د. الشيخ علي ناصر(*)
مقدّمة
لعلَّ ما يصعب على الباحث، أيّها القارئ العزيز، هو معالجة موضوعٍ جديد، قليل المصادر، ولم يتمّ علاجه من قبل باحثين سابقين بالشكل المطروق. إنّه بحث جديد وغير مطروق على المستوى الفقهي الاستدلالي، ولا سيّما على المذهب الإمامي. إنّه من الأبحاث العلمية الواسعة، والعميقة، والمعقَّدة، وهو من المسائل المستحدثة التي تهمُّ العالم، ولا سيّما النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن الواضح أيضاً أنّ ملكة الاجتهاد تتجلّى أمام هذه المسائل المستحدثة، دون المسائل التي بُحثت من قبل، ودُوِّنت في كتاب «الجواهر»، أو كتاب «العُروة الوثقى»، أو «شروح العروة». بل هي مسألةٌ جديدة يتولّى المجتهد بنفسه البحث عن أدلّتها الفقهية، والقواعد اللازمة لها، وتطبيقها عليها. وفي حال لم يكن الباحث مجتهداً فهو يقوم بمحاولة جدّية على طريق تحصيل بعض آليّات الاستنباط.
لقد واجه الباحث عقبةً رئيسة، وهي ندرة المصادر والمراجع الفقهية التي تطرَّقت إلى هذا البحث. ولذلك فقد لجأ الباحث أيضاً إلى استفتاءات تمّ توجيهها عبر لقاءات مباشرة، أو بالمراسلة، إلى العديد من العلماء المجتهدين، والمراجع الدينيّة في الحوزة العلمية في إيران، ولا سيّما في مدينة العلم قُم المقدسة، وكذلك في الحوزة العلمية في العراق في النجف الأشرف، والأزهر الشريف في جمهوريّة مصر العربية.
وقد عمل الباحث على استنطاقها، وتحليلها، واستكشاف أدلّتها اللفظية، والعقلية، ونقاشها، ونقدها أو نقضها، أو تأييدها جزئيّاً، أو إبرامها.
لقد تمّ الاعتماد في هذا البحث على منهج البحث الفقهي، الذي يقوم على تعيين موضوع البحث، وتحديد موضوع الحكم، بناءً على النصوص الشرعية، والرجوع إلى العُرف([1])، ولا سيّما في منطقة الفراغ التشريعي، أي إذا لم يكن هناك نصٌّ شرعي.
ويقوم المنهج الفقهي أيضاً على جمع النصوص المرتبطة بالحكم، والملابسة له، ودراستها، وتقويم المتن، سواء كان النصّ آية أو رواية، في ضوء قواعد ونتائج علم تحقيق التراث؛ إضافةً إلى استفادة دلالة النصّ على الحكم في ضوء القواعد اللغوية، والأصولية، والفقهية، معزَّزة بالقرائن الاجتماعية، والتاريخية، والتفسيرية؛ واستخلاص الحكم وصياغته.
وكذلك يقوم المنهج الفقهي على الرجوع إلى الأصول العملية، والقواعد الفقهية، في حال فقدان النصّ، أو إجماله، أو تعارضه مع نصٍّ آخر تعارضاً مُحكَماً يؤدّي إلى سلب كلٍّ منهما حجّية الآخر. فمنهج الاستنباط الفقهي يقوم على إرجاع الفروع إلى الأصول، واكتشاف أو بيان الأدلة الشرعية، ومحاولة الجمع بينها في حالات التعارض غير المستقرّ.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّنا اعتمدنا على الدليل النصّي، كالكتاب والسنّة، وعلى الدليل العقلي. أمّا أقوال العلماء فقد اعتمدنا عليها كمؤيِّدٍ، وليس كدليل إضافي، ولا سيّما أنّها وردت تحت عنوان المنطلقات الفقهية، التي تشمل الأدلّة الفقهية، وغيرها.
وفي سياق العلاج الفقهي الاستدلالي للموضوع لا بدّ من إطلالة على الدليل الشرعي، الذي يتألَّف من ثلاثة أقسام:
1ـ إمّا عقلي بجميع مقدّماته: الدليل العقلي المحض، الذي لا يتوقَّف على السمع أصلاً.
2ـ أو نقلي بجميع مقدّماته: الدليل النقلي المحض، ولا بدَّ فيه من صدق المُخبِر، حتّى يفيد العلم بالمدلول.
3ـ أو مركَّب منهما: ونسمّيه بالدليل النقلي؛ لتوقُّفه على النقل في الجملة.
والعقل أساس التكليف؛ لأنه هو الذي يدرك معاني النصوص الشرعية، وما المراد منها، وبفقده لا معنى لتكليف الإنسان. والله تعالى مدح العقل في نصوص كثيرة، وبيَّن فضله، وأنّه آلة الاستنباط، ولولا العقل لكان الناس كالبهائم، قال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ (الأنفال: 22). من هنا نجد أنّ الدليل النقلي لا يصلح في مسألة إثبات وجود الله لمَنْ لا يؤمن به؛ وإنّما هذا الأمر تتمّ مناقشته معه بالدليل العقلي.
وقد يتطابق الدليل النقلي مع الدليل العقلي، كما في دلالة بعض الأخبار على وجوب بذل العلم، كقول الرسول الأكرم|: «مَنْ كتم علماً ألجمه الله بلجامٍ من نار»([2]).
وقد يتعارض الدليل اللفظي غير الصريح مع دليل عقليّ قطعي يقيني، ففي هذه الحال يُقَدَّم الدليل العقلي على اللفظي؛ لأن الدليل العقلي القطعي يؤدّي إلى العلم بالحكم الشرعي.
والدليل النقلي القطعي لا يمكن أن يعارضه دليلٌ عقلي قطعي؛ لأنّه إذا عارض نصّاً صريحاً من المعصوم × أدّى ذلك إلى تكذيب المعصوم×، وتخطئته، وهو مستحيلٌ([3]). ولا بدّ من التصريح بحجّية العقل الفطري الصحيح، والحكم بمطابقته للشرع، ومطابقة الشرع له([4]).
وعندما لا يجد الفقهاء دليلاً لفظياً، من كتابٍ أو سنّة، يكون المرجع عندهم حينئذٍ الأصول العملية، التي قامت الأدلة الشرعية على الرجوع إليها في موضع الشكّ وعدم الدليل.
وهذه الأصول تختلف بحسب اختلاف مورد الشكّ؛ فإنْ كان الشكّ في أصل التكليف، كمَنْ يشكّ في حرمة التدخين، أو يشكّ في وجوب أمرٍ ما أو عدم وجوبه، فهل يكون المورد مجرى لأصالة البراءة أو يكون مورداً لأصالة الاحتياط؟
ولنعرف الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من الرجوع إلى المصدر الذي يفرض علينا إطاعة المولى، وهو العقل؛ لأنّ الإنسان يدرك بعقله أنّ لله سبحانه حقّ الطاعة على عبيده، فيتحتَّم علينا عندئذٍ أن ندرس حدود هذا الحقّ المولوي: هل هو حقٌّ في نطاق التكاليف المعلومة فقط من قبل الإنسان أم أنّ من حقّ الله سبحانه علينا الاحتياط في التكاليف المحتملة، إلى الدرجة التي تدعو إلى إلزام المكلَّف بترك ما يحتمل حرمته، وبفعل ما يحتمل وجوبه؟ والصحيح في رأي بعض علماء الأصول هو الاحتياط؛ نتيجة لشمول حقّ الطاعة للتكاليف المحتملة([5]).
إنَّ أكثر ما يستفزُّ الإنسان في هذا العصر هو فكرة وجود أسلحة في عالمنا المعاصر، يمكن للإنسان من خلالها أن يقتل أخاه الإنسان بهذا الشكل المُرَوِّع، بل إنّ خطرها يهدِّد الحياة في كوكب الأرض، سواء على مستوى الإنسان، أو النبات، أو الحيوان، أو الماء، أو الهواء. فأسلحة الدمار الشامل، ولا سيّما السلاح النووي، تشكِّل أقوى وأخطر الأسلحة على وجه الكرة الأرضية. لذلك فإنّ الأصل الإسلامي، والإنساني، يقضي بمواجهة إنتاج، وانتشار، واستعمال، هذا النوع من الأسلحة.
لقد وصلت بعض البلدان الإسلامية، كباكستان، إلى صنع وتخزين الأسلحة المسمَّاة بأسلحة الدمار الشامل، التي تتطلَّب تكنولوجيا عالية، كالأسلحة النوويّة، أو البيولوجيّة، أو الكيميائيّة. كما أنّ الملف النووي الإيراني بات حديث كلّ وسائل الإعلام في العالم. ولذلك فإنّ من المهمّ أن يتصدَّر هذا البحث الأبحاث الإسلامية الفقهية، والقانونية، والسياسية.
ولا بدّ أيضاً من الاستفادة من أحكام قتل غير المقاتلة، إضافة إلى جواز محاربة العدوّ بما يرجى به الفتح، وما يمكن أن نجده من موقفٍ للفقه الإسلامي من أسلحة الدمار الشامل القديمة والحديثة.
وقد صدرت مؤخَّراً فتوى([6]) لقائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد عليّ الخامنئي تقول بحرمة «إنتاج» أو «استخدام» السلاح النووي. وستكون هذه الفتوى وغيرها من الفتاوى ـ كفتوى الأزهر الشريف ـ موضع نقاش علميّ في هذه المقالة، سواءٌ على مستوى الأدلة النقلية للقائلين بالجواز، أو للقائلين بعدمه، أم على مستوى القواعد الفقهية القائلة بحرمة الإفساد في الأرض، وحرمة قتل الإنسان بغير حقّ، وحرمة الإضرار بالبيئة، وحرمة هدر المصادر الطبيعيّة، وحرمة تصرُّف الإنسان في ما لا يملك، ووجوب حفظ النظام العام.
ونلفت إلى أنّ أغلب ما وُجد أو تمّ تحصيله من آراء واجتهادات فقهيّة لا يعدو كونه فتاوى مختصرة، لا تتعرَّض إلى الأدلة بالتفصيل، ولا تناقشها، أو تردّ عليها بالدليل، الذي يستند إليه الفقيه في استنباط الحكم الشرعي؛ وهو إمّا أن يؤدي إلى العلم بالحكم الشرعي، فيسمّى دليلاً تامّاً، أو قطعياً؛ وإمّا أن لا يؤدي إلى العلم بالحكم الشرعي، فيسمّى دليلاً ناقصاً، أو ظنّياً. والدليل الظنّي إذا حكم الشارع بحجّيته، وأمر بالاستناد إليه، أصبح كالدليل القطعي، وتحتَّم على الفقيه الاعتماد عليه.
والدليل نوعان: الأوّل: دليل اجتهادي، يعتمد على الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل.
والثاني: دليل فقاهتي، يرتكز على الأصول العملية، كالاستصحاب، والبراءة، والاحتياط، والتخيير([7]).
وسنتناول في هذه المقالة موضوع امتلاك أسلحة الدمار الشامل، مستعرضين المنطلقات الفقهية لنظرية تحريم إنتاج أسلحة الدمار الشامل مطلقاً، ولنظرية جواز، بل وجوب، إنتاجها مطلقاً.
ونقصد بهذا البحث معرفة هل يجوز للدولة الإسلامية أن تسعى لإنتاج أسلحة الدمار الشامل بصرف النظر عن استخدامه؟ وهل تختلف الفتوى في حال كانت الدول والأمم الأخرى لا تمتلك هذا السلاح؟ وهل يحرم صنع أسلحة الدمار الشامل في ظلّ واقع يمتلك فيه الآخرون أسباب القوة، ولا سيّما السلاح النووي؟ وما هي الأدلة النقلية والعقلية على ذلك؟ وهل يُفرَّق بين الهدف الردعي والهدف الهجومي؟ وهل أنّ الإضرار بالبيئة سببٌ من أسباب تحريم إنتاج هذه الأسلحة، ولا سيّما أنّ الأديان السماوية دعت الإنسان إلى المحافظة على البيئة، وحرَّمت عليه تلويثها وإفسادها؛ لأنّ الله خلقها من أجله، وسخَّرها لخدمته ومنفعته؟
المنطلقات الفقهية لنظريّة تحريم إنتاج أسلحة الدمار الشامل
1ـ تعريف السلاح وتطوّره تاريخياً
بدايةً لا بدّ من تعريف السلاح لغةً واصطلاحاً، وبيان كيفية وخطورة تطور الأسلحة والحروب في العالم، ولا سيّما أسلحة الدمار الشامل، وأنواعها، ونتائج استعمالها.
1ـ السلاح لغةً: الجذر اللغوي لكلمة السلاح هو سلح: السلاح مذكَّر؛ لأنه يجمع على أسلحة… ويجوز تأنيثه… وتسلح الرجل: لبس السلاح، ورجل سالح: معه سلاح، والمسلحة: قومٌ ذوو سلاح([8]). وقد ورد أيضاً: سلح: السِّلاح بالكسر، والسُّلحان بالضم: آلة الحرب، وفي المصباح: ما يقاتل به في الحرب ويدافع، أو حديدها، أي ما كان من الحديد… ربما خصّ به «السيف والرمح»… والعصا تسمى سلاحاً… والمسلحة: مثل «الثغر» والمرقب، وجمعه المسالح، وهي مواضع المخافة… والمسلحة أيضاً: «القوم ذوو سلاح» في عدّة، بموضع رصد، قد وكلوا به بإزاء ثغر… يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم؛ ليتأهبوا له. وقال ابن شميل: مسلحة الجند: خطاطيف لهم بين أيديهم، ينفضون لهم الطريق، ويتجسَّسون خبر العدوّ، ويعلمون علمهم، لئلا يهجم عليهم، ولا يدعون واحداً من العدوّ يدخل عليهم بلاد المسلمين، وإنْ جاء جيش أنذروا المسلمين([9]).
2ـ السلاح اصطلاحاً: هو الآلة التي يستعين بها الإنسان للدفاع عن نفسه في وجه حيوان مفترس، أو في وجه عدوّ يريد قتله، أو الاعتداء على عرضه، أو ماله، أو شعبه وبلده، أو للهجوم على شخصٍ ما، أو مجموعةٍ ما. وقد تُستعمل كلمة السلاح مجازاً في أمور عديدة: فيُقال: الدعاء سلاح المؤمن، كما يُقال: سلاح الدعاية والإعلام، وسلاح المنطق والحجّة، وسلاح الكذب، وسلاح البيان، وسلاح التكفير في وجه من لم ينتمِ إليهم.
3ـ أسلحة الدمار الشامل: كانت الأسلحة الفردية قديماً عبارة عن الحجر، والخنجر، والسيف، والرمح، والسهم. واستعملت أسلحة قد نستطيع أن نطلق عليها اسم: «أسلحة الدمار الشامل القديمة»، التي تقضي على البشر بشكلٍ جماعي، كتسميم المياه، واستعمال المنجنيق، وإلقاء الأفاعي والعقارب في المنازل والقرى، وإحراق المنازل والمزروعات. أما في عصرنا الراهن فيُعَرَّف سلاح الدمار الشامل بأنّه أيّ سلاح:
3ـ 1ـ ذرّيّ: ويُراد به السلاح النووي. وهو أخطر أسلحة الدمار الشامل، وأشدّها تدميراً وفتكاً. وتُوَلِّد الأسلحة النووية قدراً هائلاً من الطاقة المتفجِّرة، التي تنجم عن التغيُّرات التي تقع في تركيب نواة المواد المُشعَّة. وتُسبِّب الأسلحة النووية خسائر كارثية، بداية بسبب درجات الحرارة العالية والصدمات الأرضية التي تسبِّبها، وبعد ذلك بسبب الإشعاع الذي يمتدّ أثره لسنوات كثيرة. فالأسلحة النوويّة قادرةٌ على تدمير مدنٍ بأكملها عن بكرة أبيها، وقتل وجرح الملايين من البشر. ونشير في هذا الصدد إلى أنّ هناك ثلاثة أنواع من الأسلحة الذرّيّة، هي:
أـ القنبلة الذرّية: وفكرتها تعتمد على انشطار اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239، دون الاستعانة بالنيوترونات لبدء التفاعل المتسلسل.
ب ـ القنبلة الهيدروجينية: التي يزيد انفجارها على انفجار القنبلة الذرية الانشطارية من مائة إلى ألف مرّة.
ج ـ القنبلة النيوترونية: حيث إنّ معظم مفعولها يكون على شكل أشعة نيوترونية تخترق الأجسام الحيّة، وتؤدّي إلى قتلها في الحال، بينما لا تؤثِّر في المنشآت بشكلٍ يذكر، وذلك على العكس من الأنواع الأخرى([10]).
3ـ 2ـ أو بيولوجي: (Biological Weapons)، أي السلاح البكتيريولوجي. وترجع خطورتها إلى أنّها تستخدم الجراثيم، أو سمومها، في المعارك. والجراثيم هي كائنات حيّة صغيرة لا تُرى بالعين المجرَّدة، وإنّما بالمنظار المُكَبِّر، ومن أمثلتها: البكتريا، والفطريات، وهي تسبِّب كثيراً من الأمراض الخطيرة، كالطاعون، والحمى الخبيثة، والكوليرا. والكثير من الأمراض الناجمة عنها تؤدّي إلى الوفاة في غضون أيّام قليلة. وقد زادت التطوُّرات الحادثة في علم الهندسة الوراثية من الخطر الماثل بهذه الأسلحة، حيث أصبح من الممكن تطويرها وتعديلها بحيث تصبح أكثر فتكاً وقدرةً على البقاء والتكاثر. أمّا على مستوى الخواصّ الحربية للأسلحة البيولوجية فيمكن تلخيصها بالآتي: القدرة على الانتشار على مساحات شاسعة، وفقدان التحذير (يمكن أن تنتشر مع الريح)، والتأثير المتأخِّر (تحتاج الجراثيم إلى وقت حضانة في الجسم كي تسبِّب المرض)، والقدرة على اختراق الإنشاءات من دون تدميرها (يمكن استعمالها لاحقاً)، التأثيرات المرحليّة (إعاقة، وشلل مؤقَّت، وتشوُّه، وموت). ولقد عرَّفت نشرة الجيش الأميركي الحولية عام 1956م الأسلحة الحيوية (البيولوجية) على هذا النحو: «استخدام عسكري للكائنات الحيّة، أو منتجاتها السامّة؛ لتسبب الموت، أو العجز، أو التدمير، للإنسان، أو لحيواناته الأليفة، ونباتاته. وهي ليست قاصرة عن استخدام البكتيريا، بل تشمل أيضاً استخدام كائناتٍ دقيقة أخرى، ونباتات، وأنواع أخرى من الأحياء، كالحشرات» ([11]).
3ـ 3ـ أو كيماوي: وهي غازات حربية، سامّة، وحارقة. قد تكون غازية، أو سائلة سريعة التبخُّر، ونادراً ما تكون صلبة. وهي تُستعمل في الحروب لغرض قتل أو تعطيل الإنسان، أو الحيوان. وتقسم الغازات الحربيّة إلى: غازات سامّة قاتلة؛ وغازات شلّ القدرة، وغازات الإزعاج، والغازات الخانقة، والغازات الكاوية، والغازات المُقَيِّئَة، والغازات المسيِّلة للدموع، وغازات شلّ القدرة أو الغازات النفسيّة، وغازات غير مستمرّة (يستمر مفعولها لبضع دقائق)، وغازات مستمرّة (يستمر مفعولها من 12 ساعة إلى عدّة أيام)، وغازات سريعة التأثير (كغازات الأعصاب)، وغازات ذات تأثير مؤجَّل (كالغازات الخانقة)([12]).
وتُسَهِّل التقنيات الحديثة جعل هذه الأسلحة متاحة لعددٍ من الدول أكثر بكثير من ذي قبل، كما تزيد من قدرتها على إيقاع خسائر أكبر بالأرواح.
وقد طُوِّرَت هذه الأسلحة بشكلٍ كبير، وزادت إمكاناتها التدميرية، وقدراتها على الفتك بالكائنات الحيّة([13]).
كما زاد عدد الدول المنتجة لها، وتطوَّرت أساليب استخدامها، والمعدّات المستخدمة في إطلاقها، أو قذفها. فمن الممكن إطلاق أسلحة الدمار الشامل باستخدام الصواريخ الباليستية، أو صواريخ كروز، أو الطائرات، أو المدفعية، أو المركبات الأرضيّة.
وأصبحت أسلحة الدمار الشامل، بأنواعها المختلفة، تثير جدلاً شديداً بين مؤيِّد ومعارض لإنتاجها، واستخدامها، ولا سيّما أنّها استخدمت منذ بدايات هذا القرن.
ورغم المعاهدات الدولية إلا أنها أصبحت أكثر انتشاراً من ذي قبل، وتَيَسَّر الحصول عليها.
وأثَّرت تلك الأسلحة في السياسة العالمية والإقليمية منذ أن ظهرت في بداية القرن العشرين.
لم تحظَ قضيّةٌ من القضايا بهذا القدر من الاهتمام الذي حظيت به قضية أسلحة الدمار الشامل.
وهي ما زالت تستخدم في الحروب المعاصرة؛ للتأثير على مسرح العمليات، سواء على المستوى الإقليمي أو المحلي.
ونذكر على سبيل المثال، لا الحصر: إنّه تمّ غزو العراق من قبل القوات الأنجلو ـ أميركية تحت زعم امتلاكه لهذه الأسلحة، وتُهَدَّد؛ بسببه، حاليّاً إيران، وكوريا الشمالية.
2ـ الدليل النقلي: حرمة الإضرار بالبيئة
أمّا مصطلح «الدليل النقلي» فمعناه الدليل المنقول من الكتاب، أو السُّنَّة. وقد عرَّف الشهيد الثاني النَّصَّ بأنّه: «القول، أو الفعل، الصادر عن معصوم، الراجح، المانع من النقيض، وغير المنصوص بخلافه»([14]). ولا بدّ من العلم بعدم المُعارض العقلي الدالّ على نقيض ما دلَّ عليه الدليل النقلي؛ إذ لو وُجد ذلك المُعارض لقُدِّم على الدليل النقلي، بأنْ يؤوَّل الدليل النقلي عن معناه إلى معنى آخر. ومثاله: قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه: 5)، فإنّه يدلّ على الجلوس، وقد عارضه الدليل العقلي الدالّ على استحالة الجلوس في حقّه تعالى، فيؤوَّل الاستواء بالاستيلاء، أو يجعل الجلوس على العرش كناية عن تسلُّط الله، وإحاطته الكاملة بعالم الوجود، ونفوذ أمره وتدبيره في جميع أنحاء العالم([15]). فالعقل أدرك بأنّ ظاهر هذا النصّ غير مقصود؛ ذلك لأنّ القاعدة الشرعية المستفادة من نصوص كثيرة محكمة في الكتاب، والسُّنَّة، تفيد تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات، وعن الحلول فيها. وهناك أمثلة أخرى، كالمعجزات التي أيَّد الله بها رسله وأنبياءه، والتي كلَّمنا الله عنها في القرآن الكريم. فالمعجزة ليست بأمرٍ مستحيل عقلاً، بل هي أمرٌ خارق للعادة، لم يألفه الناس، ولا يستطيعون القيام به، فإذا قام الدليل النقلي السليم عليه فينبغي قبوله والإيمان به. فيكون الحكم بثبوت الدليل النقلي دون ما يقتضيه الدليل العقلي إبطالاً للأصل بالفرع؛ إذ إنّ النقل لا يمكن إثباته إلاّ بالعقل؛ لأن الطريق إلى إثبات الصانع، ومعرفة النبوة، وسائر ما يتوقَّف صحة النقل عليه، ليس إلاّ بالعقل([16]).
أوّلاً: الكتاب
يؤدّي الإضرار بالبيئة إلى الإخلال بالحياة الإنسانية، فالبيئة هي الهواء الذي يستنشقه الإنسان والحيوان والنبات، والطعام الذي يتناوله، والماء الذي يشربه، فإذا تلوَّثت البيئة انتشرت الأمراض والأوبئة، وعاش الإنسان مدّة من الزمن أسير المرض وطريح الفراش، وصولاً إلى الموت. وحيث إنّ نوعية الحياة الراهنة هي مسؤولية البشرية جمعاء فلا بدّ لكلّ فرد أن يأخذ دوره مهما كان بسيطاً في مجال حماية البيئة ورعايتها. فقضايا البيئة، رغم تشعُّبها، تشكِّل وحدة متكاملة؛ لأنها الإطار الذي يحيا فيه الإنسان، ويستمدُّ منه كل مقوِّمات حياته. وقد غدا هذا الإطار يتعرض للانتهاك، والاستنزاف، بقسوةٍ، ما أدّى إلى ظهور مشكلات أخذت تهدِّد سلامة الحياة البشرية، منها: «مشكلة التلوُّث»، و«مشكلة الغذاء»، و«المشكلة السكّانية». وقد أحدثت هذه المشكلات هزَّة قويَّة في مجتمعات الرفاهة، وانعكست آثارها السلبية على كلّ المجتمعات البشريّة بما فيها تلك الغنيّة بالطاقة، علماً أنّ مشكلة البيئة تتعلَّق بنوعيّة الطاقة المنتَجة، وليس بمطلق الطاقة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمشكلة الاقتصادية.
إنّ حماية البيئة لا تعني عدم تحقيق استفادة الإنسان من الموارد الطبيعية، وترك كنوز الأرض التي وهبنا الله تعالى إيّاها في مواقعها، والتحريم المطلق لصيد حيوانات البرّ والبحر، ولا التحريم المطلق لقطع الأخشاب؛ للصناعة والإنشاءات، بل إنّ حماية البيئة تعني استثمارها، من دون إسراف ولا استنزاف، في إطار توازنٍ طبيعي.
وقد بيَّن القرآن الكريم في آياتٍ عديدة أهمّية المحافظة على البيئة ـ ولا سيّما أنّ من الثابت علمياً التفاعل المستمرّ بين صحّة الإنسان، وبيئته، والتنمية ـ، ومنها:
1ـ يجب المحافظة على الثروة الحيوانيّة التي تشكِّل عنصراً مُكَوِّناً لبيئة الإنسان؛ لما لها من أهمية في حياة الإنسان، سواء على مستوى اللباس الذي يصنع من جلودها، أو على مستوى الطعام الذي يُصنع من لحمها، أو على مستوى الأجبان والألبان التي تصنع من حليبها، أو على مستوى حركة التنقُّل التي كانت تعتمد بشكلٍ أساس على الحمار، والحصان، والجمل، ولا سيّما في الصحراء. قال تعالى: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (النحل: 5). والمحافظة على الأنعام تعني أيضاً المحافظة على طعامها الذي يتكوَّن من الأعشاب، وعلى شرابها الذي يتكوَّن من الماء، ما يؤكِّد أهمية المحافظة على التربة أيضاً، وعدم دفن أيّ مادة سامة في التربة؛ لأنها تسمِّمُها، وتضرُّ بالمزروعات، وبالأنعام، وبطعام الإنسان وشرابه، فتشكِّل خطراً على حياته.
2ـ كما يجب المحافظة على البيئة في الحياة المائية، التي يُستخرج منها طعام الإنسان أيضاً، أي الأسماك، والحيوانات البحريّة، والنهريّة، التي يَحِلُّ أكلها، ويُستخرج منها الأحجار الثمينة، كاللؤلؤ. كما تُعَدُّ السفن، التي تعبر البحار والأنهار، من أهمّ وسائل النقل في حياة الإنسان. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (النحل: 14). فالمحافظة على البيئة في الحياة المائية تعني المحافظة على طعام الإنسان، وشرابه، وزينته، وتنقُّله، ما يؤكد أهمّية عدم رمي النفايات، ولا سيّما السَّامة منها في البحار والأنهار؛ لأن ذلك يؤدّي إلى فساد حياة الإنسان.
3ـ والجميع يعلم أيضاً الترابط الحاصل على مستوى مكوِّنات البيئة، سواء منها الهواء أو الماء أو الحرارة. وهناك مَثَلٌ مشهور علمياً، وهو كيفية صناعة النباتات الخضراء لطعامها؛ لتنمو وتؤتي أكلها كلَّ حينٍ بإذن ربها، فهي تأخذ الماء من الأرض، وتأخذ الطاقة من حرارة الشمس، وتأخذ ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، فتتمّ التفاعلات الكيماويّة في مادّة الكلوروفيل الخضراء، فتصنِّع السكريات، وتطلق الأوكسجين في الهواء، في عملية بيوكيميائيّة تسمى (Photosynthese). وما قوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (إبراهيم: 32 ـ 33) إلاّ دليلٌ على أهمّية الحفاظ على البيئة؛ لأن الله تعالى لم يخلق السماء، والماء، والثمرات، والبحار، والأنهار، عابثاً، بل لحكمة اقتضاها، فسخَّرها في خدمة الإنسان.
4ـ ولم يكتفِ الإسلام ببيان أهمّية الحفاظ على البيئة على مستوى الحياة الدنيا، بل إنّ الكثير من الآيات القرآنية التي تصوِّر لنا الجنَّة، وما فيها من نعيمٍ لا يزول، تصوِّر لنا غنى الجنَّة بالحدائق والأعناب. قال تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً﴾ (النبأ: 31 ـ 32). ولا ننسى الماء الذي يرمز في الرؤية الإسلامية إلى أصل الحياة؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنبياء: 30).
5ـ وخيرات الأرض كافية. وقد أتقن الله صنع البيئة، وأودع فيها كلَّ مقوِّمات الحياة. قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ (فصّلت: 10). والله تعالى جعل من غايات بقاء الإنسان استعمار الكون مادياً، ومعنوياً، فخلق هذا الكون، وسخَّره بما فيه، للإنسان، وأراد أن يكون بيتاً آمناً له؛ إذ حمى الأرض بغلاف جويّ يحيط بها، ويضمّ مجموعة من الطبقات، لكلٍّ منها وظيفة خاصّة تؤدّيها، فحَفِظ الكرة الأرضيّة من مخاطر الإشعاعات الكونية الفضائية، والشهب، والنيازك، التي تندفع من الفضاء الخارجي نحو الأرض، ولكنّ المشكلة تكمن في طمع الإنسان، وفي ارتكابه الأعمال التي تضرُّ به وببيئته ضرراً معتدّاً به. قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ (الروم: 41).
6ـ ولا شكّ أنّ هدر المصادر الطبيعية، والاستهلاك المُفرط لمصادرها، واستهلاك الإنسان الزائد عن حاجته للثروات الطبيعية، هو إسراف مُحَرَّمٌ في الإسلام؛ لأنه يتجاوز حدَّ الاعتدال، ويهدِّد بكارثة بيئيّة وإنسانية. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأنعام: 141). ولا بدّ من احترام هذه القاعدة، وهي: «حرمة هدر المصادر الطبيعية»؛ لحماية البيئة، وحفظ التوازن فيها.
ثانياً: السُّنَّة
ولا يكتفي الإسلام بتحميل الإنسان، وهو خليفة الله على الأرض، المسؤولية عن حماية البيئة وحفظها، بل ويدعوه إلى الاقتراب منها وإحيائها، والاستفادة المباشرة من خيراتها، وذلك من باب الرزق الحلال، وتجنيبه الوقوع في الكثير من المشاكل الصحّية النفسية والجسدية. فقد ورد عن النبيّ|، في ما يتعلَّق بالفاكهة، أنّه قال: «أكرموا عمَّتكم النخلة، والزبيب»، كما قال|: «خُلقت النخلة، والرمان، والعنب، من فضل طينة آدم»([17]). كما ورد عنه|، في ما يتعلَّق بالحيوان، الذي يُستفاد من لحمه ولبنه، أنه قال: «الشاة بركة، والشاتان بركتان، وثلاث شياه غنيمة»([18]).
ولا ننسى المُلْك العامّ، كالمياه الطبيعية المكشوفة، كالبحار والأنهار، والعيون الطبيعية، وكذلك الهواء، والكلأ، وغيرها من الثروات الطبيعية، كالمعادن، وهي من الأمور المشتركة بين الناس، التي لا يأذن الإسلام لفردٍ خاصّ بتملُّكها، وإنّما يسمح للأفراد جميعاً بالاستفادة منها. وقد ورد في الحديث الشريف: «الناس شركاء في ثلاث: النار، والماء، والكلأ»([19]). والمُلك العامّ هو ملك للمسلمين على امتدادهم التاريخي، فلا يجوز للجيل السابق أن يتصرَّف فيها أيّ تصرف يحول دون استفادة الجيل اللاحق منها، من قبيل: قطع أشجارها بما يؤدّي إلى تصحُّرها، أو فعل ما يوجب نضوب الماء فيها، أو يلوِّث بيئتها بأيّ شكل من أشكال التلوُّث. وعلى وليّ الأمر أن يمنع كلّ تصرُّف مضرّ بها؛ حفظاً لحقّ الأجيال اللاحقة فيها([20]).
وقد اهتمّ المسلمون بالبيئة، ويظهر ذلك بوضوح في العمارة الإسلامية؛ إذ «شكَّلت المباني بمختلف أنواعها، والطرق، نسيج المدينة الإسلامية القديمة… وبتكامل الحلول والمعالجات البيئيّة تمكَّن المسلمون من مواجهة الظروف المناخية القاسية، ومن تهيئة بيئة صالحة للمعيشة في المدن والمباني التي أقاموها… ولقد حرص المصمِّم المسلم على تهيئة الراحة الحرارية داخل مباني المدينة الإسلاميّة»([21]).
وفي هذا السياق أجاب الدكتور نصر فريد واصل([22]) عن سؤالٍ([23]) وُجِّه إليه، بتاريخ: 7/6/2006م، حول موقف الإسلام من تلويث البيئة: «إنّ الإسلام؛ باعتباره الدين الخاتم لكلّ الأديان، جاء يحثّ الناس كلّ الناس على المحافظة على البيئة، ويدعوهم إلى عدم تلويثها أو إفسادها… والقاعدة الشرعية التي وضع أساسها رسول الله| أنّه «لا ضرر، ولا ضرار». كما جعل| تنظيف الشوارع من القاذورات، والقمامة، وعوادم وسائل النقل الضارّة، وإماطة الأذى عنها، ممّا يحصل به الثواب، فقال|: «إذ أبيتم إلاّ الجلوس في الطريق فأعطوا الطريق حقَّه، قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال غضُّ البصر، وردّ السلام، وإماطة الأذى عن الطريق»([24]). وإماطة الأذى كلمةٌ جامعة لكلّ ما فيه إيذاء الناس ممَّنْ يستعملون الشوارع والطرقات. وعلى المسلم أن يكون حريصاً كلّ الحرص على تنفيذ تعاليم دينه الحنيف، وأن يُدرك إدراكًا كاملاً أهمّية المحافظة على نظافة البيئة، وحرمة إفسادها لأيّ سبب من الأسباب، وأنْ يكون غيوراً على دينه، وأن يحافظ على نظافة البيئة التي يعيش فيها؛ لتبقى وتظل خالية من وسائل الأمراض التي تضرّ بالأفراد والجماعات، والله أعلم»([25]).
ثالثاً: القواعد الفقهية
ونستطيع القول: إنّ الإنسان هو الضحية الأولى للتلوُّث البيئي. ومن هنا يكون الاهتمام بالبيئة وتحسين وضعها اهتماماً بالإنسان وعنايةً بصحّته. و«حفظ النفس الإنسانية» هو أحد المقاصد الخمسة التي لم يأتِ تشريعٌ إلاّ بحفظها، وهي: النفس، والدين، والعقل، والنسب، والمال. ولهذا فقد حرَّم الإسلام قتل النفس البشرية، ولو في بداية الحياة عندما تكون نطفة، وكذا حرَّم الإضرار بها والاعتداء عليها، بل أوجب إنقاذها ومداواتها، ودفع الأذى والضرر عنها، سواء كانت نفس المرء ذاته، أو نفس الغير. فالإنسان مأمورٌ بحفظ نفسه من المهالك، وإبعادها عن مواقع الضرر الكبير؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195). والإضرار بالبيئة هو إضرارٌ بالإنسان.
وهناك قاعدةٌ أخرى تُعَدُّ من الكلّيات الفقهية المتَّفق عليها عند فقهاء المسلمين، وهي: «حرمة تصرُّف الإنسان في ما لا يملك»؛ إذ إن للإنسان سلطنة على ملكه، ومن حقه أن يمنع الغير من التصرُّف فيه بما لا يرغبه من التصرُّفات، وإنْ لم يكن مضرّاً به، فكيف إذا كان مضرّاً به، ومؤذياً له؟! قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور: 27). إنّ تصرُّف الإنسان في ملكه الخاصّ لا يجوز إذا كان مصداقاً للإسراف، أو مستلزماً للإضرار بالغير، فكيف يجوز له الإسراف أو تسبيب الضرر في ملك غيره؟ وإذا كان لا يجوز للمرء أن يُدَخِّن سيجارةً في دار غيره مع منعه فكيف يجوز له أن يقطع شجر الغير، أو يرمي النفايات في داره، أو بستانه، أو يلقي في أرض غيره مادّة كيميائية تحول دون نبات زرعه، أو تؤدّي إلى موت أشجاره؟!
والإسلام يوجب على أتباعه تقدير البيئة المحيطة بالإنسان، ورعايتها، وحفظها. وكلّ عمل في هذا الاتجاه هو عبادةٌ، ويصبُّ في مصلحة الفرد والمجتمع.
وهناك فرق بين «حرمة الإضرار بالبيئة»، التي تأمر المكلَّف بعدم ارتكاب أيّ فعل يضرّ بالبيئة، وبين «وجوب حفظ البيئة»، الأعمّ من الأولى، والتي تأمر المكلَّف بالامتناع عن أيّ فعل يؤدي إلى عدم الحفاظ على البيئة، بل بفعل كلّ ما يلزم لحفظ البيئة، فهو أمرٌ مستمرّ يستوجب من كلّ أفراد المجتمع الإنساني السعي الدائم والدؤوب لفعل كلّ ما يساهم في تحسين البيئة وتطويرها، والابتعاد عن كلِّ ما يضرُّ بها، ولا سيّما النفايات السّامة التي تنتج عن المفاعلات النوويّة.
ولا بدّ لنا في هذا المجال من الاستفادة من أقوال العلماء؛ لأنّ الإسلام كما يُنَظِّم علاقة الإنسان بخالقه، فإنّه يُنَظِّم علاقته بالمجتمع والطبيعة من حوله. وإذا لم يكن في الإسلام فراغ تشريعي فلا بدّ أن يستجيب لكلّ القضايا المستحدثة، ويضع لها الحلول بما يمتلكه من قواعد مرنة. ولكنّ ذلك رهنٌ بقدرة الفقيه على استنطاق النصوص، ومدى فهمه لدور الدين في الحياة، وإمساكه بآليّات الاجتهاد التي تجعل الإسلام مواكباً للأحداث والتطورات.
وفي هذا السياق تتوجَّه الأنظار بقوّة إلى كلّ ما يقوله السيد الخامنئي، أو يصدر عن مكتبه أو عن أيّ جهةٍ رسميّة من تصريحات؛ كونه الرجل السياسي والجهادي الأوّل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل في العالم. وقد أطلق سماحته موقفه الديني السياسي الذي يُحَرِّمُ فيه إنتاج، وتخزين، واستخدام الأسلحة النوويّة، وفق التالي:
1ـ كشفت وزارة الخارجية الإيرانية عن أنّ الإمام الخامنئي أصدر فتوى بتحريم «استخدام» الأسلحة النووية([26]).
2ـ وقد أكَّد قائد الثورة السيد علي الخامنئي الموقف الديني والشرعي من السلاح النووي، وحرَّم حيازته([27]).
3ـ كما أعلن المسؤول عن الملف النووي الإيرانيّ حسن روحاني [ورئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة فيما بعد] أنّ الجمهورية الإسلامية ملتزمة فتوى المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي أكثر من المعاهدات الدوليّة. وأوضح روحاني أنّ فتوى المرشد تُحَرِّمُ «إنتاج، وتخزين، واستخدام الأسلحة النووية»([28]).
4ـ سُئِل رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود أحمدي نجاد في مدينة نيويورك: هل أصدر القائد الديني الأعلى في إيران فتوى تمنع استخدام الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل الأخرى؟ فأجاب: هذا صحيحٌ. وعندما يُصدر فتوى لا يمكن لأحدٍ مناقشتها. وهذا يعني أنّ البرلمان عاجزٌ عن سنّ أيّ قانون، والحكومة عاجزة عن تحديد أيّ موازنة لهذا النوع من النشاط؛ لأنّ الأمر يُعَدُّ غير شرعيّ، وضدّ الدين([29]).
5ـ أعلن السيد الخامنئي أنّ البرنامج النووي الإيراني هو لأغراضٍ سلمية، وأنّ مبادئ الجمهورية الإسلامية تمنعها من اللجوء إلى استخدام الأسلحة الذرّية. بل إنّه اتَّهم الأميركيين بـ «الكذب» على صعيد البرنامج النووي الإيراني: «قُلنا مراراً: إننا نريد الطاقة النووية لأغراض سلمية وصناعية، لكنّهم يكرِّرون أنّ إيران تسعى إلى الحصول على القنبلة النووية… منذ أعوام كرّرت أمتنا والمسؤولون فيها أنّنا لا نريد أسلحة. هذا الأمر يحظِّره الإسلام. حتّى لو دفعوا لنا ثمنها فإنّنا لا نريدها»([30]).
6ـ أكَّد السيد علي الخامنئي، خلال حفل تسليم البحرية الإيرانية أوّل مدمرة من إنتاج محلّي تحمل اسم «جمران»([31])، أنّ طهران لا تؤمن بالسلاح الذرّي، ولا تسعى إلى امتلاكه.
7ـ قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي: إنّ طهران لا تسعى لإنتاج السلاح الذرّي، بعد يومٍ من إبداء الوكالة الدولية للطاقة الذرّية قلقها من احتمال أن تكون طهران تعمل على صنع قنبلة نوويّة. ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن خامنئي قوله: إنّ «اتّهامات الغرب لا أساس لها من الصحّة؛ لأنّ معتقداتنا الدينية تمنعنا من استخدام مثل هذه الأسلحة»([32]).
8ـ قال الزعيم الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي: إنّ إيران لا تسعى لإنتاج سلاح نووي، وذلك بعد يوم من إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة خشيتها من أن تكون الجمهورية الإسلامية تطوّر صاروخاً نووياً. ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن الإمام الخامنئي قوله: «اتهامات الغرب لا أساس لها من الصحّة؛ لأنّ معتقداتنا الدينية تمنعنا من استخدام مثل هذه الأسلحة… لا نؤمن بالأسلحة الذرية، ولا نسعى لذلك»([33]).
9ـ كما صرَّح سماحته بالتالي: «اسم الذرّة بمقدار ما يدلّ على تقدّم العلم البشري يذكِّر للأسف بأقبح واقعةٍ في التاريخ، وأكبر مذبحة عامّة، وأسوأ استغلال لمكتسبات العلم عند البشر. مع أنّ بلداناً عديدة أنتجت وخزَّنت السلاح النووي، وهذا في حدِّ ذاته يمكن أن يكون مقدّمة لارتكاب الجرائم، وممّا يهدِّد السلام العالمي بشدة… استخدام السلاح الذرّي لم يؤدِّ إلى القتل والدمار الشامل وحَسْب، بل ولم يفرِّق بين أفراد الشعب من عسكريين ومدنيّين، وصغار وكبار، ونساء ورجال، وشيوخ وأطفال، واجتاحت آثاره اللاإنسانية الحدود السياسية والجغرافية، وأصاب حتّى الأجيال اللاحقة بخسائر لا تعوَّض، لذلك يعدُّ أيّ شكل من الاستخدام لهذا السلاح، وحتّى التهديد باستخدامه، خَرْقاً جادّاً لأوضح القواعد الإنسانية، ومصداقاً بارزاً لجرائم الحرب. نعتقد أنّه، فضلاً عن السلاح النووي، تمثِّل سائر صنوف أسلحة الدمار الشامل، كالأسلحة الكيميائية، والميكروبية، خطراً حقيقياً على البشرية… إنّنا نرى أنّ استخدام هذه الأسلحة حرامٌ، والسعي لحماية أبناء البشر من هذا البلاء الكبير واجبٌ على عاتق الجميع»([34]).
وفي هذا الإطار صرَّح السيد حسن نصر الله([35]) بأنّ إنتاج السلاح النووي، أو استعماله، لا يجوز شرعاً: «أنا عندما أقول: إنّ الحرب المقبلة ستغيِّر وجه المنطقة، وأكثرهم فسَّروا أنّ السيد صار عنده نووي، لا واللهِ ما عندنا نووي، أصلاً لا يجوز أن نمتلك نووياً، ولا يجوز أن نستعمل نووياً، والذي يقوله الإمام الخامنئي هو حكمٌ شرعي، وليس كلاماً سياسيّاً، وفقهنا هكذا يقول: إنّ امتلاك هذا النوع من السلاح، واستخدام هذا النوع من السلاح، حرامٌ شرعاً»([36]).
وأضاف في مناسبة أخرى بأنّ تسميم مياه العدوّ، وبالتالي أسلحة الدمار الشامل، أمرٌ غير جائز في الإسلام: «في إحدى المرّات جاء قومٌ وسألوا النبيّ|، وقالوا له: هناك حصنٌ، وفي هذا الحصن يوجد مقاتلين، ورجال، ونساء، وأطفال، واستعصى علينا، وهناك ساقية ماء تدخل إلى الحصن، ويشرب منها أهل الحصن، هل تسمح يا رسول الله أن نلقي السُّمَّ في ماء الساقية([37])، فيسقط الحصن، ويستسلم أهله؟ فمنعهم رسول الله| من ذلك، وحرَّمه عليهم. السيد الخامنئي عندما يتحدَّث عن الاعتبارات الشرعية في موضوع أسلحة الدمار الشامل، والسلاح النووي، هو لا يتحدَّث سياسة، وإنّما يتحدث فقهاً، وديناً، وأحكاماً شرعيةً من زمن رسول الله محمد|»([38]).
3ـ الدليل العقلي
ويرى بعض العلماء أنّ الأحكام الشرعية توقيفيّة، بمعنى أنّه ليس للعقول فيها مسرح، بل المرجع فيها إلى الكتاب العزيز، والسُّنَّة المطهَّرة([39]). أضِفْ إلى ذلك أن هناك الكثير من العلوم التي تتفرَّع منها علوم أخرى، وهي تزداد سعةً وعمقاً مع مرور الزمن، بحيث يعجز الإنسان عن الإحاطة بها إحاطةً تامةً أو شاملةً؛ إذ أصبح في كلّ علم تخصُّصات عديدة. زِدْ على ذلك أنّ عقل الإنسان قاصرٌ عن إدراك الكثير من الأمور، ومنها: «ماهيّة الروح». قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ (الإسراء: 85).
ولكنّ أهمية العقل لا تخفى على أحدٍ، فقد حثَّ القرآن الكريم، وهو أهمّ مصدر من مصادر استنباط الأحكام الشرعية، الناس على استعمال عقولهم؛ ليعرفوا الله من خلال ذلك. قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 164).
ويوجِّه الله تعالى اللوم والتأنيب لشريحة من الناس لا ينظرون إلى روعة الخلق من حولهم، ولا يتفكَّرون في خلق الله، ولا يأخذون العِبَر. قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحجّ: 46). وهكذا نرى أنّ الله تعالى ذكر العقل في مواضع كثيرة في كتابه العزيز.
ولا بدّ لنا في هذا البحث الفقهي من الاستفادة من الدليل العقلي وحجّيته، إضافةً إلى بعض المسائل الأصولية التي تدخل كقضايا كبرى في القياس المنطقي الذي سنعتمد عليه في الدليل العقلي لإثبات الحكم الشرعي في قضيّة إنتاج أسلحة الدمار الشامل. والدليل العقلي الذي سنستدلّ به على حرمة إنتاج أسلحة الدمار الشامل يُراد به تحريم ما هو قبيح عَقْلاً، على أنّ الحُسْن والقُبح صفتان واقعيتان يُدركهما العقل. وبناءً عليه، فإذا كان الإسلام يحرِّم الإضرار بالبيئة عبر رمي القاذورات، والقمامة، فمن باب أَوْلى([40]) أن يحرِّم صنع واقتناء واستخدام أسلحة الدمار الشامل. فتكون المعادلات كالتالي:
1ـ المعادلة الأولى:
ـ القضية الصغرى: الإضرار بالبيئة ضرراً مُعْتَدّاً به قبيحٌ عقلاً.
ـ القضية الكبرى: ما يحكم العقل بقبحه يحكم الشرع بحرمته.
ـ النتيجة: الإضرار بالبيئة حرامٌ شرعاً.
لقد شهدت السنوات الأخيرة وعياً متزايداً بأن بقاء الجنس البشري أصبح محفوفاً بأخطار كبيرة؛ بسبب تأثير الإنسان في البيئة. وبالتالي فإنّ الإضرار بالبيئة ظلمٌ، والظلم قبيحٌ عقلاً، وما قبَّحه العقل حرَّمه الشرع. إنّ عملية إنتاج أسلحة الدمار الشامل تشوبها المخاطر الكبيرة والخطيرة على البيئة، وعلى البشرية جمعاء، فحتى لو اتَّخذت الدول المصنِّعة الاحتياط اللازم يبقى احتمال وقوع كوارث بيئية ناتجة عن تسرُّب إشعاعات نوويّة مع الزمن أمراً واقعياً.
2ـ المعادلة الثانية:
ـ القضية الصغرى: إنتاج أسلحة الدمار الشامل يضرُّ بالبيئة.
ـ القضية الكبرى: الإضرار بالبيئة حرامٌ شرعاً.
ـ النتيجة: إنتاج أسلحة الدمار الشامل حرامٌ شرعاً.
قد يُقال بأنّ جواز إنتاج أسلحة الدمار الشامل أمرٌ مشروط ومقيَّد بأنْ لا يكون السعي لإنتاج هذه الأسلحة مضرّاً بالبيئة، بحيث يلحق الضرر بالإنسان، حتّى على مستوى الأجيال اللاحقة، أو بالحيوانات، أو بالنباتات. والأمر في هذه القضية يُرجع فيه إلى أهل الخبرة. والمقصود بهذا القيد أنّ الطبيعة ليست ملكاً شخصيّاً إذا نظرنا إليها بمجملها، بل هي ملك الإنسان، بما في ذلك الأجيال اللاحقة. وعنوان الضرر لا يختصّ بإلحاقه بمَنْ هم أحياء اليوم، بل يصدق عرفاً أيضاً على الأجيال اللاحقة. فإذا كان في إنتاج هذه الأسلحة إنتاجاً لنفايات سامّة تلحق ضرراً بالبيئة العامّة للأرض، الأمر الذي يؤدّي تدريجياً إلى إلحاق الضرر بالناس، ولو على مستوى الأجيال القادمة، حَرُمَ الأمر. وفي سياق ذلك قد يسأل بعض الناس: هل أنّ إنتاج أسلحة الدمار الشامل يضرّ بالبيئة؟ والجواب: إنّ صنع هذه الأسلحة يحتاج إلى القيام بتجارب مضرّة بالبيئة، كما هو معلوم.
المنطلقات الفقهية لنظريّة وجوب إنتاج أسلحة الدمار الشامل
بحسب هذه النظرية لا يوجد دليلٌ يمنع ذلك، بل إنّ الدليل هو على خلافه. وبناءً عليه فإنّ إنتاج وصنع أسلحة الدمار الشامل جائزٌ، بل واجبٌ، شرعاً وعقلاً، مع القدرة على ذلك. ويمكننا الاستدلال على ذلك بالتالي:
1ـ الكتاب: وجوب الإعداد للقوّة وإرهاب العدوّ
لا شكّ أنّ الإسلام يدافع عن العقل والعلم، ويدفع المجتمعات الإسلامية إلى الاكتفاء الذاتي، وإلى عدم الإحساس بالنقص والضعف. فالناس سواسية في امتلاك العقل والتصميم والإرادة، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى﴾ (النجم: 39)، وبالتالي يجب التهيّؤ للدفاع. والخطوة الأولى فيه هي التهيّؤ الدائم للدفاع عن النفس في أيّ لحظة. فالإنسان المؤمن يجب أن يبقى عزيزاً، مهاباً، قوياً، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ (النساء: 75).
ولا بدّ من ملاحظة الفارق بين تعلُّم تكنولوجيا إنتاج أسلحة الدمار الشامل وامتلاك هذه الأسلحة، كما أنّ هناك فرقاً بين تعلُّم السِّحر، فهو جائزٌ؛ لدفع كيد الساحرين، بخلاف استخدامه ابتداءً، وترويجه لإلحاق الأذيّة بالآخرين، فيكون محُرَّماً. فمجرّد تحصيل القدرة على إنتاج هذا السلاح وامتلاكه؛ بهدف إحداث الرعب في مجتمع العدوّ، وردعه عن استخدامه ضدّ المسلمين، هو أمرٌ محبوب عند الله تعالى. ولذلك فإنّ السعي لذلك أمرٌ مرغوب في نفسه، بل قد ندّعي أنّه واجبٌ؛ بناء على أنّ الله قد أمر المسلمين بإعداد ما استطاعوا من القوّة ورباط الخيل. وصيغة الأمر ظاهرةٌ في الوجوب. قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال: 60).
لقد أمر الله تعالى المؤمنين بإعداد ما قدروا عليه من القوّة للجهاد، وعلَّق ذلك بالاستطاعة؛ لطفاً منه تعالى. وصيغة الأمر ظاهرة في الوجوب([41]). وهو ما يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى، ما لم يرخِّص نفس المولى بالترك، فيُستفاد من صيغة الأمر الوجوب، لا الندب، على تقدير تجرُّدها عن القرينة على إذن الآمر بالترك. وفي ذلك يقول الشهيد الصدر: «والمقرَّر بين الأصوليّين عادةً هو القول بأنّ هذه الصيغة تدلّ لغةً على الوجوب… وليس معنى دخول الإلزام والوجوب في معنى الصيغة أن صيغة الأمر لا يجوز استعمالها في مجال المستحبّات، بل قد استعملت كثيراً في مجال الاستحباب، كما استعملت في موارد الوجوب، ولكنّ استعمالها في موارد الوجوب استعمالٌ حقيقيّ؛ لأنّه استعمال للصيغة في المعنى الذي وُضِعَت له، واستعمالها في موارد الاستحباب استعمالٌ مجازي، يبرِّره الشبه القائم بين الاستحباب والوجوب. والدليل على أنّ صيغة الأمر موضوعة للوجوب هو التبادر؛ فإنّ المنسبق على ذهن العُرف ذلك»([42]). وبناءً عليه فإنّ الآية تدلّ على وجوب الإعداد، وامتلاك أسباب القوّة، ومنها: إنتاج أسلحة الدمار الشامل.
والمخاطَبون في هذه الآية هم المؤمنون، والضمير في (لهم) عائدٌ إلى الكفّار، وهم المأمور بحربهم في ذلك الوقت، ويعمُّ مَنْ بعدهم، ويعود على الذين ينبذ إليهم العهد بلحاظ سياق الآيات التي سبقت هذه الآية، والظاهر العموم في كلّ ما يُستفاد منه لكسر شوكة الأعداء. والمراد بالقوّة كلّ ما يقوّي شوكة المسلمين على أعدائهم، كالرمي، فإنّ معظم القوّة وأنكاها للعدو الرميّ، وجاء في فضل الرمي أحاديث، وركوب الخيل، وقوّة القلوب، واتّفاق الكلمة، والحصون المشيَّدة، وآلات الحرب كمّاً ونوعاً، والملابس البهية. كما أنّ هناك نصّاً في فضل رباط الخيل؛ إذ كان الاعتماد عليها في الحروب، والخير معقود بنواصيها، وهي مراكب الفرسان الشجعان. ولعل الرباط من الخيل الخمس فما فوقها، فرباط الخيل جمع ربط، ولا يكثر ربطها إلاّ وهي كثيرةٌ. والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله. ويجوز أن يكون الرباط مصدراً من ربط، كما يجوز أن تسمّى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة. وقيل: رباط الخيل الذكور منها؛ لما فيها من القوّة والجلد على القتال، والكفاح، والكرّ، والفرّ، والعَدْو. والمعنى أنّ الكفّار إذا علموا بما أعددتم للحرب من القوّة ورباط الخيل خوَّفوا مَنْ يليهم من الكفّار وأرهبوهم؛ إذ يُعْلِمونهم ما أنتم عليه من الإعداد للحرب، فيخافوا منكم، وإذا كانوا قد أخافوا مَنْ يليهم منكم فهو أشدُّ خوفاً لكم. وبفزعهم ورهبتهم غنىً كبيرٌ في ظهور الإسلام وعلوّه([43]).
وأما في عصرنا الراهن فقد تعدَّدت الخيول؛ فمنها: البرية، كالسيارات العسكرية، وناقلات الجند، والدبابات؛ ومنها: الجوّية، كالطائرات المروحيّة، والحربيّة. كما تعدَّدت أسباب القوّة. ولا شك في أنّ إنتاج السلاح اليوم، سواء كان على المستوى الكمّي، أو النوعي، له تأثيره البالغ في معنويّات المجاهدين إيجاباً، وفي معنويّات الأعداء يأساً وإحباطاً. ولقد جاء أمر التسلُّح مطلقاً، ولم تُحَدِّد الآية الكريمة نوعيّة السلاح الذي ينبغي على المسلمين التسلُّح به، بل نحن مأمورون بالتسلُّح بما يؤثِّر على معنويات الأعداء، ويبثّ الخوف والرُّعب في قلوبهم، ومن المنطقي أنّ السلاح التقليدي ـ في العصر الحديث ـ لم يعُدْ مصدر رهبة للأعداء، مقارنة بالأسلحة غير التقليدية. ولذلك فإنّ حيازة أسلحة دمار شامل أصبح أمراً لا مناص منه، ولا سيّما في ظلِّ نظام عالمي يتّسم بمنطق القوّة والبطش، فلا بدّ لأمّة الإسلام أن يكون لها القدرة على الحفاظ على وجودها، والدفاع عن نفسها، وأن يكون لها شأن بين الأمم. وهذا يعني أنّ تملُّك الدول الإسلامية لتلك الأسلحة أصبح مطلباً شرعياً، ولا سيّما أنّ هذا المطلب يحقِّق لها وضعاً استراتيجياً وعسكرياً مميَّزاً، وسياسة ردعٍ، تؤدّي إلى إحداث نوعٍ من توازن القوى على المستوى الدولي.
ويؤيِّد الشيخ القرضاوي ذلك التفسير لآية ﴿وَأَعِدُّوا﴾، قائلاً: «لم تعد الحرب مقصورة على إعداد القوة العسكرية وحدها، بل لا بدّ معها من قوى وجوانب أخرى، تعتبر ضرورية لكسب الحرب. ومن هذه الجوانب: الحرب النفسية، ويقصد بها: دراسة نفسية العدو، ومعرفة نقاط الضعف فيها؛ للتسلل إليها، ومحاولة التأثير عليها سلباً، بوسائل شتّى، كلّها تصبّ في اتجاه قذف الرعب في قلوبهم، وتخويفهم من المسلمين، وتيئيسهم من النصر عليهم، ونقل الحكايات عن روائع بطولاتهم، وأنّهم لا يبالون بالموت، بل يرحِّبون به، وأنّ لديهم من القدرات والخصائص والقوى ما ليس عند غيرهم. والإسلام لا يغفل هذا الأمر، بل يوليه عنايةً بالغة؛ لعلمه أنّ الجانب النفسي (السايكولوجي) هو المؤثِّر الأول في سلوك الإنسان، وهذه العناية تشمل جانب التحصين والوقاية من الغزو النفسيّ للأعداء، وجانب الهجوم والتأثير عليهم نفسياً أيضاً»([44]).
ويرى السيد حسن نصر الله أنّ الإعداد للحرب النفسية هو مصداقٌ لآية ﴿وَأَعِدُّوا﴾، التي تشير إلى أهمّية إرهاب العدو؛ وأنّ هدف الحرب النفسية بالدرجة الأولى هو تثبيت وضعنا الداخلي النفسي، والمعنوي، وتحقيق العزّة والكرامة للأمة، وذلك بواسطة مواجهة كلّ ما يُقال، ويستهدف إيماننا وعقيدتنا، وذلك بالشكّ في ما يقال، لا بالشكّ في ما نؤمن به، وما نعتقده، وما نعرفه. أمّا هدفنا الثاني من الحرب النفسية فهو إرعاب الطرف الآخر، وإخافته، بما يؤدّي إلى استسلامه، أو انسحابه. ولا بدّ من مواجهة الحرب النفسية التي يشنّها العدو بأدوات، ووسائل، وأساليب، مبتكرة أحياناً. ولكنّه يضيف شرطاً آخر قلَّما يلتفت إليه الآخرون، الذين يريدون قهر العدو كيفما كان، حيث يرى أنّ مواجهة الحرب النفسية التي يشنّها العدوّ لا بدّ أن تتمّ بأدوات ووسائل منسجمة مع قِيَمنا، وثقافتنا، وأخلاقنا، وضوابطنا الشرعية. وكلّ قتالنا، ودفاعنا، ومواجهتنا، سواء العسكرية، أو الأمنية، أو الاقتصادية، أو السياسية، أو النفسية، يجب أن تكون منسجمة مع خلفيّتنا الإيمانية، والدينية، والعقائدية، والشرعية، والأخلاقية، قائلاً: «نحن في طبيعة الحال في مواجهة الحرب النفسية أيضاً الهدف الأوّل بالنسبة إلينا هو تثبيت شعوبنا، وأهلنا، وإرادتنا، وعزيمتنا، وقوتنا، وقدرتنا، أي منع الحرب النفسية التي يشنّها العدو من تحقيق أهدافها، أي منعها من إيصالنا إلى اليأس، ومنعها من إخافتنا، وإرعابنا، ومنعها من إخضاعنا؛ لفرض الاستسلام علينا، أو انسحابنا من الساحة، ومنعها من إقناعنا بأننا ضعفاء، ومنعها من إيجاد الشكّ والارتباك في فكرنا، أو خياراتنا، أو انتمائنا، أو تجسيدنا الخارجي… المطلوب أيضاً ـ في المقابل ـ كما يعمل هذا العدو على إخافتنا وإرعابنا يجب أن نعمل على إخافته وإرعابه، ويجب أن نعمل على إقناع مجتمعه بضعفه، وعلى إيجاد الشكّ والترديد تجاه جيشه وقيادته»([45]). وهل هناك وسيلةٌ لإخافة الناس وإرعابهم أكثر من التهديد باستعمال أسلحة الدمار الشامل ضدّهم؟ وهل يمكن ردُّ هذا التهديد إلاّ بتهديدٍ مماثل، وبنفس المستوى؟
ويمكن أن نسأل: هل أنّ الحروب النفسيّة هي تحطيمٌ لكرامة الإنسان، وإرادته، وتفكيره، وحتّى أحلامه، بحيث يتحكَّم فيه إنسانٌ آخر، فيصير جسداً بلا روح؟ وأنّك كما قد تقتل إنساناً برصاصة فقد تقتل روحه وجسده بكلمة؟ فالحرب النفسية هي تدميرٌ للإرادة الداخلية للمجتمع، والفرد. وإنّنا لو نظرنا إلى نتائج الحروب المادية سنجدها نتائج محسوسة، قد تؤدي إلى الاستقرار مع مرور الزمن، ويمكن طيُّ صفحاتها بكلّ سهولة. أمّا الحروب النفسية فهي تجعل الإنسان ميت الإرادة، قليل الحيلة. ويرد عليه أنّ كلّ حرب فيها خسائر بشرية، ومعنوية، ومادية، وزمنية، وأنّه كلّما قلّت هذه الخسائر بمختلف أشكالها، وقصُر أمد الحرب، كلّما ارتاح العالم من همٍّ، وغمٍّ، وأنين. وإنّ الحروب النفسية قد تعدُّ مظهراً من مظاهر التقدم الإنساني، ولا سيّما أنّها تتّخذ سياسة حقن الدماء، وحفظ الأنفس من الضياع؟ أضِفْ إلى ذلك أنّه لا بدّ من مقابلة الأعداء بالمثل، ومن إتقان فنون الحروب التي يشنونها علينا، ومنها: الحرب النفسية، التي تختلف عن الحرب العسكرية، والاقتصادية، فهي تستهدف عقل الإنسان، وعقيدته، ومعنوياته، وثقته بنفسه، ولا تستهدف بالأصالة جسد الإنسان أو ماله.
وبناء على ما تقدّم فإنّنا نستدل بالقضايا المنطقية التي تمّ تركيبها؛ لتكون حجةً ودليلاً على جواز صنع أسلحة الدمار الشامل، مع لفت النظر إلى أنّ الإعداد لا يعني الاستخدام، ولا يعني عدم الاستخدام عند الضرورة، فهو يهدف إلى إرعاب العدوّ كي لا يعتدي علينا، فتكون القضايا كالتالي:
1ـ المعادلة الأولى:
ـ القضية الصغرى: وأعدّوا: فعل أمرٍ.
ـ القضية الكبرى: صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب.
ـ النتيجة: الإعداد للقوّة واجبٌ.
2ـ المعادلة الثانية:
ـ القضية الصغرى: أسلحة الدمار الشامل تُرهب العدو.
ـ القضية الكبرى: كلّ قوة تُرهِب العدوّ يجب الإعداد لها؛ لأن إرهاب العدوّ واجبٌ.
ـ النتيجة: إنتاج أسلحة الدمار الشامل واجبٌ.
ففي عصرنا الراهن كل دولة تمتلك السلاح النوويّ، ويمكنها إيصاله إلى العدوّ، سواء عبر الصواريخ البعيدة المدى، أو عبر الطائرات، هي دولةٌ مرهوبة الجانب، ولا تتجرّأ دولة أخرى على الاعتداء عليها. وبناءً عليه فإنّ إنتاج أسلحة الدمار الشامل هو من أهمّ عناصر القوّة في عصرنا الراهن، التي توقع الرعب في قلوب الأعداء، فتضعف معنوياتهم، وتجعلهم يعيشون القلق والتوتُّر، فتهزمهم نفسياً.
2ـ السُّنَّة
لقد أكَّدت السنّة الشريفة مفاد الآيات القرآنية، فالمؤمن يدافع عن قِيَمه كما يدافع عن نفسه، وعرضه، وماله، كما في قول الرسول الأكرم|: «الإسلام يعلو، ولا يُعلى عليه»([46]). ولمّا كان علوّ الإسلام لا يتحقَّق بدون الأخذ بأسباب القوّة بحسب كلّ زمان ومكان وجب على المسلمين تحقيق عزّتهم عبر الأخذ بأسباب القوّة، ومنها: إنتاج هذه الأسلحة؛ لأن أكثر الأسلحة قوةً، وفتكاً، وتدميراً، وإرهاباً، هي أسلحة الدمار الشامل، وبالتالي فإنّ مَنْ يمتلكها يُرعِب أعداءه، ويحقِّق النصر المعنوي عليهم، ويحدِّد سقف المعركة، إنْ لم يكن للطرف الآخر قدرة على الردع. فيكون السعي لتحصيل تكنولوجيا إنتاج أسلحة الدمار الشامل، ولا سيّما النووية منها، وصنعها أمراً واجباً شرعاً، إلاّ ما خرج منه بدليلٍ، ولا دليل على خلافه.
أضِفْ إلى ذلك ما ورد عن الإمام عليّ×، الذي كان حزيناً لما آل إليه وضع المسلمين، فقام بواجبه كإمامٍ لهذه الأمّة، ووليٍّ لأمور المسلمين، فأكثر تأليبهم، أي تحريضهم، وإغراءهم بقتال الأعداء، وتأنيبهم، أي أشدّ اللوم، ولكنّهم ضعفوا، وفتروا، بالرغم من أنّ ممالكهم تزوى، أي تقبض. فطلب منهم أن لا يتثاقلوا، ولا يقرّوا بالخسف، أي أن لا يعترفوا بالضيم، ويصبروا له، وأن لا يبوؤوا بالذلّ، قائلاً: «ألا ترَوْن إلى أطرافكم قد انتُقِصت، وإلى أمصارِكم قد افتُتِحت، وإلى ممالِكِكُم تَزوى، وإلى بلادكم تُغزى! انفروا رحمكم الله إلى قتال عدوِّكم، ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقرّوا بالخسف، وتبوؤوا بالذلّ، ويكون نصيبكم الأخسّ، وإنّ أخا الحرب الأَرِق، ومَنْ نام لم يُنَمْ عنه، والسلام»([47]).
ومنطوق جملة «ومَنْ نام لم يُنَمْ عنه» أنّ المؤمن المجاهد ينبغي له أن لا ينام أثناء الحرب، فلا بدّ من مجموعات تحرس المجموعات التي تستريح أثناء الحرب، وفي أرض المعركة. أمّا مفهوم هذه الجملة، في كل زمان، فهو أنّ المؤمنين المجاهدين لا بدّ لهم من اليقظة الدائمة على مستوى تحصيل معلومات عن خطط العدوّ، وأسلحته، كمّاً ونوعاً، بل لا بدّ من تحصيل أنواعٍ أفضل من أسلحة العدوّ، تتفوَّق عليها، وكميةً أكبر؛ كي يتمكَّن المجاهدون من الاستمرار في المعركة، وتحقيق النصر. ففي عصرنا الحاضر لا معنى لليقظة من دون العمل على تحصيل أسباب القوّة، التي تردع العدوّ، أو تُلحق به الهزيمة في حال قرَّر شنَّ هجومٍ على بلاد المسلمين، وهذا يعني أن العدوّ إذا امتلك أسلحة دمار شامل فلا بدّ من امتلاك المسلمين لهذه الأسلحة؛ كي يتحقق توازن الرعب، وإلاّ وقع المسلمون فريسة الأعداء المتوحِّشين، الذين لا يراعون قانوناً دولياً، ولا إنسانياً، حين ينوون غزو بلادنا؛ طمعاً بخيراتنا، وأرضنا، وعرضنا، وأموالنا.
ولا بدّ لنا في هذا المجال من الاستفادة من أقوال علماء المسلمين من الشيعة والسُّنَّة. فقد لاحظ بعض الفقهاء دخول هذه القضايا المستجدّة، فأجازوا استخدامها في الحرب المُحِقَّة، بل جعلوا ذلك من الواجبات المشمولة لدليل لزوم إعداد القوّة. كما لاحظوا هذا التطّور في آلات الحرب في مباحثهم في السبق والرماية، حيث عمَّموا ذلك إلى السبق والرماية بمختلف الوسائل الحربية؛ لأنهم فهموا هذا الباب على أنّه ممّا يتّصل بالإعداد والاستعداد للحروب.
ويرى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم([48]) أنّ القيام بالتجارب النووية، وصنع أسلحة الدمار الشامل، أمرٌ جائز، وأنّ الإضرار بالبيئة أمرٌ نسبيّ، ولكنه يؤكِّد على القدرة على حفظه والتحكُّم به:
1ـ «نفس الصنع لا يحرم، خاصّة مع امتلاك الآخرين لذلك. نعم، لا بدّ من التوثُّق التامّ والدقيق بأنْ لا يقع السلاح بأيدي أنظمة متساهلة أو دكتاتورية تستبيح حرمات الآخرين، ويمثِّل ذلك عقبة رئيسية أمام الصنع. ولا بدّ من قوانين صارمة في هذا المجال، والتوثُّق التامّ من ضمان عدم استخدام السلاح ـ ولو لاحقاً ـ في غير الضرورة القصوى المشروعة.
2ـ الضرر بالبيئة تختلف درجاته، وهو لا يقتصر على التجارب النوويّة، ولا بد في كلّ الحالات من الموازنة وملاحظة الأولويات»([49]). وكلام سماحته يؤيِّد النتائج التي وصلت إليها هذه المقالة.
ويُجَوِّز الشيخ گرامي([50]) صنع السلاح النووي، قائلاً: «صنع السلاح النووي جائز؛ من جهة إرهاب العدوّ، عملاً بقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ…﴾ (الأنفال: 60)»([51]). وكلام سماحته يؤيِّد أيضاً النتائج التي وصل إليها هذا البحث.
كما أكَّدت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف «وجوب» إنتاج الأمّة الإسلامية للأسلحة النووية، وغيرها من الأسلحة المتطوِّرة؛ بهدف الدفاع عن نفسها، وخاصّة في ظل وجود هذه الأسلحة بيد أعدائها. وأوضح الشيخ علاء الشناويهي، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، أنّ الإسلام أوجب على الأمة الإسلامية أن تكون متيقِّظة عارفة بعدوّها؛ لتتمكن من الاستعداد بما يتلاءم مع قوّة هذا العدو؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾.
ويرى الشناويهي أنّ الرسول| ـ وهو القدوة الحسنة ـ كان يتحضَّر ويتقدَّم في كيفيّة الاستعداد للعدوّ بكل الوسائل المتاحة. وعليه فلو استعدّت الأمة الإسلامية بشيءٍ أقلّ مما يتسلَّح به عدوّها فإنّها تأثم؛ لتقصيرها في هذا الجانب. وأضاف عضو لجنة الفتوى بالأزهر أنّ الإسلام عندما أمر بالتطوُّر والاستعداد والتسلُّح بكلّ أساليب القوّة والطاقة لم يكن هدفه أن تصبح الأمة الإسلامية أمّة مفسدة في الأرض، وإنما كان هدفه ما ورد في قوله تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، وحتّى يشعر الجميع بأنّ الأمّة الإسلامية لديها من القوة والمنعة ما يجعلها قادرة على صدّ أيّ عدوان يوجَّه إليها.
وأكد الشناويهي أنّه يجب على جميع الدول العربية والإسلامية أن تتسلَّح بأحدث الأسلحة التي تجعلها مرفوعة الهامة، محفوظة الكرامة، مشيراً إلى أنّ ما نراه هذه الأيام من هوان للأمّة هو أكبر دليل على تخلُّفها؛ بسبب عدم تسلُّحها بأفضل الأسلحة، في وقتٍ ابتكر فيه أعداؤنا وسائل عديدة لتدمير وإبادة المسلمين المستضعفين.
من جهته وافق الشيخ علي أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، على الفتوى، مطالباً الدول الإسلامية بالسعي لإنتاج الأسلحة النووية وغير النووية؛ ممّا يرهب عدوّها، ويمنعه من الاعتداء عليها. ويرى أبو الحسن أنّ معرفة العدوّ واجب ديني، وأنّ الإعداد له فريضة شرعية، وأنّه إذا ظهر السلاح في يد أمّة من العالم، سواء كانت صديقة أو معادية، لزم على المسلمين أن يمتلكوا نفس هذه الأسلحة، أو أسلحة أقوى منها، وأنّ ذلك ما أجمع عليه الفقهاء. وأضاف رئيس لجنة الفتوى أنّ الفقهاء أجمعوا أيضاً على أنّه إذا ترك المسلمون اقتناء مثل هذه الأسلحة فإنّهم آثمون شرعاً، وعليه فإنّ الإعداد للأعداء، واتّخاذ كافّة الوسائل الممكنة للدفاع عن النفس، فريضةٌ واجبة، ولا يجوز تركها شرعاً؛ ومن ثم فإنّ سعي الدول الإسلامية لامتلاك كافة أنواع الأسلحة الحديثة، نووية أو غيرها، واجبٌ شرعي([52]).
ويرى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي([53]) أنّ الإسلام يوجب على الأمّة المسلمة أن تمتلك هذه الأسلحة الرادعة، ما دام غيرها يملكها، ويمكن أن يُهَدِّدها به، وأن الأمة الإسلامية لا بدّ لها من الإعداد العسكري: «وهو يتطلَّب إعداد المعدات والأسلحة، وهو ما أمر به القرآن الأمّة أمراً صريحاً في قول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ﴾ (الأنفال: 60). وهذا الأمر يشمل إعداد كلِّ وسائل القوّة العسكرية اللازمة لتحقيق الانتصار على العدو، ومنها: رباط الخيل. والمراد برباط الخيل: ربط خيول المجاهدين على الثغور، ومنافذ البلاد، التي يمكن أن يتسلَّل منها الأعداء. وقد جاء عدد من الأحاديث الصحيحة تنوِّه بما في إعداد الخيل للجهاد من أجرٍ ومثوبة عند الله. ونقول هنا: إنّ النصَّ على الخيل ـ باعتبارها وسيلة من وسائل القوة في العصور الماضية ـ لا يلزمنا بأن نقف عند هذه الوسيلة، فلكلِّ عصر خيله وفرسانه. ولهذا نجد أنّ خيل عصرنا هي: الدبابات، والمصفَّحات، والمجنزرات، وغيرها من الآليَّات المقاتلة في البرِّ، بل يشمل هذا المعدّات البحرية، من السفن، والبوارج الحربية، والغوّاصات، وغيرها، وهي من أهم آليات الحرب في عصرنا. بل يشمل ذلك الوسائل الجوية، من الطائرات، والأقمار الصناعية، والصواريخ، وغيرها. وهناك الأسلحة النووية، التي استخدمتها أمريكا في نهاية الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، في هيروشيما، وناغازاكي… نرى أنّ أمة الإسلام يجب أن تمتلك هذه الأسلحة غير المشروعة؛ لتكون سلاح ردع وتخويف لأعدائها. وهناك فرق بين استخدام هذه الأسلحة وامتلاكها؛ فإن امتلاكها ضروري لأمّة معرَّضة للعدوان من القوى التي تعادي المسلمين. وقد أثبتت الوقائع أنّ امتلاك مثل هذه الأسلحة هو ضمانٌ للسِّلْم»([54]).
وردّاً على السؤال نفسه الذي وُجِّه إلى الأستاذ الدكتور عبد المعزّ حريز([55])، من قطر، بتاريخ: 12/3/2003م، حول موقف الإسلام من الحرب الكيميائيّة، أجاب سماحته بأنّ الإسلام لا يمنع المسلمين من إنتاج الأسلحة الكيميائية على أنّها أسلحة ردع. وتفصيل جوابه هو التالي: «بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، فإنّ الإسلام يحافظ على البيئة في الحرب والسلم، وهذا لا يمنع المسلمين من امتلاك الأسلحة الكيميائية على أنّها أسلحة ردع… الأسلحة الكيميائية وغيرها، الأصل في امتلاكها في زماننا هذا الوجوب في حقّ الدولة الإسلامية؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 60). ولهذا فإن هذه الأسلحة يتوجَّب علينا السعي لامتلاكها؛ حتّى نكون أمة لها رهبتها في بلاد الكفر، فلا يتمالأ أهل الكفر على المسلمين…»([56]).
ويُجَوِّز الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي([57]) إنتاج أسلحة الدمار الشامل؛ لتتكافأ قوتنا مع قوة الأعداء، قائلاً: «يجوز صنع أسلحة الدمار الشامل واقتناؤها، عملاً بالآية القرآنية: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ…﴾ (الأنفال: 60)، كما يجب أن ينهض العالم الإسلامي ليقول: إن على المسلمين إعداد القوّة في هذا المجال؛ لتتكافأ قوتنا مع قوة الأعداء، فـ «إسرائيل» تتفنَّن في صنع واقتناء هذه الأسلحة بكافّة أنواعها»([58]). ويؤيِّد تصريحه الشفهي هذا بتصريحٍ خطّي آخر، حيث يميِّز بين عنف المظلوم عندما يضطر إليه لاستعادة حقّه من الظالم، أو الدفاع عن نفسه، فهو عنفٌ مشروع ومبرَّر عملاً بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ…﴾ (النحل: 126)، وبين الإرهاب الذي تتمّ ممارسته ضدّ الأبرياء والآمنين([59]). ويعطي مثالاً من فقه الجهاد، وهو أنه في حالة وَطَأَ الأعداء دار الإسلام، وأقاموا فيها أو في جزء منها على وجه الغصب والعدوان، فمن المتَّفق عليه عند علماء المسلمين أنّه يجب على المسلمين في هذه الحالة التصدّي لهم، والنهوض لصدِّ عُدوانهم بأيّ سبيل ممكن، قائلاً: «لا يجوز للمسلمين ـ حكّاماً ومحكومين ـ إقرارهم على ما قد تلبَّسوا به من الاغتصاب لحقوق عينيّة ثابتة، بأيّ وجه من الوجوه. ولا مناص للمسلمين من العمل على ردع العُدوان واستعادة الأرض المغتصبة إلى أصحابها بكلِّ السُّبُلِ الممكنة»([60]). ولا شكّ أن مصطلح «بكلِّ السُّبُلِ الممكنة» يشمل أساليب المواجهة، والأسلحة المستعملة في التصدّي للعدو المعتدي، وبالتالي فهو يشمل الأسلحة غير التقليدية، ومنها: أسلحة الدمار الشامل.
ورداً على سؤال وُجِّه إليه من العراق، بتاريخ: 1/6/2005م، أجاب الدكتور أحمد أبو الوفا([61]) بأنّه من حقّ الدولة المسلمة إنتاج أسلحة الدمار الشامل: «بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: سبقت الشريعة الإسلامية القانون الدولي العامّ في مبادئ العدل والإحسان، والحفاظ على الحقوق والأبدان، والتي منها وضع قيود في استخدام الأسلحة، وليس معنى هذا أن تُجَرِّد البلاد القوية البلاد الضعيفة من الأسلحة، فلها حقّ امتلاكها؛ للردع والدفاع عن نفسها. ومع ذلك نصَّ فقهاء المسلمين على أنّه من حقّ الدولة المسلمة امتلاك الأسلحة… وهذا من العدل، بعكس امتلاك دولةٍ واحدة للأسلحة المتطوِّرة، ووأد كلّ محاولة في العالم لامتلاكها»([62]).
ويفتي الشيخ ناصر بن حمد الفهد([63]) بجواز إنتاج أسلحة الدمار الشامل، متسائلاً عن «الكيل بمكيالين» على المستوى الدولي، قائلاً: «ومن المعلوم أنّ الكفار في زمننا هذا إنّما جعلوا هذه الأسلحة المسمّاة بأسلحة الدمار الشامل «أسلحة ردع»؛ لتخويف غيرهم. وما تهديد أمريكا للعراق عنّا ببعيدٍ باستخدام هذه الأسلحة لو هاجمت العراق «إسرائيل»… فما الذي يبيحها لأمريكا، والكفّار، ويحرِّمها على المسلمين؟! إنّ الذين يتشدَّقون بمحاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل، كأمريكا، وبريطانيا، هم أوّل مَنْ استخدم هذه الأسلحة. فبريطانيا استخدمت السلاح الكيماوي ضدّ العراقيين في الحرب العالميّة الأولى، وأمريكا استخدمت السلاح النووي ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، كما أنّ ترسانتهم مع اليهود مليئة بهذه الأسلحة!»([64]).
3ـ الدليل العقلي
لا يستقلُّ العقل في إدراك الأحكام وملاكاتها، بل يُدرك الملازمة بين الحكم الثابت شرعاً، أو عقلاً، وبين حكمٍ شرعي آخر، كحكمه بالملازمة بين الواجب ومقدّمته. ونلفت إلى أنّ الأصوليين قسَّموا المقدّمة إلى قسمين:
1ـ المقدمة الوجوبية: وهي ما يتوقَّف عليها نفس الوجوب، بأنْ تكون شرطاً له. ومثالها: الاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ، والبلوغ والعقل بالنسبة إلى التكليف. ويسمّى الواجب بالنسبة إليها (الواجب المشروط).
2ـ المقدمة الوجودية: وهي ما يتوقَّف عليها وجود الواجب، فيكون الوجوب بالنسبة إليها مطلقاً، فلا بدّ من تحصيلها كمقدّمة لتحصيله، كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة، والسفر بالنسبة إلى الحجّ. ولا شكّ أنّ المقدمة الوجودية هي مدار بحث الوجوب([65]).
ونبدأ بمسألة وجوب مقدّمة الواجب، فإذا كان الإتيان بالواجب يتوقَّف على حصول مقدِّماته، كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة، والسفر بالنسبة إلى الحجّ، فلا بد للإنسان العاقل من تحصيل تلك المقدّمات، التي هي عبارة عن علل، أو شروط، أو رفع موانع. فالعقل لا شكّ يحكم بوجوب مقدّمة الواجب، أي يدرك لوازمها. وقد أجمع الأصوليون على هذه اللابُدّيّة العقلية للمقدّمة التي لا يتمّ الواجب إلاّ بها. ولكنْ هل يحكم أيضاً بأنّها واجبة عند المولى الذي أمر بالواجب الذي يتوقَّف عليها؟ لقد كثرت الأقوال والنقاشات في المسألة، وليس المقام مناسباً لمناقشتها. فوجوبها العقلي كافٍ لتحريك المُكَلَّف باتّجاه الإتيان بها، ومع فرض وجود الداعي في نفس المكلّف للإتيان بكلّ ما يتوقَّف عليه المأمور به تحصيلاً له لا تبقى حاجةٌ إلى داعٍ آخر من قِبَل المولى؛ لأنّه عبثٌ ولهو، بل يمتنع ذلك ويستحيل؛ لأنّه تحصيل للحاصل([66]).
ولا شكّ أنّ الامتثال للأمر الإلهي في الإعداد للقوّة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً يوجب علينا العمل على الأخذ بأسباب القوّة، ومنها: أسلحة الدمار الشامل، التي تُعَدّ من أقوى أسلحة هذا العصر. والحصول على هذه الأسلحة إمّا أن يكون عبر شرائها، وهو أمرٌ صعب جدّاً، حيث يُفرَض حظرٌ دولي كبير على بيعها؛ وإمّا عبر إنتاجها محلّياً، وذلك بالاعتماد على قدرات الدولة الإسلامية الذاتية، ويمكن الاستعانة بخبراء من دول أخرى.
إنّ أسلحة الدمار الشامل هي من أبرز مصاديق الإعداد للقوّة في عصرنا الراهن، لذلك فإنّ إنتاجها هو أهمّ مصداق لمفهوم الإعداد للقوّة الذي أمرنا الله تعالى به في محكم كتابه الكريم، فيكون الدليل كالتالي:
ـ القضية الصغرى: إنتاج أسلحة الدمار الشامل مقدّمة ضروريّة لواجب الإعداد والأخذ بأسباب القوة.
ـ القضية الكبرى: مقدّمة الواجب واجبةٌ عقلاً.
ـ النتيجة: إنتاج أسلحة الدمار الشامل واجبٌ.
ويمكن صياغة الدليل العقلي بطريقةٍ أخرى، فهو الذي يوجب إنتاج أسلحة الدمار الشامل كمقدّمة لدفع الضرر الذي قد ينتج عن مهاجمة البلاد والشعوب بأسلحة الدمار الشامل، فالعقل يحكم بوجوب دفع الضرر كمقدّمة وجودية لوجوب الإعداد للقوّة. فبعد أن بيّنّا مفهوم الدليل العقلي وحجّيته لا بدّ لنا من بيان بعض المسائل التي تدخل في صلب الدليل العقلي المركَّب من قضيّتين ونتيجة، والذي سنعتمده في البرهنة على جواز، بل على وجوب، صنع أسلحة الدمار الشامل في عصرنا الراهن، ولا سيّما بعد إنتاج دول أخرى لهذه الأسلحة، وفي ظلّ عالمٍ لا يفهم إلاّ بالقوّة، عالم تسوده شريعة الغاب، فيقهر فيه القويّ الضعيف، والغنيّ الفقير. فتكون المعادلة كالتالي:
ـ القضية الصغرى: إنتاج أسلحة الدمار الشامل مقدّمة وجوديّة لتحقيق الدفع.
ـ القضية الكبرى: العقل يحكم بوجوب دفع الضرر.
ـ النتيجة: إنتاج أسلحة الدمار الشامل واجبٌ لدفع الضرر.
الهوامش:
(*) باحثٌ في الشريعة والقانون الدولي، من لبنان.
([1]) العُرْف عبارة عن كلّ ما اعتاده الناس، وساروا عليه، من فِعلٍ شاع بينهم، أو قول تعارفوا عليه. والعُرف له دور في مجال فصل الخصومات، وفي مجال الاستنباط. لقد اتَّخذ التشريع مفاهيم كثيرة، ولكنْ ربما يعرض الإجمال على مصاديقها، فيكون العُرف هو المرجع في تطبيقها على موردها؛ إذ إن لكل قومٍ، وبلد، أعرافاً يتعاملون في إطارها، في كافّة العقود، والإيقاعات. ولنعطِ مثالاً على ذلك: إذا اختلف الزوجان في أداء المهر، فلو جرت العادة في مجتمعهم على تقديم المهر، أو جزء منه، قبل الزفاف، فللحاكم أن يحكم على وفق العُرف الدارج في البلد، شرط أن لا يتعارض ذلك مع مبادئ الإسلام. (راجع: جعفر السبحاني، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه: 183 ـ 189، ط1، بيروت ـ لبنان، دار الأضواء، 1419هـ ـ 1999م).
([2]) يوسف البحراني، الحدائق الناضرة 1: 161.
([3]) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 1: 133، بيروت ـ لبنان، دار الكتاب اللبناني، 1406هـ ـ 1986م.
([4]) إذا كان الدليل العقلي المتعلِّق بأمر ما بديهياً، مثل: الواحد نصف الاثنين، فلا ريب في حجيته.
([5]) والبحث في هذه الأصول طويل الذيل، مفصَّلٌ في أصول الفقه، وهي لها تطبيقات دقيقة واسعة، ذكرها الفقهاء في كتب استنباط الحكم الشرعي. (المصدر السابق 1: 116 ـ 117).
([6]) الفتوى هي رأي فقهي في موضوع معين، وهي الحكم الشرعي الكلّي للأشياء، وقد تتعلَّق بمواضيع عديدة؛ شرعية، واجتماعية، وسياسية، وجهادية، ممّا يواجهه المسلمون في حياتهم اليومية. وتمثل الفتوى الرأي القانوني الديني للفقيه في مسألة معينة.
([7]) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 1: 116 ـ 117.
([8]) أبو العباس الجوهري، الصحاح 1: 375 ـ 376، مادة سَلَحَ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط4، بيروت ـ لبنان، دار العلم للملايين، 1407هـ.
([9]) الزبيدي، تاج العروس4: 92 ـ 94، مادة سَلَحَ، تحقيق: علي شيري، لا.ط، بيروت ـ لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هـ ـ 1994م.
([10]) راجع: www.ar.wikipedia.org
www.ar.wikipedia.org
www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/AslhaDamar/sec06.doc_cvt.htm
([12]) للمزيد من المعلومات يمكن مراجعة موسوعة ويكيبيديا: www.ar.wikipedia.org
([13]) تعتبر أسلحة الدمار الشامل أشدّ فتكاً وأعظم تأثيراً في مسرح الحرب، سواء على مستوى القوات المتحاربة، أو المدنيين.
([14]) علي زين الدين، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: 150، طبعة حجرية، قم ـ إيران، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([15]) ناصر مكارم الشيرازي، مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل 3: 201، ط1، إعداد: أحمد علي بابائي، قم ـ إيران، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، 1428هـ.
([16]) الإيجي، المواقف 1: 203 ـ 208، ط1، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، بيروت ـ لبنان، دار الجيل، 1417هـ ـ 1997م.
([17]) ورد الحديثان في المرجع التالي: حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة 23: 392، قم ـ إيران، 1414هـ.
([19]) النوري، مستدرك الوسائل 17: 114، ط2، بيروت ـ لبنان، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، 1408هـ ـ 1988م.
([20]) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 409 ـ 495، بيروت ـ لبنان، دار التعارف للمطبوعات، 1411هـ ـ 1991م.
([21]) م. يحيى وزيري، العمارة الإسلامية والبيئة ـ الروافد التي شكَّلت التعمير الإسلامي، عالم المعرفة، العدد 304: 104 ـ 105، الكويت، 2004م.
([23]) والسؤال هو: يسأل عددٌ من الناس: ما حكم الشرع في تلويث البيئة، أو إتلافها وعدم المحافظة عليها؟ وجزاكم الله خيراً.
([24]) ما ورد هو اقتباسٌ عنه، ولكنّني وجدت حديثاً نبوياً يفيد نفس المعنى، وهو: «الإيمان أربعة وستون باباً، أعلاها قول: لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». (راجع: مسند أحمد بن حنبل 2: 379، بيروت ـ لبنان، دار صادر).
([25]) إسلام أون لاين ـ نت ـ اسألوا أهل الذكر ـ، موقف الإسلام من تلويث البيئة.
([26]) لكنْ لاحظ بعض المراقبين أنّ هذا التحريم لم يشمل إنتاج هذه الأسلحة. (راجع: مجلة الشرق الأوسط، العدد الصادر بتاريخ: 13/9/2004م، وجريدة النهار، العدد الصادر بتاريخ: 13/9/2004م).
([27]) مجلة الحياة، العدد الصادر بتاريخ: 9/11/2004م، مقالة تحت عنوان: البرادعي يأمل بتعهد واضح يعيد تعزيز الثقة الدولية بطهران ـ تسريب تفاصيل عن الاتفاق النووي الإيراني: تعليق للتخصيب مقابل مساعدات تكنولوجية.
([28]) مجلة الحياة، العدد الصادر بتاريخ: 13/4/2005م.
([29]) جريدة البلد اللبنانية، العدد الصادر بتاريخ: 22/9/2005م.
([30]) وقد استبق السيّد الخامنئي، في خطابه الذي ألقاه في طهران بتاريخ: 4/6/2009م، كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي ألقاها في القاهرة، وتوجَّه عبرها إلى العالم الإسلامي. (راجع: جريدة السفير، العدد الصادر بتاريخ: 5/6/2009م، مقالة تحت عنوان: خامنئي: الشعارات لا تعوِّض المسلمين: «لو دفعوا لنا ثمن القنبلة فإنّنا لا نريدها». ونلفت إلى أنّ جريدة السفير هي جريدة عربية تصدر من لبنان، يومية باستثناء الأحد، وتتناول مختلف الأحداث السياسية، والاقتصادية، والثقافية، سواء على المستوى العربي أو العالمي.
([31]) وهي مدمّرة جديدة، مزوّدة بصواريخ بعيدة المدى، ورادارات حديثة، وقدرات حربية الكترونية، وتزن حوالي 1400 طن. وأوضحت مصادر عسكرية إيرانية أن «جمران» مدمّرة متعدّدة المهامّ، ويمكنها أن تقل طاقماً من 120 إلى 140 شخصاً، إلى جانب أنواع عدّة من الصواريخ المضادة للسفن، وصواريخ أرض جوّ، وطوربيدات، ومدفعيات بحرية حديثة، كما أنّها مجهزة بجسر للمروحيّات. راجع: موقع إذاعة النور، بتاريخ: 20/2/2010م، www.alnour.com.lb/newsdetails.php?id=8187
([32]) راجع: موقع قناة الجزيرة على الإنترنت، بتاريخ: الجمعة 5/3/1431هـ ـ الموافق19/2/2010م:
www.aljazeera.net/NR/exeres/19A57FBC ـ 38B1 ـ 4C76 ـ 8D6D ـ 1F5174CACD5F.htm
([33]) راجع: موقع جريدة الوسط على الإنترنت، بتاريخ: 19 ـ 2 ـ 2010:
www.el ـ wasat.com/details.php?id=55576676
([34]) راجع: نداء السيد الخامنئي للمؤتمر الدولي لنـزع السلاح النووي. وقد سُجِّل هذا النداء كوثيقة رسمية في الأمم المتحدة، بتاريخ: 23/4/2010م، وهو ذو أهمية بالغة، ولا سيّما أنّه صدر من مرجع ديني شيعي، وقائد الثورة الإسلامية في إيران، الوليّ الفقيه في هذا الزمن، وأنّه لا يعبِّر فقط عن وجهة نظر، بل عن رؤية وعقيدة أسَّست لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تميَّزت بنظامها السياسي عن الأنظمة السياسية الأخرى المعاصرة، فلا هو نظام رئاسي، ولا هو نظام شبه رئاسي، ولا هو نظام برلماني، ولا هو نظام مَلَكي يُتوارث.
([35]) الأمين العام لحزب الله، وقائد المقاومة الإسلامية في لبنان.
([36]) تصريح لسماحته في خطابٍ ألقاه بمناسبة إحياء يوم القدس العالمي، في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، للعام 1430هـ، الموافق في 18/9/2009م.
([37]) كان السمّ يستخدم في الحروب القديمة؛ وذلك إمّا عن طريق إلقائه في مياه الأعداء، أو على ثمارهم، أو مخازن الطعام لديهم، وذلك بأسلوب خفيّ.
([38]) صرَّح سماحته في خطابه، الذي ألقاه بمناسبة إحياء يوم الشهيد، في 11/11/2009م. راجع:
www.moqavemat.ir/?lang=ar&state=showbody_news&row_id=56013
([39]) الحدائق الناضرة 3: 123.
([40]) وقياس الأولوية هو ما كان اقتضاء الجامع فيه للحكم بالفرع أقوى منه في الأصل. ومثاله: ما ورد في الكتاب من النهي عن التأفُّف من الوالدين، القاضي بتحريم ضربهما، وتوجيه الإهانة إليهما. راجع: محمد تقي الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن: 302 ـ 303، ط4، بيروت ـ لبنان، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1422هـ ـ 2001م.
([41]) فهي كصيغة «افعل»، نحو «اذهب»، و«صَلِّ»، و«صُم»، و«جاهد»، تؤدّي مؤدّاها في الدلالة على الطلب والبعث.
([42]) محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول ـ مع المعالم الجديدة: 287 ـ 288، ط1، لبنان ـ بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1410هـ ـ 1989م.
([43]) أبو حيَّان الأندلسي، تفسير البحر المحيط: 506 ـ 509، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، ط1، لبنان ـ بيروت، دار الكتب العلمية، 1422هـ ـ 2001م.
([44]) راجع موقعه على الإنترنت:
([45]) راجع: موقع قناة المنار بتاريخ: 21/12/2009م، وكلمته التي ألقاها في الليلة الخامسة من ليالي محرم الحرام، في مجمع سيد الشهداء، في ضاحية بيروت الجنوبية:
www.almanar.com.lb/NewsSite/NewsDetails.aspx?id=116350&********=ar
([46]) محمد الريشهري، ميزان الحكمة 2: 1339، ط1، إيران ـ قم، دار الحديث للطباعة والنشر، 1416هـ.
([47]) والأرق: الذي لا ينام. ومثل قوله×: «مَنْ نام لم ينم عنه». (راجع: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 17: 225 ـ 226، ط2، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، قم ـ إيران، دار إحياء الكتب العربية، 1965م ـ 1387هـ).
([48]) أحد مراجع التقليد الشيعة في النجف الأشرف.
([49]) استفتاء أرسل إلى سماحته من لبنان إلى العراق، بتاريخ: 21 ذو الحجّة 1428هـ، وقد أجاب عليه بتاريخ: 13 محرم 1428هـ.
([50]) أحد الفقهاء الشيعة البارزين في مدينة قم المقدسة، في إيران.
([51]) فتوى للشيخ گرامي، أطلقها في مقابلة علمية أجراها معه مُعِدُّ البحث في مكتبه، في مدينة قم المقدسة، بتاريخ 14/1/2008م.
([52]) فتوى: امتلاك الأسلحة النووية «واجب» القاهرة ـ خاص ـ إسلام أون لاين ـ نت، 23/12/2002م.
([53]) من علماء أهل السُّنَّة المعاصرين، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المركز الأوروبي للبحوث والإفتاء.
([54]) راجع: موقع القرضاوي على الإنترنت:
www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=7287&version=1&template_id=119&parent_id=13.
([55]) أستاذ الفقه، وأصوله، في الجامعة الأردنية.
([56]) نقلاً عن موقع إسلام أون لاين ـ نت.
([57]) من كبار فقهاء السُّنَّة البارزين في سوريا.
([58]) ورد ذلك في ردٍّ على سؤال وَجَّههُ إليه مُعِدُّ الرسالة، حول جواز أو حرمة صنع واستعمال أسلحة الدمار الشامل ضد الأعداء، في حالتي الجهاد الدفاعي أو الابتدائي، وذلك ضمن أعمال المؤتمر الدائم للمقاومة، وفي ندوة تحت عنوان: «أخلاقيات، وآداب، الجهاد في القرآن، والسُّنَّة»، بتاريخ: الثلاثاء 16/12/2008م، في القاعة الثقافيّة لمعهد المعارف الحكمية، في بيروت، حارة حريك، الشارع العريض، سنتر صولي.
([59]) محمد سعيد البوطي، الجهاد في الإسلام: كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟: 316 ـ 317، ط2، دمشق ـ سوريا، دار الفكر، 1997م.
([61]) أستاذ القانون الدولي العام في كلية الحقوق في جامعة القاهرة.
([62]) إسلام أون لاين ـ نت ـ اسألوا أهل الذكر.
([63]) من كبار فقهاء السُّنَّة في السعودية، له رسالة في حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الكفّار، كتبها في شهر ربيع الأول 1424هـ، ونشرها على الإنترنت.
([65]) محمد رضا المظفَّر، أصول الفقه ـ في مباحث الألفاظ، والملازمات العقلية، ومباحث الحجة، والأصول العملية: 275 ـ 276، تحقيق: عباس علي الزارعي السبزواري، ط6، إيران ـ قم، مؤسسة بوستان كتاب، 1380هـ.ش.