يعتبر الاصلاح وخاصة الثوري منه من الغايات السامية التي جاء بها الانبياء عليهم السلام وأوصيائهم ومن تبعهم,حيث كانت تطرح المفاهيم النظرية ويتم تفعيلها عمليا في واقع المجتمعات رغم تعارض هذه المفاهيم مع كثير من المسلمات الاجتماعية في ذلك الحين, ولعل أهم ما يمكن الاستفادة منه في سيرة ومسيرة العصمة أثناء الدعوة إلى الحق هو طرح المعطيات المتعلقة بالعقيدة والسلوك العام الاخلاقي وإن تعارضت مع ما اعتاد عليه المجتمع في ذلك الحين,وهو ما يدلل على أن هدف المصلح هو طرح الحقيقة التي تنقذ الناس من الجهل وتحفظ لهم كينونتهم الإنسانية وكرامتهم وتنظم علاقاتهم على هذا الاساس كان يتم رغم تعارضه مع المشهور الاجتماعي العام ورغم معرفة المصلح الانعكاسات والارتدادات التي سوف يتعرض لها نتيجة لطرحه لهذه الاطروحات الاصلاحية.
وطبعا تختلف الامور شدة وضعفا وأيضا تتزاحم ضمن قاعدة التزاحم في تحديد الأهم والمهم إضافة إلى الأخذ بالحسبان في قضية الطرح الاصلاحي مدى إمكانية الأخذ بالحقيقة أو ضياعها.
ولا ننكر أن حرية التفكير والتفاكر من الحريات الفطرية الطبيعية للانسان والتي جاءت الشرائع والاديان لتكفلها,وإن كانت متعلقة بالدين أي حرية التفكير والتفاكر في النصوص الدينية على شرط أن تكون بطريقة علمية وموضوعية من أهل التخصص فيما يتعلق بالأحكام الشرعية أما ما يتعلق بالفكر الديني فإن الباب مفتوح أمام العقول التي تستطيع أن تبحر وتخوض غمار هذا البحر متسلحة بسلاح العلمية والموضوعية في الطرح بما ينعكس إيجابا على الاثراء العلمي للفكرة وبالتالي الخروج بنتائج تصب في صالح خدمة الانسان.
الفتوى لغة:اسم مصدر بمعنى الافتاء,والجمع الفتاوى والفتاوي,ويقال:أفتيته فتوى وفتيا,وإذا أجبته عن مسألته,والفتيا تبين المشكل من الأحكام,وفاتو إلى فلان:تحاكموا إليه وارتفعوا إليه بالفتيا.[1]
وقال الراغب:الفتيا والفتوى الجواب عما يشكل من الاحكام,ويقال استفتيته فأفتاني بكذا..انتهى
الفتوى اصطلاحا:عبارة عن مرسوم ديني في الاسلام يقوم بإصداره علماء في الشريعة الاسلامية ومتخصصين في فهم النصوص الدينية يتحلون بصفات معينة نصت عليها النصوص الدينية الروائية المعتبرة.[2]
والفتوى هي المعبر الحكم الشرعي في المسائل الدينية المبتلى بها المكلف.
والحكم الشرعي هو:التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الانسان,والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة مبرزة للحكم وكاشفة عنه,وليس هي الحكم الشرعي نفسه.[3]
وفي قوله تعالى (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن)[4] قال بن عطية:أي يبين لكم حكم ما سألتم,قوله "فيهن" أي يفتيكم فيما يتلى عليكم.[5]
ولا يتصدى للفتوى كما هو معلوم في المصادر العلمية إلا المجتهد المتصف بمجموعة من الشروط التي تؤهله لهذه المهمة والوظيفة العظيمة والخطيرة, ويمارس المجتهد عملية الاجتهاد في استخراج الحكم الشرعي.
والاجتهاد لغة: الاجتهاد من الجهد بفتح الجيم أو ضمها,والجهد بمعنى القدرة والسعي والمشقة.[6] أو هو:"بذل الوسع للقيام بعمل ما"[7]
ويعرف الشهيد مرتضى مطهري الاجتهاد على أنه القدرة على تكييف المتغيرات واستيعابها وتوفير الأحكام الشرعية للمكلفين بما ينسجم مع روح الاسلام ومقاصده ويجسد أطروحته ونظرياته في الحياة وصلاحيته لإدارة شؤونها المختلفة.[8]
يعتبر الاجتهاد من الوظائف المهمة والخطيرة في الحياة البشرية لما له من صلة فطرية يرتبط بها الانسان بطريقة بديهية تلقائية ليشبع شعوره الفطري بالحاجة للارتباط بجهة غيبية قادرة حكيمة وعارفة , يريد كإنسان أن يحوز على رضاها من خلال القيام بطقوس معينة يعتقد انها تقربه من هذه الجهة لذلك هو دائم السعي إلى كل من يربطه بهذه الجهة ويخبره عن كيفية الوصول لها ونيل رضاها.
وبما أن الحدود والاحكام الشرعية هي امور غير متاح فهمها للجميع ,وتحتاج إلى علم خاص وقدرات وملكات خاصة لكي تنهض وتوضح الاحكام الشرعية وهو ما لا يتوفر إلا في نفر من الناس هم المجتهدون الذين حملوا على عاتقهم مهمة إيصال المراد الالهي من الاحكام الشرعية المنصوص عليها في النصوص القرآنية أو الحديثية عبر آليات عمل معينة إلى الناس ليتوافق سلوكهم في مختلف مجالات الحياة والشريعة الاسلامية.
وللاجتهاد وظيفة مهمة في حياة الإنسان نورد أهمها أثرا في ساحات الحياة البشرية من خلال ما طرح من آراء في هذا الصدد لعلماء ومفكرين.
يقول الشهيد محمد باقر الصدر عن وظيفة الاجتهاد:"تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة,لأن التطبيق لا يمكن أن يتحقق ما لم تحدد حركة الاجتهاد معالم النظرية وتفاصيلها"[9]
والاجتهاد هو( القوة الفعالة التي تستطيع قيادة مثلث(الفرد,المجتمع,السيادة"النظام والدولة")وتشرح لهم وظائفهم وتكاليفهم في جميع المناسبات الحياتية الواسعة.وهو وسيلة لتبيين التكاليف الدينية فيما يتعلق بالافراد والنظام الحاكم من أجل تحقيق غايات الدين وأهدافه,وهو يحدد مسار الحوادث الواقعة من منظار الدين,وهو يكون في القسم المتحول والمتغير من الحياة وليس القسم الثابت,فهو الناطق باسم الدين)[10]
والفتوى كونها نتاج وثمرة جهد المجتهد وعملية الاجتهاد فوظيفتها تكون في تصويب فعل المكلف وسلوكه وفق الرؤية الأقرب لإرادة المشرع , فتكون لها سلطة على الناس غير مباشرة إلا أنها فاعلة وقادرة على التأثير والتوجيه وتمثل سلطة حاكمة بيد الفقيه.
وحدود سلطة المجتهد إن صح التعبير لا تتعدى كونه يبذل الوسع والجهد في استنباط الأحكام الشرعية التي يبتلى فيها الناس,بحيث يكون على المكلف الرجوع فيها إلى الفقيه الجامع للشرائط فيقلده بها فقط أي بالاحكام الشرعية ولا تتعدى وظيفة المجتهد هذا أبدا كما جاء في الرسالات العملية.
الحرية:"هي هبة إلهية أزلية ,وصفة ملازمة لخلق الانسان وخلافته وضرورة من ضروريات نجاته وخلاصه وسعادته الأبدية,وعندما نلاحظ الغرب يستعيد نهضته ويرمي ظواهر القرون الوسطى وسلبياتها وراء ظهره حيث الحكم المطلق للكنيسة, وعندما نراه يسعى للوصول إلى الحرية التي وصل إليها بالفعل ولو بشكل نسبي,كل ذلك إنما يمثل جزءا من الطريق الذي تسلكه البشرية وهو الطريق الذي وضعه لها الأنبياء,فالحرية إذا هي التخلص من قيود الإنسان وتجنب عبادة الطاغوت,بما في ذلك الطاغوت الداخلي والخارجي أو العقائدي والثقافي والاقتصادي.[11]
أما الامام الخميني حينما سألته الصحافية الايطالية المعروفة أوريانا فالاتشي عن تعريف مبسط للحرية أجاب سماحته:
ليست الحرية مسألة يمكن أن يكون لها تعريف محدد,فالناس أحرار في عقائدهم,ولا أحد يجبرهم على اعتناق هذه العقيدة بالذات دون غيرها,لا احد يجبركم أنتم مثلا على السير في طريق معينة.لا أحد يجبركم على انتخاب هذا الشخص دون ذاك.لا أحد يجبركم على اتخاذ منزلكم في مكان دون آخر ,أو على اختيار العمل هناك,فالحرية هي شيء واضح إذا.[12]
وقال الدكتور علي شريعتي حول مفهوم الحرية:
"إن هذه الكلمة تمتلك بعدا عميقا وواسعا في الموسوعة الدينية,لكن معناها في إطار التاريخ والنظريات المادية الحديثة أصبح مختصرا وسطحيا وبلا معالم ثابته أو حدود واضحة,ومهما يكن من أمر قإن مما لاشك فيه هو أن الحرية تعتبر بعدا أساسيا من أبعاد الوجود الإنساني."[13]
فالحرية تشمل المعتقد والفكر بحيث لا يمكن لأحد أن يلزم أحد بعقيدة أو فكر على أساس القاعدة القرآنية القائلة:"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"[14]
وإنما المسألة خاضعة للجدل بالتي هي أحسن أي بالحجة والدليل والبرهان المعتمد على العقل,وهو ما يدلل على فتح أفق التفكير الانساني وإطلاق العنان له في ساحات إعمال العقل والتفكر والتدبر الآفاقي والأنفسي وطرح التساؤلات التي تدفع بالانسان نحو البحث للكشف عن المجهول الذي طرأ عليه أو طرح نفسه في ساحة النفس.
ولعل من المهم أن تخضع العقائد والافكار دوما لإعادة التحقيق سواءا عالمستوى التاريخي أو البنائي لأن الحاجة في معرفة الحقيقة هي كحاجتنا للماء تتجدد بتجدد الزمان والمكان.خاصة مع تطور ونمو العقل الانساني وتكامله واطلاعه على مزيد من الحقائق العلمية المنهجية في البحث,وهو ما يدفع بالعقل الناقد المتحفز لطرح التساؤلات بشكل مستمر وإعادة تثوير القضايا الفكرية والعقدية والاجابة عليها بطرق علمية موضوعية.
هذا إضافة لكثرة الشبهات المطروحة أو النظريات التي قدمت إلينا مع رياح العولمة وفرضت وجودها وتساؤلاتها على العقول مما يتطلب تجديد الرؤى والخطاب دون التنازل عن الثوابت.
ولكن هل الأفق مفتوح أمام العقل كي يقوم بعملية التثوير الذاتي للأفكار والقضايا العقدية دون أي عائق مما ينعكس على واقعنا بما يثري مسيرة التقدم الانساني بكافة مجالاته؟
عل في عصرنا الراهن تلعب الفتوى دورا كبيرا في فتح الآفاق العقلية أمام البحث الفكري والعقدي إما بشكل إيجابي أو بشكل سلبي.
فنحن لا يمكن أن ننسى أثر فتوى المجدد الشيرازي آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي قدس في تحريم التنباك,استشعارا منه بالمسؤولية الالهية لمنع النفوذ الاستعماري البريطاني في البلاد والمنطقة حيث كانت الفتوى ثورة ضد الاستعمار البريطاني وجرس إنذار أيقظ الكثيرين ونبههم إلى خطورة النفوذ البريطاني الاستعماري في المنطقة.
وأيضا فتوى الإمام الخميني قدس التي أهدر من خلالها دم سلمان رشدي لتعديه السافر على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله,حيث استخدمته المخابرات البريطانية كأداة في مشروع الاسلاموفوبيا في الغرب والعالم.
إلا أن وعي الإمام الخميني قدس لعواقب هذا الحدث دفعه لإهدار دمه بإصدار فتوى بذلك, خاصة أن رشدي أنكر ضرورة من ضروريات الدين وهي النبوة وتعدى على مقدس من مقدسات المسلمين تحت شعار حرية التعبير.
وهو ما يعتبر استخدام للفتوى في جانبه الايجابي بما يثور العقل ويدفعه نحن مزيد من الوعي فينعكس ذلك إيجابا على وعي الأمة ,خاصة أن فتوى الإمام الخميني فتحت أفقا جديدا للتفكير في واقع المسلمين حول الحريات والمقدس والعلاقة الجدلية بينهما.
إلا أننا لا ننكر أن سلطة الفتوى استخدمت من قبل البعض بطريقة حجرت على العقول واستخدمت طريقة الارهاب الفكري في منع فتح افق جديدة للبحث وإعادة قراءة التراث بشكل أكثر منهجية وعلمية وذلك لأسباب عديدة أهمها تقديس التراث لا من حيث معصومية النصوص التي جاءت بل من حيث معصومية رجالات التراث مع أن الأصل في النظر في المسائل هي للقول وليس لمن قال,مما نتج عنه مدرسة جديدة إن صح التعبير هي مقلدة المقلد,أي مجرد نسخ لما سبق وتعليق هوامشي للنصوص,دون المس أو التغيير أو التجديد أو إعادة النظر تقديسا للرجال رغم عدم معصوميتهم.
إضافة أيضا لتقديس النص وعدم إعمال العقل في كثير من الأحايين فيه,خاصة فيما يتعلق بالمسائل العقدية التي هي محل ابتلاء الإنسان والتي يتطلب فيها أن يبذل هو ما بوسعه للوصول لها دون الرجوع فيها للمجتهد,إلا أن عصرنا الراهن باتت فيه سلطة الفتوى تطال حتى معتقدات الناس لا فقط تكاليفهم الشرعية.
وأدخلت المعتقدات في دائرة التقليد أيضا رغم أنها واقعا بقترض أن تكون خارجها,واستخدمت الفتوى كسلاح قوي يمنع من خلاله أي طرح تجديدي يخالف المشهور أو الاجماع .
وقد لاحظنا صدور فتاوى عدة تضلل بعض من حاول أن يعيد النظر في التاريخ بصورة علمية موضوعية وإن اختلفنا معه أو اتفقنا معه,إلا أنه استخدم المنهج العلمي في البحث فيفترض أن تكون الأجواء في الرد هي أجواء علمية تناقش الفكرة لا تسقط صاحبها.
وقصة الشهيد الخالد التي طرح صاحبها نظرية حول أصل خروج الإمام الحسين عليه السلام قصة ماثلة أمامنا وكيف أن الردود من الطرفين تحولت لردود شخصانية بعضها خرج عن حدود اللياقة الادبية والاخلاقية بدل أن تكون ردود على الفكرة علمية وموضوعية ومنهجية تثري البحث وتفتح أفاق حرة أمام العقل.
وطبعا هكذا سلطة للفتوى بشكلها السلبي تضع العراقيل أمام التثوير والانفتاح العقلي,بل تمنع أي شخص من أن يطرح ما لديه من أبحاث جديدة قد يخالف بعضها المشهور أو الاجماع خوفا من أن يتم اسقاطه اجتماعيا من خلال سلطة الفتوى.
علما أننا نعتبر أن من وسائل قتل النفس المحرمة في القرآن ليس القتل المادي فقط وإنما يتعداه إلى القتل المعنوي والاجتماعي,واستخدام الفتوى بهذه الطريقة قد يعتبر مصداقا لقتل النفس.
نحن في وقت بأمس الحاجة فيه لطرح الاسلام كرسالة خاتمية وخالدة تحفظ العنصران الأساسيان في خاتميتها وخلودها وهما عنصرا الأصالة والخلود,وهو ما يتطلب تجديد الخطاب الديني,وإعادة النظر في الكثير من المسلمات بطريقة علمية موضوعية منهجية,وإعادة قراءة التاريخ على ضوء آخر التطورات والمعطيات العلمية والاستفادة من التجارب البشرية قراءة نقدية بعيدة عن أي قبليات ,وإعادة قراءة النص على ضوء القرآن كمرجعية معرفية من جهة وعلى ضوء الزمان والمكان من جهة أخرى.وهو ما يتطلب انفتاح عقلي كبير يقبل بطرح الافكار القادمة من أي جهة ويناقشها ويحاورها بالدليل الموضوعي المنهجي والحجة العقلية دون النظر لمن قالها ودون أن يمارس أحد دور الوصاية على عقول الناس.
واليوم أمام المشاريع الاصلاحية الكبرى الحقيقية التي تريد أن تطرح الاسلام بشكله الحضاري المحافظ على عنصري الاصالة والخلود كمشروع بديل واقعي وعملي وليس فقط نظري ,أمام هذا المشروع تقف سلطة الفتوى في كثير من الاحيان موقف سلبي بل معطل ,نعم قد يكون الدافع سليم وخوفا على الدين ومحافظة على الناس,ولكن لو وازنا بين المفسدة التي يخلفها هذا الواقع أمام هجمة العولمة من الناحية السلبية التي انقضت على هوية المجتمعات وباتت قادرة على أن تحل محل هذه الهوية لسلطتها التي سلبت العقول وغياب المشروع الاسلامي الحضاري البديل وانتشار ثقافة المنع والقمع باسم الدين, وبين ما يمكن أن نحرزه من فوائد إذا ما نهضنا فعليا بالمشروع الحضاري الاصلاحي,سنجد أن هذه السلطة الفتوائية تشكل عائقا بل عاملا مساعدا في طمس معالم الدين في نفوس الناس وهيمنة الثقافات الاخرى على عقول الناس لما تحمله من جديد مغري في ظاهره إلا أنه خاوي المحتوى وهو ما لا يدركه الكثيرين لأننا لم نعطهم البديل الناجح الذي يغنيهم عقليا وماديا ومعنويا, بل لا أبالغ لو قلت أننا من المساهيمن في دفعهم نحو هذا البديل العولمي من خلال الانغلاق على الذات وغلق الابواب أمام حرية العقل في التفكير والبحث الحر عن الحقيقة .
إن تفسيرات كثيرة صدرت حول تفسير حديث الفرقة الناجية إلا أن التفسير الاكثر قربا من الواقع هو الذي فسر الفرقة الناجية بالفرقة الباحثة عن الحقيقة,أي لا يوجد فرقة في راهننا تمتلك كل الحقيقة,وهو ما يدلل على أهمية فتح باب البحث وحرية التفكير والانطلاق نحو أفق رحب في عالم البحث عن الحقيقة وهو ما سيفتح افاق كبيرة جدا أمام تقدم البشرية قد لا يمكن إدراكها بالتمني وإنما بالممارسة الحقيقية لهكذا نوع من الحريات, وتمثل أمامنا تجربة الغرب التي لسنا بصدد تقييمها أو تقييم صحتها من عدمه وإنما تمثل أمامنا من حيث انفتاح الافاق المعرفية بها واعطاء العقل مساحات كبيرة في الابداع وهو ما انعكس إيجابا على التقدم والتطور الذي يعيشه الغرب,مع أنه مادي إلا أنها تجربة بشرية علينا الوقوف أمامها والاستفادة من جوانبها المشرقة رغم اعتراضنا أو عدم موافقتنا على مبانيها الفكرية ومنطلقاتها التي انطلقت منها,إلا أننا لا يمكن أن نتغاضى عن أن الحرية التي اتيحت للعقل في فضاءات البحث العلمي أعطته القدرة على الابداع والوصول إلى نتائج قدمت خدمات جليلة للبشرية لا يمكن إنكارها.
فالمشروع الاصلاحي اليوم يحتاج بداية النهوض من الداخل كي يستطيع أن يغني ثمار شجرته لتظلل بفيئها وتعطي من ثمارها للخارج,وتلعب الفتوى الدور الأبرز في ذلك كونها تمثل سلطة على المجتمع يمكنها أن تكون سلطة منع وكبح لكل ما هو جديد أو مخالف للمشهور والاجماع الذي يحتاج هو بذاته إعادة نظر وتمحيص من أهل الخبرة والتخصص,أو أن تلعب دورا إيجابيا في عملية التثوير العقلي وانفتاح آفاق الفكر والتفكير والتفاكر والنظر لما قيل وإثراء النقاش تحت قاعدة اضربوا الرأي بالرأي يخرج منه الصواب.
ولا ننكر أن للفتوى مسببات أخرى ومنطلقات عديدة أحدها سلطة العوام من جهة وأهمها النظام المالي من جهة أخرى وهو ما قد نتطرق له في القادم من الأيام.
[1] لسان العرب والقاموس المحيط
[3] الشهيد محمد باقر الصدر – دروس في علم الأصول-دار التعارف – ص 256
[5] المحرر الوجيز 2414 الطبعة الأولى – قطر
[7] الشهيد محمد باقر الصدر – دروس في علم الأصول-دار التعارف – – ص 250
[8] الاجتهاد والتجديد-دراسة في مناهج الاجتهاد عند الامام الخميني والشهيدين المطهري والصدر-إبراهيم العبادي ص76- دار الهادي
[9] السيد محمد باقر الصدر – الاتجاهات المنستقبلية لحركة الاجتهاد,مجلة الغجير (بيروت) العدد الأول(ديسمبر 1980 صفر 1401 ه)
[10] إبراهيم العبادي – مصدر سابق – ص 29
[11] مهدي بازركان – العودة إلى القيم – ص 385