إشكاليات في قراءة قضايا المرأة إسلامياً
(المرأة في نهج البلاغة نموذجاً)
يحيي الميرزائي
تحظى قضية المرأة بأهمية قصوى. والسعي لطرح أسئلة أساسية ومصيرية حولها يدعّم إمكانيات الخروج من أكثر من مأزق وعلى أكثر من صعيد فكري واجتماعي، خاصة في حال الالتفات إلى أن المشاريع التنموية المعروضة في الأجواء الإسلامية – خصوصاً تلك المتأثرة بالحضارة العصرية – هي في حالات كثيرة منقطعة عن دور المرأة الحقيقي، حيث إنّ التركيز فيها هو على عناصر مادية مثل الصناعة والتكنولوجيا أكثر من العمل على قضية المصادر البشرية.
تجاهل المرأة هو نتيجة فقدان «الشمولية» و«الاستيعاب» في النظريات المعاصرة، خاصة تهميش دور «التربية الحضارية» بالمفهوم الديني الكوني، الشامل طبعاً. وأظن أن اقتضاب قضية المرأة والعنصر النسائي في الحياة في «الحقّ» ومن ثم إيجاز هذا الحقّ فيما يتمّ التعبير عنه بـ «تحرير المرأة»، ليس أقل خطراً على مصير الإنسان من أزمة التجاهل والتهميش في حقّها.
ومع ذلك فإنّ الحق يقال: إنّ كثيراً من الحقيقة الصافية في المرأة قد تضيع، بفعل التهميش والسعي إلى تغييبها عن مسار الحياة. إلاّ أنَّ مجرد انطوائها على عناصر الأنوثة والرحمة والحنان وغيرها من المواصفات الطبيعية، لا تجعلها، – بالضرورة – قادرة على أداء الدور المقرّر لها في القضية الإنسانية الشاملة، فلا بد من تأمين فرص التواجد لها في مجالات التوعية والتربية والتعليم أيضاً؛ الأمور التي قد غابت أو غُيِّبت عنها بفعل هذا التهميش، فسقطت فاعليتها التوعوية والتربوية في عصور ومجتمعات كثيرة.
في الحقيقة، إنّ عملية تغييبها وتهميشها، قد أفضت – وما زالت – إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمجتمع، من الناحيتين النفسية والاجتماعية معاً. ولا أرى الفرصة هنا متاحة لبسط مفهوم هذه الأضرار، غير أنّ التربية الشاملة والعميقة لا تنتشر وتتوسع على أطراف الحياة الاجتماعية بتوازن دون حضور عفيف، ونشاط هادئ وصحّي للمرأة.
وأما السائد اليوم؛ هو توظيف ينطوي على التهميش الحقيقي لها: لأنّ المرأة الصالحة لبناء الشخصية المتزنة، والعنصر الأساسي في إنشاء البنى التحتية الإنسانية للمجتمع، والقادرة على صياغة السلوك والشخصية، قد تحوّلت إلى أداة تسويق ووسيلة ترويج في بعض المجتمعات المتمدنة. وحاولت الأيدي الرابحة والرؤوس المتاجرة التضليل والتعتيم الإعلامي، عبر تسمية هذه العملية التوظيفية، وتشييئ المرأة؛ بالتحرير وإعادة الحقوق إليها!.
ومن المؤسف أن يرى المرء – اليوم – أنّ أكثر التوجيهات السائدة، تقترب إلى أحد التوجهين الآنف ذكرهما، بينما التوجه الشرعي، والديني الشمولي شديدُ الحرص على تأمين فرص زيادة الوعي والتربية لها، من خلال توفير إمكانية الحضور والتواجد الأنثوي في مجالات التطوّر والتحوّل من جهة، والحثّ على وضع حدود وأطر دقيقة لحضورها الاجتماعي، وإبداء حساسية شرعية وإنسانية عالية فيما يخصّ كرامتها وشخصيتها، وتشريع قوانين صارمة تضمن الأمن والكرامة لها في كلّ مجال… هذا هو النهج الوسطي الإسلامي.
تعقيدات في دراسة قضايا المرأة إسلامياً:
دراسة الاهتمامات النظرية حول المرأة، وقضايا متعددة الجوانب تتعلق بها، تكشف عن وجود تعقيدات وإشكاليات كثيرة جداً، خاصة ذلك الإطار المتصل بالدوائر التقليدية، ولا تخلو الإشارة إلى بعض هذه الملابسات من فائدة:
1 – بعض الصعوبات في المعالجة ترتبط بطبيعة المرأة، وتوافر عناصر الأنوثة فيها بكلّ أبعادها، ووجود إمكانيات التأثير العاطفي بتجليات روحية، وقدرات الشدّ والجذب؛ مما دفع نسبة كبيرة جداً من أصحاب الفكر والفتوى إلى أن يستعجلوا التفكير في الاحتواء والمراقبة الشديدة، والسعي لشرعنة كلّ وسيلة تضع حداً للوجود الأنثوي في الحياة الاجتماعية؛ مبرّرين ذلك بحرصهم الشديد على صحة المجتمع والحياة، وكذلك الحفاظ على هدوء الرّجل العاطفي، وتأمين الاطمئنان الروحي لهما.
من الطبيعي جداً أن أتجنّب – في هذه الفرصة الضيّقة، إبداءَ الرأي وتقييمّ هذه التوجهات، غير أن معرفة هذه المناشئ المتمثلة بخلفيات الاستنتاجات الشرعية والفتوائية وأسنادها أحياناً، تدعم تأمين وضوح الصورة وتوفير إمكانيات تطوير وتحريك هذه النظريات المتعلقة بالمرأة عموماً. ولعلّ الشعور بإمكانية تأمين السلامة النفسية للمجتمع الذي يمثل الرجل العنصر الأنشط فيه؛ من خلال تشديد الرأي فيما يتعلق بالمرأة وحضورها الخارجي؛ أي خارج البيت، حتى لو أدّت هذه الشدّة أو هذا التصعيد في صياغة نظرية الاحتواء للعنصر «الأنثوي» إلى تغييب المرأة من المشهد الاجتماعي. ولعلّ شعوراً مثل هذا قد تدخّل على خط فهم النصوص الشرعية، ووفّر احتمالات خاصة في دلالاتها تنسجم مع ما مرّ من نظرة تجاه المرأة. والركيزة الكبرى في هذا التوجه الغالب ترجع إلى هذا التصوّر؛ بأنّ المرأة هي سبب هذا سبب الاهتزاز الروحي والاضطراب النفسي. لأجل إحكام مثل هذه النظرة الواسعة ثم الاستدلال بمتون نُسبت إلى الدين، تتحدّث عن تفوق المرأة على الشيطان في الكيد والحيلة والانحراف بالرّجل، كما أنّ هؤلاء قد فهموا من اعتبار كيد الشيطان ضعيفاً في القرآن وتعظيم كيد النساء في سورة يوسف، دليلاً على صدقية قولهم، مما أقنعهم بضرورة تكثيف الوسائل كافة في تشريع هذه الرؤية، وإقصاء الحياة العامة عن هذا الكائن المستعد لبثّ الشر، المنطوي إلى الإثارة والإغراء والإغواء.
2 – إنّ طبيعة النصوص الشرعية واشتمالها على كثير من عناصر التعقيد والإبهام – فيما يتعلق بالمرأة وقضاياها طبعاً، إلى جانب ما سنطرحه في الملاحظة الثالثة لاحقاً – قد تسبّب في نشوء تعددية كبيرة جداً، قد وصلت في بعض الأحيان إلى درجة التفاوت، وعدم التلاؤم والانسجام في آراء وتوجهات، تبلورت في خطاب العلماء وأصحاب الرأي الشرعي والفقهي حول الموضوع.
ولا أعتقد أنّنا نواجه مشكلة ملحوظة في الحصول على عدد كبير جداً من الكتب والمقالات، التي قد كتبها علماء مسلمون، تنطوي على القدح والذمّ في حقّ المرأة، وهي في أكثرها تشتمل على محاولات ربطها بفهمٍ خاص لنصوص شرعية، خاصة الحديثية، ولعلّنا نشير إلى ما نقل عن الإمام علي (عليه السلام) في هذا الخصوص لاحقاً.
إنّ تعدداً وتنوعاً متراميين في ما تمّ النص عليه حول قضية المرأة ومتعلقاتها الفكرية، قد أنتج تشكيلة واسعة، وطيفاً مختلف الألوان من الاستنتاجات. وأحسب أن التيارات الرئيسية الفكرية في الإسلام، تمثل مثل هذا التنوع. فعلى سبيل المثال، بالإمكان أن نلفت انتباهكم إلى موقعية المرأة المرموقة لدى محي الدين بن عربي وقراءته الفذّة عن المرأة، وعن الأنوثة والجنس.
لا يعني ذلك أن الفلاسفة قد تبنّوا هذا الرأي، كذلك أصحاب الحكمة والعرفان؛ لأننا نرى أنّ شخصية فلسفية كبيرة جداً في هامش لها على أحد كتب صدر المتألِّهين محمد الشيرازي؛ صاحب الأسفار يقترب من إخراج المرأة من الإنسانية، وينصّ على أنّ الله قد خلع عليها لباس الإنسان؛ ليرغب فيها الرجل.
مع ذلك، فإن القول باعتبار التوجه الفلسفي والكلامي أكثر هدوءاً واعتدالاً، لو قارناه بالقناعات المتوافرة في الكتب الفقهية، لا يخلو من صحة ولا يبعد عن الصواب كثيراً.
ما أودّ ذكره هنا ليس أكثر من القول: إنّ الاختلافات الكبيرة والتعددية – المشار إليها آنفاً – تنبع من تنوع المصادر وتعدد النصوص من جهة، واختلاف الأفهام والعقول من جهة ثانية، إلى جانب تكثّر المناهج في فهم النص الشرعي، كما سنتعرض له لاحقاً.
3 – ما يجب الانتباه إليه هنا؛ أنّ مجرّد وجود نصوص شرعية ودينية مختلفة – حتى في حال وصولها إلى مستوى يصحّ فيه التعبير عنها بالمتناقضات والمتفاوتات – لا ينبغي أن يُنشىء مشكلة مستعصية على مستوى الدلالات، إذا تم التعامل معها على ضوء القواعد والمقاصد الكلية، المتعلقة بكل حقل ومجال.
إن المحاولات الاستنتاجية والاستنباطية الرامية إلى تأسيس نظريات إنسانية خاصة حول المرأة وقضاياها، لو جرت بعيدة عن هيمنة الأصول الحاكمة على الفلسفة الدينية العامّة، وبمنأى عن الفهم الشمولي والكلي للنص الديني، يمكن في هذه الحالة، فقط أن نتوقّّع توجهات فكرية، وتيارات متناقضة لا تكاد تجتمع حول محور وتتقارب فيما بينها، حيث يصعب جداً أن يتم التقدم بتفسيرات عنها، تتلاءم مع أصول الشريعة ومنظومة القيم الشمولية للدين.
وخلاصة القول في هذه النقطة الأخيرة؛ أنّ غياب عناصر متنوعة في صياغة النظريات الدينية، مثل عنصر وعي التاريخ وسياقاته الخاصة، والخصوصيات المحيطة بموضوع المرأة أو تجاهل الفهم الاجتماعي الشمولي للدين، وإهمال التوجه المقصدي إلى الشريعة والدين، قد أسّس للتركيز الاجتهادي على القواعد الرجالية، وما هو مألوف لدى الفقيه في الاتكال عليه؛ لأجل الوصول إلى صياغة نهائية لرؤية ما حول المرأة.
أعتقد أن فقدان تواجد منظومة مترابطة متنوعة من هذه العناصر، يسفر عن تكوّن مفردات فتوائية، أو حلقات مبعثرة من التوجهات والأحكام الشرعية فيما يخصّ المرأة، حقوقاً، وستراً، وتربية، وواجبات وما إلى ذلك، بحيث يجعل من الصعب اعتبارها قابلة لإنشاء فقرة طبيعية وحلقة متصلة بغيرها، من أبعاد وحلقات المنظومة الشرعية المتكاملة، وبناء تصوّر ديني شامل يحكم الأبواب والفصول الدينية كافة، والعمل إلى إيجاد مخرج للنصوص من الرؤى التجزيئية والقراءات المتقطعة والمتشتتة أحياناً.
المرأة في نهج البلاغة: عرض روائي
فيما يخص النصوص المتعلقة بالمرأة وقضاياها في نهج البلاغة، فإنّنا نحاول استعراض بعضها أولاً، ثم السعي إلى ما يمكن توسيعه في هذه المقالة، الموجزة تحليلاً وتعليقاً، ونعمل على إقناع القارئ بأنّ القراءات المجتزءة والانتقائية لا يمكنها التعبير عن عمق وكنه الرؤية الإسلامية تجاه الموضوع، ولا تمثّل إدراك الموقف الشمولي له.
1 – ينسب السيّد الرضي في نهج البلاغة إلى الإمام (عليه السلام) القول: «وإيّاك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهنّ إلى أفن وعزمهن إلى وَهن واكفف عليهن بأبصارهن بحجابك إيّاهنّ، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن…».
كما يورد الحديث، كل من الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، والمجلسي في بحار الأنوار، وهو منقول في كتاب وسائل الشيعة، مع بعض الاختلاف في هذه المصادر. إضافة إلى أن مضمون هذه الرواية جاء في بعض النصوص الأخرى. كلها تحذّر على ما يبدو من مشاورة النساء، لكن لا نوردها هنا.
لا شكّ أنّ السبب في الحث على ترك مشاورة النساء – على ما يظهر من دلالة هذه الروايات – عائد إلى ما وصف به رأي المرأة وعزمها من أفن ووهن؛ أي لأنّ المرأة، حسب ما جاء في النص المروي، لا تتسم في رأيها بالكمال والمتانة. والأفن هو النقص والضعف.
2 – السبب قد يتضح أكثر، بالنظر إلى بعض ما ورد من أحاديث تصف المرأة بالعجز تارة، وبضعف القوة والنفس والعقل أخرى. وهذا فيما ينقله السيّد الر ضي في النهج نسبة إلى الإمام (عليه السلام) «ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببنَ أمراءكم، فإنهنّ ضعاف القوى والأنفس والعقول…».
3 – لعل الرواية الأكثر جدلاً وإثارة للسؤال والسجال؛ هي التي قد تضمّنتها الخطبة الثمانون، وهي الأكثر صراحة؛ لوجود أسباب ومبررّات لوصف النساء بما مرّ من ضعف أو أفن أو نقص:
«معاشر الناس! إن النساء نواقص الإيمان ونواقص الحظوظ ونواقص العقول، فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيام حيضهنّ وأمّا نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة رجل الواحد، وأما نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الأنصاف من مواريث الرجال».
إنّّ ما يرويه علماء السُنَّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، في مصادر حديثية – مثل سنن ابن ماجة – قريب جداً من هذا النص.
وما ورد في كتاب الكافي صريح في اعتبار النقص في العقل والضّعف في الدين: «ما رأيت من ضعيفات الدين وناقصات العقول أسلب لذي لبّ منكن».
تعمّدت في توسيع رقعة النّقل والحديث؛ لزيادة دوافع التوقف عند الدلالة والاجتهاد أكثر منه عند السند؛ ذلك أنّ بعض هذه الأحاديث تعتبر صحيحة على الطريقة المعروفة في تقييم وتثمين الحديث، واعتبار القواعد الرجالية التقليدية هي المعيار للتصحيح والتضعيف.
4 – من أغرب ما جاء في هذه النّصوص، ما قد يُفهم منه أمرٌ صريحٌ بترك المعروف، لو كانت المرأة هي الداعية إليه. نجد روايات قد يفهم منها مثل هذا الأمر. غير أنّ النّص المعتمد هنا هو ما ينقله السيّد الرضي أيضاً عن الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: «اتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ على حذر ولا تطيعوهنّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر».
5 – فيما يمكن اعتباره الحديث عن نقصان عقل المرأة، ما يرويه السيد عن الإمام (عليه السلام) في الخطبة (27) في صدد ذمّ رجال تقاعسوا عن واجب الجهاد:
«يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربّات الحجال».
6 – مما توهّمه النّاس في ذمّ المرأة أو إضعافها في النصوص الشرعية وما ينقله السيد عنه (عليه السلام) في النهج:
«المرأة عقرب حلوى اللَّسْبة».
نسعى في التحليل الآتي، إلى تقديم صورة تخفف ما يمكن أن يطرأ على الإنسان من استغراب، عند قراءة مثل هذه الرواية.
هذه جملة من أحاديث قد انطوى عليها كتاب نهج البلاغة، وهي بالمقارنة مع ما روي في المصادر الحديثية لا تشكِّل نسبة ملحوظة، والحديث هنا ليس بوارد الخروج عن الإطار المحدد مسبقاً. كما أنَّ إقحام مواقف تفسيرية متراكمة في التاريخ الإسلامي للعلماء والفقهاء تجاه القضية سوف يزيد من صعوبات التحليل، ويزيد التداخلات والتباينات.
نظرة أولية لما أسلفناه هنا من روايات عن الإمام علي (عليه السلام)، توحي أنّ المرأة في شخصيتها، تُتَّصف بأفنٍ في رأي، ووهنٍ في عزيمة، ونقصٍ في عقل، وعجزٍ في نفس، مما يبرِّر بشكل طبيعي جداً، أن تكتمل الصورة بأمر الرجال؛ بضرورة الابتعاد عن مشاورتها والحثّ على مخالفة رأيها، وإن كان ذلك الرأي مما يصدق عليه لفظ «المعروف»؛ الذي هو من أقدس وأهم المفردات الإسلامية، ذلك أن إنساناً موصوفاً بما قد مرّ من خصال سيئة، وقابلة للإفساد والتدمير المعنوي، من الواضح أنّ تجنبه، والسعي لعدم إشراكه في شيء من تقرير الحياة؛ هو خير وصواب وحكمة.
هذا ما تركَّز لدى بعض الناس، بل العلماء، مما دفع بهم إلى أحد أمرين: إما القول بدونية المرأة وأنها إنسان من الدرجة الثانية دون الرَّجل في الجانب الجوهري، وإما الاعتقاد بأن مثل هذه الروايات ضعيفة، وغير قابلة للاحتجاج العلمي والإسناد المعرفي، فيجب رفضها كلياً. والقول الأخير هو الأكثر رواجاً واعترافاً به في الأوساط المعاصرة على أقل تقدير، وإن كان عدد لا بأس به من هؤلاء يعبّر عن إضعاف هذه النصوص بحذرٍ وحيطةٍٍ، لا يغيران من واقع الموقف شيئاً كثيراً.
من الواضح أنّنا قادرون على تصور حالات أخرى أيضاً، من مواقف تجاه هذه الروايات. غير أنّ النسبة الغالبة تدخل ضمن هذين الإطارين وأظنّ أنّ القول بأي الأمرين يصعب في ضوء القراءة الشمولية والغائية للنصوص الشرعية، خاصةً في حال انضمام عناصر أخرى، غير نصيَّة، إلى دلالة النصوص الدينية؛ محاولة تجديد الوعي تجاه هذه القضية البالغة في التعقيد والأهمية.
رؤية نقدية لنظرتين حول الروايات:
النظر الكلي والشمولي إلى المرأة، من المنظار القرآني العام، لا يبقي أدنى تردّد في أنّ التوجهين يعانيان – في التدقيق الأولي – من مشكلةٍ، يشتركان فيها؛ هي عدم محاولة فهم الدلالة من خلال استفهام هذه الأحاديث ضمن مجموعةً متكاملة أخرى، تعبر عن الرأي الإسلامي أيضاً. النّقاش حول هذه الروايات وحدها، بعيداً عن كل ما يمكن أن يتكامل فهماً، وإيضاحاً وإكمالاً، وتقييداً، وتخصيصاً، وما إلى ذلك من علاقات أصولية تحكم مفردات منقولة من خطاب الشرع، سيترك انطباعاً ونتائجاً قريبةً من الرأيين الماضيين؛ أي القبول بالمدلول الحرفي، أو الرّفض المطلق، واعتبار النصوص الحاوية للإشكالات المعرفية خارج الصحة والحجية العلمية.
ولكنّ الحقيقة؛ هي أنّ الفهم الشامل للدين، المتكون من عناصر متنّوعة غير منحصرة في النصوص، واسعة الحدود وقابلة التعدد والفهم، هو وحده يضمن قراءة من الواقع. ومثل هذا الوعي الشمولي، يساعدنا لنقف على حقيقة الموقف الإسلامي من أي موضوع وقضية، وأيّ محاولة لفهمٍ مبتورٍ من هذه المنظومة، شديد الخطورة، وقليل الإصابة للهدف الحقيقي والمقصود الواقعي.
وفيما يتعلق بالمرأة، لا يمكن الوصول إلى موقف موضوعي (بالنسبة للدين) إلاّ من خلال اعتبار المعرفة المتعلقة بالإنسان، أو ما يتعلق بالمنقول الشرعي عن المرأة – في أقل تقدير – هي سابقة لوعي مجموعة من الأحاديث الواردة في أحد مصادر السنّة. إنّ إدراكنا لهذا الأمر، خصوصاً عبر دراسة جيدة وواسعة عن المرأة في القرآن الكريم، وكذلك في أصول الدين ومقاصده وأسسه معرفةً وسلوكاً وعقيدةً، هو أكبر مؤثر في القدرة على معالجة نصوص نهج البلاغة.
من هنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الخطاب الإسلامي والشرعي في القرآن الكريم؛ فيما يتعلق بالأوامر والنواهي، أو يتصل بالجانبين الموضوعي والواقعي، متوجهٌ صوب الإنسان مطلقاً. وأن الاستجابة له من قبل الإنسان تتطلب قدراً محدداً من الإنسانية لا يملكه كلّ إنسان. ومن المعلوم الضروري، أنّ اعتبار مثل هذه الروايات المخصّصة – حسب المصطلح الفني الأصولي – لخطاب القرآن العام غير وارد وغير معقول أصلاً. لأسبابٍ كثيرةٍ جداً لا يمكن تناولها في مقال بهذا الحجم؛ لأنّ الآيات المتعلقة بأفرادٍ أو أجناسٍ دون «الإنسان» ككل، واضحةٌ جداً، وهي آيات تتعلق بالعبادات والمعاملات، أو الأدوار المتنوعة للرجل والمرأة في الحياة الاجتماعية أو الأسرية… أما الحديث عن إمكانية تخصيص الآية الشريفة: «… وشاورهم في الأمر» بالرجل، وإخراج المرأة مطلقاً من دائرة اشتمال الآية استناداً إلى أحاديث من قبيل ما مرّ، غير مقبول بداهة. ولا أعتقد أنّنا في حاجة إلى إثبات ما هو واضح جداً. ولعل السبب في التأكيدات القرآنية الكبيرة في التسوية بين الذكر والأنثى، عائد إلى وجود بقايا من النظرة الجاهلية تجاه المرأة، رغم كون مخاطبة القرآن هي إنسان، والناس، والذين آمنوا، وما شابهه من مفردات عامة مؤدية للمفهوم، لولا تلك الدوائر المتحجرة من الرؤية الموروثة لدى معاصري الوحي، حيث لزم أمر الإصلاح الجذري صياغة مثل التأكيدات هي من قبيل «من ذكر أو أنثى» هذا التأكيد قد تكرر كثيراً؛ ليكون دلالةً قويةً على نفي وجود أي اختلاف في أهلية الإنسان مطلقاً؛ في العقل والاستيعاب؛ لأجل الاستجابة المطلقة والكاملة لأمر الله وشريعته.
وأما الخصوصية الموجودة للرجل، أو ما يعبٍّر عنه القرآن الكريم «يفضل بعضهم على بعض» ووجود تميّز لكل على الآخر، فإنّها لا تبلغ فتوى «اعتبار المرأة أقل إيماناً أو عقلاً»، مثلاً، ليس لأنّنا نستثقل ذلك، وإنما لأنّ الآيات الصريحة تمنع مثل هذا التصور.
ما كان يحظى بأهمية قصوى – هنا – ضرورة التأكيد على أنّ فَهم المراد الحقيقي للحديث – في حال ثبوته وصحته وقابليته؛ ليكون على طريق صناعة الحديث – ينعقد بعد عرض الفروع المعرفية على الأصول والأسس، خاصةً الوحي والنصوص غير القابلة للخدش نصّاً ودلالةً وسنداً.
من هنا، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيظلان ثابتين في جوهرهما. وأيّ حديث عن إمكانية دلالة ما مر من أحاديث؛ من أنّ المعروف لو انطلق أو طلب من قبل المرأة فإن الرجل في وسعه أن يرفض، بل هو مطلوب منه فعل ذلك، فإن فهماً كهذا يناقض القرآن الكريم طبعاً.
والحل في هذه الحالة. هو تخفيف الجزمية في دلالة ألفاظ الحديث، ومعرفة الوجوه المتكثرة التي تتحملها كلمة «المعروف» مثلاً، حيث إنّ الأمر بالمعروف واجبٌ شرعي دون تدخل «الآمر بالمعروف» في امتثال الإنسان له. فمجرد ثبوت المعروف، يوجب على العارف به، والمأمور به أن يطبع ذلك. أمّا المعروف المطلوب مخالفته، أو عدم إطاعته، في كلام الإمام علي (عليه السلام) في حال تأكد النقل – فإنه خارج عن نطاق المعروف الواجب امتثاله قطعاً، خاصة لو نظرنا إلى بعض ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) فيما يتعلق بالمشاورة، حيث إن الروايات المذكورة قد حثّت على تركها إذا كانت للنساء، فإنّ المسألة متداخلة جداً مع موضوع مجموعة أخرى من الأحاديث. لا بد أن ننظر إلى المجموعتين منظمتين غير منفصلتين، أي ما يدل على منع مشاورة النساء، وما يدل على ضعف النساء العقلي، حيث أنّ الحديث عن إشكالية «العقل» لدى النساء تتقدم على الحديث عن مشاورتها أو عدمها.
حظ المرأة من القدرات العقلية
إنّ موضوع «العقل» والإمكانيات المرتبطة به لدى المرأة أمر واسع الحدود. ومن المعلوم صعوبة المرور السردي على كل قضاياه وأطرافه في مثل هذه الفرصة المحدودة؛ لذا نتطرق إلى بعض جوانبه قدر المستطاع، ضمن ذكر عدة نقاط، تساعد على لحظ اعتبارات متنوعة في فهم دلالات الأحاديث، القائلة بمثل هذا المفهوم. بعد التأكيد المتكرر، على أنّنا نترك احتمال عدم صحة الحديث إلى مرحلة أخيرة؛ باعتبار أنّ التسرع برفض الحديث، وإلصاق الجعل والاختلاق به أمرٌ يتسم بالخطورة، خاصةً قبل استنفاد الطاقات المعرفية وإمكاناتها، في افتراض مداليل أخرى غير ظاهرة من الحديث. وما أسهل أن يقال: إنّ كتاب نهج البلاغة؛ مرسل، غير مسند، فلا يصح الاستناد به في مثل هذه الموارد. الحقيقة إن الإسراف في مثل هذه الخطورة – إضافة إلى أنها ليست صحيحة – لا تخدم مشروع تنمية طاقات قراءة النص، وفهمه، في ضوء تعقيدات عملية التعامل مع النصوص الدينية، وهذا ما يجعلني أؤجِّل النقاش السندي حول الروايات من هذا القبيل.
1 – علاقة هذه النصوص الواردة بأمور واقعية موضوعية، وفهم النص في ضوء البيئة الظرف أو السياق الزمني له، مما يساعد على ربط مدلول مثل هذه الأحاديث بهذه العناصر، حيث ينتهي الأمر إلى تخصيص المصاديق المرتبطة بتلك الظروف، والسياقات المستنـزلة من هذه النصوص. وأمر كهذا يقطع الطريق أمام وصف المرأة كنوع بشري، بمثل هذه الصفة وما شابهها، فتنحصر الدلالة؛ لتصدق على ظرف وحالة خاصين، كما ندرس أنّ عمدة الحديث الوارد في نهج البلاغة في هذا الخصوص، قد صدر في مناخ تاريخي خاص، حيث تقود امرأة عملية حربية عسكرية في مواجهة الإمام علي (عليه السلام). فهو في مثل هذه الأحاديث، يريد أن يتحدث عن تقييم علاقة الرجل والمرأة وإمكانيتهما في مواجهة حالات حربية كهذه. وإنّ أي محاولة تأطير فهم أوسع للمدلول؛ تتضارب مع القواعد الكلية، فلا بد من فهم الدوائر المحدودة في ظلها، وتحت سيطرتها القانونية؛ أي خلوّ النص المرجعي من أي أمر يتقارب مع القول بنقصان عقل المرأة؛ بمعنى عدم امتلاكها القدرة على تشخيص الحق والباطل، أو الخطأ والصواب في مرحلة النظر والرؤية، دون السلوك والاختبار طبعاً.
2 – الواقع التاريخي في ضوء قراءة تاريخية للتجارب الموجودة في القرآن الكريم، أو النصوص الشرعية الأخرى، كذلك المتعلقة بالتاريخ المعاصر لهذه النصوص، إلى جانب الرؤية الموضوعية للمرأة، جميعها لا تؤيد اعتبار أنّ المرأة أقل حظّاً من الرجل في امتلاك العقل، حيث أن شخصيات تاريخية من النساء استطعن إثبات غير ذلك. من الواضح، أنّ وجود الشهادة التاريخية على أنّ الظروف مؤاتية ومناسبة لها تثبت غير الذي تكرّس. إلى جانب توافر ونماذج نسائية، هي قمة في العقل والتعقل أكثر من كل الرجال في بيئتهنّ، كنّ أقوى دليل فلسفي، على امتناع وصف المرأة كجنس كلي بهذه الخصوصية؛ لوجود حالات نقص، تمنع إمكانية إصدار الحكم كلياً. إذاً، في حال صحة المقدمات الأخرى، فإن الدلالة غير صادقة في حق كل النساء. والمسألة تبقى منحصرة على أفراد من النساء، ليس باعتبارهنّ نساء، ولكن باعتبارهنّ موصوفات أحياناً بأوصاف خاصة. ما سأطرحه في الملاحظة التالية:
3 – نقصان العقل، في حال ثبوته، يطرأ على المرأة كجنس من الإنسان له خصوصياته العاطفية والإحساسية؛ حسب تعبير السيد الطباطبائي في معرض حديثه عن هذا الموضوع وفي تفسير الآيات 228 إلى 243 من سورة البقرة.
لا شك، أنّ مثل هذا التقلب والاهتزاز قد يحصل بفعل وجود مسببات وعلل خاصة من شأنها عرقلة عمليات الإدراك، أو الخضوع له، والنـزول عنده. والمسألة لا تتعلق بالمرأة، إنّما تتصل بما تتصف به في حالات كثيرة، تتجاوز ما يصاب به الرجل من حالات الهيجان والثوران في العاطفة الإنسانية المقدّسة. والأمر القابل للتبني، ليس أكثر من قبول؛ أنّ أكثر النساء (وليس كل النساء) في أكثر الحالات (وليس كل الحالات) يقعن تحت تأثير العاطفة الشديدة والإحساس القوي وضغطهما، أشدّ من أكثر الرجال؛ لأنّ بعض النساء قد لا يتأثرن بهذا المستوى، وبعض الرجال، من جهة أخرى قد يتأثرون بمشهد عاطفي فيسقطون عنده، ويصبحون غير قادرين على أي انطلاق عقلي… وهذه الاستثناءات كافية؛ لتدل على أنّ الحكم، وإن كان غالبياً، لكنّه لا علاقة بينه وبين النساء كجنس أو الرجال كجنس، إنّما العلاقة بين الإحساس والعاطفة؛ اللذين إذا اشتدا في الإنسان مطلقاً عرقلا العملية العقلية في تلك اللحظات والحالات فحسب.
الجرائم الكبيرة التي يرتكبها الرجال في حالات كثيرة، منها يقع؛ لنقص عقل فاعليها في لحظة الارتكاب كسبب أساسي، فمن الطبيعي أن يتأثر الإنسان بعواطفه، فيتعثر في قراره، ولا أظنّ أنّنا في حاجة إلى إثبات وجود علاقة بين التصرف اللاعقلاني والشَّاذ، وبين تلاطم الوضعية العاطفية وتحرك العاطفة النفسية سلباً أو إيجاباً.
نجد نصوصاً دينية مهمة في ذلك، تستحق دراسات نفسية حولها، ولعل الحديث المعروف حول المحبة الإلهية في العبد (أو بدرجة خفيفة الحب المادي والجسدي) التي قيل فيها:
«المحبة نار تحرق ما سوى المحبوب»
حسب تعبير مؤلف «جامع السعادات»؛ الشيخ ملاّ مهدي النراقي، وبعض ما يتعلق بحالات الصوفية والعرفان، الذين يصلون في بعض الأوقات إلى درجة يصعب وصف ما يصدر عنهم بالعقلانية أو العقلية. يجب اعتبار مثل هذه الحالات ناتجة عن مؤثر العشق والحب… لعل مثل هذه الحالات هي نفسها لدى المرأة في أحيان كثيرة، حيث إنّ المشاهد العاطفية توصلها إلى حالة، يصعب عندها التحكم بالنفس والسيطرة على القرار العاقل، أشدّ من الرجل. وهذا أمر طبيعي، ولا يوصف بالسيئ والعيب، بقدر ما هو يوصف بالحسن والضرورة؛ لتكامل عناصر الحياة.
أمّا النقطة الأساس هنا؛ هي إثبات أنّ المسألة غير مرتبطة بالمرأة؛ لأنّها امرأة، إنّما ترتبط بشدّة العاطفة والإحساس لديها، مما يؤخرها عن الرجل في لحظة حرجة وصعبة تنطوي على مشاهد عاطفية كبيرة، قد تسبّب تجريح عاطفي للمرأة وخدشها، ممّا يجعل الرجل أكثر صلاحية في فوضى هذه الحالات الصعبة والمقتضية للخشونة، والمصابرة، والمواجهة، والعنف، وسيطرة القدرة، وممارسة التدمير، والاقتحام.
جاء في حديث عن الإمام علي (عليه السلام):
«إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله».
وفي حديث آخر: «لا عقل مع شهوة».
فالنتيجة؛ أنّ شهوة الرجل وإعجابه بنفسه يسلبان إمكانية التعقل لديه والتأمل، وأخذ القرار الصائب تماماً، كما أنّ العاطفة الشديدة، والطبيعة الإحساسية في المرأة (رغم قداسة هذه الصفات، ووجود أسرار عظيمة فيها) تقلل من إمكانية أخذ القرار العاقل، المتناغم مع المعادلات والمفاهيم المادية للمصلحة والعقل الضرورية؛ حفاظاً على نظام الحياة..
أكثر هذه النصوص، وإن كانت محل سوء فهم كبير، من قِبل بعض من تصدّى؛ لفهم النص الشرعي، أدى إلى استنتاجات غير دقيقة حول الرؤية الإسلامية عن المرأة، غير أنّها جاءت؛ لصيانة المرأة من تعرضها إلى الخطر، وحمايتها من فقد الحماية والتعرض إلى الإعتداء على شخصيتها، وليست للقول بأنها دون الرجل في عقله. لعل أمر الإمام علي (عليه السلام) بعدم التعرض للنساء في قوله:
«ولا تهيجوا امرأة وإن شتمْنَ أعراضكم وسبَبْنَ أمراءكم، فإنهنّ ضعاف القوى والأنفس والعقول».
وكأن الإمام (عليه السلام)، بالإضافة إلى حزنه بسبب جرّ المرأة إلى الحرب وتعريضها إلى ما لم تخلق له في أصل خلقها، يريد أن ينبّه الخائضين في الحرب من أنصاره، إلى أنّها كائن لطيف ورقيق، وسريع الانكسار، وغير قادر على تحمّل القساوة والشدة، وأنّها محمية ومصونة بالرجل، وأنّ سلوكها غير السوي تحت ضغط العاطفة والإحساس، لا يحولها إلى القوي في هذه العناصر الثلاثة.
في حال صحة نسبة مثل هذا الحديث إليه (عليه السلام) فأين هو من الدلالة على أنّ المرأة ناقصة العقل، كما يعبّر عنه بشكل غير متناغم مع مناخ شخصية المرأة أو مناخ صدور الحديث؟
إنّ النص الشرعي الصادر بالأساس لأجل حمايتها ودعمها وصيانتها من أخطار وإنهيارات، لا يتحمل سوء فهم هنا أو هناك في آراء الإفراط والتفريط.
في مثل هذه اللحظة يُعرف السبب، في وجود نصوص تحثّ على عدم مشاورة النساء في رأيهنّ؛ وهي – دون شك – لا تمثل تخصيص الرجل بالأمر الشرعي في آيات القرآن الكريم والسنّة الشريفة بالمشاورة، والمشاركة في عقول الناس، ممّا يعني – بكل يقين – أنّ ما جاء في هذا الصدد، يرمي إلى تجنيب الرأي الصائب من التأثر بالحالات العاطفية القوية، القابضة على كيان المرأة وشخصيتها، فيمتنع أن يكون السبب فيها أن المرأة كائن إنساني ناقص في عقله، لا يجب مشاورته!.
والإمام (عليه السلام) نفسه يقول:
«حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء».
والأكثر صراحة منه؛ هو ما نقل عنه أيضاً (عليه السلام): «إياك ومشاورة النساء إلاّ من جُرِّبت بكمال عقل».
لا أشك، في أنّ هذه الأحاديث، إذا صحّت فإنها تشير إلى حالات خاصة تطرأ على المرأة كثيراَ، لكنّها غير داخلة في الجوهر، ولا تدل على دونية المرأة في الحالة العادية في قدرة التعقل.
إنّ اعتبار المرأة بشكل دائم وفي كل الحالات، أقل كفاءةً وعقلاً في صياغة وصناعة القرار الصائب، أو محاولة تقسيم العقل، إلى ما يُعبد به الرحمن وتكتسب به الجنان، وإلى العقل المادي الاجتماعي، ومن ثمّ اعتبار المرأة هي أضعف عقلاً من الرجل في العقل الماديّ دوماً، يُجانب الواقع ولا يتلائم مع الروح السائدة علة لموقعية الإنسان الرجل والمرأة؛ في مجمل أطراف عناصر الرؤية والنظرية الشرعيتين.
أكثر الرجال في تأمين العيش والحماية والمواجهة، أشدّ أهلية وتلاؤماً من أكثر النساء، وهنّ أكثر إطاعة للحبّ والعاطفة والعشق باتجاه الخير، وأشدّ انسجاماًَ في طباعهنّ مع تحمّل الشدائد والصعاب في سبيل بلورة الجمال الإلهي، وتجسيد قدرٍ منه على الأرض؛ لتكون بذلك مرآةً؛ لعِكس صور معبِّرة، عن الرحمة، والحب، والوفاء، وغيرها من القيم الجمالية، وبثِّها وتكريسها، وتأمين عروج المجتمع إلى الخير المحض والسعادة الدائمة. هنّ أكثر تفوقاً في ذلك من الرجال. لعلّ قول الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة يشير إلى طبيعة هذا الدور بقول: (فالمرأة ريحانة وليست بقهرمانة).
نقلاً عن موقع نجف ميرزائي الإلكتروني