ملاحظات نصية ومنهجية
د. السيد صادق حقيقت(*)
تعارض النص وغيره، اتجاهات في الفكر ـــــــ
عندما تتعارض الأدلة النصيّة (Textual reasoning) والأدلة ما وراء النص Meta – textual reasoning)) في خصوص المسائل الاجتماعية والسياسية ترى طائفة من المجددين الدينيين تقدّم أدلة النوع الثاني بنحو تنتفي الحاجة إلى الأدلة النصية والفقه السياسي. وفي هذه النظرية، حيث تنفصل ذاتيات الدين عن عرضياته، تصبح الأحكام الاجتماعية للشريعة زمانية ـ مكانية، ويفقد الفقه السياسي اعتباره، وتغدو العدالة وحقوق الإنسان ـ على سبيل المثال ـ أموراً ما وراء الدين، ولابد أن تتبين أحكامها قبل المراجعة إلى النصوص الدينية. وفي المقابل يميل التيار التقليدي والحوزوي إلى تقدّم الأدلّة النصيّة. والأدلة النصية في الفكر الشيعي هي عبارة عن: القرآن؛ وسنة المعصومين^؛ بينما يستند إلى الأدلة ما وراء النصيّة قبل الرجوع إلى النص، وتشمل ـ في الأصل ـ الأدلة العقلية، المنهجية، والتجريبية. بعض الفقهاء التقليديين ذوو نزعة حديثة (Teaditionist)، يجعلون النص هو المحور، ويهمِّشون دور العقل. ويعتقد أغلب الفقهاء التقليدييين أن في الشريعة جواباً عن جميع الموضوعات، ومنها: المسائل السياسية. فهُم أكثريون (Maximalist). وعلى العكس تجد المجددين المذكورين، وعلى ضوء توجه أقلي «Minimalist approach»، يعتقدون أن الدين لم يشرع للإجابة عن القضايا السياسية والاجتماعية.
وفي مقابل هذين التيارين يمكن الإشارة إلى اتجاه ثالث يجعل مبناه النظري تلفيق (Confluence) الأدلة النصية وما وراء النصيّة([1]). في التوجه القائم على ضوء النزعة التقليدية تخلق الأدلة الدينية وغير الدينية؛ بتعامل بنّاء، نتائجاً نسبية، وإن كانت الأدلة ما وراء النصيّة متقدمة من حيث الرتبة، لكن ذلك لا يعني انتفاء الحاجة إلى الأدلة النصية والفقه السياسي. وربما كان الاجتهاد الأصولي والفقه السياسي قد تعرض إلى صدمات في طول التاريخ، ويمكن ترميمه بالاستعانة بالمناهج الحديثة، وحتى التقليدية، إلا أنه لا يزال معتبراً. ويبدو أن تلفيق الأدلة النصية وما وراء النصية له آثار مهمة في العلوم الاجتماعية. وربما اعتبر نافذة لنقد تجديد الفكر الديني. إن توجه نظرية التلفيق توجه ديني وتوجه لا ديني. لكن وخلافاً للنزعة التقليدية فإن نقدها للأقليين يطرح من منظار منهجي. يرى سروش أن البحث عن حقوق الإنسان ليس بحثاً فقهياً ودينياً، بل هو بحث كلامي ـ فلسفي، والأهم من ذلك أنه بحث خارج إطار الدين، كالبحث عن الحسن والقبح، والجبر والاختيار، والله والنبوة، المقدّم على فهم وقبول الدين، والمؤثِّر في فهم وقبول الدين والخارج من مجال الدين([2]). ويبدو أن حقوق الإنسان إذا لم تكن فقهية ودينية تماماً، وإذا كان للدين كلام حول هذه المسألة، فالنتيجة أن حقوق الإنسان لا تعتبر مسألة غير دينية بالتمام.
وقبل الدخول في التفاصيل لابد من التذكير ببعض النقاط: أولاً: لا تهدف هذه المقالة إلى تبيين النقاط الإيجابية لتيار تجديد الفكر الديني، وإنما تتولى نقد أحد أبعاده فحسب. ثانياً: النقد الحالي نقدٌ دينيٌّ، لكنه ليس نقداً تقليدياً، بل هو نقد ديني منهجي. ثالثاً: لا نبحث هنا إمكان الجمع بين التنوير والدين، ونستعمل عنواناً مشيراً إلى طائفة يسمّون «المجددين الدينيين». رابعاً: ليس المقصود كافة تيارات التجديد الديني الموجودة، وإنما المراد هو التيار الغالب الذي يعتبر الأدلة النصيّة غير مجدية في مجال الاجتماعيات. ويدخل عبد الكريم سروش ضمن ذلك التيار. خامساً: يتمحور البحث حول الفكر السياسي والفلسفة السياسية. إن مشروع الفلسفة السياسية للمجدِّدين الدينيين لا تحظى بيننا بشكل منسجم، بل هي مسيَّسة بشدة. وعلى أية حال يمكن أن نتابع القضايا الأساسية للبحث بالنحو التالي:
القضية الأولى: توجد ثلاثة تيارات أساسية بالنسبة للأدلة النصية وما وراء النصيّة في ميدان الاجتماعيات: النظرية التقليدية (عدم فائدة العقل)؛ تيار التجديد الديني الغالب (عدم فائدة الأدلة النصية)؛ ونظرية التلفيق. واعتماداً على النظرية الأخيرة فبالرغم من تقدم الأدلة ما وراء النصية إلا أنها لا تعني عدم ضرورة الرجوع إلى الأدلة النصية. ويمكن التحري عن جذور هذا البحث في مسألة علاقة العقل والوحي، وإن كان يختلف من بحث الفلسفة السياسية والفقه السياسي.
الفلسفة السياسية والفقه السياسي، أيُّهما المقدّم؟ ــــــ
القضية الثانية: الأدلة ما وراء النصية متقدِّمة على الأدلة النصية. ومن أهم أسباب تقدم الفلسفة السياسية على الفقه السياسي ما يأتي:
أ ـ الفلسفة السياسية ـ مثل علم الكلام أو الفلسفة ـ تهيّئ الأرضية لفهم النصوص الدينية. فمن توصل إلى نتائج معينة في أبحاث الفلسفة السياسية، مثل: الحرية، والقدرة، والمساواة، والحكومة الصالحة، والعدالة، والمشروعية، فإنه يفهم النصوص الوحيانية والروائية ـ عن وعي وشعور أو لا عن وعي ـ بشكل معين. ولا يتحقق الاجتهاد وفهم النصوص بذهن خالٍ، وسيلحظ بعض الاعتبارات والمفروضات في تلك العملية شاء أم أبى. وتستطيع الهرمونيطيقيا (Hermenutic) أن تثبت بنحو الموجبة الجزئية أن فهم وتفسير النصوص مبني على مفروضات (السوابق الذهنية) وتوقعات المفسِّر. والفقيه الذي يتبنى فكراً تحررياً في الفلسفة السياسية لا يمكنه فهم الدين بوجه استبدادي وتوتاليتاري. إن الفلسفة السياسية والدلائل العقلية يمكنها أن تمهد الأرضية لفهم النصوص الدينية. كما أن الفقيه إذا كان يميل إلى الجبر أو إلى الاختيار في علم الكلام فإنّه سيفسّر النصوص الدينية في هذا المضمار.
ب ـ إذا استطاع العقل أن يثبت امتناع قضية بشكل قطعي في الفلسفة السياسية فلا شك أنه مقدّم على النقل، فإذا وجدت رواية أو آية في النصوص الدينية تخالف حكم العقل القطعي فإمّا أن نؤوِّلها أو نردها. وإنما يتمكن الدليل العقلي من إثبات قضية بشكل قطعي إذا انتمت بالدور أو التسلسل أو التناقض. ومن العلاقة بين العقل والنقل في الشريعة نقول: إذا كان الدليل العقلي يثبت مثلاً استحالة التجسيم على الله تعالى، ووجدنا آية أو رواية([3]) على خلاف ذلك، فلابد في المرتبة الأولى أن نؤوِّلها إذا كان سندها صحيحاً، وفي المرتبة الثانية إذا لم يكن ذلك فلا سبيل لنا سوى ردّ هذه الرواية. وفي الأبحاث الفقهية ربما نطرح الصور العقلية للمسألة قبل الرجوع إلى النصوص (الآيات والروايات)، فإذا ثبت عقلاً امتناع إحدى الصور فلابد أن تحمل النصوص على الصورة أو الصور الأخرى للمسألة. وعلى سبيل المثال: عندما تطرح خمسة احتمالات لنظرية التنصيب (تنصيب الولي الفقيه)، ويثبت امتناعها العقلي، نحمل الروايات الواردة في باب ولاية الفقيه على نظرية الانتخاب([4]).
والسؤال الذي ربما يطرح هنا: هل يمكن وجود حكم عقلي قطعي في الفلسفة السياسية، بحيث يمكن تقديمه على الآيات والروايات المعتبرة، أم أنها ليست سوى استحسانات وأمثالها؟ والجواب بالإثبات بنحو كلي. ونشير هنا إلى نماذج من تلك الأبحاث في الفلسفة السياسية، دون الخوض في الجزئيات، والنقض والإبرام لمصاديق المسائل.
يقدِّم مهدي الحائري اليزدي في كتابه «حكمت وحكومت»، وفي بحث «عدم إمكان التشريع في الجزئيات»، استدلالاً عقلياً؛ ليثبت استحالة جعل الولاية (السياسية) حتى للمعصومين^. ويمكن المقارنة بين هذا الاستدلال وبين الإثبات بنظرية النصب عن طريق برهان اللطف، فيعتقد الخواجة نصير الدين الطوسي أننا إن لم نصل إلى الواقع في جزئيات المسائل فهذا خلاف مقصود الشارع، إذاً لابد أن يكون قد نصَّب شخصاً. ويرى مهدي الحائري أن هذا البرهان ليس يمكن الخدش فيه فحسب، بل إن تنصيب ولي الأمر في الأمور الإجرائية (التنفيذية) محال من الأساس. ويعتقد أن امتثال أو عصيان التكليف يمكن تصوره بعد وجوده الوضعي، والوجود التشريعي للتكليف أيضاً مؤخر عن إرادة تشريع الحكم. إذاً الضامن لتنفيذ أي قانون يكون خارجاً عن وضع وتشريع القانون. فإذا أراد الله أن يبين الضمانة التنفيذية للقانون (الولاية السياسية) فلازمه تقدم الشيء على نفسه بمرتبتين، وسيُنتج الدور المضمر: «ومن النتائج الأخرى لهذه الدراسة أنه لا يمكن لحكم، مهما كان مهماً ومعتبراً، أن يكون ناظراً لتنفيذه،، وضامناً لامتثاله، أو مانعاً من تركه وعصيانه؛ لأن امتثال وعصيان أي تكليف وحكم إنما يُُتصور بعد الوجود الوضعي لذلك الحكم أو التكليف، وصدور أي حكم وتكليف إنما يتحقق بعد الإرادة التشريعية للحكم. فيتضح من ذلك أن مرحلة امتثال أو عصيان التكاليف الشرعية من قبل المكلفين تتأخر بمرتبتين من الإرادة التشريعية لذلك الحكم من قبل الشارع والحاكم. ولا يمكن إطلاقاً أن يكون امتثال أو عصيان الأحكام من خصوصيات وشروط موضوع الحكم. والتي ستكون ـ بطبيعة الحال ـ مقدمة على نفس الحكم وإرادته التشريعية. والحاصل أن الضامن لتنفيذ أي حكم وقانون لابد أن يكون عوامل لا علاقة لها ـ على الإطلاق ـ بالحكم وقواه التقنينية، وخارجة بالكلية عن مسار تشريع القوانين والأحكام الوضعية»([5]).
والحاصل من هذا الاستدلال أنه لما كان امتثال التكليف أو عصيانه (المتعلق بالتنفيذ) متأخِّراً بمرتبتين عن الإرادة التشريعية فإن ضامن تنفيذ أي قانون لابد أن يكون خارجاً عن وضعه وتشريعه،، ولا يوجد أي قانون وضعي يكون بنفسه القوة المنفذة له. وعلى هذا الأساس يمكن الادعاء أن القيادة السياسية للمعصومين^ أيضاً تكونت باختراع أتباعهم. إن المسؤولية التنفيذية تقع على عاتق المكلَّفين، وليس لمقام النبوة أو الإمامة دور تشريعي في تنفيذ التكاليف. ويعتقد مهدي الحائري اليزدي أنّه لم يتفوه أيُّ فقيه ـ سني أو شيعي ـ عن حق الفقيه في الحكم والقيادة.
وكان غرضنا من نقل كلامه أن نبيّن إمكانية الاستدلال العقلي في مجال الفلسفة السياسية، وبالتالي تقدّمه على ميدان الفقه السياسي (أدلة النصب والانتخاب)، وأنّ هناك أعلاماً كتبوا في هذا المجال. والحقيقة أنّه يمكن الخدشة في استدلاله العقلي من ثلاث جهات:
الأولى: بالرغم من تأخر التنفيذ عن الإرادة التشريعية بمرتبتين إلا أنّه لا يوجد تأخر بين تشريع الشارع في مورد الجزئيات وبين إرادته التشريعية. وفي الحقيقة فإن هناك خلطاً بين «نفس التنفيذ» و«تشريع الشارع في مورد الجزئيات»؛ لأنّنا لو سلّمنا أن نفس الامتثال يتأخر بمرتبتين عن الإرادة التشريعية فلا يستلزم ذلك تأخر التشريع الإلهي في خصوص الإجرائيات. ولا يلزم من جعل الشارع حدوداً للإجرائيات (كأن يقول: إن كذا مسألة بيد الفقيه أو ليست بيده) تقدّم الشيء على نفسه بمرتبتين، ولا غيره من المحالات([6]).
وقد طرح هذا الانتقاد بعبارة أخرى: وقع خلط بين مسألة «النظام الحكومي» والامتثال وتنفيذ أفعال المكلفين، فالنظام الحكومي المبحوث عنه ظاهرة اجتماعية، ولها آثارها وأحكامها، والتي تكون مراقبة امتثال المكلفين جزءاً منها أحياناً. و«النظام الحكومي» كغيره من الأحكام الأولية الأخرى، والذي يتضمن مصلحة ومفسدة، يمكن أن يدخل تحت التقنين، كالقانون الأساسي الذي يعين عقلياً من أجل كيفية إجراء القوانين نوع الحكومة وهيكلها. وينبغي أن لا يخلط بين مسألة الحكومة والهيكل الحكومي وبين لزوم الامتثال الذي هو حكم عقلي، فإن لزوم الامتثال أمر عقلي، أمر بنظام حكومي خاص، ولا يعادل الإلزام بالامتثال، لكي نقول: إنّ وجود الإلزام العقلي بالامتثال يغني عن الأمر بنظام حكومي خاص([7]).
الثانية: لو غضضنا الطرف عن الجواب المتقدِّم فإنّ هناك جواباً آخر يستنبط من المسائل المشابهة في أصول الفقه. إنّ تقدم الشيء على نفسه إنما يلزم عندما يكون الشارع قصد بأمر واحد تحديد الإجرائيات والتشريع في ذلك المجال. فإذا حدد الشارع الإجرائيات في أمر آخر لا يلزم تقدم الشيء على نفسه أو أي محال آخر. والحاصل من إمكان الجعل والتشريع في الإجرائيات لزوم وضرورة الرجوع إلى الأدلة العقلية والنقلية لولاية الفقيه([8]).
الثالثة: إنه في موارد الإجراء تلك يمكن القول: إنّ «منع الغير من الظلم» أو «إجبار الغير على امتثال الأوامر» هي بذاتها ذات ملاك بهذا التوضيح: إن مفسدة الظلم تنتج تكليفين: أحدهما: بالنسبة إلى فاعل الظلم (طبعاً قبل القيام بالفعل)؛ والآخر: بالنسبة للآخرين. إذاً يتوجه إلى الظالم خطاب: «اجتنب الظلم»، ويتوجه إلى الآخرين خطاب: «وامنعوا من ظلم الظالم». وبعبارة أخرى: إن مقام الإجراء هنا غير «الأمر بالامتثال» أو «الإلزام بالامتثال» في الموارد الأخرى([9]).
والاستدلال الآخر في مجال الفلسفة السياسية، الذي نشير إليه من باب تكثير المثال: الإثبات العقلي لحاكمية الشعب في بحث المشروعية السياسية. وملخص هذا الاستدلال، الذي ذكره عبد الكريم سروش، بهذا الشكل:
المقدمة الأولى: إن القدرة بلا سيطرة خطرة، وإنْ كانت في يد فرد عادل (القدرة ـ بالقوة ـ تؤدي إلى الفساد).
المقدمة الثانية: إن السيطرة الذاتية على القدرة (وهي: التقوى، والعدالة، ليست كافية. إذاً للناس الحق في مراقبة القدرة.
المقدمة الثالثة: كل فرد له الحق في المراقبة (والعزل)، فبطريق أولى له الحق في الحكومة أيضاً.
النتيجة: للشعب الحق في الحاكمية (السياسية)([10]).
ولاشك أن القبول بهذا الاستدلال يهدد نظرية النصب والانتخاب. إذا كانت الحاكمية حقاً للشعب فسوف لن تثبت الولاية بالنصب ولا بالانتخاب. وبعبارة أخرى: إذا كان هذا الاستدلال تاماً فلابد من حمل الروايات التي توهم النصب والانتخاب على وجه آخر.
وفي نفس الوقت فإنّ االمقدمة الثالثة في الاستدلال المتقدم تواجه إشكالاً بأن يكون أحد الاحتمالات أن النصب (الولاية) والمراقبة (من الناس) بُيِّنت من قبل الله تعالى. وبناء على ذلك فلا دليل على أن المراقبة حق لكل فرد، وتكون له الحاكمية بطريق أولى. والاحتمال الآخر أن أصل الولاية مشروط بإرادة الناس (الرعية). وعلى ضوء ذلك فإنما تتحقق الولاية في حالة إقبال الناس. ولا شك أن رأي الناس مؤثِّر حتى لغرض دوام الحكومة، فلو أرادوا يمكنهم عزل الحاكم. وعلى ضوء هذا الاحتمال ستكون ولاية الفقيه ـ حتى بشكل النصب (مشروطة برأي الناس) ـ قابلة للإثبات. ولا شك أن هذا الاحتمال يختلف عن الفرض المتقدم (حق الحاكمية السياسية للناس)([11]). ومن الجدير بالذكر أننا لسنا هنا في صدد إثبات أو رد نظرية النصب والانتخاب، بل نريد فقط بشكل سلبي بيان عقم الاستدلال المتقدم الدال على المشروعية الشعبية (المشروعية المأخوذة من الشعب).
ج ـ إذا كان العقل (بما هو عقل) يحكم بحسن شيء أو قبحه فإنّ الشرع سيحكم به أيضاً، ومن باب الملازمة. فعلى سبيل المثال: يحكم العقل بحسن العدل وقبح الظلم، والشرع أيضاً يؤيد ذلك. وربما يطرح هنا هذا السؤال: هل أن حكم العقل يقتصر على حسن العدل وقبح الظلم؟ ونظراً لسعة مفهوم العدل، وعدم جدوى حكم العقل في التشخيص الدقيق لمصاديقه، فهل أن حكم العقل (بما هو عقل) لا يفقد فاعليته؟ ربما أمكن القول في الإجابة عن هذا السؤال: إنّه لا يوجد دليل على انحصار حكم العقل بالمورد المذكور (حسن العدل وقبح الظلم). وعلى سبيل المثال: إن العقل (بما هو عقل) يحكم بقبح جميع القدرة لشخص واحد، وحسن مشاركة الناس في الجملة في الأمور السياسية. ولما كان الفقه والنصوص الدينية لم تأتِ بالجزئيات للحياة البشرية، ولما كانت بعض الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد أوكلت إلى العقل، فنحن لا نجد دليلاً إلزامياً ـ بعد إثبات إمكان الرجوع إلى الأدلة الدينية ـ بعد الرجوع إلى الأدلة الروائية والوحيانية. وفي الحقيقة فإن الدين يرشدنا ـ هنا ـ إلى الإباحات الأصلية، ويستطيع الناس اختيار طريق بحسب عقلهم وذوقهم. ومن البديهي أن العقل هنا لا يمنع من استنباط الأحكام، ولا يكون مشمولاً لقاعدة الملازمة (ما حكم به العقل حكم به الشرع).
دنيوية الفقه وتاريخية الشريعة ــــــ
القضية الثالثة: إن الفقه السياسي والاجتهاد معتبر في مجال الاجتماعيات أيضاً. ومن وجهة نظر بعض المتنورين الدينيين أولاً: لا يمكن تأسيس النظام بالفقه، ويمكن للفقه الإجابة عن بعض الأسئلة فقط([12]). وثانياً: الفقه علم تابع، دنيوي، ويبين الحلية، ويختص بالظواهر، وبأخلاق ضعيفة ومستهلك، وأقلّي، ومتأثر ببنية المجتمع، يتمحور على التكليف، وقائل بالمصالح الخفية([13]). وعلى هذا الأساس فإن علم فقه المعاملات دنيوي بالكامل، وتابع للعقل الجمعي، والمصالح الظاهرة. وهكذا أحكام سياسية واجتماعية يحدّها الزمان والمكان، وتقيدها شروط خاصة: «لم يبعث الأنبياء الإلهيون، ومنهم: نبي الإسلام، لتغيير مستوى الناس، ولا لتغيير مستوى معرفتهم، وقد قال المؤرِّخون والفقهاء: إن تسعة وتسعين بالمئة من أحكام الإسلام الاجتماعية أحكام إمضائية…، وهذا ما نقوله: إن هذه اللامساواة من عرضيات الإسلام، وناشئة من الظروف التي بُعث فيها النبي‘، ولا تعتبر من القيم الإنسانية المطلقة والمتعالية، ولهذا السبب يمكن أن تشملها الاجتهادات المعاصرة، وتترك محلها للأعراف والآداب والقيم الأخرى. وكما أنها تحفظ مقاصد الشارع»([14]). إذاً يلزمنا أولاً قبل الرجوع إلى القرآن والسنة مباشرة أن نتعرف على مقاصد الشريعة بالتفريق بين الذاتي والعرضي (الأحكام الزمانية والمكانية)([15]).
ويوضح شبستري تاريخية النصوص ليس فقط بالهرمونيطيقيا، بل بفلسفة اللغة أيضاً. فإن اللغة تكونت من علائم (sings). والعلائم ـ على خلاف الأسطورة ـ أمر تجريبي يحكمه الزمان والمكان. ولما كانت اللغة لها هيئة زمانية ومكانية إذاً فالنص يغدو تاريخياً، أي إن للمفاهيم تاريخ ولادة وانتهاء([16]).
وعلى ضوء كون أحكام الشريعة «أقلية» فليست الرسالة الأساسية للدين تقديم برنامج للحياة الدنيوية، وإنما أوكلت تلك الأمور إلى العقل البشري. ونظراً للتغير الدائم في هذه القضايا لا يمكن أبداً جعل أحكام أبدية لها([17]).
ولهذا السبب فالأصل الأولي عند مواجهة الشريعة وأحكامها هو التاريخية، وكونها أبدية استثناء، ويحتاج إلى دليل. ويعتقد سروش «أن الإسلام حركة تاريخية، وتاريخ مجسم لمهمة، والبسط التاريخي لتجربة نبوية تدريجية الحصول…، فالنبي هو إنسان، وتجربته إنسانية، وأتباعه أيضاً بشر.
ويتولد من مواجهة تلك العناصر الإنسانية بالتدريج دين إنساني يصلح لبني البشر، والذي يمثل إجابة لوضعهم الحقيقي. وقد ظهر الإسلام وسط هذا التعامل، وكان تكوّنه تاريخياً تدريجياً، وتكوَّن القرآن بالتدريج استجابةً للحوادث، أي أن الأحداث الزمانية كان لها حصة في تكوين الدين الإسلامي»([18]).
وبالرغم من أننا لا نتوقع من الفقه أن يكوّن لنا نظاماً، لكن ذلك لا يعني طرح الفقه جانباً في كافة الأمور الاجتماعية والسياسية، ولا تعني ضرورة إعادة النظر في المفروضات والمباني الفقهية عدم صلاحيته بشكل تام. وكذلك فإنّ الاهتمام بمقاصد الشريعة مؤشِّر على اعتبار الفقه، لا عدم اعتباره. والذين طرحوا فقه المقاصد، كالشاطبي، كانوا يرومون إصلاح هذا الحقل العلمي، ولم يقصدوا اقتلاعه من الأصل.
وما تقدم في القضية السابقة لا يعني التقدم التام والدائمي للفلسفة السياسية والأدلة ما وراء النصية على الفقه السياسي والأدلة النصيّة. الأصل ـ في الاجتهاد ـ هو دوام أحكام الشريعة. وعليه فالموارد التي تخصص بزمان أو مكان هي استثناء([19]). ولا يمكن للعقل أن يدرك بنحو قطعي ماهي الحكمة في حكم القصاص؟ وربما جعل الله تعالى في قصاص النفس مصلحة ثمرتها إحياء الحياة الاجتماعية: {وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الألبَابِ}. ومن جهة أخرى فإن الدليل العقلي في أكثر الموارد له أحكام جدلية الطرفين. فالنزاع الطويل للشيوعيين والليبراليين على طول التاريخ كان من هذا القبيل. وكثيراً ما كان الرجوع إلى النصوص الوحيانية مفتاحاً للحل. وفي خصوص هذا المورد يبدو أن وجهة النظر الإسلامية هي نحو من محورية العدالة الاقتصادية مع أجواء سياسية مفتوحة. ويعتبر الشهيد مرتضى مطهري النظام المطلوب أشبه بالنظام الاشتراكي الديمقراطي([20]). وربما كان مبنى هذه النظرية استحداث ظاهرة الرأسمالية، وآيات مثل: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ} (الحشر: 7). وعلى هذا الأساس فإن قوت الفقراء لابد أن يؤخذ من أموال الأغنياء؛ لأن علة فقرهم أعمال الأثرياء الاحتكارية. وإن الله سبحانه سيسأل الأغنياء عن أموالهم يوم القيامة: «إن الله فرض في أموال الأغنياء قوت الفقراء»، و«ما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك»([21]). وإذا كان الله تعالى يعلم أن الحقوق المالية الواجبة على الأثرياء لا تكفي للفقراء لزاد الله سبحانه على ما فرضه: «إن الله فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم»([22]). وعليه فحيث لم يوجد دليل خاص معتبر ويقيني (في الأدلة غير الدينية) على امتناع الرجوع إلى النصوص المقدسة في الأحكام السياسية والاجتماعية فلا يمكن الاستغناء عن الرجوع إلى الفقه السياسي. والغرض من الفقه السياسي هنا اصطلاحه العام، الذي يشمل كافة الأجوبة والمفروضات والمسائل التي يعرضها الإسلام حول قضايا الحقوق الأساسية والمفاهيم السياسية والحقوق الدولية، أما مسألة تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد فهي مسألة لابد من بحثها في نفس الاجتهاد، وبملاحظة أساليبه وطرقه. والأحكام العقلية والقطعية في الفلسفة السياسية ليست من الوفرة بحيث تغنينا عن الرجوع إلى النصوص الدينية.
والآيات والروايات المتعلقة بالسياسة ليست بذلك المقدار من القلة في الكتاب والسنة، بحيث يمكن غضّ الطرف عنها. وتستطيع المناهج الجديدة أن تُحدث تحولاً في الفقه، أما المستقلات العقلية الموجودة في الفقه السياسي عند الشيعة فليس لها أثر خاص. وعليه فلغرض التحول في مجال الفكر الاجتماعي والفلسفة السياسية نحتاج إلى إحياء العقل. «يعتقد بعض علماء الشيعة المتأخرين أن العقل مصدر بالقوة في الفقه الشيعي، بمعنى أنه بالرغم من أن العقل، وعلى أساس ضوابط علم أصول الفقه، يستطيع بمفرده أن يكشف الحكم الشرعي، ويرشدنا إلى الأحكام والتكاليف الدينية، إلا أن ذلك لم يحصل في الواقع ولو في مورد واحد»([23]). والحاصل أن كل ما قيل حول الفقه من قبل هؤلاء المجدِّدين يثبت ضرورة إصلاح وإنتاجية أوفر للفقه، لا عدم جدواه وتركه جانباً.
التجديد الديني والانتقال من المعاملات إلى العبادات ـــــ
القضية الرابعة: إن تأملات المتنوِّرين لم تقتصر على الاجتماعيات، وإنما سرَتْ إلى العباديات أيضاً. وفي هذا الإطار فقد أشكل على تقليد الأعلم([24]) بنحوٍ ما، وانتهى الأمر بالتشكيك في أصل التقليد للمجتهدين في كافة المسائل، بل واعتقد البعض أن اليوغا ورياضيات الهنود الحمر تصلح بديلاً عن العبادات الشرعية أو مكملاً لها. والحقيقة أن تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد ليس بنسبة واحدة في بابي العبادات والمعاملات. ففي باب العبادات؛ وبسبب عجز العقل البشري عن إدراك ملاكات الأحكام، سوف لن يكون للزمان والمكان تأثير حقيقي؛ أما في باب المعاملات فأولاً: إنّ تعيين الموضوع موكولٌ للعرف؛ وثانياً: إن أكثر مصاديق المعاملات إمضائية، وليست تأسيسية. لقد وضع الشارع المقدس العبادات، كالصلاة، بكيفية خاصة؛ لحِكَم خاصة ليست عللها ومناطاتها بأيدينا. ويتساوى مكلفو اليوم مع المكلفين في صدر الإسلام في تلك الحِكَم، أو نفرض على الأقل بأن الأصل هو هكذا أمر. تنطوي العباديات على علاقة الإنسان بالله تعالى، وقلما تتأثر تلك العلاقة ذات الطرفين بالزمان والمكان، وبالمصاديق، والاقتضاءات المختلفة. وعلى العكس من ذلك فإن المعاملات، التي تكون إمضائية في الغالب، وكانت موجودة أيضاً قبل الإسلام؛ تتأثر بقوة وفقاً لاقتضاءات الزمان والمكان. ولا تنافي بين إمضائية المعاملات وتحديدها من قبل الشارع، علماً أن احتمال التعرف عل مناطات الأحكام في المعاملات أقوى بكثير منه في العبادات([25]).
التجديد والأسلمة ــــــ
القضية الخامسة: إن الأسلمة إنما تصح في المفروضات (القبليات) فقط. والأسلمة هي محور مشروع الإسلام السياسي، وإنْ كان هناك أشخاص ـ كالتقليديين ـ يقولون بمشروع الأسلمة، لكنهم لا يشغلون موضعاً في الحوار الإسلامي. ومن وجهة نظر عبد الكريم سروش فإن «كل ما له ذات وماهية في نفسه لا يكون بذاته دينياً، لأن الشيء لا تكون له ذاتان وماهيتان. لذلك لا يمكن ـ مثلاً ـ أن يكون علم الاجتماع دينياً بذاته، أو أن تكون الفلسفة بذاتها إسلامية أو مسيحية. كما أنه لا يمكن أن تكون الحكومة بذاتها دينية، إلا بالعرض وفي مقام الوجود الخارجي. وهل يقول العلمانيون غير ذلك؟»([26]).
وإذا أردنا تعدية هذا البحث إلى حقوق الإنسان أيضاً فيمكن القول: إنه لا يمكن أن تكون لدينا حقوق إنسان دينية أيضاً، إلا بلحاظ الوجود الخارجي، أو بطريق المجاز. وهذا ما يقبله العلمانيون. لكن ربما يمكن القول: إن هذه الأمور لكي تتصف بأنها «دينية» فلا يشترط أن تكون ذات الحكومة وأمثالها متحدة مع الدين، بل يكفي اتحادهما في مقام التحقق والوجود الخارجي، وهذا لا يجعل الاتصاف مجازاً أو بالعرض. وبالإضافة إلى ذلك فليس من المهم بالنسبة لنا أن تكون لحقوق الإنسان، أو للأخلاق، ذات مستقلة أو لا، المهم أن يكون للدين بذاته نحو ارتباط بالأخلاق (وحقوق الإنسان). وليس البحث عن اتصاف هذه الأمور بكونها دينية، بل المسألة هي أنه هل يوجد في الدين الإلهي دستور أو أمر حول تلك المسائل أم لا؟([27]).
وعلى أساس نظرية التلفيق فإن معنىً خاصاً من الأسلمة هو المقصود، ويصح اتصاف الفلسفة السياسية بقيد «إسلامية» بلحاظ المفروضات (القبليات)([28]). كما أن حقوق الإنسان يمكن إغناؤها عن طريق التعاليم الدينية. وقد بحث الكاتب في مقالة منفصلة إمكان إغناء حقوق الإنسان الليبرالية الهزيلة. وتتأتى سعة (وضخامة) حقوق الإنسان الدينية من حيث إن حقوق الإنسان الليبرالية النحيفة والأقليّة يمكن إغناؤها بواسطة الدين الإسلامي، كما أن الاجتماعيين يعتقدون أن حقوق الإنسان والأخلاق الليبرالية تتسع (وتتضخم) من خلال التقاليد والثقافة والدين الإسلامي. إن حقوق الإنسان النحيفة عامة وشاملة، بينما تكون حقوق الإنسان الدينية (حقوق الإنسان من وجهة نظر الدين) حجة على مَنْ يعتقد بها. وفي نفس الوقت فإن حقوق الإنسان النحيفة تعتمد على المباني والأخلاق الأقلية، وتحتاج لكي تتسع إلى مصدر وحياني. وبالرغم من أن حقوق الإنسان حقوق للإنسان بما هو إنسان، لكن يمكن أن يكون كاشفها هو الإنسان المنقطع عن الوحي أو المصادر الوحيانية؛ وذلك بافتراض أن «حقوق الإنسان الإسلامية»، ليس أمراً متناقضاً([29]). إن الأدلة النصيّة والأدلة ما وراء النصية تتعامل فيما بينها في إطار الدين، وتتكفل الجمع بين حقوق الإنسان على مستويين: حقوق الإنسان الأقلية أو النحيفة، التي تستعمل في علاقات أفراد مجتمع واحد، وفي علاقات الدول بشكل علمي؛ وحقوق الإنسان الأكثرية أو المتضخمة (المتسعة)، التي تستند إلى الحقوق والفلسفة الدينية، والمعيار الذي تسعى الدولة الإسلامية لتحقيقه في مجال السياسة الخارجية والسياسة الداخلية. ويبدو أن للدين القدرة على تبيين حقوق أوسع (أضخم) من الحقوق المبنية على الأصول الليبرالية. ونظراً للمستويين المذكورين من الحقوق تجمع الدولة الدينية (الإسلامية) بين أصلي الواقعية والمبدأية.
فمع اهتمامها بالمبادئ الدينية تنظر إلى أصل (التكليف بالمقدور) بشكل واقعي([30]). ويبدو تفاوت هذا الكلام واضحاً عند المقارنة بمدعى الفقهاء التقليديين في مسألة حقوق الإنسان؛ لأن الكاتب يستعين بالدين في إطار تعميق وإغناء حقوق الإنسان، بدون إنكار حقوق الإنسان المعاصر أو حق الآخرين في التعريف بحقوق الإنسان، بينما يلخَّص ادعاء التقليديين بثلاث قضايا:
أـ إلغاء حق الآخرين في التعريف بحقوق الإنسان وتعيينها.
ب ـ رفض النظام الدولي لحقوق الإنسان المعاصر، المدوّن في الوثائق المعروفة دولياً.
ج ـ عرض حقوق الإنسان الخاصة تحت عنوان حقوق الإنسان الإسلامية، وادعاء قدمها وأفضليتها، وربما تفرّدها([31]).
ليس للأحكام الفقهية والنصوص الدينية نفس المقدار في الأبواب المختلفة والفروع المختلفة للعلوم الإنسانية. وربما كانت وفرة الأحكام الفقهية في فروع العلوم الإنسانية بهذا الترتيب: الحقوق، الاقتصاد، السياسة، الإدارة، وعلم الاجتماع. بذلك ربما نجد أحكاماً فقهية في العلوم السياسية أقل مما هي في الاقتصاد، رغم أن الفقه السياسي أوسع (وأضخم)، وبحاجة إلى باثولوجيا، إلا أنه لم يفقد اعتباره.
والمحصل: لقد كان لمشروع التجديد الديني إنجازات مهمة في إطار الجمع بين التراث والتجديد. ومن أهم نقاط قوة المجدِّدين الدينيين أنهم استطاعوا أن يقدموا قراءة للدين تتماشى مع إنجازات الإنسان المعاصر. ومن جهة أخرى، ومن منظار منهجي، فإنّ هذا الاتجاه يواجه تحدي الإبهام في تقييم الأدلة النصية وما وراء النصية.
إن طرح الأدلة النصية في بعض القراءات لا يؤدي إلى إقصاء الفقه (أو الفقه السياسي). ويبدو أن الأدلة ما وراء النصية، وإن كانت متقدمة بلحاظ منطقي على الأدلة النصيّة، لكن بسبب إبهام أحكام العقل في بعض المجالات، أو بسبب كون بعض الاستدلالات جدلية الطرفين في بعض الحالات، فكثيراً ما فتح الباب للاستعانة بالأدلة النصيّة (القرآن والسنة). وتعتبر نظرية التلفيق بديلاً مناسباً من النظريات المطروحة من قبل الاتجاه التجديدي، والتي ربما ميزت ـ بنحو خال من الإبهام ـ العلاقة بين الأدلة النصية والأدلة ما وراء النصية، واعترفت بمنزلة الفقه والفقه السياسي في هذا المضمار. وكان الفرض الذي قامت عليه نظرية التلفيق هو التعامل بين الأدلة الوحيانية والأدلة العقلية، وكونها مكملة لبعضها. وتتكفل نظرية التلفيق حل إحدى الإشكاليات المنهجية لمشروع التجديد الديني.
الهوامش
_____________________________
(*) باحث في الحوزة والجامعة، حائز على دكتوراه في العلوم السياسية، عضو الهيئة العلمية في كلية الفكر السياسي الإسلامي، وأستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في جامعة المفيد في قم.
([1]) راجع: سيد صادق حقيقت، توزيع قدرت در أنديشه سياسي شيعه، طهران، هستى نما: 1381هـ ش؛ مسؤوليت هاي فراملي در سياست خارجي دولت إسلامى، طهران، مركز تحقيقات إستراتيژيك 1376هـ ش؛ أهداف وأصول سياست خارجى دولت إسلامى، قم، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامى 1385هـ ش؛ مبانى نظرى حقوق بشر: نسبت سنجى أدلة برون ديني ودرون ديني، مبانى نظري حقوق بشر، مركز حقوق بشر، دانشگاه مفيد 1384هـ ش؛ در باب سنجى دين ودموكراسي سروش أنديشه، السنة الثانية، العدد 7 و8 (زمستان 1387هـ ش)، وفي: محمد باقر خرم شاد (بعناية)، مردم سالارى دينى، ج1، طهران، نشر معارف، 1385هـ ش.
([2]) سروش، في: محمد بسته نگار، (بحث وتدوين) حقوق بشر أز منظر أنديشمندان: 281 ـ 282، طهران، شركت سهامى انتشار، 1380هـ ش.
([3]) مثل: ﴿الرَّحْمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾. وكالروايات التي يستدل بها السلفيون لإثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة.
([4]) راجع: حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه ؟: 409 ـ 415، قم، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، 1409.
([5]) مهدى حائري يزدي، حكمت وحكومت: 165 ـ 166، لندن، شاوي، 1995م.
([6]) راجع: حقيقت، «نگاهى به فلسفه سياسي در إسلام»، مجله حكومت إسلامى، العدد 2 (شتاء 1375هـ ش): 9.
([7]) صادق لاريجاني، دين ودنيا (2)، مجلة حكومت إسلامى، العدد 6 (شتاء 1376هـ ش): 74 ـ 75.
([9]) لاريجاني، المصدر السابق.
([10]) عبد الكريم سروش، تحليل مفهوم حكومت ديني، مجلة كيان، العدد 32.
([11]) سيد صادق حقيقت، توزيع قدرت در أنديشه سياسى شيعه، طهران، هستى نما، 1381هـ ش.
([12]) محمد مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنت: 52 ـ 62، طهران، طرح نو، 1375هـ ش.
([13]) عبد الكريم سروش، فقه در ترازو، كيان، العدد 46، 1375هـ ش.
([14]) سروش في: محمد بسته نگار، المصدر السابق: 342 ـ 343.
([15]) محمد مجتهد شبسترى، نقدي بر قرائت رسمى أز دين، بحرانها، چالشها، و راه حل ها: 266 ـ 271، طهران، طرح نور 1379هـ ش.
([16]) محمد مجتهد شبستري، مباني فلسفي تاريخمندي نصوص، كلمة ألقيت في مؤسسة (جامعه ديني)، 4/12/1381هـ ش.
([17]) محمد مجتهد شبستري، نقدي بر قرائت رسمي أز دين، المصدر السابق: 170 ـ 178.
([18]) عبد الكريم سروش، بسط تجربه نبوى: 19 ـ 20، طهران، صراط، 1378هـ ش.
([19]) سيد صادق حقيقت، «استنباط وزمان ومكان»، در: اجتهاد وزمان ومكان، ج3، قم، مؤسسه تنظيم و نشر آثار إمام خميني، 1374هـ ش.
([20]) مرتضى مطهري، پيرامون انقلاب إسلامى: 156 ـ 157، قم، صدرا، بلا تاريخ.
([22]) نفس المصدر، باب ما تجب فيه الزكاة، ح2.
([23]) حسين مدرسي طباطبائي، مقدمه بر فقه شيعه: 12، ترجمه إلى الفارسية: محمد آصف فكرت، مشهد، پژوهش هاى إسلامي، 1368هـ ش.
([24]) عبد الكريم سروش، مجله إحياء، العدد 5.
([26]) عبد الكريم سروش، مدارا و مديريت: 438 ـ 439، طهران، صراط، 1376هـ ش.
([27]) راجع: صادق لاريجاني، دين و دنيا، مجله حكومت إسلامى، العدد 6، شتاء 1376هـ ش: 57 ـ 59.
([28]) صادق حقيقت، «حقوق بشر إسلامي: شرايط إمكان وامتناع»، حقوق بشر و گفتگويى تمدنها: 91 ـ 102، قم، دانشگاه مفيد، 1382هـ ش.
([30]) سيد صادق حقيقت: «إسلام وحقوق بشر نحيف وفربه»، مؤتمر «دين وحقوق بشر»، دانشگاه مفيد، 1376هـ ش.
([31]) محمد حبيبى مجنده، حقوق عليه حقوق، «نقدي كوتاه بر رويكردى إسلامى به حقوق بشر»: 303، مبانى نظرى حقوق بشر، مركز حقوق بشر دانشگاه مفيد، 1384هـ ش.