د. معصومة سادات مير محمدي(*)
الخلاصة
تعتبر الحروب الصليبية إحدى أطول الحروب في التاريخ؛ إذ يعود تاريخها إلى ما يقرب من قرنين من الزمن، وأصبحت ذريعةً للمؤرِّخين للكتابة. ما هو سبب هذه الحروب؟ وما كان مبرِّر المبادرين والمنفِّذين لها في إضفاء الشرعية على هذا العنف؟ وما هي ماهية وأصول الجهاد الإسلامي ضدّ المعتدين المسيحيّين في أذهان الفقهاء المعاصرين لهذه الحروب؟ هذا محلّ بحثٍ وتأمُّل.
الفرضية الرئيسة لهذه المقالة هي أن الحروب الصليبية كانت مثالاً ممتازاً للحرب المقدّسة، حيث لم يكن تعليم رجال الدين المسيحيين حول «الحرب العادلة» ليغيِّر من طبيعتها؛ لأن الروايات التاريخية لهذه الحروب لا تجيز التطابق مع عقيدة الحرب العادلة. إن جهاد المسلمين ضدّ الصليبيين ـ سواء كان في شكل جهادٍ ابتدائي في الظاهر أو في شكل جهادٍ دفاعي واستباقي ـ كان له طبيعة الجهاد الدفاعي، الذي شرَّعه الفقهاء السنّة والشيعة المعاصرون لهذه الحروب.
مقدّمةٌ
تتمتَّع دراسة الحرب ـ هذه الظاهرة البائسة للحياة الاجتماعيّة للبشر ـ، عند النظر إليها جنباً إلى جنبٍ مع الهدف الرئيس للأديان السماوية (العدل والسلام)، بأهمِّيةٍ مضاعفة. وقد وفَّرت هذه الحقيقة الأساس الأوّل لتصميم الوسائل السلمية لتحقيق السلام، مما زاد من تقييد نطاق الحروب من ناحية؛ وإضفاء الصفة القانونية عليها من ناحيةٍ أخرى. وقد أدَّتْ هذه المقاربات إلى فكرة الحرب العادلة، فكرةٍ تمّ تقديم أساسها في دين الإسلام الحنيف منذ بداية النزول، ومع آيات القرآن؛ لكنْ في المسيحيّة ـ المحرَّفة بالطبع ـ، وهي ديانةٌ شديدة الطواعية والخضوع، تشقّ طريقها إلى تعاليم رجال دينٍ، مثل: القديس أوغسطينوس؛ وتوما الأكويني، ويبدو أن تلك التعاليم في الواقع كانت عنصراً وارداً على التعاليم الأساسية لهذا الدين.
ما زال قرع ناقوس بداية الفترة الأولى للحروب الصليبية، التي أعلنها البابا أوربان الثاني في كليرمون في فرنسا، في 27 نوفمبر 1095م، حتّى مئتي عامٍ بعد ذلك التاريخ، في نهاية الفترة الثامنة من الحروب عام 1291م (بعد احتلال عكّا من قِبَل السلطان أشرف خليل من مصر)، نعم، ما زال يؤلم آذان البشرية. ومع ذلك، فقد تجاهل المغرضون، قصيرو النظر، مثل هذه الحقيقة الواضحة، ووصفوا الإسلام بدين الجهاد. لذلك، كان الاعتقاد السائد في القرن التاسع عشر أن دين الإسلام يأمر بالقضاء على كلّ مَنْ لم يكن منتمياً إليه.
ليس من المبالغة القول: إن حدوث الحروب الصليبية، واستمرارها، والأحداث البربرية التي رافقَتْها، كانت بحدّ ذاتها حافزاً لتطوير وبيان الحاجة إلى سنّ قوانين للحرب، وفي المقابل، وردّاً على الكثير من سوء الفهم، والآراء المغرضة التي تناولَتْ الدين الإسلامي، سوف نحاول، باتِّباع منهجٍ مقارن، أن نتلمَّس الأسباب التي دفعَتْ المسلمين للجهاد ضدّ الصليبيين، وطبيعة وطريقة جهادهم.
كما سنطَّلع على تعاليم رجال الدين والمفكِّرين المسيحيين حول شرعيّة الحرب ـ سواء بصورةٍ مسبقة (قبل الحروب الصليبية) أو لاحقة (بعد الحروب) ـ؛ إذ يتحدَّث بعضٌ ـ بسبب عدم إدراك أسباب ودوافع هذه الحروب ـ، وتحت غطاء «الحرب العادلة»، عن شرعيّة هذه «الحروب. وسوف تتَّضح صحّة أو خطأ هذا المدَّعى من خلال الدراسة الواقعية للروايات التاريخية لهذه الحروب.
لذلك، من أجل تبرير الجهاد الإسلامي في الفقه الإسلامي المعاصر للحروب الصليبية (الخطاب الثالث)، وإضفاء الشرعية على هذه الحروب، في رأي المفكِّرين المسيحيين (الخطاب الثاني)، يجدر الانتباه إلى كيفية نظرة هاتين الديانتين إلى عقيدة الحرب والسلام (الخطاب الأوّل).
1ـ الحرب في المسيحيّة والإسلام
حاوَلْنا في هذا القسم تقديم رؤيةٍ مقارنة بين عناصر شرعيّة الحرب في المسيحية والإسلام، والتي تقدّم بعد ذلك حكماً واقعياً على تبرير الفقه المسيحي للحروب الصليبية؛ وتحليل الفقه الإسلاميّ للجهاد ضدّ الصليبيين.
أـ المسيحيّة، إفراطٌ في عقيدة السلام أم تفريط في عقيدة الحرب؟
تظهر نظرةٌ سريعة على نصّ العهدَيْن القديم والجديد في الكتاب المقدّس حقيقةَ أن الدين اليهودي قد اعترف بالحرب والنزاع([1])، وحتّى في سفر الخروج دعا الله موسى بـ «المحارب»([2]). وأثناء وصول الإسرائيليين إلى أرض الميعاد تمّ ذبح جميع سكّان المدن ـ رجالاً ونساءً([3]) ـ (وهو نموذجٌ مشابه لرواية المؤرِّخين للحروب الصليبية). وكانت كلّ تلك الحروب التي يقوم بها النبيّ موسى، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ـ وقد يشاركه الله فيها؛ بحكم أنها حروبٌ من أجل الله ـ، مقدّسةً. ومصطلح «الحرب المقدّسة»، المستَخْدَم للإشارة إلى حروب بني إسرائيل، لم يُستَخْدَم صراحةً في العهد القديم. ولعلّ أفضل عبارةٍ تقودنا إليه هي «القتال من أجل الله» في قصّة صموئيل الأولى([4]).
لكنّ نهج العهد الجديد في الحرب والعنف غامضٌ، وكأنّ الدين المسيحي يقرِّر لأتباعه المؤمنين بشكلٍ رسمي سلوكاً مطاوعاً ومتواضعاً، ونوعاً من «الأخلاق الضعيفة»([5]). ثمّة كلامٌ في كلّ مكانٍ عن العيش بسلامٍ وأمان([6]). هناك المزيد من الكراهية للعنف في العهد الجديد([7])، فقد نُقل عن المسيح قوله([8]): «كلّ الذين يأخذون السيفَ بالسيف يهلكون!». ويعتقد بعضٌ بحقٍّ أنه نتيجة أساليب الخضوع هذه في الإنجيل وقع المسيحيّون في خداع اليهود([9]).
كانت كلمة «مقدّسة» السِّمة الرئيسة للحروب التي أجازَتْها الكنيسة باسم الحروب الصليبية لمدّة مئتي عامٍ. الحروب التي طالما تمّ تبريرها في سياق تعاليم القدِّيسين والباباوات المسيحيين عن الحرب العادلة، ولكنها في الأصل بطبيعتها كـ «حربٍ مقدّسة» كانت مستوردةً من اليهود. بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، وضعف النهج السلمي([10]) ـ الذي كان سائداً بشكلٍ خاصّ في ذروة الإمبراطورية الرومانية وظهور المسيحية ـ، سُمح بنوعين من الحرب في الفكر المسيحي: الحرب المقدّسة (التي كانت من إرث التوراة)؛ والحرب العادلة. تسعى الحرب المقدّسة لتحقيق أهداف وأفكار الإيمان، وتدين بمصداقيتها للسلطات الدينية للكنيسة (مثل: الحروب الصليبية). والمشاركة في الحرب المقدّسة هو واجبٌ ديني؛ ومن ناحيةٍ أخرى، تتبع الحرب العادلة عادةً أوامر مسؤولٍ حكوميّ؛ لأغراضٍ دنيوية (مثل: الدفاع عن الأرض أو الأفراد أو الحقوق). إن الحرب العادلة، التي ترنو إلى أهدافٍ سياسيّة أكثر منها دينية ـ على عكس الحرب المقدّسة ـ، تمنع الإبادة الكاملة للعدوّ، والعنف ضدّ المدنيّين([11]).
ب ـ الإسلام والاعتدال في عقيدة الحرب والسلام
بما أن الإسلام دينٌ اجتماعيّ، وهدفه تنظيم المجتمع وإصلاح العالم، فلا يمكن أن يكون بدون قانون جهادٍ([12]). ونتيجةً لذلك يعتبر الحرب أمراً لا مفرّ منه. ولدى الإسلام ـ على عكس المسيحية، التي لا تتعدّى حدود المشورة ـ نطاقٌ واسع، ويغطّي جميع جوانب الحياة البشريّة. ولا شَكَّ أن دين الإسلام يؤيِّد السلام، لكنّ هذه الحقيقة لا تؤدّي به إلى التفريط في عقيدة الحرب.
يقودنا التدقيق في المصادر الإسلامية إلى وجود قوانين منتظمة وواضحة حول مراحل الحرب المختلفة، وتنظِّم هذه الظاهرة الحَتْمية (الحرب) من البداية إلى النهاية. يمكن أيضاً تفهُّم أدلة إضفاء الشرعية على الحرب في المصادر الإسلامية من وجهة نظر الفقهاء السابقين واللاحقين، على الرغم من الاختلاف الحاصل في تفسير الجهاد وبيان طبيعته. يذكر محمد حميد الله، مستعيناً بآيات القرآن، هذه الأدلّة على النحو التالي: الجهاد في سبيل الله، ويكون بنيّة الدفاع، وبأقلّ قَدْرٍ من الهجوم، ويشمل حقّ القتال قتل العدوّ أينما وُجد؛ ليُطرد من المكان الذي استولى عليه بالقوّة، ويحرم إراقة الدماء في حَرَم بيت الله، إلاّ إذا كان ذلك لغرض الدفاع الشرعيّ، ويتمّ الالتزام الصارم بالمعاهدات والتعهُّدات الأخرى. وباب الجهاد مغلقٌ على غير المسلمين([13])، لذا فإن إشعال نار الحرب؛ لإجبار الناس على قبول الإسلام، أمرٌ غير شرعيّ على الإطلاق، وبالتأكيد لا يجوز شنّ الحرب للطموحات المادّية (كالتوسُّع والتفاخر ونحو ذلك).
ومع كلّ ذلك، يجب أن نميِّز بين الفقه التقليدي والكلاسيكي وبين الاتجاهات النقدية المعاصرة عند دراسة شرعيّة الجهاد في الإسلام. يقسِّم الفقهاء ـ الشيعة والسنّة ـ في الفقه الإسلامي الكلاسيكي الجهاد إلى نوعين: ابتدائي؛ ودفاعي. والجهاد هو الأصل وفق هذا الرأي، والجهاد الابتدائي واجبٌ كفائيّ على كلّ مسلمٍ. ويعتبر المفسِّرون الذين يذهبون إلى هذا القول أن آيات الجهاد في القرآن نسخَتْ آيات السلام. وتشكِّل هذه المقاربة أساس رأي المستشرقين في موضوع الجهاد في الإسلام، ومن هنا يصفون الإسلام بـ «دين الحرب»، ويعتبرونه ديناً جاء ليزيل من الوجود كلّ مَنْ هم خارج دائرته. ويعتبر الفقه الشيعي التقليدي (حاله كحال الفقه السنّي) أن الجهاد فريضةٌ من فرائض الإسلام، وركناً من أركان الدين، وبالطبع واجباً كفائيّاً. لكنه أضاف إليه على الفَوْر بَنْداً مهماً للغاية، وهو أن الجهاد لا يشرع إلاّ بحضور الإمام العادل وإذنه ـ وهو الإمام المعصوم في الفقه الشيعيّ التقليدي ـ([14]).
وخلافاً للاعتقاد السائد في الفقهين الشيعيّ والسنّي التقليديين، فإن بعض المقاربات النقدية المعاصرة في الفقه الإسلاميّ ـ الشيعيّ والسنّي ـ لا تميِّز بين الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي. يعتقد المفكِّرون المعاصرون أن الآيات المقيِّدة مفسِّرةٌ لآيات الجهاد المطلقة، ونتيجة لذلك يكون السلام أصيلاً في الإسلام، وطبيعة الجهاد دفاعيّة بَحْتة. ولهذه النظرة كثيرٌ من المؤيِّدين من العلماء المتأخِّرين، الذين يهتمّون أكثر بمتطلّبات العصر، والتطوّرات والأوضاع الاجتماعية، والذين يفكّرون في أعماق الآيات القرآنية برؤيةٍ أوسع من النظرة التقليدية([15]).
ويمكن القول بناء على هذه الرؤية: لا رَيْبَ أن الجهاد لا يكون مشروعاً إلاّ في حالة الدفاع. لكنّ الأبحاث الرئيسة تدور حول مصاديق هذا الدفاع، وبعبارةٍ أخرى: يدور الجَدَل حول «المقدّمة الصغرى» لهذا الموضوع، وهي: هل أن مصداق الدفاع هو الدفاع عن النفس، أو عن الأمّة على الأكثر، أم أن الدفاع عن الإنسانيّة يعتبر دفاعاً أيضاً؟([16])
وهنا لا يمكن اعتبار المعيار مجرّد فردٍ أو أمّة، بل المعيار هو الإنسانية جمعاء، وهو ما يتوافق مع الآراء النقدية المعاصرة حول السلام والحرب، وهو نفس المعيار الذي كان مقبولاً طوال تاريخ الإسلام؛ لذلك، وفقاً لوجهات النظر الحاليّة حول مفهوم الدفاع في مجال الفكر النقدي المعاصر، يمكن القول: أوّلاً: يكون الدفاع ضدّ هجوم العدوّ على أرض الإسلام، والهجوم المتوقَّع كذلك (هجوم مؤكَّد في المستقبل) أو «الحرب الدفاعيّة»([17])([18]). ثانياً: يشمل الدفاع الأرض، والأنفس، والأموال، والدِّين. وفي الحالات التي يمنع فيها الأعداء تبليغ الدين، وإيمان الناس، وأداء الفرائض والأعمال الدينية. فإن التعامل معهم يصبح دفاعيّاً بطبيعته؛ لأن المَيْل إلى التوحيد ليس حقّاً إنسانيّاً فرديّاً، وليس وطنيّاً ومدنيّاً، بل هو حقٌّ إنساني، ويجب على الجميع على الأقلّ الاطّلاع بحرِّيةٍ على هذا الحقّ([19]). ويسعى الإسلام بالطبع لنشر هذا الدين وفق أُسُس المنطق والبرهان، وليس الإكراه والقَسْر: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾، و﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.
وعلى الرغم من وجود هذا النظام الإسلامي المنهجيّ والمتكامل لحقوق الحرب، والحقوق في الحرب، فقد انتقد المستشرقون الإسلام والحرب، من خلال سوء فَهْم المصادر الإسلامية، وتفسيرها الخاطئ، وتوظيف آراء بعض الفقهاء المسلمين الأوائل بشكلٍ منحاز. واعتبروا الحرب مشروعةً ومباحةً بشكلٍ عامّ في الإسلام، الذي يصفونه بـ «دين السيف»([20])، وكأن الفظائع العديدة التي حطَّمَتْ وجرحَتْ قلب التاريخ في العصور الوسطى، تحت رمز الصليب، وباسم نصرة دين المسيح، ولكنْ بنَفْع الكنيسة، كانت بعيدةً كلّ البُعْد عن نظرهم، أو أنهم اعتبروها مشروعةً.
2ـ الشرعيّة الكَنَسيّة للحروب الصليبيّة
كانت الحروب الصليبية، تاريخياً، عبارةً عن سلسلة من العمليات العسكرية شنَّها قادة الجيوش الأوروبيون، اعتباراً من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر؛ لاستعادة فلسطين (الأرض المقدّسة) من الحكم الإسلاميّ. لكن محاولة معرفة الأسباب الحقيقية لهذه الحروب الطويلة يقودنا بلا شَكٍّ إلى تحليل نهج الكنيسة في العصور الوسطى لكيفية إضفاء الشرعيّة على هذه الحروب، وتبريرها.
أـ أسباب الحروب الصليبيّة
يسرد المؤرِّخون الغربيون والمسلمون مجموعةً واسعة من الأسباب لبداية الحروب الصليبيّة. يبدو الأمر ـ في بعض الأحيان ـ؛ بسبب تحيُّزهم وتعصُّبهم، كما لو أن هذه الحجج تتعارض فيما بينها. وهي تتراوح من الأسباب الدينية ـ السياسيّة إلى الدوافع الشخصيّة والمصالح التجارية. كان أهمّ سبب للحروب الصليبية ـ وفقاً لعددٍ من المؤرِّخين ـ هو إساءة معاملة الأتراك السلاجقة لمسيحيّي القدس. يُقال: إن السلاجقة، بعد فتح سوريا والقدس في أواخر القرن الخامس الهجري، قاموا باضطهاد السكّان المسيحيّين في القدس، والحجّاج إلى قبر السيد المسيح، وأخذوا الجِزْية منهم، بل صادروا عدداً من الأديرة والكنائس في المنطقة. لقد كلَّف هذا مسؤولي الكنيسة غالياً، ومهَّد الطريق لاندلاع الحرب([21]). ولكنْ من الخطأ القول: إن المسلمين أساؤوا معاملة زوّار المسيح. عاش المسيحيّون حياةً من الأمن والازدهار في ظلّ الدولة الإسلامية، وكانت حقوقهم الدينية مصانةً بشكلٍ أفضل من حقوق المسيحيّين الذين يعيشون في ظلّ الحكومات المسيحيّة في الشرق والغرب([22]).
تروي المصادر الإسلامية اهتمام الحكّام المسلمين بالنصارى واليهود من أهل الذمّة، «حتّى أن كاتباً غربياً يقتبس من رسالةٍ لرئيس أساقفة القدس، يَرِدُ فيها وصفُه للمسلمين بأنهم شعبٌ عادل»([23]). لكنْ يعتقد معظم المؤرِّخين أن العامل السياسيّ الأكثر أهمِّية لنشوب الحروب الصليبية يجب أن يكون ضعف الإمبراطورية الرومانية وتدهورها؛ فقد أرسل الإمبراطور البيزنطي سفراء إلى البابا أوربان الثاني، وطلب منه المساعدة؛ من أجل دَرْء الخطر عن عاصمته، بعد أن مُنِيَ بهزيمةٍ منكرةٍ في معركة ملازكرد الشهيرة (463هـ / 1071م)، التي قادها السلاجقة، وأدَّتْ إلى سيطرتهم على أجزاء كبيرة من آسيا الصغرى، واقتربوا أكثر من القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية)، وكذلك لاستعادة الأراضي التي احتلَّها السلاجقة. وافق البابا على هذا الطلب؛ لأن تطلُّعاته (توحيد الكنيسة الكاثوليكية مع الكنيسة الأُرثوذُكسية الشرقية) قد تحقَّقت، وزادَتْ قوّته وتأثيره في أوروبا([24]).
وقد شارك في هذه الحروب مختلف طبقات وفئات المجتمعات الأوروبية، ولكلٍّ منها دافعها الخاصّ؛ فالأمراء كانوا يأملون في الحصول على الخراج وأراضٍ جديدة للحكم؛ والفرسان لأن وسيلتهم الوحيدة للعيش كانت الحرب والمغامرة والدفاع عن النبلاء والأرستقراطيين؛ كما سعى الناسُ العاديّون في أوروبا، الذين كانوا أضعف طبقات المجتمع، ويرزحون تحت ظروف بائسة، على أمل تحصيل الثروة، والتحرُّر من عبوديّة واضطهاد الطغاة والإقطاعيّين؛ وكذلك شارك المجرمون هَرَباً من العدالة([25]).
وخطب البابا في بداية الحروب الصليبيّة، عام (1095م ـ 488هـ)، في كليرمون في فرنسا، على أثر هيجان هذه الدوافع قائلاً: «يا سلالة الفرنجة، يا جنس الله الحبيب والمختار…، ضَعُوا أقدامكم على طريق كنيسة القيامة. خذوا تلك الأرض من أيدي المجرمين، وامتلكوها بأنفسكم. القدس جنّةٌ مليئة بالملذّات والبركات، إنها أرضٌ أكثر خصوبةً بكثير من جميع الأراضي… اقبلوا بشَغَفٍ معاناة هذا السفر؛ لتغفر خطاياكم، وبالمقابل دفِّئوا ظهوركم بعظمة ملكوت الله»([26]).
تُذكِّرنا تصريحات البابا في بداية الحرب بتعاليم التوراة، أكثر مما تذكِّرنا بتعاليم الإنجيل. ومن ناحيةٍ أخرى، على فرض الادّعاء بأن الحروب الصليبية كانت مقتصرةً جغرافيّاً على منطقةٍ معينة فيمكن استنتاج أن نَمَط هذه الحروب يشبه الحروب المقدّسة في العهد القديم أو التوراة. اعتبر بعض المؤرِّخين المسلمين أن الحروب الصليبية حربٌ مقدّسة أو عدوانٌ مسيحيّ على الإسلام، بدأ في غرب البحر الأبيض المتوسط، وانتشر أخيراً في جميع أنحاء البحر المتوسط. ساوى هؤلاء المؤرِّخون ـ في الواقع ـ بين طبيعة جميع الحروب التي وقعَتْ في صقلية وإسبانيا وسوريا([27]).
«سُمّي المسلمون في بعض المصادر المسيحيّة بالوثنيّين والكفّار، لذلك يمكن القول: إن الحروب الصليبيّة ـ وخاصّة من وجهة نظر المسيحيّين، الذين يعتقدون أنهم يشنّونها على المسلمين الوثنيّين ـ حروبٌ مقدّسةٌ وإلهيّة، الغَرَض منها (تطهير القدس من الوثنيّين)، وهو ما يبرِّر لهم وسائلهم في القتل الجماعي([28]). ومع ذلك، خلال الحروب الصليبية تمّ استخدام كلمة مسيحي ضدّ جميع غير المسيحيّين، وأصبح تحرير الأرض المقدّسة هو الفكر الشائع لدى المسيحيّين في أوروبا. اعتقد المسيحيّون، في ذلك الوقت، أنهم متفوِّقون على المسلمين، لا دينيّاً فقط، بل أخلاقيّاً أيضاً؛ إذ لم يكن المسلمون في نظر المسيحيّين المشاركين في الحروب الصليبية أكثر من محاربين عنيفين ومتوحِّشين، ومن هنا فقد كان الاستهزاء، وذكر نقاط ضعف المسلمين والإسلام، يشغل أذهان المسيحيين([29]).
أصبحت الدوافع التوسُّعية، وحتّى الشخصية، التي كانت في البداية تحت ستار الدوافع الدينيّة، وبحجّة الحرب المقدّسة، أكثر انتشاراً في الحروب الصليبية المتأخِّرة، فمثلاً: يذكر المؤرِّخون أن الغايات التوسُّعية والنوايا الشخصيّة لشقيق لويس التاسع، تشارلز دانجو، الذي سيطر على صقلية في عام (1298م ـ 666هـ)، وكان بصدد تشكيل حكومةٍ واحدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كانت عاملاً مهمّاً في تحريض لويس على غَزْو تونس([30]).
جلبَتْ الحروب الصليبية العديد من الفوائد المادّية للباباوات والكنيسة؛ حيث رَهَنَ الصليبيّون أو باعوا ممتلكاتهم للكنيسة بشروطٍ مربحة للغاية، فقد اشترى الأشخاص الذين حملوا الصليب، ولكنهم لم يستطيعوا الذهاب إلى الحرب، إعفاءَهم من الكنيسة؛ وقد تمّ فرض ضريبة الحروب الصليبية وإدارتها من قِبَل الكنيسة. ولا يمكن تقدير المبلغ الذي جمعَتْه الكنيسة خلال الحروب الصليبية([31]). وفي الوقت نفسه كانت الأراضي التي احتلّها الصليبيون تحت الحكم المطلق للبابا([32]). وهكذا أصبح الباباوات أكثر قوّةً يوماً بعد يومٍ، وكان لدى الكنيسة أسبابٌ عديدة للرضا عن هذه الحركة.
ومع ذلك، فإن الحروب الصليبية في نهاية المطاف لم تحقِّق أيّ نتائج مادّية دائمة للصليبيين. سقطَتْ القدس بيدهم بعض الوقت؛ لكنّ المسلمين سرعان ما دفعوهم إلى الوراء، وأعادوا السيطرة عليها. كانت النتيجة الرئيسة الوحيدة لهذه الحروب هي جَلْب الموت والتشرُّد للمسلمين والمسيحيّين ـ وخاصّة سكان آسيا الصغرى وفلسطين؛ وفي الوقت نفسه أظهرت الحضارة الإسلامية أنها أعلى بكثيرٍ من الحضارة المسيحية، من حيث الجمال والسلام والثقافة والحرب.
ب ـ شرعيّة الحروب الصليبيّة، من الحرب المقدَّسة إلى الحرب العادلة
كما لوحظ فإن الكتاب المقدّس مشحونٌ فقط بالمبادئ الأخلاقية، ويفتقر إلى الفكر الاجتماعي والسياسي؛ لتشكيل دولةٍ وإصلاح العالم. هذا هو السبب في أن العبء الرئيس في تعليم عقيدة الحرب في المسيحية يقع على عاتق الباباوات ورجال الدين المسيحيّين. لم يكن مثال (الحرب المقدّسة) في التوراة بعيداً عن أعين رجال الدين، الذين كانوا بصدد تقديم أُسُسهم الفكريّة للحرب ضدّ غير المسيحيين؛ لتبرير أفكارهم في ميدان الحرب، فهم لا يشيرون صراحةً إلى التوراة، لكنّهم وجدوا بُغْيَتهم ـ بَدَلاً من ذلك ـ في تفسير الآيات التي تدور حول السلام في الإنجيل، أو بالأَحْرى تأويلها؛ بُغْيَة تطبيقها على الحرب مع المسيحيّة.
1ـ الشرعيّة المسبقة في نظريّات أوغسطين، الجمع بين الحرب المقدَّسة والحرب العادلة
كان أوغسطين ـ وهو أسقفٌ من شمال إفريقيا ـ يتمتَّع بمكانةٍ رفيعة بين المسيحيين الكاثوليك، يُنْظَر إليه عموماً على أنه والد الحرب المسيحيّة العادلة؛ لكنه أسَّس فكرة الحرب العادلة بناءً على تعاليم سيِّده القدِّيس أمبروز([33]).
لقد تجاوز أوغسطينوس سيِّده في توفير المعايير الأساسية لتقرير الحرب العادلة. وكانت هذه المعايير هي أن الحرب يجب أن يكون لها سببٌ عادل، وأن المسؤول السياسيّ الشرعيّ يجب أن يأمر بالحرب، وأن يكون للسلطة الدافع والنيّة. ووفقاً لأوغسطين، الحرب هي الحَرْبة الأخيرة لتحقيق السلام، لذا فهو يعتبر أن اقتصار الحرب على الكلمات، وتأمين السلام من خلال السلام، هو أكثر قداسةً بكثيرٍ من قتل الناس بالسيف([34]). وفي رأيه، ما يحظره الكتاب المقدّس هو العنف والوحشيّة في الحرب، وليس الحرب نفسها([35]).
قدَّم أوغسطينوس تفسيراتٍ جديدةً لآيات الإنجيل؛ للتوفيق بين وجهات نظره مع الكتاب المقدّس. مثلاً: ضيّق نطاق هذا التعليم الإنجيلي، الذي يقول: «مَنْ ضربك على خدِّك الأيمن فأَدِرْ له خدَّك الأيسر»، و«أحبّوا أعداءكم». نعم، حدَّ من مجاله([36]) بادّعائه أنه يتعلَّق بمؤمنٍ مسيحي، ومَنْ هو أعلى منه، كالكاهن، وليس بالضرورة أن يشمل عامّة الناس، من غير رجال الدين؛ أو يجب أن تقتصر هذه العقيدة على الدائرة التي يتعرَّض فيها الشخص نفسه للضَّرَر، وليس حين يسعى لحماية الآخرين؛ من خلال الادّعاء بأن هذه التعاليم هي في مجال الحبّ الداخلي، وليس لها مكانٌ في مجال العدالة الخارجية؛ أو أن هذه التعاليم مخصَّصة للأفراد فقط، دون المسؤولين الحكوميّين الذين يشغلون مناصب رسميّة، فهؤلاء لديهم الحقّ ـ مثلاً ـ في قيادة وإدارة الأفراد التابعين لهم، كالجنود. كما يرى وصيّة المسيح على أنها مسألةُ تقوىً داخلية، وليس بالضرورة عملاً جسديّاً([37]).
وبناءً على التوجُّهات التي قدَّمها القدِّيس أوغسطين لتعاليم الإنجيل أصبح النزوع السلميّ مقصوراً على الناس العاديين، بينما يمكن لقادة وزعماء المجتمع أن يعلنوا الحرب، ومن شأن الانتقام ومعاقبة الجُناة أن يضفي الشرعيّة على الحرب. والعلّة التي توجب صدور الأمر بالحرب من قِبَل الحكومة، وبَدْأَها من قِبَل المواطنين، هي إقامة النظام الطبيعيّ، النظام الذي يفضي إلى السلام بين الناس. لذلك، إذا رأى الحاكم أن من المناسب شنّ الحرب يمكنه الأمر بها، ويجب على المواطن أداء واجباته العسكريّة من أجل سلام المجتمع وأمنه([38]).
هذه الآراء تشبه آراء شيشرون، الذي رأى أن أهداف الحرب العادلة هي معاقبة الجُناة، وتعويض الضَّرَر، وإعادة الأرض المعتدى عليها إلى حالتها الأولى قبل الحرب؛ لكن أوغسطين ذهب إلى أبعد من ذلك؛ لأن تعريفه للعدالة لم يكن مجرّد مسألة حقوق قانونية بسيطة، بل اعتبرها احتراماً للحقوق الدينية (الحقوق المسيحيّة بالطبع). وهكذا، كانت الحرب مبرَّرةً ومشروعةً في الحالات التي تنتهك فيها الحقوق المسيحية، أو حقوق الكنيسة. كانت هذه الفكرة هي التي مهَّدَت الطريق في نهاية المطاف لتبرير الحروب الصليبية، التي جمعَتْ بين الحرب المقدّسة والعادلة([39]). وخلال فترة النهضة الكبرى للإحياء الديني، وعصر الإيمان (القرنين العاشر والحادي عشر)؛ حيث لم تكن تسمح سلطة الكنيسة بالمعارضة، لا للناس، ولا الملوك، تهيَّأَت الأرضية المناسبة لهذه الحروب. وهكذا، على الرغم من أن فكرة أوغسطين للحرب العادلة كانت مختلفةً تماماً عن الحروب الصليبية المقدّسة، وأنه لم يستخدم الحرب أبداً كأداةٍ لنشر المسيحيّة([40])، فإن حقيقةَ أن علماء الدين في العصور الوسطى طوَّروا فكرة الحروب الصليبية المقدّسة، بناءً على تفسيرات أوغسطين، غيرُ قابلةٍ للإنكار. حتّى البابا أوربان الثاني لم يتجاهل تعاليم أوغسطين، بل ربط مفهوم الحرب العادلة بمفاهيم مسيحيّة أخرى مقبولة (مثل: الصدقة والإحسان والحجّ إلى الأماكن المقدّسة)([41]).
2ـ الأكويني والجهود المبذولة لمنح الشرعيّة البَعْدية للحروب الصليبيّة
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأفراد الذين سَعَوْا لدعم الحروب الصليبية، أو الحرب المقدّسة بشكلٍ عام، منذ القرن الحادي عشر إلى القرن السابع عشر، قد استفادوا، عموماً، من فكرة الحرب العادلة؛ لتبرير مواقفهم([42]). في غضون ذلك كان توما الأكويني (1225 ـ 1276م) ([43]) الأكثر بروزاً؛ لأن العديد من المفكِّرين اللاحقين كانوا قد اتَّبعوا أفكاره. قام الأكويني بتطوير وصقل فكرة الحرب العادلة، كما ذكر في بداية البحث. لقد عزَّز معايير الحرب العادلة على النحو التالي: يجب أن يكون للحرب سببٌ عادل([44])، وبالطبع يجب أن يكون السلام قد عُرِضَ من قبلُ، ويجب أن يكون الأمر بالحرب من قِبَل سلطةٍ حكومية صالحة([45])، ويجب شنّ الحرب([46]) بنيّةٍ ودوافع صحيحةٍ([47]).
كان الأكويني؛ من أجل تبرير مسالمة الإنجيل، وخصوصاً آية (فأَدِرْ له خدَّك الآخر)، على هذه العقيدة، وهي أن محبّةَ العدوّ وتقديم الخدّ الآخر للضرب عبارةٌ عن نزوعٍ داخلي، ولمكانة الفرد دَوْرٌ في تطبيق هذا التعليم الكتابيّ، كأنْ يكون رجلَ دينٍ، أو فرداً من العوامّ؛ لكنه من ناحيةٍ أخرى يرى أن باعث الدفاع عن النفس لا يجب أن يكون ناشئاً عن الأنانيّة، لكنْ من خلال نهجه العقلانيّ اعتبر أن أصل هذا الإقدام هو الحفاظ على الحياة، وهو تفسيرٌ عقلاني، وحقٌّ طبيعي. يتحدث الأكويني، المعاصر للحروب الصليبية، عن قبول هذه الحروب في القرن الثالث عشر، ومع ذلك فإن أسلوب بيانه، ونبرته، وموضوعه، بعيدٌ كلّ البُعْد عن الخُطَب الشعبوية للبابوات التي تروِّج للحرب([48])؛ فهو مُنظِّرٌ للحرب العادلة، ويتناول على وجه التحديد مسألة ما إذا كانت المغفرة التي وعد بها البابا للصليبيّين تشمل المُحارِب الذي يموت قبل أداء عهده. ادَّعى الأكويني أنه سيتمّ العفو عن المُحارِب الصليبي، حتّى لو لم يصِلْ إلى الأرض المقدّسة([49]).
اعتقد الأكويني أن الإكراه على تغبير الدين ممنوعٌ. وقد دفعَتْ وجهة نظر الأكويني هذه بعض الكتّاب؛ من أجل تبرير شرعية الحروب الصليبية، إلى قلب طبيعتها رأساً على عقبٍ، ومخالفة الحقائق التاريخية: «إذا كانت الحروب الصليبية في الظاهر ضدّ الملحدين والكفّار فهي، في الواقع، تخضع لعوامل تاريخية أكثر تعقيداً، فلم تشنّ هذه الحروب لمجرّد تغيير الدين، أو قتل الكفّار، ولكنّهم اعتبروها نوعاً من الحرب العادلة. والواقع أن سبب قتل الكفّار هو اضطهاد المسيحيّين والمبشِّرين المسيحيين، وهم بقيامهم بذلك هاجموا إيمانهم ومعتقدهم. يكتب الأكويني: «المؤمن المسيحي يأذن بالحرب، ليس لفرض الإيمان على غير المؤمنين؛ ولكنْ من أجل منعهم من اضطهاد ومهاجمة إيمان وعقيدة المسيحيّين»([50]). وهكذا، وفقاً للأكويني، لا يمكن للكنيسة أن تصادق على الحرب ضدّ الكفّار إلاّ إذا كانت بنفس الشروط والمعايير للحرب العادلة (أي هناك سببٌ شرعيّ وموقفٌ ونيّةٌ لبدء الحروب الصليبية)، ولا يمكن أن يكون الكفر وحده مبرِّراً كافياً للحرب الصليبية الظافرة.
وعلى الرغم من اعتقاد الأكويني ورفاقه أنه يجب مراعاة المبادئ القانونية والأخلاقية للحرب العادلة في الحروب الصليبية، إلاّ أن هذا لم يحدث في كثيرٍ من الأحيان؛ لأن الحُجَج الدينية كانت بشكلٍ عامّ عُرْضةً للكثير من التطرُّف العملي. يرى بعضٌ([51]) أن أحد أخطاء المنظِّرين الكلاسيكيين للحرب العادلة هو أنهم لم يولوا اهتماماً كافياً للاتجاهات غير المحدودة إلى الحروب الدينية. أدَّتْ هذه النزعات الجامحة تدريجيّاً إلى حقيقة أنه لم يَعُدْ هناك أيّ قلقٍ بشأن مراعاة الأخلاق في العمل ضدّ العدو. يعتقد ريمون شمانث أنه بحلول الحملة الصليبية الرابعة كانت أنواع التطرُّف التي حدثَتْ قد شوَّهَتْ الحركة، وأفسدَتْ فكرة الحرب العادلة؛ فقد برزَتْ شكوكٌ جِدِّية حول ما إذا كان أيّ عملٍ ضدّ العدو مسموحاً به.
3ـ الحروب الصليبيّة والجهاد الإسلاميّ في مرآة التاريخ، عدالة الإسلام ضدّ عداء المسيحيّة
يجب أن نقرّ بدايةً أن تَبِعات الحروب الصليبية لم تقتصر على المسلمين فحَسْب، بل شملَتْ أيضاً أتباع بقية الديانات، وحتّى الطوائف المسيحية الأُرثوذُكسية الأخرى([52]). بهذا المعنى، كانت أواخر القرن الحادي عشر بدايةَ حقبةٍ أخرى في حياة اليهود الذين يعيشون في معظم دول أوروبا الغربية، مثل: فرنسا وبريطانيا ونهر الراين، فلم تكن لهم علاقةٌ جيدة مع الأغلبية المسيحية. وهكذا، بدأت المجموعة الأولى من المحاربين المسيحيين المتعصِّبين بالقتل الجماعي للكفّار الأوروبيين (اليهود)، وذلك قبل الانتقال إلى القدس؛ للمشاركة في الحرب ضدّ المسلمين. اعتقد البابا أوربان الثاني في ذلك الوقت أنه قبل محاولة التخفيف من معاناة رحلةٍ طويلة إلى القدس كان من الضروريّ قتل يهود أوروبا، وبقايا قَتَلة سيِّدنا المسيح([53]). ولم يَسْلَم يهود القدس من هجوم الصليبيين، فعند الهجوم على القدس اجتمع عددٌ لا يُحْصَى منهم في الكنيس الرئيس، مقلِّدين أسلافهم؛ لكنّ الفرنجة أغلقوا جميع المخارج، ثمّ أضرموا النار في الكنيس، وقُتل الذين حاولوا الفرار، وأُحرق الباقون أحياء([54]).
لكنّ الجرائم، التي رواها المؤرِّخون الغربيون والمسلمون، تظهر أن المسلمين قبل كلّ شيءٍ كانوا هَدَفاً لكراهية الكنيسة واستيائها؛ لأنه بشكلٍ عامّ «كان الهدف من النشاط الديني والبابوية في هذه المرحلة من تاريخ المسيحيّة هو إيقاظ المشاعر الدينية من الداخل، وتدمير الإسلام، والذي كان لفترةٍ طويلة علامة خطرٍ ضدّ المسيحية الأوروبيّة»([55]).
هناك إجماعٌ بين المؤرِّخين على الجرائم التي ارتكبها الصليبيّون أثناء احتلال القدس؛ فقد كانت هذه الجرائم كبيرة إلى درجة أن رجال الدين المسيحيين أنفسهم انتقدوها([56]). الصليبيون، الذين انتصروا بعد الكثير بعد المعاناة، اقتحموا الشوارع بجنونٍ، وتدفَّقوا إلى المنازل والمساجد، وذبحوا كلّ مَنْ رأوه أمامهم، من نساء ورجال وأطفال، وبهذه الطريقة «ارتفعَتْ دماء المسلمين إلى ركب الصليبيين»([57]). ولم تهدأ هذه الوحشية لدى الجنود الصليبيين ـ التي تفصح عن تعصُّبهم وسوء نيَّتهم تجاه المسلمين ـ مع احتلال القدس، بل بقيَتْ حتّى الحملة الصليبية الأخيرة تتغذّى على أشلاء المسلمين والثقافة الإسلامية.
هذه روايةٌ عن الإرهاب؛ بينما أثبت المسلمون تمسُّكهم بالتعاليم الإنسانية لدينهم أثناء الجهاد ضدّ الصليبيين. وتجلَّتْ أصالة الجهاد الإسلامي العادل دائماً، منذ عام (1144م ـ 539هـ)، عندما بدأت انتصارات القوات الإسلامية تدريجيّاً، إلى أن بلغت ذَرْوَتها بفتح صلاح الدين الأيوبي للقدس. مثلاً: دعا صلاح الدين سكّان المدينة لمناقشة مستقبل مدينتهم، وهو الذي اعتُبر منتصراً حَسْب الظروف، وطلب منهم أن يسلِّموه المدينة دون حربٍ، وأن يغادر أولئك الذين لا يريدون البقاء مع ممتلكاتهم وأثاثهم؛ لكنّ المسيحيين رفضوا طلبه بنفس الغرور الذي كان لديهم في عهد قوّتهم. وعند دخول القدس أمر صلاح الدين، قائد المسلمين، قادَتَه وجنودَه بعدم اضطهاد أيّ مسيحيّ ـ غربيّ أو شرقيّ ـ، وبذلك قطع الطريق أمام أيّ مذبحةٍ أو غارةٍ، وأعلن صلاح الدين أن الغربيّين يمكنهم زيارة أماكنهم المقدّسة متى أرادوا([58]).
3ـ طبيعة الجهاد الإسلاميّ ضدّ الصليبيّين
كان العالم الإسلامي يعاني قبل الحروب الصليبية من انقساماتٍ سياسية وتحيُّزاتٍ طائفية قوية، والتي شكَّلت بحدّ ذاتها خلفيّةً مهمّةً وسبباً قويّاً لنشوب هذه الحروب، واستمراها. وكان إحباطُ ولا مبالاة عموم المسلمين بعد الحملة الصليبية الأولى واحتلال القدس، نفسُه، انعكاساً لهذه الانقسامات. ويبدو أن نفس التعصُّب الديني لعلماء وفقهاء تلك الفترة جعل من المستحيل فَهْم موقفهم الواضح من الحروب الصليبية. اعتبر معظمهم الشيعة الفاطميين والإسماعيليين كفّاراً، ومع ذلك؛ من أجل تحديد مقاربتهم لهذه الحروب، من الضروريّ دراسة موقفهم من الجهاد بشكلٍ عامّ، بغضّ النظر عن التعصُّب القائم.
أـ الجهاد الدفاعيّ ضدّ العدوّ الحَرْبيّ
كما ذكَرْنا سابقاً، كان رأي الفقهاء الأوائل ـ الشيعة والسنّة ـ الذين عاصروا الحروب الصليبية هو أن الجهاد ينقسم إلى قسمين: الابتدائي؛ والدفاعي. لكن المفهوم الذي كان لدى الفقهاء الأوائل للجهاد الابتدائي هو الجهاد بقصد الدعوة إلى الإسلام ونشر الدين. لذلك، فإن دافع المسلمين للجهاد ضدّ الصليبيين، الذين كانت منهم استعادة القدس، يقع في نطاق الجهاد الدفاعي، وليس الابتدائي.
ومن كبار فقهاء الشيعة نذكر الشيخ الطوسي (380 ـ 460هـ)، الذي كان من أصحاب النفوذ والتأثير على الفقهاء إبان الحروب الصليبية. يقول الطوسي في كتاب النهاية: «الجهاد فرضٌ من فرائض الإسلام، وركنٌ من أركان الدين… ولكنْ من شروط الجهاد وجودُ إمامٍ عادل، فلا يجوز الجهاد إلاّ بإذنه، والجهاد بغير ظهوره، أو بحضور مَنْ عيَّنه لإدارة شؤون المسلمين أثناء حضوره، أو بدون دعوة الإمام نفسه أو نائبه الناس للجهاد، فلن يكون ذلك مناسباً، ولن يكون واجباً على الناس…؛ ما لم يتعرَّض المسلمون للهجوم من قِبَل العدوّ، ويتهدَّد أساس الإسلام، أو أرواح الأفراد، وأموالهم، وعوائلهم. وفي هذه الحالة يجب الجهاد والدفاع، حتّى مع الإمام الجائر، ولكنْ ليس بغَرَض الجهاد الابتدائي، أو برفقة الإمام الجائر، وإنما بقصد الدفاع عن النفس والأقارب والمؤمنين وأساس الإسلام»([59]).
ويمكن أن تكون الرسالة التي كتبها القاضي العسقلاني (525 ـ 599هـ / 1130 ـ 1199م) ـ وهو من علماء السنّة ـ إلى صلاح الدين الأيّوبي، والتي يعتبر فيها الجهاد واجباً على الجميع (يعني أنه يعدّه جهاداً دفاعياً عينيّاً، وليس جهاداً كفائيّاً)، نعم، يمكن أن تكون تأكيداً لهذا الرأي. وممّا جاء فيها: «يرافقك كلّ المسلمين في الدعوة فقط، ومدَّعو الجهاد معك باللسان فقط. إنك تدعوهم إلى سبيل الله (الجهاد)، وتطلب منهم الفريضة؛ بينما فكرتهم أنك تريدهم لنفسك، والجهاد الواجب مستحبّ»([60]).
وقد شجَّع ابنُ عساكر (571هـ)، وهو عالمٌ سنّي، المسلمين أيضاً على الجهاد الدفاعي أثناء الحروب الصليبية، من خلال جمع أربعين حديثاً حول هذا الموضوع قبل حملة صلاح الدين الأيوبي لاستعادة القدس([61]).
ونُقل عن الغزالي قوله: «اعلَمْ أنه اذا استولى الكفّار على مدينةٍ أو ولايةٍ من أرض الإسلام فيجب على جميع المسلمين أن ينووا الجهاد، ويذهبوا إليه إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً»، ويضيف: «…خيرٌ لك أن تقضي حياتك في رضا الله تعالى، وأن تستعيد القدس التي هي قِبْلةُ الأنبياء من الكفّار، وتخرج تربة الخليل التي جعلوها حظيرةَ خنازير للكفّار من أيديهم»([62]).
تمّ تقسيم العالم الإسلامي إلى قسمين رئيسيين عشية الحروب الصليبية. كان الجزء الشرقي يحكمه الخلفاء العباسيون في بغداد؛ والجزء الغربي يحكمه الخلفاء الفاطميون في القاهرة. وعلى الرغم من الخلاف المستمرّ بين هذين القسمين فإن كلا الخليفتين كان خليفةً إسلاميّاً. وإذا درَسْنا موقف فقهاء تلك الفترة ـ بالطبع، المواقف غير المتعصِّبة تجاه المذاهب الإسلامية المختلفة ـ فإننا نراهم اعتبروا أن الدفاع واجبٌ عن الدولة الإسلامية ضدّ أيّ اعتداءٍ وعدوانٍ يشنّه غير المسلمين. والواقع أن جميع العناوين والمصطلحات التي ذكرها الفقهاء للدفاع المنظَّم (الشرعيّ) تشمل هذا النوع من الدفاع. وقد أصدر مجموعةٌ من الفقهاء فتاوى صريحةً في خصوص هذا الموضوع. وكان أوّل فقيه أصدر فتوى في هذا الشأن هو أبو الصلاح الحلبيّ ـ وهو فقيهٌ شيعي، كان له تأثيرٌ عميق على فقهاء هذه الفترة، رغم وفاته قبل بدء الحروب الصليبية ـ، يقول: «يجب على المسلمين البعيدين عن منطقة الحرب الانتقال إلى مكان وقوع الحرب ومحاربة المعتدين إذا احتاج المسلمون إلى مساعدتهم في قتال المعتدين»([63]). كما أصدر فقهاء السنّة ـ مثل: حمد الكلبي المالكي، الذي كان معاصراً للحروب الصليبية الأخيرة ـ فتاوى تدعو إلى الدفاع عن الدولة الإسلامية ضدّ هجوم الأعداء الكافرين([64]).
لقد كان جهاد المسلمين في الحروب الصليبية، في الواقع، ضدّ أهل الكتاب الذين حاربوا المسلمين، وهجموا على ديار الإسلام ـ وفيها المسلمون، وكذلك غير المسلمين تحت ذمّة الإسلام ـ. نعم، كان جهادهم ضدّ الأعداء من غير المسلمين، الذين يُسمَّوْن بالمحاربين، ويعيشون في دار الحرب، أي خارج أرض الإسلام، وخارج حياض الشريعة الإسلامية وحمايتها، وخارج الولاية الإسلامية. ونتيجة لذلك «لا يحقّ لهم الإقامة إذا دخلوا دار الإسلام بدون إذنٍ. وبالمعنى الحقيقي للكلمة هم أعداء، لذا فهم عُرْضة للطرد، أو السجن، أو حتّى القتل، ويجب عليهم مغادرة أرض الإسلام بعد الإنذار اللازم»([65]).
ب ـ الجهاد من أجل التعاطف ومساعدة المظلومين
كان طلب المساعدة من قِبَل سكّان الأراضي التي احتلَّها النصارى جانباً آخر من جهاد المسلمين ضدّ الصليبيين. ولنعلَمْ أن من الأهداف الأساسية للجهاد في سبيل الله مواجهة الطواغيت والظالمين والمستكبرين، وتحرير المظلومين المستضعفين من براثنهم، هذا الهدف في حدّ ذاته يمكن أن يكون أساساً شرعيّاً لمدّ يد العَوْن. وممّا يجدر ذكره أن الرسول الأكرم| قال: «مَنْ سمع نداء مظلومٍ يدعو المسلمين لنصرته ولم ينصُرْه فليس بمسلمٍ»([66]). يُذكر في هذا الحديث المظلوم بشكلٍ عامّ، ولا توجد إشارةٌ إلى كونه مسلماً أو غير مسلمٍ. لذلك يمكن القول: إنه خلال الحروب الصليبية، من باب أَوْلى أن تكون تلبية نداء المسلمين المضطهدين عاملاً في الدعوة إلى الجهاد من قِبَل الدولة الإسلامية. والمسلمون الذين كانوا بلا شَكٍّ مصداقَ هذه الآية: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ (الحجّ: 39 ـ 40).
روى المؤرِّخون أنه بعد أيام قليلة من احتلال الصليبيين للقُدْس جاءَتْ أوّل دفعةٍ من اللاجئين الفلسطينيين والناجين من مذبحة القدس إلى دمشق، وطلبوا المساعدة من الشاميين([67]). بعد هذا الطلب، ذهب القاضي الهَرَوي الدمشقي إلى بغداد؛ كي يوقظ غيرَةَ وحماسَ خليفة المسلمين، وممّا قاله: «لم يسبق أن تعرَّض المسلمون للإهانة أو الإذلال بهذه الصورة قطّ، فلم يصدف أن غار أحدٌ على أرضهم ونَهَبها بهذه الوحشية من قَبْلُ». لم تؤدِّ مجزرة ونهب القدس في البداية إلى انتفاضةٍ مفاجئةٍ في العالم الإسلامي، لكنّ دعوة القاضي الهَرَوي للجهاد تعتبر أوّل عملٍ رسميّ في مجال المقاومة([68]).
وفي الوقت نفسه، لعب علماء بغداد، ومنهم: ابن زاغون الحنبلي، إلى جانب أهل بغداد، دَوْراً مهمّاً في لفت انتباه الخليفة إلى الدعوة للجهاد([69]). كان المسلمون، في واقع الأمر، مضطرّين إلى إجبار الحكّام على الجهاد؛ لأن امتناع الحكّام عن الجهاد أضرّ بمكانة الإسلام والمسلمين المظلومين. وفي هذا السياق: «إذا امتنع وليّ أمر المسلمين عن الجهاد؛ لقلّة العدّة والعدد، مما أدّى إلى فقدان ثقة الأمّة فيه، وجب استبداله بوليٍّ آخر يقوم بواجب الجهاد»([70]).
واعتبر بعضُ علماء المسلمين أنه ليس جائزاً فقط، بل يجب الاستجابةُ لنداء المساعدة والنصرة من قِبَل المظلومين والمضطهدين، الذين كان اللاجئون الفلسطينيّون مثالاً واضحاً لهم([71])، ولم يعتبروا الجهاد في هذا المضمار جهاداً ابتدائياً، بل نموذجاً للجهاد الدفاعي. إنهم لا يحتاجون حتّى إلى طلب المساعدة من المظلوم، فطالما أن هناك شخصاً مظلوماً، وكان هذا القَهْر قد خلق عقبةً أمام سعادته، فهذا يكفي لنجدته. وإذا توجَّهنا إلى المراجعة النقديّة المعاصرة في هذا المجال يجب أن نقول: إذا كان الدفاع عن القِيَم الإنسانية المقدّسة، والتصدّي للاعتداء على القِيَم الإنسانية، يعتبر عدواناً واعتداءً، فمن الأَوْلى أن يوفِّر العدوان على الأرض، وانتهاك الاستقلال والحرّية، وقتل المسلمين، شرعيّة الجهاد ضدّ الصليبيين.
4ـ الجهاد الدفاعيّ والاستباقيّ
قلنا: إن هجوم الجيش الإسلاميّ على الصليبيّين في القدس بقيادة صلاح الدين الأيّوبي حدث بعد أكثر من نصف قرنٍ (عام1187م)، وهذا قد يجعل الإنسان يشكّ في شرعيّة الدفاع ضدّهم. ولكنْ كما ذكَرْنا سابقاً إن من أصول تشريع الجهاد ـ طبعاً الجهاد الدفاعي ـ طرد المعتدين الحربيّين عن حدود المسلمين، وهذا ما لم يتحقَّق حتى ذلك الحين؛ بسبب تسويف وضعف وتشتُّت الحكومة الإسلامية في ذلك الوقت، وبسبب الانقسامات السياسية والمذهبية التي تقدَّم ذكرها. ومن ناحيةٍ أخرى إن تحقُّق العدوان، المعترف به الآن كشرطٍ للدفاع الشرعيّ في القانون الدولي، قد قبله الفقهاء المعاصرون للحروب الصليبية كدفاعٍ شرعيّ فرديّ، وليس جهاداً دفاعيّاً لطَرْد العدوّ من البلاد([72])، مع أن جهاد المسلمين ضدّ الصليبيين حصل بعد تحقيق غَزْوهم للقُدْس. وحتّى لو كنا لا نعتقد بالجهاد الدفاعي للمسلمين ضدّ الصليبيين يجب أن نقبل أن الجهاد الاستباقي ضدّ المسيحيين الذين دخلوا العالم الإسلامي مع العدوّ، وأصبح بإمكانهم مهاجمة المسلمين، واحتلال أجزاء من أرضهم في أيّ لحظةٍ، هو جهادٌ مشروعٌ ومعقولٌ تماماً.
وعلى سبيل المثال: أعلن المستنصرُ، الذي كان يحمل لقب خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، الجهادَ عندما أصبح مقتنعاً بأن لويس التاسع عازمٌ على القتال واحتلال تونس. وبينما كان يدعو علماء وشيوخ المغرب والأندلس من المغتربين ومشايخ الموحِّدين للتعبئة العامة، حشد الناس باقتباس آية الجهاد في أوّل رسائله التعبويّة([73]). ويدخل هذا العمل من جانبه في خانة التأكيد على الجهاد الاستباقيّ.
خاتمةٌ
لقد استهدفَتْ كنيسة القرون الوسطى، التي كانت ثَمِلَةً بتفوُّقها في عصر الإيمان، الإسلامَ في ذلك الوقت، الذي كان بلا شَكٍّ متفوِّقاً حضاريّاً وجغرافيّاً. يتضمّن تاريخ الحروب الصليبية اختلافاتٍ، يُقال: إن المؤرِّخين خلقوها لأغراضهم الخاصة. ومع ذلك، يمكن تحديد بعض القواسم المشتركة حول أسباب الحروب الصليبية من خلال الروايات المتفرِّقة. إن الأهداف الظاهرة للحروب الصليبية، المتمثِّلة في إنقاذ المسيحيين والقدس من المشركين الكفّار (المسلمين)، تشبه إلى حدٍّ بعيد أهداف الحروب المقدّسة في التوراة، وهي: 1ـ احتلال الأرض التي وعد الله بها إسرائيل؛ 2ـ تطهير أرض الميعاد من المشركين([74]).
لقد اعتبر بعض المؤرِّخين ـ بفَخْرٍ، وبغضّ النظر عن عدم إمكان تبرير الحروب المقدّسة في مجال العدالة والأخلاق ـ أن الحروب الصليبية مقدّسةٌ، وحاولوا إعطاء تبريرٍ مناسب لها بالقتال دفاعاً عن الإيمان، وهي «محاولةٌ مذهلةٌ لتعميد الحرب»([75]). وفي المقابل، وضع فقهاءٌ ورجالُ دينٍ مسيحيّون ـ بشقّ الأنفس، ومن خلال التفسير والتأويل، ومتجاهلين الميول اللامحدودة للكنيسة في تكديس الذهب، والتوسُّع ـ الحروبَ الصليبية للكنيسة تحت غطاء الحرب العادلة، .في حين أن التاريخ يشهد أن هذه الحروب لم تكن عادلةً بحالٍ من الأحوال، لا من جهة السبب والنيّة (الحقّ في الحرب)، ولا من جهة السلوكيات الحربيّة للصليبيين (الحقوق في الحرب). إن الادعاء بأن المسلمين اضطهدوا مسيحيّي القدس قد تمّ دَحْضُه ليس فقط من قِبَل المؤرِّخين المسلمين، وإنما من خلال شهادات الرواة المسيحيين أيضاً. لذلك، فإن أساس الشرعية التي أُثيرت في تعاليم أوغسطينوس والأكويني؛ لإنقاذ إخوة الإيمان من اضطهاد الكفّار، مرفوضةٌ. وهذا بالطبع سببٌ عادل في حدّ ذاته، فقد كان من أسباب جهاد المسلمين ضدّ الصليبيين مساعدة إخوانهم المظلومين. لكنّ سبب رفض هذه الروايات حول شرعية الحروب الصليبية هو أنها لم يكن لها حقيقةٌ موضوعية. هجوم الصليبيين على اليهود والمسيحيين من طوائف أخرى هو بحدّ ذاته عاملُ تأكيدٍ آخر لدَحْض هذا الادّعاء. ومع افتراض أن المسلمين كانوا قساةً على الحجّاج المسيحيين، فما علاقة الصليبيين بالأديان والطوائف الأخرى؟! هل حجّة البابا أوربان الثاني للانتقام من قَتَلة ربِّهم المسيح تنسجم مع إطار السبب العادل؟!([76]).
ومن جهةٍ أخرى يتساءل المرء: في أيّ قاموسٍ للحرب العادلة نجد القتل الوَحْشيّ للمدنيين وأسرى الحرب أثناء احتلال المدن الإسلامية؟! بالنظر إلى الدوافع المادّية وراء الحروب الصليبية المستمرّة يبدو أن الاعتقاد بـ «الحروب الصليبية المقدّسة» ـ على الرغم من كلّ إدانتها ـ ليس له أيّ تبريرٍ. وبعبارةٍ أخرى: ليس من الصحيح إطلاق مصطلح الحرب المقدّسة على حربٍ ذات دوافع روحيّة في سبيل الله، بدون اعتبارٍ لأخلاقيّات الحرب في ما يتعلَّق بالحروب الصليبيّة، التي كانت مليئةً بالدوافع المادّية. كانت الحروب الصليبية ـ في الواقع ـ مزيجاً من حربَيْن مسموحٍ بهما في المسيحيّة (الحرب المقدّسة؛ والحرب العادلة)، ولكنْ بصيغةٍ خاصّة: حربٍ مقدّسة بدون قُدْسيّة؛ وحربٍ عادلة بدون عدالة. ونتيجة هذا التركيب لن يكون سوى الحرب العدوانية.
ومن ناحية تبرير الفقهاء المسلمين المعاصرين للحروب الصليبيّة لجهاد المسلمين ضدّ الصليبيين المعتدين فإنهم بدايةً أعطَوْها صفةً دفاعية: الدفاع ضدّ عدوان الصليبيين حتّى طردهم من الأراضي الإسلامية، وهو هَدَفٌ وسببٌ مشروع للجوء إلى الحرب، ولا يتطلَّب الأمر إذناً من مرجعيّةٍ صالحة. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن طلب المساعدة من قِبَل المظلومين وإخوة الدين هو سببٌ مشروع آخر لإصدار أوامر الحرب من قِبَل فقهاء ذلك الزمان، كما أنها من الشروط الأساسية للحرب الشرعية في الإسلام.
والطبيعة الأخرى التي يمكن أن تنسب إلى جهاد المسلمين ضدّ النصارى من وجهة نظر فقهاء ذلك العصر هي الجهاد الاستباقي أو الدفاعي، والذي على أساسه إذا تأكَّد المسلمون من تعرُّضهم لهجوم العدوّ في المستقبل القريب لجأوا إلى الجهاد المشروع. ومن شروط ومقتضيات الحروب الصليبية ونَمَط الصليبيين في التقدُّم بأهدافهم الحربية ـ وخاصّة بعد الاحتلال الوَحْشي للقدس ـ اشتمالها على اعتداءٍ وشيكٍ على الأراضي الإسلامية، ومن دون قيودٍ جغرافية، وهو بحدّ ذاته يوفِّر أساس شرعية الجهاد الاستباقي ضدّهم.
من وجهة نظر الحقوق في الحرب، ورغم أن أصالة عقيدة الحرب العادلة في الإسلام لا تخفى على أحدٍ، تحكي رواية المؤرِّخين الغربيين والمسلمين عن مراعاة أخلاقيات الحرب والعدالة أثناء الجهاد واستعادة المسلمين لمدن البلاد الإسلامية. وقد أدَّتْ مصداقية هذه التعاليم إلى الاعتقاد بأن رجال الدين المسيحيّين قد أخذوا في الاعتبار مبادئ حقوق الإنسان الإسلاميّة في تعاليمهم حول الحرب العادلة.
الهوامش
(*) كاتبةٌ وباحثةٌ وأستاذةٌ جامعيّة، حائزةٌ على شهادة الدكتوراه في القانون الدوليّ، جامعة طهران.
([1]) طبعاً التوراة تذكر أيضاً السلام والهدوء. لكنّ السلام والعدالة المذكورين في التوراة، في شكل مقاربة انتقائية، وليس عالمية، مخصَّصة فقط لشعب إسرائيل، وبسبب علاقتهم الخاصة مع الله. انظر:
Firestone, Reuven, Conceptions of Holy War in Biblical and Quranic Tradition, Journal of Religious Ethics, Vol. 24, No. 1 (spring, 1996), p.105-106.
([2]) نشيد موسى: هذَا إلهِي فَأمَجِّدُهُ… الربّ رَجُلُ الْحَرْبِ. الربّ اسْمُهُ. (الخروج 15: 2 ـ 3). مَنْ هُوَ هذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ الربّ الْقَدِيرُ الْجَبارُ، الربّ الْجَبّارُ فِي الْقِتَالِ. (مزمور 24: 8).
([3]) في كلّ مكانٍ في التوراة ـ أينما كان الحديث عن الحرب ـ هناك حديث عن ذبح كلّ سكان المدن، وإشعال النار فيها. على سبيل المثال انظر: (العدد 8 ـ 11: 13)؛ (يوشع 41 ـ 43: 10).
([4]) يضعك الله أنت وأولادك على العرش؛ لأنك تقاتل من أجله ولن يحدث لك شيء سيئ طوال حياتك. (صموئيل الأول 28: 25). ومن الجدير بالذكر أنه في العهد القديم ورد ذكر كتاب حروب الله المفقود (العدد 14: 21)، والذي يبدو أنه تأكيد للحروب المقدسة التي شنها بنو إسرائيل.
([5]) مرتضى مطهَّري، الجهاد وشرعيته في القرآن: 23.
([6]) رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 13؛ رسالة بولس إلى أهل رومية 33: 15.
([7]) ورد في العهد القديم ذكر الانتقام والمقاومة ضد الحملات والهجوم في مناسبات عديدة، مثل: الآية التي تقول: «كسَْرٌ بِكسَْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِن بِسِن. كما أحْدَثَ عَيْباً فِي الإنْسَانِ كذَلِكَ يُحْدَثُ فِيهِ». (اللاويين، الإصحاح 26، الآية 20). انظر أيضاً عبارات مماثلة في (سفر الخروج 24 ـ 25: 21) و(سفر التثنية 21: 19)؛ من ناحية أخرى، في العهد الجديد، تمت دعوة الإنسان لعدم المقاومة والانحناء أمام المصائب؛ وعلى سبيل المثال يمكن أن نشير إلى العبارة الشهيرة في الكتاب المقدّس: «سَمِعْتُمْانهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِن بِسِن. وَأما أنَا فَأقُولُ لكَمُْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشر، بَلْ مَنْ لطََمَكَ عَلىَ خَدكَ الأيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أيْضاً». (إنجيل متّى 38 ـ 48: 5)، بمعنى آخر: يجب على المسيحي أن لا يرد على الشر بالشرّ، والعنف بالعنف، وفي نفس الوقت يجب أن يتغلَّب على الشر بالمحبّة والصلاح، ويواجه العنف بقوة الحبّ. (رسالة بولس إلى رومية 17 ـ 21: 12).
([9]) محمد المختار الشنقيطي، من الجهاد المقدّس إلى السلام المقدّس (ترجمة: جلال إمام)، مجلة المعرفة، العدد 120: 114، 1386.
([10]) يجادل البعض بأن نهج الأمم المتحدة تجاه الحرب ـ ولا سيَّما حذف كلمة «الحرب» في ميثاقها ـ مستوحىً جزئياً من روح السلام ومناهضة القمع في الظهور المبكِّر للمسيحية في أوروبا:
Keith J. Gomes, «An Intellectual Genealogy of Just War: A Survey of Christian Political Thought on the Justification of warfare, Small Wars Journal, p.1; available at:
www.smallwarjournal.com
([11]) Fredrick H. Russell, The Just War in the Middle Ages, Cambridge University Press (1975), p. 2.
([12]) مرتضى مطهّري، الجهاد وشرعيته في القرآن: 23.
([13]) محمد حميد الله، السلوك الدولي للدولة الإسلامية: 189، ترجمة وتحقيق: مصطفى محقق داماد.
([14]) داود فيرحي، مفهوم الحرب والأخلاق العسكرية في الإسلام الشيعي، مجلة السياسة، العدد 1: 133.
([15]) ومن علماء السنّة في هذا المجال يمكن الإشارة إلى الإصلاحيين، مثل: الشيخ محمد عبده (664هـ ـ 1299م) والشيخ محمود شلتوت (1383هـ ـ 1963م)، ورشيد رضا (1354هـ ـ 1935م). وتجدر الإشارة إلى أنه وفقاً للوضع الدوليّ فإنهم يقولون بالسلام كأصلٍ. مجتبى فرهنگيان، الإسلام بين السلام والحرب: www.iranstudies.org/en
يمكن أن ينسب الجهاد الدفاعي في الإسلام إلى الشهيد مطهري والعلامة الطباطبائي والعلامة محمد تقي جعفري. مرتضى مطهّري، الجهاد وشرعيته في القرآن: 44؛ السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان 2: 66. وبخصوص أقوال العلامة محمد تقي جعفري راجع: محمد تقي الجعفري، حكمة المبادئ السياسية للإسلام: 302.
([16]) مرتضى مطهّري، الجهاد وشرعيته في القرآن: 44.
([17]) محمد حميد الله، السلوك الدولي للدولة الإسلامية: 190.
([18]) مجتبى فرهنگيان، الإسلام بين السلام والحرب: 68؛ مرتضى مطهّري، الجهاد وشرعيته في القرآن: 59 ـ 60.
([19]) محمد جواد جاويد، نظرية النسبية في حقوق المواطنة: 171.
([20]) علَّق مونتسكيو على الإسلام ـ على سبيل المثال ـ متأثِّراً بنفس الكتابات في الكتاب الشهير روح القوانين، قائلاً: «عندما تصل إلى النتائج الأخلاقية للدين المسيحي والإسلام سيخطر على بالك بدون شَكٍّ هذا الفكر، وهو أنه يجب عليك أن تقبل دين المسيح؛ لأن دين المسيح يعدِّل الأخلاق، على العكس من دين الإسلام الذي يشدِّد الأخلاق… ودين الإسلام، الذي فُرض على الناس بقوّة السيف؛ لأن أصله يقوم على الإكراه، تسبَّب في الشدة والصعوبة، وجعل أخلاق الناس ونفسيّاتهم حادة». مونتسكيو، روح القوانين: 670 ـ 671، ترجمة علي أكبر مهتدي.
([21]) رينيه گروس، تاريخ الحروب الصليبية: 26 ـ 27، ترجمة: ولي الله شادان.
([22]) فايد حماد محمد عاشور، جهاد المسلمين في الحروب الصليبية: 102، ترجمة: عباس عرب.
([24]) وليم مونتغمري واط، صراع الآراء الإسلامية والمسيحية: 73 ـ 74، ترجمة: محمد حسين آريا؛ عزت الله نوذري، أوروبا في العصور الوسطى: 161.
([25]) فايد حامد محمد عاشور، جهاد المسلمين في الحروب الصليبية: 104 ـ 105.
([26]) ويل. ديورانت، قصة الحضارة 4: 783 ـ 786، ترجمة: أبو القاسم طاهري.
)[27]( Paul E. Chevedden, «The Islamic View and the Christian View of the Crusades: A New Synthesis», Journal of the History: Historical Association, V.93, p. 187.
([28]) تشير العديد من المقاطع في سفر التثنية إلى أن عبادة الأصنام في الأرض المقدسة أسوأ من قتل ـ حتّى المذابح الجماعيّة ـ المشركين. (1 ـ 4: 7)، (29: 12)، (19: 13)، (1 ـ 7: 17).
([29]) غوستاف فان غرونبوم، الإسلام في العصور الوسطى: 42 ـ 43، ترجمة: غلام رضا سميعي.
([30]) ناصري طاهري، دَوْر الشيعة الفاطميين في الحروب الصليبية: 40.
([31]) Dana C. Munro, «The Popes and the Crusades», Proceedings of the American Philosophical Society, Vol. 55, No. 5 (1916), p. 352.
([32]) ستيفن رنسيمان، تاريخ الحروب الصليبية: 116، ترجمة: زهرة مهشاد محيط الطباطبائي.
([33]) كان آمبروز الحاكم الروماني لشمال إيطاليا، وكان في الأساس يتولى منصباً عسكرياً، قبل أن يصبح أسقفاً لميلانو، وقد أطلق على الإمبراطورية الرومانية سجناء السلام النسبي (Paxromana). كان يعلم ويؤمن أن الله قد ألهم القبائل الجرمانية التي كانت تهاجم الإمبراطورية الرومانية خلال الهجمات المستمرّة لمعاقبة الكفر والإلحاد الروماني:
Paul Christopher, The Ethics of War and Peace, 2nd ed. (Upper Saddle River, NJ: Prentice – Hall, 1999), p. 23.
([34]) Augustine, «Letter 229,» in The Political Writings of St. Augustine, ed. Henry Paolucci (Chicago: Regnery Gateway, 1962), p. 183.
([35]) Fredrick H. Russell, The Just War in the Middle Ages, Cambridge University Press(1975), p. 16.
([36]) Augustine, «Reply to Faustus,» bk. 22, par. 76, 368. in: A Select Library of the Nicene and Post-Nicene Fathers of the Christian Church, ed. Philip Schaff (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1979), bk. 22, par. 76 , 368.
([37]) في ما يتعلَّق بالانتقادات الموجهة لاستراتيجية أوغسطين المعقّدة لبناء حرب عادلة والتوافق مع تعاليم المسيح انظر:
Cahill, Lisa Swole, Love Your Enemies: discipleship, pacifism and just war theory, Fortress Press, 1994.
([38]) Augustine, «Reply to Faustus the Manichean», vol. 4, bk. 22, par. 75. in: A Select Library of the Nicene and Post-Nicene Fathers of the Christian Church, ed. Philip Schaff (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1979).
([39]) Fredrick H. Russell, The Just War in the Middle Ages, Cambridge University Press (1975), p. 19 – 26.
([40]) Stevenson, William R., Christian love and just war: moral paradox and political life in St. Augustine and his modern interpreters, Mercer University Press, 1987.Turner Johnson, James, «Aquinas and Lutter on War and Peace», 31 Journal of Religious Ethics, 2003, p. 43.
([41]) توماس مادن، نگاهی نو وفشرده به جنگ هاي صليبي: 28، ترجمة: عبدالله ناصري طاهري وأکرم کرمي، طهران، انتشارات علم، 1389.
([42]) Lowe, Ben, Imagining peace: a history of early English pacifist ideas, Penn State Press, 1997, p. 29
([43]) كان راهباً دومينيكانياً في إيطاليا، ومحاضراً مؤثراً في جامعة باريس، والتي كانت تُعتَبَر أعظم حامٍ للتقاليد الإلهية في العصور الوسطى.
([45]) authority of the sovereign
([47]) Saint Thomas Aquinas, Summa Theological, Question 40, p. 1814. All five volumes of this Book is available at: http:// www.ccel.org/ccel/Aquinas/summa.html
([48]) Cahill, Lisa Swole, Love Your Enemies: discipleship, pacifism and just war theory, Fortress Press,1994, p. 124
([49]) Cessario, Romanus, «St. Thomas Aquinas on Satisfaction, Indulgences, and Crusades», medieval Philosophy and Theology, Vol. 2 (1992), p. 74 – 96
([50]) Bell, Daniel M. Jr., Scott A. (FRW) Sterling, Just War as Christian Discipleship: Recentering the Tradition in the Church Rather Than the State, Brazos Press, 2009, p. 134
([51]) Lowe, Ben, Imagining peace: a history of early English pacifist ideas, Penn State Press, 1997, p. 29
([52]) انظر: نرجس يزدي ومعصومة أمير لو، وثائق تاريخية مكرّسة لقداسة البابا: 235 ـ 240.
([53]) للاطلاع على واقع اليهود في العصور الوسطى انظر: موسوعة طهور:
http://www.tahoordanesh.com/page.php.
([54]) أمين معلوف، الحروب الصليبية في أعين الشرقيين: 5، ترجمة: عبد الرضا هوشنگ مهدوي.
([55]) فايد حماد محمد عاشور، جهاد المسلمين في الحروب الصليبية: 103
([56]) يقول رجل الدين المسيحي ريمون: «لقد أفرط قومنا في إراقة الدماء في معبد سليمان». المفصل في تاريخ القدس: 157.
([57]) ستيفن رنسيمان، تاريخ الحروب الصليبية: 116.
([58]) المصدر السابق: 276 ـ 280.
([59]) داود فيرحي، مفهوم الحرب والأخلاق العسكرية في الإسلام الشيعي، مجلّة السياسة، العدد 1: 134.
([60]) ناصري طاهري، دَوْر الاسماعيليين في الحروب الصليبية: 144.
([61]) http://www.encyclopaediaislamica.com/madkhal2.php?sid=5250
([62]) عبد الله ناصري طاهري، الإسماعيليون وخصومهم: 36.
([63]) يعقوب علي برجي، «نطاق ومجال الدفاع المشروع من منظور المذاهب الفقهية الإسلامية»، مجلة طلوع، العدد 16: 50.
([65]) (جهادية) في الموسوعة الإسلامية الكبرى: www.cgie.org.ir
([66]) محمد حسن خاني، «دراسة مقارنة لمبادئ الحقوق الإنسانية في الإسلام والمسيحية»، مجلة العلوم السياسية، العدد 4: 110.
([67]) أمين معلوف، الحروب الصليبية في أعين الشرقيين: 5.
([69]) ناصري طاهري، دَوْر الإسماعيليين في الحروب الصليبية: 114.
([70]) فايد حماد محمد عاشور، جهاد المسلمين في الحروب الصليبية: 164.
([71]) يمكن الإشارة من بين الفقهاء السنّة إلى ابن تيميّة (المعاصر للحروب الصليبية الأخيرة)، فقد ذهب إلى القاهرة إبان الغَزْو المغولي؛ لإعلان ضرورة الجهاد، وقال للسلطان الناصر محمد: «لو أنك لستَ حاكماً وملكاً على الشام، ولكن أهل الشام طلبوا منك المساعدة، وجب عليك مساعدتهم. والآن بعد أن أصبَحْتَ الولي عليهم فالوضع واضح». الصيرفي، خبر مَنْ غبر 5: 409، نقلاً عن: فايد حماد محمد عاشور، جهاد المسلمين في الحروب الصليبية: 30؛ ومن وجهة نظر معاصرة، وعند مفكِّري الشيعة، نذكر الشهيد مطهّري. انظر: مرتضى مطهّري، الجهاد وشرعيته في القرآن: 29.
([72]) انظر: المحقق الحلّي، شرائع الإسلام 4: 967؛ وأيضاً: فخر المحقِّقين، إيضاح الفوائد في شرح القواعد 4: 547.
([73]) محمد رضا باك، «الحملة الصليبية الثامنة»، مجلة تاريخ الإسلام، العدد 16: 45.
([74]) Firestone, Reuven, Conceptions of Holy War in Biblical and Quranic Tradition, Journal of Religious Ethics, Vol. 24, No. 1 (spring, 1996), p. 105.
([75]) Constable, Giles, «The Historiography of the Crusades», in: Laiou, Angeliki E. and Roy Parviz Mottahedeh, The Crusades from the Perspective of Byzantium and the Muslim World, p. 14.