مداخلةٌ مع العلاّمة السبحاني
السيّد محسن طيّب نيا(*)
تحية طيّبة أرفعها إلى الأستاذ الفاضل، أسال الله أن يزيد من نجاحاتكم، وأن يمنّ عليكم بالصحّة والعافية.
قرأتُ قبل مدّة رسالتكم النقديّة التي نشرتموها في فصلية (نور الصادق×). وقد أثارت قراءتها في نفسي لواعج ظلّت تمور في ذهني لأكثر من سنة. من هنا وجدت الفرصة سانحة لأبثّ لكم بهذه الشجون عبر هذه الفصليّة ذاتها.
في شتاء العام الماضي حصلت على شرف زيارة السيدة فاطمة المعصومة في قم المقدّسة، واغتنمت حينها فرصة سنحت لي بعد أداء صلاة العصر في المسجد الأعظم، فاجتمعت بكم، وسألتكم: ما هو رأيكم في مسألة وحدة الوجود؟ وما هو مقدار تطابقها وانسجامها مع العقائد الإسلاميّة؟ فأجبتموني مباشرةً، وبنبرةٍ تحمل في طياتها شيئاً من الحِدّة: إنّ لوحدة الوجود ظاهراً وباطناً، ولا ينبغي تخطئة بعض العلماء الكبار بسبب ذهابه إلى مثل هذا القول.
وقد بدا لي جوابكم من القسوة بحيث لم أستطع مواصلة الحديث معكم، وحبستُ ما تبقّى من الأسئلة في صدري، وعدتُ إلى شيراز ضائق الصدر. وفي أثناء الطريق عقدتُ العزم على كتابة رسالة عتابيّة بمجرّد أن يستقرّ بي المقام في مدينتي. ولكنّني استدركتُ بعدها وقلتُ لنفسي: ربما كان سماحة الأستاذ يعلم شيئاً لا أعلمه، ولم يرَ من الصلاح أن يُطلعني عليه. وعلى أيّ حال فقد ظلّ الكَمَد ملازماً لي لفترةٍ من الزمن.
وقبل بضعة أيام أعارني بعض الأصدقاء عدداً من فصليّة (نور الصادق×)، فقرأت فيها رسالةً لسماحتكم تحمل الكثير من الانتقاد للمقالات المنشورة في هذه الفصليّة، والتي تنتقد الفلسفة والعرفان. ولذلك عقدتُ العزم على تكرار سؤالي لكم عبر هذه المجلّة، مضمِّناً ذلك نقدي لبعض الفقرات التي قرأتُها في رسالتكم الآنفة، وذلك على النحو التالي:
هل لوحدة الوجود باطن؟
وإذا كان كذلك فأرجو أن تشرحوا باطن العبارة التالية؛ كي تتّضح الحقيقة لنا: يقول ابن عربي: «فما وصفناه بوصفٍ إلاّ كنّا ذلك الوصف؛ فوجودنا وجوده، ونحن مفتقرون إليه من حيث وجودنا، وهو مفتقرٌ إلينا من حيث ظهوره لنفسه».
وقال أيضاً: «وليس وجودٌ إلاّ وجود الحقّ، بصور أحوال ما عليه الممكنات في أنفسها وأعينها»([1]).
وقال أيضاً: «والإخبار الصحيح أنّه عين الأشياء، والأشياء محدودةٌ وإنْ اختلفت حدودها، فهو محدودٌ بحدّ كلّ محدود، فما يحدّ شيء إلاّ وهو حدّ للحقّ، فهو الساري في مسمّى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صحّ الوجود، فهو عين الوجود، وهو على كلّ شيء حفيظٌ بذاته»([2]).
إنّ هذه الآراء التي قيلت بلحاظ وحدة الوجود والموجود، وترى الخالق عين الخلق، وترى الخلق عين الخالق، وأنّهما مفتقران إلى بعضهما. وفي هذه الرؤية تكون ذات الأشياء هي ذات الله، أي إنّ الله هو الذي يتجلّى على صُوَر الأشياء. وحيث إنّ شرّاح آراء ابن عربي لم يقدِّموا غير الشرح والتفسير الظاهريّ لهذه الكلمات فإنْ كان لديكم تبريرٌ باطنيّ لهذا النوع من العقائد الفاسدة والباطلة فإنّنا نتوسَّل إليكم لبيانها رجاءً.
إنّ داوود القيصري، وهو أحد أكبر شرّاح عقائد ابن عربي، يقول في بيان كلماته: «هو المسمّى بالمحدثات بحسب تنزُّلاته في منازل الأكوان»([3]).
وقال أيضاً في هذا الكتاب، في شرح كلام ابن عربي: «فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا؛ لأنّ ذواتنا عين ذاته، لا مغايرة بينهما إلاّ بالتعيُّن والإطلاق. وإذا شهدنا ـ أي الحقّ ـ شهد نفسه، أي ذاته التي تعيَّنت وظهرت في صورتنا»([4]).
وقال أيضاً: «إنّ هويّة الحقّ هي التي تعيَّنت وظهرت بالصورة العيسويّة، كما ظهرت بصورة العالم كلّه»([5]).
وقال في شرح كلمات ابن عربي: «إنّ لكلّ شيء ـ جماداً كان أو حيواناً ـ علماً ونطقاً وإرادة وغيرها ممّا يلزم الذات الإلهيّة؛ لأنّها هي الظاهرة بصورة الحمار والحيوان»([6]).
نرجو منكم أن تبيِّنوا لنا ما إذا كان عندكم تبريرٌ لهذه الكلمات الظاهرة في العقائد الفاسدة والباطلة.
وقد ذهب ابن عربي من خلال قوله بعقيدة وحدة الوجود والموجود إلى استعراض الفصّ الهاروني في كتاب فصوص الحكم، وقال: إنّ السبب الذي دفع النبيّ موسى× إلى معاتبة أخيه هارون ـ عندما عاد إلى قومه ورأى أنّ أكثرهم قد مال إلى عبادة العجل ـ هو منعه لبني إسرائيل من عبادة العجل، ثمّ قال: «فإنّ العارف مَنْ يرى الحقّ في كلّ شيء، بل يراه عين كلّ شيء».
وقال سماحة الشيخ حسن زاده الآملي، وهو من أنصار وشرّاح آراء ابن عربي، في تأييد كلام ابن عربي: «إنّ مراد الشيخ من إثارة هذا النوع من المسائل في كتاب فصوص الحكم، والفتوحات المكّيّة، وغيرهما من زبُره ورسائله، هو بيان أسرار الولاية والباطن لمَنْ هو من أهل السرّ»([7]).
نتمنّى عليكم أن تشرحوا لنا أسرار عبادة العجول والأوثان إذا كنتم تعرفونها.
وقد قال الشيخ محمود الشبستري بيتاً من الشعر في عظمة عبادة الأوثان، وحاصل معناه: «لو كنتَ أيّها المسلم تعرف معنى الوثن لأيقنت أنّ جوهر الدين في عبادة الصنم».
وقال الشيخ محمد اللاهيجي، وهو من أشهر شرّاح كتاب (گلشن راز) في تفسير كلام اللاهيجي: «حيث ظهر الله في صورة الوثن فإنّ عبادة الوثن هي عبادة الله»([8]).
وقال محمد بهاء الدين البيطار الصوفي، في كتابه المسمّى بـ (النفحات القدسيّة): وما الكلب والخنزير إلاّ إلهنا، وما الله إلاّ راهب في كنيسة.
وأمّا الملا السلطان محمد الجنابذي، في تفسير (بيان السعادة) ـ الذي يصفه سماحة الشيخ حسن زاده الآملي بأنّه أفضل ما كتب في التفسير العرفانيّ ـ، فقد ذهب إلى استخدام ما هو أشدّ وقاحةً من تعبير ابن عربي، إذ يقول: «لمّا كان أجزاء العالم مظاهر لله الأحد القهّار، بحسب أسمائه اللطفيّة والقهريّة، كانت عبادة الإنسان لأيّ معبود كان عبادةً لله اختياراً. فالإنسان في عبادته اختياراً للشيطان والجنّ وللعناصر، وعابدو الماء والهواء والأرض، وعابدو الأحجار والأشجار والنباتات، والكواكب والملائكة والذكر والفرج، كبعض الهنود القائلين بعبادة ذكر الإنسان وفرجه، وفرج امرأته، كلّهم عابدون لله، من حيث لا يشعرون»([9]).
وقد ذهب ابن عربي في الفصّ المحمّدي من كتاب فصوص الحكم ـ بالنظر إلى القول بعقيدة وحدة الوجود ـ إلى الادّعاء بأنّ المرأة من أكمل تجلّيات ظهور الله؛ فإذا شاهد الرجل الحقّ في المرأة كان شهوداً في منفعلٍ، وإذا شاهده في نفسه ـ من حيث ظهور المرأة عنه ـ شاهده في فاعلٍ، وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكوّن عنه كان شهوده في منفعلٍ عن الحقّ بلا واسطة، فشهودُه للحقّ في المرأة أتمّ وأكمل؛ لأنّه يشاهد الحقّ من حيث هو فاعلٌ منفعلٌ، ومن نفسه من حيث هو منفعلٌ خاصّة. فلهذا أحبّ| النساء؛ لكمال شهود الحقّ فيهنّ. فشهود الحقّ في النساء أعظم الشهود وأكمله، وأعظم الوصلة النكاح.
وقال سماحة الشيخ حسن زاده الآملي، في تأييد هذه العبارة: «لقد كان الشيخ في بحث العشق والمحبّة أكثر اتّزاناً وشرفاً من الآخوند (صدر المتألّهين) في بحث الأسفار»([10]).
ثمّ أضاف في الصفحة التالية عبارةً في تأييد كلام ابن عربي، قال فيها: إنّ الشيخ في هذا الكلام كسائر المسائل الأخرى في هذا الكتاب ينطلق من وحدة الشخصيّة للوجود المنظور في المظاهر والمرايا.
ومن هنا يذهب سماحة الشيخ حسن زاده الآملي إلى القول: إنّ جميع العبادات هي عبادةٌ للحقّ تعالى([11]).
وقال في موضع آخر من شرح كلام ابن عربي: إنّ العارف الكامل هو الذي يرى كلّ معبود ـ سواءٌ أكان مشروعاً أم غير مشروع ـ مظهراً للحقّ؛ إذ الحقّ يُعبَد من خلال ذلك المظهر. من هنا أطلقوا على المعبود اسم الإله، مع أنّ له اسماً خاصّاً به من قبيل: الحجر أو الشجر أو الحيوان أو الإنسان أو الكوكب أو الملَك أو الفلَك. وإنّ الحقيقة المطلقة تسمّى بأسماء هذه الشخوص باعتبار تعيُّناتها([12]).
وقال في كتابه (إلهي نامه): حتى الآن كنتُ أقول: «لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ»، ومنذ الآن فصاعداً سأقول: «لا تأخذني سنةٌ ولا نومٌ».
أسأل الأستاذ الفاضل والمحترم أن يشرح لنا ما هو الباطن في هذه الكلمات؟
ويقول سماحة جلال الدين الآشتياني، منطلقاً من الاعتقاد بوحدة الوجود: حتّى الذات (يعني الذات الإلهيّة) في كلّ مظهر تجلَّت كانت معبوداً بحقّ، وكانت تستحقّ العبوديّة([13]).
وقال سماحة الشيخ الصمدي الآملي، على أساس القول بوحدة الوجود: إنّ وجود الحقّ تعالى كامنٌ في صلب وجود الجمادات والنباتات والحيوانات والبشر، بمعنى أنّه ليس هناك وجودان، وإنّما هنالك وجودٌ واحد يتجلّى في قوالب مختلفة ومتنوّعة، لا أنّ الوجود في الأرض غير الوجود في السماء، وأنّ وجود السماء غير وجود الحقّ تعالى([14]).
وقال أيضاً: إنّ للإنسان قابليّة الوصول حتّى إلى مرتبة الذات، وحيث إنّه يدرك استحالة إنزال الذات إلى الأسفل، ويجعل الذات نفسه، فإنّه يعمد إلى الارتقاء بنفسه ليكون هو الذات([15]).
نرجو إذا كان لديكم تأويلاً لباطن هذا الكلام، الذي لا يحكي ظاهره إلاّ عن باطلٍ لا يقبل التأويل، أن تتفضّلوا علينا ببيانه.
ويقول المولوي في ديوان شمس التبريزي، بلحاظ القول بعقيدة وحدة الوجود، ما مضمونه: لقد ضاء العالم بوجودي، وتصوّر بصورتي. فأنا العالم، وأنا الفاضل، وأنا قاضي القضاة، وأنا الجحيم والنيران، وأنا الجنّة وحور العين، وأنا مالك الدنيا، وأنا العلقم، وأنا البلسم.
وقال الشيخ محمود الشبستري في (گلشن راز) ما معناه: ليس في وجود الحقّ ثنائيّة، وليس في وجوده أنا ونحن وأنت، فأنا ونحن وأنت وهو كلّها شيء واحد، ولا يمكن التمييز بين الواحد ونفسه.
وقال منصور الحلاج في كتاب (الطواسين): سبحان مَنْ أظهر ناسوته، سرَّ سنا لاهوته الثاقب، ثمّ بدا في خلقه ظاهراً، في صورة الآكل والشارب.
وقال العطّار في كتاب (جوهر الذات) ما مضمونه: أنا على يقين من أنّ محمداً هو الله، حيث رأى ذوات جميع الأصفياء، فكان هو الله، وكان الله هو من دون ريب، ولم يكشف شيئاً من سرّه أبداً.
قال ابن عربي في الفصّ العيسويّ: «لأنّ قولهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ (المائدة: 17) صادقٌ؛ من حيث إنّ هوية الحقّ هي التي تعيَّنت وظهرت بالصورة العيسويّة، كما ظهرت بصورة العالم كلّه. لكنّ تمام الكلام ومجموعه غير صحيح؛ لأنّه يفيد حصر الحقّ في صورة عيسى، وهو باطل؛ لأنّ العالم كلّه، غيباً وشهادة، صورتُه، لا عيسى فقط».
كما قال في الفصّ الهوديّ في بيان معنى قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ق: 16): «فلا أقرب من أن تكون هويّته عن أعضاء العبد وقواه».
إنّ جميع هذه العبارات، وعشرات العبارات الأخرى، التي فاه بها العرفاء والمتصوِّفة إنّما تأتي في سياق الاعتقاد بوحدة الوجود. فإذا كنتم تشاهدون في هذا النوع من الكلمات باطناً لا يتنافى مع التعاليم الإسلاميّة فنرجو منكم شرح ذلك الباطن لنا؛ حتى نخرج من حيرتنا.
إنّ الذي تدلّ عليه محكمات الآيات والروايات، وكذلك البراهين العقليّة القطعيّة، هو أنّ الله غير مخلوقاته، وإنّ النسبة بينه وبين الأشياء هي نسبة التباين. إلاّ أنّ العرفاء والمتصوِّفة يتحدَّثون على الدوام عن وحدة الذات.
لقد قلتُم في رسالتكم الانتقادية التي بعثتم بها إلى مجلّة (نور الصادق×): «إنّ خطب أمير المؤمنين× وكلمات الإمام الباقر والصادق(عما) مفعمةٌ بالحكم والبراهين، مع فارق أن الإمام إنّما يأخذ هذه المضامين العالية من معين الوحي الصافي، أما حكماء الإسلام فقد توصَّلوا إليها في ضوء التدبُّر والتحقيق».
كما قال الفارابي في كتاب «فصوص الحكم»، وبعض الفلاسفة الآخرين: لقد عمد الفلاسفة إلى صياغة هذه الكلمات بغية تبرير عقائدهم. فهل هذه هي حقيقة الأمر؟
إذا كان كذلك وجب القول بأنّ منزلة الفلاسفة أرفع من منزلة الأنبياء والأئمة؛ وذلك لأنّ الأنبياء يحيطون بالوحي من خلال المعارف الإلهيّة، في حين أنّ الفيلسوف يتوصَّل إلى ذلك من خلال عقله وجهوده الشخصية.
وفي ما يلي نستعرض جانباً من كلمات صدر المتألّهين، الذي يقول عنه سماحة الشيخ جوادي الآملي: يحقّ للملا صدرا بعد إبداعه للحكمة المتعالية أن يقول: «اليوم أكملت لكم عقلكم وأتممت عليكم نعمتي».
فقد قال في الأسفار: «كذلك هداني ربّي بالبرهان النيِّر العرشي إلى صراطٍ مستقيم، من كون الموجود والوجود منحصراً في حقيقة واحدة. وليس في دار الوجود غيره ديّار، وكلُّ ما يُتراءى في عالم الموجود أنّه غير الواجب المعبود إنّما هو من ظهور ذاته، وتجلّيات صفاته، التي هي في الحقيقة عين ذاته. فكلُّ ما تدركه فهو وجود الحقّ في أعيان الممكنات»([16]).
وقال في موضع آخر: «اعلم أنّ واجب الوجود بسيط الحقيقة غاية البساطة. وكلُّ بسيط الحقيقة كذلك فهو كلّ الأشياء. فواجب الوجود كلّ الأشياء، لا يخرج عنه شيءٌ من الأشياء»([17]).
وقال في موضع آخر: «إنّ واجب الوجود تمام الأشياء وكلّ الموجودات»([18]).
إنّ جوهر كلام صدر المتألّهين هو أنّ ذات الأشياء بنفسها ذات الله، ولا تخرج عنها. بيد أنّ هذا الكلام، الذي هو تكرار لكلام القائلين بوحدة الوجود، مغايرٌ ومخالف للقرآن الكريم، وتعاليم الأنبياء والأئمة المعصومين، تمام المغايرة؛ فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى: 12).
وإنّ الروايات المتواترة عن أئمّة أهل البيت^ تعرّف ذات الإله على أنّها غير ذات الأشياء، ومن ذلك مثلاً قول الإمام علي×: «الذي بانَ من الخلق، فلا شيء كمثله»([19]).
وروي عن الإمام الصادق× أنّه قال: «لا خلقُه فيه، ولا هو في خلقه»([20]).
وقال أيضاً: «مَنْ شبَّه الله بخلقه فهو مشركٌ، إنّ الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيءٌ»([21]).
وروي عن الإمام الباقر× أنّه قال: «إنّ الله تبارك وتعالى خلوٌ من خلقه، وخلقه خلوٌ منه»([22]).
وروي عن الإمام الرضا× أنّه قال: «فكلّ ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكلّ ما يمكن فيه يمتنع في صانعه»([23]).
وروي عن الإمام الصادق× أنه قال: «هو بائنٌ من خلقه»([24]).
وعشرات الروايات الأخرى التي تُبطل أقوال القائلين بفلسفة صدر المتألّهين.
يقول صدر المتألّهين: «فهم يتلذَّذون بما هم فيه من نارٍ وزمهرير، وما فيها من لدغ الحيّات والعقارب، كما يتلذَّذ أهل الجنة بالظلال والنور ولثم الحسان من الحور»([25]).
هل هذا هو ما يقوله القرآن الكريم؟ إذا كان هذا هو الواقع فيجب علينا القول: طوبى للمجرمين والمذنبين الذين يسعدون في هذه الدنيا، وفي الآخرة.
بالالتفات إلى هذه الأخطاء الفاحشة والشطحات التي ارتكبها الفلاسفة لا يمكن القول بأنّ ما قاله الفلاسفة هو نفس ما قاله الأنبياء والأئمّة الأطهار، ولكنَّهم توصَّلوا إليه بعقولهم وجهودهم.
يقول صاحب الجواهر: «لم يبعث النبيّ إلاّ لإبطال ما عليه الفلاسفة»([26]).
سماحة الأستاذ الفاضل لقد قلتَ في رسالتك الانتقادية التي بعثتَ بها إلى مجلة (نور الصادق×): «لا ينبغي مواجهة الحكمة الإسلاميّة، التي تستأثر اليوم باهتمام كبار علماء الغرب في العصر الراهن، بهذا الشكل من المواجهة».
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الملاك في صحّة عقائد الفلاسفة هو تشجيعهم والإطراء عليهم من قبل علماء الغرب؟ إنّ أسس الفلاسفة الإسلاميّين مأخوذة من العقائد الأرسطيّة، التي أضفى عليها علماء المسلمين ـ من أمثال: الفاربي، وابن سينا ـ صبغةً إسلاميّة ومسحة دينيّة. وإنّ هذه الأفكار التي انبثقت من العالم الإغريقيّ القديم ـ على حدّ تعبير البروفسور فلاطوري ـ قد نُسخت واحترقت منذ أمدٍ بعيد. وعليه فليس الأمر بأنّ علماء الغرب المعاصرين يذوبون هياماً بهذه الفلسفة.
لو أنّ سماحتك عمدتَ إلى توجيه المحقِّقين عنده نحو التحقيق والبحث في كتب كبار فلاسفة الغرب في العصر الراهن لوقفتَ على أمور مذهلة.
إنّ فلاسفة الغرب بعد مضيّ ثلاثة آلاف سنة، وتجربة مختلف الأطوار الفلسفيّة الإلهيّة والمادّيّة، أخذ بعض كبارهم اليوم بالعودة إلى عقله الفطريّ. وإنّ بعض المعارف التي يطرحونها في التوحيد شبيهةٌ بكلمات الطالب في المرحلة الابتدائية من مدرسة الإمام الصادق×. ومن باب المثال يمكن لي تسمية «رودولف أوتو»، الذي يعدّونه حالياً من أكبر المختصّين في الظواهر الدينيّة، ومن طلائع الخبراء في مجال علم النفس الدينيّ([27])، فإنّ كتاب (مفهوم الأمر القدسيّ)، الذي ألّفه «رودولف أوتو»، يعتبره المختصّون في علم الأديان والمؤرِّخون للأديان والفلاسفة، وكذلك الأساتذة والجامعيّون في فرع الأديان والعلوم الدينيّة المقارنة، من بين أكثر الكتب اعتباراً وشهرة([28]).
ندرك من خلال التحقيق في أعمال «رودولف أوتو» أنّه في ما يتعلَّق بدائرة معرفة الله يقترب من تعاليم الكتاب والسنّة، بيد أنّ هناك بعض النقاط الغامضة والمبهمة والكثير من الأمور المجهولة في آرائه، في حين أنها مبيَّنة في المنظومة الاعتقاديّة لأهل البيت^ بوضوح.
يقول «أوتو» في كتابه (مفهوم الأمر القدسيّ)، في ما يتعلَّق بالذات الإلهيّة ومعرفتها: «إنّ الله يفوق العقل والوصف، فهو موجودٌ غير قابل للتعريف؛ إذ إنّ كل تعريف لله يجب أن يتمّ عبر التمثيل والقياس بعد منحه صبغة بشريّة، فيكون لذلك ممتزجاً بالحدود الإنسانيّة الضيِّقة. من هنا لا يمكن التعرُّف على الله من خلال العقل، وإنّ العقل البشريّ أعجز من أن يستطيع أن يدرك حقيقة الذات الإلهيّة. وبالتالي فإنه ليس بالإمكان، بل لا ينبغي، أن نبحث عن الدين في ضوء العقل المحدود. وعلى الرغم من اشتمال الدين على الأمور العقليّة فإنّه لا يمكن للعقل أن يدرك كنهه»([29]).
وقال في موضعٍ آخر: «إنّ الله أبعد، لا من المكان والزمان، ولا من المقدار والعدد فحسب، بل هو أبعد من جميع المفاهيم والمقولات العقليّة. وليس له سوى ذلك الارتباط الجذريّ بالدين، والتسامي الذي لا يقبل أيّ مفهوم أو مقولة»([30]).
وإننا إذا ألقينا نظرة على علوم أهل البيت^ فإننا سنجد ذات هذه المسائل مذكورةً على نحوٍ أصحّ وأكثر دقّة. ومن باب المثال نشير إلى النماذج التالية:
1ـ في الزاوية التوحيديّة لأهل بيت العصمة الأطهار^ نجد أنّ معرفة الله هبة إلهيّة، وهي حصيلة فعل الله وصنعه.
في رؤية أهل البيت^ وإنْ كان العقل دليلاً يهدي الإنسان إلى الطريق المؤدّية إلى معرفة الله، ووسيلة إلى عبادته، ولكنْ يجب الالتفات إلى أنّ معرفة الله تعالى لا يمكن أن تأتي من طريق العقل، ولا من طريق العرفان والسلوك، بل على الله نفسه أن يقذف في قلب الإنسان معرفته.
روي عن الإمام علي× أنّه قال: «…وهو الذي ابتدأ الغايات والنهايات، أم كيف تدركه العقول ولم يجعل لها سبيلاً إلى إدراكه؟!…»([31]).
وعن صفوان قال: قلتُ للعبد الصالح×: «هل في الناس استطاعةٌ يتعاطون بها للمعرفة؟ قال: لا، إنّما هو تطوُّل من الله»([32]).
وقال الإمام زين العابدين×: «بك عرفتك، وأنتَ دللتني عليك، ودعوتني إليك، ولولا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ»([33]).
2ـ إنّ الله سبحانه وتعالى لا يدرك بالحواسّ الظاهريّة، ولا بالحواس الباطنيّة.
من خلال دراستنا لمجموع الروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين حول معرفة الله ندرك أنّ الإنسان مهما بالغ في توظيف قدراته وإمكاناته فهو عاجزٌ عن إدراك كنه الله، وأنّه إذا رام شخصٌ معرفة الله من طريق هذه الأدوات فإنّما سوف يتوهّمه ولن يدرك حقيقته.
وفي ما يلي نلفت انتباه القارئ الكريم إلى بعض أحاديث المعصومين^:
أـ «كلّ ما تصوّر فهو بخلافه»([34]).
ب ـ «وأوهام القلوب لا تدركه»([35]).
ج ـ «لا تستلمه المشاعر»([36]).
د ـ «لم يُحيطوا به علماً»([37]).
ولكن هذا الأمر الهامّ لم يُلتفت إليه في الفلسفة والعرفان. فالفلاسفة يسعون إلى معرفة الله من طريق تلك المفاهيم التي هي من صنع أذهانهم وعقولهم، وصبّها في قوالب لفظيّة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن التوصُّل إلى معرفة الله من خلال المفاهيم التي هي من صنع قوّة الوهم الموجودة في ذهن الإنسان؟ وهل يمكن لنا أن نجد طريقاً إلى معرفة الله من خلال المفاهيم التي تتكوَّن في ذهن الإنسان بعد إدراكه لعلاقة العلّيّة والأسباب الطبيعيّة القائمة بين الأشياء؟
يقول الفلاسفة: إنّ التصديق لا يمكن إلاّ من خلال التصوُّر، وعليه يجب تصوُّر الله أوّلاً، ليُصار بعد ذلك إلى التصديق به. فهل يمكن تصوُّر الله حقيقة؟
إنّ الإنسان يثبت الله من طريق عقله، ويلتفت إلى أنّ هناك منعماً يجب عليه عبادته. وهذا غير المعرفة التي تأتي الإنسان بوصفها هبة من الله. إنّ الله إذا رأى صلاحاً فإنه سيُلهم الإنسان أسمى المعارف من خلال قذفها في قلبه، إلاّ أنّ هذا يختلف عن إرادة الإنسان في السعي للوصول إلى المعارف الإلهيّة من خلال عقله.
إنّ عدم التفات الفلاسفة والعرفاء إلى هذه الحقيقة الهامّة هو الذي أوقعهم في أودية تشبيه الله بمخلوقاته.
إنّ الفلاسفة يتحدثون عن السنخيّة بين العلّة والمعلول، ويتحدّث العرفاء عن عينيّة الأشياء للذات الإلهيّة. وكلاهما مرفوضٌ في تعاليم أهل البيت^.
بالالتفات إلى ما تقدّم من البحوث نقول: إنّ الذين ذهبوا إلى الاعتقاد بأنّ الفلاسفة يتكلَّمون نفس الكلام الذي يتكلَّم به الأنبياء والأئمّة الأطهار إنّما يرفع من شأن الفلاسفة من غير وجه حقّ، ويتنزَّل بمراتب الأنبياء والأئمّة الأطهار ظلماً وعدواناً.
الآن حيث يعيش الإنسان عصر العودة إلى العقل الفطريّ، والاقتراب من التعاليم والعقائد الإلهيّة الخالصة لأهل البيت الأطهار^، هل يسوغ لنا اتّباع الأفكار السقيمة التي صدع بها فلاسفة الإغريق، أم علينا أن نفتخر بديننا، وأن نأخذ بالعقائد التوحيديّة الخالصة من معين الأئمّة المعصومين^؟
أيها الأستاذ الكريم، لقد قلتَ في رسالتك الناقدة لمجلّة (نور الصادق×): «لو بُعث أساتذتنا القدامى إلى الحياة الآن فإنهم سيوظِّفون أقلامهم في الردّ على الوهّابيّين والبهائيّين والملحدين».
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لو ثبت ـ كما ثبت في محلّه للمحقِّقين ـ أنّ ما قاله الفلاسفة والعرفاء في بحوثهم العقائديّة يختلف تمام الاختلاف عن تعاليم الأنبياء العظام والأئمّة الأطهار، وأنّ جانباً كبيراً من عقائدنا هي ذاتُها عقائد الفلاسفة والعرفاء، ألا يفرض ذلك تكليفاً علينا أم لا؟ وهل مواجهة الانحرافات علميّاً أقلّ أهمّية من مواجهة الأفكار الضالّة والانحرافات الفكريّة الأخرى؟
كما أنّ الكثير من كلمات الأعداء والمنحرفين إنّما هي تكرار لهذه الكلمات. ومن باب المثال: يمكن القول بأنّ الدكتور عبد الكريم سروش هو من بين المنحرفين الذين يثيرون الشبهات، فهو يقول: بمقدار ما يكون الإسلام على الحقّ تكون الوثنية على الحقّ أيضاً.
وشبيهٌ بهذا الكلام ما عليه الصوفية أيضاً. يقول الشيخ محمود الشبستري ما معناه: «لو كنتَ أيها المسلم تعرف معنى الوثن لأيقنت أنّ جوهر الدين في عبادة الصنم».
وقال الشيخ محمد اللاهيجي: لقد ظهر الله في صورة الوثن، وعليه فإنّ عبادة الوثن هي عبادة الله.
وذهب ابن عربي إلى القول باعتبار عبادة بني إسرائيل العجل هي عبادة لله، و…
وطبقاً لاعتقاد الدكتور سروش فإنّ جميع الصُرُط حقّ، وإنّ جميع المذاهب والفرق التي تدعو الله وتعبده بنحوٍ من الأنحاء ماضيةٌ على الصراط المستقيم.
وهذا تماماً هو ما يقوله ابن عربي، الذي يعتبر أباً للعرفان الإسلاميّ، وذلك حيث يقول مثلاً: «عقد الخلائق في الإله عقائداً، وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه»([38]).
وقال في موضع آخر: لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة، فمرعىً لغزلانٍ، وديرٌ لرهبانٍ، وبيتٌ لأوثانٍ، وكعبةُ طائفٍ، وألواحُ توراةٍ، ومصحفُ قرآن([39]).
وإنّ من الوجوه الصوفيّة الشهيرة في القرن الراهن الصوفيّ الهنديّ الملحد «أوشو». وهناك الملايين من البشر الذين يتَّبعون تعاليمه في شتى أرجاء العالم. وبسبب الغزو الثقافيّ والضعف الثقافيّ والانتشار الواسع لكتبه باللغة االفارسيّة فقد تأثَّر بأفكاره الصوفيّة الباطلة ـ للأسف الشديد ـ عددٌ من شبابنا. وإنّنا لو دقَّقنا في أعماله وأفكاره لوجدناها شديدة الشبه بكلمات الصوفيّين من المسلمين.
إنّ من أبرز أفكار «أوشو» القول بوحدة الوجود، التي نشاهدها في كتب ما يُصطَلَح عليهم بعرفاء المسلمين بكثرة، وذلك من قبيل العبارات التالية: «الجميع إله، وليس لأحدٍ أن يكون على خلاف ذلك؛ لأنّ الله هو وحده الموجود، فإنّ الله هو الوجود، والكينونة تعني الألوهيّة»([40]).
لقد ذهب «أوشو» إلى القول بأنّ العشق يمهِّد الأرضيّة للوصول إلى الوحدة، ولذلك فإنه يقول: «إنّ العشق عبارةٌ عن شوقٍ باطنيّ زاخر إلى الاتّحاد مع الكلّ. وهو رغبةٌ عارمة من أجل الفناء في الوحدانيّة. وإنّ منشأ العشق هو الانفصال، فقد انفصلنا عن منشئنا، وإنّ هذا الانفصال يؤدّي إلى ظهور الرغبة والشوق فينا إلى العودة إلى الكلّ والاتّحاد به»([41]).
إنّ الكلمة الرئيسة والجوهرية التي تتردَّد في عبارات «أوشو» العرفانيّة هي كلمة العشق. فالعشق يشكِّل أساساً وقاعدة لعرفان «أوشو».
ومن باب المثال نجده يقول: «إننا في العشق فقط نحافظ على سلامتنا وكمالنا؛ لأنّ العشق وحده الذي يزيل القيود والعقبات والعناوين، ولا يعمل على تصنيف البشر، ويقبل كلّ واحدٍ منا كما هو»([42]).
يذهب «أوشو» إلى القول بأنّ العشق وليد الطاقة والشهوة الجنسيّة، ولذلك فإنه يقول: «إنّ العشق يظهر من خلال الانجذاب الجنسيّ، ثم ينبثق التهجُّد من العشق، ثمّ يأتي الله إليك مستجيباً لتهجُّدك»([43]).
كما يَرِد ذكر العشق، واعتباره محوراً في معرفة الله، حتّى في العرفان والتصوّف بحسب المصطلح الإسلاميّ أيضاً. ومن باب المثال يقول ابن عربي: أدين بدين الحبّ أنّى توجَّهت ركائبه، فالحبّ ديني وإيماني([44]).
إنّ «أوشو» يعتبر من ألدّ أعداء العقل والمنطق؛ فإنّ بإمكان المنطق من وجهة نظره أن يخدع الإنسان على الدوام؛ لأنه يقيم نوعاً من التناسق والانسجام. ويقول أيضاً: «إنّ الذهن المنطقيّ هو ذهن مفعم بالغثيان»([45]).
ينصح «أوشو» جميع مخاطَبيه بالكفّ عن الخوض في الاستدلال والتفكير؛ وذلك لأنّ جميع الأفكار من وجهة نظره موبوءة([46]).
ومن وجهة نظر «أوشو» يُعتبر الوجود سرّاً من الأسرار. وعليه لا يمكن اكتشاف كنه الوجود من طريق العقل والمنطق، وإنّما الطريق إلى اكتشاف الأسرار يمرّ عبر العشق، ولا علاقة للعشق بالفكر والتدبُّر([47]).
وهذا المعنى نشاهده في تراث الصوفيّة بكثرة. ومن باب المثال يقول المولوي ما مضمونه: حلّ العشق، وأضحى العقل شريداً، طلع الصبح، ولم يعد للشمع بريق. إنّ العقل بمنزلة الخفر، ما أن يطلّ السلطان بطلعته حتّى ينسحب الخفر المسكين إلى مخبئه.
وقال العطّار النيسابوري: إنّ عشق الإله نارٌ، والعقل دخان، جاء العشق، فليزهق العقل، ويولِّ الدبر.
وقال المولوي: حيث كان عمر بن الخطاب عاقلاً لم يعتنقْ الإسلام، ولم يسلم حتّى عشق.
هذه هي كلمات الصوفيّة، في حين يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف: 108).
وقال إمام العارفين عليّ بن أبي طالب×: «مَنْ عشق شيئاً أعمى بصره، وأمرض قلبه»([48]).
إنّ الشهوة الجنسيّة تعتبر من أهمّ المسائل التي يبحثها «أوشو»، حتّى أنّه يعتبر الشهوة الجنسية من رحيق الجنّة، وأنّ ممارسة العمليّة الجنسية تسامياً للروح، وذلك إذ يقول: «في ذروة المباشرة الجنسيّة، التي تؤدّي إلى التسامي، لا ينبغي الالتفات إلى الجسد، بل لابدّ من اغتنام تلك اللحظة للوصول إلى التكامل والسمو»([49]).
يرى «أوشو» أنّ العشق وليد الجاذبيّة الجنسيّة. من هنا فإنّه يتحدّث عن الرجل والمرأة قائلاً: «إنّ الرجل كما هو رجلٌ فإنه يحمل شيئاً من الأنثى في بعض أبعاده، وإنّ المرأة كما هي امرأةٌ فإنّها تحمل شيئاً من الذكر في بعض أبعادها. وفي الكثير من الطرق تتلاقى السبل والخطوط، غاية ما هنالك يوجد اختلافٌ في النسب والتأكيدات، فإذا كنت رجلاً فأنتَ أنثى في بُعدٍ من الأبعاد؛ إذ لابدّ في نهاية المطاف من تحقيق الوحدة الكاملة»([50]).
إنّ موقف «أوشو» من المرأة والرجل، واستمتاع كلّ واحدٍ منهما بالآخر، شبيهٌ إلى حدٍّ ما بموقف ابن عربي في كتابَيْه: (فصوص الحكم)، و(الفتوحات المكّيّة)، وقد ذكرنا موارد منه في البحوث المتقدّمة.
أجل، إنها لحقيقةٌ مرّة يغفل عنها الكثير منّا، فحيث نعيش اليوم ثورة علميّة بعد أعوام من الخمود والجمود في الحوزات العلميّة، يتعيَّن علينا أن نعمل لكي نستبدل المعارف البشريّة بعلوم أهل البيت الأطهار^.
يجب على جميع العلماء الأعلام أن يجدّوا في حلبة العلم والفكر؛ ليكسبوا مرضاة الله ومولانا صاحب العصر والزمان#. ولسنا نشكّ في أنّ سماحتك أيّها الأستاذ الكريم ـ حيث أمضيت أعواماً طويلة في توظيف يراعك من أجل نشر المعارف الإلهيّة، وكأنه سيفٌ من سيوف المجاهدين في سبيل الإسلام ـ ستدعم هذه النهضة المباركة.
كما أنني بوصفي طالباً بسيطاً، وقارئاً لمجلّة (نور الصادق×)، أسألكم أن تعملوا، إلى جانب نشر الانتقادات المنصفة، على إفراد حيِّزٍ كبير من مجلّتكم لتبيين معارف أهل البيت الأطهار^.
وفي الختام أتقدّم بالاعتذار إليكم سماحة الأستاذ العزيز؛ بسبب الإطالة. وأذكِّر بأنّ الذي شجَّعني على التقدُّم بهذا العتاب ما أتوسَّمه فيكم من سعة الصدر. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم ويقيكم من كلّ شرٍّ إنْ شاء الله.
الهوامش
________________
(*) باحثٌ في علم الكلام الإسلاميّ.
([1]) فصوص الحكم، الفصّ اليعقوبيّ.
([2]) فصوص الحكم، الفصّ الهوديّ.
([7]) مُمدّ الهمم در شرح فصوص الحكم: 514.
([8]) شرح گلشن راز: 538 ـ 539.
([9]) العارف الشهير الحاج السلطان محمد الجنابذي، الملّقب بـ (سلطان علي شاه)، تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة 2: 438.
([10]) مُمدّ الهمم در شرح فصوص الحكم: 607.
([11]) مُمدّ الهمم در شرح فصوص الحكم: 514.
([12]) مُمدّ الهمم در شرح فصوص الحكم: 512.
([13]) تعليقات الآشتياني على رسائل داوود القيصري: 114.
([14]) شرح نهاية الحكمة 1: 134.
([16]) الأسفار الأربعة في الحكمة المتعالية 2: 292.
([17]) الأسفار الأربعة في الحكمة المتعالية 2: 386.
([18]) الأسفار الأربعة في الحكمة المتعالية 6: 110.
([25]) الأسفار الأربعة في الحكمة المتعالية 9: 349.
([26]) مستدرك سفينة البحار: 396، 398.
([27]) مفهوم شناسي أمر قدسي: 9، نقلاً عن دائرة معارف الأديان.
([29]) مفهوم شناسي أمر قدسي: 13.
([30]) مباني نظري تجربه ديني: 53.
([34]) الطبرسي، الاحتجاج 1: 301.
([36]) نهج البلاغة، الخطبة 125.
([38]) الفتوحات المكية 3: 175.
([40]) تفسير آواهاي شاهانه ي سارها 1: 99.
([42]) أوشو در هواي إشراق: 167.
([45]) شكوه آزادي: 229؛ ترجمان الأشواق: 173.
([48]) نهج البلاغة، الخطبة 175.