الشيخ مجيد شاكر سلماسي(*)
ترجمة: السيد حسن علي البصري
مقدّمة
إن من الأنشطة المنافية للأخلاق وحقوق الإنسان، والتي تمثّل تحدّياً للإنسان المعاصر، ما يُسمى بظاهرة تهريب البشر([1])، والاتّجار بهم، وخاصّة النساء والأطفال. وقد عُرِف بعبوديّة العصر الحديث([2]). وبالالتفات إلى الأهمية التي يوليها الشرع الإسلامي المقدَّس لحرّية الإنسان وقيمته وكرامته نسعى في هذا التحقيق إلى دراسة هذه الظاهرة من زاويةٍ إسلامية.
لم يفرد عنوان مستقلّ لظاهرة تهريب البشر والاتّجار بهم في الفقه الإسلامي، ولكنه عدّ عملاً محرَّماً في إطار بيع الحُرّ، ضمن بحث المكاسب المحرّمة([3]). وقد رتب العلاّمة الحلّي في كتابه تحرير الأحكام على بيع الحرّ (الاتّجار بالبشر)، بالإضافة إلى الحرمة التكليفية، حكماً وضعياً أيضاً([4]). وذهب أبو الصلاح الحلبي إلى وجوب قطع يد مَنْ يرتكب جريمة بيع الحُرّ (الاتّجار بالبشر)([5])؛ لا بسبب السرقة، بل للفساد في الأرض([6]).
ومضافاً إلى ذلك فإن الاتّجار بالبشر، بالإضافة إلى كونه من مصاديق بيع الحُرّ، يدخل أيضاً تحت عنوان القيادة، وإشاعة الفحشاء، والمحاربة أيضاً. وكلّ واحدٍ من هذه العناوين يعدّ باباً مستقلاًّ من أبواب الحرام. وبالإضافة إلى الضمان، والحرمة التكليفية والوضعية، فإنّه يستوجب الحدّ والتعزير، بل القتل في بعض الموارد.
أسئلة البحث
1ـ ما هو حكم الاتّجار بالبشر في التعاليم الإسلامية؟
2ـ ماذا يعني الاتّجار بالبشر؟
3ـ ما هي أسباب وأهداف الاتّجار بالبشر؟
فرضية البحث
سنبحث في هذه الرسالة عنوان الحدّ أو التعزير للاتّجار بالبشر في الشريعة الإسلامية. وستكون لنا جولة على أحكام الاتجار بالبشر في الشريعة الإسلامية (لمختلف المقاصد والغايات).
يدخل الاتجار بالبشر ضمن المكاسب المحرّمة في الفقه الإسلامي؛ إذ يدخل تحت عناوين: القيادة، والإفساد في الأرض، وإشاعة الفحشاء، وضمان الحُرّ، ويكون فاعله مستحقّاً للحدّ والتعزير، بل القتل في بعض الحالات، كما إذا كان من مصاديق المحاربة.
أهداف البحث
يهدف هذا المقال إلى دراسة ظاهرة الاتجار بالبشر في إطار الجريمة المنظمة، بالاستناد إلى المصادر الفقهية والحقوقية، والعمل على الحدّ منها؛ من خلال رفع مستوى الوعي لدى الناس، ضمن بحث نقاط الضعف المحتملة في القوانين ذات الصلة بهذه الظاهرة.
سابقة البحث وميزته
تقدّم أن بحث الاتجار بالبشر لم يرِدْ في الكتب الفقهية ضمن هذا العنوان الصريح، وإنما جاء تحت عناوين أبواب ذات صلة بهذا الموضوع، من قبيل: القيادة، وإشاعة الفحشاء، وضمان الحُرّ، وبيع الحُرّ. ويمكن أن يكمن امتياز هذا البحث في أن الرؤية التحقيقية لهذه الظاهرة رؤية فقهية ودينية، في حين أن سائر البحوث المنجزة في هذا الحقل الهامّ، والذي يحتاج إليه المجتمع حاجة ماسّة، رغم كل الامتيازات والحسنات، قد اقتصرت على البُعد الحقوقي من المسألة في مقرَّرات الجمهورية الإسلامية والقوانين الدولية، ودرست في الغالب نقاط الضعف والنواقص والموانع العملية لهذه القوانين؛ من أجل الحيلولة دون هذه الجرائم العالمية. وإذا تمّ إنجاز دراسة تبحث في رؤية الإسلام فإنها تقتصر على جانبٍ من الاتجار بالبشر، من قبيل: الدراسات التي أنجزت بشأن الاتّجار بالنساء لغايات مثل الدعارة وما إلى ذلك. والامتياز الآخر لهذا البحث يمكن أن يكون في دراسة حجم التناغم بين الأحكام الإسلامية والقوانين الوضعية.
تطبيقات البحث
يمكن تطبيق هذه الدراسة في جميع المراكز والمؤسسات العلمية والثقافية والقضائية والعسكرية، التي يكون لها دورٌ ما في الحيلولة دون وقوع هذه الجرائم الشاملة.
ضرورة البحث
إن مجاورة إيران الإسلامية لبلدان مثل أفغانستان وباكستان وتركيا ودول الخليج العربية ـ التي غالباً ما يتمّ تهريب النساء والفتيات إليها بعد إغرائهنّ بوعود كاذبة ـ جعلت من إيران قنطرة للقيام بأعمال تجارة البشر بين هذه البلدان، الأمر الذي أدى إلى تحمّل أثمان باهظة؛ بسبب مراقبة هذه الظاهرة ومكافحتها. كما تمّت الإشارة إلى ما يترتَّب على هذه الظاهرة من التبعات المأساوية، من قبيل: العنف ضد المرأة، وسقوط القيم الدينية والأخلاقية، وانهيار قيم الإنسان وكرامته، وانتهاك حقوق الضحايا، والابتلاء بمختلف الأمراض المعدية وانتشارها في العالم، وشيوع الأمراض والاضطرابات النفسية والروحية، والمشاكل الاجتماعية [والاقتصادية]، من قبيل: غسيل الأموال، وتزوير النقود، واهتزاز بناء الأسرة، واختلال النظام الاقتصادي، وانهيار منظومة الأمن الاجتماعي، واستغلال الطاقات واستثمارها.
المفاهيم
التهريب لغةً يعني نقل بضاعة محظورة من بلدٍ إلى آخر، أو تلك التي يمنع التعامل عليها من قبل الدولة المانعة([7]).
يطلق التهريب على تداول البضائع بين بلدين دون سند قانوني؛ أو أنه يطلق على اجتياز شخص للحدود دون أن يحمل جوازاً أو إذْناً في ذلك. كما يُطلق أيضاً على تهرّب الموظَّف وغيابه عن الدائرة في الوقت الإداري، أو التهرُّب من أداء الخدمة العسكرية([8]).
يطلق التهريب على بيع وشراء البضائع الممنوعة والمحظورة، والتي لا تحظى بغطاءٍ قانوني([9]).
يطلق عنوان المهرِّب على الشخص الذي يقدم على إدخال بضاعة ممنوعة أو يتعامل بها دون الحصول على إذْن الدولة، ودون دفع المكوس([10]).
التهريب: نقل البضاعة من بلدٍ إلى بلدٍ آخر خفيةً([11]).
وقد عرّف التهريب في المصطلح القانوني والحقوقي بأنّه: نقل البضائع من نقطة إلى نقطة أخرى، سواءٌ أكان ذلك يتمّ ضمن البلد الواحد ـ التهريب الداخلي ـ أو عبر بلدين مختلفين ـ التهريب الخارجي ـ، بشكل يخالف القوانين الخاصّة بنقل البضائع، بحيث يعتبر هذا العمل انتهاكاً للقوانين([12]).
وأما تعريف الإنسان فهو يشكِّل تحدّياً جدّياً للعلوم الإنسانية. وفي هذا المجال سنعمد إلى تعريف الإنسان لغةً واصطلاحاً، بقطع النظر عن المفاهيم الفلسفية والعرفانية بشأن الإنسان، وبغضّ النظر عن التعاليم القرآنية والروائية بشأن هذا الكائن، مقتصرين في ذلك على ما هو الضروري؛ رعاية للاختصار:
الإنسان مأخوذ في الأصل من الإنس، أُضيفت له الألف والنون، وهو مأخوذٌ من مفردة الأُنس (بضمّ الألف)، والتي تعني الألفة والظهور. وهناك مَنْ قال: إنّه مأخوذ من النسيان([13]). وهناك مَنْ قال: إنّ الإنسان هو الكائن الناطق([14]). وهناك مَنْ فسّره بـ «الحيوان الناطق» ([15]).
أما الإنسانية فهي مصدر جعلي، أو اسم مصدر([16]). وقيل: إنه مصدر جعلي بمعنى حبّ الناس، والتحلّي بالأخلاق الإنسانية الحسنة([17]).
لقد وردت كلمة الإنسان في القرآن الكريم (65) مرّة. وإننا إذا ألقينا نظرة عابرة على مجمل الآيات المشتملة على مفردة الإنسان، سندرك أن المراد ليس هو الصورة الظاهرية للإنسان. وهكذا الأمر بالنسبة إلى مفردة البشر. وإنما المراد هو الفطرة والقابلية والإنسانية والمشاعر والعواطف الكامنة في باطنه. وإليك جانباً من هذه الآيات:
ـ ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم: 34).
ـ ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾ (الإسراء: 11).
ـ ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ (الكهف: 54).
ـ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ (النجم: 39).
ـ ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً﴾ (الأحقاف: 15).
وقد عُرّف الإنسان في علم المنطق بأنه: «حيوان ناطق» ([18]).
ليس من الممكن إبداء تعريف دقيق لمفهوم تهريب الإنسان والاتّجار بالبشر. ولكنْ يمكن من خلال التدقيق في القوانين الوضعية التوصّل إلى مفهوم للاتجار بالبشر؛ فإنّ هذه الظاهرة المستحدَثة لم تبحث في المصادر الروائية والفقهية الإسلامية، حتّى يمكن تقديم تعريف فقهي أو ديني لها. وإذا أردنا أن نعتمد في بحثنا عن ظاهرة الاتّجار بالبشر على المصادر الفقهية والروائية وجب علينا البحث في تضاعيف أبواب ومسائل، من قبيل: بيع الحُرّ، والقيادة، وإشاعة الفحشاء، والتدليس، وضمان أعمال الأشخاص المستوفاة، وبيع وشراء أعضاء الإنسان.
جاء في المادة الأولى من قانون مكافحة الاتجار بالبشر في النظام الحقوقي لإيران (عام 1383هـ.ش) تعريف الاتجار بالبشر على النحو التالي: إخراج أو إدخال الفرد أو الأفراد أو الاجتياز بهم عبر دولة ثالثة بشكلٍ قانوني أو غير قانوني، قَسْراً وإكراهاً، أو تحت ضغط التهديد، أو الخديعة والاحتيال، أو من خلال إساءة استغلال القدرة أو السلطة أو الموقع، أو إساءة استغلال ضعف الضحية؛ من أجل ممارسة الفحشاء، أو التّجارة بالأعضاء والجوارح، أو الاستعباد، أو الزواج.
أهداف تهريب الإنسان والاتّجار بالبشر
إذا أردنا التوصّل إلى الحكم الفقهي للاتجار بالبشر، وبيان القوانين ذات الصلة بهذه الظاهرة، وجب علينا النظر في أهداف وغايات هذه الظاهرة؛ إذ من غير الميسور لنا بيان الحكم الفقهي للاتجار بالبشر دون معرفة الأهداف والغايات المترتِّبة على هذه المسألة.
إن المراد من أهداف الاتجار بالبشر هو أن نعرف الغاية التي تتمّ من أجلها هذه العملية، والهدف الذي يضمره المهرِّبون، والأرباح والمنافع التي يحصلون عليها من وراء قيامهم بهذه التجارة.
يمكن بحث أهداف الاتجار بالبشر ـ بالنظر إلى نوعية الضحايا لهذه التجارة المستحدَثة ـ ضمن قسمين، وهما: الاتّجار بالأطفال، والاتّجار بالنساء والرجال؛ لأن الاتجار بالبشر إمّا أن يكون لأجل بيع الجسد، والإكراه على مزاولة الأعمال الشاقة، والزواج القَسْري؛ أو لغاية بيع الأعضاء، وعمليّات التبنّي الزائفة.
تهريب الأطفال والاتّجار بهم
إن الأطفال؛ بالنظر إلى سنّهم وأعمارهم الصغيرة، هم أكثر من غيرهم عرضةً للمخاطر. وإنّ ظاهرة الاتجار بالأطفال تهدِّد أمنهم وأمن أُسَرهم، بحيث تحوَّلت ظاهرة الاتجار بالأطفال، وتهريبهم، إلى كابوسٍ دائم يخيِّم على أهلهم. ولذلك يتمّ طرح ظاهرة الاتجار بالأطفال بوصفها تهديداً للأمن.
ويمكن بيان الأهداف والغايات التي ينشدها المهرِّبون من وراء الاتجار بالأطفال ضمن الموارد التالية:
1ـ استئصال أعضائهم وبيعها
المراد من أعضاء البدن أجزاء خاصّة منه، وليس كلّ عضو. فالمراد هو خصوص العضو الذي يؤدّي وظيفة مستقلّة([19]).
إن أغلب ضحايا هذا النوع من التجارة هم من الأطفال الذين حُرموا من الرعاية، أو الذين فقدوا أولياء أمورهم، فإنّ هؤلاء يشكِّلون لقمة سائغة للمهرِّبين؛ إذ ليس هناك مَنْ يسأل عن مصيرهم أو يشعر بغيابهم. ويسعى المهرِّبون؛ تحت ذريعة حرمانهم من نعمة الأبناء، إلى تبنّيهم، وبذلك يتوصَّلون إلى غاياتهم ومقاصدهم الخبيثة.
2ـ الإكراه على ممارسة الأعمال الشاقّة والأنشطة المحظورة
في هذا النوع من أعمال التهريب والاتجار بالأطفال يُكرَه الأطفال على ممارسة الأعمال الشاقّة، من قبيل: الخدمة في المنازل والمصانع والمطاعم، أو ممارسة الأعمال المحظورة، من قبيل: الاستجداء والتسوّل، أو بيع المخدِّرات، أو السرقة، وقطع الطرق، أو استخدامهم بأجورٍ زهيدة، أو اتّخاذهم في أعمال السُّخرة، في قبال إطعامهم وإسكانهم في أماكن بائسة فقط.
إن الأطفال الذين يُكرَهون على القيام بمثل هذه الأعمال يتعرَّضون إلى أضرار روحية وجسدية كبيرة، تهدِّد سلامتهم النفسية والبدنية، وبالتالي فإنّ ذلك سيؤثِّر على مستقبلهم، ويعرِّضه للخطر.
3ـ التبنّي
لا شكّ في أن تبنّي الأيتام يشتمل على فوائد كبيرة، يمكن النظر إليها من مختلف الأبعاد والزوايا. فإنّ أصل هذه المسألة لا يمكن أن يُنكَر. إلاّ أن المشكلة تبدأ عندما تتحوّل هذه الظاهرة إلى تجارة يغتنمها المجرمون لغايات ربحيّة واستثمارية، حيث يعمدون إلى شراء الأطفال المشرَّدين؛ لبيعهم بأسعار كبيرة للأثرياء والمتمكِّنين؛ بغية استعبادهم، ممّا يعيد ظاهرة الرقّ والاستعباد البغيض إلى الوجود مرّة أخرى.
إن هذا النوع من الاتجار بالأطفال، الذي يتمّ تحت ذريعة التبنّي، هو في حقيقته نوعٌ من أنواع الاتجار بالأطفال، يتمّ فيه بيع الضحايا من قبل العصابات المستثمرة إلى الأثرياء والمتمكِّنين.
الاتّجار بالنساء والرجال
إن الاتجار بالنساء والرجال من الآفات الاجتماعية التي أوقعت الكثير من الأفراد في أودية البؤس والشقاء، على المستوى الفردي والاجتماعي.
إن الاتجار بالنساء والرجال أدّى بالكثير من الرجال والنساء ـ الذين يرومون الخلاص من الفقر والعناء، والذين ينشدون حياة أفضل ـ إلى الجلاء عن أوطانهم، دون أن يتوصَّلوا إلى تحقيق غاياتهم، بل أدّى ذلك بهم إلى الوقوع في مزيد من المشاكل الأخرى، التي لا يجدون لأنفسهم خلاصاً منها.
إنّ الكثير من هؤلاء الرجال والنساء الذين يقعون في مصائد تجار البشر إنما يقصدون الحصول على عملٍ يضمن لهم أجوراً نسبية، تمكِّنهم من انتشال أنفسهم وأُسَرهم من مستنقع الفقر والشقاء، ولكنَّهم بدلاً من ذلك يقعون أسرى تحت رحمة العصابات المنظَّمة التي تمارس الاتجار بالبشر، وبذلك يواجهون مصيراً أسوأ من المصير الذي كانوا عليه قبل أن يتركوا بلدانهم إلى البلدان الأخرى.
وإن الأهداف التي تترتَّب على ظاهرة الاتجار بالنساء والرجال عبارة عن:
1ـ الإكراه على ممارسة الأعمال الشاقّة والأنشطة المحظورة
كما تقدَّم فإن من الأهداف الرئيسة والمربحة التي تحفِّز البعض وتدفعهم نحو ممارسة هذا النوع من التجارة المشؤومة إجبار النساء والرجال ـ وخاصّة الرجال ـ على ممارسة الأعمال الشاقّة، والأنشطة المحرَّمة والمحظورة، مقابل أجور زهيدة. ويمكن التمثيل للأعمال الشاقة والخطيرة بالأعمال التي يقوم بها الأفراد على مدار الساعة، والعمل في المصانع التي يرتفع فيها احتمال الخطر؛ وأمّا الأنشطة المحظورة فهي من قبيل: تهريب المخدِّرات، والسطو المسلَّح، واقتحام المنازل عنوةً، ممّا يمارسه الرجال غالباً.
2ـ الاستثمار الجنسي
يُعدّ الاتّجار بالنساء، وتهريبهنّ بهدف الاستثمار الجنسي، من أكثر أنواع التجارة المحظورة ربحاً في العالم. وهو يصنَّف بوصفه واحداً من أنواع الجريمة المنظَّمة.
وفي هذا النوع من التهريب والاتجار المحظور يتمّ إكراه النساء المهرَّبات على ممارسة العهر والفجور، والسياحة الجنسيّة. ويتمّ تحفيز بعض النساء على الهجرة ومغادرة الوطن تحت ذريعة القيام بأعمال الخِدْمة في البيوت، أو العمل في الحقول الزراعية، أو الحلاقة والزينة، أو الضيافة في المطاعم، لينتهي بهنَّ المطاف إلى الوقوع في أَسْر هذه المافيات والعصابات التي تستثمرهنّ جنسيّاً.
3ـ الزواج القَسْري
إن الزواج القسري هو عبارة عن: عقد الزواج الرسمي الذي يتمّ فيه تجاهل رضا وإرادة أحد طرفي الزواج، أو كلاهما. ولكي يتمّ هذا العقد تمارس جميع أنواع الضغط والإكراه النفسي والجَسَدي([20]).
ذهب الفقهاء إلى بطلان هذا النوع من الزواج؛ لأنه يفتقر إلى رضا الطرفين، أو أحدهما([21]). وتأتي هذه الفتوى من قبل هؤلاء الفقهاء في سياق اشتراط رضا الفتاة في جواز العقد بعد إذن والدها.
وينبغي الالتفات إلى أنّه في الكثير من حالات الزواج القَسْري في بحث ظاهرة الاتجار بالبشر يكون العقد أو تسجيل الزواج في الدوائر الرسمية لمجرّد التبرير وذرّ الرماد في العيون، ويبقى الهدف الرئيس منه هو إساءة الاستغلال، ويكون المراد الحقيقي هو الاستغلال الجنسي من قبل شخص المشتري. وفي هذا النوع من الاتّجار بالنساء والزواج القَسْري يتمّ إكراه النساء والفتيات على الزواج، ليواصِلْن حياتهنَّ خادمات في البيوت، وبالإضافة إلى حرمانهنَّ من الحياة الزوجيّة البسيطة العامرة بالألفة والمحبة يتحوَّلن إلى مجرَّد بضاعةٍ وأداة بيد ما يسمّى (أزواجهنَّ).
قاعدة تجريم الاتجار بالبشر من الناحية الفقهية
إن بيان أسس مخالفة التعاليم الدينية لظاهرة الاتجار بالبشر لمختلف الأهداف والمقاصد والغايات تكشف عن رؤية الإسلام حول هذه الظاهرة. ومن الواضح أن التعاليم الإسلامية في نظرتها إلى الإنسان ـ بغضّ النظر عن وصفه في المجال العرفاني ـ تشجب وتكافح بشكلٍ خاصّ كلَّ ما من شأنه تجاهل شأنيّته وحيثيّته وكرامته، من قبيل: اعتباره مجرد بضاعة صالحة للاستهلاك. ولذلك فإن التعاليم الإسلامية تخالف الفحشاء والمنكرات بشدّة. وهناك آياتٌ في القرآن الكريم صريحة في شجب واستنكار وتقبيح الفواحش، وتنهى عنها، من قبيل قوله تعالى:
ـ ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90).
ـ ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 28).
إن إشاعة الفحشاء في المجتمع الإسلامي تعتبر أشدّ قبحاً بالقياس إلى ممارسة الفحشاء نفسها؛ إذ يرى الإسلام أن إشاعة الفحشاء هي رسالة الشيطان، ومن الأعمال الشيطانية([22]). كما نهَتْ التعاليم الإسلامية بشدّة عن إكراه الإماء والجواري على الزنا؛ بهدف الحصول على الأرباح([23]). وإن الإسلام لا يكتفي بشجب واستنكار الفحشاء وشيوعها في المجتمع الإسلامي فحَسْب، بل إنّه يستنكر حتّى الرغبة القلبية وإظهار المَيْل إلى ذلك. وقد بيَّن القرآن هذا الأمر من خلال قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19).
1ـ الكرامة الإنسانية
قال الله تبارك وتعالى، في محكم كتابه الكريم، في كرامة الإنسان:
ـ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70).
ـ ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (المؤمنون: 14).
ـ ﴿اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (غافر: 64).
ويتَّضح من خلال هذه الآيات أن الكرامة الإنسانية في القرآن الكريم تعتبر من التعاليم والمفاهيم الإسلامية، وأنّ التعاليم الدينية تكافح وتشجب وتحرِّم جميع أنواع السلوك أو الأعمال التي تنافي الكرامة الإنسانية، بما في ذلك الاتجار بالبشر.
2ـ إشاعة الفحشاء والدعارة
ليس هناك من شكٍّ في أن المجتمعات على اختلافها لا تسيغ التهتُّك والانحراف عن الفطرة والطبيعة الإنسانية، ولا تستوعب إشاعة الفحشاء؛ لأنّ هذه الأمور من شأنها أن تعرِّض أمن المجتمع والأسرة والفَرْد إلى الخطر. ومن هنا نجد القرآن الكريم يقول:
ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19).
ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور: 21).
ـ ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ (يوسف: 24).
ـ ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾(النساء: 15).
ـ ﴿وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ (النساء: 22).
ـ ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ (الإسراء: 32).
وليس هناك من شكٍّ في أنّ من أهمّ الأهداف الكامنة وراء الاتجار بالبشر هو استثمار الإنسان في المآرب الجنسيّة. وإن هذا الهدف، الذي يأتي في إطار الفحشاء وإشاعتها، يخالف الإسلام؛ فإن الإسلام الذي يقوم على أساسٍ من الأخلاق([24]) لا يجيز حدوث الأعمال والممارسات المنافية للأخلاق في المجتمع.
3ـ حرية الإنسان
إن الإنسان بحسب تكوينه وخلقته كائنٌ حُرّ. ولازم هذه الحرية التكوينية الحرية التشريعية (القانونية)، بمعنى أن الإنسان في حياته الاجتماعية يتشبَّث بحريته القانونية، ويختار لنفسه ما يناسبها من أنواع وأساليب الحياة الاجتماعية، ويسلك السلوك الذي يراه مناسباً له، وليس لأحدٍ من أبناء جِلْدته أن يمنح لنفسه الحقّ في استعباده، أو امتلاك إرادته.
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ﴾ (آل عمران: 79).
إن الإسلام يرى أنّ الحرّية حقٌّ فطري ومشروع للإنسان، ولا يحقّ لأحدٍ أن يسلب الإنسان هذا الحقّ([25]).
ورُوي عن الإمام عليّ× أنه قال: «إنّ الناس كلّهم أحرار، إلاّ مَنْ أقرَّ على نفسه بالعبوديّة»([26]).
إن الإسلام؛ حيث يدافع عن الحرّية الذاتية للإنسان، فإنه يخالف أيّ نوع من أنواع الاستثمار والاستعمار للناس. وحيث إن الاتجار بالبشر من أتمّ وأكمل أنواع الاستعمار والاستثمار للناس فإنه سيكون من أبرز المصاديق المخالفة لحرّية الإنسان، وسيكون في مقدّمة الأمور التي تخالف التعاليم الإسلامية، وستكون حرّية الإنسان قاعدة وأساساً لمعارضة الإسلام ظاهرة الاتّجار بالبشر.
تطبيق العناوين الفقهية على ظاهرة الاتجار بالبشر
تقدَّم أنّ الاتجار بالبشر من الظواهر والمسائل المستحدَثة، والتي لم يسبق لها الظهور بشكلها الراهن، ولذلك لم يتمّ بحثها ضمن الأبواب والعناوين الفقهية والروائية تحت عنوان الاتّجار بالبشر بشكلٍ مستقلّ. وعليه يجدر بنا قبل الدخول في تفاصيل المسألة في الأبحاث الفقهية، وبيان أحكامها، أن نعمل على اقتناص جملةٍ من العناوين الفقهية من تضاعيف الروايات وفتاوى العلماء المتقدِّمين، وتطبيقها على ظاهرة الاتجار بالبشر.
1ـ بيع وشراء الإنسان
إنّ أوّل عنوان فقهي يمكن تطبيقه على جريمة الاتجار بالبشر هو عنوان بيع وشراء الإنسان.
فقد ورد في الأحاديث الشريفة اعتبار بيع وشراء الإنسان من الذنوب الكبيرة التي لا تغتفر، بل تمَّ التصريح فيها بعدم قبول توبة مَنْ يرتكب هذه العملية الشنيعة.
ومن الروايات الواردة في هذا الشأن:
1ـ رُوي عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «إنّ الله يغفر كلّ ذنب يوم القيامة، إلاّ… مَنْ باع حُرّاً»([27]).
2ـ ورُوي عن الإمام الرضا× أنّه قال: قال رسول الله|: «إنّ الله غافر كلّ ذنب، إلاّ مَنْ أحدث ديناً، ومَنْ اغتصب أجيراً أجره، أو رجل باع حُرّاً»([28]).
3ـ ونُقل عن رسول الله| أنّه قال: «لا توبة لمَنْ باع حُرّاً حتّى يردّه حُرّاً على ما كان»([29]).
وجاء في بعض الروايات أنّ الله خصمٌ لمَنْ يشتري ويبيع الإنسان [الحُرّ].
فقد رُوي عن رسول الله| أنّه قال: «ثلاثة أنا خصيمهم يوم القيامة: رجلٌ باع حُرّاً فأكل ثمنه، ورجل…الحديث»([30]).
وجاء في بعض الروايات أن أمير المؤمنين× قطع يد رجلٍ عمل في بيع وشراء الإنسان. فقد رُوي عن الإمام الصادق× أنه روى عن أمير المؤمنين عليّ× قائلاً: «إن أمير المؤمنين× أُتي برجلٍ قد باع حُرّاً فقطع يده»([31]).
وجاء في تحرير الأحكام: «بيع الحُرّ حرام، وكذا أكل ثمنه، وثمن ما ليس بمملوك للإنسان، ولا يصحّ تملُّكه»([32]).
وطبقاً لفتاوى بعض الفقهاء لا يكون الإنسان ممّا يُتموَّل، وعليه لا يمكن اعتباره بضاعةً يمكن أن تدخل في عملية البيع والشراء([33]).
وفي جامع المدراك عُدّ شراء الإنسان وبيعه من المكاسب المحرَّمة، وثمنه سُحت، ويستحق مرتكبه الحدّ بقطع اليد. ودليل هذا الحكم هو دفع الفساد؛ ورواية السكوني وسنان بن طريف عن الإمام الصادق([34]).
يعتبر الاتّجار بالبشر في بعض الموارد بَيْعاً وشراءً للإنسان. ففي مورد الاتجار بالأطفال تحت غطاء التبنّي الزائف نشهد عملية بيع وشراء واضحة للإنسان الحُرّ. وهكذا الأمر بالنسبة إلى تهريب الضحايا من أجل استثمارهم في أعمال السخرة، أو الأعمال الشاقّة، أو الاستغلال الجنسي، وبيعهم لعصابات الدعارة أو تجّار المخدِّرات.
2ـ استئصال وبيع أعضاء الإنسان
إن من أهداف الاتجار بالبشر استئصال أعضاء من جسد الضحية وبيعها. وقد ورد بحث قطع أعضاء جسم الإنسان، حيّاً كان أو ميتاً، في النصوص الروائية والفقهية.
وقد نهَتْ الآيات والروايات بشدّة عن أيّ عملٍ يؤدّي إلى الموت، أو إلى الإضرار بالنفس، بما في ذلك استئصال أعضاء من جسم الإنسان. ومن هذه النصوص:
1ـ ما جاء في القرآن الكريم:
ـ ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾(البقرة: 195).
ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾(النساء: 29).
ـ ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(الأنعام: 151).
2ـ ما جاء في الروايات:
ـ رُوي عن الإمام الصادق× أنّه قال: «مَنْ قتل نفسه متعمِّداً فهو في نار جهنم خالداً فيها»([35]).
بل جاء في بعض الروايات النهي عن قطع واستئصال أيّ عضو من أعضاء البدن، وإنْ لم يضرّ بالنفس، وكان الجسد لميْتٍ. وتجب الدية على مرتكب هذا العمل. فقد أوجب الإمام الصادق× الدية على مَنْ يحتز رأس الميْت([36]).
لا يجوز في الفقه الإسلامي استئصال عضوٍ من ميت، ووصله بجسد المسلم الحيّ، إلاّ إذا توقَّفت حياته على ذلك([37]). وذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنّ دليل جواز استئصال العضو من جسم الحَيّ إنّما يصحّ إذا اعتبرنا أولويّة وضرورة حياة المسلم وتوقُّفها على ذلك العضو([38]).
قال الفقهاء: إذا كان العضو المستأصَل من جسم الحيّ؛ لوصله بجسم إنسان آخر، من الأعضاء التي تتوقَّف عليها الحياة، مثل: القلب؛ أو المخّ، فإن استئصاله محرَّم، حتّى لو رضي صاحب العضو بذلك، ويكون مصداقاً للانتحار المحرَّم([39]). وأما إذا أدى استئصال العضو إلى الإضرار الكبير والفادح على الجسم فقد ذهب أغلب الفقهاء إلى حرمته، واعتباره مصداقاً للإضرار بالنفس([40]). وعليه إذا لم يضرّ التبرّع بالعضو بسلامة المتبرّع، وتوقَّفت حياة المسلم عليه، ولم يمكن علاجُه بطريقٍ آخر، من قبيل: التبرُّع بكلية لمَنْ يحتاج إليها، فليس هناك خلافٌ كبير في جوازه([41])، بشرط أن يكون ذلك برضا المتبرِّع([42]).
وكما سبق أنْ أشرنا فإنّ من جملة الأهداف في تجارة البشر قطع الأعضاء من أجسام الضحايا، وتكون في العادة دون رضا أصحابها، وتؤدِّي في الكثير من الأحيان إلى موتهم.
3ـ الزواج القَسْري والتدليس فيه (الزيجات القَسْرية أو المقرونة بالخداع والاحتيال)
إن مسألة اشتراط الرضا في الزواج تعني وجوب حصول الرضا من الطرفين في عقد النكاح، وأن يكون عقد الزواج مقروناً باختيار الزوجين، وإرادة حُرَّة ومستقلّة منهما.
إن من مبطلات عقد النكاح التدليس. والتدليس عبارة عن كلّ قولٍ أو فعل يستوجب الخديعة، أو الإضرار بأحد الزوجين([43]).
وقال بعضٌ: إن الخداع في الزواج (التدليس) بمعنى إثبات بعض الصفات المرغوبة، أو نفي بعض الصفات المذمومة، بشكلٍ كاذب، يؤدّي إلى انهيار نظام الأسرة، أو ضعف أواصر العلاقة الزوجيّة. ومن هنا فقد تمّ نهي الرجل والمرأة عن ممارسة الخداع لبعضهما. وبالإضافة إلى ذلك فإن الخداع تترتَّب عليه تبعات حقوقية أيضاً([44])، ومن ذلك: ما أثبته الشارع المقدَّس من حقّ وخيار الفسخ؛ لتدارك الضرر الناجم عن هذا الاحتيال.
فعن إسماعيل بن جابر قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ نظر إلى امرأة فأعجبَتْه، فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوِّجْني ابنتَك؛ فزوَّجَه غيرها، فولدت منه، فعلِم أنّها أمته؟ قال×: «تُردُّ الوليدة على مواليها»([45]).
وفي روايةٍ عن الإمام أبي جعفر× أنه قال: «قضى أمير المؤمنين× في المرأة إذا أتَتْ إلى قومٍ وأخبرتهم أنَّها منهم، وهي كاذبة، وادَّعت أنّها حرّة وتزوَّجت، أنّها تُرَدّ إلى أربابها»([46]).
وكما تقدّم فإن من أهداف تهريب البشر والاتّجار بهم هو الزواج القَسْري، والتدليس في الزواج، حيث يتمّ الاحتيال على الضحية وإجبارها على الزواج؛ إما بسبب الخداع؛ أو الإكراه. وكلٌّ من عنوان الإكراه أو الخداع من العناوين التي تمّ التعبير عنها في لسان الأحاديث والفقه بالتدليس والإكراه بين الزوجين. وفي ظاهرة الاتجار بالبشر الذي يكون من أهدافه الزواج القَسْري ـ بقطع النظر عما إذا كان هذا النوع من الزواج شكليّاً، ولمجرد التهرُّب من قوانين مكافحة الاتجار بالبشر ـ، بالإضافة إلى أصل بطلان هذا النوع من الزواج من الناحية الشرعية، فإنّ هذا النوع من الزواج الشكلي والصوري يقوِّض بناء الأسرة والمجتمع. وبطبيعة الحال فإن آثارة الكارثية والمدمِّرة سوف تطال جميع أفراد المجتمع. بالإضافة إلى أنّ الزواج الذي يكون فيه الفارق السنّي بين الزوجين فاحشاً، أو الذي يكون فيه الاختلاف الثقافي بينهما كبيراً، يُعَدُّ واحداً من الأسباب المساعدة على انتشار الفحشاء والرذيلة.
4ـ القيادة (بيع وشراء النساء لإدارة مراكز الدعارة)
حيث إنّ أهمّ هَدَف في الاتجار بالبشر هو توظيف الضحايا لغرض الاستثمار الجنسي يبدو أن هناك إمكانية لتطبيق عنوان القيادة على جريمة الاتجار بالبشر. وتطلق القيادة على عملية الجمع بين شخصين؛ لغرض ممارسة فاحشة الزنا أو اللواط([47]). وإذا كانت عملية الجمع بين المرأتين لغرض ممارسة السحاق([48]) دخل ذلك في باب القيادة أيضاً. وإنْ كان هناك اختلاف من الناحية اللغوية بين المساحقة والقيادة([49]).
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19).
ورُوي عن رسول الله| أنّه قال: «مَنْ قاد بين امرأةٍ ورجل حراماً حرَّم الله عليه الجنة، ومأواه جهنم، وساءت مصيراً، ولم يزَلْ في سخط الله حتّى يموت»([50]).
ورُوي عن الإمام الرضا× أنّه قال: «إنْ قامت بيِّنةٌ على قوّادٍ جُلد خمسة وسبعين، ونفي عن المِصْر الذي هو فيه»([51]).
وهناك من الفقهاء مَنْ استنبط الحكم بالحرمة لتحقُّق القيادة في ما يتعلَّق بالجمع بين الذَّكَرَيْن لممارسة اللواط، بقاعدة الأولويّة([52]).
وتترتَّب على القيادة حرمة وضعية؛ وحرمة تكليفية. وتعتبر حرمتها من ضروريات الدين([53]). وإذا ثبت ارتكاب الشخص للقيادة وجب عليه الحدّ، وهو خمس وسبعون جلدة([54]). وتثبت القيادة بشهادة عادلين؛ أو إقرار الشخص العاقل البالغ الحُرّ على نفسه مرَّتين([55]).
إن أهمّ أهداف الاتجار بالبشر هو الاستفادة الجنسية من الضحايا. وتُعَدّ تجارة الدعارة من أكثر أنواع التجارة رِبْحاً على المستوى العالمي. وربما كان هذا العنصر هو السبب الرئيس وراء اتّساع رقعة الاتّجار بالبشر في العالم.
5ـ التبنّي الزائف وغير المشروع
إن من أهداف الاتجار بالبشر عمليّات التبنّي. والتبنّي يعني أن يتَّخذ الزوجان ولداً لم يولَدْ من صلبهما، على أن يتعاملا معه وكأنَّه ولدٌ لهما.
وقد رفض القرآن الكريم هذا المعنى من التبنّي صراحةً؛ إذ قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي مَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (الأحزاب: 4 ـ 5).
في هذه الآية الشريفة نسخ الله تعالى موضوع التبنّي الذي كان سائداً في عصر الجاهلية، والذي كان يستدعي الكثير من التبعات الاجتماعية والأخلاقية.
لقد أَوْلَتْ الشريعة الإسلامية أهمّية خاصّة لبناء الأسرة. ومن هنا فقد عَرَضت بحثاً وافياً ومستقلاًّ بشأن تبنّي الأولاد، ومن ذلك أنّ التبني لا تترتَّب عليه آثار حقوقية في الفقه الإسلامي، بمعنى أنّ المتبنّى لا يرث من أبوَيْه بالتبنّي، ولا يوجد تكليف بوجوب الإنفاق بينهم، ولا يوجد هناك حظرٌ على النكاح من الناحية النسبيّة.
يرى الإسلام أنّ الزواج والولادة، أو الرضاع، هي الشروط المشروعة للانتساب والقرابة، وترتُّب الآثار الحقوقية، مثل: الإرث، والزواج، وما إلى ذلك. ومن هنا إذا ولد طفلٌ من الزنا فلن تترتَّب عليه آثار البنوّة([56]).
وعن الحلبي قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ لاعن امرأته وهي حُبْلى، فلمّا وضَعَتْ ادَّعى ولدَها، وأقرَّ به، وزعم أنه منه، قال: «يُرَدُّ إليه ولدُه، ولا يرثه»([57]).
وهناك من الفقهاء مَنْ أفتى بحرمة التبنّي([58])، بل هناك مَنْ حرَّم تسمية المتبنّى باسم المتبنّي([59]). والمتبنّى لا يرث من المتبنّي([60]).
ومهما كان فقد أجمع الفقهاء على عدم ترتُّب الآثار الشرعية على المتبنّى، كما لا تجري أحكام السيّد على الولد إذا لم يكن والده الصلبي سيّداً([61]).
6ـ الإكراه على القيام بالأعمال الشاقّة والمخالفة للشرع والقانون
إن من أهداف الاتجار بالبشر إجبار أو إكراه([62]) الضحايا على الأعمال الشاقّة، أو المحرّمة، والمحظورة من الناحية القانونية.
وفي الشريعة الإسلامية ما دام الإنسان قادراً على رفض سلطة الغير عليه وجب عليه عدم الانصياع له في الحرام، إلاّ إذا أُكْره على ذلك؛ بسبب الخوف على نفسه أو ماله أو عرضه. وفي هذه الصورة يتحمَّل المكرِه (بالكسر) وِزْر عمله، وتقع التَّبِعات كلُّها عليه([63]).
وعليه فلو قام شخص بفعل محرَّم مُكرَهاً كانت الحرمة والتبعة على المكرِه([64]).
روى السكوني عن الإمام الصادق× أنّه قال: قال أمير المؤمنين× في رجلٍ أمر عبده أنْ يقتل رجلاً، فقتله، فقال أمير المؤمنين: «وهل عبد الرجل إلاّ كسَوْطه أو كسَيْفه، يُقتل السيِّد به، ويُستودَع العبدُ السِّجْن»([65]).
وجاء في الفقه أنّه إذا أُكره شخصٌ على ممارسة عمل شاقّ، تسبَّب في موته أو تضرُّره، ضمن الآمر والمكرِه([66]). وإنّما يكون المكرِه ضامناً إذا كان العمل الشاقّ الذي أكرهه عليه هو السبب في الإضرار به أو هلاكه([67]).
7ـ الإفساد في الأرض
إن من العناوين الفقهية التي يمكن تطبيقها على ظاهرة الاتّجار بالبشر عنوان الإفساد في الأرض. وقد استعمل الفساد بوصفه نقيض الصلاح وضدّه([68]). كما يُطلق لفظ الفساد على أخذ المال ظُلْماً([69]). وفُسِّر الفساد في مفردات ألفاظ القرآن بمعنى خروج الشيء عن حالة الاعتدال([70]). والتعريف المذكور في المفردات للفساد تعريف جامع، يشمل المصاديق الأخرى من الفساد أيضاً.
ومن مصاديق الإفساد في الأرض الواردة في الفقه يمكن الإشارة إلى الموارد التالية:
1ـ عقوبة اختطاف الإنسان، وبيعه([71]).
2ـ عقوبة إيقاد نار الفتنة([72]).
3ـ عقوبة قتل أهل الذمّة([73]).
4ـ عقوبة قتل العبيد([74]).
5ـ عقوبة سرقة الأكفان([75]).
6ـ تكرار المحرَّمات ذات الحدود([76]).
7ـ عقوبة السِّحْر([77]).
8ـ المصاديق الأخرى، من قبيل: الاحتيال، وسرقة فَرْش المسجد، وتهريب المخدِّرات([78]).
وكما سبق يمكن للاتّجار بالبشر أن يكون مصداقاً للإفساد في الأرض.
يحكم في الفقه الإسلامي على مَنْ يخطف الإنسان أو يبيعه بقطع يده؛ وليس ذلك من باب السرقة قطعاً؛ لأن الإنسان ليس مالاً حتّى ينطبق عليه تعريف السرقة([79]). من هنا فقد ذهب الكثير من الفقهاء إلى التصريح بأنّ الدليل على ذلك يأتي من ناحية الإفساد([80]). وهذا القول قد لا يكون إجماعيّاً من قبل الفقهاء، لكنّه يرقى إلى الشهرة الفتوائية، كما صرَّح بذلك بعض الفقهاء([81]).
وبالإضافة إلى مَنْ تقدَّم من الفقهاء هناك الكثير من الفقهاء الآخرين الذين صرَّحوا بأن دليل قطع اليد هنا يعود إلى الإفساد في الأرض([82]).
تأثير رضا الضحية على أحكام الشريعة والفقه الإسلامي
ليس هناك أيّ تأثير لرضا الضحية بارتكاب جريمة الاتجار بالبشر في إباحتها؛ لأن الحقوق والمصالح الاجتماعية بشكلٍ عامّ حقوق مقدّّسة، ليس للإنسان أيّ تأثير عليها. فإن هذه الحقوق والمصالح تتخطّى إرادة الإنسان؛ لأن هذا النوع من الإضرار بالفرد هو في الحقيقة إضرارٌ بالمجتمع، وتنعكس مخاطره على الحياة الاجتماعية.
وحيث إن بعض الأعمال الإجرامية، من قبيل: الاتجار بالبشر، تمسّ الأمن والسِّلْم العامّ، فإنّها لا يمكن أن تربط برضا الضحية؛ إذ لا تأثير لرضا الأفراد في هذا النوع من الموارد بداهةً.
أقوال الفقهاء
قبل كلّ شيء يجب توضيح هذه المسألة، وهي: هل الاتجار بالبشر، الذي يشمل ابتداءً الدخول والخروج غير الشرعي عبر حدود الأوطان، بل في حال الدخول والخروج القانوني أيضاً، يخالف القوانين الدولية والقوانين الداخلية للدول؟ وهل يمكن الحكم على هذه العملية بالحرمة؟ وهل يمكن الحكم بحرمة الاتّجار بالبشر بغضّ النظر عن الأهداف والمقاصد المترتِّبة على هذه العملية؟
يعتبر الاتجار بالبشر، طبقاً لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أمراً محظوراً ومخالفاً للقانون. وقد أفتى الفقهاء بضرورة الالتزام بالقانون، وصرَّحوا في فتاواهم بحرمة انتهاك القوانين([83]).
ويمكن القول؛ اعتماداً على فتاوى الفقهاء: إن الاتجار بالبشر؛ لمجرّد مخالفته لقوانين الجمهورية الإسلامية ـ وبغضّ النظر عن الغايات والمقاصد المترتِّبة عليه، وبغضّ النظر عن بيع وشراء الإنسان الحُرّ ـ، عملٌ محرَّم وغير مشروع.
إن الاتجار بالبشر ـ كما تقدّم ـ من مصاديق بيع وشراء الإنسان. وقد صرَّحت الكتب الفقهية بحرمته.
إن بيع وشراء الإنسان الحُرّ من الأعمال المحرَّمة، وقد ورد النهيُ عنها وحرمتُها في الكثير من الروايات المأثورة عن رسول الله والأئمّة الأطهار^، وهي موجبة للحدّ في بعض الموارد.
روى الإمام الصادق× عن رسول الله| أنّه قال: «إنّ الله يغفر كلَّ ذنبٍ يوم القيامة، إلاّ…، ومَنْ باع حُرّاً»([84]).
ويمكن لنا أن نثبت الحكم بحرمة الاتّجار بالبشر من الكتب الفقهية؛ لمجرد اشتماله على بيع وشراء الإنسان الحُرّ، بغضّ النظر عن غاياته ومقاصده.
قال الشيخ محمد حسن النجفي، في جواهر الكلام: «[ولو كان] المسروق [حُرّاً فباعه لم يُقطَع حدّاً] قطعاً؛ لعدم كونه مالاً يبلغ النصاب. [وقيل]، والقائل الشيخ في النهاية وجماعة، بل في التنقيح: إنّه المشهور: [يُقطع؛ دفعاً لفساده]، لا حدّاً للسرقة؛ لقول الصادق× في خبر السكوني: إنّ أمير المؤمنين× أُتي برجلٍ قد باع حُرّاً فقطع يده»([85]).
وقال العلاّمة الحلّي: «بيع الحُرّ حرام، وكذا أكل ثمنه، وثمن ما ليس بمملوك للإنسان، ولا يصحّ تملُّكه»([86]).
وقال السيد الهاشمي الشاهرودي: «إن أعضاء الإنسان لا تُعَدّ مالاً؛ وعليه لا يجوز بيعها وشراؤها»([87]).
وقال السيد الخوئي في بيع الإنسان الحُرّ وشرائه: «مَنْ باع إنساناً حُرّاً، صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، قُطعَتْ يده»([88]).
وقال الفاضل المقداد: «ويُقطَع مَنْ سرق مملوكاً. ولو كان حُرّاً فباعه قطع؛ لفساده، لا حدّاً»([89]).
وقال الشيخ الطوسي: «ومَنْ سرق حُرّاً، فباعه، وجب عليه القطع؛ لأنه من المفسدين في الأرض»([90]). وأضاف الفاضل المقداد قائلاً: «والمشهور مذهبه [أي الشيخ الطوسي بشأن قطع يد مَنْ يبيع الحُرْ] في النهاية»([91]).
وقد أشار السيد الكلبايكاني إلى مسألةٍ دقيقة حيث قال: «بالنظر إلى أنّ حدّ المفسد في الأرض لا يقتصر على قطع اليد، وإنّما قطع اليد هو واحد من عددٍ من الحدود التي تجري على المفسد، إذن يكون تعيين حدّ بائع الحُرّ بقطع اليد تعبُّداً خاصّاً. كما تمّ التأكيد في فتاوى الفقهاء على مسألة جريمة بيع الحُرّ أكثر من سرقة الإنسان»([92]).
وقال العلاّمة الحلّي: «والمشهور الأوّل [أي: قطع يد بائع الحُرّ]؛ لأن وجوب القطع في سرقة المال إنّما كان لصيانته وحراسته، وحراسة النفس أَوْلى؛ فوجوب القطع فيه أَوْلى؛ لا من حيث إنّه سارق مال، بل من حيث إنّه من المفسدين»([93]).
وقال السيد المدرسي اليزدي في الاتّجار بالبشر: «إذا كان الاتّجار بالبشر داخلاً ضمن عنوان اختطاف الناس ـ أيّاً كانت الغاية من ذلك ـ فحكمه التعزير بما يراه الحاكم من عدد السياط. وإنْ صدق عليه عنوان الإفساد في الأرض، وإخافة الناس، وإشهار السلاح، صدق عليه عنوان المُفْسِد في الأرض، ووجب قطع يده، وقتله، طبقاً لما يراه الحاكم الشرعي. وإنْ انطبق عليه المصطلح الراهن ـ من اختطاف البشر ـ وكان المخطوف حُرّاً، ترتَّب عليه ما ذكرناه من الحكم الأخير؛ لما ورد من الروايات عن أهل البيت^»([94]).
وقال الشيخ مكارم الشيرازي في هذا الشأن: «لا شكّ في حرمة الاتّجار بالبشر. وإذا حصل بيعٌ وقع باطلاً. ولا تأثير لرضا الضحية في صحّة المعاملة»([95]).
وقال السيد العلوي الجرجاني: «إذا دخل الاتّجار بالبشر في دائرة بيع الإنسان الحُرّ كان من مصاديق ذلك، فهو حرامٌ، سواء أكان ذلك برضا الحُرّ أم بغير رضاه. وأما في غير هذه الصورة فإنْ كان برضاه، دون النظر إلى غاياته، لم يكن حراماً من الناحية الشرعية»([96]).
وقال في موضعٍ آخر: «إذا كان الاتّجار بالبشر في دائرة بيع الإنسان الحُرّ فهو حرام. ويمكن لهذه الحرمة، بغضّ النظر عن مخالفة القوانين وأحكام البيع، أنْ تدخل ضمن العناوين الأخرى، من قبيل: الإرهاب، والهَرْج والمَرْج، واختطاف الناس. وإنْ كان مصحوباً بأهدافٍ وغايات غير شرعية، أو من دون رضا الضحية، أو كان مصحوباً بالإكراه، كان محرَّماً. وأما إذا كان برضا الفَرْد لم يكن حراماً من الناحية الشرعيّة»([97]).
ويتَّضح من خلال هذه الأقوال والفتاوى أنّ الاتّجار بالبشر عملٌ محرّم، بغض النظر عن أهدافه وغاياته، وأن حرمته تعود بالدرجة الأولى إلى مخالفة القوانين، وبالدرجة الثانية إلى اشتماله على بيع وشراء الإنسان الحُرّ. بل يمكن بالنظر إلى ذلك أن نتوصَّل إلى النتيجة التالية: إن حرمة الاتّجار بالبشر ثابتةٌ ـ بغضّ النظر عن المقاصد والغايات والأهداف الاجتماعية في الفقه الشيعي ـ؛ لأنّ هذا النوع من الاتّجار مصداق بارز وكامل لبيع الإنسان الحُرّ وشرائه، وهو محرَّمٌ بإجماع الفقهاء قاطبة؛ إذ لم يُفْتِ أحدٌ من الفقهاء بجواز بيع الحُرّ وشرائه.
ويبدو جريان حدّ قطع اليد على مَنْ يمارس الاتّجار بالبشر؛ إذ بمجرّد ارتكاب هذه الجريمة يصبح مرتكبها مصداقاً كاملاً للمُفْسِد في الأرض. ورغم أن عقوبة المفسد في الأرض لا تنحصر بهذا الحدّ [قطع اليد] فقط، فإنّه حيث ذُكر ذلك في فتاوى الفقهاء بشأن بيع الحُرّ أمكن تطبيق هذه العقوبة على مَنْ يمارس الاتجار بالبشر.
وقال السيد الجرجاني في حدّ مَنْ يقوم بالاتجار بالبشر، أو تعزيره: يعزَّر طبقاً لما يراه الحاكم الشرعي، إلاّ إذا دخل في عناوين أخرى، من قبيل: المحارَبة وأمثالها، فيثبت حدُّه الخاصّ([98]).
وقال حول رضا الشخص الذي يقع ضحية في عملية الاتّجار بالبشر: إذا كان الاتجار بالبشر لأغراض وغايات غير شرعية، أو لبيعه، فهو حرامٌ. ولا أثر لرضاه في ذلك([99]).
وقال السيد الموسوي الأردبيلي، في معرض إجابته عن الحكم الشرعي لعملية الاتجار بالبشر، مع الأخذ بنظر الاعتبار رضا الضحية أو عدم رضاها: إنّ بيع وشراء الإنسان «الحُرّ»؛ لغاية التمليك والتملُّك، حرامٌ وباطل. وإنّ الاتجار بالبشر، بمعنى عملية النقل والانتقال غير الشرعي للفرد، إذا كان مقروناً بعدم رضاه كان، بالإضافة إلى الحرمة القانونية، محرّماً من الناحية الشرعية أيضاً. واستحق التعزير المناسب. وإمّا إذا كان الفرد [الضحية] البالغ العاقل راضياً بالنقل والانتقال، وكان هذا النقل والانتقال جائزاً بحَسَب القوانين، لزم احترام القانون المذكور، وإذا لم يحدِّد القانون عقوبة لذلك حدَّد الحاكم الشرعية تعزيره بما يراه مناسباً([100]).
وفي ما يلي نواصل الحديث في أهداف وغايات الاتجار بالبشر على النحو التالي:
قال الشيخ الملكوتي، في جوابه عن حكم الاتجار بالبشر: إن للاتجار بالبشر ـ أيّاً كان هدفه ـ حكم الفساد في الأرض([101]).
وقد ذهب السيد صادق الروحاني إلى عدم جواز الاتجار بالبشر بأيّ نحو كان([102]). وقال، في بيان حرمة الاتجار بالبشر: لا ربط للاتجار بالبشر بالمقاصد والغايات. وحدّ مرتكبه وتعزيره يعود إلى ما يراه الحاكم الشرعي([103]).
وقال السيد القائد الخامنئي، في جوابه عن حكم الاتجار بالبشر: إن العمل المذكور حرامٌ بشكلٍ عامّ، ولا يجوز بحالٍ([104]).
وقد أفاد الشيخ كرامي، في بيان حكم الاتجار بالبشر، قائلاً: إذا كان الاتجار بالبشر مصحوباً بالعنف وعدم رضا الضحية؛ لغرض الاستعباد أو الفحشاء، كان مصداقاً لبيع الحُرّ، أو أنه يحتوي على ملاكه. وإذا كان مقروناً برضا الضحية بقي على حرمته؛ بسبب مخالفته لقوانين الجمهورية الإسلامية؛ ولكونه يؤدّي إلى الفوضى والهَرْج والمَرْج. ويترتَّب عليه عقوبة تعزيرية، يُتْرَك تحديدها إلى الحاكم الشرعي([105]).
وقال السيد مدرّسي يزدي: لو كان الاتّجار بالبشر مصحوباً بالإجبار والإكراه ـ حتى وإنْ كان الضحية كافراً، ولم يكن محارباً ـ فهو غير جائز؛ إذ لا ولاية لشخص على غيره بالقَهْر والغَلَبة؛ لأصل عدم تسلُّط أحدٍ على أحد، إلاّ بإذن الإمام المعصوم× أو المرجع والمجتهد الجامع لشرائط التقليد([106]).
ثم استطرد قائلاً: وأما إذا كان الاتّجار بالبشر برضا الضحية فهو جائزٌ، بغضّ النظر عن أهداف الاتجار بالبشر، بَيْد أنّه إذا كان مخالفاً لقانون الدولة فهو غير جائز مطلقاً؛ لإخلاله بالنظام([107]).
وقال السيد مدرسي يزدي في صدق الاتّجار بالبشر على بيع الحُرّ: إن الاتجار بالبشر ليس بيعاً للحُرّ. وفي بيع الحُرّ بوصفه عَبْداً غشٌّ وخديعة. وعليه يعتبر البائع مُفْسِداً في الأرض، ويجب قطع يده؛ لكونه سارقاً([108]).
وقد ذكر السيد مدرسي حكم الاتجار بالبشر بشكلٍ عامّ على النحو التالي: إن أصل هذا العمل (الاتجار بالبشر) هو عمل محرّم وغير جائز من الناحية الشرعية، ومعصية كبيرة، حتّى وإنْ لم يخالف قانون الدولة، سواءٌ كان هناك أملٌ ببقاء الضحية على قيد الحياة أم لا. وإنّ هذا الاتجار مقدّمة للحرام. ولو رضي الضحية هذا العمل المحرم كان رضاه مؤثِّراً في سقوط الدية. وأما تأديبه وتعزيره (أي مرتكب الاتجار بالبشر) فيعود إلى تقدير الحاكم الشرعي([109]).
وقال الشيخ عفيف النابلسي في الاتّجار بالبشر: لو ترتَّبت منفعةٌ محلَّلة على الاتجار بالبشر كان مشروعاً. ولو أحرز عدم رضا الشارع به فهو حرام. فمثلاً: إذا كان الهدف من الاتجار بالبشر الاستثمار الجنسي، أو ما إلى ذلك من الأمور المخالفة للقيَم الأخلاقية والأصول الثابتة في الإسلام، فهو حرامٌ قطعاً([110]).
ثم أضاف قائلاً: ولو فرضنا أن الاتّجار بالبشر يهدف إلى نصرة مظلوم، أو تحسين ظروف الحياة، أمكن القول بجوازه شَرْعاً. ولكنْ إذا كان الاتّجار بالبشر مخالفاً للقوانين المصادَق عليها فهو حرامٌ، وأمكن تعزير مرتكبه، والله أعلم([111]).
وقال الشيخ مكارم الشيرازي، في جوابه عن حكم الاتّجار بالبشر: لا شكّ في حرمة الاتّجار بالبشر. وإذا حصل بيعٌ وقع باطلاً. ولا تأثير لرضا الضحية في صحّة المعاملة([112]).
وقال، في معرض بيان العقوبة المترتبة على ذلك: يترتَّب على هذه الجريمة تعزيرٌ شديد([113]).
استنتاجات ومقترحات
إن شمولية الأحكام الإسلامية وحيوية الفقه الشيعي تستوجبان أن نبحث في المسائل المستحدَثة، من قبيل: الاتجار بالبشر، رغم عدم التطرّق إليها في الروايات والمصادر الفقهية بشكلٍ مستقلّ. وذلك من خلال الرجوع إلى النصوص الروائية والفقهية؛ بغية استنباط حكم هذه المسائل المستحدَثة.
إن حكم الاتجار بالبشر في الفقه الإسلامي ـ كما ظهر من خلال هذه الدراسة ـ هو الحرمة؛ بموجب الحكم الأوّلي والثانوي. وليس هناك مفر من هذا الحكم. فهناك مَنْ أفتى بحرمة هذا الأمر؛ بالنظر إلى الأعمال التي يطلق عليها عنوان الاتجار بالبشر؛ وهناك مَنْ نظر إلى الأعمال التي تقع مصداقاً للاتجار بالبشر.
تعتبر الحوزات العلمية من أهمّ المراكز الثقافية بالنسبة إلى البلدان الإسلامية. ولا تخفى أهمية رسالة ومسؤولية الحوزات العلمية ـ في المجتمع العالميّ الذي يشهد تسارعاً متزايداً في الظواهر غير الإنسانية وغير الإسلامية ـ في إطار نشر وإعلاء كلمة الإسلام، ومواجهة الانحرافات الأخلاقية.
وعليه فإن رسالة الحوزات العلمية؛ بوصفها المرجع الديني والثقافي في المجتمع، في مواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر ستكون عظيمةً للغاية؛ لأن الهدف الرئيس للحوزات العلمية هو الحفاظ على الدين، ومواجهة الانحرافات، والأمور والظواهر المستحدَثة التي تستهدف القيَم الإسلامية والإنسانية.
وللحيلولة دون الاتجار بالبشر ومكافحته نشير إلى الطرق العلاجية التالية:
1ـ إقامة المؤتمرات بهدف رفع مستوى الوعي، ومكافحة الاتّجار بالبشر من خلال الرؤية الفقهية والدينية
تعدّ التوعية من طرق الوقاية من الآفات. وفي الحقيقة فإن التوعية تعتبر أصلاً وأساساً في الوقاية. وإنّ الجهل وعدم الوعي بماهية الجرائم وتأثيراتها يكون هو السبب في ارتكاب الجرائم. وعليه يمكن للتوعية، والقيام ببعض المشاريع القائمة على أساس التعاليم الإسلامية والإنسانية، أن تساعد بشكلٍ ملحوظ على الوقاية من الاتجار بالبشر.
وبطبيعة الحال يمكن للمفكِّرين والمنظِّرين أن يقدِّموا من خلال هذا النوع من المؤتمرات التوعوية آراءهم ونظريّاتهم العلمية، وأن يعرضوا على النُخَب والمسؤولين التنفيذيّين البدائل الإبداعية والإدارية، الهادفة للوقاية من ظاهرة الاتّجار بالبشر، ومكافحتها.
2ـ رفع مستوى الوعي لدى جميع أفراد المجتمع من خلال تكثيف الأنشطة الثقافية والتعليمية، وتوظيف العامل والطاقة التبليغية
إن الوقاية مقدّمة على العلاج دائماً. ولا شكّ في أن رفع مستوى الوعي العامّ، وتعميم المعلومات على الجميع، يؤثّر ويساعد على اجتثاث ظاهرة الاتجار بالبشر إلى حدٍّ كبير، ويمكنه الحدّ من هذه التجارة المشؤومة بشكلٍ ملحوظ.
يمكن للحوزة العلمية أن تعمل على حشد طاقاتها التبليغية الكامنة، من خلال التنسيق مع منظَّمات إرسال المبلِّغين، في إطار نشر الوعي بين جميع أفراد المجتمع.
3ـ تشديد عقوبة المرتكبين للاتجار بالبشر في أحوال وأوضاع خاصة، من قبيل: ظهور الأحداث غير المتوقَّعة
يغدو الناس في بعض الفترات الزمنية ـ بسبب ظروف خاصة (وهي مؤقَّتة بطبيعة الحال) ـ أكثر عرضة لمخاطر الاتجار بالبشر. ومن باب المثال: عندما تقع كارثة طبيعية غير متوقَّعة، مثل: الزلزال، يجد الضحايا والمنكوبون أنفسهم في ظروف خاصّة، تجعل منهم لقمةً سائغة بالنسبة إلى المتاجرين بالبشر. وبالالتفات إلى الواقع الجغرافي لإيران؛ حيث تقع على خطّ الزلازل، يبدو تشديد العقوبات في مثل هذه الظروف ضروريّاً للغاية.
4ـ توفير الحماية للضحية بعد عودته إلى إيران
إن أول مرحلة تعقب التعرُّف على الضحايا هي العمل على إعادتهم إلى أحضان ذويهم وبلدهم. ومن الضروريّ جدّاً الاهتمام بمصالح الضحايا وظروفهم الخاصّة أثناء عملية إعادتهم إلى ربوع الوطن، بمعنى وجوب توفير الظروف لهم بشكلٍ يحول دون وقوعهم في فخّ المتاجرين بالبشر ثانيةً، والعمل في الوقت نفسه على تحسين ظروف حياتهم.
5ـ إعفاء ضحايا الاتّجار بالبشر من العقوبة
إن من الأسباب التي تجعل الضحايا يتقبَّلون ظروفهم القاسية، ويفضِّلون حياتهم البائسة على العودة إلى ربوع الوطن، هو خوفهم من العقوبة التي تنتظرهم في حال عودتهم. من هنا يجب تطمين الضحايا بعدم تعرُّضهم لأيّ عقوبة إنْ هم عادوا طَوْعاً. وبطبيعة الحال يجب صياغة هذه التطمينات في أُطُر قانونية؛ كي لا تكون محطّاً لسوء الاستغلال.
6ـ توفير الحماية للضحية في إطار إعادة تأهيله
من الضروري توفير الحماية للضحية بعد عودتها من خلال التعرُّف إلى أفراد عصابات الاتّجار بالبشر، ومعاقبتهم. وفي هذا الإطار يجب القيام بجميع الإجراءات بنحوٍ يضمن مصالح الضحية من جميع الجهات. ويمكن القيام بذلك من خلال انتداب محامٍ للضحية؛ فإنّ الضحية غالباً ما يحجم عن التقدُّم بشكوى؛ بسبب الخوف من الانتقام، أو العجز عن دفع تكاليف أتعاب المحامي، أو عدم حصوله على التشجيع الكافي من قبل أفراد أسرته في هذا المجال. من هنا يجب على الدولة أن تأخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار، وأن تضطلع بدورها في الوقوف إلى جانب الضحية بكلّ قوتها وطاقتها؛ ضماناً لحقوقه بموجب القانون.
الهوامش:
(*) باحثٌ في الحوزة العلمية، وطالب في مرحلة الدكتوراه، فرع الكلام الشيعي، في جامعة الأديان والمذاهب.
([3]) انظر: السيد الخوئي، مصباح الفقاهة (المكاسب) 6: 111، تقرير: محمد علي توحيدي.
([4]) انظر: العلامة الحلي، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية 2: 261، مؤسسة الإمام الصادق×، ط1، 1420.
([5]) انظر: الحلبي، الكافي في الفقه: 412، كتابخانه عمومي إمام أمير المؤمنين×، ط1، 1403.
([6]) انظر: المصدر السابق: 261.
([7]) انظر: علي أكبر دهخدا، لغت نامه دهخدا 11: 17294، نشر دانشگاه طهران، ط2، 1999.
([9]) انظر: معين، فرهنگ فارسي معين 2: 2607، نشر أمير كبير، ط4، 1982.
([10]) انظر: لغت نامه دهخدا 11: 17294.
([11]) انظر: أنيس إبراهيم، منتصر عبد الحليم، الصوالحي عطية، خلف الله محمد، المعجم الوسيط: 980، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، ط3، 1997.
([12]) انظر: جعفري لنكرودي، ترمنولوجي حقوق: 51، كنج دانش، ط22، 2000.
([14]) انظر: جامع الحكمتين أز فرهنگ علوم عقلي.
([15]) لغت نامه دهخدا 3: 3549.
([16]) انظر: فرهنگ فارسي معين.
([17]) انظر: المصدر السابق 1: 379.
([18]) الجرجاني، كتاب التعريفات: 17، ناصر خسرو، ط4، 1992.
([19]) انظر: مجموعة من المؤلِّفين، مسائل مستحدثه پزشكي (المسائل الطبية المستحدَثة) 1: 267، پجوهشگران گروه فقه دفتر تبليغات إسلامي، شعبه خراسان رضوي، بوستان كتاب، 1993.
([20]) محمد رضا ضميري، دختران وازدواج تحميلي، فصلية مطالعات راهبردي زنان، السنة السابعة، العدد 24: 30، صيف عام 2004.
([21]) انظر: محمد تقي بهجت، رسالة توضيح المسائل: 378، انتشارات شفق، ط92، 1428؛ السبحاني التبريزي، رسالة توضيح المسائل: 447، مؤسسة الإمام الصادق، ط3، 1429؛ السيستاني، منهاج الصالحين: 3: 20؛ المنتظري، رسالة استفتاءات 1: 183، ط1.
([22]) انظر: البقرة: 169؛ النور: 21. بيد أن هاتين الآيتين تتحدّثان عن الفحشاء نفسها، والنهي عنها، ولا تتعرَّضان إلى إشاعة الفحشاء. [المترجم].
([24]) المحدِّث النوري، مستدرك الوسائل 11: 187، مؤسسة آل البيت^، 1408.
([26]) الكليني، الكافي 8: 68، دار الكتاب الإسلامي، 1987.
([28]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 16: 55، مؤسسة آل البيت^، 1409.
([29]) مستدرك الوسائل 13: 378.
([31]) انظر: الكليني، الكافي 7: 229؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 10: 113، دار الكتاب الإسلامي، 1987؛ وسائل الشيعة 28: 283.
([32]) تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية 2: 261.
([33]) انظر: الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 298، مؤسسة مطبوعات دار العلم، ط1.
([34]) انظر: الخوانساري، جامع المدارك في شرع المختصر النافع 7: 147، مؤسسة إسماعيليان، ط2، 1405.
([36]) انظر: الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 157، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، 1413.
([37]) مجموعة من الباحثين العاملين تحت إشراف السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، فرهنگ فقه مطابق مذهب أهل بيت^ [دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^] 2: 304،، ط1، 1426.
([38]) انظر: مكارم الشيرازي، أحكام پزشكي: 152، انتشارات مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، ط1، 1429.
([39]) انظر: محمد المؤمن القمّي، كلمات سديدة: 166.
([40]) انظر: الشيخ يوسف الصانعي، استفتاءات پزشكي (الأحكام الخاصة بالأطباء ـ الأحكام الخاصة بالمرضى): 137، ط12، 2009؛ أبو القاسم عليان نجادي، أحكام پزشكي مطابق با فتاوى…مكارم شيرازي: 122، نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، ط1، 2009.
([41]) انظر: غلام حسين خدادادي، أحكام پزشكان وبيماران مطابق با فتاوى…محمد فاضل اللنكراني: 154، نشر مركز فقهي أئمة أطهار، ط1؛ دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ 2: 305.
([42]) انظر: مكارم الشيرازي، أحكام پزشكي: 152.
([43]) انظر: دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ 2: 295.
([44]) انظر: زهراء آية اللهي، آثار فقهي ـ حقوقي فريب در ازدواج: 156.
([47]) انظر: تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية 5: 336.
([48]) السحاق هو أن تأتي المرأة من المرأة ما يأتيه الرجل منها. انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 9: 143، كتاب فروشي داوري، ط1، 1410.
([49]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 399، دار إحياء التراث العربي، ط7، بيروت. لا يخفى أن الاختلاف اللغوي لا يكون بين القيادة والمساحقة فقط، وإنّما هناك اختلاف لغوي بين القيادة والزنا، وبين القيادة واللواط أيضاً، فلاحِظْ. [المترجم].
([52]) جامع المدارك في شرح مختصر النافع 7: 89.
([53]) انظر: مصباح الفقاهة (المكاسب) 1: 381.
([54]) انظر: المنتظري، كتاب الحدود: 190.
([55]) انظر: التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات: 219 ـ 220.
([56]) أحمد بهشتي، خانواده در قرآن: 150.
([57]) الكليني، الكافي 7: 163.
([58]) انظر: الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 6: 51؛ ابن فهد الحلّي، المهذَّب البارع في شرح المختصر النافع 4: 37.
([59]) انظر: مرتضى الحائري اليزدي، كتاب الخمس: 478.
([61]) انظر: الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات (فارسي): 217.
([62]) انظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 10: 28.
([63]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 22: 167.
([64]) انظر: المصدر السابق 42: 55.
([65]) الكليني، الكافي 7: 285.
([66]) انظر: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 42: 56؛ الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 151.
([67]) انظر: جواهر الكلام 27: 335.
([68]) انظر: الفراهيدي، كتاب العين 7: 231، دار الهجرة، ط2، 1409.
([69]) انظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط: 277، دار الفكر، ط1، 1424.
([70]) انظر: الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 636، ذوي القربى، ط1، 1416.
([71]) انظر: الحلبي، الكافي في الفقه: 412.
([72]) انظر: جواهر الكلام 43: 125.
([73]) انظر: الكافي في الفقه: 384.
([75]) انظر: الصدوق، المقنع: 447، مؤسسة الإمام الهادي، ط1، 1415.
([76]) انظر: المبسوط في فقه الإمامية 7: 284.
([77]) انظر: التبريزي، استفتاءات جديد 1: 426.
([78]) انظر: حسين علي باي، إفساد في الأرض چيست؟ مفسد في الأرض كيست؟ مجلة فقه وحقوق، العدد: 9.
([79]) انظر: ابن إدريس الحلي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 3: 499، انتشارات جماعة المدرِّسين في الحوزة العلمية في قم، ط2، 1410؛ انظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 14: 501، مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، 1413.
([80]) انظر: الكافي في الفقه: 412؛ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 722، دار الكتاب العربي، ط2، بيروت، 1400؛ السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 3: 499.
([81]) انظر: السيد علي الطباطبائي الحائري، رياض المسائل 2: 490، مؤسسة آل البيت^، ط1.
([82]) انظر: العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 9: 239، دفتر انتشارات وابسته به جامعه مدرسين حوزة علمية قم، ط2، 1413؛ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 14: 501؛ المحقِّق الحلّي، المختصر النافع في فقه الإمامية 1: 224، مؤسسة المطبوعات الدينية، ط6، 1418؛ قطب الدين الراوندي، فقه القرآن 2: 388، مكتبة المرعشي النجفي، ط2، 1405؛ الكلبايكاني، الدرّ المنضود في أحكام الحدود 3: 107، دار القرآن الكريم، ط1، 1412.
([83]) انظر: الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 3: 66، و555، 72، 541، 496، 489؛ الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات (فارسي): 486؛ التبريزي، استفتاءات جديد 2: 477؛ مكارم الشيرازي، استفتاءات جديد 1: 21، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، ط2، 1427؛ المنتظري، رسالة استفتاءات 2: 254، 258؛ اللنكراني، جامع المسائل (فارسي) 2: 272، 295، 3: 508؛ موقع الشيخ الوحيد الخراساني، الأسئلة الشرعية، رعاية القوانين، السؤال رقم (731)؛ موقع الشيخ الصانعي، استفتاءات، مقرَّرات دولتها وحكومتها.
([84]) الكليني، الكافي 5: 382؛ وسائل الشيعة 21: 266.
([86]) انظر: العلاّمة الحلّي، المختلف 2: 261.
([87]) دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ 2: 81.
([88]) السيد الخوئي، منهاج الصالحين / (الموسوعة) 41: 384، نشر مدينة العلم، ط28، 1410.
([89]) المقداد السيوري الحلّي، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 4: 380، مكتبة المرعشي النجفي، ط1، 1405.
([90]) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 722.
([91]) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، 4: 380.
([92]) الدرّ المنضود في أحكام الحدود 3: 107.
([93]) العلامة الحلي، مختلف الأحكام 9: 249.
([94]) المدرسي اليزدي، استفتاءات كتبي، دفتر…مدرسي يزدي، قم، 1391.
([95]) مكارم الشيرازي، استفتاءات كتبي، 1391.
([96]) العلوي الحسيني الجرجاني، استفتاءات كتبي، قم، 1391.
([100]) الموسوي الأردبيلي، استفتاءات كتبي، قم، 1391.
([101]) الملكوتي، استفتاءات كتبي، قم، 1391.
([102]) الروحاني، استفتاء كتبي، قم، 1434.
([104]) الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات (فارسي)، قم، 1391.
([105]) كرامي، استفتاءات كتبي، 2013.
([106]) مدرسي يزدي، استفتاءات كتبي، 1391.
([110]) النابلسي، استفتاءات كتبي، صيدا، 2012.