دراسة تطبيقية في حقل الإسلاميات
د. حسين خنيفر(*)
د. السيد محمد مقيمي(*)
عرض البحث ـــــــ
يحظى البحث في مجال ثقافتنا الدينيّة بمنزلة وأهميّة حتى قيل فيه: يجبُ البحث حتى في المسائل التي لا مندوحة فيها من التقليد، أي لابدّ من اختيار الإنسان الذي نقلّده (المرجع) عن تحقيق، وأن نتعرّف على حدود التقليد بشكلٍ جيّد، ومن ثمّ يمكن الرجوع إلى المجتهد.
يقول الأستاذ الشهيد المطهري: «هناك فرقٌ بين العلم بمعنى كون الإنسان عالماً، وبين امتلاكه للروح العلميّة؛ فقد يتمتع الإنسان بروحٍ علميّة ولا يكون عالماً، وقد يكون عالماً ولا يتمتع بروحٍ علميّة. والعالم الحقيقي هو الذي يجمع بين العلم والتمتع بالروح العلميّة. والمراد بالروح العلميّة انبثاق العلم من غريزة البحث عن الحقيقة؛ فقد خلق اللهُ الإنسانَ مجبولاً على طلب الحقيقة، والمراد بطلب الحقيقة نزوع الإنسان إلى فهم الحقائق كما هي، وأن يتعرّف على الأشياء كما هي، وهذا متفرّع عن حياديّة الإنسان بالنسبة إلى الحقائق ومحافظته على عدم انحيازه، حيث يريد كشف الحقيقة كما هي، لا كما يريد لها أن تكون»([1]).
فمن خلال الالتفات إلى أهمية البحث وسعته، مع ملاحظة التطورات العالمية وما يحيط بنا، يجدر بنا استعراض المنهج الملائم والمناسب للبحث في حقل العلوم الدينيّة والمعارف الإسلامية، إذ يُعدّ هذا الأسلوب نوعاً من التطلّع إلى المنهجيّة والهيكليّة التي تعتبر أساساً في عملية البحث، وذلك لأن الملاحظ حالياً أنّ التتبع قد فتح لنفسه طريقاً في العلوم الإسلامية وأصبح سائداً حتى سبق في ذلك البحث والإبداع. فهناك الكثير من العلماء المجتهدين الذين أقاموا صروحاً وقلاعاً عظيمة من الحروف والكلمات، لكنك قلّما تجد من الباحثين من أقام نصباً للبحث في العلوم الدينية، وربما كان ذلك ناشئاً من تشتت الأساليب، مما يدعو إلى تنظيم منهجيّة البحث الديني.
تزخر المكتبات الإسلامية ـ ببركة وهمّة العلماء الكبار ـ بالكتب والموادّ الأوّليّة لنشر رقعة البحث والدراسات، يضاف إليها في كلّ يومٍ عددٌ من الآثار التي يمكن البحث والتنقيب فيها، إلا أنّ هذه الأبحاث تحتاج إلى تأسيس نظام بحثيّ ومنهجيّ نافع وناجع.
منهج البحث في حقول المعرفة ـــــــ
يجبُ على الباحثين في المجتمع العلمي التحلّي بوعي واستنباط وتحليل مناسب في دراساتهم وفروعهم التخصّصيّة، ليعمدوا بعدها إلى إظهار نتائج أبحاثهم ودراساتهم انطلاقاً من ذكائهم وذوقهم ومهارتهم العلميّة، في إطار موازين الكتابة العلميّة. ومن أهم الطرق التي تساعد الباحثين والمنتسبين إلى الهيئات العلميّة في الجامعات والمراكز العلميّة والبحثيّة في الحوزة والمدارس الأكاديميّة.. على عرض أو تثبيت أو نقل أفكارهم العلميّة التي حصلوا عليها طوال سنوات الدراسة والتدريس والبحث والمناظرة والقراءة المتواصلة، هو البحث وأساليب الكتابة ضمن منهج تحقيقيّ ناجع لهُ أركانه وخصائصه. وقد صرّح بعض الباحثين بأنه قد بُذلت حتى الآن جهودٌ كثيرة لتعريف منهجٍ نافع في هذا المجال، لكن ينبغي الإذعان بأنّ تقديم المنهج المتقدّم والعصري إنما يكون ممكناً إذا كان ناظراً إلى المجتمع بوصفه هدفاً وغاية، أي أنّ الحقل الدراسي الخاص يستدعي منهجاً مختلفاً([2]).
ومن الشروط السابقة والمهمّة فيما يتعلق بالبحث في العلوم الدينيّة هو الإندفاع نحو البحث والنماذج البحثيّة ومعرفة أساليبها، وهو ما يحصل في إطار منهج نافع وناجع، ومن خلال هذا المنهج المفيد يبرز المحققون والذين يتمتعون بأسلوبٍ إستنباطي، وذلك لأنّ الاجتهاد والاستنباط والتدبّر من أكثر المفردات حيويّةً، حيث تشرف على الآراء والمعتقدات الدينيّة وتدعمها على الدوام بمعين التهذيب والتشذيب، قال تعالى: ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ (النساء: 83)؛ فقد ربطت جملة: ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ في هذه الآية العلمَ بالاستنباط صراحة([3]).
وحتى لا يتوقع الناس إمكانيّة الوصول إلى الحقائق من خلال استنباطاتهم تشير الآية إلى إرجاع الأمر إلى الرسول وإلى أولي الأمر، وتدلّ هذه التعبيرات ـ إضافةً إلى الرجوع إلى المعصوم وغيره من العلماء ـ على أنّ الذي سيعلم هو الذي يتمتع بقدرة استنباطيّة.
خصائص المنهج البحثي الناجع ـــــــ
للمنهج البحثيّ الناجع في حقل العلوم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة ـ كي يتمكّن من المنافسة في مختلف الميادين ويستعرض ثماره ومستوياته العلمية ـ خصائص يؤدّي توفرها واجتماعها إلى دفع النظام إلى إنتاج المعطيات العلميّة الضروريّة التي تمسّ الحاجة إليها والمتناسبة مع متطلبات العصر، وكما يقول (دانتة الأليجيري): «إنّ النار العظيمة تبدأ من شعلٍ صغيرة»، كذلك الأمر بالنسبة إلى آحاد العناصر المؤلّفة للمنهج الناجع؛ فإنها بمنزلة الشعَل الصغيرة التي يؤدّي اجتماعها إلى حصول نارٍ عظمى يرتفعُ شعاع نورها إلى عنان السماء ويكون لها شأنها واعتبارها، وهذا الاعتبار في حدّ ذاته تابع لآرائنا، وكما يقول أليفر وَندِل هولمز: ما أنْ يتصلُ نظام أو منهج بتوجّهٍ جديد وفعالٍ، حتى لا يعود قادراً على الرجوع إلى ما كان عليه من المعايير الصغيرة غير الفاعلة أبداً([4]).
ربما كان تحقيق منهج فاعل أمراً صعبَ المنال، لكن كما قال نيتشه: إنّ الإنسان عبارة عن استفهامٍ يمكنه التأقلم مع جميع الكيفيات، والتغلّب على كافة المستحيلات، شرط أن يُريد ذلك([5]). وكما ذكر كارل سندبرج: إنّ كلّ حقيقة تكون في أوّل أمرها خيالاً ثم تتحقّق، فاذهبوا واعملوا على تحقيق الإبداع؛ وذلك لأنّ الإنسان لا يكون ـ عند إقامته منهجاً فعّالاً أو نظاماً جديداً ـ وليدَ الظروف، بل صانعٌ لها وموجدها([6])؛ وعليه فالمنهج البحثيّ الفاعل بحاجة إلى درجات من الجهوزيّة لعدد من الأهداف التي تمّ التخطيط لها([7]).
من جهة أخرى، تستدعي سعة الرقعة والمساحة الفكريّة ضرورة الإسراع في التفكير، ولتحقيق ذلك لابدّ من الاستفادة من وسائل مثل المختبرات المنهجية، والأنظمة البحثيّة التقليديّة، وطبعاً ضمن توجّه وطني، وأن تكون بشكلٍ أهم ذات صبغةٍ ومعرفة دينيّة (حوزويّة)، وكذلك يبدو استحالة تجنّب التوظيف الصحيح والنافع لشبكة الإنترنت.
ضرورة التحوّل والتخطيط الجديد لمنهجٍ بحثي ـــــــ
لا ينبغي لنا أن نغفل عن أنّ الإبداع ومواصلة النظام المنهجي في البحث إنما يكون تعريفه ممكناً في ظلّ الارتباط الوثيق بنوعيّته وتنوّع الحاجات. لقد أدّى توظيف وسائل نقل المعلومات إلى ارتفاع نسبة التحوّلات الفكريّة في ضمن تلبيته للحاجة المرتبطة بسرعة التفكير، والحركة الذهنية المتسارعة لدى الإنسان المعاصر. الأمر الذي يمنح الفكر المعاصر هويّة التمرّد؛ ولذلك تعدّ المنافسة العلمية الموصلة إلى الموقع اللائق والمناسب لشعبٍ من الشعوب في المساحات المكانيّة والعلميّة للمجتمع البحثي والمنتج في المناهج النافعة والمفيدة والعميقة من العوامل المهمّة والمصيريّة في عمليّة التقدّم والتنمية، التي يشكل المناخُ المناسبُ والحماية اللازمة والمقدّمات الضرورية والمفكرون والعلماء قاعدةً أساسيّة لها.
وإنّ أهمّ جزءٍ في هذه المساحة هو الاستفادة الجيّدة والناجعة من هذه المصادر والطاقات وإيصالها إلى مراحل الإنتاج النظري والعملي (الاستيلاد العلمي) والبحث المتواصل في النظريّات والنماذج والأساليب السابقة واللاحقة (التربية العلمية).
يسود اعتقاد حالياً أنّ التقنين والتمهيد للمناهج البحثيّة المتقدّمة والقياسيّة أمرٌ لا مفرّ منه للوصول إلى أكبر مستوى من الفرص التعليميّة والبحثيّة، والدخول في معترك التنافس والإبداع العلمي([8]). حيث تمّ السعي هنا إلى التعامل مع أبعاد من قبيل: الإبداع والتحوّل والتجديد في أركان المنهج البحثي والمقدّمات الأساسيّة والقواعد الفكريّة، ضمن العمل في إطار المحور الأصلي للبحث والمتمثل في تبيين حدود ورقعة بعض مكونات المنهج البحثي المتقدّم الذي يشكل مهداً لإنتاج وإبداع النظريات العلمية والمواضيع البحثيّة وفرص التنظير.
ارتهان الإبداع للولادة والتربية ـــــــ
الأفكار البديعة في كلّ حقلٍ من الحقول العلمية هي نتاج كلٍّ من الولادة والتربية، أي إنّ الفكرة البديعة تنهض من مهد الأفكار والأساليب والنماذج القديمة لإنتاج فكرة جديدة تكون خلاقة وعصريّة، وطبعاً كلا هذين الأمرين بحاجة إلى النقد والمناقشة، وذلك أنّ الأفكار العميقة والمتينة في مختلف الحقول العلميّة لا تحظى بالمكانة العلمية إلا بعد وضعها تحت مجهر النقد والتقييم([9]). وإنّ أوّل شروط عرض الفكرة هو تدوينها وجعلها في المتناول، والسماح باستعراض الأفكار العميقة (مع رعاية السّلامة العلمية) والسماح بنقد ومناقشة أسسها([10]).
ومنذ أن تأخذ إمكانيّة التناول هذه شكلها وقوامها الفكري إلى أن تتلبس بقالبها العلمي تقطع الكثير من المراحل، وهذا وإن لم يصدق في جميع الموارد لكنه يعدّ نتيجة مثاليّة له، وكلا هذين الوضعين يتحقّق في المنهج البحثي المتقدّم. إنّ الفكرة الجديدة التي تقوم من قاعدة (الولادة) تبدأ في العادة من حلقة صغيرة من المتخصصين تعرف بـ (حلقة الأفكار) لتخضع للبحث، ومن ثمّ يتمّ عرضها على مؤتمر لتعرض تحت مجهر نقد واختبار المخاطبين من الخبراء، لينتج من ذلك أحياناً فكرة أو مشروع تحقيقي أو مقالة([11]). والشرط الأساس في كلتا مرحلتي: الولادة والتربية هو التمهيد العلمي المناسب والتزوّد بالطاقة العلميّة الكافية والوافية، وإلا ستبقى الفكرة مهما بلغت سعتها طافية على السطح، ولا تبلغ مرحلة الرسوّ في الأعماق([12]).
ومن بين مجموع الأبحاث المتوفرة في المجتمع، يمكن اعتبار البحث الثقافي الديني والأساس الناظر في المحاور الجديدة من أقوى الأعمال البحثية. إذ إنما يتحقق ذلك من خلال الإذعان بتقدّم البحث على كلّ تنمية ثقافية واقتصاديّة وسياسيّة. وختاماً بالالتفات إلى الرؤية المنهجيّة التي تذهب إلى ضرورة الارتباط بين الأبحاث الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة أضحت التنمية النظريّة والعملية أصلاً من الأصول، وأضحى من الضروري نقل الأفكار الحديثة والتجربيات إلى جميع مجالات المجتمع، وأصبح هناك معنىً لحركة المجتمع وعناصره([13]).
الحرية الفكرية عنصر مقوّم للتطوّر البحثي ـــــــ
وفقاً للحياة الجديدة في الألفيّة الثالثة، واشتداد مسألة البحث في مختلف الأبعاد، ومقولة القفزة النوعيّة التي تحققها البلدان النامية وعلى الأخص المجتمع الإيراني، لا يبقى هناك شكّ في أولويّة إيجاد منهج تحقيقيّ فاعل ومتقدّم في الحوزة والجامعة، ومن الطبيعي في مثل هذا المجتمع الذي يطمح إلى بلوغ الأهداف التي ينشدها لحلّ المشاكل وتجاوز العقبات والصعاب، أن يوظف الإنسان المعاصر كلّ فكره وتدبيره لإنارة الطريق وتعبيده.
لو آمنا بتربّع الإنسان على قمّة الإبداع الفكري والتأمّل في الظواهر والاستغراق في التحليل، فلابد في المجتمع المعاصر المتغيّر من الارتباط المتواصل بوسائل العلم التطبيقي والنظري المتقنة والمعرفة المتقدّمة. ولو التمسنا حلّ المشاكل الاجتماعيّة ومعضلاتها من خلال البحثيّات العلميّة حتى تتكون الذهنيّة العلميّة في المجتمع تدريجيّاً وتغدو مبدعة وخلاقة، فلابدّ من التفكير في التعميق والترسيخ الشامل للثقافة العلميّة ـ البحثيّة بكلّ السبل المتوفرة والممكنة والمشروعة، وإعداد المناخ والظروف لنتمكن على المدى البعيد من إيجاد حسّ الفضول العلمي والإبداعي الذي تمسّ الحاجة اليه بشدّة.
يتوق المنهج البحثي الديني والفاعل من جهة إلى تأسيس بنكٍ للمعلومات يتألف طاقمه من المبدعين والمفكرين الدؤوبين، وإلى سلسلة من البحثيات المتقدّمة والمبدعة، وذلك للإحساس بالافتقار والحاجة إلى هذا النظم والسياق بشكل كبير، فلابد من إعداد الأرضيّة الثقافية المناسبة للتعرّف على الطاقات والكفاءات الإبداعيّة، ولا يتوفر ذلك إلا من خلال حريّة التفكير والعمل المتواصل والإشادة والتكريم، بغية إقامة مجتمع علمي دينيّ معاصر، ومن جهة أخرى لابد من تضارب الأفكار والآراء المتنوّعة ببعضها، ليتمّ اختيار الحاصل منها بوصفه أفضل الأقوال والآراء، وبعبارة أخرى: إنّ تحمّل العقائد والأفكار المعارضة وغير المسمومة بسعة صدر وحلم كبيرين، واجتناب جميع أنواع النظرة الأحاديّة، يعتبر من أهمّ الواجبات والضرورات، وينبغي أن يكون جزءاً لا يقبل الانفكاك، ودعامة أساسيّة في النظام التعليمي والبحث الديني الممنهج. وأفضل الطرق وأكثرها عقلانيةً إعداد أنفسنا لتقبل التنافس والإبداع، وأن نبني أنفسنا بناءً قويّاً بالاستناد إلى الأسس الثقافيّة والموروث العقائدي العريق.
الإبداع من لوازم المنهج البحثي الخلاق ـــــــ
يدخل الإبداع بوصفه حاجة بشريّة سامية في جميع أبعاد الحياة وخاصّة في حقل البحث، وهو عبارة عن التغيرات الواسعة وذات القفزة الفكريّة بحيث تشمل القدرة على إعادة هيكلة العناصر القديمة بطرقٍ جديدة([14])، وإنما يؤدّي ذلك إلى قابلية الاستيلاد والاستعراض العلمي في رقعةٍ من المعلومات وفي نطاق مفعمٍ بالفرص الممتازة.
ذكر «واط» في إحدى كتاباته: إذا أردت أن تكون مبدعاً فعليك أن تكون جادّاً إلى حدٍّ ما، وأن تصطدم بالآفاق المفتوحة والبعيدة والواضحة، وأن تبذل سعياً كثيراً وأن تقبل المجازفة، فالذي لا يقبل التحدّي ربما لا يتعلم شيئاً([15]). ولذلك لابد للمنهج البحثي والإبداعي الفاعل من أن يكون ذا أفق ونظرة واسعة، كي ينتج البحثيات البديعة. ويرى جيلفورد: إن إحدى وجوه الإبداع تكمن في التعاطي مع المشاكل أو سلسلة من المسائل الصغيرة والكبيرة في حقل من حقول التفكير. ويرى روجرز: إنّ الإبداع يعني إثبات الوجود، والبحث عن الاستقلال في إنجاز عملٍ فاخر. وقد بدأ البحث بشأن الإبداع والعناصر المكوّنة له على يد المختصّين في علم الاجتماع منذ أكثر من قرن، إلا أن مقدمات البحث قد تمّ التعاطي معها بشكل أكثر في عام 1950م على يد جيلفورد، حيث كان يذهب إلى أنّ الإبداع مرادف للتفكير المخالف القائم على (العثور على سبل جديدة لحلّ المسائل التي تعرض للمفكرين والباحثين) في مقابل التفكير الموافق القائم على (الحصول على الإجابة الصحيحة)([16]).
هناك من علماء النفس ومن بينهم السلوكيون الجدد، من يولي المنطلقات الإبداعية اهتماماً أكبر من الإبداع نفسه؛ فمثلاً كان الاعتقاد السائد بين علماء النفس قديماً يقوم على أنّ الإبداع ينشأ من الصراع المحتدم داخل كيان الفرد، ولا يظهر على السطح الخارجي ولا يرى النور إلا بعد أن تغيّر الطاقة الداخلية مسارها من الغايات الأوليّة إلى الأهداف والغايات المطلوبة اجتماعيّاً. ويشمل النتاج الإبداعي إبراز المحصولات الداخليّة عن طريق تفاعل النماذج البدائية والبالغة في التفكير، ولذلك يتمّ التمييز بين نوعين من النتاج الفكري: نتاج الفكر البدائي اللاواعي والمحفز وغير المتصل بالواقع، والنتاج الثانوي المنطقي والهادف والمتصل بالواقع. والمبدع هو الذي يستثمر التفكير الأولي دون الوقوع تحت تأثير سلطانه، ويستخدم التفكير الثانوي لتحويل الأطروحات الحاصلة من التفكير الأولي إلى أطروحاتٍ قابلة للتحقق.
أمّا الآراء الإنتاجيّة، فيولي أنصار التداعيات الذهنيّة([17])، والجشطالت([18])، الذين ينزعون إلى الاتجاه المعلوماتي، أكبر اهتمامهم بالنتاج الفكري منه إلى أسس ذلك النتاج. ويؤكدون بطبيعة الحال على نواحي مختلفة من هذا الإنتاج، لكنهم جميعاً يرون أن الإبداع نوعٌ اكتسابيٌّ من هذا الإنتاج، ينمو ويرتقي من خلال الممارسة والتعليم.
ومن خلال الاهتمام بهذه المبادئ والمفاهيم في أمر منهج البحث والمناخ الملائم يمكن تحقيق المحافظة على الموروث التاريخي والتقليدي الوطني بواسطة البحثيات المتناسبة وتحوّلات العصر إلى جانب البحثيات الأساسيّة. وينبغي أن يكون هذا المناخ بحيث يتأثر به الأشخاص ويتجهون نحو الأهداف المطلوبة([19]).
أنموذجٌ من عناصر النظام البحثي الناجع ــــــــ
يمكن القول بشكلٍ عام: إنّ ضرورة التحوّل في بنية المنهج القائم تقلّل الفواصل الموجودة على ما هي عليه حاليّاً من الكيفية وسائر الأنظمة المشابهة، وتعمل على هداية الطاقات البشريّة الكفوءة وتدخلها في خضم المعترك. وفيما يلي نستعرض ـ تتميماً للبحث ـ أنموذجاً بيانيّاً لخصائص النظام البحثي الفاعل في أبعادٍ ومكوّنات متعددة. ويمكن ملاحظة هذا الأنموذج في حقل العلوم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة.
النظام البحثي الناجع ـــــــ
1 ـ الأركان الرئيسية ـــــــ
أ ـ الخطورة والنجاح. ب ـ إمكانية تقبّل النقد. ج ـ آخر المقررات واللوائح النوعية. د ـ الرغبة في التحدّي.
2 ـ المسؤوليات ـــــــ
أ ـ الواقعية والبحث. ب ـ الاستجابة للمتطلبات العصرية (المحلية والأجنبية). ج ـ التعليم والمضامين المنهجية المناسبة. د ـ إعداد الكوادر المؤهلة. و ـ الإنتاجية وتقديم النتاجات العلمية.
3 ـ الظروف السلوكية ـــــــ
أ ـ التخصّص. ب ـ الاهتمام بالقوى البشرية الفاعلة والمتخصّصة. ج ـ العلاقات القوية والمؤثرة مع المراكز الأكاديمية (المحلية والأجنبية). د ـ الوعي والبرمجة طويلة الأمد. و ـ السبق في التحديث.
ضمن دراسة المناهج البحثية المختلفة يتمّ تقييم الأفكار التي أدّت إلى تشكيل هذا المنهج، ولا شكّ أنّ الفكر البشري ظاهرة تاريخيّة وتكامليّة، ومع وجود التفاوت الكبير والملحوظ الذي لا يمكن إنكاره في القدرة الفكرية لدى كلّ واحدٍ من أفراد البشر، ترد إمكانيّة القول بوجود خصائص مشتركة للتفكير في كلّ واحدٍ من المناهج([20]).
واقع النشاط البحثي في الدول المتقدّمة ـــــــ
ربما أمكن القول: إنّ التفكير أو بُنيته ومستواه مرتبط بالزمان، ويمكن إرجاع التفاوت القائم بين مختلف البنى والمناهج المتعددة والمتنوّعة إلى أهدافها المختلفة([21]). لقد سلك العالم المعاصر مساراً ارتقائيّاً فيما يتعلّق بالتخطيط للأنظمة البحثيّة الفاعلة؛ فمن خلال نظرة إلى الماضي التاريخي والحركة نحو البحث المحوري نجد أن الميل إلى الأسلوب الدراسي الاستقرائي ضاربٌ في القدم، فمثلاً منذ القرن الخامس عشر للميلاد قام فرانسيس بيكون ـ بوصفه رائد هذا الأسلوب من الدراسات مع تجنّب الاستنتاجات العامة ـ بتحويل مسار الأساليب الدراسيّة في البلدان الأوروبيّة لتصبّ في البحث والتعمّق، بحيث يمكن القول بأنّ الثورة العلميّة والصناعيّة في تلك القارّة كانت من نتائج النزوع إلى أساليب البحث العميق في دراسة الظواهر، وبطبيعة الحال فإنهم يرون أنفسهم مدينين في هذا التوجه إلى الموروث الشرقي. وتولي البلدان الصناعيّة حاليّاً أهميّة كبيرة للتحقيق العلمي والصناعي، ويخصّصون لها من خزينة الدولة ميزانيّة ضخمة، وتسعى بمختلف الطرق إلى تشجيع الباحثين والمحققين على إنجاز الأبحاث العلميّة.
من جهة أخرى، تولي الأنظمة التعليميّة والتعليم العالي في هذه البلدان أهميّة قصوى لإعداد الباحثين أيضاً. ويمكن الإذعان بشكلٍ عام بأنّ منهج التعليم القائم حاليّاً في العالم حتى في حقل الدين والأخلاق والفلسفة والمعرفة وتاريخ الأديان وعلم الاجتماع والقيم والمعتقدات المذهبيّة تقوم على أساس البحث المنهجي. ويكفينا التذكير بأنّ الميزانيّة البحثيّة في الجامعات الأمريكيّة قد ارتفعت في العقد الأخير من القرن العشرين إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في السابق، وأن ميزانيّة البحث التي رصدت في جامعات هذه الدولة مع نفقات المؤسّسات الإنتاجيّة والصناعية والدراسات الاجتماعية والفرعية مثل: الإدارة، والأديان، والاقتصاد وغيرها… قد بلغت في عام 1991م 2/1 مليار دولار أمريكي، ثمّ أخذ هذا الرقم فيما بعد سلّماً تصاعديّاً([22]).
أزمة الإبداع البحثي في الدراسات الإٍسلامية والشرقية ـــــــ
الإبداع والتجديد مُنتجٌ تمسّ الحاجة إليه لإيجاد خدمة أو محصولٍ جديد وإبداعي، وكذلك للاستفادة الفاعلة لمنهجٍ من المناهج. ولابدّ لإقامة منهجٍ بحثي فعّال مع فرض وجود المنهج الفعلي أو التوجّه التأسيسيّ أو أيّ افتراضٍ آخر، من تجاوز ستّ مراحل من أجل تحقيق ذلك. إنّ من الأخطار الرئيسة حالياً وتدعى بـ (شبه الركود) وتعمل على تهديد المنهج البحثي في حقل العلوم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة، هو التخبّط في مستنقع العادة والإصرار على الأعمال التكراريّة وغير الإبداعيّة، أو شبه المسبوقة وغير المبتكرة، والحركة في دائرة مفرغة، والإنتاج المكثف للمطالب والمسائل البديهيّة واللجوء إلى الشروح المتعدّدة والمتواترة بدلاً من البحث المنهجي والنقدي، وهو نوعٌ من التوقف في البحث.
من جهة أخرى أدى غياب المنهج التقييمي الفاعل إلى أن يزيد في الطين بلة، حتى أخذ بعضٌ يستشعر غياب العمل البحثي بمعناه الواقعي في حقل العلوم الدينيّة، بل الذي يحصل هو نوعٌ من النشاطات المكررة واللامتناهية وغير الفاعلة والتي لا تلبّي حاجة الأجيال المعاصرة وما يليها من الأجيال ولا تتناسب ومستوى البلاد الآخذ في التقدّم. يضاف إلى ذلك ما يحيط بنا من الفرص والتهديدات والآفاق والتوقعات وحالات الغفلة والتغيّرات والوقائع مما يمكن التأمّلُ فيه في مسيرة الإبداع نحو البحث المنهجي.
مراحل العقل الإبداعي في المعرفة، مقترح نظامي ـــــــ
وفي العملية الإبداعية لإقامة منهج أو نظام يتم اقتراح المراحل الآتية([23]):
مرحلة التكوين: حيثُ يعمل المنهج البحثي على إيجاد أو إصلاح البنية والتركيبة، أو تعديل وتنمية النظام من الداخل (بداية التحوّل).
مرحلة التطبيق: حيث يعمل المنهج البحثي على تحويل الأفكار الجديدة إلى محاصيل علميّةٍ وتطبيقيّة (المرحلة العمليّة).
أ ـ الاستثمار: حيث يقوم المنهج بعد إحداث التغييرات اللازمة بإنتاج المحاصيل الجديدة على ذلك الأساس.
ب ـ النمو: حيث يتم نشر وتعميم الأفكار الجديدة (مرحلة التعليم والتمهيد والترويج).
ج ـ البلوغ: حيث تتمسّك أكثر حلقات المنهج البحثي المنظم بالأفكار المطلوبة والجديدة (التعميم).
د ـ التحوّل الملحوظ: حيث يشهد الجميع الإبداع الجديد، ويتوفر الارتقاء الكيفي في أمر البحث وإنتاج النصوص العلميّة (المحاصيل العلميّة).
ويمكن ملاحظة الإبداع من المنظار المنهجي أيضاً، وطبعاً سيكون لهذه الرؤية مع مقولة منهج البحث ارتباط بالمعنى المتقدّم([24]). ويحتاج الإبداع لإقامة المنهج البحثي الفاعل إلى محرّكات يمكن دراستها في ثلاث مجموعات كليّة، وتلك المتغيّرات عبارة عن: 1 ـ المتغيّرات التركيبيّة. 2 ـ المتغيّرات الثقافيّة. 3 ـ متغيّرات المصادر البشريّة.
التمهيدات الأساسيّة للدراسات الإسلامية الخلاقة ــــــــ
لإقامة منهج بحثي فاعل وخلاق في حقل المعارف الدينيّة لابدّ من تمهيدات أساسيّة أرى ضرورة الاهتمام بها جيّداً:
1 ـ على العاملين المتحمّسين والمسؤولين في حقل العلوم الدينيّة أن يعملوا على القيام بدراسة جامعة للوضع السابق والراهن في سياق مشروع بحثي شامل في أربعة محاور ومن خلال رؤيةٍ علمية جامعة.
1 ـ 1 ـ محور المعرفة: دراسة الوثائق، والمستمسكات، والأنظمة، والمضامين الموجودة وتحليلها.
1 ـ 2 ـ محور دراسة نقاط الضعف والقوّة (داخل النظام) والفرص والتهديدات (خارج النظام).
1 ـ 3 ـ استخراج مقوّمات النظام السابق والراهن، ومن ثمّ استعراض النظام المطلوب.
1 ـ 4 ـ تطبيق النظام المطلوب.
2 ـ وفي ختام (دراسةِ الوضع السابق والراهن) يتمّ التخطيط لوضع النظام المطلوب، ويتمّ استعراض الفواصل بين الوضع السابق والراهن ونسبتها إلى الوضع المطلوب تحت عنوان (الحاجة) ولهذه الحاجة تعابير مختلفة، منها:
2 ـ 1.ـ إحساس الحاجة إلى التحول (البنيوي، والتمهيدي، والإبداعي) في المنهج البحثي في حقل العلوم الدينيّة.
2 ـ 2.ـ الحاجة إلى الإبداع وإعادة هندسة بنية المنهج البحثي في حقل العلوم الدينيّة.
2 ـ 3 ـ الحاجة إلى تدوين المقرّرات والقوانين الإبداعيّة في المنهج البحثي في حقل العلوم الدينيّة.
3 ـ تسرية البحث في بنية التعليم ومنحه مساحة كبيرة من الأهمّية والاعتبار الخاص، عسى أن يتمّم التأسيس للمجهود الشاقّ في إقامة المنهج البحثي الفاعل في هذا القسم من كيفيّة إمكان جعل المنهج التعليمي يدور ويتمحور حول البحث.
4 ـ تزامناً مع إثراء وإغناء التعليم بالأساليب البحثية، علينا أن لا نغفل عن الأساليب المختبريّة، حيث إن المورد الثالث والرابع بحاجة إلى التخطيط لترويج البحث في حقل العلوم الدينيّة. فحاليّاً ليس هناك أي فرد من الأفراد العاملين في هذا الحقل الدراسي من يستغني عن التعليم وخاصّة تعلم أسلوب البحث.
5 ـ إنّ هذه المكونات والأبعاد بحاجة إلى أنظمة مدوّنة أو تعديل وإعادة بناء في البرامج والدروس والأنظمة القائمة.
6 ـ هناك عقبة أخرى أساسية أمام تحقيق القابليات الموجودة للتحقيق ووضعها في قالب التخطيط لمنهج بحثي فاعل، وإن النقاط الآتية مصيريّة في هذا الشأن للغاية:
6 ـ 1 ـ ضرورة أن يكون أكثر العاملين في أقسام البحث الذين يمسكون بمقود البحث من الباحثين والمحققين.
6 ـ 2 ـ لابد أن يتوفر المنهج البحثي الفاعل على إمكانات ووسائل تحقيقية فاعلة من قبيل المكتبة البحثيّة المختصّة ومختبر أساليب البحث والمجلات البحثيّة التخصّصيّة.
6 ـ 3 ـ ضرورة أن يعمل المنهج البحثي الفاعل من خلال دراسة الأساليب المتوفرة على إخراج ما هو قديم والحفاظ على ما له قيمة تاريخيّة منها، ويسعى إلى إثراء الوضع الراهن طبقاً لحاجة الغد.
6 ـ 4 ـ ومن خلال أدنى تأمل في نماذج أركان منهج البحث الستة المتقدّمة تدرك ضرورة الاهتمام بها، وعلى وجه الخصوص ركن المصادر البشريّة منها، وذلك للأسباب الآتية: تمتع الناس (المصادر البشريّة) حاليّاً في المنظمات بأعلى درجات الأهميّة، ومن الضروري في مسألة البحث في حقل العلوم الدينيّة أن نقوم بحركة تغيير جذريّة فيما يخصّ المصادر البشريّة، وهذا التغيير لا يتم ضرورة بإقالة الأفراد، بل يتمّ أحياناً من خلال دراسة الأفراد ووضع كلّ منهم في مكانه المناسب (إعادة هندسة المصادر البشريّة). وإصلاح بنية المصادر البشريّة وضخّ الطاقات المكمّلة. والتغييرات الأساسيّة وتكميل المصادر الموجودة (إقامة بنك معلومات المصادر البشريّة). والأهم من الجميع المحافظة على المصادر البشريّة من خلال اللجوء إلى تعليمهم المتواصل.
فن إدارة البحث (المصادر البشريّة المؤثرة] ـــــــ
هناك بشكلٍ عام نوعان من المدراء؛ فمنهم من ينزع إلى تغيير المستقبل، ويتصوّر أنّ لديه القدرة الكافية على تحقيق تغيير ناجح داخل المنظومة والمؤسّسة. ومنهم من يسعى إلى تثبيت الوضع القائم في المؤسسة ويعارض إجراء أيّ تغيير فيها. ويسمّى النوع الأول من المدراء بالخلاق أو المبدع، بينما يصطلح على النوع الثاني منهم تسميته بالمشرف.
والمدير المؤثر هو الذي يتحلّى بكلتا هاتين الرؤيتين([25]). وكما يقول استيفنسن وغومبرت: إنّ الإدارة الخلاقة والمجدّدة والمبدعة تسعى دائماً إلى الحصول على إجاباتٍ مصيريّة في حقل البحث عن الأسئلة الآتية: 1 ـ أين تكمن فرص النموّ والإبداع أو التحوّل والتغيير؟ 2 ـ كيف يمكن تحسين الفرص المتاحة واستثمارها؟ 3 ـ ما هي المصادر اللازمة والضروريّة؟ 4 ـ ما هي سبل السيطرة على المصادر وجعلها في المتناول؟ 5 ـ ما هي البنية الأفضل؟ (البنية الفاعلة والمنظمة والمصادر البشريّة).
القواعد الفكريّة لإدارة البحث العلمي ـــــــ
فيما يتعلق بالإدارة الفاعلة والخلاقة والمبدعة خصوصاً لقيادة دفة البحث، هناك ثلاث قواعد فكريّة([26]):
أ ـ اتجاه المذهب الإنساني: يهتمّ المذهب الإنساني بالآراء والصفات المحددة للأفراد. فيحدّد صفات خاصّة ومحددة للمبدعين، وبعض الخصائص السلوكيّة (الصفات المحددة) للمدراء (خصوصاً في حقل البحث) هي: النجاح، والسيطرة، والاستقلال، والإقدام وحبّ المجازفة، والاستغراق في حلّ المشاكل والعقد، والعلاقات الاجتماعيّة، والكفاءة، والتأقلم.
1 ـ النجاح: أ ـ حاجة الأعلى إلى النجاح. ب ـ الشعور بالمسؤولية حيال نجاح النظام.
2 ـ الرقابة: أ ـ الحاجة القليلة إلى الرقابة (مع قليل من حرية العمل). ب ـ النشاطات المبرمجة ذاتياً، والإيمان القوي بالإمكانات الذاتية. ج ـ الاستفادة من أسلوب الرقابة الذاتية.
3 ـ الاستقلال: أ ـ حاجة الأعلى إلى الاستقلال في العمل. ب ـ التحرّك صوب استقلال المجموعة والنتاجات العلمية.
4 ـ القبول بالمخاطرة: أ ـ القبول بالمخاطرة المتوسّطة (يطلق عليها المخاطرة المحسوبة). ب ـ الدخول في المنافسات العلمية والبحثية.
5 ـ التدبير في حلول المسألة: أ ـ الخوض في الغموض والإبهام. ب ـ البحث عن الحلول.
6 ـ العلاقات الإنسانية: أ ـ خلق الظروف المناسبة المبنية على الدوافع. ب ـ احترام الباحثين.
7 ـ الحوافز: أ ـ الاهتمام بالحوافز التشجيعية والنشاطات المؤثرة على الآخرين. ب ـ كشف المواهب وتشجيع الاستعدادات.
8 ـ المطابقة: أ ـ قدرة التكيّف مع الظروف الجديدة. ب ـ القدرة على الخلق والإبداع في الظروف الغامضة والقدرة على اتّخاذ القرار المناسب.
ب ـ الاتجاه البيئي: يرى هذا النوعُ من التفكير تأثيرَ مجموعة من الأسباب البيئيّة المعقدة في تعيين كميّة وكيفيّة الأساليب والنماذج الناجحة، وتشتمل هذه الأسباب على المؤسسات والمنظمات والقيم الاجتماعيّة والمعطيات السياسيّة والفرص العلميّة التي لو تجمّعت مع بعضها في محيط فسوف تؤدّي إلى تكوين مؤسّسات ناجعة وفاعلة وأنظمة متقدّمة ومناسبة ولائقة.
ج ـ الاتجاه الجريء (الذي يتقبّل المغامرة والمجازفة): ويتمثل في أحدث رؤية في مجال التفكير الإبداعي، وهو إلى حدّ ما أكثر تعقيداً من سائر الأساليب.
تقول هذه الرؤية: إنّ الصفات البارزة لدى الفرد وحماية المحيط له وإن كانت ضرورية إلا أنها غير كافية. وانطلاقاً من هذه الرؤية لو تواجد أشخاصٌ يتمتعون باندفاعٍ وحماس كبيرين في مناخ مناسب، لا يكون ذلك ضامناً للإبداع بالضرورة، بل لابدّ لهم مع ذلك من تحديد فرصة للمجازفة، مع توفر مصادر الحماية في مجال عملهم من أجل استثمارها وتوظيفها([27]).
تطوير المراكز البحثيّة وإدارتها في المنهج البحثي الفاعل ـــــــ
يعتبر تأسيس المراكز البحثيّة وتفعيلها على مختلف الأصعدة من وظائف المنهج البحثي وسبل إشاعة وترويج البحث في المجتمع.
وطرق إدارة المنهج البحثي الفاعل تقوم على:
1 ـ التعيين الانتقائي والكيفي للمدراء والمسؤولين في المؤسسات البحثيّة.
2 ـ التعيين الانتقائي للممثلين من المتحمّسين والمؤثرين في المراكز البحثيّة.
3 ـ تحديث معلومات الأعضاء والمنتسبين في المراكز البحثيّة وإطلاعهم على الوقائع العلميّة والبحثيّة في البلاد.
4 ـ تجنب الاستبداد الإداري والهيمنة الإداريّة المملّة وغير المنسجمة مع نفسيّات وأمزجة المحققين والباحثين.
5 ـ تجنب ثقافة المحدوديّة في المراكز البحثيّة.
6 ـ تعزيز مستوى التعاون بين الأقسام والمجاميع المختلفة.
7 ـ تعزيز أواصر الترابط بين الإدارة والعاملين في المراكز البحثيّة.
8 ـ تنقية الروابط والعلاقات الإداريّة.
9 ـ تطوير ثقافة البحثيات العامة والارتباطات العالميّة.
الاستنتاج ـــــــ
يمكن القول بشكل عام إنّ هناك مختلف الأسباب الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والتاريخيّة والغائية التي تؤثر بأجمعها في تطوير البحثيات في حقل العلوم الدينية والإسلاميّة، ولم تتوفر قبل هذا الأرضيّة التي تساعد على تطوير المشاريع البحثيّة، ولذلك كانت العلوم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة تعاني نقصاً حادّاً في الباحثين، ويمكن الإشارة إلى هذا النقص الكبير من خلال ملاحظة محدويّة وندرة الأعمال التي تنجز سنويّاً في هذا المجال، بحيث يبدو أن عدد الباحثين المحترفين بالقياس إلى عدد الجامعيين والطلاب الذين يدرسون في فروع المعارف الإسلاميّة لا يتجاوز الواحد بالألف. فلابد من وضع مخطّط للتعويض عن هذا النقص وإقامة نظام منهجي، ويمكن في هذا المجال الإشارة إلى الأهداف الآتية:
1 ـ إنّ الاهتمام بالأسباب الإعدادية ـ ومنها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتاريخي والظروف التنفيذيّة فيما يتعلق بمسألة البحث واستيعاب المشاكل الأساسيّة والأصوليّة ـ يجعلنا قادرين على تجنّب الرؤية السطحية، وأن لا نصاب عند عرض المخططات الإصلاحية بالثقة المفرطة بالنفس، وأن نغدو أقوى عزماً وتصميماً على المتابعة والتخطيط لمنهج تحقيقيّ جامع وشامل.
2 ـ مع الالتفات إلى النقصّ الحاد في الباحثين، علينا أن نستشعر ضرورة الاستفادة القصوى من كفاءات وقدرات الباحثين المتوفرين عندنا.
3 ـ ضرورة التنويه بالمشاريع التي لا يؤدّي تنفيذها إلى التنسيق اللازم بين البحثيات في مختلف الفروع في حقل العلوم الدينيّة والإسلامية فحسب، بل ويمكننا أيضاً من خلال ذلك القيام بتحقيقات تكميليّة، وأن نرفع ـ ضمن التعمّق أكثر في الأبحاث ـ من قابلية البحث في الحوزات الدينيّة عن طريق الاستعانة بالباحثين.
4 ـ يتمّ التذكير بضرورة وأهمّية إقامة مشاريع التعليم والبحث وإعداد المحققين في حقل العلوم الدينيّة والإسلامية، ولا ننسى أنّ البحث قابل للتنظيم، إلا أنه يرفض القولبة.
5 ـ يتمتع حقل العلوم والمعارف الدينيّة بكفاءات وطاقات كامنة لو أمكن لنا استثمارها بشكلٍ صحيح ودقيق لخطونا خطوات واسعة وهامّة على صعيد التقدّم بأهداف البحث في المنهج الديني والمعرفي، إلا أن الاستفادة من هذه الإمكانات والطاقات يحتاج إلى تخطيط مدروس، وفيما يأتي نشير إلى بعض موارد تلك الإمكانات:
6 ـ إن خلاقية الطلاب والجامعيين من الشباب المتأثر بالثقافة الثوريّة يؤكد على البحث عن الذات. ومثل هذه النزعة تؤدّي إلى البحث وتحثّ وتشجع عليه، وتمهّد الأرضيّة لتطوير البحث في الحوزة العلميّة.
7 ـ لقد أدّى الحضور الواسع للطلاب في جامعات البلاد والمحافل العلميّة إلى حصولهم على معلومات أكبر فيما يتعلق بالبحث على المستوى العالمي. وإنّ تشجيع هؤلاء الباحثين البعيدين عن الحوزة والراغبين بالعودة، وتوظيفهم في مؤسّسات الحوزة البحثيّة سيؤثر قطعاً في التقريب أكثر بين دراسات الحوزة وبلوغها إلى المقاسات الكيفيّة العالميّة اللائقة بها.
8 ـ ظهور الإمكانات الارتباطيّة وإقامة التواصل الأكبر مع مراكز البحث العالمي من قبيل بنوك المعلومات أو نشر أخبار البحث العالمية مما يسهّل عمليّة تبادل التجارب والمعلومات البحثيّة. إنّ التخطيط للمناهج البحثيّة القائم على الاستفادة من الطاقات الكامنة المذكورة لا يؤدّي إلى تسهيل عملية استقطاب وإعداد الطاقات المحققة، بل ويمكنها أيضاً أن تكون دخيلة في تكوين القياسات البحثيّة المؤثرة في الحوزة العلميّة.
إنّ التخطيط والتنفيذ والترويج لهذه المشاريع المتقدّمة إنما يمكن عن طريق مخطّطات جامعة في المؤسّسات البحثيّة. وفي الأساس يعتبر تنشيط المؤسسات البحثية واحداً من طرق تطوير البحثيات في الحوزة العلميّة شرط أن تتمتع هذه المؤسسات بالقدرة على التخطيط للمشاريع الناجعة وأن تكون لديها الكفاءة اللازمة على تنفيذها.
الهوامش
(*)أستاذ مساعد في جامعة طهران، متخصّص في علم الإدارة.
(*)أستاذ مساعد في جامعة طهران، متخصّص في علم الإدارة.
([1]) المطهّري، التعليم والتربية في الإسلام: 30، منشورات صدرا، قم، 1999م.
([2]) نادر قلي قورشيان، البرمجة الوطنية الاقليمية: 20، مركز البحوث والعلوم، طهران، 2006.
([3]) رضا بابائي، شروط البحث في مجال العلوم الدينية: 27، مركز القرآن والعترة للنشاطات والبحوث، طهران، 2001م.
([4])Bloom, M.fascher, Evaluationg Practice Boston: Allyn & Bacon, 2001. p 216. .
([5]) محمد علي الطوسي، وضع السياسات في التربية والتعليم: 40، مركز العلوم والبحوث، 2000.
([6]) محمد مقيمي، منظمة الإدارة البحثية: 139، منشورات ترمة، طهران، 1998.
([7])H.R. Muki, management of systems, new delhi: smt. Sumitra Handa, 1995. p 287.
([8])Castilo, M, Standardization of standard Based Instruction. Journal of Educational Administration , 2002. p 208.
([9])Borg, W.R and Gall, M.D. Educational Research: An Introduction. 5th ed. London: Longman, 1984. p61.
([11])Merriam, S.B, Case Study Research in Education: A Qualitative Approach. San Francisco : jessey – Bass pub. 10ed, 2001. p90
([12]) قورشيان، البرمجة الوطنية الإقليمية: 3.
([14])shin, H. Edgar, Organizational psychology, third ed, N.Y: prentice Hall, 1999. p 80.
([15])panic disorder. Journal of psychotherapy practice Research. Amarican Journal of Psychiatry, 2001. p 32.
([16])Bulmer, Martin and warwick , Donald (Ed,s) Social Research in Developing Countries London, 1993. p 112.
([17]) نظريّة نفسيّة تنصّ على أنّ الانتماء أو المشاركة أو الخلط هو المبدأ الرئيس لجميع النشاطات الذهنيّة.
([18]) الغشتالت: صورة طبيعيّة أو بيولوجيّة أو سيكولوجيّة متكاملة، ولا يمكن اعتبارها مجموعة من أجزاءٍ متفرّقة.
([19])warren B.Brown & Dannis J Moberg, (1980), Organization Theory and Management, Toronto, Johnwiley & sons, 1980. p 418.
([20]) قورشيان، البرمجة الوطنية الإقليمية: 57.
([21]) محمود مهر محمّدي، بحوث خاصة بالوثيقة الوطنية للتعليم: 10، طهران، الأمانة العامة، للوثيقة الوطنية، طهران، 2005.
([22]) أحمد الأحمدي، أوضاع البحث في العالم: 7، معهد التعليم والتربية والدراسات التربوية الإسلامية، 2006.
([23])Griffin Ricky w. management, 5th ed., Delhi: Houghton Mifflin Company, 2005. p 367.
([25]) المقيمي، منظمة الإدارة البحثية: 135.
([26])Andrew D. Szilagyi & Marc J. Wallace, Organizatioanl Behavior and performance, 4th ed, Lonon: scott, foresman and Compay, 1965. p 139.