أحدث المقالات

حقوق الإنسان: فلسفتها ومشكلات تطبيقها

السيد محمد مصطفوي

يهدف هذا المقال إلى بيان تاريخية الوعي بحقوق الإنسان لدى الشرق والغرب، كما يهتم ببيان وجوه الاتفاق والافتراق حول حقوق الإنسان في الفكر الليبرالي والفكر الإسلامي نظراً إلى الاختلاف في المبادئ والمرتكزات وتعدّد المرجعيات. كما يسعى المقال للتطرق إلى المشكلات السياسية والثقافية التي تعيق عملية تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وتحدِّد من تأثير الوسائل – الرسمية وغير الرسمية – لحمايتها.

 

1- خلفية تاريخية

1-1- الوعي بحقوق الإنسان في الفكر الغربي

لو استبعدنا بعض التحركات والمساهمات التي حصلت في العالم الغربي القديم(1) باتجاه حقوق الإنسان، فإنّ المقصود من الحقوق –بمفهومها القريب لعصرنا- هي تلك التي ورد التأكيد عليها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومن خلال الثورتين الأميركية والفرنسية(2). وإن المعاهدة الدولية الأولى حول حقوق الإنسان، انبثقت من حرب، وذلك في 1864، حيث كتبت الدول الرئيسية في ذلك العصر – وهي في غالبها غربية- اتفاقية جنيف الأولى لضحايا الصراع المسلّح. كما أنّ الاتجاه التاريخي الآخر في هذا المجال تجسّد عبر حركة الصليب الأحمر الدولية(3). ثم تكوّن اتجاه تاريخي ثالث -بالجهد الطويل- لحماية أولئك الذين بقوا في العبودية. وهذه الجهود قادها خليط من منظمات غير حكومية، هي العصبة المعادية للرق. وهذه المنظمات غير الحكومية أقنعت الدول في النهاية بتبني اتفاقية 1926 التي تجعل الرق عملاً خارجاً على القانون. كما ورد في المادة الخامسة والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة 1945 التأكيد على احترام عالمي لحقوق الإنسان ومراعاتها، والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز تفرقة على أساس العنصر، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين.

ومن ثم ظهرت الصيغة النهائية لحقوق الإنسان من خلال "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، الصادر عن الأمم المتحدة في سنة 1948، الذي يؤكد بمواده الثلاثين على حقوق تفصيلية للإنسان، كما تم التأكيد عليه عبر الاتفاقيات التطبيقية لهذا الإعلان التي أبرمت بين الدول الأوروبية (اتفاقيات 1950) والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (1969)، إضافة إلى معاهدتي حقوق الإنسان المتعلقتين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(4).

 

1-2- الوعي بحقوق الإنسان في الفكر الإسلامي

ارتبط الوعي الإسلامي بحقوق الإنسان بالنّص الديني؛ لمركزية النصّ في الفكر الإسلامي من جهة، ولطاقات النصّ الكبيرة على التثوير من جهة ثانية. من هنا، فإن النص المتمثّل بالقرآن الكريم -وهو الدستور الأعلى للإسلام- أعلن الحقوق ووضع القواعد الأساسية للأحكام الدينية والمدنية وأول ما أكّد عليه القرآن هو تفضيل الإنسان على غيره من الكائنات وإعطائه مكانة عالية في ممارسة حقوقه وحرياته: ﴿ولقدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(5). وعلى خلفية الموقع المميّز للإنسان في القرآن، وللإعلاء من شأنه أسّس القرآن جملة من الحقوق للإنسان وعلى رأسها:

أ‌-  حقّ الإنسان في الحياة: ﴿…أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا…﴾(6). وعليه أكد الإمام علي بن أبي طالب(ع) في عهده إلى مالك الأشتر النخعي قائلاً: "إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها، فإنّه ليس شيء أدنى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقّها"(7).

ب‌- المساواة بين الناس: ﴿…إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…﴾(8)، ﴿…إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…﴾(9)، وأكد الرسول(ص) على هذا الحق في خطبة الوداع قائلاً: "يا أيُّها الناس إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، كلكم لآدم و آدم من تراب إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود، فضل إلاّ التقوى"(10). كما ورد عن الإمام علي(ع) في هذا المضمار قوله: "فإنّهم(الناس) صنفان إمّا أخ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق"(11).

ج- الحريَّة: لقد ورد حول حرية العقيدة قوله –تعالى-: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…﴾(12)، وقوله -تعالى-: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر…﴾(13)، وقوله – تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾(14). وقوله –تعالى-: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(15).

كما تضمّن القرآن والسنّة نصوصاً استفيد منها الحرية خارج دائرة العقيدة – أيضاً-، كحرية التعبير، والحريات المدنية والسياسية والاجتماعية وغيرها.

ولو تخطينا التأسيس المتعالي لقضايا الإنسان الكبرى(16) (قضايا الحق والواجب والخير والفضيلة والوجود والمصير إلخ…)، واعتبرنا أن هذا النوع من التأسيس ظاهرة عامة تشترك فيها جميع الثقافات والحضارات الغربية والشرقية والإسلامية وغير الإسلامية، بل إنّها إرث ثقافي بشري مشترك، واعتمدنا تعريفاً أولياً للحق –بمفهومه المعاصر- وقلنا: "الحقّ مصلحة ذات قيمة معنوية أو مالية أو ذات قيمة مشتركة بحيث يحميها القانون"(17). وعليه صنّفنا تلك الحقوق إلى: الحقوق السياسية(18)، و الحقوق المدنية (العامة والخاصة)(19)، والحقوق الخاصة إلى حقوق الأسرة والحقوق ذات القيمة المالية بقسميها الشخصية والعينية، نجد أنّ الإسلام من خلال منظومته المفاهيمية وضع أسساً ومبادئ واعتبارات واضحة تلامس تلك الحقوق، كما أنّه بمقدوره مواكبة حركة الواقع ومتغيراته، من خلال إعمال نظام التثبُّت القيمي والمبادئي والاعتباراتي من دون اللجوء إلى ربط المفردات بعضها ببعضها الآخر وقطع صلتها بالواقع، وبسياقها التاريخي والاجتماعي والثقافي.

فمثلاً لو أخذنا "الحقوق العامة" في المفهوم الإسلامي نجد أن المرجعية الإسلامية تعتمد مفهوماً أوسع لهذه الحقوق مما هو سائد في المفهوم القانوني الوضعي لهذا المصطلح؛ إذ الحق –في المفهوم الإسلامي- ينقسم إلى نوعين: حقّ الله وحقّ العبد(20). وحقّ الله ما يتعلّق به النفع من غير اختصاص بأحد، فينسب إلى الله تعالى لعظم خطره وشمول نفعه. وهذه الحقوق تشمل(21): عبادات خالصة، وعقوبات خالصة كالحدود، وعقوبات غير خالصة (قاصرة) كالحرمان من الميراث، وحقوق دائرة بين الأمرين كالكفارات، وعبادات فيها معنى المؤونة كزكاة الفطرة، ومؤونة فيها معنى العبادة كالزكاة، ومؤونة فيها شبهة العقوبة كالخراج، وحق قائم بنفسه كالخمس. مما يعني أن دائرة حقوق الله واسعة يتلاقى فيها الدين مع القانون العام الوضعي، ثم القانون الجنائي مع القانون المالي.

وأمّا حق العبد(22) فهو ما تعلق بمصلحة خاصة كالدين والضمان. وعليه يدخل في دائرة القانون الخاص. وهناك ما يجتمع فيه الحقان وحقّ الله غالب كحدّ القذف ويلحق بحقوق الله، وما يجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب كالقصاص وما يلحق بحقوق العبد.

ويظهر بالتأمل في المرجعية الإسلامية للحقوق أنّ الحق العام الذي يرجع استيفاؤه إلى الحاكم والدولة ينسب إلى الله –تعالى- وذلك لاعتبارات ثلاثة على الأقل:

أ- الاعتبار البنيوي-القيمي: إن النسق البنائي والمرجعية الإلهية للأحكام تفترض أن تنسب الحقوق العليا ذات القيمة القصوى إلى الله، كي يضفي عليها طابق القدسية والاحترام المضاعف.

ب- الاعتبار المفاهيمي-المرجعي: المنظومة المفاهيمية الإسلامية المؤسَّسة على محورية الله تستدعي أن يتم التعاطي مع المفاهيم وفق متطلّبات المنظومة، كي لا تحصل الفجوة بين الرسالة المراد إيصالها والمتلقِّي الذي ينبغي أن يستوعب الرسالة، وأن يبقى على تواصل مع

 

المردود النفسي والاجتماعي للنّص وللأحكام المستقاة منه(23).

ثالثاً: الاعتبار الإجرائي-الوظيفي: إنه لمن الصعب إيكال مهمّة تنفيذ استيفاء الحقوق العامة إلى الناس من دون السّعي –قدر الإمكان- للتخفيف من العواقب الوخيمة لحالات سوء التطبيق سيّما في غياب دولة المؤسسات –بمفهومها المعاصر-؛ ولذا نسبت تلك الحقوق إلى الله –تعالى- مباشرة، كي يتم التعاطي معها بدقة متناهية وللتخفيف من وطأة المفاعيل السلبية لسوء الإجراء قدر المستطاع.

ثم إنّ الوعي بالحقوق –بمفهومها الإسلامي- له أساسه في النص –كما سبق- ولعل رسالة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ت: 94-95هـ)(24) خير دليل على الاهتمام المبكِّر للفكر الإسلامي بالحقوق سيّما في جانبها الإنساني والاجتماعي؛ حيث اشتملت الرسالة على خمسين بنداً، توزَّعت بين حقوق الله وحقوق الإنسان وانقسمت الثانية بدورها إلى: حقوق الذات وحقوق الآخر.

 

كما نرى الوعي المبكر للحقوق هذه لدى فقهاء المذاهب الإسلامية كافة، والاستخدام الواسع لمصطلحي حقوق الله وحقوق العبد (الناس) في عباراتهم، ويمكن أن نشير إلى نماذج في هذا السياق، ينقل ابن رشد الحفيد(أبو الوليد محمد بن أحمد، ت: 595هـ) عن أبي حنيفة (نعمان بن ثابت، ت: 150هـ)، أنه "ذهب إلى أنّ حق الله هو الزكاة وذلك في السائمة منها"(25)، كما استخدم الفقيه الحنفي السرخسي (أبو بكر محمد بن أحمد، ت: 490هـ)، هذين المصطلحين استخداماً واسعاً(26). ومثله الحنفي الآخر الكاساني (أبو بكربن مسعود، ت: 587هـ)(27). وكذلك الأمر مع الشوافع بدءاً من الإمام الشافعي (محمد بن ادريس، ت: 204هـ)(28)، والشيرازي الشافعي (ت: 471هـ) والنووي الشافعي (محي الدين، ت: 676هـ)، حيث استخدم الأخير حق الله أكثر من 67 مرة(29). ومثلهم الحنابلة كالخرقي (ت: 343هـ)؛ وابن قدامة المقدسي (شمس الدين عبد الرحمن، ت: 683هـ)، إذ استخدم مصطلح "حق الله"، أكثر من 48مرة(30). ومن المالكية ابن رشد الحفيد(31).

وأما فقهاء الإمامية، فقد استخدموا حق الله وحق العبد تبعاً للروايات كسائر فقهاء المسلمين بدءاً من المفيد (محمد بن نعمان البغدادي، ت: 413هـ)، والطوسي (محمد بن الحسن، ت: 460هـ)(32)، والعلامة الحلي (الحسن بن المطهر، ت: 771هـ)(33). والكركي (نور الدين محمد بن عبد العال، ت: 940هـ)(34). والنجفي (محمد حسن، ت: 1266هـ)(35)، وغيرهم. ولكن التمييز الواضح بين الحقّ والحكم برز أول ما برز لدى الأنصاري (مرتضى، ت: 1281هـ) في مبحثي البيع(36) والخيارات(37)، من كتابه "المكاسب". ومن ثم تمَّ تخصيص رسائل خاصة بالبحث حول الحق والحكم مثل: رسالة الحق والحكم للطهراني (هادي، ت 1321هـ)، ورسالة في الفرق بين الحق والحكم لبحر العلوم(محمد، ت: 1326هـ)، ورسالة الضابط بين الحقّ والحكم للأصفهاني (مير محمد تقي المدرس، ت: 1333هـ)، ورسالة الحقّ للغروي (محمد حسين الأصفهاني، ت: 1334هـ)، وغيرها من الرسائل(38).

 

2- فلسفة حقوق الإنسان

إن الحقوق لدى المرجعيات المختلفة تعتمد على أسس ومنطلقات تجسّد نظرة المرجعية إلى الله، والإنسان، والكون، والحياة. كما أن الحقوق تَظْهَر –في كثير من الأحيان- استجابة لمواقف معيّنة، وتترتب على ذلك توقّعات وادعاءات محددة. وفيما يلي شرح موجز لفلسفة حقوق الإنسان من المنظورين الغربي (سيما الليبرالي) والإسلامي.

 

2-1- فلسفة حقوق الإنسان في الفكر الغربي الليبرالي

يمكن أن يكون هناك اعتراف بحقوق عالمية للإنسان في الوقت نفسه الذي يكون فيه هناك حول الأسس الفلسفية لتلك الحقوق(39).

والآراء المعاصرة حول حقوق الإنسان تتمثل في المرجعية الغربية في ثلاثة توجُّهات فلسفية عامّة(40):

أولاً:

المذهب المحافظ: وهذا المذهب كفلسفة للحقوق غير المتساوية سائد في ممارسات بعض الدول. وهو بدوره ينقسم إلى اتجاهين: الاتجاه المتطرِّف(41) ويسمّى الفاشية –رغم أنّ هذه التسمية تثير المشاكل- وهي مزيج من أفكار متباينة، وتحتوي على كثير من التشديد على العاطفة بدلاً من التفكير الواضح. والاتجاه الآخر هو الاتجاه المعتدل أو الكلاسيكي(42)، ومرتبط –على الأقل في الغرب- بـ "إدموند بورك"، غير أنّ جذوره ترجع إلى "أفلاطون" وكتابه "الجمهورية"(43)، حيث كان يقال: إنّ أفضل نظام للحكم هو بواسطة ملك-فيلسوف، لا يردعه قانون أو إرادة شعبية.

 

ثانياً:

المذهب الجماعي: أو اتحاد الكوميونات المستقلة، وهو فلسفة أخرى للحقوق في المرجعية الغربية، تشدِّد هذه الفلسفة – بشكل أساس- على مجموعة ما، مثل طبقة أو شعب. والحقوق مستمدة من العنصرية عند جماعة أو مجموعة، والأفراد يشكّلون مجموعات متينة(44). وتعد الماركسية أحد أهم أجنحة المدرسة الكوميونية، والإنسان –حسب الماركسية- تحكمه مجموعة من العوامل الاقتصادية، فهو ليس فرداً حقيقياً، بل إنّ له وجوداً كعضو في مجموعة اقتصادية(45).

 

ثالثاً:

المذهب الليبرالي:

المعنى الرئيس والتاريخي للليبرالية هو "الإيمان بأنّ أعلى خير أو قيمة هو خير الفرد" وأنّ خير الفرد يتحقق من خلال عنصرين أساسيين هما: الحرية والمساواة.

تعتمد المدرسة الليبرالية على أساسيين –لكل منهما التأثير على حقوق الإنسان الحديثة-:

أولهما: مدرسة القانون الطبيعي(46):

وقد وصفها "هيرش باخت" بـ "المُلهِمَةْ"(47) لحقوق الإنسان. ولهذه المدرسة تاريخ عريق في الفكر الغربي منذ اليونان والرومان حتى المسيحيين في العصور الوسطى، ثم عن طريق لوك وروسو، إلى الثورتين الأميركية والفرنسية في القرن الثامن عشر. وللبشر –حسب هذه المدرسة- حقوق معينة لا تقبل التحويل؛ وذلك لأنهم يوجدون في نظام أكبر، تحكمه قواعد غيبية تقرر لهم حقوقاً، -على حد تعبير جيفرسون- (48).

 

ثانيهما: الفكر النفعي:

ويمثل هذا الفكر -بشكل كاثوليكي- أعمال جان ستيورات ميل، الذي يرى أن السعي من أجل السعادة والرفاهية الإنسانية عن طريق الحرية والمساواة هو أعلى قيمة أو خير؛ لأن هذا هو الشيء الجدير الذي تثبت فائدته(49).

وتجمّع حول هذه الفكرة عدد كبير من المفكرين الغربيين من آدم سميث و دايفيد ريكاردو على يمين جناح المذهب النفعي الكلاسيكي إلى ميل وجرين، وسيدني و ويب إلى اليسار.

ولكن ينبغي أن نحدّد مفهومنا لمدرسة القانون الطبيعي والفكر النفعي، كي نفهم دورهما في صياغة حقوق الإنسان المعاصرة. إن الطبيعة بوصفها مرجعية للقانون الطبيعي ذات مداليل ثلاثة هي(50):

1-   الطبيعة تعني الكون كله بدون استثناء.

2-   إنها تعني "السوي" أو "الاعتيادي"Normal في مقابل الانحراف.

3-   تعني التلقائية واللاوعي مقابل ما هو إرادي وواع.

فإن كان المقصود من الطبيعة هو المعنى الأول، فيبدو أن المعنى المعقول لها هو: "النظام العقلي للأشياء بوصفه نظاماً كلياً يشمل كل ما في الطبيعة، بما في ذلك الإنسان نفسه، من هنا تصبح مهمة العقل هي الكشف عن الجانب الطبيعي؛ أي المعقول في كل ميدان بما في ذلك الحياة الإنسانية"(51).

ويشير مونتسكيو إلى القانون –الطبيعي- قائلاً: "كان هناك قبل كل القوانين القانون الطبيعي، ويسمّى بذلك؛ لأنه مشتق من البناء الذي يحكم وجودنا. ولكن ينبغي أن ننظر إلى القانون الطبيعي قبل الحالة الاجتماعية للإنسان"(52).

وحينما نتحدث عن "القانون الطبيعي" ينبغي أن نلتفت إلى خصائصه الأساسية وهي أربعة(53):

1-   القانون الطبيعي هو تلك القواعد التي تفوق إرادة الدولة وتشريعاتها.

2-  إن قواعد القانون الطبيعي (الفطري) هي قواعد ثابتة وغير قابلة للتغيير والتعديل، وتشمل جميع الأمم والشعوب، ولا تُستَثْنى منها فئة دون أخرى.

3-   إن قواعد القانون الطبيعي أمور بديهية وقابلة للإدراك والفهم من قبل جميع الناس.

4-   تعتمد قواعد القانون الطبيعي على أصالة الفرد وتحمي حقوق الأفراد من تعدي السلطة الحاكمة.

كما أن المقصود من الفكر النفعي هو التوجه السائد في الغرب، والداعي إلى تحكيم القيم والتصورات الدنيوية المبنية على النفع الدنيوي (Profane) والملتزمة بإثبات فائدة وجدوائية

(demonstrable efficacy) تلك القيم والتصورات. وإلى ذلك يشير إميل دوركهايم بقوله: "إن النقلة النوعية التي حصلت في حياة البشرية نتيجة العقد الاجتماعي هو الفصل بين الأمر القدسي والأمر المفيد وباقي الفروقات راجعة إليه"(54).

ومما سبق ذكره، وبالرجوع إلى مساهمة الفيلسوف الإنكليزي جون لوك نستطيع القول: إنّ حالة الطبيعة هي حالة الحرية والمساواة التي يكون عليها الناس قبل أن تقوم فيهم سلطة تحدّ من حقهم في ممارساتها –أعني الحرية والمساواة- غير "قانون الطبيعة" نفسه، القانون الذي يرمي إلى: "حفظ الجنس البشري وضمان سلامته والذي يؤول أمر تنفيذه إلى كل إنسان"(55).

وتجسّد حالة الطبيعة في الثقافة الغربية وتجربتها فرضية "العقد الاجتماعي" في المجال السياسي والاجتماعي، تلك الفرضية التي تفسِّر كيفية الانتقال من "حالة الطبيعة" إلى "حالة المدنية". حسب توماس هوبز(1588-1679م) وجون لوك(1632-1704م)، وجان جاك روسو(1712-1778م)(56).

وينقسم الليبراليون بالنسبة إلى الموقف من الحرية والمساواة إلى طائفتين(57):

الأولى: الليبراليون الكلاسيكيون:

حيث يؤكدون على الحرية وينزلون المساواة إلى مرتبة أدنى باعتبارها فرصة متساوية للمنافسة الحرة. وتمثل الولايات المتحدة الأمريكية تاريخياً الليبرالية الكلاسيكية.

 

الثانية: الليبراليون غير التقليدين:

حيث يشددون على المساواة، ويقيدون الحرية بشدة، وتمثّل الدانمارك التوجه غير التقليدي، وكمثال على ذلك، ليس للأبوين في الدانمارك الحق في تسمية أولادهم كما يشاوؤن.

 

وإن كان نقد الفلسفة الليبرالية في مجال حقوق الإنسان لا يُشكل هدفاً للمقال ولكن ينبغي أن نشير إلى أنّ السيادة الوطنية التي ابتكرها الأوروبيون (بحلول العام 1680م). ونقلوها إلى سائر أرجاء العالم تشكّل عقبة أمام تطبيق حقوق الإنسان المبنية على القانون الطبيعي بخصائصه الأربعة السابقة؛ ولذا دار جدل كبير بين الغربيين –أنفسهم- حول البناء والتنظيم المفضّل للمجتمع على ضوء مبادئ وقواعد حقوق الإنسان(58).

 

2-2- فلسفة حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي

سبق أن أشرنا إلى الاختلاف القائم بين النظرة الإسلامية وغير الإسلامية على مستوى التأسيس المتعالي لقضايا الإنسان الكبرى (قضايا الحق، والواجب والخير والفضيلة والوجوب والمصير…إلخ)، ونضيف هنا أنّ النظرة الإسلامية تختلف وغيرها على مستوى بناء المفاهيم الكبرى أيضاً (مفاهيم الإنسان والحقوق، والواجبات، والمسؤولية و…إلخ)؛ حيث إن الإسلام كما ينظر إلى الله نظرة تتصف بالذاتية، والإطلاق، واللاتناهي، والخير المحض، كذلك ينظر إلى الإنسان بصفته الفطرية الأزلية الثابتة، -وحسب هذه النظرة- فإن الإنسان يتصف بصفتين معاً في آنٍ واحد، إنّه "عبد الله"(59)، و "خليفته"(60). والخصوصية الأولى تتطلب منه الطاعة، والسعي للتوفيق بين الإرادة الربانية وإرادته الإنسانية. في حين أنّ الخصوصية الثانية تتطلب من الإنسان الفعّالية والتأثير باعتباره خليفة لله على الأرض، وهو همزة الوصل بين عالمي المُلك والمَلَكُوت والواسطة لتحقيق مشيئة الله في الأرض.

كما أنَّ الإنسان –حسب النظرة الإسلامية- يتصّف بصفتين أخريين –أيضاً- وهما العقل والإرادة، إلاّ أن الخطاب الإسلامي يتوجَّه إلى الإنسان باعتبار الصفة الأولى –كونه عاقلاً-، ويختلف التصوّر الإسلامي لإرادة الإنسان عن التصوّر المسيحي الأوغسطيني المبني على الخطيئة الأولى التي أوجبت مسخ جوهر الإنسان(61). بل يرى الإسلام أن الإنسان لا يزال على فطرته الأولى، ولم يغيّر الهبوطُ إلى الأرض من حقيقته.

وحسب القرآن الكريم والأحاديث المفسّرة لآياته، فإن الإنسان خلق من التراب، ولكن نفخ الله فيه من روحه فأصبح إنساناً: ﴿…وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي…﴾(62). وعلى عكس التصوّر الأسطوري اليوناني، فإن الإنسان لا يملك روح الطغيان ضد السماء –كما هو الحال مع بروميثيوس-. إنه عبد الله، وكرامتُه مستمدةٌ منه، وليست ذاتية كما أنّها ليست فوق مشيئة الله.

إن المخلوقات الإلهية تتصّف جميعاً بالمكانة والمرتبة، كونها مظهراً لله، ولحكمته البالغة. ولكنّ الإنسان –بين جميع المخلوقات الإلهية- هو الأشرف والأعلى مرتبة ومكانة، باعتبار أنّه يعكس صفات الله وحكمته بوجه أتم وأكمل. ومع أن الإنسان هو محور الوجود والكائنات –من منظور إسلامي- إلاّ أنه ليس طليقاً من المسؤولية. لا حرية في الإسلام من دون المسؤولية، ولا حقوق من دون الواجبات. إنّ الأصول والمنطلقات الأساسية للفكر الإسلامي لا تنسجم مع الحقوق الذاتية، والطبيعية للإنسان باعتبار أنه لم يخلق نفسه بنفسه(63)، بل وجوده وخلقه من فضل الله، ولا حقوق خارج دائرة الخلق والخالق. وعلى عكس التصوّر السائد في الثقافة الغربية –سيّما بالتعبير الوجودي عنها- الذي لا يعترف للإنسان بتاريخ وحقيقة سابقة(64)، ويعتبر الإنسان خالق نفسه(65)، فالإسلام يؤكد على تاريخية الإنسان وأنه مخلوق وليس بخالق. إلاّ أنّ هذا لا يعني أن الإسلام ينكر عنصر الاختيار والحرية في الإنسان بل يؤكد كالوجوديين –وبشكل أكثر عمقاً- على أهمية الاختيار والعقل والحرية في الإنسان، كما يعترف بالإمكانيات الواسعة التي يمتلكها.

من هنا، ساد تصور لدى المفكرين المسلمين مفاده: "أنّ انقطاع الصلة الحقيقية للإنسان الأوروبي بالله –تعالى- ونظرته إلى الأرض بدلاً عن النظرة إلى السماء، انتزع من ذهنه أي فكرة حقيقية عن قيمومة رفيعة من جهة أعلى أو تحدّيات تفرض عليه من خارج نطاق ذاته، وهيّأه ذلك نفسياً وفكرياً للإيمان بحقّه في الحرية المطلقة، وغمره بفيض من الشعور بالاستقلال والفردية المفرطة، الأمر الذي استطاعت بعد ذلك أن تترجمه إلى اللغة الفلسفية، أو تعبّر عنه على الصعيد الفلسفي، فلسفات كبرى في تاريخ أوروبا الحديثة ومنها الوجودية".(66) كما ذكرنا، وانطلاقاً من هذا الاعتبار الجوهري يمكن أن يؤخذ –من منظور إسلامي- على الخلفية النظرية والمنطلقات الفلسفية لشرعة حقوق الإنسان؛ الملاحظات الآتية ولكن ذلك لا يمنع عن القبول بمفاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ، كما ذكرنا في بداية المقال يمكن الجمع بين الاعتراف بحقوق عالمية للإنسان والاختلاف حول الأسس الفلسفية لتلك الحقوق:

 

أ- إشكالية الشرعية التشريعية

إن الخلفية الفلسفية والنظرية التي تُبْنَى عليها تشريعات حقوق الإنسان تقرِّر مبدأ صلاحية الإنسان للتشريع المُبتدأ والمستقِّل عن أي قيمومة رفيعة، وهذا ما لا يقبله الفكر الإسلامي القائم على عدم إمكانية التشريعات المستقلة عن الإرادة الربانية.

إذ كما يقول الجابري: "إنّه بالرغم من أنّ نصّ إعلان الاستقلال الأمريكي قد وظَّف في تقريره لـ "حقوق الإنسان" مفاهيم دينية صريحة مثل "الخالق" و "الحاكم الأعلى للكون" و "العناية الإلهية" وبالرغم كذلك من أنّ "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" الذي أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية قد أشار في ديباجته إلى "رعاية الكائن الأسمى" (أي الله)، إنّه بالرغم من هذا وذاك فإنَّ، الدين لم يكن، بصورة من الصور، المرجعية التي تؤسس "حقوق الإنسان" تلك، بل إنّ هذه "الحقوق" قد نودي بها أصلاً –من طرف الفلاسفة- ضداً على جميع السلطات التي كانت تتحكم في الإنسان الأوروبي في ذلك الوقت، وعلى رأسها سلطة التقليد وسلطة الكنسية"(67).

من هنا، فإن الخلفية العلمانية لحقوق الإنسان في صراع فلسفي صريح مع الخلفية الإسلامية القائمة على مرجعية إلهية لحقوق الإنسان وواجباته، وطالما لا تستند تشريعات حقوق الإنسان إلى المرجعية الإلهية لا تلقى ترحيباً من قبل المؤمنين، وتبقى غير مبرَّرة لجهة التشريع، ولا تملك الصلاحية الكافية لإلزام المسلم بالقبول الطوعي.

 

ب- البنى التحتية النظرية لحقوق الإنسان

يشترط في النظم الحقوقية والقانونية التسانخ والانسجام بين القواعد الحقوقية وأجزاء المنظومة الحقوقية، إذ البنى التحتية للمنظومة بمثابة الأساس للقواعد والأجزاء المتفرعة عنها والبنود المبنية عليها. والملاحظ أنّ القواعد الحقوقية وبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تنسجم مع البنى التحتية النظرية لها –من منظور إسلامي- إذ البنى الوضعية لتلك الحقوق ليس بمقدورها إثبات تلك الحقوق والقواعد؛ لكونها تفقد القدرة الكافية على الإلزام والإقناع.

 

جـ- التعارض بين الأسس النظرية والفلسفية

يبدو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعاني من التعارض(68) وعدم الانسجام بين الأسس النظرية والفلسفية التي يبتنى عليها. فمثلاً نجد التعارض بين الاعتقاد بالكرامة الذاتية للإنسان والحرية المطلقة؛ أو الالتزام بمبدأ حرية الأديان والمذاهب، ومبدأ التساوي بين جميع الناس. توضيحه: إنّ البنود (1 و 2 و7) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد تساوي الحقوق بين جميع الأفراد. ومن جهة أخرى ينفي البند السادس عشر –بشكل صريح- دور الدين في قضية الزواج، في حين أن البند الثامن عشر يعترف بحقّ الناس في اختيار الدين والسلوك الديني. فالبند الثامن عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤيد التوجه الديني والمذهبي ويعترف بحقّ الناس في اختيار سلوك موافق للرأي الديني ويعتبره أمراً مشروعاً. بينما تسلب البنود (1 و 2 و7 و 16)، هذه المشروعية من السلوك الديني. فإنّ هذا التعارض ثابت على مستوى البنود كما أن التعارض قائم على مستوى الأسس النظرية والفلسفية؛ لأن الحرية المطلقة والمشروعة والمساواة العامة لا تتفقان فيما بينهما على خط طويل.

 

هـ- مبادئ ومنطلقات الإعلان العالمي من منظور اسلامي

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف (د-3) بتاريخ 10 كانون الأول 1948م، تضمن أفكاراً أساسية حول الإنسان وحقوقه، وفيما يلي نستعرض بعض تلك الأفكار ونقرأها من منظور إسلامي تاركين تفاصيل البنود إلى فرصة أخرى:

1– حقّ الحياة:

تقرُّ المادة الثالثة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي: "لكل فرد الحقّ في الحياة والحرية، وفي الأمان على شخصه"، كما أن المادة السادسة من فصل الميثاق المدني والسياسي الذي يعد في الواقع الجانب القانوني والتنفيذي لهذا الاعلان، توضح مدلولات حق الحياة من خلال النقاط التالية(69):

1- لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي.

2- يجوز إيقاع حكم الموت في الأقطار التي لم تلغ منها عقوبة الإعدام بالنسبة إلى أكثر الجرائم خطورةً فقط طبقاً للقانون المعمول به في وقت ارتكاب الجريمة، وليس خلافاً لنصوص العهد الحالي والاتفاق الخاص بالوقاية من جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها، ولا يجوز تنفيذ هذه العقوبة إلا بعد صدور حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.

3- ليس في هذه المادة، إذا كان حرمان الحياة يشكل جريمة إبادة الجنس ما يخول أية دولة طرف في العهد الحالي التحلّل بأي حال من أي التزام تفرضه نصوص الاتفاق الخاص بالوقاية من جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها.

4-  لكل محكوم عليه بالموت الحق في طلب العفو أو تخفيض الحكم، ويجوز منح العفو… في كافة الأحوال.

5-  لا يجوز فرض حكم الموت بالنسبة إلى الجرائم التي يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً كما لا يجوز تنفيذه بامرأة حامل.

6- ليس في هذه المادة ما يمكن لأية دولة من الدول الأطراف في العهد الحالي الاستناد من أجل تأجيل إلغاء عقوبة الإعدام أو الحيلولة دون ذلك الإلغاء.

كما تؤكد اتفاقية الأمم المتحدة المدنية-السياسية، المادة السادسة على الحق الفطري في الحياة. وتقرّر المادة الحادية عشرة من اتفاقية الأمم المتحدة الاقتصادية-الاجتماعية، الثقافية حقّ كل إنسان في مستوى معيشة ملائم من الحياة النفسية وأسرته، بما في ذلك الغذاء والكساء والمأوى الملائم. كما أن المادة الثانية عشرة من نفس الاتفاقية تقرِّر حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن الحصول عليه من الصحة البدنية والعقلية.

إن الإسلام والتصوّر الإسلامي يلتقي(70) مع مفاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواد الاتفاقيات الملحقة بالإعلان في كثير من التفاصيل والنتائج المتصلة بحق الحياة والتمتع بها. ولكن هذا التلاقي لا يعفينا من إبداء بعض الملاحظات على صياغة حق الحياة –بهذا الشكل- من المنظور الإسلامي:

أولاً: لا يصحّ –من المنظور الإسلامي- إعطاء حق الحياة صياغة إنشائية تقريرية قد توحي بأنّه خاضع لاعتبارات بشرية، وأنه قابل للمنح أو السلب لاعتبارات بشرية بحتة. إنّ التصوّر الإسلامي عن حق الحياة مشوب بالقدسية الفائقة، وحق الحياة جزء من ذاتيات الإنسان وفوق بشري، فلا بد أن يطال التغيير الصياغة البشرية الوضعية لهذا الحق كي ينسجم مع التصوّر الإسلامي عن الإنسان والحياة.

ثانياً: لا يجوز –من المنظور الإسلامي- إلغاء حق الحياة أو تحديد ممارسة هذا الحقّ من خلال اعتبارات بشرية محضة، بل لابد أن تدخل اعتبارات فوق بشرية في إلغاء أو تحديد خصوصية هي فوق بشرية.

ثالثاً: التصوّر الإسلامي عن الحياة قائم على الاعتراف بنوعين من الحياة للإنسان، النوع الأول هو الحياة المادية المرتبطة بالصحة والأمان الجسديين للإنسان. والنوع الثاني هو الحياة الروحية (المعنوية) المتصلة بالكيان المعنوي والفكري والثقافي للإنسان. وهذا التصوّر قريب إلى حدٍ ما -من حيث النتائج- من التفسير الموسّع للحياة للبروفسور إيدي أوسبورن الذي يرى أن الحق في الحياة يمنع –أيضاً- العنف التركيبي. فمثلاً تكوين التوزيع العالمي للطعام يسبِّب موت حوالي 14 مليون شخص كل عام. ومن منظور عالمي، فإن الطعام موجود ولكنه ببساطة لا يصل إلى من هم في حاجةٍ إليه. وهذا إنكار تركيبي للحق في الحياة؛ إذ إنه بتعبيرات موضوعية توجد لدى الصفوة الحاكمة في العالم وسائل إطعام الذين يموتون جوعاً. كما اعتبر أوسبورن أنه سواء مات طفل في مرحلة الرضاعة بسبب الفقر وسوء التغذية الناتج عنه ونقص الخدمات الصحية، أو أُعدِم في مرحلة تالية باعتباره خصماً سياسياً، فإن المجتمع الذي يحدث فيه ذلك يجب أن يعتبر معادياً لحقوق الإنسان(71).

كذلك فإن التصوّر الإسلامي عن حقوق الإنسان يشدِّد على الاعتبارات المعنوية للحياة الإنسانية بالدرجة نفسها من التشديد على الحفاظ على السلامة الجسدية والمادية للإنسان. والإعلان العالمي يؤكد الجانب المادي ويُغفِل الجانب المعنوي، وإن لم يُغفِله فإنّه يعزله عن الحياة المعنوية وينظر نظرة ثنائية إليهما.

 

2– الحريّة

تركز مواد عديدة في الإعلان العالمي على حق الحرية بدءاً من المادة الأولى التي تقرِّر:

"يولد جميع الناس أحراراً…" والمادة الثانية التي تؤكد أنَّ "لكل إنسان الحق في التمتّع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان، دونما تمييز من أي نوع…" والمادة الثالثة التي وردت في الفقرات السابقة. والمادة الرابعة من الإعلان التي تنفي كل أنواع الاسترقاق وتحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما. والمادة الثالثة عشرة تقرّر "لكل فرد الحق في حرية التنقل، وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة". وكذلك الحق في مغادرة أي بلد، والمادة السابعة عشرة التي تؤكد أنه "لكل فرد حق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره". والمادة الثانية عشرة التي تبيّن أن "لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده على حدة". وتقرِّر المادة التاسعة عشرة بأنّ "لكل شخص حقّ التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والآراء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". كما تؤكد المادة العشرون من الإعلان على حق كل شخص في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، والمنع عن إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما، وغيرها من المواد المشتملة على مضامين تكرِّس أهمية الحرية وتبيّن أبعادها ومجالاتها.

إنّ أصل الحرية المعتمد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرجع في جذوره إلى الخلفية الفلسفية للمذهب الليبرالي، ويعتمد على ركنين أساسيين –كما سبق- وهما: القانون الطبيعي، والفكر النفعي. إضافةً إلى الإفراط في الفردانية (أصالة الفرد) مقابل المجتمع وقيمه واعتباراته.

وكما ذكرنا، فإنّ التصوّر الإسلامي يأبى الاعتراف بالقانون الطبيعي، سيّما مع الغموض الذي يحيط بهذا القانون والتفسيرات المختلفة له على الصعيد الفلسفي والتشريعي. ونظام الفطرة الوارد في القرآن الكريم لا ينسجم مع القانون الطبيعي من منظور علماني.

كما أنّ الفكر النفعي لا يتفق مع القيم الإسلامية الداعية إلى تقديم المنافع المعنوية على المنافع المادية من جهة، وتقديم الخير المشترك على خير الفرد من جهة ثانية.

ثمّ إن الحرية المطلقة بمفهومها التشريعي تتعارض مع القيود التي تُفرَض على الإنسان نتيجة ضرورات مجتمعية، ولا تجتمع –مع الاحتفاظ بإطلاق الحرية- مع التقيّيد بحدود حرية الغير وقواعد الفضيلة والأخلاق.

ولكن هذا لا يعني أن الإسلام لا يعترف بحقّ الحرية كمبدأ عام(72) سواء فيما يرتبط بالحرية المعتقدية، أم الحريات العامة الأخرى بفئتيها الشخصية والجماعية(73). إلا أن الحرية لا بد من أن تتقيّد بالنظام(74) وتتحدد المناورة ضمن اختيار البدائل من الوسائل المباحة شرعاً؛ حيث إنّ الغاية لا تبرِّر الوسيلة في التصوّر الإسلامي. الغاية المشروعة لها وسائلها المشروعة – أيضاً- ولا يمكن تبرير الوسائل المحرمة بالغايات الشريفة.

 

 

3- الكرامة الإنسانية

تطرّق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته إلى كرامة الإنسان والحقوق الذاتية لأعضاء الأسرة الإنسانية، تلك الحقوق المبنية على الحرية والعدالة والسلام العالمي. كما تضمنت المادة الأولى من الإعلان نصاً يؤكِّد على الحرية الذاتية والحقوق المتساوية والعقل والوجدان الذي يشترك فيهما جميع أفراد الناس.

والسؤال المطروح أمام الإعلان العالمي والنصوص المشار إليها، هو: ما الهدف النهائي من الإعلان ومن اللغة المستخدمة بشأن حقوق الإنسان؟ وكما هو معروف فإن مثل هذه الحقوق وسيلة لغاية هي الكرامة الإنسانية. ولكن الفلسفة التي تستند إليها حقوق الإنسان في الإعلان العالمي قد لا تنجح في الوصول إلى هذه الغاية، وبتعبير آخر، المنطلقات الفلسفية ذات المرجعية الغربية، قد لا تفي بإثبات الكرامة الذاتية؛ وذلك بإرجاع الحقوق إلى الطبيعة ومقتضياتها التي تخضع لتفسيرات مختلفة.

ومن هنا، تختلف النظرة الإسلامية مع النظرة الغربية؛ حيث يعتبر الإسلام "الكرامة" منحة إلهية وفضلاً ربانياً ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(75) و﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (76).

ويبرز بوضوح البعد الإلهي لهذه الكرامة والفضيلة الإنسانية ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ…﴾(77) والبعد الإلهي هذا، يؤهِّل الإنسان أن يكون:

أ‌-    خليفة لله على الأرض(78).

ب‌-   مختاراً ومستقلاً في قراراته وأميناً على الطبيعة وخيراتها(79).

ج- صاحب ضمير أخلاقي حي(80).

د- السبب في خلق ما في الأرض من نعم وخيرات(81).

من هنا، يتبين أن الإطلاقية المسحوبة على الحقوق ليس منشأها –من المنظور الإسلامي- الذات الإنسانية وإنما هي مكتسبة من المطلق الحقيقي وهو الله –تعالى-.

 

حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق

لقد بحثنا في الصفحات السابقة عن البعد النظري لحقوق الإنسان، ولنكوِّن صورة متكاملة عن تلك الحقوق ينبغي أن نشير إلى البعد التطبيقي لها أيضاً.

وكما هو معروف، فإنَّ القانون يؤدي ثلاثة أدوار:

أ‌-    القانون يشكل أيديولوجية.

ب‌-   يسعى القانون إلى التحكّم المباشر في السلوك عن طريق الأوامر.

ج- يسعى لمراقبة السلوك بطريق غير مباشر من خلال التعليم والتوعية والثقافة.

ولتتحوّل حقوق الإنسان إلى قوانين سارية المفعول على المستوى العالمي لابد من معالجة العوائق التي تَحُول دون تطبيقها. وأهم المعيقات أمام التقيُّد الفعلي بحقوق الإنسان هي العوامل التالية:

1-  العائق الأول يتصّل بالبناء والتنظيم المفضَّل للمجتمع. فطالما يحكم العالم النظام المبني على الاستغلال والظلم واحتكار القوة ومزيد من السلطة ودوائر النفوذ، فلا يمكن عقد الأمل على مجرَّد الصياغة النظرية والفلسفية المحكمة لحقوق الإنسان. ومن ثم، الانتظار من المجتمع والمؤسسات المبنية على التنظيم السيء والمعايير الباطلة والنظام العالمي المبني على الظلم والجور والقوة والبطش أن يقود التطبيق الأمثل لتلك الحقوق.

2- العائق الثاني يتصل بالمصالح السياسية التي تقف خلف شعار حقوق الإنسان، فإنَّ صياغة الحقوق، وإن كانت من عمل الفلاسفة ورجال القانون، إلاّ أنَّ معايير الحقوق- في عالمنا المعاصر- تنتج بوضوح من عملية سياسية؛ فلذلك مهما بدا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتاجاً إنسانياً عاماً ومشاعاً، فإنه يتعامل بصورة مع صميم كل السياسات، وتتوجه إليه تساؤلات تساشيك(82): من يقود من؟ وبأيّة نيّة؟ ولأي غرض؟ وبأية وسائل؟ وبأية قيود؟ ونضيف تساؤلاً أخر: وبأي ثمن؟

3- العائق الثالث يتصل بالاختلاف في المفاهيم ووجود تفسيرات مختلفة لحقوق الإنسان؛ إذ لا يوجد مفهوم واحد عن حقوق الإنسان ومفرداتها في العالم. فإن حقوق الإنسان من منظور غربي قائمة –أساساً- على مفهوم السوق؛ ولذا كان أول حق إنساني نشأ بوضوح –في ظل هذه الثقافة- هو الحق في الملكية الخاصة. وفي القرن التاسع عشر، برز مفهوم عن حقوق الإنسان يميّز بين طبقات الناشطين المختلفة ويمنح كلاً منها درجة معينة من الحقوق. وحسب رؤية يوبندرا باكسي Upendra Baxi(83) فإن حقوق الإنسان آنذاك كانت حقوقاً لكل الرجال القادرين على التفكير المستقل. وتم استبعاد عدد كبير من البشر بسبب النزعة الانتقائية الغربية. وفي أوقات عديدة أدت هذه النزعة إلى استبعاد العبيد والبرابرة، والشعوب المستعمرة، وجماعات السكان الأصليين، والنساء، والأطفال، والفقراء، وغير الأسوياء عقلياً، من أن يكونوا أصحاب حقوق إنسانية. واليوم-أيضاً- نجد أن حقوق الإنسان حسب بعض الاتجاهات السائدة في الغرب مختصة بأمريكا وأوروبا (العالم الرأسمالي) وأما العالم الثالث أو المسلمون منهم – تحديداً- فلا يتمتعون بحقوق متساوية مع غيرهم.

كما أن هذا المفهوم حول حقوق الإنسان جعل حماية هذه الحقوق تمتد لتشمل تراكمات رأس المال؛ ولذا فإن المادة الأولى من البروتوكول الأول للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان

(ECHR)(84)، توضح أن كلا من الأشخاص الطبيعيين والقضائيين له الحق في التمتع الآمن والكامل بممتلكاته. وبالمقابل فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سبق لها أن تصدت لقضايا تنطوي على انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان(85). من هنا، تسود –حول حقوق الإنسان- مشكلات التصوُّر، والتعريف، والقياس.

4-  العائق الرابع يتصل بعدم نجاعة الوسائل العامة والخاصة للتنفيذ الرسمي وغير الرسمي لحقوق الإنسان. ففي السابق كانت الإجراءات بشأن حماية حقوق الإنسان تتراوح بين وجوب أن تُقَدِّم الدول تقريراً إلى منظمة دولية، أو تقبل حكماً ملزماً من منظمة دولية، من دون ضمانات إجرائية. أو تقبل الدول بإجراءات وسيطة مثل: السماح لمنظمة دولية بتقديم توصية أو اقتراح لها. أو السماح لمنظمة دولية بأن تنشئ هيئة توفيق للعمل من أجل حل مشكلة وما إلى ذلك. وفي العقد الأخير توسعت نشاطات منظمات دولية(86)، وأدّت إلى التدخل العسكري بشأن تنفيذ بعض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، كما حصل في البلقان وغيرها. ولكن كانت الوسائل غير مجدية وغير فعّالة في كل الأحوال.

5-  العائق الخامس يتصل بالازدواجية التي تحكم عمل المنظمات الدولية نتيجة تدخل الدول الكبرى في قراراتها؛ ولذلك سبق لها أن اختارت الخيار العسكري والتدخل المباشر لحسم مصير قرار صادر عن مرجعية دولية، حينما كانت تقف خلف القرار الصادر دول كبرى. وعكسه صحيح أيضاً، فكانت تغمض العين عن انتهاكات لحقوق الإنسان هنا وهناك، ولا تبحث عن سبل كفيلة بتفيذ قراراتها فيما إذا كانت الدولة المنتهكة لحقوق الإنسان محميّة من قبل دولة عظمى، كما هو الحال بالنسبة لمصير المئات من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة وغيرها من منظمات دولية بخصوص انتهاك حقوق الإنسان، من قبل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وغيره من الكيانات المحميّة في العالم من قبل الدول العظمى.

وعليه، فلا يمكن التعويل على وجود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ووجود منظمات دولية معنية بتلك الحقوق طالما أن هناك عوائق أساسية أمام تنفيذ قرارت منظمات دولية، وطالما أن العالم محكومة لأنظمة محلية وإقليمية ودولية تنتهك تلك الحقوق يومياً، ومن ثم تتسابق فيما بينها لرفع شعار حماية حقوق الإنسان للاستهلاك الداخلي أو الخارجي.

 

خاتمة

ومما ورد في الصفحات السابقة نستطيع أن نستخلص النتائج التالية:

1-  لا يختلف اثنان حول أهمية حقوق الإنسان، سواء انطلقنا من اعتبارات دينية أو اعتبارات دنيوية، كما لا يمكن التشكيك في الدور الفاعل لتلك الحقوق –لو تمّ التقيّد الفعلي بها- في تخفيف المآسي التي يتحملها الإنسان هنا وهناك جراء نقض المبادئ الأولية لحقوق الإنسان.

 

2-  القبول بمفاد حقوق الإنسان والإيمان بأهميتها لا يعني القبول بالتفسير الفلسفي الحصري لتلك الحقوق من وجهة نظر المذهب الليبرالي الغربي؛ إذ يمكن الجمع بين القبو ل بحقوق الإنسان وعدم القبول بالأسس والمنطلقات المعتمدة في التصور الليبرالي الغربي عن تلك الحقوق.

3-  لا يمكن القبول تحت ذريعة "عالمية حقوق الإنسان" بتعميم ثقافة آحادية المنشأ والمركز على العالم –بأسره- ومحاولة فرض قيمها واعتباراتها على جميع الشعوب والثقافات، وجعل تلك القيم والاعتبارات مقياساً للحقيقة ومقياساً للتقدم والتخلّف في آنٍ واحد.

4-  كما لا يمكن القبول، تحت ذريعة "الخصوصيّة الثقافية"، بالقضاء على مبادئ حقوق الإنسان والتملّص منها، بل ما تتطلبه الخصوصية هو إعطاء تفسير لتلك الحقوق يتفق والمفاهيم الدينية والثقافية، والنظرات الاجتماعية والفلسفية السائدة في مجتمع من المجتمعات الإنسانية.

5-  إن واقع المجتمع الإنساني وما يحكمه من معادلات في مجالات مختلفة (سياسية، اقتصادية، وعسكرية..)، يؤكد عدم إمكانية الفصل التام بين حماية حقوق الإنسان، وحماية المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تَنشُدُها الدول المختلفة. من هنا، فلا يمكن أن ننظر إلى عنوان لامع مثل حماية حقوق الإنسان بمعزل عن الخلفية السياسية و… التي تحرك هذا العنوان، سيما بالنسبة إلى الدول الكبرى.

نقلاً عن موقع معهد الرسول الأكرم(ص)، مجلة الحياة الطيبة – العدد الثاني عشر

 

الهوامش:

(1) كان للإيمان بوحدة النوع البشري اعتباراته في اليونان القديم، كما أن "أرسطو" كان يعتقد بأن مبدأ المساواة قابل للتطبيق في المدن الصغيرة فقط. ولكن لم يحصل أي تدوين في مجال حقوق الإنسان قبل القرن الثاني عشر الميلادي. وورد تأكيد بعض الحقوق في وثيقة الماغنا كارتا (Magna Carta) التي وقَّعها الملك جون في 1215م، وقوانين المجر التي صيغت في سنة 1222. راجع: Britannica,. vol. 8, p1183.

 (2) راجع: بازاركاد (بهاء الدين): تاريخ الفلسفة السياسية (بالفارسية)، ج1، كلشن، طهران، 1982.

 (3) مجموعة من المواطنين السويسريين برئاسة هنري دونان التي عملت من أجل اتفاقية جنيف الأولى والتي أصبحت تعرف في النهاية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر (I C R C).

 (4) راجع: حقوق الإنسان، صحيفة وقائع رقم 16، الصادرة عن الأمم المتحدة، وصحيفة رقم 13.

 (5) سورة المائدة/ الآية 45.

 (6) سورة المائدة/الآية 32.

 (7) الإمام علي بن أبي طالب: نهج البلاغة، 53، الفقرة 141-143.

 (8) سورة الحجرات/الآية10.

(9) سورة الحجرات/الآية 13.

(10) الكراجكي (أبو الفتح): معدن الجواهر ورياضة الخواطر، ط2، مهر استوار، قم، 1394هـ.ش. ص 21.

(11) الإمام علي بن أبي طالب(ع): نهج البلاغة، دار المعرفة – بيروت، ج3، ص 84.

(12) سورة البقرة/الآية 256.

(13) سورة الكهف/ الآية 29.

 (14) سورة يونس/الآية 99.

 (15) سورة الإنسان/الآية 3.

 (16) قارن: الجابري (د. محمد عابد): الديمقراطية وحقوق الإنسان، مبحث عالمية حقوق الإنسان في المرجعية الإسلامية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 1997، ص 155 وما بعدها، حيث اقتصر على التأسيس المتعالي لقضايا الإنسان الكبرى.

 (17) راجع: السنهوري (د. عبد الرزاق): مصادر الحقّ في الفقه الإسلامي، منشورات محمد الداية، بيروت، د.ت. ص 5. للاطلاع على الآراء المختلفة في تعريف "الحق" في القانون الوضعي، أنظر: فرج (د. توفيق حسن): المدخل للعلوم القانونية، الدار الجامعية، بيروت 1993، ص 446-473.

(18) المقصود من الحقوق السياسية هي الحقوق التي يقرّرها القانون للشخص باعتباره منتمياً إلى بلد معين، حتى يتمكن من الاشتراك في شؤون الحكم وفي إقامة النظام السياسي للجماعة. وتهدف إلى حماية المصالح السياسية للجماعة. راجع: فرج (د. توفيق): المدخل للعلوم القانونية (م.س.)، ص 475.

(19) الحقوق المدنية هي الحقوق الرامية إلى حماية الأفراد ومصالحهم، وتنقسم إلى حقوق عامة وحقوق خاصة. والحقوق العامة هي الحقوق الثابتة للشخص بمجرد وجوده وكونه إنساناً، وقد يطلق عليه، مصطلح حقوق الشخصية كونها لصيقة بالشخصية الإنسانية. وسمّيت هذه الطائفة من الحقوق بالحقوق الطبيعية وحقوق الإنسان أيضاً. وأما الحقوق الخاصة، فهي الحقوق التي تقرّرها فروع القانون الخاص المختلفة وعلى الأخص القانون المدني وتنقسم إلى حقوق الأسرة والحقوق المالية والأخيرة إلى الحقوق العينيّة والحقوق الشخصية. راجع: فرج (د. توفيق): (م.س.)، ص 476-477 و 488-489.

(20) راجع: وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت(ع)، قم، 1414هـ. ج1، ص 247، و ج4، 224، وج5، ص 338. و ج9،ص 12، وج15، ص 172. وج 27، ص 23، وج9، ص 175. وج28، ص 40.

(21) راجع: التلويح والتوضيح، ص 705. ورد في: مصادر الحق في الفقه الإسلامي(م.س.)، ص 46-47.

(22) راجع: (م.س.)، ص 47-48.

(23) إن الشيخ الأنصاري(ره) بعد نقله لرواية "دَيْنُ الله أحق بالقضاء" -الذكرى للشهيد الأول، ص 75- قضية الخثعمية. يعلّق قائلاً: "إنّ ظاهر الرواية كون حقّ الله-تعالى- أهمّ من حق الناس، مع أنّه خلاف الاجماع، وقد صرّح بعض من اختار خروج الواجب البدني الموصى به من الأصل بتقديم الواجب المالي كالدين عليه إذا دار الأمر بينهما. وبأنّه لو لم يوص بالواجب الديني لم يخرج من مال الميّت أصلاً بخلاف الدين، مع أن ظاهر روايتي تنزيل الحج منزلة الدين في الخروج من الأصل أن الدين هو الأصل في ذلك. وحينئذ فلا بد من جعل التعليل في الروايتين من قبيل القضايا الخطابية، التي يحسن استعمالها في مقام الخطابة". كتاب الوصايا والمواريث، طبعة مؤسسة باقري، قم، 1415هـ، ص 169. ويبدو لي أن الإجماع الذي يستند إليه الشيخ لم يقم على أساس التمييز بين الحق العام والحق الخاص، وتم الإجماع –المشار إليه- في ظل القراءة الفردية للنّص، ولو أخذنا بالاعتبار المردود الاجتماعي للحكم الشرعي واعتمدنا القراءة الاجتماعية للنّص، يصعب دعوى الإجماع المذكور؛ حيث لا يبقى مجال لهكذا تصنيف، بل يُقَدّم حقّ الله في كثير من الموارد على حق الناس.

(24) أنظر: رسالة الحقوق للإمام زين العابدين، المطبوع ضمن: تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحراني (القرن الرابع)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط2، 1404هـ، ص 255-272.

(25) راجع: ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، دار الفكر، بيروت، 1415هـ، ص 329.

 (26) راجع: السرخسي: المبسوط، ج2، دار المعرفة، بيروت، ص 157. وج3، ص 3، وج4، ص 97. وج6، ص 147. وج7، ص 92.

 (27) راجع: الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج1، المكتبة الحبيبية، باكستان، 1409هـ، ص 303 وغيرها.

(28) راجع: الشافعي: الأم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413هـ، 1993م. تحقيق: محمد مطرجي.

(29) راجع: النووي: المجموع شرح المهذب للشيرازي، دار الفكر، بيروت، ج1، ص 315.

(30) راجع: ابن قدامة: المغني، ج1، دار الكتاب العربي، بيروت، ص 288.

 (31) راجع: ابن رشد: (م.س.)، ص 329.

 (32) راجع: المفيد: المقنعة، طبعة جامعة المدرسين، قم، 1410هـ. ص 255. وشرح المقنعة (تهذيب الأحكام)، للطوسي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1390هـ.

(33) راجع: العلامة: قواعد الأحكام، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1413هـ، ج3، ص 88، و 152، 498.

 (34) راجع: الكركي: جامع المقاصد في شرح القواعد، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1408هـ، ج1، ص 351 وج2، ص 118، ج6، ص 422.

 (35) راجع: النجفي: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، دار الكتب الإسلامية، ط3، خورشيد، 1367هـ.ش.، ج7، ص 243. وج8، ص 295. وج 15، ص 4. وج17، ص 314. و ج17، ص 360، وج19، ص 444. وج 23، ص 209 و…

(36) راجع: الأنصاري: كتاب المكاسب، ج1، مؤسسة النعمان، بيروت، ص 223-224.

(37) راجع: (م.س.)، ج2، في أول كتاب الخيارات.

(38) للمزيد من الرسائل والكتب المؤلفة لدى الإمامية حول الحق والحكم راجع: مسألة الحق والحكم(بالفارسية-مقال)، بقلم صفري (رحمت الله) في مجلة: نامهء مفيد، العدد 3، خريف 1374 هـ.ش. (1996م)، ص 137-159.

(39) هوفمان (ستانلي): واجبات وراء الحدود، جامعة سيراكوز، سيراكوز، 1981م، ص 96.

(40) راجع: فورسايث (دايفيد): حقوق الإنسان والسياسة الدولية، ترجمة: محمد مصطفى غنيم، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، ط1، 1993م، ص 200-203.

(41) يمثّل –عادةً- للاتجاه المحافظ المتطرّف الذي يُقِر حقوقاً للأكثر قوة فقط بالنظام الحاكم في باراغواي. راجع: (م.س.)، ص 204.

(42) ويمثل الاتجاه الكلاسيكي في الدول المعاصرة بالنظام الحاكم في البرازيل سابقاً. أنظر: سابين(جورج): تاريخ النظرية السياسية، هاراب، لندن، ط3، 1963.

(43) راجع: Plato: Republic Book, VI, P. 492-494.

 (44) يميّز –عادةً- بين المذهب الكوميوني الماركسي والكوميوني الوطني، فيذكر الاتحاد السوفياتي السابق مثالاً للأول والجزائر مثالاً للثاني. راجع: (م.س.)، ص 204.

 (45) راجع: دنكان (جرمي): ماركس وميل: رأيان عن الصراع الاجتماعي والانسجام الاجتماعي، كمبريدج، لندن، 1973، ص 88-89.

 (46) راجع: Leo Strauss: Natural Rights and History, Chicago University Press, 1953.

 (47) راجع: لوثر باخت (هيرش): القانون الدولي وحقوق الإنسان، جارلاند، نيويورك، 1973، ص 74.

 (48) راجع: فورسايث (م.س.)، ص 207-208.

 (49) راجع: لالاند(أندريه): موسوعة لالاند الفلسفية، ج3، منشورات عويدات، بيروت-باريس، ط1، 1996م، ص 1513.

 (50) راجع: لالاند (أندريه): المعجم الفني والنقدي للفلسفة، ص 253.

(51) الجابري (د. محمد عابد): الديمقراطية وحقوق الإنسان، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 1997م، ص 148.

 (52) مونتسكيو: روح الشرائع، الترجمة الفارسية (علي أكبر مهتدي)، ج8، أمير كبير، طهران، 1362هـ.ش.، ص 87.

 (53) راجع: Roubier, Paul: Theorie General du Droit. Paris, Sirey, 1957.

 (54) ورد في: جهانكير صالح بور: مجلة كيان (الفارسية)، العدد 24.

 (55) الجابري: (م.س.)، ص 150.

 (56) راجع: مصطفوي: نظريات الحكم والدولة، معهد الرسول الأكرم(ص)، بيروت، 2002م، ص 39-44.

 (57) راجع: فورسايث: (م.س.)، ص 209-211.

 (58) راجع: ايدي (أوزبورن): حقوق الإنسان في المجتمع العالمي، جامعة فورلاجيت، أوسلو، 1977، ص 7.

 (59) راجع: القرآن الكريم، سورة مريم/الآية30 و الجن/الآية 19 والنساء/الآية 172 والآية 36.

 (60) راجع: القرآن الكريم، سورة البقرة، الآيات:30-33. و ص/الآية 26.

 (61) راجع: نصر (د. حسين): الشاب المسلم والعالم الحديث، الترجمة الفارسية: مرتضى أسعدي، طرح نو، طهران، ط3، 1375هـ.ش.(1997م)، ص 44-45.

(62) سورة ص/الآية 72.

 (63) راجع: نصر (د. حسين): (م.س.)، ص 49.

 (64) راجع: سارتر (جان بول): الوجودية وأصالة الإنسان، الترجمة الفارسية: مصطفى رحيمي، نيلوفر، طهران، ط9، 1376هـ.ش.(1988م)، ص 28.

 (65) راجع: سارتر: (م.س.)، ص 41.

 (66) الصدر (السيد محمد باقر): اقتصادنا، ص 18.

 (67) الجابري: الديمقراطية وحقوق الإنسان(م.س.)، ص 147.

(68) راجع: فلسفة الحقوق(بالفارسية)، سلسلة دروس في الأسس النظرية للفكر الإسلامي، رقم (5)، مؤسسة الإمام الخميني، قم، ط3، 1378هـ.ش.(2000م)، ص 182.

 (69) تم اقتباس هذه النقاط من: موسى (أمير): حقوق الإنسان مدخل إلى وعي حقوقي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2002م، ص 42.

 (70) راجع القرآن الكريم: سورة الأنعام/الآية 151، والمائدة/الآية 32، والأحزاب/الآية 58 وغيرها.

(71) راجع: أوسبورن(إيدي): حقوق الإنسان في المجتمع العالمي(م.س.)، نقلاً عن: فورسايث: (م.س.). ص 58.

 (72) راجع: القرآن الكريم: سورة البقرة/الآية 256، والكهف/الآية 29، والشورى/الآية 48، ويونس/الآية 99، والغاشية/ الآية21-22. والإنسان/الآية 3.

 (73) المراد من الحريات الشخصية هي الحريات الفردية للإنسان: مثل حرية التنقل طوعاً وباختيار، وعدم الاعتقال التعسّفي.والحريات العقلية –الفكرية مثل: حرية الرأي والدين وحرية النشر والتعليم، والحريات الاقتصادية مثل: حق العمل وحرية التجارة والصناعة. كما أن المراد من الحريات الجماعية، هي الحريات الاجتماعية مثل: حرية الاجتماعات، حرية الجماعات، حرية الاعلام المرئي والمسموع والمقروء و..إلخ.

 (74) إن نظام العقوبات في الإسلام مبني على حفظ النظام العام والمصالح العامة، وليس لها بعد تطهيري ولا يقوم مقام الحساب الأخروي. الطهارة الدينية هي الطهارة الباطنية للعباد ولا تحصل من خلال نظام العقوبات الدنيوية. إنّ العقوبات التطهيرية متروكة في الإسلام إلى الآخرة وإلى نظام المحاسبات الدقيق الذي يحكمها؛ بحيث ﴿لا تزر وازرة وزر أخرى﴾ و ﴿من يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره﴾، وهذا النظام يحكم في الآخرة دون الدنيا.

 (75) سورة الاسراء/ الآية70.

 (76) سورة التين/الآية 5.

 (77) سورة السجدة/الآية 9.

 (78) سورة البقرة/الآية 30.

 (79) سورة الأحزاب/الآية 72.

 (80) سورة الشمس/الآيات: 7-8.

 (81) سورة البقرة/الآية 29.

 (82) راجع: تشاسيك (إيفودو): الحقوق والحريات في عالم اليوم، سانتا بربارا، كاليفورنيا، أ ب جـ-كليو، 1973، ص 9.

(83) راجع: موكلينسكي (بيتر ت.): حقوق الإنسان والشركات متعددة الجنسيات (مقال)، ورد في الثقافة العالمية، العدد 112، مايو 2002م، الصادرة من دولة الكويت.

 (84) European Convention on Human Right (ECHR).

 (85) موكلينسكي: (م.س.).

 (86) إنّ المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحمايتها عديدة ونذكر أهمها وهي:

  منظمة العفو الدولية التي تهتم بحماية سجناء الضمير وكل سجناء التعذيب والإعدام.

  منظمة "بن" المعنية بحماية حق الكتّاب، مثل: الفلاسفة، وكتاب المقالات والروائيين.

  العصبة الدولية لحقوق الإنسان التي تهتم بحماية مجموعة واسعة من الحقوق.

  اللجنة الدولية لفقهاء القانون المعنية بتنفيذ القاعدة الإنسانية للقانون.

  اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تهتم إضافة إلى حماية الحقوق في الصراع المسلّح بحماية السجناء السياسيين.

– ائتلاف مجموعات المراقبة المعنية بحماية الحقوق بمقتضى اتفاقية هلسنكي والمعايير الإقليمية الأخرى بشأن الحقوق.

  جمعية مكافحة الرق.

  مجموعة حقوق الأقليات.

 منظمة البقاء على قيد الحياة الدولية.

  الصندوق الدولي للدفاع والمساندة.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً