تناول بعض أهل الفقه في بحوثهم المتعلقة بشروط المفتي و المقلد – بفتح اللام – بعض فروع هذه المسألة ، بالأخذ و الرد و النقض و الحل و الابرام ، كما هي عادتهم في مقام البحث الفكري النظري .
و هذه سوانح على هامش الحديث الدائر في بعض الأروقة هذه الأيام .
و أنوه أن شأنها مغاير و مختلف عما يطرحه البحث الفقهي .
يجدر بمن يتابع هذا المشهد أن يستذكر ما يطرحه و يبني عليه ، بعض ” النخبويين ” في سجالاتهم عن الفكر الاسلامي و الاجتهاد الاسلامي ، في حقول الفقه و التفسير و التاريخ و السيرة و الكلام و غيرها ؛ من احتمال أن يكون متأثرا بقبليات أصحابه و مسبقاتهم و موجهات التربية و التعليم و التنشئة و البيئة و الجغرافيا و التاريخ و الزمكان عندهم.
فهل يمكن استدعاء ذلك في سياق فرضية إمكانية أخذ الحكم الشرعي و التفسير الديني من غير المسلم بشرط تحليه بالأمانة و الالتزام بالموازين الشرعية ؟
من نافل القول ؛ إن تجريد الانسان من خلفياته و قبلياته و مسبقاته و ترسباته البيئية الاجتماعية و الثقافية أمر صعب المنال .
فليس الانسان آلة يمكن تعبئتها أو تفريغها في اي وقت و حسب مشيئة مشغلها !
من جهة أخرى يندر ان نجد على أرض الواقع ملحدا او منتميا لدين آخر أو ” مؤلها للعلم الطبيعي ” مقيما على ذلك ، استوعب الرؤية الكونية القرآنية التي في ضوئها يمكنه فهم القرآن الكريم و أجوائه و سياقاته و روحانياته ، و يفهم أدبياته الغيبية عن عالم الاخرة و أهوالها و عن الملائكة و العرش و حملة العرش و عالم الجن و وجود المؤمن و القاسط فيهم و آيات أنبياء الله و رسله الخارقة ، و بالتالي يستوعب فلسفته العبادية و الاجتماعية و الجزائية و أحكامه التشريعية في هذه المجالات ، و يدرك عموم نظرات الكتاب الكريم تجاه الله تعالى و الانسان و الطبيعة .
لقد قرر بعض مفكري الاجتماع استحالة أو شبه استحالة تحقق الموضوعية و التجرد في العلوم الانسانية .
و قد شهد العالم ، و لا يزال يشهد ، محاولات جر “العلم التجريبي ” الى ما هو خارج عن حقله ، و يشهد محاولات تسييسه و تجييره لصالح الإلحاد و اللاأدرية و اتجاهات التشكيك .
يبدو لي من هذه الجهة ؛ إن هذه الفكرة غارقة في الافتراض و المثالية ، و لا نكاد نجد لها واقعا .
غير اننا – على الصعيد الآخر – لا ندعو الى مصادرة حق أهل الفكر و الفقه في فرض الفروض و تقديم الاجوبة لها ، و إن نود أن نسترعي نظرهم ليقتربوا من الواقع و لا يبتعدوا عنه .
و لا يفوتنا التنويه الى أن طرح الافتراضات ، أمر ممتد منذ التاريخ السالف ، فيما كان يعرف ب ” فقه الأرأيتيين ” و هو موجود حتى اليوم في بعض ما يدرج في “فقه المستحدثات “.
و أيا ما كان ؛ فإن في ساحة الإمكان سعة ، و باب “فرض المحال ” أوسع !
و كل ما نرجوه ، أن لا يخرج السجال عن قواعد الجدال بالتي هي أحسن و ضوابط العدل حتى مع الشنآن ، و من باب أولى عند انتفائه ، و هي إرشادات القرآن الكريم .
مشتاق بن موسى اللواتي
٣ يونيو ٢٠٢٤م