرّقوه في كتبهم>. انظر: المبسوط 1: 2. ويبدو أن الشيخ الطوسي كتب هذا الكتاب تأثراً بالصدوقين; لأن الشيخ الصدوق صنف كتابيه: المقنع، والهداية، على هذه الطريقة. لمزيد من التوضيح والاطلاع انظر: مقدمة كتاب الهداية الذي طبعته مؤسسة الإمام الهادي× التحقيقية.

([32]) يقول صاحب الشرائع ـ بعد بيان أدلّة عدم الوجوب ـ بأن هناك رواية واردة في وجوب الخلع (شرائع الإسلام 3: 40)، ويعلّق صاحب الجواهر بأنه وسائر الفقهاء لم يعثروا على مثل هذه الرواية (جواهر الكلام 33: 45)، كذلك يذكر الفاضل الإصفهاني بأنه لم يصادف هذه الرواية (كشف اللثام 8: 187)، إلا أن شيخنا الأستاذ يقول في هذا المضمار: حيث إن القول بالوجوب ظهر أوّل مرة في كتاب النهاية للطوسي، وهذا الكتاب قائم على سرد متون الأخبار، بناء عليه لعلّ مقصود المحقق الحلي أن القول بالوجوب ـ الذي ذكر في هذا الكتاب بهذه الخصوصية المذكورة ـ فيه رواية حتماً.

([33]) وسائل الشيعة 22: 279، كتاب الخلع والمباراة، باب 1، ح 1، 2، 3، 4، 7.

([34]) تماماً مثل الحكم باستحباب صلاة الليل التي تصبح واجبةً بالنذر.

([35]) جاء هذا الدليل لأوّل مرة في كلمات العلامة الحلي في <مختلف الشيعة>، ثم ردّه (مختلف الشيعة 7: 383)، وقد استعرضه الفقهاء بعده، ثم سجلوا عليه إشكالاتهم. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الدليل لا وجود له في تمام كتب الفقهاء القائلين بوجوب طلاق الخلع.

([36]) سنن الدارقطني 4: 37، ح 103.

([37]) المصدر نفسه.

([38]) يقول صاحب المسالك في بحثه عن صحة توكيل الزوجة بطلاق نفسها، بعد استدلال الشيخ بهذه الرواية لعدم صحّة الوكالة: <والخبر مع تسليم سنده لا ينافي ذلك>، وعبارة (مع تسليم سنده) تدلّ على أنه لا يرى هذه الرواية صحيحةً، فانظر: مسالك الأفهام 9: 15.

([39]) سنن ابن ماجة: 349، ح 2081؛ وسنن البيهقي 11: 27.

([40]) سنن الدارقطني 4: 37، ح 103.

([41]) عبدالله بن عقبة بن لهيعة، ويكنى أبا عبدالرحمن، وكان ضعيفاً.. (الطبقات الكبرى 7: 516).

([42]) الفضل: قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة، يحدّث بالأباطيل؛ وقال الأزدي: منكر الحديث جداً؛ وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها (الذهبي، ميزان الاعتدال 3: 358).

([43]) سنن الدارقطني 4: 37، ح 103.

([44]) جواهر الكلام 33: 2.

([45]) المصدر نفسه 33: 9.

([46]) لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا الجواب لا يصحّ على مبنى من يقول بأن الخلع نوعٌ من الطلاق، ويشترطون الصيغة فيه، فيكون جواباً مبنائياً.

([47]) تهذيب الأحكام 8: 97، ذيل الحديث: 327 ـ 328; والجوامع الفقهية: 552، سطر: 33; والسرائر 2: 726; وغنية النزوع 2: 375.

([48]) وسائل الشيعة 22: 93، 98، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشروطه، باب 41، ح 5، 6؛ وباب 42، ح 1، وأحاديث أخرى أيضاً.

([49]) المصدر نفسه 21: 289، كتاب النكاح، أبواب المهور، باب 29، ح 1، وقد ذكر هذه الرواية المشايخ الثلاثة.

([50]) كنز العمال 9: 288، ح 27896.

([51]) جواهر الكلام 33: 2.

([52]) وسائل الشيعة 21: 289، كتاب النكاح، أبواب المهور، باب 29، ح 1.

([53]) المصدر نفسه 22: 279، كتاب الخلع والمباراة، باب 1 و3 و4، وسوف نستعرض هذه الروايات قريباً.

([54]) الوجه الاعتباري هو حيث إنه في المباراة توجد كراهة من الطرفين لم يمكن للرجل أخذ ما زاد على المهر، أما الخلع فحيث كانت الكراهة من طرف المرأة فقط، وهي التي تريد قطع الصلة وتفكيك الحياة الزوجية، كان من المفترض أن أيّ مقدار يريده الرجل يكون له، يضاف إليه أنه عندما تقول المرأة كلمات لا تقال ولا تجوز يمكن للرجل أن يأخذ المقدار الذي يريد منها.

([55]) وسائل الشيعة 22: 287، كتاب الخلع والمباراة، باب 4، ح 1.

([56]) المصدر نفسه: 289، باب 4، ح 6.

([57]) المصدر نفسه: 279، باب 1، ح 1.

([58]) وردت هذه الرواية في التهذيب والكافي بكلمة: <ما شاء>، وذيل الحديث يشهد على صحة نسخة الكافي والتهذيب. انظر: تهذيب الأحكام 8: 101، ح 340; والكافي 6: 142، ح 2.

([59]) وسائل الشيعة 22: 287، كتاب الخلع والمباراة، باب 4، ح 1.

([60]) المصدر نفسه: 288، ح 4.

([61]) المصدر نفسه: 287، ح 2; عن أبي بصير، عن أبي عبدالله× في حديث المباراة، قال: <ولا يحلّ لزوجها أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه>.

([62]) مطهري، بررسي إجمالي مباني اقتصادي: 14.

([63]) يقول المحقق الخوانساري في جامع المدارك 6: 202: <فمع جواز تخصيص الأصول والقواعد المسلّمة في الفقه لا مانع من العمل بالرواية مع صحتها، ومع الإباء يردّ علمها إلى أهلها>.

([64]) مرآة العقول 12: 525.

([65]) من لا يحضره الفقيه 1: 234، باب 49 (باب أحكام السهو في الصلاة)، ذيل ح 48.

([66]) مجمع الفائدة والبرهان 14: 468، و8: 24، بل إنه يرى أن الرواية ينجبر ضعفها بموافقتها للعقل: <ولا يضرّ ضعفها; لأنها موافقة للعقل والنقل>.

([67]) يشير المقدس الأردبيلي في بحث الاحتكار إلى ما يشبه ما ذكرناه أعلاه، فانظر له: مجمع الفائدة والبرهان 8: 24; حيث يقول: <ولعلّ فيهما… وإلا لانتفى فائدة إيجاب البيع بثمن لا يقدر أحد على شرائه>.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً