تاريخ المأتم الحسيني
من الشهادة وحتى العصر القاجاري
محمد صالح الجويني
د. محمد صالح الجويني(*)
ترجمة: فرقد الجزائري
تمهيد
تعدّ المآتم الحسينية اليوم من أعظم الشعائر الدينية في العالم، وقد أصبحت موضع اهتمام العلماء والمفكّرين، وأثارت تساؤلات عديدة لديهم حول حقيقتها، ومنشئها، وتاريخها، وضرورتها، والهدف من ورائها، والآثار التي تترتّب عليها. وفي هذا المقال، نسعى لتقديم مراجعة مختصرة حول المنشأ التاريخي للمآتم الحسينية.
ويمكننا مطالعة تاريخ المأتم الحسيني في مقاطع زمنية مختلفة:
1ـ منذ استشهاد الإمام الحسين(ع)، وحتى مقتل قاتليه.
2ـ تأسيس الأئمة للمأتم الحسيني بوصفه شعيرةً دينية وذلك عبر توفير الأرضية المناسبة لسنّ المأتم من قبل الإمام زين العابدين(ع)، وبناء أركان المأتم في عهد الإمامين الباقر والصادق، واتساع دائرة المآتم في عهد الإمامين الكاظم والرضا.
3ـ منذ تأسيس المأتم، حتى أخذه طابع شعيرة دينية رسمية.
4ـ أخذ المأتم طابعاً رسمياً بظهور حكومات شيعية قوية في القرنين الرابع والخامس.
5ـ فقدان الحكومات الشيعية القوية من القرن السادس وحتى العاشر.
6ـ حكم الصفوية في القرنين العاشر والحادي عشر.
7ـ منذ الصفوية وحتى اليوم.
ونراجع في هذا المقال تاريخ المأتم الحسيني حتى نهاية الحكم الصفوي، لكن وقبل مراجعة هذه المراحل، نذكّر بأنّ لواقعة استشهاد الإمام الحسين(ع) في سبيل الإسلام من الأثر والأهمية ما أبكى أولياء الله ورسله قبل وقوعها، وقد وردت روايات تتحدّث عن بكاء إبراهيم الخليل([1])، وعيسى وحوارييه([2])، ومحمد المصطفى(ص)([3])، وعلي المرتضى(ع)([4])، وفاطمة الزهراء([5]) على الإمام الحسين(ع). لكن بما أنّنا نتناول المسار الطبيعي لإقامة المأتم الحسيني بوصفه ظاهرة تاريخية واجتماعية في مراجعتنا التاريخية هذه، نتطرّق إلى ما قام به أصحاب المآتم بعد استشهاد الإمام الحسين(ع) فقط.
المرحلة الأولى: المأتم من الاستشهاد وحتى مقتل القاتلين
بناءً على التقاليد المتبعة في المجتمعات البشرية، تقيم عائلة القتيل المأتم عليه، ولم يكن أهل بيت الإمام الحسين(ع) استثناءً في ذلك، بل اتسعت دائرة مأتم الإمام الحسين لما له من صلة بالنبي’ ومكانة اجتماعية، حتى أقام له الناس – وخاصّة الصحابة والتابعون – المآتم، وسمّي عام استشهاده «عام الحزن»([6]).
مثّلت هذه المآتم التي استمرت حتى مقتل قاتليه([7])، مآتم أهل بيته بصورة خاصة، ولم تأخذ طابع السنّة أو الشعيرة، لكن المهم في بحثنا هو الجهود التي بذلها الأئمة لجعل هذه المآتم شعائر دينية لكافة الناس، وهذا ما نتناوله في المقاطع التالية.
المآتم المقامة في المرحلة الأولى:
1ـ مأتم أهل بيت الحسين(ع) في ساحة القتال عند غروب العاشر من محرم، بعدما وجدوا الإمام وأصحابه مضرّجين بدمائهم([8]).
2ـ بكاء أهل الكوفة عند رؤيتهم أهل بيت الإمام(ع) أسرى، وحين سماع خطبهم([9]).
3ـ إقامة المأتم في الشام، عند وصول الأسرى من أهل بيت الإمام إلى مجلس يزيد وفي بيته([10]).
4ـ إقامة المأتم عند قبر الإمام حين عودة أهل بيته من الشام إلى المدينة مارّين بكربلاء([11]).
5ـ إقامة المأتم في المدينة حين سماع أهلها بكاء أم سلمة([12]) على الحسين(ع)، والتي نُبأت بمقتله في المنام([13]).
6ـ المآتم التي أقامتها أم سلمة([14]) وأهل المدينة بعد إعلان الحكومة نبأ استشهاد الإمام([15]).
7ـ المآتم التي أقامها بنو هاشم([16])، كالتي أقامها ابن عباس ومحمد بن الحنفية([17]) وبنات عقيل([18]) ونساء بني هاشم([19]).
8ـ المآتم التي أقامها أهل المدينة عند عودة أهل بيت الإمام إليها([20]).
9ـ المآتم التي أقامتها نساء الإمام([21]).
10ـ المأتم الذي أقامته أمّ البنين، زوجة أمير المؤمنين(ع)، لأبنائها الشهداء في البقيع([22]).
11ـ بكاء آل عبد المطلب ونواحهم يومياً في العام الذي استشهد فيه الإمام([23])، وفي ذكرى استشهاده لثلاثة أعوام([24])، ومشاركة بعض الصحابة والتابعين في تلك المجالس([25]).
12ـ حداد أهل البيت حتى ورود نبأ موت ابن زياد([26]).
13ـ ارتداء أهل البيت زيّ الحداد([27]).
14ـ بكاء بعض الصحابة والتابعين، الحسينَ، وحزنهم عليه([28]).
15ـ بكاء التوّابين ونواحهم على قبر الحسين في طريقهم إلى قتال أهل الشام([29]).
المرحلة الثانية: سنّ المآتم شعيرةً دينية ( … – ق 3 هـ )
أ – الإعداد لسنّ شعيرة المأتم الحسيني
تقع المرحلة الثانية نفسها في ثلاث مراحل، أوّلها سنّ الشعيرة، فقد سكن الإمام السجاد(ع) المدينة بعد استشهاد الإمام الحسين، وانتهز جميع الفرص لإحياء ذكرى واقعة كربلاء، فكان يبكي كلّما أراد شرب الماء([30])، وكان بكاؤه على مرأى الناس ومسمعهم، حتى طلبوا منه الكفّ عن البكاء خوفاً على صحّته، لكنّه رأى من الصواب والمنطق – بل من الضرورة – البكاء على شهداء كربلاء؛ لعمق المصاب ولما لهم من شأن، واستمرّ في ذلك طيلة حياته، وحتى سنين بعد مقتل ابن زياد وسائر قتلة الحسين([31])، كما كان يدعو الآخرين لبكاء الحسين، وعدّ ذلك سبيلاً لدخول الجنّة ونيل الأمان من الله سبحانه([32]).
وبما أنّ الإمام السجاد استمرّ على هذا النهج إلى آخر حياته، وكان قد حظي في عقده الأخير (استشهد الإمام السجاد عام 94هـ) بمكانة اجتماعية مرموقة، وأصبح محطاً للأنظار، يمكننا اعتبار هذه السنين من حياته الشريفة سنين الإعداد لسنّ شعيرة المأتم الحسيني([33]).
ب – عهد الإمامين الباقر والصادق، تشييد أركان المأتم الحسيني
1 – أيّام الإمام الباقر(ع)
حين بدأت إمامة الإمام الباقر(ع)، كان قد مرّ على واقعة كربلاء ثلاثة عقود، وظهر فى الساحة جيلٌ جديد لم يذكر شيئاً عن واقعة كربلاء. كما حدثت ثورات ووقائع أخرى في هذه العقود، كثورة التوابين، وثورة الزبير، وثورة المختار، وثورة أهل المدينة، وواقعة الحرّة التي باءت جميعها بالفشل، ولم يتوان بنو أمية عن أيّ فعل شنيع في قمعها، حتى هتكت حرمة المسجد الحرام والمسجد النبوي، إلا أنّ تلك الحوادث المؤلمة ومقتل قتلة الحسين على يد المختار، لم تؤدّ إلى أن يترك الإمام الباقر واقعة كربلاء يطويها النسيان، بل كأبيه، انتهز كلّ فرصة لإحياء ذكرى سيد الشهداء(ع) وواقعة كربلاء وما حلّ من مصيبة بالحسين، ويعني ذلك أنّه سعى لسنّ المأتم الحسيني شعيرةً دينية.
كان الناس قد تعرّفوا على آل علي(ع) في أيام الإمام الباقر(ع)، حيث أصبح ذا شأن ومكانة اجتماعية ومرجعية علمية لطلبة العلوم الدينية، واتسعت دائرة نفوذه وتأثيره مقارنةً بأبيه(ع)؛ لذا نراه يبذل جهداً أكبر في تدعيم شعيرة المأتم الحسيني لدى الشيعة؛ فكان يقيم المأتم في بيته([34])، وينقل عن شاهد الواقعة الإمام السجاد(ع) ما لبكاء الحسين من فضلٍ وأجر([35])، ويحثّ الشيعة لإقامة المآتم في بيوتهم، وقد لزم جانب الاحتياط في كلّ ذلك، كي لا يصطدم بالسلطة([36]).
ولم يكن من الممكن فعل أكثر من ذلك أيام الحكم الأموي، بسبب مضايقتهم للشيعة والعلويين، فطلب الإمام من الشيعة إقامة المأتم بقدر ما تسمح به ظروفهم، وقد سنّ قيام المآتم الحسينية في البيوت – ما كان باستطاعة الشيعة أكثر من ذلك – وتبيّنت آداب التعزية في هذه المجالس([37])، كما تفيد رواية مالك الجهني، وحثّ الشعراء على رثاء الحسين([38]) كما هي رواية الكميت، وطلب – ولأول مرة – إعلان يوم عاشوراء عطلةً رسمية كيوم عزاء عام([39])، والأهم من ذلك كلّه، تنبيه الشيعة على أنّ المأتم الحسيني يعينهم على دينهم في دنياهم، ويوفقهم لمجاورة النبي’ في أخراهم([40]).
2 – أيّام الإمام الصادق(ع)
بدأت إمامة الإمام الصادق(ع) بعد نصف قرن من واقعة كربلاء، وقد ازداد الشيعة وعلماؤهم عدداً، فازداد اتصال الناس بالإمام. من ناحية أخرى، كان بنو أمية في أيام ضعفهم، حتى سقطوا، وتولّى العباسيون الحكم؛ لذلك حصل الإمام والشيعة على متّسع من الحرية، وتمكّن الإمام من تبيين أسس المأتم الحسيني وإطاره العام. وما وصلنا من كلام الصادق وأفعاله في هذا النطاق، يرسم هيكلية المأتم الحسيني، وهو المعيار المعتمد لإقامة هذه الشعيرة، إلى جانب ما قام به الإمامان: الكاظم والرضا من جهود في هذا المضمار.
وتشكّل الموارد التالية أهمّ ما أوصى به الإمام الصادق، لإحياء ذكرى الإمام الحسين: البكاء على الحسين، وحث الآخرين على البكاء عليه([41])، وإقامة المآتم في أوقات مختلفة، وكلّما كانت الظروف ملائمة([42])، واستذكار المصائب التي مرّت بالحسين، كما يفيد حديث مسمع كردين([43])، واستذكار مصاب الحسين عند شرب الماء([44])، وحث الشعراء على رثاء الحسين([45])، ودعوة النعاة إلى رثاء الحسين في البيوت([46])، وحث النعاة على الرثاء بصوت حزين، بحيث يثير شجون السامعين([47])، وحث العائلة على المشاركة في المأتم([48])، والبكاء والنواح على قبر الإمام، وتحسين عمل من يقوم بذلك، والدعاء له([49]).
وقد أبدى الإمام الصادق(ع) اهتماماً بالغاً بإقامة المأتم يوم عاشوراء، وقد ورد عنه في هذا الخصوص الحث على زيارة قبر الحسين يوم عاشوراء([50])، والتذكير بعظمة المصاب في يوم عاشوراء، وما لهذا اليوم من أهمية، وضرورة إحياء ذكراه([51])، والامتناع عن الملذات فيه، والإمساك فيه عن الطعام والشراب حتى الغروب([52])، وارتداء زيّ الحداد([53])، وتصوير وإحياء واقعة كربلاء في الذاكرة([54])، وإقامة المأتم في هذا اليوم، وإن كان الشخص بمفرده([55]).
ج – مرحلة إكمال العمل على المأتم وتوسيعه في أيام الإمامين الكاظم والرضا
في هذه المرحلة كان الشيعة قد عرفوا ضرورة إحياء ذكرى سيّد الشهداء، واستذكار مصيبته في كل زمان، وإقامة المأتم له، خاصة في يوم عاشوراء. وكانت الأرضية مهيأةً لاستكمال هذه الشعيرة واتساعها.
1 – أيّام الإمام الكاظم(ع)
حثّ الإمام الكاظم كأبيه، النعاة والشعراء على رثاء الحسين([56])، وسنّ المأتم في العشرة الأولى من المحرم، بالرثاء والتزام الحداد فيها([57])، كما علّم الشيعة آداب المأتم في يوم عاشوراء، أي أنّ عليهم الإعداد لهذا اليوم، والتحضير له قبل تسعة أيام، ليأتي المأتم في يوم عاشوراء بالشكل المطلوب.
وعلى الرغم من ذلك، لم يصلنا الكثير من الروايات بهذا الشأن، لعودة أيام الضيق والشدّة على الإمام والشيعة، حيث سجن فيها الإمام، لكنّ الظروف كانت مختلفةً عمّا سبق، فقد ظهر أعلام من الشيعة، لهم نفوذ في مناطق مختلفة، وأدّوا دوراً هاماً في إدارة المجتمع الشيعي عبر الاتصال بوكلاء الأئمة^، وبالطبع قاموا بأمور فيما يخصّ المأتم الحسيني، لكنّ التاريخ لم يحتفظ بها لنا، بسبب التكتم والتشتّت الذي كان يعيشه الشيعة آنذاك، وأهمّ شاهد على ذلك قصائد رثاء دعبل الخزاعي للإمام الحسين، التي اشتهرت بين الناس في أيام الإمام الرضا وبعد موت هارون الرشيد، مما يدلّ على وجود أرضية مناسبة لقبول تلك المراثي، وقد تهيأت هذه الظروف بفضل جهود الأئمة السابقين والآليات المتبعة بين الشيعة.
2 – أيّام الإمام الرضا(ع)
يمكننا تصنيف جهود الإمام الرضا إلى قسمين:
أ – السعي لإرساء تعاليم الأئمة من قبله: فقد بيّن الإمامان الباقران أهمية إحياء ذكرى سيد الشهداء وتكريم الشعراء والنعاة الذين يرثون الحسين، وقد رأى الإمام الرضا(ع) ضرورة إرساء هذه التعاليم وجعلها شعيرةً ثابتة؛ ولذلك نرى اهتمامه البالغ بدعبل الخزاعي الذي رثى الإمام الحسين وأهل البيت في قصيدة طويلة، وقد بكى الإمام حين سماعه الأبيات المشيرة منها إلى واقعة كربلاء، وأثنى على دعبل وقدّم له الهدايا، تكريماً لعمله؛ وقراءة هذه القصيدة التي ترثي الحسين(ع) في مجلس عام وبحضور المأمون، الخليفة العباسي، شاهدٌ على أنّ الظروف كانت مهيأةً لنشر المأتم، بمعنى الرثاء والبكاء.
من ناحية أخرى، نجد الإمام الرضا يؤكّد – كالأئمة من قبله – على عظم المصاب الذي حلّ بالحسين يوم عاشوراء، ويحثّ الشيعة على التزام الحداد فيه([58])، وقد بيّنت الروايات زوايا أخرى من جهوده لإحياء ذكرى الإمام الحسين(ع)، منها ذكر بكاء إبراهيم(ع) على مصاب سيد الشهداء، وأنّ <الذبح العظيم> في الآية: >وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ< (الصافات: 107)، هو الحسين([59])، وبكاء الإمام الرضا حينما أهديت له تربة كربلاء([60]).
ب – السعي لنشر المأتم وتوسعته: وذلك عبر الحث على استذكار مصاب أهل البيت بشكل يبكي المرء ويبكي من حوله([61])، والحث على ذكر مصاب الحسين، والبكاء عليه حين وقوع الحوادث المؤلمة، لعظمة المصاب يوم عاشوراء، وعظمة مكانة الشهداء فيه([62]).
لقد أدّت وصايا الإمام الرضا هذه إلى اتساع ذكر مصائب الحسين إلى المآتم الخاصة، حيث يقوم الخطباء والنعاة لدى الشيعة في المآتم المقامة للأموات بذكر مصيبة الحسين.
ومن بين الخطوات التي قام بها، كان التذكير بأهمية شهر محرم، حيث أبيحت فيه حرمتان من حرمات الله: حرمة الشهر، وحرمة رسول الله(ص)([63])، وكذلك التأكيد على نهج أبيه في الحداد، من اليوم الأول من محرم وحتى اليوم العاشر، فوسّع هذا الأمر بحدّ ذاته المأتم من يوم عاشوراء إلى عشرة أيام([64])، وقد أدّت هذه الجهود إلى مضاعفة الاهتمام بشهر محرم لدى الشيعة، وأسّست لثقافة الحداد في العشرة الأولى منه، وصون حرمة الشهر في القرون اللاحقة وحتى العصر الحاضر.
اتضاح الصورة الكاملة للمأتم الحسيني مع نهاية عهد الإمامين: الكاظم والرضا
بيّن الأئمة من بعد الحسين(ع) وحتى الإمام الرضا(ع) الأمور التالية، في ما يخصّ المأتم الحسيني:
1 – البكاء على الحسين واستذكار مصائبه، وأنّ في ذلك نصرةً لدين الله([65]).
2 – ضرورة استذكار مصاب الحسين بشكل منتظم ومستمر، ولو بشكل فردي، كما في حديث مسمع كردين([66]).
3 – آداب ذكر الحسين([67]).
4 – استذكار مصاب الحسين عند شرب الماء([68]).
5 – البكاء على مصاب الحسين ولو بدمعة واحدة، وما لذلك من أهمية([69]).
6 – حث الآخرين على البكاء على الحسين، والأجر الوافر الذي يترتب على ذلك([70]).
7 – أهمية <حالة البكاء> حين استذكار مصاب الحسين([71]).
8 – ضرورة التأثر بذكر المصاب طوال اليوم([72]).
9 – الرثاء في قالب الأشعار، وجعل الآخرين يبكون([73]).
10 – إقامة مجالس ذكر الحسين ورثائه في البيوت.
11 – آداب مجالس ذكر مصاب الحسين، وتعزية الحاضرين بعضهم بعضاً.
12 – الرثاء بصوت حزين.
13 – جواز الجزع على الحسين، وما لذلك من أجر.
14 – جواز اللطم على الوجه وشق الجيوب([74])، وهما من مظاهر الجزع في المأتم الحسيني([75]).
15 – البكاء على الحسين حين نزول بلاء يستدعي البكاء([76]).
16 – زيارة قبر الحسين، ورثائه والبكاء عليه في الأوقات كافّة([77]).
كيفية إحياء يوم عاشوراء في روايات أهل البيت
وردنا عن أئمة أهل البيت (ع) ما يبيّن كيفية إحياء ذكرى عاشوراء، منها:
1 – الاهتمام بشهر محرم.
2 – استقبال يوم عاشوراء من أول يوم من محرّم بالحزن والأسى.
3 – ذروة الحزن والبكاء في يوم عاشوراء.
4 – الاهتمام البالغ بهذا اليوم، فأعظم مصاب قد وقع فيه.
5 – اعتباره يوم مصاب وحزن.
6 – الحرص على زيارة قبر الحسين في هذا اليوم.
7 – بدء هذا اليوم بالسلام على الإمام ولعن قاتليه وإهداء الصلاة له، ثمّ إقامة المأتم في البيت، والبكاء والنواح بشكل جماعي إن لم تتسنّ زيارة القبر([78]).
8 – التوقف عن العمل في هذا اليوم([79]).
9 – إقامة مجالس العزاء في البيوت والبكاء فيها.
10 – استذكار مصاب الإمام الحسين، ولو على انفراد.
11 – تخيّل الواقعة.
12 – ارتداء زيّ الحداد.
13 – الامتناع عن الملذات والأكل والشرب حتى الغروب.
المرحلة الثالثة: ما بعد التأسيس وحتى أواسط القرن الرابع
ونعني ما بعد التأسيس لهذه الشعيرة، وحتى أواسط القرن الرابع حيث أخذت طابعاً رسمياً، فقد تقلّد الإمام الجواد(ع) الإمامة عام 203هـ، حيث لم يجتز بعدُ مرحلة الطفولة، وكانت الحكومة آنذاك تستخدم آلية المراقبة الدائمة للأئمة لمنع أيّ اتصال من قبل الشيعة بهم، وقد بدأت بذلك منذ دعوة المأمون الإمام الرضا إلى مرو. من ناحية أخرى، كان كلّ من الإمام الباقر والصادق والكاظم والرضا قد بذلوا ما بوسعهم من جهود، نظراً للفرص المتاحة لهم، وعرّفوا الشيعة بما لديهم. كما اختلفت أوضاع الشيعة – من حيث العدد والعدة – عن ذي قبل، فكان بإمكانهم تخطّي المرحلة، والاستمرار في إقامة المراسم والشعائر الدينية بإرشاد من العلماء الذين تلمّذوا على الأئمة^. وفي ظروف كهذه، حيث قلّ اتصال الناس بالإمام، وكثر رجوعهم إلى العلماء، من الطبيعي أن لا ينقل إلا القليل عن الأئمة، خاصّة فيما يخصّ المأتم الحسيني، فيبدو ذلك مستحيلاً في أيام المتوكل على سبيل المثال.
لكن على الرغم من ذلك، لم يتوقف الشيعة عن إقامة المأتم الحسيني في البيوت والمجالس الخاصّة، على الأقل كما كان يفعل الإمامان: الباقر والصادق‘، وبعض الشيعة آنذاك، لكن لم يذكر المؤرّخون شيئاً من ذلك، لقيامهم بذلك في الخفاء وبعيداً عن أعين الحكومة وعمّالها.
وقد أعطى انتشار التشيّع على الصعيد المذهبي المتجلّي في الفرق الاثني عشرية، والزيدية، والإسماعيلية، وعلى صعيد حبّ أهل البيت^.. أعطى الشيعة قوّةً في المجتمع الإسلامي آنذاك، مما جعل بعضهم يعتقد أنّ الثورات الشيعية ستؤتي ثمارها؛ ولذلك قامت ثورات في مناطق مختلفة، وحتى السادة الحسنيون – من الزيدية – أقاموا حكومةً في طبرستان ونواحيها (عام 250هـ، أيام إمامة الحسن العسكري(ع))، وذلك كلّه شاهد على انتشار التشيّع وقوته، وإن لم نجد ما يدل على قيام المآتم الحسينية أيام حكم العلويين في طبرستان. لكن يستبعد عدم قيام المآتم الحسينية في هذا المقطع، خاصّة في المناطق الشيعية البعيدة عن عاصمة الخلافة، كقم، والري، واليمن، ومناطق من شمال إفريقيا.
وقد ورد أنّ الخليفة العباسي المنتصر، دعا الناس لزيارة كربلاء كما كانت تقام في الماضي، وذلك في عام 248هـ بعد موت أبيه([80])، كما أمر بإعادة بناء مزار الحسين([81])، ومنع التعرّض للشيعة بالأذى([82])، ولم يضيّق الخلفاء من بعده على زوّار الحسين كما فعل المتوكل، وإن لم تخلُ الحكومات المختلفة من مضايقات على الشيعة، كأيام حكم الحنابلة لبغداد، قبل استيلاء البويهيين على الحكم([83])، لكنّ الشيعة تابعوا زيارة الحسين، خاصة أيام عاشوراء وعرفة ومنتصف شعبان.
وتدلّ النصوص الواردة عن عصر الغيبة الصغرى (260 – 329هـ) على إقامة المأتم في مزار الحسين، فقد تحدّث ابن الأثير عن بكاء الشيعة ونواحهم عند زيارة قبر الإمام الحسين فيما نقله من أحداث نهاية القرن الثالث (عام 296هـ)، حيث رأى يمنياً شيعياً على تلك الحال([84])، وذكر القاضي أبو علي محسن بن علي التنوخي (384هـ)، أنّ أحد النعاة واسمه <ابن أصدق> كان ينعى الحسين في أيام حكم الحنابلة ببغداد، ويقول الراوي: إنّه أراد تكليف ابن أصدق برثاء الحسين؛ فذهب للبحث عنه في مزاره ليلة النصف من شعبان – حيث يتوافد الشيعة للزيارة فيها – فوجده هناك، وعلى الرغم من خطورة ذلك، قضى تلك الليلة بقراءة المراثي، وأبكى الحاضرين([85])، وورد أنّ «بربهاري» ([86])، زعيم حنابلة بغداد (329هـ)، أمر بقتل ناعٍ يدعى «خلب»؛ لرثائه الحسين متخفياً في بيوت الشيعة، وذلك في نهاية الغيبة الصغرى ([87])، ويقول ابن حجر، عند الحديث عن الشاعر الشيعي الناشئ الصغير، أبي الحسن الحلا علي بن عبد الله، المولود عام 271هـ: إنّ أشعاره كانت تقرأ في رثاء الحسين عام 346هـ، وقد بكى هو ومن حوله حتى الظهر ذلك اليوم([88]).
ذلك كلّه يدلّ على أنّ الشيعة لم يكفّوا عن البكاء وإقامة المأتم الحسيني، وسعوا لإعلان ذلك ما سمحت لهم ظروفهم، ويؤيّد ذلك ما ورد عن إقامة أهل مصر المأتم عند قبور بنات الإمام الحسين، أم كلثوم ونفيسة، في يوم عاشوراء، أيام الحكّام السنّة: أخشيد وكافور (323 – 358 هـ)، حيث أمر كافور جنوده بمراقبة الصحراء (طريق المعزين) لمنع الناس من الذهاب إلى تلك القبور([89]).
لو لم يصبح المأتم الحسيني شعيرةً رسمية في بغداد ومصر، لما ذكر المؤرّخون شيئاً عن هذه المآتم؛ فحين قامت الحكومات الشيعية وتسلّمت مراكز القرار، اضطرّ المؤرخون لنقل أخبارهم، ومنها المأتم الحسيني، وتبعاً لذلك جاؤوا على ذكر المآتم الحسينية السابقة.
المرحلة الرابعة: المأتم الحسيني والتقليد الرسمي، عهد الحكومات الشيعية (ق 4 – 5هـ]
أخذ المأتم الحسيني طابعاً رسمياً مع قيام الحكومات الشيعية في العالم الإسلامي؛ فقد حكم البويهيون في إيران([90]) ، والفاطميون في شمال إفريقيا([91])، وأخذا بالتوسع في مطلع القرن الرابع؛ فكان البويهيون يحكمون إيران عدا المناطق الشرقية، كما يحكمون وسط العراق في منتصف هذا القرن، وقد أحكم الفاطميون سلطتهم على الشمال الشرقي من أفريقيا ومصر والشام وفلسطين.
لقد أصبح المأتم الحسيني تقليداً رسمياً عام 325هـ، حيث أمر الحاكم البويهي، معز الدولة الديلمي، الناسَ بإقامة المآتم في الطرق([92])، كما أصبحت إقامة المآتم رسميةً في مصر بعد عقد من الزمن أيام الدولة الفاطمية([93]). كذلك كان لدى حكومات أخرى ميول شيعية، لكن لم يصلنا ما يدلّ على إقامتهم المآتم، لكن ذكر أبو ريحان البيروني (بعد403هـ)([94]) وعبد الجبار المعتزلي([95]) إقامة المآتم الحسينية في كبرى مدن العالم الإسلامي، وذلك في أيام الدول الشيعية في القرن الرابع والخامس.
المأتم الحسيني في بغداد
بعد أن أمر معز الدولة بإقامة المآتم العامة، أصبح ذلك شعيرةً وسنّة تقام سنوياً في يوم عاشوراء، حيث ينزل الشيعة إلى الطرقات يرثون الحسين(ع) ويبكونه([96])، الأمر الذي أزعج سنّة بغداد – سكّان عاصمة الخلافة – مما أدّى إلى حدوث اشتباكات بينهم وبين الشيعة([97])، وقد زادوا من معارضتهم لذلك حين ضعفت الدولة البويهية، وزادت حدّة الاشتباكات في يوم عاشوراء، ولم تتمكّن الحكومة من إحلال الأمن والاستقرار؛ لذلك طلب بعض الوزراء البويهيين الذين حكموا بغداد في العقود الأخيرة من حكمهم، عدم إقامة المآتم، ومنعوها أعواماً أخرى؛ حفظاً للأمن وحقناً للدماء([98])، وقد روت الكتب التاريخية – كالمنتظم لابن الجوزي (ج 15) – هذه الأحداث بالتفصيل. وعلى الرغم من كلّ هذه الصعوبات استمرت إقامة المآتم الحسينية في بغداد حتى نهاية حكم البويهيين عليها، ثمّ منعت جميع الشعائر الشيعية – لاسيما إقامة المآتم الحسينية – من قبل الدولة السنّية المتعصّبة للسلاجقة عام 447هـ. ومع ذلك، هناك روايات تدلّ على إقامة المأتم يوم عاشوراء عام 458هـ، بعد عقد من سقوط البويهيين، وما ذلك إلا شاهد على استمرار الشيعة في نهجهم، حيث كلّما أتيحت لهم الفرصة أقاموا المآتم علناً([99]).
يقول الشيخ المفيد – أحد كبار العلماء الشيعة في ذلك العهد والذي له دور كبير في تدوين المعتقدات الشيعية زمن الغيبة – عن عاشوراء: يتجدّد في هذا اليوم حزن أهل بيت النبي وشيعتهم، وعلى الشيعة الامتناع عن الملذات فيه، كما أوصى بذلك أئمتهم، وأن يقيموا المآتم، ويأكلوا كما يأكل أهل العزاء([100]).
المآتم الحسينية في مصر
كما أسلفنا، كان شيعة مصر يقيمون المأتم يوم عاشوراء عند قبر بنات الأئمة: أم كلثوم ونفيسة، وذلك قبل حكم الفاطميين، وقد أصبحت هذه المراسم رسميّةً بعد استيلاء الفاطميين على حكم مصر، وأقيمت بترتيبات حكومية خاصة([101]) كما ذكر المؤرخون([102])، واستمرّ ذلك حتى سقوط الدولة الفاطمية عام 567هـ([103])، وإن تخلّل ذلك في بعض الأعوام تعطيلٌ لظروف طارئة.
وبعد الإطاحة بالفاطميين، أخذت الدولة الأيوبية بزمام الأمور، وسعت إلى محو الثقافة الشيعية([104])؛ لذا من غير المتوقع أن يُذكر شيء عن المآتم الحسينية في المصادر التاريخية لهذه الفترة، بيد أنّ الشيعة سعوا في مناطقهم – كالشام وحلب وشمال العراق – لإقامة شعائرهم علناً كلّما سمحت لهم الظروف بذلك، وعلى سبيل المثال، حين أرسل الحاكم الأيوبي جيوشه لقمع حاكم حلب، استنجد الأخير بالناس، فاشترط الشيعة حرّيتهم في إقامة شعائرهم مقابل معونته، ومنها رفع شعار «حي على خير العمل» في المسجد الجامع، وقد قبل الحاكم بذلك.
لقد منع الأيوبيون الشعائر الشيعية بعد أن استولوا على حكم مصر، ومن غير المتوقع استمرار المآتم الحسينية في مثل هذه الظروف، لكن تدلّ بعض القرائن على استمرار حبّ الناس وتعلّقهم بالحسين والسيدة نفيسة في مصر، ومن الممكن أن تكون المآتم قد استمرّت في السرّ والخفاء. يذكر ابن تيمية – وهو من مؤلّفي القرن الثامن – في كتابه رأس الحسين، الحوارات التي جرت بين المسلمين والمسيحيين، ويقول: «كان بعض المسيحيين يقول للمسلمين: نحن متشابهان، لدينا سيّد وسيدة، ولديكم سيد وسيدة، لدينا عيسى ومريم، ولديكم حسين ونفيسة»([105]). ويدلّ قولهم هذا على أنّ المصريين كانوا يكنّون الاحترام والإجلال للحسين(ع) ونفيسة من ذرية الحسن(ع)، وكان المسيحيون على علم بذلك، حيث تحدّثوا عنه في حواراتهم مع المسلمين.
المرحلة الخامسة: الشعائر الحسينية في ظل انعدام الدول الشيعية القويّة (ق6 – 10]
1 – القرن السادس:
مع بداية القرن السادس، كانت الدولة السلجوقية تحكم كلاً من إيران والعراق، أما مصر فكانت تحكمها الدولة الإسماعيلية الشيعية. أما الدولة السلجوقية فقد قلّلت من حدّة مضايقاتها، فكسب الشيعة قدراً من الحرية لممارسة طقوسهم في إقامة المآتم الحسينية، وما وردنا عن إقامة المآتم الحسينية في هذا القرن يدلّ على أنّ هذه المآتم قد ترسّخت في معتقدات الشيعة شعيرةً دينية، ولم يتوان الشيعة عن أدائها ولو بالخفاء، إن لم تحالفهم الظروف.
وتذكر النصوص التاريخية بصراحة إقامة المآتم الحسينية في هذا القرن، كما تشير إلى الحرية المتاحة للشيعة في إقامة شعائرهم، مما يدلّ على إقامة المآتم الحسينية، ومن هذه الروايات:
1ـ رواية الرازي القزويني في كتاب النقض، حيث تشير إلى إقامة المآتم الحسينية من قبل الشيعة، كما يردّ الكاتب على الشبهات حول المأتم الحسيني، ويذكر إقامة المآتم من قبل أهل السنّة في مناطق مختلفة، منها المجالس التي كان يقيمها الواعظان: علي بن الحسين الغزنوي وقطب الدين مظفّر أمير العبادي، في بغداد. وجدير بالذكر أنّ الكاتب ألّف هذا الكتاب رداً على كاتب سنّي متعصب، وبما أنّ الكتاب يبيّن بوضوح حجم المآتم المقامة آنذاك، ارتأينا نقل نصوص منه، حيث قال: <قال: يبدي الشيعة في يوم عاشوراء الجزع والفزع، ويقيمون المأتم، ويذكرون مصائب الشهداء في كربلاء على المنابر، ويسردون في ذلك القصص، فيخلع علماؤهم عمائمهم، ويشقّ العوام جيوبهم، وتنتحب نساؤهم ويلطمن الخدود، وقد ذكر هذا الكلام على سبيل التقبيح، واعتبره اتهاماً وبدعة مرفوضة، وما ذلك إلا لبغضه لآل الرسول(ص) وعداوته لأولاد البتول؛ إذ يعلم العالمين أنّ عظماء أئمة الفريقين: الشافعية والحنفية، وعلماء سائر الفرق وفقهاءهم قد عملوا بهذه السنّة وتمسّكوا بها، وللشافعي الذي نسبت إليه الفرقة – بغض النظر عن مناقبه وآثاره – مراثي كثيرة في الحسين وشهداء كربلاء، منها قصيدة يقول فيها:
أبكي الحسين وأرثي [منه] جحجاحا |
|
مـن أهـل بيت رســــول الله مصبـــاحـــا |
ويقول في قصيدة أخرى:
تأوّب همّي فالفؤاد كئيب |
|
وأرقّ نومي فالرّقاد عجيب |
وجاء فيها بمعان لا يقدر سواه على الإتيان بها، ولا تحصى المراثي التي جاء بها هو وأبو حنيفة في شهداء كربلاء، إذاً لو كان هناك إشكال في الأمر، لوقع على أبي حنيفة والشافعي أولاً، ثمّ ورد علينا، وإذا تتبعنا الأمر وجدنا أن الخواجة بومنصور ماشاده – من عظماء المذهب السنّي في عهده – كان يحيي ذكرى هذا اليوم بالحزن والنواح والبكاء في إصفهان، ولم يستنكر ذلك أحد. وهل تعلم كيف كان يقيم الخواجة علي الغزنوي الحنفي المآتم في بغداد مدينة السلام ودار الخلافة؟ فقد كان يبالغ في لعن السفيانيين، وقد سئل يوماً: ما قولك في معاوية؟ قال بصوت عال: يسأل علياً عن معاوية! هل تعلم ما قول علي في معاوية؟ وقد سئل الأمير عبادي – من كبار العلماء في عهده ـ: ما قولك في معاوية؟ وذلك عند المقتفي لأمر الله في ليلة عاشوراء، فلم يجب حتى تكرّر عليه السؤال ثلاث مرات؛ فقال في المرة الثالثة: تسأل سؤالاً مبهماً! أي معاوية تقصد؟! هل ذاك الذي كسر أبوه سنّ المصطفى، ومزّقت أمّه كبد حمزة، وشهر السيف هو أكثر من عشرين مرّة في وجه علي، وقطع ابنه رأس الحسين؟! أيها المسلمون! ما قولكم في معاوية؟! فبدأ الناس بلعن معاوية في حضور الخليفة وعلماء الشافعية والحنفية.
كما كانت تقام المآتم الحسينية كل عام في يوم عاشوراء ببغداد، فيعلو فيها البكاء والنواح، وكان مجد الدين مذكر الهمداني يقيم المآتم الحسينية بهمدان في ذكرى عاشوراء على نحو أدهش أهلَ قم، على الرغم من سلطة المشبّهة عليها وحضور الجيش التركي فيها. وكان الخواجة إمام نجم أبو المعالي بن أبي القاسم البزاري يقيم المأتم الحسيني بنيسابور، على الرغم من كونه حنفيّ المذهب، فيقوم بالنواح والصراخ ونثر التراب على رأسه، ويعلم الجميع ما كان يفعل الشيخ أبو الفتوح نصرآبادي والخواجة محمود الحدادي الحنفي وآخرون في مساجد الريّ وخان كوشك بيوم عاشوراء، من إقامة المآتم الحسينية ولعن الظلمة. وكان الخواجة إمام شرف الأئمة أبو منصور الهسنجاني يروي واقعة عاشوراء كل عام على نحو لا يأتي بمثله أحد، وذلك في حضور أمراء الأتراك وقادتهم وكبار الحنفيين، ويحظى في ذلك بتأييدهم ودعمهم جميعاً.
وقد رأى الجميع كيف روى الخواجة إمام بومنصور حفده، من كبار أتباع الشافعي، الواقعة بيوم عاشوراء في جامع سرهنك حين حضوره في مدينة الري، حيث فضّل الحسين على عثمان، ووصف معاوية بالطاغوت، كما روى الواقعة القاضي الساوي الحنفي – من الوعاظ المشهورين – في جامع طغرل وبحضور عشرين ألف شخص، بنحو لم يأت بمثله أحد، حيث خلع عمامته وشقّ جيبه. ورأى الناس ما قام به الخواجة تاج شعري الحنفي النيسابوري في يوم عاشوراء بعد الصلاة بالجامع العتيق عام 555هـ، وذلك بإذن من القاضي وبحضور العظماء والأمراء، فلو كان في الأمر بدعة كما يقول الخواجة مجبّر الانتقالي، لم يأذن به أهل الفتيا ولم يسمح به أئمة المذاهب.
وإن لم يذهب الخواجة الانتقالي إلى مجالس الحنفيين والشيعة، فلابد أنّه ذهب إلى مجلس شهاب المشاط، الذي يبدأ كل عام بحلول محرم بمقتل عثمان وعلي وينتهي في يوم عاشوراء بمقتل الحسين. وقد قام بالنعي في المأتم عند حرم الأمراء قبل عامين على نحو شقّ الناس جيوبهم ونثروا التراب على رؤوسهم وخلع الرجال عمائمهم وعلا بكاؤهم ونواحهم.
فإذا كان العلماء والفقهاء يقومون بذلك من باب التقية وخوف السلطان والأتراك، فذلك موافق لعمل الرافضة، وإن كانوا يفعلونه عن اعتقاد، ففي إيمان الخواجة خلل، وإلا كيف يقوم به الحنفية والشافعية والشيعة في بلد الخوارج والمشبّهة، وهم يرفضون ذلك؟ فالخواجة منكرٌ لهذه المذاهب الثلاث، فعليه الذهاب إلى لورستان أو خوزستان بلاد الخوارج، حتى لا يسمع أو يرى ما يكرهه، وله من التعصّب ما ليس لأحد مثله؛ فما إقامة مأتم الحسين(ع) إلا اتّباعٌ لكلام الله، حيث قال: >قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى< (الشورى: (23)، والسير على نهج المصطفى(ص)، حيث قال: <من بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنة>، وما ينكر ذلك إلا منافقٌ وضال ومن أصحاب البدع والخوارج ومبغضٌ لفاطمة وعليّ وأولادهما، والحمد لله، بل أكثرهم لا يعقلون> ([106]).
ويقول في موضع آخر: <وقد قال: الفضيحة السابعة والأربعون: ينثر الرافضة كل يوم عاشوراء التراب على رؤوسهم لما فعله آباؤهم من دعوة الحسين إلى الكوفة، ومن ثمّ قتله؛ فيسرد علماؤهم مقتل الحسين في ديرٍ ما، ويخلطون الكذب بالصدق، ويقومون ببعض المنكرات، وتنوح الناعيات، ويرثي العلماء، ويجتمع نساؤهم ورجالهم، ويزيّن الرجال النساء، ويخلع شيخ من علمائهم عمامته ويلعن نفسه.. أمّا ردّنا على هذا المعاند المكابر الناصبي، الذي أعلن عداوته لعلي والحسين، فهو أنّ إقامة المآتم الحسينية اتّباع لأمر رسول الله (ص)، حيث قال: <من بكى على الحسين أو أبكى وجبت له الجنة>، ليدخل فيها العلماء والمستمعون، ولا يختص الشيعة بذلك، فقد أقيمت المآتم الحسينية في بلاد الشافعية والحنفية، وأحيا ذكرى عاشوراء بالنواح والرثاء فحول العلماء، كمحمد منصور، وأمير عبادي، والخواجة علي الغزنوي، وصدر الخجندي، وأبي منصور ماشاده، ومجد الهمداني، والخواجة بو منصور الهسنجاني، والشيخ أبي الفضائل المشاط، وأبي منصور حفده، وقاضي ساوه، وسمعانيان، والخواجة أبي المعالي الجويني، والنزاري، والعلماء السابقون واللاحقون من الفريقين، وبكوا شهداء كربلاء، وذلك أظهر من الشمس>([107]).
2ـ تقرير الذهبي عن إقامة المأتم الحسيني ببغداد عام 561هـ([108]).
3ـ تصريح الذهبي بانتشار التشيّع عام 590هـ، وطلب الناس من رضي الدين الطالقاني القزويني لعن يزيد على المنبر يوم عاشوراء([109])، وكان الخليفة العباسي آنذاك، الناصر لدين الله، أظهر ميلاً للتشيع، وكان يريد إعادة القدرة والعظمة للخلافة العباسية، لذلك أحسن إلى الشيعة الذين كانوا يتمتعون بقوّة ونفوذ في العراق.
4ـ دعوة الناس سبط ابن الجوزي لرثاء الحسين، وقبوله بذلك، وبكاؤه ونواحه في عهد الملك ناصر([110]).
5ـ شرط الشيعة إعلان الشعائر الشيعية حين استمدّهم حاكم حلب عام 570هـ لمواجهة صلاح الدين([111]).
6ـ يذكر ابن الجوزي في أحداث عام 529هـ: ومنها زيارة مرقد الإمام علي(ع) وكربلاء من قبل جمع غفير، وقد عبّر عن ذلك بقوله: <وظهر التشيع>، والذي يدلّ على حرية الشيعة في أداء طقوسهم بشكل علني([112]).
7ـ ويذكر أيضاً زيارة الخليفة العباسي، المقتفي لأمر الله، لكربلاء عام 553هـ، ومساعدته العلويين الفقراء الساكنين قرب مرقد الإمام الحسين([113]).
8ـ تقرير ابن حجر عن رثاء الواعظ البلخي (596هـ) فاطمة الزهراء في النظامية ببغداد، وبكاء الشيعة الحاضرين لذلك، مما يتيح لنا الاستنتاج بأنه من الأولى أن تكون المآتم الحسينية معمولاً بها آنذاك([114]).
9ـ نشأت دولة آل باوند بميول شيعية في طبرستان، واستمرّت حتى نهاية القرن السادس، وكتب في عهد سيد بهاء الدين حسن بن مهدي المامطيري رسالة إلى حاكم الهند <شاه مهراج>، تبيّن اتساع التشيع في كل من العراق والشام والحجاز ومكة والمدينة ومدن خراسان وطبرستان([115]).
لقد اهتمّ الشيعة بإقامة المآتم الحسينية حيثما تواجدوا، وإن لم يتمكّنوا من الإعلان أقاموها في بيوتهم سراً، خاصة في يوم عاشوراء.
2 – القرن السابع:
تزامن القرن السابع مع ظهور دولة الخوارزمشاهيين في الشرق، وسقوط السلاجقة في بغداد، وانتعاش الخلافة العباسية مجدّداً. وما ورد من تقارير تاريخية عن هذا القرن، يبيّن استمرار المآتم الحسينية كما القرون السابقة، وتشير الشواهد إلى اتساعها أحياناً؛ فقد جاء في تقرير عن العقد الأول من هذا القرن، وقبل استيلاء المغول على بغداد، أنّ المآتم الحسينية كانت تقام في عاصمة الدولة العباسية، وكان المستعصم العباسي (بدأ حكمه عام640هـ) قد أمر محتسب بغداد – جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي – عام 641هـ، بمنع الناس عن قراءة المقتل يوم عاشوراء، لكنّه سمح لهم بقراءته عند مرقد الإمام الكاظم(ع)([116])، ومن المحتمل أن تكون هذه الطقوس قد سُنّت في عهد الناصر لدين الله الذي أظهر ميولاً إلى التشيّع، وأراد المستعصم الظفر برضا السنّة المتعصبين؛ فحدّ منها.
ولدينا خبر آخر عن ابن عديم، يقول فيه: إنّ شيعة المدينة كانوا يجتمعون في قبّة عباس في البقيع بيوم عاشوراء، ويقرؤون مقتل الحسين([117])، كما يشير جلال الدين الرومي – أحد شعراء القرن السابع الهجري – في أحد تشبيهاته في منظومته المثنوي المعنوي إلى مآتم علنية في حلب([118]).
وأخيراً، يذكر السيد ابن طاووس – أحد علماء الشيعة البارزين – تخصيص العشرة الأولى من محرم للمآتم والمراثي، ويدافع عن هذه الفكرة([119])، كما يوصي بقراءة كتابه اللهوف في يوم عاشوراء([120])، ويدلّ ذلك على وجود سنّة قراءة المقتل وإقامة المآتم في محرّم آنذاك، إذاً، لم يختصّ يوم عاشوراء بالمآتم، بل العشرة الأولى من محرم كلّها أيام عزاء وحداد.
والمستفاد من هذه الأخبار والروايات أنّ المآتم الحسينية أخذت بالتطوّر والاتساع – كمّاً وكيفاً – في القرن السابع، وذلك بناء على الخلفية الثقافية التي أنتجتها الأعوام السابقة وتعلّق الشيعة بالحسين(ع)؛ إذ لم تكن لدينا دول شيعية في القرنين الخامس والسادس، واستمرّت هذه الشعيرة بسبب تأصّلها بين الناس على الرغم من كلّ الظروف العصيبة التي واجهتها.
النصف الثاني من القرن السابع وتسلّط المغول على إيران والعراق
حين اتجه جيش المغول – بقيادة هولاكو – نحو العراق، قام جمعٌ من الشخصيات العراقية بإرسال وفد إلى هولاكو طالبين منه الأمان وحقن الدماء، كإجراء احترازي يمنع الفتك بالناس وهدم المدن. وقد قبل هولاكو بعرضهم، وأرسل معهم حراساً لحمايتهم. وهكذا نجى شيعة جنوب بغداد من فتك المغول([121])، من ناحية أخرى، حصل الشيعة على متّسع من الحرية لإقامة شعائرهم والتعبير عن معتقداتهم، وقد تشيّع أحد خلفاء هولاكو، وهو غازان خان، في العقود الأخيرة من هذا القرن، وقام بزيارات عديدة لكربلاء والنجف، وسعى في إعمار الحائر الحسيني، الأمر الذي مهّد لحرية الشيعة في أداء شعائرهم بشكل علني في مدن كالحلة وكربلاء والنجف، وإن لم يتوفر لدينا تقرير تاريخي عن ذلك.
3 – القرن الثامن:
حكم البلاد في مطلع هذا القرن غازان خان الذي أصبح شيعياً، وبذل جهوداً في تبليغ التشيع ونشره، وتولّى الحكم بعده أخوه سلطان محمد خدابنده، الذي أصبح شيعياً بعد مدّة، وسعى في الترويج للتشيع وجعله مذهباً رسمياً للبلاد، وقد أعطت ميول الحكّام المغول للتشيع، وسعيهم في جعله مذهب البلاد الرسمي، أعطى الشيعة الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم، منها إقامة المآتم الحسينية. وقد حكمت السلالة الجلائرية العراق بعده، وهم أبناء أخته، وكانت لديهم ميول للتشيع أيضاً، ليستمرّ حكمهم حتى أوائل القرن التاسع (814هـ).
يذكر ابن بطوطة (779هـ) في رحلته الحلّة والبحرين وقم وكاشان وساوة وطوس بوصفها مدناً شيعية([122])، ويقول ابن خلدون في المناطق التي سكنها الشيعة الاثنا عشرية: <وهذا المذهب في المدينة والكرخ والشام والحلّة والعراق>([123]).
وقد دفع انتشار التشيّع في خراسان، وخاصة في سبزوار وضواحيها، الخواجة علي المؤيد (737هـ) – أحد أمراء السربدارية – لدعوة الشهيد الأول للسفر إلى خراسان وتعليمهم الفقه والعلوم، لكنّه ألّف كتابه اللمعة وأرسله إليهم.
ويوحي الردّ الذي كتبه ابن تيمية (728هـ) على المآتم الحسينية([124])، أنّ هذه المآتم والطقوس كانت منتشرةً آنذاك، ويشير إليه ابن كثير (774هـ)([125]) أيضاً بقوله: <ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والفزع>. كما يمكننا الاستنتاج من قيام دولة المرعشيين في طبرستان، المعروفة بميولها إلى الشيعة، توفّرَ الأجواء الملائمة لإقامة المآتم الحسينية في ذلك العهد، كما يدلّ الكم الكبير من الأشعار الذي جاء به الكاشفي (من وعّاظ القرن التاسع الهجري) في كتابه روضة الشهداء، على وجود كثير من الأشعار في رثاء الحسين(ع) وذكر مصائبه قبل هذه الفترة، وقد قام الكاشفي بجمعها في كتابه. ويقول سيف فرغاني، العارف الشيعي في هذا القرن، في مطلع قصيدة يرثي فيها الحسين:
يا قوم، ابكوا في هذا المصاب، ابكوا قتيل كربلاء([126]).
4 – القرن التاسع:
بدأ هذا القرن باعتداءات تيمورلنك، ولم يأمن العراق ولا الشام من سطوته، لكن بعد موته واعتلاء ابنه شاهرخ عرش السلطة، بدأ بإعمار ما هدّمه أبوه ونشر الثقافة في المناطق التي كان يحكمها، كما قامت زوجته ببناء جامع كوهرشاد، في جوار الروضة الرضوية في مشهد، وتوحي هذه الأجواء بوجود قدر من الحرية للشيعة في تلك الفترة لممارسة طقوسهم؛ فالعائلة المالكة تحترم إمامهم الثامن، وقد قامت ببناء مسجد عظيم قرب مرقده، لا يزال قائماً.
وما يؤيد إقامة المآتم في هذا القرن، وجود دولة <آق قويونلو> الشيعية في غرب إيران. أما الشاهد الآخر على ذلك، فهو سائح روسي اسمه <ني كي تين>، فقد زار مدينة الري عام 880هـ، وجاء على ذكر مواكب العزاء فيها([127])، كذلك كتب المقاتل التي ذكرها الكاشفي بوصفها مصادر لكتابه روضة الشهداء([128])، من قبيل مصابيح القلوب للمولى حسن الشيعي السبزواري، ومقتل الشهداء لأبي المفاخر الرازي، والذي يحتوي أشعاراً بديعة تدلّ على وجود المقتل آنذاك؛ وقد قال في مقدّمة كتابه: <يحيي محبو أهل البيت ذكرى شهداء كربلاء مع حلول محرّم من كل عام، ويعزّون أولاد الرسول.. ويكرّرون قراءة المقتل المسرود في الكتب>([129])، مما يؤكّد الشروع بالمآتم الحسينية مع بداية المحرم وقبل يوم عاشوراء، ورواج قراءة المقتل، كالذي ذكره السيد ابن طاووس عن القرن السابع([130]).
وفيما يخصّ الشيعة في الشرق، ليس لدينا ما يُطلعنا على تقاليد الشيعة في مدن العراق، كالحلة والكوفة وكربلاء وسائر مدنه الشيعية، لكن يوحي انتشار المذهب السنّي المعتدل المؤيّد للاعتقاد باثني عشر إماماً في البلاد الإسلامية، إقامة المآتم الحسينية في تلك المناطق أيضاً.
المرحلة السادسة: المآتم في العصر الصفوي (ق 10 – 11] بداية تحوّل جذري
ذكرنا أنّ كتاب روضة الشهداء قد ألّف في القرن التاسع، وقد احتلّ مكان كتب المقتل الأخرى؛ لما تمتع به من سلاسة التعبير وجمال الأسلوب؛ وهذا يعني إذاً أنّه كانت تقام المآتم الحسينية في الكثير من المناطق الشيعية، وذلك بقراءة المقتل، لكن ومع اعتلاء الشاه إسماعيل الصفوي العرش عام 907هـ في تبريز، أصبح التشيّع المذهبَ الرسمي، وهمّت السلطة بنشر شعائره وتقاليده، وقد نظم حسين فدائي النيسابوري كتاب روضة الشهداء في عهده، وجعل منه ملحمةً دينية قدّمها للملك([131]). وتشبه هذه الفترة – من حيث كثرة المآتم الحسينية وإقامتها علانيةً – فترة حكم البويهيين والفاطميين في القرنين الرابع والخامس، لكن خلافاً لتلك الدول، كانت المناطق التي تحكمها الصفوية شيعيّةً في غالبيتها.
أما عن المآتم في هذه الفترة، فلدينا أخبار كثيرة وردت عن السائحين الأوروبيين الذين ذكروا المآتم المقامة في ذلك العهد، وبما أنهم كانوا مكلّفين من قبل حكوماتهم بدراسة أوضاع إيران والحكومة الصفوية، أو إعداد تقارير حول بعض التفاصيل، فقد أولوا للمآتم الحسينية التي كانت من التقاليد العظيمة آنذاك اهتماماً كبيراً، فجاؤوا على ذكر تفاصيلها بدقة؛ لذلك تعدّ تقاريرهم من أهمّ المصادر في هذا المجال، وسنستند إليها في ذكر المآتم العامّة التي كانت تقام في هذه الفترة.
أولى ملوك الصفوية المآتم الحسينية اهتماماً بالغاً، ولم يُغفلوها حتى حين انشغالهم بالحروب، إن صادفهم شهر محرم أو يوم عاشوراء؛ فقد أقام الشاه عباس المأتم الحسيني ليلة عاشوراء من عام 1013هـ، وهو يضرب الطوق على قلعة إيروان، وقد قام الجيش بالصراخ والنحيب بحيث ظنّ أهل القلعة أنّهم هوجموا ليلاً؛ لذا بعثوا برسول وأعلنوا استسلامهم([132])، وفي طريقه لقتال جيش الأوزبك عام 1011هـ، أمر الشاه عباس بالتوقف يوم عاشوراء عند النهر، وأقام المأتم الحسيني هناك([133])، وقد ورد عن قصيدة محتشم الكاشاني المعروفة، أنّ الملك طهماسب الصفوي دعاه إلى نظم الشعر في مدح الأئمة ورثائهم، حين جاءه بقصيدة في مدح ابنه([134])، فقام بمدح الإمام علي(ع)، ونظم شعره المعروف <أي ملحمة هذه..> بعد ذلك، إثر رؤيا رآها في المنام.
وقد كان كتاب روضة الشهداء يُقرأ في البلاط الصفوي أيام محرّم وعاشوراء([135])، وكان ملوكهم يشاركون الناس الحضور في المآتم العامة المقامة في ساحة المدينة مرتدين زيّ الحداد، فكانت مواكب العزاء تمرّ من أمامهم([136])، ويقول أفندي – أحد مؤلّفي أواخر العهد الصفوي – عن المآتم الحسينية: «منذ سنين يقيم ملوك الصفوية المآتم الحسينية على هذا النحو في العشرة الأولى من محرّم، وخاصة في يوم عاشوراء، وذلك في كافة أنحاء إيران»([137])، ويقول في موضع آخر: «اشتهرت هذه السيرة الحسنة بين الإماميّة لفترة مديدة، حتى أصبحت بمثابة شعار للشيعة»([138]).
ويتضح مدى تفاعل الإيرانيين وحماسهم في طقوس عاشوراء في العهد الصفوي من بيان المعترضين عليها. يذكر أفندي في التحفة الفيروزية أنهم يصفون التقاليد السائدة في محرم آنذاك ﺒ«الشرّ والانفعال الشيعي في قصّة التعازي في أيام عاشوراء»([139]).
ولا بأس هنا بذكر نصوص بعض تقارير السياح الأوروبيين في ما يخصّ هذه الطقوس، فيقول بيتر ودلاواله، الذي زار إيران عام 1618م/1207هـ، في رحلته: تبدأ العشرة الأولى من محرّم، والتي تسمى عاشوراء، بهذا اليوم (الأول من محرّم)، ويقيم الإيرانيون طوال هذه الفترة المآتم ومجالس العزاء، ويحيون ذكرى الحسين، ابن علي وفاطمة، وهي ابنة نبيّ الإسلام الوحيدة، ويرثون نهايته المحزنة، وهو المقدّس لدى جميع المسلمين، لكنه الإمام الحقّ لدى الشيعة، وينحدر الملك الفعلي من سلالته، وتقاليد العزاء تكون على النحو التالي: يظهر الجميع بمظهر الحزن والألم، مرتدين زيّ الحداد باللون الأسود، اللون الذي لم يستعمل في المناسبات الأخرى. ولا يحلق أحدٌ رأسه أو ذقنه ولا يستحمّ، ويجتنبون المعاصي والمنكرات، وحتى الملذات.. وتجول جماعة أخرى في الساحات والأزقة وبين بيوت الناس عراةً، إلّا من قطعة قماش سوداء تستر عوراتهم، طالين أجسادهم بمادّة سوداء، كالتي نستعملها لطلي غلاف السيوف أو المعادن الأخرى، ليعبّروا بذلك عن مدى حزنهم وألمهم لمصاب الحسين. وترافق هؤلاء مجموعة أخرى عراة، طالين أجسادهم باللون الأحمر، دلالةً على الدماء المسفوكة والأعمال الشنيعة يوم عاشوراء، وينشد جميعهم ألحاناً حزينة في ذكر الحسين والمصائب التي حلّت به، حاملين قطعتي خشب أو عظام بأيديهم، فيضربون إحداها بالأخرى؛ لتصدر أصواتاً حزينة. كما يقومون بحركةٍ تشبه الرقص تدلّ على حزنهم العميق، ويمدّون أوانيهم أمام الناس المحتشدين حولهم؛ فيتصدّق الناس عليهم بإلقاء النقود فيها، ويعتلي الخطيب المنبر وقت الظهر في وسط الساحة التي يحتشد الناس فيها، وغالباً ما يكون هذا الخطيب من سلالة محمد، ويسمّى في إيران سيداً، ويميّزه عن الآخرين عمامته الخضراء، يسمّى هؤلاء الأشخاص في تركيا أميراً، وفي مصر شريفاً، لكن خلافاً لتركيا – حيث يلبس أعقاب محمد العمامة الخضراء دوماً – لم أر أحداً واضعاً عمامةً بهذا اللون على رأسه إلا في هذه المراسم.
يشرف المنبر على جميع النساء والرجال الحاضرين، حيث يجلس بعضهم على الأرض ويجلس آخرون على كراسي صغيرة، فيعتلي الخطيب المنبر ويرثي الحسين، ويبيّن الحوادث التي أدّت إلى قتله، ويقوم ببعض الحركات أحياناً، ويبذل قصارى جهده ليبكي الحاضرين أكثر ما يمكن، وتقام هذه المجالس نهاراً في المساجد، وليلاً في الأماكن العامة أو في بعض البيوت التي تُعرف بأنوارها الكثيرة والأعلام السوداء ووشاح المآتم، وتقرأ المراثي بحماس أكبر، ويبكي المستمعون وينوحون بأصوات عالية، وتلطم النساء صدورهنّ، ويكرّر الجميع بحزن عميق المقطع الأخير من القصائد التي تقرأ، ويرددون: آه حسين – الملك حسين.
وحين يحلّ العاشر من محرم، أي يوم قتل الحسين – الذي يصادف هذا العام الثامن من كانون الثاني – تنطلق مواكب كبيرة من كلّ أنحاء إصفهان، كما وصفت ذلك سابقاً في يوم قتل علي، حاملين الأعلام والبيارق واضعين أصنافاً من الأسلحة وعدداً من العمائم على جيادهم، مصطحبين عدداً من الجمال تحمل كلّ منها صندوقاً فيه ثلاثة أو أربعة أطفال؛ للتذكير بأطفال الحسين الذين أسروا في ذلك اليوم، كما تحمل كلّ مجموعة تابوتاً ملفوفاً بمخمل أسود وعليه سيفٌ وعمامة خضراء عادة، وحول التابوت أصناف من الأسلحة – كما شرحت مسبقاً – على عدّة أطباق، تحمل فوق رؤوس عدد من الأفراد الذين يقفزون ويدورون على صوت الطبل والناي، فيدور الطبق معهم ويصنع منظراً جميلاً([140]).
السائح الآخر هو تاروينه، الذي زار إيران عام 1667م، وقال في رحلته: لنتحدّث عن الطقوس الدينية العظيمة التي يقيمها الإيرانيون للحسن والحسين، أولاد علي، فثمان أو عشرة أيام قبل ذلك اليوم، أي <عاشوراء>، يقوم الشيعة المتعصّبون بطلي وجوههم وأبدانهم باللون الأسود، ويجولون في الطرق والأزقة عراةً، إلا من قطعة قماش صغيرة تغطّي عوراتهم، ضاربين قطعتي حجر ببعضهما، مظهرين بعض الحركات والإيماءات على وجوههم وأجسادهم، صارخين: حسن حسين، حسن حسين، ويكرّرون ذلك حتى تنقطع أنفاسهم، ويستمرّون في ذلك إلى غروب الشمس، فيقوم أناس مقدّسون بإطعامهم ليلاً في بيوتهم، ويبدأ الخطباء مع كلّ غروب من هذه الأيام بوعظ الناس وإعدادهم لليوم المنشود من أعلى المنابر المنصوبة في الساحات والطرق..
ويقول عن مراسم يوم عاشوراء: ..منذ فترة، أوكل الملك أمر إدارة هذه المراسم إلى بيكلي بيكي، الذي يحدّد مكان كل شخص وكل محلة، وترتيب سير موكب كل من المحلات الاثني عشرة، ومكانها.. بعد ذلك [بعد حمل رؤوس القتلى من الأوزبك، ومرور الأسرى العثمانيين] يبدأ بيكلي بيكي بإدخال المواكب، لكل موكب عريش يحمله ثمانية إلى عشرة أشخاص.. وكما أسلفت تقوم مجموعة من العراة بضرب الصخور ببعضها، قافزين في الهواء صارخين: حسن حسين، حسن حسين، إلى أن تنقطع أنفاسهم، وبعد أن طافوا بالساحة مرّتين أو ثلاثة يدخل موكب آخر على نفس النحو، وكلما دخل موكب جديد دخل الموكب السابق له في زاوية من الساحة، لكي لا يعترض سبيله، وقد يضعون في بعض الأحيان طفلاً نائماً في العريش وكأنه ميت، ويبكون وينوحون من حوله، تشبيهاً لطفلي الحسين اللذين قتلهما يزيد خليفة بغداد [يقصد بذلك الشام]، بعد مقتل الإمام.. ويضعون إلى جانب قاعة الملك أريكةً مفروشة بالسجاد، حيث تكون خمسة أو ستة أقدام أدنى من القاعة، كما يضعون على الأريكة كرسياً عليه غطاء أسود، يجلس عليه خطيب ومن حوله ستّة من الخطباء جالسين على السجاد. ويتحدّث الخطيب لنصف ساعة عن مقتل الحسن والحسين، وبمجرّد أن يُنهي حديثه، يعطيه الملك والخطباء الآخرون ثياباً، لكنّ ثوب الخطيب المتحدث يكون فاخراً أكثر، وبعد ارتداء الخطباء أثوابهم، يجلس الخطيب ثانيةً على الكرسي، ويدعو الله لإطالة عمر الملك وملكه ودوام صحّته، وتبدأ هذه المراسم خمس ساعات قبل الظهر، وتستمر حتى الظهر، بعدها يذهب الملك إلى حريمه، ولا يبق أحدٌ من الناس أو المواكب في الساحة، ويجولون طيلة ذلك اليوم بالعريش في المدينة([141]).
وقد زار سائحٌ آخر، اسمه كاري (جملي كاري) إيران عام 1105هـ، في عهد الملك سليمان الصفوي، وقال عن هذه الطقوس: بدأت يوم الاثنين المصادف الثالث والعشرين من شهر آب، طقوسٌ في غاية الحزن بحلول الشهر [القمري] الجديد، ويقيم الإيرانيون هذه الطقوس كلّ عام لإحياء ذكرى إماميهما الحسن والحسين، ابني علي.. وتستمرّ هذه الطقوس لعشرة أيام، وتوضع طيلة هذه الفترة كراسي في الساحات والمعابر، يجلس عليها – بين حين وحين – خطيبٌ يتحدث عن مناقب القتلى والمصائب التي حلّت بهم، ويحضر جميع الناس للاستماع إلى المواعظ والمراثي، مرتدين ثياباً سوداء أو حمراء، معبّرين بذلك عن حدادهم([142]).
لكنّ حضور الشيعة تعدّى إيران ودولتها الشيعية بشكل ملحوظ، ليصل العراق والشام وحلب وحتى شرق الامبراطورية العثمانية، وكما يقول مارينو سانوتو، المؤرخ الإيطالي: إنّ الشيعة شكّلوا ثلاثة أرباع سكّان الأناضول بداية القرن العاشر للهجرة([143])؛ فلابدّ أن تكون المآتم الحسينية منتشرةً هناك أيضاً، وقد عثر على تقرير في مستندات الدولة العثمانية يشير إلى إقامة المأتم الحسيني من قبل طائفة <بكتاش> يوم عاشوراء، على الرغم من تشدّد الدولة العثمانية في هذا المجال([144])، ومن الطبيعي أن تكون المآتم الحسينية متّبعةً في مدن العراق كالحلة وكربلاء والنجف، حيث يذكر ابن طولون – أحد مؤرخي القرن العاشر – في حوادث الأعوام 907هـ – 924هـ([145])، المصادفة لحكم الملك إسماعيل الصفوي في إيران، أنّ الإيرانيين المقيمين في الشام (الأعاجم) أقاموا المآتم الحسينية يوم عاشوراء ويوم السابع من محرم، كما يذكر مواجهة أهل السنّة والحكومة لهم. ومن المحتمل أن لا يكون هؤلاء عجماً، لكن بما أنّ المآتم الحسينية كانت تقام في إيران، فقد تصوّر أنّ من أقاموا هذه الطقوس في دمشق إيرانيون.
وقد انتشرت وتنوّعت المآتم الحسينية من حيث سبل أدائها في هذه الفترة؛ لما تمتّعت به من دعم الدولة لها، بحيث تصوّر بعضٌ أنّ المآتم ظهرت في هذه الفترة، في حين كان قد مضى على ظهورها ثمانية قرون حين تأسّست الدولة الصفوية؛ فحين أصبح التشيّع مذهباً رسمياً لإيران، وانتشر في كافة أرجائها، ظهر مجتمعٌ شيعي متجانس ومتناغم، يؤدّي طقوسه من دون نقد من خارج المذهب، وهو الذي كان يؤديها سراً وعلانية أحياناً؛ لذا أبدع طرقاً جديدة في تأدية هذه الطقوس، حتى قال أفندي: <أضاف كلّ مجلس عزاء شيئاً على سابقه>، ولم يتمتّع جميعها برضا علماء الشيعة، كما عبّر هو عنها بـ«الأطوار الغريبة»، لكنّها لم تكن بشكل ينهى العلماء عنها([146]).
وقد أدّى تطور المآتم – من حيث الكمية والكيفية – إلى دخولها دائرة التقاليد الشعبية والوطنية، فأصبحت تقليداً دينياً – وطنياً، وانتقل هذا التقليد السائد بين الإيرانيين إلى الشيعة في المناطق الأخرى([147]) كالهند، وانتشر بالطابع الشعبي لتلك المناطق، وانتقل مع الهنود المهاجرين إلى دول أخرى، كأندونيسيا وحتى أميركا.
ونأتي هنا على ذكر قائمة من التقاليد المتبعة في إقامة المآتم في هذه الفترة، انعكست في رحلاتها ومؤلّفاتها،، وهي:
1ـ إضفاء طابع الحزن على المدن.
2ـ اكتساء المساجد والحسينيات والطرق بالسواد مع بدء شهر محرم.
3ـ ارتداء الناس الثياب السوداء، وعدم تهذيب مظهرهم، كعدم حلق الذقن أو ترتيب الشعر.. وكان بعض الناس يطلون جلودهم باللون الأسود ويجوبون الشوارع والأزقة.
4ـ إقامة المآتم في البيوت والمساجد في العشرة الأولى من محرم.
5ـ تجول مواكب العزاء في الطرق في العشرة الأولى من محرم، لاطمين صدورهم ضاربين أنفسهم بالسلاسل أو الحجارة أو أدوات حادة كالأمواس.
6ـ رفع الأعلام السوداء على أبواب البيوت.
7ـ رثاء الحسين والنواح والبكاء عليه في مجالس العزاء.
8ـ إطعام المعزين عشاءً.
9ـ اجتماع المواكب في مكان خارج المدينة.
10ـ تمثيل شخصيات واقعة كربلاء، كالحسين(ع) وأولاده وأهل بيته في الطرق، وسير هؤلاء الممثلين ملطّخين بالدماء صامتين. كما كانوا يضعون أطفالاً عراة على ظهور الجمال، تذكيراً بأطفال أهل البيت الذين أسروا في عاشوراء.
11ـ حمل تابوت عليه سيف وعمامة وأسلحة أخرى، وقيادة جياد من دون فرسان، وعلى ظهورها أنواع من الأسلحة والعمائم؛ تذكيراً بالحسين وأنصاره الشهداء.
12ـ حمل هودجٍ فيه طفلان، يمثلان طفلي الحسين، وقيادة جمال تحمل الهوادج.
13ـ عرض جلد خروف مذبوحاً توّاً على ظهر بعير تنبت السهام فيه.
14ـ تمثيل الرؤوس المقطوعة بالتماثيل أو بطرق فنية أخرى.
15ـ بكاء النساء ونواحهنّ في الطرق حين تفرّجهن على مواكب العزاء.
16ـ تجوّل مجموعة في الطرق، ضاربين الحجارة ببعضها؛ ليعلو من ذلك صوت حزين.
17ـ نثر التبن على رؤوس المعزّين.
18ـ حمل الرايات والأعلام والمشاعل والشموع أمام المواكب.
19ـ سير أشخاص إلى جانب تابوت الحسين(ع)، حاملين أطباقاً على رؤوسهم، عليها أنواع من السلاح، راقصين على صوت الطبل والناي.
20ـ ارتداء الثياب الغامقة اللون، أو الحمراء في العشرة الأولى من محرم.
21ـ إرتداء ثياب خضراء فاخرة ومزركشة.
22ـ قيادة بغل بسرج فاخر، وتزيين البغال بالرماح والأقواس والسيوف وأنواع السلاح.
23ـ إطلاق اثنتي عشرة حمامة.
24ـ سير 72 شخصاً لابسين الدروع بين المعزين.
25ـ الطواف بتماثيل خشبية لابن زياد وابن ملجم في الطرق، وحرقها في نهاية المراسم.
من مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع
الهوامش:
(*) باحث متخصّص في تاريخ الثورة الحسينية وفي تاريخ إيران.
([1]) الشيخ الصدوق، الخصال: 58، ح79، تحقيق: علي أكبر غفاري، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1410هـ، ط1؛ وله: عيون أخبار الرضا(ع) 1: 209، ح1، تحقيق: السيد مهدي حسيني لاجوردي، طهران، منشورات جهان؛ والمجلسي، بحار الأنوار 44: 225، ح6، تحقيق: دار إحياء التراث، بيروت، 1412هـ، ط1.
([2]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: 532، ح1، تحقيق: علي أكبر غفاري، قم، مؤسّسة نشر إسلامي، 1405هـ، ط1؛ وله: الأمالي: 694، ح951، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1400هـ، ط5؛ وبحار الأنوار 44: 252، ح2.
([3]) ابن قولويه، كامل الزيارات: 146، ح172، تحقيق: عبد الحسين الأميني التبريزي، النجف الأشرف، مطبعة المرتضوية، 1356هـ، ط1؛ وبحار الأنوار 44: 261، ح14.
([4]) الشريف الرضي، خصائص الأئمة: 47، تحقيق: محمد هادي أميني، مشهد، آستان قدس رضوي؛ وكامل الزيارات: 453، ح685؛ وبحار الأنوار 101: 116، ح44.
([5]) الطبري، دلائل الإمامة: 102، ح30، تحقيق: مؤسسة بعثت، قم؛ وكمال الدين: 282، ح36؛ وبحار الأنوار 43: 249، ح24؛ وكامل الزيارات: 144، ح170.
([6]) الخوارزمي، مقتل الحسين(ع) 2: 40، تحقيق: محمد السماوي، قم، مكتبة مفيد؛ والقرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 2: 453، تحقيق: مجدي فتحي سيد، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1415هـ، ط1.
([7]) يجدر بنا التذكير بأنّ لدى العرب سنّةً، تقضي بعدم إقامة المأتم على المقتول من قبل أهله حتى يموت قاتله أو يثأرون له، لكي لا تموت روح الانتقام لديهم أو يضعف عزمهم على ذلك؛ فكانوا يظنّون أن رثاء القتيل والبكاء عليه يطفئ نار الغضب والانتقام، ويقول جواد علي في كتابه المفصّل في تاريخ العرب (ج5، ص156): <وكانت العرب لا تندب قتلاها ولا تبكي عليها حتى يثأر بها، فإذا قتل قاتل القتيل، بكت عليه وناحت>. والشاهد على ذلك <منع البكاء على القتلى من مشركي قريش في غزوة بدر>، لكن خالف أهل بيت النبي(ع) وبنو هاشم سنّة العرب هذه وأقاموا المأتم في تلك الفترة، لكنّ امتناعهم عن الزينة، يدلّ على تأثرهم بسنّة العرب هذه في إحياء ذكرى القتلى مع تعديل عليها، وهو البكاء والرثاء، حيث قاموا به ولم يقم به العرب.
([8]) ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف: 180، تحقيق: فارس تبريزيان، طهران، دار الأسوة، 1414هـ، ط1؛ وابن نما الحلي، مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان: 77، 83، 87، 88، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عج)، قم؛ وأمالي للصدوق: 236؛ والفتال النيسابوري، روضة الواعظين: 209، تحقيق: حسين الأعلمي، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1406هـ، ط1؛ ومقتل الحسين(ع) 2: 37، 39؛ وتاريخ الطبري 5: 456، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار صادر؛ وابن كثير، البداية والنهاية 8: 193، تحقيق ونشر: مكتبة المعارف، بيروت.
([9]) الطوسي، الأمالي: 91، ح 142، تحقيق: مؤسسة بعثت، قم، دار الثقافة، 1414هـ، ط1؛ والطبرسي، الاحتجاج على أهل اللجاج 2: 104، 108، 109، ح170، تحقيق: إبراهيم بهادري ومحمد هادي به، طهران، دار الأسوة، 1413هـ، ط1؛ وابن طيفور، بلاغات النساء: 39، قم، منشورات الشريف الرضي؛ والملهوف: 198؛ وابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 76، النسخة الخطية، قم، مكتبة آية الله المرعشي.
([10]) الاحتجاج 2: 122؛ والملهوف: 213؛ ومثير الأحزان: 100؛ والبلاذري، أنساب الأشراف 3: 417، تحقيق: سهيل زكّار ورياض زركلي، بيروت، دار الفكر، 1417هـ، ط1؛ وتاريخ الطبري 5: 462، 464؛ وابن الأثير، الكامل في التاريخ 2: 577، تحقيق: علي شيري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408هـ، ط1؛ وأمالي الصدوق: 230، ح242؛ وروضة الواعظين: 211؛ والذهبي، سير أعلام النبلاء 3: 203، تحقيق: شعيب أرنؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1414هـ، ط10؛ وابن عساكر، تاريخ دمشق 69: 177، تحقيق: علي شيري، بيروت، دار الفكر، 1415هـ، ط1؛ وابن سعد، الطبقات الكبرى 1: 489، بيروت، دار صادر، ط5.
([12]) جاء في تاريخ اليعقوبي2: 245، أنّها بكت لاصطباغ التربة التي كانت لديها بلون الدم، وقد أعطاها الرسول(ع) إياها، كعلامة على استشهاد الحسين(ع) في المستقبل.
([13]) المفيد، الأمالي: 319، ح6، تحقيق: حسين استاد ولي وعلي أكبر غفاري، قم، مؤسسة نشر إسلامي، 1404هـ، ط2؛ وأمالي الطوسي: 90، ح140؛ وبحار الأنوار 45: 230، ح1.
([14]) الشجري، الأمالي 1: 164، بيروت، عالم الكتب، 1403هـ، ط3؛ والقاضي النعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار 3: 171، ح1919، تحقيق: السيد محمد حسين الجلالي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412هـ، ط1.
([16]) المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 2: 123، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت، قم، 1413هـ، ط1؛ والأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة 2: 280، تصحيح: السيد هاشم رسولي المحلاتي، بيروت، دار الكتب، 1401هـ، ط1؛ وتاريخ الطبري 5: 465؛ والكامل في التاريخ 2: 579.
([18]) الإرشاد 2: 124؛ والملهوف: 207؛ ومثير الأحزان: 95؛ وتاريخ الطبري 5: 466؛ والمزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 6: 429، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409هـ، ط1؛ وتاريخ دمشق 69: 178؛ والبداية والنهاية 6: 197.
([19]) البرقي، المحاسن 2: 195، ح1564، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، قم، مجمع جهاني أهل بيت^، 1413هـ، ط1؛ وبحار الأنوار 45: 188، ح33.
([21]) أبو الفرج الإصفهاني، الأغاني 16: 149، تحقيق: عبد علي مهنّا وسمير جابر، بيروت، دار الكتب العلمية؛ وتاريخ دمشق 69: 120؛ والبداية والنهاية 8: 210؛ وسبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 265، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، طهران، مكتبة نينوى الحديثة؛ والكامل في التاريخ 2: 579؛ وأمالي الشجري 1: 175؛ وأبو الفرج الإصبهاني، مقاتل الطالبيين: 90، تحقيق: السيد أحمد صقر، قم، منشورات الشريف الرضي، 1400هـ، ط1؛ والكليني، الكافي 1: 466، ح9، تحقيق: علي أكبر غفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1389هـ، ط2؛ وبحار الأنوار 45: 170، ح18.
([23]) القاضي النعمان، دعائم الإسلام 1: 227، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، مصر، دار المعارف، 1389هـ، ط3؛ وبحار الأنوار 82: 102، ح48.
([26]) كامل الزيارات: 167، ح219؛ والطوسي، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) 1: 341، ح202، تحقيق: السيد مهدي رجائي، قم، مؤسسة آل البيت^، 1404هـ، ط1؛ وذوب النضار: 144.
([28]) تذكرة الخواص: 239؛ ومقاتل الطالبيين: 110؛ وابن أعثم الكوفي، الفتوح 5: 26، تحقيق: علي شيري، بيروت، دار الأضواء، 1411هـ، ط1؛ وأمالي الصدوق: 217، ح239؛ وأنساب الأشراف 3: 377، 425؛ والإرشاد 2: 114؛ وسير أعلام النبلاء 3: 315؛ ولباب الأنساب 1: 350؛ وتذكرة الخواص: 268.
([31]) الخصال: 517، ح4، و272، ح15؛ وأمالي الصدوق: 204، ح221؛ وكامل الزيارات: 168، ح219، و213، ح306؛ والملهوف: 233، 234؛ والشهيد الثاني، مسكن الفؤاد: 92، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1412هـ، ط2؛ والطوسي، تهذيب الأحكام 2: 399، بيروت، دار التعارف، 1401هـ، ط1؛ وتاريخ دمشق 14: 386؛ وأبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 3: 138، بيروت، دار الكتاب العربي، 1387هـ، ط2؛ والبداية والنهاية 9: 107.
([32]) الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 108، ح1، تحقيق: علي أكبر غفاري، طهران، مكتبة الصدوق؛ والقمي، تفسير القمي 2: 291، تصحيح: السيد طيب الموسوي الجزائري، النجف، مطبعة النجف؛ وكامل الزيارات: 201، ح285؛ والملهوف: 86.
([33]) وصف الواعظي القزويني (1099هـ) حال الإمام السجاد هذه، في الأبيات التالية:
نور عين العبّاد، الإمام السجّاد،
الذي يهب الشمس نورها كما تهب هي القمر نوره
لم يقرّ له قرار لذكر واقعة كربلاء، وقلبه المسبح في نوح دائم
انظر: ديوان الواعظي القزويني: 499.
([34]) المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر 3: 242، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، مطبعة السعادة، 1384هـ، ط4؛ والخزاز القمي، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: 248، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني كوه كمري، نشر بيدار، 1401هـ، ط1؛ وبحار الأنوار 36: 390، ح2.
([36]) يستنتج ذلك من بيان الإمام(ع): «يأمر من في داره ممن لا يتّقيه، بالبكاء عليه»، وهو حديث ورد في مصباح المتهجد، ونقله الطوسي عن أبي صالح بن عقبة، فانظر: الطوسي، مصباح المتهجد: 772، تحقيق: علي أصغر مرواريد، بيروت، مؤسسة فقه الشيعة، 1411هـ، ط1.
([42]) ثواب الأعمال: 109، ح2؛ وكامل الزيارات: 210، ح301؛ ورجال الكشي 2: 574، ح508؛ والأغاني 7: 260؛ والكافي 8: 216، ح263.
([44]) أمالي الصدوق: 205، ح223؛ والكافي: 6: 391، ح6؛ ومناقب ابن شهر آشوب 4: 166؛ والكفعمي، المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات: 967، قم، منشورات الشريف الرضي.
([50]) مصباح المتهجد: 771، 772؛ وتهذيب الأحكام 6: 51، ح120؛ والمفيد، المزار: 51، ح1، تحقيق: السيد محمد باقر الأبطحي، قم، مؤتمر ألفيّة الشيخ المفيد، 1413هـ، ط1؛ وابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة 3: 64، تحقيق: جواد القيومي، قم، دفتر تبليغات إسلامي، 1414هـ، ط1؛ وبحار الأنوار 101: 105، ح11.
([51]) الصدوق، علل الشرائع 1: 225، ح1، بيروت، دار إحياء التراث، 1408هـ، ط1؛ ومصباح المتهجد: 773؛ ومصباح الزائر: 269.
([53]) مصباح المتهجد: 782؛ والمشهدي، المزار الكبير: 473، ح6، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، قم، قيوم، 1419هـ، ط1؛ والإقبال 3: 65؛ وبحار الأنوار 101: 303، ح4.
([58]) علل الشرائع: 227، ح2؛ وعيون أخبار الرضا 1: 298، ح57؛ وأمالي الصدوق: 191، ح201؛ والإقبال 3: 81؛ وروضة الواعظين: 187؛ ومناقب ابن شهر آشوب 4: 86؛ وبحار الأنوار 44: 284، ح18.
([62]) أمالي الصدوق: 190، ح199، و192، ح202؛ والإقبال 3: 28، 29؛ وروضة الواعظين: 187؛ ومناقب ابن شهر آشوب 4: 86؛ وبحار الأنوار 44: 283، ح17، و285، ح23؛ وعيون أخبار الرضا 1: 299، ح58؛ ففي عيون أخبار الرضا، عن الريان بن شبيب، دخلت على الرضا(ع) في أول يوم من المحرم، فقال: ..يا ابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله. ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره وشعارهم: يا لثارات الحسين.
([63]) عيون أخبار الرضا 1: 299، ح58؛ وأمالي الصدوق: 192، ح202؛ والإقبال 3: 29؛ وبحار الأنوار 44: 285، ح23.
([68]) المصدر نفسه 6: 391، ح6؛ وأمالي الصدوق: 205، ح223؛ وكامل الزيارات: 212، ح304؛ وروضة الواعظين:189؛ وبحار الأنوار 66: 464، ح17.
([69]) أمالي المفيد: 341، ح6؛ وأمالي الطوسي: 117، ح181؛ وثواب الأعمال: 109، ح1؛ وكامل الزيارات: 202، ح287.
([71]) ثواب الأعمال: 109، ح2؛ وكامل الزيارات: 209، ح298؛ وأمالي الصدوق: 205، ح222؛ وبحار الأنوار 44: 282.
([74]) كان اللطم على الوجوه وشق الجيوب من تقاليد العزاء قديماً، ويقومون بها حديثاً في بعض المناطق، وتبيّن هذه الرواية الحكم الفقهي لهذا العمل، لكنها تعتبره جائزاً بل محبّباً في المأتم الحسيني.
([85]) التنوخي، نشوار المحاضرة 2: 230، تحقيق: عبود شالجي المحامي، بيروت، نشر دار صادر، 1995م، ط2؛ وابن النديم، بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2654.
([90]) منطقة ديلم في شمال إيران هي مسقط رأس حكام البويهية، وتعدّ هذه المنطقة وما جاورها ـ كطبرستان ـ من المناطق الشيعية منذ القدم، خاصة وأنّ العلويين حكموا فيها لفترة؛ لذلك يعرفون بالديلميين أيضاً، كما عرفوا بتشيّعهم.
([91]) الحكم الفاطمي في مصر: أثمرت جهود الدعاة الإسماعيليين عام 296هـ، وأسّس عبيد الله المهدي الدولة الشيعية الإسماعيلية المعروفة بالفاطميين في المغرب، وقد أدّى عدم وجود حكومة قوية في مصر إلى استيلاء الدولة الفاطمية عليها عام 362هـ، ونقل الفاطميون عاصمتهم إلى فسطاط مصر، وقد اتسعت هذه الدولة شيئاً فشيئاً، حتى احتلّت الشام والحجاز، استمرّ الحكم الفاطمي لأكثر من قرنين، وانتهى بموت العاضد آخر الحكّام الفاطميين، عام 568هـ.
([92]) الكامل في التاريخ 5: 331؛ وابن الجوزي، المنتظم 14: 150، بيروت، دار الكتب، 1412هـ/ 1992م؛ ويوسف بن تغري البردي، النجوم الزاهرة 3: 334، المؤسسة المصرية العامة؛ والبداية والنهاية 11: 276.
([95]) تثبيت دلائل النبوة: 443، نقلاً عن رسول جعفريان، تاريخ التشيّع في إيران 1: 319، قم، انصاريان، 1375ش/1996م. وتدلّ المآتم التي كانت تقام لفاطمة الزهراء في هذه المناطق، على أولوية وجود مآتم للحسين، وبالشكل ذاته، أي النعي والنواح والبكاء والرثاء.
([116]) ابن الفوطي البغدادي، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة: 93، بيروت، دار الفكر الحديث، 1407هـ/1987م.
([127]) بيتر تشلكوفسكي، تاريخ وجنبه ادبي تعزية: 15، 16، وقد قدّم المؤلف هذا الكتاب كرسالة دكتوراه إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طهران، عام 47 ـ 1346ش/1967 ـ 1968م.
([128]) يقول الشعراني، مصحّح هذا الكتاب في الصفحة السادسة منه: <يقال بأنّ الكاشفي ألّف كتاب روضة الشهداء عامين قبل وفاته>، وبما أنّه توفي عام910هـ، فيعود تأليف هذا الكتاب إلى عام 908هـ، أي العقد الأول من القرن العاشر.
([130]) يقول رسول جعفريان في دراسته عن كتاب روضة الشهداء: <كانت المراسم تقام سنوياً في ماوراء النهر لإحياء ذكرى عاشوراء، وذلك قبل تأليف روضة الشهداء>. ويقول في موضع آخر: <روضة الشهداء شاهد محكم على أنّ المآتم الحسينية كانت تقام سنوياّ في عاشوراء وبحماس كبير في تلك الفترة.. ويدلّ محتوى الكتاب على وجود هذه المعتقدات. كما تؤكّد الأشعار المنقولة في هذا الكتاب على وجود أدب عاشورائي في اللغة الفارسية. انظر: مجلة آئينه بجوهش، آب/ 1995م، العدد 33: 36، 37.
([131]) أحمد منـزوي، فهرست نسخه هاي خطي فارسي (منظومه ها) [فهرس النسخ الخطية الفارسية] 4: 2931؛ ويشير آغا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة 9: 1179، و19: 219، إلى منظومة فدائي المسمّاة سيف النبوة ومشهد الشهداء.
([137]) تحفه فيروزيه: 166، نقلاً عن صفويه در عرصه دين، فرهنك وسياست [الصفوية في ميادين الدين والثقافة والسياسة] 1: 464.
([140]) سفرنامه بيترودلاواله [رحلة بيترودلاواله]: 122، الكتاب الرابع، ترجمة: شجاع الدين شفا، نشر علمي وفرهنكي، 1370ش/1991م، ط2.
([142]) سفر نامه جملي كارري [رحلة جملي كارري]، القسم الثاني: 125، الفصل الأوّل، ترجمة: عباس النخجواني، نشر: دائرة الفن والثقافة في آذربايجان الشرقية.
([147]) من مصاديق هذا الادعاء ما نقله سفير الصفوية في الهند الصينية في رحلته <سفرنامه محمد ربيع بن محمد إبراهيم>، المعروفة بسفينة سليمان، فقد كانت لهذه الحكومة ـ التي تقع حالياً في أراضي تايلندا ـ علاقات طيبة بالدولة الصفوية، ولتأثير التجار الإيرانيين على حكومتها، كانت تستعين بإيران في صراعاتها الإقليمية. ويذكر السفير الذي تزامنت مهمّته مع حكم سليمان، في مذكراته المآتم الحسينية التي كانت تقام في عاشوراء، فيقول: بدأ محرم من عام 1098هـ، وقد أمر الملك الذي تسلّم السلطة بمساعدة الإيرانيين ـ الذين كانوا يهمّون بإقامة مآتم الحسين(ع)، كما سنورد لاحقاً ـ أن يقيم أهل البلاط [الهند الصينية ودولة سيام] المآتم كلّ سنة على طريقتهم، واستجابة لرأي المرحوم آغا محمد، أمر بكسر الأصنام في المعبد الذي يجاور بيته، وبنى مسجداً مكانه، وأمر بفرشه وتأثيثه وإنارته بالشموع والمصابيح وتوفير الشراب وكلّ ما يلزم، ودفع لذلك مبالغ نقدية كل عام. وقد بالغ هذا العام باهتمامه في الأمر؛ لذا أقام الإيرانيون [المقيمون في تلك البلاد] المآتم، وأمر خدمه بالحضور يومياً في المسجد، حيث يعتلي الخطيب المنبر ويلعن عبدة الأصنام والكافرين بصوت عال، وفي الأعوام الماضية، كان يركب الفيل واقفاً، ثم يجوب الطرق وفقاً لتقاليد قديمة، فيقرأ الناس الفاتحة لصحّة قدوة الدنيا والدين، ولي النعمة الحقيقي، ويطلب فناء أعداء أهل البيت، ويطلبون له الهداية والرشاد. فانظر: سفينه سليماني [سفينة سليمان]: 74، 75، تصحيح: الدكتور عباس فاروقي، طهران، جامعة طهران، 1336ش/1957م.