د. محمد فنائي الإشكوري(*)
تمهيد ــــــ
يشهد التاريخ أن إيران الإسلامية كانت على الدوام مهد الحكمة والتأمل العقلي. فقد عُرف حكماء وعرفاء هذه الديار ـ من الفارابي، وإلى ابن سينا والمولوي، وحتى السهروردي وحيدر الآملي وصدر الدين الشيرازي ـ في أصقاع المعمورة بأنهم نجوم المعرفة والمعنوية. ولهذا السبب فقد اتجهت أنظار طلاب الحكمة والمعرفة من أقصى بقاع الدنيا إلى حكماء تلك الديار. ويمكن العثور على آثار علماء إيران الإسلامية في شرق الأرض وغربها. فهل أن هذا الافتخار يختصّ بالماضي، ويرتبط بالتاريخ، أم أن مشعل الحكمة لايزال مشرقاً وبرّاقاً؟
في الإجابة عن هذا السؤال يمكن القول: رغم أن مرور الأيام أدّى إلى اضطراب في توهّج هذه الشعلة، إلاّ أنها ولحسن الحظّ لم تطفأ أبداً، وهي باقية إلى اليوم تشعّ بنورها. وإنّ الاطلاع على الحياة الفكرية والفلسفية المعاصرة في إيران وروّادها، والتعريف بها لطلاب الحقيقة في داخل إيران وخارجها، هو خطوةٌ مفيدة في استمرار هذا المنهج القويم والغني، وحركة ضرورية لانتهال الجيل الجديد من هذا الميراث القيّم. والمقالة التي بين يدَيْك تلقي نظرة على الحياة العلمية لبعض روّاد الحكمة والمعرفة الإسلامية في إيران المعاصرة.
مقدّمة ــــــ
سيكون موضوع هذا البحث دراسة لأوضاع الفلسفة الإسلامية في إيران المعاصرة، وفيها نظرة إجمالية على آثار وأفكار أكثر الفلاسفة تأثيراً في هذه الفترة. ولا يخفى أنه لا يمكن الفصل بين الفترات بشكل قطعي. وعلى أيّ حال فكل الشخصيات التي سنترجم لها هم مفكِّرون تكوَّنت أفكارهم قبل الثورة الإسلامية الإيرانية، ووقعت بعض نشاطاتهم أيضاً قبل الثورة؛ إلاّ أنهم كانوا أحياء بعد انتصارها. وقد توفّي بعضهم بعد انتصار الثورة، ولا زلنا ننعم بوجود البعض الآخر. ولهذا سنتحدّث عن الفلاسفة الذين لبُّوا نداء ربِّهم قبل انتصار الجمهورية الإسلامية، والذين برزوا وأنتجوا بعد الانتصار.
والفلاسفة الذين سنتحدّث عنهم عبارة عن: روح الله الخميني، محمد حسين الطباطبائي، مرتضى المطهري، مهدي الحائري اليزدي، محمد باقر الصدر([1])، محمد تقي الجعفري، جلال الدين الآشتياني، حسن زاده الآملي، جوادي الآملي، ومحمد تقي مصباح اليزدي. فكلّ هؤلاء من علماء الدين الذين درسوا في الحوزات العلمية في قم والنجف. وكان سبعةٌ من هؤلاء الأساتذة قد فارقوا الحياة الدنيا عند كتابة هذا المقال، وآخر ثلاثة منهم لا زالوا يفيضون من علومهم في حوزة قم العلميّة. وإضافة إلى هؤلاء سنتكلم عن فيلسوفين إيرانيين مؤثّرين، يختلفان عن الفلاسفة المذكورين من حيث المشرب الفكري والخلفية العلمية، هما: أحمد فرديد؛ وحسين نصر. والأوّل متوفىً، والثاني على قيد الحياة.
وقد حاول الكاتب جاهداً أن لا يغفل عن أحدٍ من الشخصيات البارزة والمؤثّرة، لكنْ نظراً لكثرة المشتغلين بالفلسفة في هذه الفترة، وضيق المجال، وضرورة اختيار مجموعة، لم يتمكّن من الحديث عنهم جميعاً. وقد اكتفيتُ بذكر بعض الأسماء، وربما غفلنا عن البعض الآخر، لذلك أعتذر سَلَفاً، على أمل أن أتدارك هذا النقص في مقالةٍ أخرى.
ويدلّنا هذا البحث على استمرار الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي، فإن عهد الفلسفة الإسلامية لم ينتهِ، بل إنّ هذا المسلك يتقدّم بحماسةٍ ونشاط من أجل فتح آفاق جديدة في الفكر الفلسفي.
1ـ روح الله الخميني ــــــ
الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني(1281 ـ 1368هـ.ش) فقيهٌ وعارف، ومن الفلاسفة البارزين في الفترة المعاصرة. وقد أدَّت منزلته في القيادة السياسية والدينية والمرجعية الفقهية إلى أن لا يُعرف عنه الجانب الفلسفي كما يستحقّ. والحال أن الامام الخميني& كان من المدرِّسين البارزين للفلسفة والحكمة الإسلامية، بل إن المقام العرفاني للإمام الخميني ظهر أكثر من بعده الفلسفي؛ لأنه ترك عدّة مؤلفات في العرفان الإسلامي، أما في الفلسفة فليست له مؤلَّفات في متناول اليد، وهو من العوامل التي أدَّت إلى الغفلة عن بعده الفلسفي.
لقد كان الإمام الخميني من أعلام عصره في أربعة علوم مهمّة في الحوزات العلمية، هي: الفقه والأصول والعرفان والفلسفة. وكان قد درّس السطوح العالية للفقه والأصول في حوزتَيْ قم والنجف، وتربّى على يدَيْه الكثير من المجتهدين. وله الكثير من المؤلَّفات وتقريرات دروسه في هذا المجال. وإحدى دوراته في أصول الفقه دوَّنها ونشرها الشيخ جعفر السبحاني بعنوان «تهذيب الأصول»، ويرجع إليها المحقِّقون في هذا المجال. وأستاذه البارز في الفقه والأصول هو الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي(1276 ـ 1355هـ).
تتلمذ الإمام الخميني في العرفان عند الميرزا جواد المَلَكي التبريزي(1304هـ.ش) ومحمد علي الشاه آبادي(1292 ـ 1369هـ). فقد درس كتب شرح فصوص الحكم، ومصباح الأنس، والفتوحات المكية، ومنازل السائرين، بين 1307 ـ 1314هـ.ش عند أستاذه الشاه آبادي.
وللإمام الخميني الكثير من الكتابات في العرفان الإسلامي، ويمكن الإشارة إلى تعليقة على شرح فصوص الحكم للقيصري، ومصباح الأنس وأسرار الصلاة وشرح دعاء السحر ومصباح الهداية. ويمكن مشاهدة تقدّمه في العرفان النظري والعملي في مؤلّفاته المذكورة، التي توازي الكتابات العرفانية من الطراز الأول.
وتتلمذ لفترةٍ في الحكمة والحساب والهيئة عند الميرزا علي أكبر حكمي اليزدي(1305هـ.ش)، إلاّ أن أستاذه الأساسي في الفلسفة هو السيد أبو الحسن الرفيعي القزويني(1310 ـ 1395هـ). فقد استفاد من دروس هذا الحكيم لمدّة أربع سنوات في شرح منظومة الملاّ هادي السبزواري. واشترك لفترةٍ قصيرة في درس الأسفار عند رفيعي، إلاّ أنه وبسبب نباهته ورسوخه في الحكمة شعر بأنه لا يحتاج إلى الاشتراك في درس الأسفار، فاكتفى بمطالعة الأسفار، والتباحث فيه مع الميرزا خليل الكمره إي، وأصبح أستاذاً ماهراً في هذا الحقل العلمي.
درّس الإمام الخميني& شرح المنظومة لعدّة دورات، ودرّس الأبحاث الأساسية من الأسفار لمدّة عشر سنوات لدورة واحدة على الأقلّ. وقد نشرت تقريرات دروسه في شرح منظومة السبزواري، وبعض أبحاث الأسفار لملاّ صدرا، التي قرَّرها أحد تلامذته وهو السيد عبد الغني الأردبيلي(1299 ـ 1369هـ.ش). وقد أُلقيت تلك الدروس بين 1323 ـ 1328هـ.ش في مدينة قم([2]).
وللإمام تعليقاتٌ على كتاب الأسفار، لكنّها مفقودة. وبالإضافة إلى المؤلفات الفلسفية للإمام يمكن العثور على آرائه الفلسفية في المجالات المعرفية الأخرى، كالفقه والعرفان والكلام والأخلاق والسياسية وتفسير القرآن. وكذلك وردت أبحاث عقلية وفلسفية كثيرةٌ في دروسه أو مؤلَّفاته في أصول الفقه.
ومن تلامذة الإمام الخميني: السيد جلال الدين الآشتياني، الشيخ مرتضى المطهري، السيد عبد الغني الأردبيلي، الشيخ مهدي الحائري اليزدي، السيد مصطفى الخميني، السيد رضا الصدر، السيد محمد علي القاضي الطباطبائي، الشيخ حسين علي المنتظري، والسيد عز الدين الزنجاني([3]).
بدأ الامام الخميني في حدود سنة 1305هـ.ش بتدريس الفلسفة والعرفان، واستمر على تلك الحال ما يناهز ثلاثة عقود. وكثيرٌ من هذه الدروس كانت خاصة، وأحياناً بعيداً عن الأنظار؛ لأن الأجواء الغالبة في تلك الأزمنة تعارض الفلسفة والعرفان، حتى وصل الأمر إلى الحكم بكفر بعض الفلاسفة والعرفاء. ففي مثل تلك الأجواء غرس الإمام بذرة الفلسفة من خلال تدريسه لها، وتربية طلاب بارزين في هذا المجال. وقد استطاع الإمام من خلال موقعه الفقهي والمرجعي (وبعد ذلك القيادة السياسية) أن يصمد في مقابل تلك التوجُّهات المعارضة، ويمهِّد الأجواء لتطوّر البحث الفلسفي. ولو لم يكن هذا الدور الفريد للإمام الخميني في هذه الناحية لم يتأتَّ للعلامة الطباطبائي وتلامذته ذلك التوسُّع والانتشار.
إن دور الإمام الخميني في نموّ واتّساع الفلسفة الإسلامية كان فريداً. فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران كان رأي الإمام المؤيّد للفلسفة والدفاع عن الفكر الفلسفي، ومن ذلك الدفاع عن آراء ومؤلّفات الشهيد مرتضى المطهري، قد أدّى إلى بدء فترة ذهبية للفلسفة الإسلامية في إيران، ولا سيَّما في الحوزات العلمية والجامعات، والتي لم يكن لها نظيرٌ في تاريخ إيران يقيناً. ويمكن ملاحظة تأثير هذا الموج في ما وراء حدود إيران في لفت انتباه الكثير من الطلاب والباحثين المسلمين وغير المسلمين إلى الفلسفة الإسلامية.
يتمتَّع الإمام الخميني بشمولية قلّ نظيرها؛ إذ قلَّما تجد عالماً كما هو قمّة في الفلسفة يكون كذلك في الفقه والأصول. يقول السيد جلال الدين الآشتياني: «مصباح الهداية وشرح دعاء السحر من المؤلَّفات العرفانية لإمام الأمّة& ليس لها نظير في مجالها… هاتان الرسالتان من المؤلَّفات الخالدة؛ لاشتمالهما على الرموز والدقائق العرفانية. وقد صنَّف الإمام هاتين الرسالتين في عنفوان شبابه. إن مصباح الهداية يشبه مؤلَّفات القرن السابع والثامن الهجري الذي كان فترة نضج العرفان والتصوُّف»([4]). «كان الإمام الخميني& يدرِّس هذه العلوم الثلاثة (الفلسفة والعرفان والفقه)، ولم يكن في تدريسه نقصٌ في أيٍّ منها»([5]). فمن وجهة نظر الآشتياني يندر العثور على هكذا فرد؛ ولهذا فإنه يذكر الإمام بعبارات مثل: «وحيد عصره في العلوم العقلية والنقلية والذوقية، وخاتم العرفاء والحكماء»([6]).
وكان الخميني شاعراً أيضاً، وقد طبعت مجموعة أشعاره العرفانية.
يقول مهدي الحائري إنّ الامام الخميني لم يُعِرْ أهمّية كبيرة للفلسفة المشّائية، لكنه كان يحب الحكمة الإشراقية للسهروردي. وكان يفسِّر الحكمة المتعالية بذوقٍ عرفاني. كان الإمام يهتمّ بالطبيعيات القديمة وعلم الفلك الحديث، ويعتبر الفلكيات القديمة أباطيل([7]). ورغم أن الإمام لم يُعجب بالمشرب المشّائي إلاّ أنه كان يجلّ ابن سينا. يقول الآشتياني في هذا الشأن: «صرَّح أستاذنا الشهير ووحيد عصرنا في العلوم النقلية والعقلية والذوقية، الإمام العارف، سماحة السيد الخميني: تَرِد إشكالاتٌ كثيرة على الشيخ [ابن سينا] في الحكمة الإلهية، ومع ذلك فإنّه بين أرباب النظر والتحقيق، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾»([8]) .
يقول الآشتياني حول أصالة فلسفة ملاّ صدرا، وتفاوتها عن الفلسفة اليونانية من وجهة نظر الإمام: «قد صرّح خاتم الحكماء والعرفاء الإمام الخميني بأن اعتبار الحكمة المتعالية لملاّ صدرا، وأفكار تلاميذه وأتباعه، فلسفةً يونانية نابعٌ من الجهل الخالص». وكان يقول كراراً أيضاً: «إن الحكمة والفلسفة اليونانية أيضاً تعتبر ذات أهمية كبرى في ذاتها»([9]). ولهذا فقد أمضى سنين طوالاً بتدريس الحكمة المتعالية، وشرح أفكار وآراء ملاّ صدرا، وكما جاء في كتاب «تقريرات فلسفه»، وقد شرح مسائل الحكمة المتعالية من مباحث الوجود إلى أبحاث النفس والمعاد.
والبعد الفكري الآخر للإمام هو فكره السياسي. فمن وجهة نظر الإمام تعتبر السياسة وإدارة المجتمع من التعاليم الأساسية في الإسلام. وفي رأيه لا يمكن القبول بدينٍ بلا سياسة، أو سياسةٍ بلا دين. ومنذ نصف قرن ونظرية الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه للإمام الخميني لفتت أنظار الباحثين في المحافل العلمية في إيران وخارجها. وعلى أساس هذا الفكر ناضل الإمام ضدّ السلطة البهلوية، وأطاح بها. وقد تأسَّست الجمهورية الإسلامية في إيران على ضوء الفكر السياسي للإمام الخميني، ودُوِّن القانون الأساسي على أساس نظرياته. وكان الإمام يمتدح الشهيد السيد حسن المدرِّس(1316هـ.ش) . وهناك الكثير من البحوث حول الآراء السياسية للإمام الخميني لكنّه لم يَجْرِ حتّى الآن تحليلٌ شامل لفلسفته السياسية.
الفقه والفلسفة والعرفان والسياسة في فكر الإمام الخميني ليست علوماً وأفكاراً منفصلة عن بعضها، اتّجه إليها تبعاً للمزاج والذوق، بل إنها جميعاً أجزاء متماسكة، ومؤلِّفات ضرورية لمجموعة فكرية واحدة، ورؤية كونية، وفلسفة حياة فردية واجتماعية مبنية على التعاليم الإسلامية.
2ـ محمد حسين الطباطبائي ــــــ
ولد السيد محمد حسين الطباطبائي في 29 ذي الحجّة سنة 1321هـ في مدينة تبريز. وفقد والدَيْه في فترة الصغر. وعند التاسعة التحق بالكتاتيب، فدرس اللغة العربية وعلم الكلام والفقه والأصول لمدّة ثماني سنوات في مسقط رأسه. وتوجّه بعد ذلك إلى النجف الأشرف، وتتلمذ في الدراسات العليا للعلوم الإسلامية المختلفة عند أساتذةٍ بارزين في تلك الفترة. فدرس الفقه والأصول إلى درجة الاجتهاد عن النائيني، أبي الحسن الأصفهاني، ومحمد حسين الأصفهاني، والرياضيات عند أبي القاسم الخوانساري. واستفاد من فيلسوف عصره أبي حسين البادكوبي(1293 ـ 1358) ـ وهو من تلامذة الميرزا هاشم الإشكوري ـ، أبي الحسن جلوه، وعلي المدرِّس الزنوزي، وفي العرفان والسلوك المعنوي انتهل من أساتذة أمثال: الميرزا علي القاضي.
وفي سنة 1314هـ.ش عاد إلى موطنه بكنزٍ من العلوم والمعارف، وأقام هناك لمدّة عشر سنين. وضمن العمل بالزراعة؛ لتأمين المعيشة، كانت له تأمُّلات ومراقبة، وتأليف لبعض الرسائل. وفي سنة 1325؛ ونتيجةً للاضطرابات وعدم الاستقرار الذي سبَّبته الحرب العالمية الثانية في أذربيجان، توجَّه إلى الحوزة العلمية في مدينة قم، وبدأ مرحلةً جديدة مثمرة من حياته ـ وإنْ كانت صعبة ـ بالتدريس والتحقيق والتأليف، واستمرَّت إلى آخر عمره. وقد توفّي العلامة الطباطبائي في 18 محرم 1404هـ في مدينة قم، تاركاً ميراثاً قيِّماً. وأهمّ ميراثه عبارة عن: المؤلّفات، الخدمات، والإصلاحات، والأفكار، والتلاميذ.
كتب العلامة الطباطبائي في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية، كالفلسفة والكلام والتفسير والعرفان والفقه والحديث، إلا أن أهمّ مؤلَّفاته وأكثرها تأثيراً كانت في حقلَيْ تفسير القرآن والفلسفة الإسلامية. ولا شكّ أن أهمّ مصنَّف للعلامة الطباطبائي، وبحسب اعتقاد بعض العلماء هو أهمّ مصنَّف للشيعة في القرن الرابع عشر الهجري، كتاب «الميزان في تفسير القرآن» بأجزائه العشرين، الذي يعتبر كنزاً من العلوم والمعارف المختلفة العقلية والنقلية والمعنوية. ولا بُدَّ من البحث عن الأفكار الفلسفية والكلامية للعلاّمة في هذا الكتاب. فالميزان بديعٌ في أسلوبه، وفي محتواه. وفي آرائه التفسيرية كثيرٌ من الإبداع. ومن أهمّ المؤلَّفات الفلسفية للعلاّمة الطباطبائي: الحواشي على الأسفار الأربعة لملا صدرا، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، بداية الحكمة، ونهاية الحكمة، بالإضافة إلى رسائله الكثيرة في المسائل الفلسفية والمنطقية والعرفانية والكلامية، والتي كتب بعضها بالفارسية، والأخرى بالعربية.
ويمكن اعتبار مجيء العلامة الطباطبائي إلى الحوزة العلمية في قم نقطة فاصلة في الحوزة العلمية الشيعية. فبجهوده دبَّت الحياة والنشاط في حوزة قم العلمية. وقد تتلمذ على يديه تلامذةٌ بارزون، وألف كتباً بديعة، وأوجد توجُّهاً جديداً في الحوزة العلمية اتَّسع تأثيره يوماً بعد يوم. ونظراً لتوافّر العلامة الطباطبائي على ميزات علمية وعملية كان من الشخصيات المؤثِّرة جداً، والتي تجاوز نطاق تأثيرها الزمان والمكان اللذين كان يعيش فيهما. وبعض تأثيراته خالدة وعامة، ولا تختصّ بتلامذته، بل تأصَّلت وتحوَّلت ـ إلى حدٍّ ما ـ إلى تقاليد قائمة. يقول أحد تلامذة العلامة في هذا الشأن: «لا بُدَّ أن تمضي سنوات بل قرون حتّى تعرف كلّ أبعاده الوجودية بشكل كامل، ولا بُدَّ أن تدرس تأثيراته العظيمة الكبيرة في مجتمعنا»([10]).
عند مجيء العلامة الطباطبائي إلى مدينة قم لم تكن الفلسفة تحظى بمكانة مناسبة. والنظرة السائدة للفلسفة لم تكن نظرةً إيجابية. وما عدا بعض الحلقات الدرسية الصغيرة والمنزوية لم يكن للفلسفة مجالٌ في الظهور. فعمل العلامة الطباطبائي، بالرغم من المعارضة والمضايقات الكثيرة، على إحياء الدرس الفلسفي، وتعريف فضلاء الحوزة العلمية بالفلسفة. واستطاع خلال سنوات من العمل المتواصل أن يربّي جماعة من الفلاسفة المفكِّرين، ويلفت أنظار الجيل الجديد في الحوزة إلى الدرس الفلسفي. وقبل مجيء الطباطبائي إلى قم كان الإمام الخميني أحد الأساتذة البارزين للفلسفة والعرفان في قم، وكان الكثير من الطلاب الذين يشتركون في درس العلامة الطباطبائي يُعَدُّون من تلامذة الإمام الخميني&.
وكان العلامة من روّاد البحث الفلسفي المقارن، ومن أوائل الفلاسفة المسلمين الذين تصدّوا للفلسفات الغربية الجديدة، وقام بتحليلها ونقدها. ففي القرن الرابع عشر الهجري الشمسي، وبالأخصّ في العقد الثالث، انتشرَتْ الفلسفة الماركسية في إيران، ولا سيَّما من قبل حزب تودة، وعلى الأخصّ مؤلَّفات «تقي أراني» في هذا المجال. وشيئاً فشيئاً أخذت أفكار الفلاسفة الغربيين التقليديين، أمثال: ديكارت وكانت، تطرح أيضاً في المحافل الجامعية وبين المثقَّفين. وتبلور أوّل ردّ فعل من العلامة الطباطبائي، الذي تعرَّف على هذه الأفكار من خلال الترجمات الفارسية والعربية، بتشكيل حلقاتٍ درسية تمخَّض عنها تأليف كتاب «أصول الفلسفة». وفي هذا الكتاب، وضمن نقد العلاّمة للفلسفة الماركسية، عرض الفلسفة الإسلامية بأسلوب جديد. وقد احتوى هذا الكتاب على آراء جديدة، من حيث أسلوب عرض البحث وتبويب الأبحاث الفلسفية، ومن حيث الأدبيات الفلسفية الإبداعية والرائدة. وتلك هي المرّة الأولى التي يتكلَّم فيها فيلسوف إسلامي في بحث «نظرية المعرفة» بنحوٍ جديد ومبتكر، ويطرح مسائل ما بعد الطبيعة في بحث الوجود، الحركة والزمان والإلهيات الفلسفية، في قالبٍ جديد وناظر إلى الأسئلة الفلسفية المعاصرة.
3ـ مرتضى المطهري ــــــ
ولد مرتضى المطهري في 13 بهمن 1298هـ.ش في فريمان التابعة لخراسان. وفي الثانية عشرة من عمره التحق بالحوزة العلمية في مشهد؛ لدراسة العلوم الإسلامية. وفي سنة 1316هـ.ش انتقل إلى مدينة قم؛ لإكمال دراسته. وهناك حضر دروس الفقه والأصول عند أبرز أساتذة عصره، أمثال: الشيخ حجّت الكوهكمري، السيد صدر الدين الصدر، السيد أحمد الخوانساري، السيد محمد الداماد، والسيد حسين البروجردي، حتّى وصل إلى أعلى مراحل الاجتهاد. وفي حدود سنة 1332هـ.ش اشترك في دروس شرح المنظومة ودروس الأسفار عند الإمام الخميني، واستفاد منه لمدّة اثنتي عشرة سنة أيضاً في دروس الأخلاق والفلسفة والفقه والأصول. وبعد أن تعرَّف على العلامة الطباطبائي التحق بحلقة درسه، وكان من تلامذته المتميِّزين، بحيث أوكل إليه العلاّمة شرح مؤلَّفه المهمّ «أصول الفلسفة». وتتلمذ عنده أيضاً في فلسفة ابن سينا وبعض أبحاث الحكمة المتعالية. كذلك حضر الشهيد المطهري لمدّة دروس الميرزا مهدي الآشتياني(1306 ـ 1372هـ)، ولفترة أيضاً عند الميرزا علي الشيرازي.
وهاجر المطهري سنة 1331هـ.ش إلى طهران، وبدأ نشاطاته في ثلاث مجالات: الحوزة العلمية؛ والجامعة؛ والمجتمع. وكانت له علاقات ودوافع سياسية واجتماعية. ولهذا السبب فقد كانت نشاطاته السياسية (النضال ضدّ النظام الملكي) جزءاً من حياته. وازداد نضال المطهري منذ وقوع حوادث 15 خرداد سنة 1342هـ.ش، واستمرت حتّى شهادته في 11 أرديبهشت 1358هـ.ش. وكان المطهري مفكِّراً إسلامياً، بالإضافة إلى كونه ناشطاً سياسياً واجتماعياً. وكان له دورٌ مهم في الصحوة الإسلامية ونمو الوعي الديني في المجتمع الإيراني من خلال تدريسه في الجامعة والخطب في المحافل المختلفة، ومنها: حسينية الإرشاد في طهران، ونشر الكتب والمقالات الكثيرة. أدَّت أصالة الفكرة وقدرة البيان وتأثير قلم المطهري إلى أن يُعرف بوصفه منظِّراً للثورة الإسلامية، والمساند الفكري والفلسفي لها. وقد كلَّفه الإمام الخميني سنة 1357هـ.ش بتشكيل «شورى الثورة». وكانت شهادته ليلة 11 أرديبهشت سنة 1358، عند عودته إلى منزله، بطلقةٍ غادرة من قبل جماعة الفرقان الإرهابية، بلغ بها أمنيته، وهي الشهادة في سبيل الله.
كان تدريس الفلسفة الإسلامية في الحوزة والجامعة، وكتابة المؤلَّفات الفلسفية، من أهمّ رغباته ونشاطاته الدائمة. وقد كان شرحه على أصول الفلسفة للعلامة الطباطبائي، وهو من أوائل مؤلَّفات فترة شبابه، من أكثر الكتب الفلسفية المعاصرة قراءة في إيران. وله كتبٌ ومقالات في مسائل فلسفية مختلفة. وقد دوِّنت الكثير من كتبه بعد شهادته بالاستفادة من الدروس الصوتية، ونشرت، مثل: شروحه على إلهيات الشفاء [لابن سينا]، والأسفار الأربعة [لملا صدرا]، وشرحَيْه المختصر والموسَّع على منظومة الملاّ هادي السبزواري. وترك المطهري أيضاً مؤلَّفات كلامية كثيرة، كتبت بذوق فلسفيّ، أمثال: كتاب العدل الإلهي، والمجموعة (مقدّمة على الرؤية الكونية الإسلامية) المؤلّفة من سبعة أجزاء. ومن آثاره الأخرى تصحيح وتحقيق كتاب التحصيل لبهمنيار. وله مؤلَّفات أخرى في تفسير القرآن والفقه والعرفان والتاريخ والسياسة والتعليم والتربية.
كان المطهري ماهراً في تدريس المتون التقليدية في الفلسفة الإسلامية. وفي تأليفاته إبداع واستيعاب وتحليل ونقد للفلسفات الأخرى. ويمكن اعتباره نقطة تحول مهمة في الفكر والثقافة الفلسفية في إيران. فالمؤلفات الفلسفية قبله كانت تخصصية جداً، وتهتم بها ثلة قليلة. طبعاً كانت ظروف الفترة الزمانية للمطهري مختلفة عن الفترات السابقة، ففي زمانه كانت الأجواء والإمكانات أكثر مناسبة للاهتمام العام بالفلسفة، إلا أن أسلوبه في طرح المباحث الفلسفية ممتازٌ وفعّال جداً.
ومن خصائص الشهيد المطهري التنوُّع والسعة في الموضوعات التي بحثها وكتب فيها. وهذا التنوُّع مشهود في الموضوعات الفلسفية وغير الفلسفية أيضاً. وكلّ موضوع يشعر بضرورة البحث حوله يهمّ به ويبحث فيه. فمن الموضوعات التي كتب أو تحدث عنها المطهري: الوجود، نظرية المعرفة، الدين، الإنسان، علم النفس، الأخلاق، الفقه، الحقوق، التاريخ، الاقتصاد، الاجتماع، والثورة [الإسلامية].
ومن خصائص المطهري في مجال الفلسفة هو الكتابة بالفارسية. ولئن وُجدت أحياناً بعض المؤلَّفات الفلسفيّة باللغة الفارسية، إلاّ أن اللغة العلمية السائدة في الحوزات العلمية الإسلامية، ومنها إيران، هي اللغة العربية، والتقليد الغالب في الكتابة الفلسفية أنها بتلك اللغة. وقد كتبت أهم المصنَّفات الفلسفية الإسلامية منذ النشأة وإلى اليوم باللغة العربية، رغم أن أغلب كتّابها كانوا من الفرس، ولهذا لم يهتمّ بتلك المصنَّفات إلاّ فئة قليلة.
عرفت الفلسفة في كلّ مكان بالصعوبة والتعقيد. والفلاسفة الذين كتبوا في الماضي باللغة الفارسية لم يذلِّلوا من صعوبتها. ومن خصائص المطهري الأخرى وضوح بيانه في شرح المطالب الفلسفية. وقد سمحت له قابليته الذاتية، وتجربة تدريس الفلسفة في محافل مختلفة، في الحوزة والجامعة وغيرها، بالقدرة الاستثنائية على بيان واضح للأبحاث الفلسفية. وكان يطرح الأبحاث الفلسفية الغامضة بصورةٍ سلسة يمكن فهمها حتّى في خطبه بين عامّة الناس، بدون أن يؤثّر على دقّة المطالب وإتقانها.
من الخصائص الأخرى للمطهري تناوله للأبحاث الفلسفية المقارنة؛ لأن اطلاعه على بعض الفلسفات الغربية جعله من الروّاد في طرح الأبحاث المقارنة. فقد حلَّل ونقد بأبحاث موسَّعة الأبعاد المختلفة للمذهب الماركسي، من المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، وحتى الاقتصاد والسياسة الماركسية، وقارن قضاياها المختلفة بالنظريات الإسلامية. وفي كتاب «أصول الفلسفة»، وبالأخصّ في الأبحاث المتعلِّقة بالمعرفة، عرض ونقد المطهري آراء بعض الفلاسفة الغربيين والمدارس العقلية والتجريبية الغربية. وكذلك في بعض دروسه التي ألقاها لبعض أساتذة ومترجمي الفلسفة الغربية، والتي طبعت بعد شهادته، ونشرت تحت عنوان «الشرح الموسَّع للمنظومة»، تعرض لآراء بعض الفلاسفة الغربيين، أمثال: هيوم وكانت وهيغل. وقد بحث في مؤلَّفاته المختلفة أفكار الفلاسفة الغربيين، من اليونان القديمة إلى الفلاسفة المعاصرين.
ومن الخصائص الأخرى في الفكر الفلسفي للمطهري هو الاهتمام بتاريخ الأبحاث الفلسفية. وربما كان أوّل فيلسوف إسلامي أشار إلى أهمية تاريخ الفلسفة. وله خطوات في هذا المجال. ويعتبر كتابه «الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران» من أوّل الخطوات في التأريخ للفلسفة الإسلامية([11]).
إن شرح الفلسفة الصدرائية، نقد الماركسية، وغيرها من الفلسفات الغربية المعاصرة، والعرض الجديد لأبحاث المعرفة، الفطرة، فلسفة التاريخ، وطرح الإلهيات أو الكلام الجديد بنظرةٍ معاصرة، من الخدمات التي قدَّمها الشهيد المطهري للفكر الإسلامي المعاصر. وقد أُلِّفت كثيرٌ من الكتب والرسائل والمقالات حول أفكار الشهيد المطهري. لكنّه لم يَجْرِ حتّى الآن تحليلٌ شامل لكلّ فكره الفلسفي.
لا شكّ أن المطهري من أكثر المفكِّرين تأثيراً في مجال البحث والفكر الديني في إيران المعاصرة. ويمكن القول بجرأة: إنه قلما يوجد بحثٌ ودراسة في الموضوعات الدينية لا تجد فيه أثراً لأفكار وأدبيات المطهري. وهذا الكلام لا يصدق على أيّ فرد آخر.
ورغم أن المطهري فيلسوف صدرائي، إلاّ أن له الاستقلال في الرأي. وكان منهجه نقد الآراء. وقد نقد بعض آراء حتّى أكثر أساتذته محبة واحتراماً لديه، وهو العلامة الطباطبائي أيضاً. فمثلاً: انتقد رأي العلامة الطباطبائي في بحث الاعتباريات، وطرح آراءً مختلفة عن آراء العلامة الطباطبائي.
لا يرى المطهري الكلام التقليدي قادراً على بيان الاعتقادات الدينية والدفاع عنها؛ لكنّه يعتبر الفلسفة الإلهية للإسلام أكثر قدرة على ذلك. ويرى امتياز بعض المتكلِّمين، أمثال: نصير الدين الطوسي، في فكرهم الفلسفي. ويسعى لتأسيس كلام عقلاني بالاستعانة بالميراث الإسلامي والعلوم المعاصرة.
استعمل المطهري الفلسفة بهدف حلحلة القضايا الفكرية المستحدَثة ـ خلافاً لبعض الفلاسفة التقليديين، الذين قصروا الفلسفة على النصوص التقليدية ـ. واستفاد من المنهج الفلسفي بصفته منهجاً لحلّ القضايا الفكرية في المجالات المختلفة. وقد اهتمّ بالفلسفة الإسلامية بشكلٍ عميق، واستفاد منها لبيان آرائه والدفاع عنها، ونقد الأفكار المختلفة.
4ـ مهدي الحائري ــــــ
مهدي الحائري اليزدي، ابن الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسِّس الحوزة العلمية في قم. وكانت ولادته سنة 1302هـ.ش في مدينة قم. وبعد إنهاء دراسته للمقدمات في العلوم الدينية درس الفلسفة، مقارناً لدراسته الفقه والأصول. أحد أساتذته في الفقه هو السيد البروجردي. وتتلمذ الحائري في الفلسفة الإسلامية عند كلٍّ من: الميرزا مهدي الآشتياني والسيد أحمد الخوانساري وسيف الله الإيسي، والأكثر عند الإمام الخميني. فقد تتلمذ عنده في شرح منظومة السبزواري وأسفار الملا صدرا لمدّة تفوق عشر سنوات. وتشهد مؤلَّفاته أنه أصبح أستاذاً مقبولاً في الفلسفة الإسلامية. يقول: إنه كان لديه ارتباط علمي مع الإمام الخميني لمدّة عشرين سنة، وكان يستفهم منه في مشكلات النصوص العرفانية عن طريق المكاتبة([12]).
وبعد أن أنهى دروسه التقليدية في الحوزة انتقل الحائري إلى أمريكا ليدرس الفلسفة الغربية في جامعات جورج تاون، مشيغان، وتورنتو. وكتب رسالته للدكتوراه تحت عنوان (أصول المعرفة في الفلسفة الإسلامية: العلم الحضوري (M. Haeri Yazdi, The Principle of Epistemology in Islamic Philosophy: knowledge by presence)، ودرس الفلسفة لسنوات في عدّة جامعات في أمريكا وكندا. وفي سنة 1357هـ.ش عاد إلى إيران، ودرّس الفلسفة الإسلامية والمقارنة. وتوفي سنة 1378هـ.ش.
من مؤلّفاته الفلسفية: «علم كلي»، «كاوش هاي عقل نظري»([13])، «كاوش هاي عقل عملي»([14])، «هرم هستي»([15])، «آگاهي وگواهي»([16])، «ميتافيزيك»([17])، «التعليقات على تحفة الحكيم»، و«حكمت وحكومت». ونشرت بعض آثاره، التي كانت دروسه في طهران، بعد وفاته أيضاً. ومن هذه الآثار: فلسفه تحليلي (الفلسفة التحليلية)، وسفر النفس، ونظريه شناخت (نظرية المعرفة في الفلسفة الإسلامية) وجستارهاي فلسفي (مقالات فلسفية).
وكانت له مباحثات أيضاً مع العلامة الطباطبائي وجوادي الآملي في مجالات ما بعد الطبيعة وفلسفة الإسلام السياسية، بشكل مكاتبات نشرت في بعض المجلات.
ومن أبرز خصائص المباحث الفلسفية للحائري هو طابعها المقارن. وأهم نشاطاته في الفلسفة الإسلامية المعاصرة هو طرح الأبحاث الفلسفية المقارنة بشكلٍ تخصُّصي. ولئن كانت لبعض الفلاسفة المعاصرين في إيران بعض الأبحاث المقارنة أيضاً فإنّ كثيراً منهم لم يتناولوا الفلسفة الغربية عن قرب، أما الحائري فلأنه، بالإضافة إلى تخصُّصه في الفلسفة الإسلامية وعلم الأصول، كان متمكِّناً من اللغة الإنجليزية والفلسفة الغربية الحديثة، لذلك كان أوّل فيلسوف إسلامي أسَّس للفلسفة المقارنة بمعناها الأكاديمي، وكأنّه لم يجد الفرصة الكافية لبسطها والتوسع فيها. وكان الحائري، بالرغم من تمكنه من الفلسفة الغربية، شديد التمسّك بالفلسفة الإسلامية والدفاع عنها، وبالأخص فلسفة الملا صدرا. والفلسفة الغربية، ولا سيَّما الفلسفة التحليلية، أكثر تطوراً ـ من وجهة نظره ـ في المنهج من الفلسفة الإسلامية، أما من حيث المحتوى وحلّ المشكلات الفلسفية المهمة فإن الفلسفة الإسلامية أكثر تكاملاً في تعاملها([18]).
ومن مزايا الفلسفة الإسلامية في رأي الحائري عدم القطيعة في تاريخها. فالفلسفة الإسلامية تمثل طريقاً واحداً متكاملاً؛ خلافاً للفلسفة الغربية التي ابتُليت بذلك، وانقسمت إلى: فلسفة تقليدية؛ وفلسفة حديثة، وفيها الكثير من تشتُّت الآراء والانحرافات الفكرية([19]).
ويعدّ مهدي الحائري، وإنْ كانت لديه بعض الإبداعات، شارحاً للفلسفة الإسلامية، لا فيلسوفاً مجدداً. ولكن الشرح الذي يطرحه اجتهادي، وبلغة معاصرة، ومقارناً بالفلسفة الغربية. ومع ذلك كان يرجح المنهج التقليدي للفلسفة الإسلامية على كثير من المناهج الأخرى. لقد كانت آفاق التفلسف لدى مهدي الحائري رحبة، فبالإضافة إلى ما بعد الطبيعة، ونظرية المعرفة والنفس، تشمل مجالات أخرى، كفلسفة الأخلاق والحقوق، والفلسفة السياسية أيضاً.
ومن خصائص بحثه الفلسفي أنه كان ملتزماً بالأشكال المنطقية. ولهذا يلاحظ المنطق والبراهين والاصطلاحات المنطقية كثيراً في كتاباته. وكان تابعاً للمنطق الأرسطي ـ السينوي، ويعتبره رصيناً ومتقناً، وكان يستعين أيضاً بالمنطق الجديد. وكان تأثير المنطق السينوي من جهة، والفلسفة التحليلية المعاصرة من جهة أخرى، ملحوظاً في أسلوب تفكيره. ونظراً لتمكُّنه من كلا المنهجين الفلسفيين فقد كان يهتمّ بجدّية بتحليل المفاهيم والنظريات، وبالصور المنطقية للاستدلال أيضاً. ونحن وإنْ لم نعثر له على مؤلَّف مستقلّ في علم المنطق، إلاّ أن كتاباته تشير الى أنه منطقي ماهر، ومؤلفاته مليئة بالاصطلاحات والدقائق المنطقية. وقد أدَّت تلك الخصوصية إلى انعدام النصوص النقلية والصوفية في أبحاثه الفلسفية. ويرى الحائري أن طريق العرفان مستقلّ عن طريق الفلسفة. فالمعرفة العرفانية من سنخ العلم الحضوري، والفلسفة من سنخ العلم الحصولي؛ ولكلٍّ منهما منهجه الخاصّ به([20]).
5ـ جلال الدين الآشتياني ــــــ
ولد جلال الدين الآشتياني في سنة 1304هـ.ش في مدينة آشتيان. وبعد التعلُّم في الكتاتيب، وإنهاء المرحلة الابتدائية، قضى مدّة في تعلُّم الخط. وفي سنة 1323هـ.ش، وبتشجيع من والدته، ذهب إلى مدينة قم لدراسة العلوم الإسلامية، واشتغل بتحصيل اللغة العربية والفقه والأصول والكلام. تتلمذ في بعض الدروس العليا في العربية والفقه عند الشهيد صدوق. واستفاد من دروس الشيخ مهدي المازندراني الأميركلاهي في الفلسفة الإسلامية، وحضر في الفقه والأصول عند السيد حسين الطباطبائي البروجردي والسيد محمد تقي الخوانساري. في سنة 1336 و1337 سافر إلى النجف، واشترك في دروس السيد محسن الحكيم والسيد عبد الهادي الشيرازي والميرزا حسن البجنوردي. عاد بعدها إلى قم، واشترك في حلقة التفسير والفلسفة للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي. واستفاد في قزوين ـ بمعية السيد مصطفى الخميني ـ من دروس الأسفار للسيد أبي الحسن الرفيعي. ونظراً لصداقته القديمة مع السيد مصطفى الخميني كان على ارتباط بالإمام الخميني طوال فترة درسه، واستفاد منه في مجالات متعدّدة. وفي سنة 1338هـ.ش، وبكتابة رسالة «هستي أز منظر فلسفه وعرفان»([21])، التحق بجامعة فردوسي في مشهد، واشتغل هناك بتدريس الفلسفة والعرفان. وشرع منذ سنة 1363هـ.ش بتدريس المتون العرفانية في الحوزة العلمية في مشهد، واستمر إلى سنة 1376هـ.ش([22]). توفي الآشتياني في مشهد سنة 1384هـ.ش.
ورغم أن الآشتياني كان مدرساً للفلسفة والعرفان، إلاّ أن دوره الأساسي في تطوير الفلسفة والعرفان تجلّى في آثاره المكتوبة، فقد ترك الكثير من المؤلّفات في الفلسفة والعرفان الإسلامي. وإحدى خدماته البارزة في هذا الباب إحياء الكثير من مؤلَّفات القدماء. فقد صحح ونشر الكثير من الكتب والرسائل الحكمية والعرفانية. والجزء الأكبر من تحقيقاته وآرائه في مقدماته على المصنفات التي يصححها وينشرها. وبعض تلك المقدمات قيمة، وتشكل بذاتها كتاباً مستقلاًّ. وهذا الأسلوب بين علماء الدين لا سابق له تقريباً، وحتى بعده أيضاً لا يوازيه شخصٌ في ذلك. وكل الباحثين في الفلسفة والعرفان الإسلامي مدينون لجهوده من هذه الناحية.
ومن المصنفات التي حقَّقها السيد الآشتياني، وكتب مقدمات تحقيقية عليها، وشرح بعضها: الشواهد الربوبية، للملا صدرا؛ زاد المسافر، للملا صدرا؛ أصول المعارف، للفيض الكاشاني؛ شرح فصوص الحكم، لمؤيد الدين الجندي؛ شرح فصوص الحكم، للقيصري؛ رسائل القيصري؛ تفسير سورة الحمد، للقونوي؛ مشارق الدراري، للفرغاني؛ تمهيد القواعد، لابن تركة.
لم يكتفِ الآشتياني بإحياء الكثير من آثار السابقين، بل كانت له اليد الطولى في التعريف بالفلاسفة المسلمين أيضاً. إن معرفته بتاريخ الفلسفة الإسلامية، واطلاعه على أحوال الحكماء، ولا سيَّما المتأخِّرين، لا نظير له. وقد أخرج كثيراً من الحكماء من المجهولية، وعرّفهم للآخرين. وهو وإنْ لم يتمكن من تدوين دورة شاملة لتاريخ الفلسفة الإسلامية إلاّ أنه خطا خطوات كبيرة في هذا المجال، ووفر المادة الأساسية المهمة لتدوين هكذا تاريخ([23])([24]). ولا يستغني أيّ مؤرخ في الفلسفة والعرفان الإسلامي عن مؤلفات السيد جلال الدين الآشتياني. إن كثيراً من معلوماته التاريخية في ما يخص الفلاسفة المعاصرين معلومات جديدة، ومن خلال معرفته المباشرة بهؤلاء الفلاسفة. والمعلومات التاريخية، ولا سيَّما عن القرون الأربعة الأخيرة، وكثير من معلوماته، مأخوذةٌ شفاهاً، وهذا ما يعطي قيمة حصرية لمؤلَّفاته. وكان للآشتياني معرفة يعتدّ بها أيضاً حول تاريخ إيران.
أحد المؤلفات المهمة للآشتياني في مجال تاريخ الفلسفة الإسلامية كتاب «منتخباتي أز آثار حكماي إلهي إيران»([25])، والذي يعرض مسيرة الفلسفة والعرفان منذ عصر الميرداماد والمير فندرسكي، وحتى عصر علي الحكيم ومحمد رضا قمشه إي. وقد كتب الباحث الفرنسي المعروف هنري كوربان مقدّمة لهذا الكتاب. ([26])
ولم يكن الآشتياني ماهراً في تاريخ الفلسفة والعرفان الإسلامي، وتحليل وشرح المسائل الفلسفية ومناقشة الآراء، فحَسْب، بل إنّ له آراءه الخاصة في بعض المسائل الفلسفية([27]).
لم يهتمّ الآشتياني بالفلسفة الغربية، ولم يبحث فيها، لكنه يرى ضرورة التجديد والتحول في الفلسفة الإسلامية، ويعتقد بضرورة الاهتمام بالعلوم الحديثة في الأبحاث الفلسفية المرتبطة بتلك العلوم.
كان الآشتياني صاحب نظر في الفلسفة الإسلامية والعرفان أيضاً، وكان متمكناً بلا منازع في الميراث الفلسفي والعرفاني للإسلام، ولا سيَّما في حقل الإلهيات. وكان تعلُّقه بالعرفان، ويفضّله على الفلسفة([28]). وأكثر آثار الآشتياني تختص بالعرفان. فهو أحد الشارحين البارزين للعرفان النظري لابن عربي. ويعتقد أنه «لا يمكن بالعقل النظري الصرف الدخول إلى ميدان فتحه أرباب الولاية»([29])، فبالعقل النظري يمكن الاطّلاع فقط على خواص الأشياء ولوازمها، لا على حقيقتها؛ لأن تعامل العقل النظري مع المفاهيم، ولا يوجد أي مفهوم يمكنه الحكاية عن تمام هوية واجب الوجود؛ أما متعلق المعرفة العرفانية فهو الحقائق الخارجية، لا المفاهيم، وإنْ كان سلوك طريق العرفان ليس ميسَّراً لكلّ أحد.
إن نظرة الآشتياني إلى العرفان نظرة شيعية، ولهذا فهو يقيِّم عرفان ابن عربي من هذه الزاوية. وهو لا يؤيِّد تصوُّف الدراويش والخانقاهات. والعرفان المطلوب بالنسبة إليه مبني على تعاليم مذهب أهل البيت. وهو يعتقد أن للعرفان دعامتين: التوحيد؛ والولاية. وهذان الركنان لم يؤصلا بشكلهما الكامل إلاّ في مذهب أهل البيت. ولهذا فهو ـ مثل هنري كوربان ـ يؤكّد على الاتصال الوثيق بين العرفان والتشيع، ويرى أنه لا يمكن أداء حقّ العرفان مع الاعتقاد بالفكر المعتزلي والأشعري([30]).
6ـ محمد باقر الصدر ــــــ
كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر(1353 ـ 1400هـ) من علماء الرديف الأول في الحوزة النجفية، ومن المفكرين البارزين في العصر الحالي. وهو من النوادر في النبوغ والإبداع بين معاصريه. كان مقدّماً في الفقه والأصول، وله إبداعات باهرة، وكان رائداً ومبدعاً في الفكر الفلسفي، وفريداً في فهمه للعالم الجديد، وكان سبّاقاً في ميدان الجهاد لتحقيق أهدافه الإسلامية المقدسة. ولهذا فقد استشهد مظلوماً تحت التعذيب الوحشي للزمرة الصدامية، مع أخته العلوية الفاضلة بنت الهدى.
ولكي نقدّم عرضاً وتحليلاً للأفكار الفلسفية للشهيد الصدر لا بُدَّ أن نسبر ونتتبع كلّ مؤلَّفاته، ومنها مصنّفاته في علم أصول الفقه. ويمكن العثور على الجزء الآخر من أفكاره الفلسفية في كتاباته حول الدين والسياسة والحكومة والاجتماع والاقتصاد.
ولا شكّ أن الشهيد الصدر كان على معرفة بموجة الفكر الجديد في إيران، ولا سيَّما مؤلفات العلامة الطباطبائي والشهيد مطهري وغيرهم من المفكّرين الإيرانيين المعاصرين. وقد كان ـ كهؤلاء المفكّرين ـ في مواجهةٍ مع الفكر الغربي، ولا سيَّما الماركسي، وقد حلل وناقش الأبعاد المختلفة لهذا المذهب. وكان نقده للماركسية أصيلاً ومتيناً ومبتكراً. وأول مؤلّفاته الفلسفية كتاب (فلسفتنا)، والذي لا يخلو من شبه بكتاب أصول الفلسفة والمذهب الواقعي، للعلامة الطباطبائي ومرتضى المطهري، من حيث نقده للماركسية. ولهذا الكتاب قرّاء كثيرون في العالم العربي والإسلامي، بل من غير المسلمين أيضاً، وكان له تأثيرٌ كبير. وقد اختير هذا الكتاب كمتن درسي لنقد الماركسية والفلسفات الجديدة في بعض المدارس الدينية، ومنها الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة. وقد بحث الشهيد الصدر فيه قضايا فلسفية مختلفة، من قبيل: مسألة المعرفة، والإدراك، والعلية، والمادة، والله من وجهة نظر المذاهب الفكرية المختلفة. وفي كتابه (اقتصادنا) نقد الشهيد الصدر الماركسية والرأسمالية (Capitalism) بعمق، وأصّل للنظام الاقتصادي الإسلامي لأول مرة. وكتب عدة رسائل في الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وعرض فيها رؤيته للقضايا السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية([31]). ولا يتّسع هذا المقال لعرض تحليل مفصل للآراء السياسية للشهيد الصدر، لكنّا سنلقي نظرة إجمالية على أحد مؤلفاته الفلسفية.
لا شكّ أن أهم الجهود الفلسفية للشهيد الصدر تتجلى في تقديم نظرية جديدة حول الاستقراء، في كتابه «الأسس المنطقية للاستقراء». وفي ذلك الكتاب يوضح الشهيد الصدر نظرية الاحتمال، والأبحاث المنطقية والمعرفية المتعلّقة بها. وقد عرض نظريات الفلاسفة الغربيين في هذا المجال، وناقشها، ثم قدّم نظاماً منطقياً ومعرفياً جديداً لم يستفِدْ منه في المعرفة بشكلٍ عام، بل في الإلهيات، وحتّى في الفقه أيضاً.
7ـ محمد تقي الجعفري ــــــ
درس محمد تقي الجعفري(1304 ـ 1377هـ.ش) مقدمات العلوم الإسلامية في مسقط رأسه تبريز. ثم اطلع لمدة على السطوح المتوسطة للعلوم الإسلامية في مدرسة مروي (طهران)، ولفترة في مدينة قم أيضاً. ودرس شرح منظومة السبزواري وبعض الأسفار في طهران عند الميرزا مهدي الآشتياني. وفي سنة 1327هـ.ش انتقل إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ودرس هناك لمدة إحدى عشرة سنة السطوح العالية للعلوم الإسلامية عند أساتذة بارزين في تلك الفترة، أمثال: السيد أبي القاسم الخوئي، والسيد محسن الحكيم، والسيد جمال الگلبايگاني. واشترك لمدّة أيضاً في دروس الفلسفة للشيخ صدرا القفقازي والشيخ مرتضى الطالقاني. وعاد بعد مدّة إلى مشهد. وأخيراً اختار طهران للإقامة، واشتغل بتدريس العلوم الإسلامية في المدارس العلمية، والخطابة في المجالس الدينية. وكان من نشاطاته الدائمة الخطابة في الجامعات والمحافل العلمية، واللقاءات والحوارات مع ذوي الاختصاص والمجلات العلمية.
للجعفري دراسات واسعة في المجالات المتنوّعة من الفلسفة والعلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية، بدأها منذ دراسته في النجف، واستمر عليها حتّى أواخر حياته. وكان له أيضاً، بالإضافة إلى مطالعاته في التراث الإسلامي، مطالعات واسعة في مؤلفات المفكرين الغربيين في المجالات المختلفة، كالفلسفة والعلوم الإنسانية والآداب. وضمن استفادته من آراء المفكرين كان جادّاً في مناقشتها. ومن هؤلاء يمكن الإشارة إلى ميكافيلي، وتوماس هوبز، وديفيد هيوم، وبرتراند رسل، والفرد نورت وايتهد.
ترك الأستاذ الجعفري ما يقارب مائة وخمسين مؤلفاً علمياً. وأول مؤلف فلسفي له هو كتاب «ارتباط إنسان ـ جهان»([32]). ومن أهم مؤلفاته شرحه للمثنوي، لجلال الدين الرومي (مولوي)، في خمسة عشر مجلداً([33])، وشرحه المؤلّف من سبعة وعشرين مجلداً على نهج البلاغة، ولم يكتمل. وقد ناقش في كتابه الأخير الكثير من المسائل الفلسفية والمعرفية والإلهيات، وصولاً إلى فلسفة التاريخ والاجتماع. وتحدّث في كتبه ورسائله المختلفة عن موضوعات فلسفية ودينية متنوعة، وفي العلوم الإنسانية من قبيل: الله، الجبر والاختيار، الوجدان، الإنسان، العلم، الحياة، العدالة، الحرّية، الفنّ، حقوق الإنسان، والعرفان.
لا تلحظ في مؤلّفات الجعفري رغبة في تتبُّع الأبحاث التقليدية للفلسفة الإسلامية، من قبيل: مباحث الوجود، وشرح وتفسير الحكمة المشائية والإشراقية أو الحكمة المتعالية. ويمكن القول: إنه يهتمّ بابن سينا أكثر من غيره بين فلاسفة المسلمين. ومن مقدّمته على المجلد الثالث من كتاب «حكمت بو علي سينا»، من تأليف الشيخ محمد صالح الحائري المازندراني، وتوافقه مع المؤلف في بعض اعتراضاته على الملا صدرا، ولا سيَّما في بحث أصالة الوجود ووحدة الوجود أيضاً، يمكن استنباط أنه ـ على الأقلّ في بداياته ـ كانت له هكذا نزعة. وقد كان في الغالب مستقلاًّ في اختياره للموضوعات، وأسلوب بحثه أيضاً، وأحياناً نظرياته. ومن الصعوبة تصنيفه في أحد المسالك الفلسفية الرائجة. ولعلّ السبب في ذلك أنه لم يتتلمذ لفترةٍ طويلة عند فيلسوف بعينه. وكانت الدورات الفلسفية الرسمية التي حضرها عند الأساتذة قصيرة نسبياً، وفكره الفلسفي في الغالب حصيلة مطالعته لمؤلّفات الفلاسفة الشرقيين والغربيين، ولا سيَّما في المسائل الفلسفية المعاصرة.
وفي العرفان كان له مسلك مستقلّ أيضاً. فرغم ميله إلى العرفان الإسلامي من الصعب إدراجه ضمن أحد التيارات أو الشخصيات المعروفة في العرفان الإسلامي. وكان يستهويه العرفان الذي يستفيده من القرآن والسنّة وأفكار العرفاء المسلمين.
والجعفري عالم شيعي يسعى للإجابة عن أسئلة الإنسان المعاصر من خلال التعاليم الإسلامية، مستعيناً بالثقافة والأدبيات المعاصرة. وهو ـ كأغلب الفلاسفة المسلمين المعاصرين ـ يعتقد بتوافق العقل والوحي والكشف، ويرى توافق الفلسفة والعلم والعرفان والدين. ولهذا فهو يستفيد من المناهج المختلفة، العقلية والنقلية والتجريبية والعرفانية، إلاّ أن منهجه الأساسي عقلي وفلسفي. وتشهد مؤلّفاته أنه قلما يحيد في أبحاثه عن التحليل العقلي. والجعفري يحبّ الأدب الفارسي، ولا سيَّما الشعر الحكمي والعرفاني. وكثير من مؤلّفاته تختص بشرح وتوضيح آثار شعراء الفرس الكبار. وفي شرحه على المثنوي المعنوي حاول استخراج الرؤية الكونية للمولوي من أشعاره، ونقدها أحياناً. وفي مؤلّفاته الأخرى شرح وناقش أفكار الخيام والجامي وسعدي الشيرازي. ويستشهد الجعفري& في كافّة مؤلفاته تقريباً، وفي أبحاثه المختلفة، بأقوال الشعراء الفرس، والمولوي على الخصوص.
8ـ حسن زاده الآملي ــــــ
ولد الشيخ حسن حسن زاده سنة 1307هـ.ش في مدينة آمل. وأنهى دراسته الابتدائية ودرس مقدّمات العلوم الدينية في مسقط رأسه. وفي سنة 1329هـ.ش انتقل إلى طهران، ودخل مدرسة «الحاج أبو الفتح»، ثم مدرسة «مروي»، وتتلمذ عند أبي الحسن الشعراني، محيي الدين إلهي قمشه إي، محمد تقي الآملي، أحمد الآشتياني، الفاضل التوني، وأبي الحسن الرفيعي القزويني، في الفروع العلمية المختلفة، كالفقه والأصول والتفسير والفلسفة والعرفان والرياضيات والنجوم والطبّ. وفي سنة 1342هـ.ش توجه إلى قم، وحضر عند أعلام، أمثال: السيد محمد حسين الطباطبائي، محمد حسن إلهي قمشه إي، والسيد مهدي القاضي، في التفسير والفلسفة والعرفان والعلوم الغريبة. وكما نرى فإن العلامة حسن زاده قد استفاد من أساتذة كبار، وكانت له علاقات قريبة بكثيرٍ من هؤلاء الأساتذة. وكثيرٌ من دروسه كانت خصوصية، وهذا قلَّما يحظى به متعلِّم.
العلامة حسن زاده الآملي جامع للعلوم التقليدية، ووارث العلوم الإسلامية، وآخر الحكماء الذين جمعوا المعقول والمنقول، ومن ذوي الفنون المتعدِّدة. فهو في الأدب العربي والفارسي، الفقه، الحديث، التفسير، المنطق، الفلسفة، العرفان، الرياضيات، الهيئة، الطبّ، والعلوم الغريبة، صاحب نظر. وله مؤلَّف فيها. وقد درّس أكثر هذه العلوم المذكورة. ومن هنا فهو الوارث العلمي والمعنوي لأستاذه ذي الفنون العلامة «أبي الحسن الشعراني»، الذي كان متبحِّراً في كلّ هذه العلوم المذكورة وغيرها. ألّف الأستاذ حسن زاده ما يقارب مائتي كتاب ورسالة، وله قريحة شعرية، فهو يكتب الشعر العربي والفارسي. وعنوان ديوان شعره الفارسي «دفتر دِلْ». وله قصيدةٌ بالعربية عنوانها «ينبوع الحياة». وأكثر ميله إلى الفلسفة والعرفان. وأكثر كتاباته وتدريسه في هذا المجال. وأكثر مؤلَّفاته إما عرفانية خالصة أو ذات طابع عرفاني. بعض مؤلَّفاته بالعربية، وأكثرها بالفارسية.
من خدماته للعلم والمعرفة تصحيحه لكثير من المتون الفلسفية والعرفانية، وتعليقاته وحواشيه عليها، ومنها: الأسفار الأربعة، وبعض شروح فصوص الحكم، مثل: شرح الخوارزمي. ومن نشاطاته الأخرى لهذه العلوم أنه على دراية بالنسخ الخطية، وله مكتبة شخصية عامرة. وتمكّنه من المتون الإسلامية، وبالأخص الكتب الفلسفية والعرفانية لا نظير له. فقد درّس المتون التقليدية في الفلسفة، كالشفاء والإشارات والأسفار لعدّة مرات. ولا شكّ أنه مدرِّس ماهر في العلوم الإسلامية، ولا سيَّما المتون الفلسفية والعرفانية. وما هو مشهود في مؤلّفاته تتبُّعه الواسع لمؤلفات السابقين، ونقل بعض أقوالهم، وتوضيحها. ويظهر من دروسه أنه محقِّق متضلّع، وشارح ماهر للفلسفة الإسلامية.
للأستاذ حسن زاده ثقة كبيرة بمتانة الفلسفة الإسلامية، وقدرتها على الإجابة عن التساؤلات الفلسفية. ورغم معرفة الأستاذ باللغة الفرنسية إلاّ أنه لم يهتمّ بالفلسفة الغربية. والغرب ـ في رأيه ـ وإنْ تقدم في العلوم التجريبية، إلاّ أنّه في الإلهيات والمعارف الباطنية والسلوكية لا يقارَن على الإطلاق بالحكمة المتعالية والعرفان الإسلامي([34]).
والعلامة حسن زاده من المدافعين عن الحكمة المتعالية، ويرى عدم الانفصال بين الفلسفة والعرفان والدين. ويتكرَّر في مؤلفاته التأكيد على توافق وانسجام البرهان والعرفان والقرآن. ومن وجهة نظره فإن الفلسفة والعرفان لا جدوى منها بدون الوحي، وهو الذي يصنع الإنسان، والفلسفة الحقيقية هي القرآن والدين الإلهي، والدين الإلهي والفلسفة الإلهية واحدٌ. ومن جهة أخرى فالدين والعرفان مبني على البرهان؛ لأن إثبات العقائد الدينية مقدّم على كلّ شيء، وهذه هي مهمة الفلسفة. والقرآن بذاته مبنيّ على البرهان ومؤيّد له، وحتى المعايير المنطقية يمكن استخراجها من القرآن. وعليه فليس بين الفلسفة والعرفان والدين انسجام فحَسْب، بل لا يمكن انفصالها عن بعض، وتصوُّر انفصالها وعدم انسجامها ظنٌّ لا أساس له([35]).
وربما كان هذا هو السبب في امتزاج الأبحاث الفلسفية والكلامية والعرفانية، وتجد فيها أقوال الحكماء والعرفاء والشعراء والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة جنباً إلى جنب.
وقد درّس لسنواتٍ طويلة الكتب العرفانية، مثل: تمهيد القواعد، فصوص الحكم، ومصباح الأنس، وعلّق عليها وشرحها. كتاب «ممدّ الهمم در شرح فصوص الحكم» هو شرحه على فصوص الحكم، لابن عربي. ومن إبداعاته في هذا المجال أضافة فصٍّ إلى فصوص الحكم، وعنوان هذا الفصّ هو: «فصّ حكمة عصمتية في كلمة فاطمية». وقد شرح بنفسه هذا الفصّ في مجلّد مستقلّ([36]).
9ـ عبد الله جوادي الآملي ــــــ
ولد عبد الله جوادي الآملي سنة 1312هـ.ش [1933م] في مدينة آمل. وبعد إنهاء دراسته الابتدائية في المدارس الرسمية درس المقدّمات وسطوح العلوم الدينية، وحتّى سنة 1329هـ.ش، في مدرسة للعلوم الدينية في آمل. ثم توجّه إلى طهران، وسكن في مدرسة «مروي»، وتتلمذ في طهران عند أساتذة بارزين في تلك الفترة لمرحلة السطوح العالية للعلوم الدينية (الفقه، الأصول، الفلسفة والعرفان). وبعض أساتذته هم: أبو الحسن الشعراني، محيي الدين إلهي قمشه إي، محمد تقي الآملي، ومحمد حسين الفاضل التوني.
في سنة 1334هـ.ش انتقل إلى قم، وأقام في المدرسة الحجّتية، وحضر دروس الفقه والأصول عند أساتذة تلك الفترة، أمثال: المحقّق الداماد، السيد البروجردي، الميرزا هاشم الآملي، والإمام الخميني. واستفاد لمدّة طويلة من دروس العلامة الطباطبائي في الفلسفة والعرفان والتفسير.
ولتأثُّره بمنهج الإمام الخميني فقد اشترك بجدّية قبل الثورة الإسلامية وبعدها في النشاطات الاجتماعية والسياسية والتبليغية. ومن الجدير بالذكر أن جوادي الآملي كان حامل الرسالة التاريخية للإمام الخميني إلى غورباتشوف، آخر الرؤساء الشيوعيين للاتّحاد السوفياتي.
ومن نشاطاته الأخرى تدريس المتون الفلسفية، من بداية الحكمة للعلامة الطباطبائي، إلى كتاب الشفاء لابن سينا، والأسفار الأربعة للملا صدرا؛ والمتون العرفانية، من تمهيد القواعد لابن تركة، إلى فصوص الحكم لابن عربي. ولجوادي الآملي كثير من المؤلّفات المنشورة في الفلسفة والعرفان الإسلامي. و«رحيق مختوم» هو عنوان شرحه على الأسفار للملا صدرا، و«تحرير تمهيد القواعد» هو شرحُه على تمهيد القواعد.
اهتمّ جوادي ـ أسوةً بأستاذه العلامة الطباطبائي ـ بشكلٍ خاص بتفسير القرآن الكريم، وله أكبر حلقةٍ لدرس تفسير القرآن في الحوزة العلمية. وفي هذا الدرس يستعين الأستاذ جوادي بكلّ مؤهّلاته العلمية، من حديث وفقه وعلوم قرآن، وحتى الأدب والكلام والعرفان والفلسفة؛ لكي يقرِّب إلى مخاطبه فهم الكلام الإلهي. وتنشر دروس تفسير الأستاذ جوادي في مجلّدات تحت عنوان «تفسير تسنيم».
وهو ـ كغيره من فلاسفة الحكمة المتعالية ـ ملتزمٌ بتوافق الفلسفة والقرآن والعرفان، أو العقل والنقل والكشف. وهو مدرِّسٌ للفلسفة، محقِّقٌ في العرفان، ومفسِّرٌ للقرآن، وله تضلُّع ودراية في هذه الحقول الثلاثة باعتراف الخاصّ والعام. ولتقريره المتين والمتوافق مع ابن عربي والملا صدرا يتمتّع درسه بجاذبية كبيرة.
ولم يثنِ توغّل هذا الحكيم المتألِّه في مسائل الحكمة المتعالية والعرفان النظري وتفسير القرآن الكريم من الالتفات إلى تساؤلات وقضايا العالم المعاصر، بل استفاد من تلك المباني لمناقشة وحلّ بعض تلك المسائل. ولهذا تطالعنا أبحاثه بمقالات من قبيل وجهة نظر الإسلام حول البيئة، قضايا المرأة، والأخلاق السياسية، والعلاقة بين العقل والوحي، والعلم والدين.
إن اهتمام الأستاذ جوادي بالفلسفة والعرفان والتفسير، والسعي للتوفيق بين البرهان والعرفان والقرآن، له مبناه المعرفي والميتافيزيقي. فالحكمة المتعالية للملا صدرا ليست سوى الجمع بين هذه الأنواع الثلاثة من المعرفة. وكلّ واحدٍ من هذه المناهج طريق متقَن للوصول إلى الحقيقة؛ إلاّ أن كمال المعرفة بالجمع بينها. وطبعاً لا يعني هذا أن كلّ هذه الثلاثة لها نفس القيمة المعرفية، بل إن المعرفة الصافية المعصومة من الخطأ إنّما تطلب من الوحي، أما الفكر الفلسفي والرياضات العرفانية ـ وإنْ أوصلت إلى الحقيقة في الجملة ـ فإنها في غير المعصومين ليست مصانة من الخطأ. ولهذا فالبرهان والعرفان لا بُدَّ في النهاية أن تعرض على القرآن.
والحكمة المتعالية ليست مجرّد الاطّلاع على مجموع هذه المعارف المختلفة. وليس صحيحاً أن الذي يتعرّف على الفلسفة والكلام والعرفان وغيرها من المعارف يكون قد وقف على الحكمة المتعالية، بل الحكمة المتعالية معرفة واحدة بسيطة تحوي المعارف الأخرى بنحوٍ أكمل، كما أن المطلق في عين وحدته يشتمل على الكثرات المقيدة([37]).
ولا تحصل الحكمة المتعالية ـ في رأيه ـ من جمع هذه الثلاثة فحَسْب، بل إن وجود وشخصية الحكيم أيضاً تتشكّل في ضوء هذه المصادر النورانية الثلاثة. والطريق لكسب تلك الحكمة أيضاً أن يستعين الحكيم بالفكر النظري البرهاني، والرياضات العرفانية المشروعة، وعرضها على الوحي القرآني ـ وتفسيره في كلام المعصوم ـ، والعيش مع الوحي، فَيَصِل إلى المعرفة الأصيلة، والتحوّل الجوهري الوجودي الجامع للعلم والعمل، وهنا يكون قد وصل إلى الحكمة المتعالية([38]).
وأحد آثار تلك الحكمة هو أن معطياتها مقبولة وحجة للفيلسوف المنطقي، كما أنها كذلك بالنسبة إلى العارف المكاشف، وإلى عالم الدين المتعهّد بالوحي الإلهي([39]).
10ـ محمد تقي مصباح اليزدي ــــــ
بعد إنهاء دراسة المقدمات والسطوح في العلوم الدينية في مدينة يزد سافر محمد تقي مصباح اليزدي(1313هـ.ش) [1934م] إلى النجف سنة 1330هـ.ش؛ لدراسة العلوم الدينية. وبعد سنة عاد إلى قم، فتتلمذ في الفقه والأصول عند عبد الكريم الحائري اليزدي، حسين البروجردي، روح الله الخميني، ومحمد تقي بهجت. كما أنه استفاد من التعاليم الأخلاقية والمعنوية لبهجت أيضاً. وتتلمذ في الفلسفة وتفسير القرآن والأخلاق والمعنويات، لأكثر من عقدين، عند السيد محمد حسين الطباطبائي.
جعل الأستاذ مصباح الأبحاث القرآنية والفلسفية التي استفادها من العلامة الطباطبائي محور مطالعاته، وشرع بالبحث والتأمّل باستقلالٍ في هذين المجالين، وتوصل إلى آراء بديعة في هذين الحقلين المعرفيين. وكان لدروسه المعنونة بـ «معارف القرآن»، التي تناول فيها موضوعات مختلفة في الفكر الإسلامي تدريساً، ثم طُبعت ونشرت، تأثير ملحوظ في تكوين الفكر الإسلامي المعاصر في الحوزات العلمية، ثم في المجتمع الإسلامي.
وقد درّس في الفروع الفلسفية المختلفة، من قبيل: المنطق، ما بعد الطبيعة، نظرية المعرفة، السياسة، فلسفة الأخلاق، وفلسفة الدين. وله مؤلفات عديدة ولديه آراؤه الخاصة. ومن دروسه التي حُرِّرت ونُشرت شرح نهاية الحكمة، إلهيات الشفاء، برهان الشفاء، وأجزاء من الأسفار. وكانت موضع اهتمام ومطالعة كثير من الباحثين في الفلسفة الإسلامية.
ومن مميزات الفكر الفلسفي للأستاذ مصباح اليزدي تحليله الدقيق للمفاهيم والألفاظ، والاجتهاد لتحرير محل النزاع. ومن مميزاته الأخرى ـ في الأقوال والكتابات ـ الاجتهاد في تنقية الفكر واللغة الفلسفية، وعدم مزجها بالمعارف الأخرى.
ونظراً لاطّلاعه على الفلسفة والفكر الغربي الجديد فقد طرح بعض الأبحاث الفلسفية والكلامية، وناقشها بشكلٍ مقارن. ويعتبر نقده لآراء الفلاسفة الإسلاميين وغيرهم من الميزات المهمة التي تلحظ في أفكاره. ويحتوي كتابه «تعليقة على نهاية الحكمة» على نقده لآراء الفلاسفة المسلمين، وبالأخص آراء أستاذه العلامة الطباطبائي. كذلك قام بنقد الفكر الماركسي. ويعتبر كتابه (پاسداري أز سنگرهاي إيديولوجيك) في وقت نشره من أدقّ المؤلّفات في ردّ أصول الديالكتيك الماركسي، وقد استأثر باهتمام المتنورين في الحوزات والجامعات.
وقد قام بنقد وتحليل منظم في المجالات المختلفة لآراء الفلاسفة الغربيين، وقام بتأسيس وتقرير النظريات الإسلامية. وهذه المجالات عبارة عن: نظرية المعرفة، الإلهيات، فلسفة الدين، فلسفة الأخلاق، فلسفة الحقوق، وفلسفة السياسة.
وللأستاذ مصباح كثير من الإبداعات في الأبحاث الفلسفية المختلفة. ففي كتابه (المنهج الجديد لتعليم الفلسفة)، الذي يعدّ من المتون الدراسية لمادة الفلسفة في الحوزة العلمية، طُرحت النظريات الفلسفية ببيانٍ واضح وعميق في نفس الوقت.
ويرى بعض ذوي الخبرة في الفلسفة الإسلامية أن إبداعات الأستاذ مصباح في الفلسفة الإسلامية تفوق نقد بعض نظريات الفلاسفة، وطرح بعض الآراء الجديدة في بعض المسائل الفلسفية؛ بل لا بُدَّ أن يقال: إنه بالاستفادة من مناهج الفلسفة المشائية والإشراقية، والحكمة المتعالية، وبالاستعانة بتجربة الفلسفة والعلوم الإنسانية عند الغرب، فقد أسَّس لنظامٍ فلسفي خاص([40]).
11ـ أحمد فرديد ــــــ
أحد الفلاسفة المعاصرين المؤثّرين في إيران هو السيد أحمد فرديد(1289 ـ 1373هـ.ش). اسمه الحقيقي أحمد مهيني يزدي. وبعد دراسته مقدمات العلوم في مسقط رأسه يزد انتقل سنة 1305هـ.ش إلى طهران، ودرس في «دار الفنون»، ثم حصل على البكالوريوس من قسم الفلسفة في جامعة طهران. واشترك لفترة في دروس التنكابني، وكاظم العصار، وشريعة السنگلجي. ودرس فرديد اللغات العربية والفرنسية والألمانية أيضاً، وكان على إلمامٍ ببعض اللغات الشرقية والغربية القديمة. وفي السنوات التي تلَتْ الحرب العالمية درس الفلسفة في ألمانيا وفرنسا، وكان له تواصلٌ مع بعض الفلاسفة من أتباع هيدغر. ودرّس الفلسفة لمدّة في المعهد العالي وجامعة طهران. وبعد أن أُحيل إلى التقاعد طرح آراءه الفلسفية من خلال خطاباته وكلماته.
ترك فرديد مؤلفات مكتوبة قليلة؛ وبهذا الاعتبار لقبه بعضهم بـ «فيلسوف شفهي». نشرت له بعض المقالات في مجلة «سخن» تحكي عن معرفة عميقة بالفلسفة الغربية. وهو أوائل الذين عرّفوا وتحدثوا عن الفيلسوف الألماني هيدغر(1889 ـ 1976) Martin Heidegger وهوسرل(1859 ـ 1938) Edmund Husserl. وقد نشرت بعض الكتابات عنه، وكذلك بعض المذكرات عن دروسه، بجهود تلامذته. كتاب «ديدار فرهي» و«فتوحات آخر الزمان» هي دروس فرديد التي نُشرت بواسطة محمد مدد پور، مع ملحق مفصّل أضافه مدد پور بعنوان «حكمت إنسي وعلم الأسماء التاريخي: تفصيل بعد أز إجمال». وقد ألّف مدد پور عدّة كتب أخرى مستلهمة ومتأثّرة بأفكار وآراء فرديد في مجال تاريخ الفكر والفنّ. ونشر السيد مصطفى الديباج كتاب «آراء وعقايد سيد أحمد فرديد»، أو «مفردات فرديدي»، المتضمِّن لخطابات فرديد مرتبة ترتيباً ألفبائياً. ويمكن العثور على بعض آراء وأفكار فرديد في كتابات الشهيد السيد مرتضى آويني. وفي مؤلّفات رضا داوري يمكن أيضاً العثور على بعض الأفكار الفرديدية. لكنّ أهم كتاب نشر يتناول عرضاً ودفاعاً عن أفكار فرديد هو للسيد عباس معارف(1333 ـ 1381هـ.ش)، والذي يذكر فرديد بعناوين من قبيل: «الأستاذ الكبير للحكمة المشرقية»، و«الحكيم الإنسي الكبير المعاصر»، و«معلم الحكمة الإنسية وعلم الأسماء التاريخي». وربما كان معارف أنسب شخص لعرض وتوضيح أفكار فرديد، لكنّ الأجل لم يمهله ليقوم بهذه المهمة. وكتابه «نگاهي دو باره به مبادي حكمت إنسي»، الذي كان من المفترض أن يطبع في ثلاث مجلدات، ولم ينشر منه سوى مجلد واحد، يمثِّل تجلياً لأفكار فرديد الفلسفية والعرفانية.
ولم ينحصر تأثير فرديد بتلامذته فحَسْب، وإنّما تجد أثر مفاهيمه وأدبياته في آثار كثير من المفكِّرين والمستنيرين، المؤيِّد والمعارض له؛ إلاّ أنه بالرغم من التأثير الواسع لأفكار وآراء فرديد فإنها قلّما كانت موضعاً للدراسة والنقاش. ولا شكّ أن قلّة المصادر المكتوبة حول أفكاره، والإبهام والتعقيد في لغته، من العوامل التي ساعدت على ذلك.
يختلف فرديد من عدّة جهات عن غيره من المفكِّرين والفلاسفة، سواء التقليديين منهم والمحدثين. وكانت آراؤه موضع نقاش دائم. تكلّم فرديد في موضوعات مختلفة، إلا أن محور أفكاره هو السؤال حول الوجود والتاريخ. ولمعرفة فكر فرديد لا بُدَّ من الالتفات إلى أربع ركائز مهمة:
1ـ العرفان الإسلامي، وبالأخصّ نظريات محيي الدين ابن عربي.
2ـ فلسفة مارتن هيدغر.
3ـ مبادئ علم الأسماء (etimology).
4ـ القرآن الكريم.
وللقرآن الكريم، والحديث الشريف تبعاً له، دورٌ أساسي في فكر فرديد؛ لأن الإلهيات، علم الأسماء، وكذلك فلسفة التاريخ، عند فرديد لا يمكن فهمها بدون هذا المصدر. وكثير من المفاهيم والألفاظ الأساسية في فكره مأخوذة من القرآن. وبحسب تعبير له: «إن كلام الله المجيد هو منبع الحكمة»([41]).
وقد تأثّر بكثيرٍ من الفلاسفة أمثال: إفلاطون(347 ـ 428)، أرسطو(322 ـ 384)، هيغل(1770 ـ 1831)، ماركس(1818 ـ 1883)، ونيتشه(1844 ـ 1900)، بالإضافة إلى الحكماء المسلمين. ويستشهد كثيراً في العرفان الإسلامي بشعراء عارفين، من قبيل: جلال الدين المولوي، فخر الدين العراقي، محمود الشبستري، عبد الرحمن الجامي، وحافظ الشيرازي. ولحافظ من بين هؤلاء منزلةٌ خاصة في نظر وقلب فرديد.
12ـ حسين نصر ــــــ
ولد السيد حسين نصر في طهران سنة 1312هـ.ش [سنة 1933 م]. وفي الثالثة عشر من عمره سافر إلى أمريكا، وبعد إنهاء دراسته الثانوية دخل معهد ماساجوست (M.I.T) وجامعة هارفارد في مجالات الفيزياء والتاريخ وفلسفة العلوم. ثم تعلَّق بأفكار تقليديين (Traditionalism)، أمثال: [الفيلسوف الفرنسي] (Rene Guenon) رينيه غينون(1886 ـ 1951)، وفريتهوف شوان (Fritjof Schoun)، تيتوس بوركهارت (Titus Burkhart)(1908 ـ 1984) كومارا سوامي Coomaraswamy Ananda Kentish(1877 ـ 1947)، ومارتين لينجز Martin Lings(1909 ـ 2005)، وتعرَّف على العرفان العملي على يد الصوفي الجزائري أحمد العلوي.
وبعد عودته إلى إيران اشتغل نصر بتدريس الفلسفة في جامعة طهران. واستفاد في تلك الفترة في مجال الفلسفة والعرفان الإسلامي من ثلاثة من الفلاسفة البارزين في الفلسفة الإسلامية، هم: السيد أبو الحسن الرفيعي القزويني، السيد محمد كاظم العصار، والسيد محمد حسين الطباطبائي. وقد درّس السيد حسين نصر لسنوات في جامعات العالم المختلفة، منها: الجامعة الأمريكية في بيروت، برينستون، يوتا، تمبل وجورج واشنطن. وكان لبعض المستشرقين تأثيره على حسين نصر، أمثال: لويس ماسينون، وأكثر منه هنري كوربان. وبهذه الخلفية، وبسبب مطالعاته الواسعة وأسفاره الكثيرة ولقاءاته العديدة مع مفكِّري الشرق والغرب في موضوعات مهمة، كالفلسفة، العرفان، الدين، العلم، والثقافة البشرية، فقد تأمّل وأبدع كثيراً من المؤلفات في تلك المجالات. وقد ترجمت كثير من مؤلَّفاته إلى عدّة لغات. وكان للسيد حسين نصر دورٌ مهمٌّ في تعريف الغربيين بالفلسفة الإسلامية، وبالأخص الفلاسفة المتأخِّرين، ولا سيَّما الملا صدرا. ويعدّ من روّاد مؤرخي الفلسفة والعلوم الإسلامية في الفترة المعاصرة.
ونصر من أقطاب التيار التقليدي. ولهذا التيار أتباع في الغرب والشرق من أتباع الأديان والمذاهب المختلفة، من قبيل: المسيحية، والهندوسية. وقد ظهر التوجه الجديد والإسلام التقليدي (التراثي) مع (رينيه غينون)، وبلغ قمته مع (شوان)، ويعدّ حسين نصر من التقليديّين الشيعة([42]).
ويشكِّل مفهوما (التقليد) / (التراث) و(الحكمة الخالدة) أكثر المفاهيم أهمّية في هذا التيار. وليس مراد التقليديين (التراثيين) من (التقليد) / التراث الأعراف والتقاليد والتعلُّق بالماضي، بل المراد بالتقليد (سنة الأولين القرآنية)([43])، وسنة الله الأزلية والأبدية التي لا تقبل التغيُّر والتبدل([44]). والأصول التقليدية عالمية (universal)، ولا تحدّها جغرافية أو قومية معينة. (التقليد) هو الأصل الأزلي والحقيقة الباطنية لجميع الأديان الإلهية. والتقليد (التراث) يتضمّن الوحي الذي كُشف للبشر، وأيضاً بسطه وانتشاره على طول التاريخ([45]).
والسيد نصر ـ كبقية التقليديين ـ لا يحصر الفلسفة بالناحية المنطقية والبرهانية، بل يدافع عن رؤية كونية واسعة يحتلّ الإشراق والوحي ـ فضلاً عن العقل ـ مجالاً واسعاً فيها. وفي هذا الاتّجاه فإنه يرى أن الحكمة الخالدة (perennial philosophy /perennis Sophia / perennis philosophia) هي التي كانت موجودة في الهند والصين وإيران القديمة واليونان، واستمرت إلى العهد الإسلامي، وتجلَّتْ بصورة واضحة وحيّة أكثر من أيّ مكان آخر في إيران الشيعية. وأن منشأ ومنطلق هذه الحكمة هو الشرق، سواء بمعناه الجغرافي أو بمعناه الفلسفي والصوفي.
إشارة مقتضبة الى سائر الفلاسفة المعاصرين في إيران ــــــ
لا شكّ أن عدد الفلاسفة والمدرسين والمؤلفين في الفلسفة الإسلامية المعاصرة أكثر ممّا أوردنا في هذه المقالة. وبعض هؤلاء عبارة عن: حسين علي راشد، مؤلف كتاب (دو فيلسوف شرق وغرب)([46])؛ جلال الدين همايي، باحث في الفلسفة الإسلامية، ومؤلِّف كتاب (مولوي نامه)([47])؛ الشهيد السيد محمد الحسيني البهشتي، مدرس الفلسفة المقارنة، وله مؤلَّفات في الإلهيات؛ محمد شهابي، مؤلف كتاب (رهبر خرد)([48]) في المنطق، ورسالة في وحدة الوجود؛ عبد الجواد حكيمي الأفلاطوري، صاحب آراء ومؤلفات في الفلسفة الإسلامية؛ يحيى الأنصاري، له كتاب في شرح منظومة الملاّ هادي السبزواري؛ جعفر السبحاني، مؤلِّف كتب في شرح فلسفة الملا صدرا وفلسفة الأخلاق؛ السيد مصطفى الخميني، له تعليقات على بعض الكتب الفلسفية، وتفسير للقرآن الكريم؛ غلام حسين إبراهيمي الديناني، مدرِّس الفلسفة الإسلامية، ومؤلف عدّة كتب فلسفية، منها: كتاب القواعد العامة في الفلسفة الإسلامية؛ وأحمد أحمدي، أستاذ الفلسفة المقارنة، ومترجِم بعض الكتب المهمة عن الفلسفة الغربية و….
ولا بُدَّ أن نذكِّر بأن موضوع هذه المقالة هو مسار الفلسفة الإسلامية التقليدية في إيران المعاصرة. وهناك مفكِّرون لا يدخلون تحت هذا العنوان، وقد أدلَوْا بآرائهم حول الإسلام متأثِّرين بموجة التجديد المعاصرة. ومن أبرز هؤلاء: علي شريعتي، مهدي بازرگان، وعبد الكريم سروش. ولكل واحد تأثيرٌ بنحوٍ ما على الفكر الديني المعاصر في إيران. ولعبد الكريم سروش مؤلّفات متعدّدة في فلسفة العلم وفلسفة الدين، أثارت موجةً من الانتقادات والمناقشات.
ويوجد كثير من الأساتذة ممَّنْ درّس الفلسفة الغربية، وكتب فيها، وأحياناً في الفلسفة المقارنة، أمثال: يحيى مهدوي، كريم مجتهدي، محسن جهان گيري، رضا داوري، وغلام علي حداد عادل.
وكما لاحظنا فإنّ هناك تنوعاً ملفتاً في المواقف والتوجهات الفلسفية. ويعتبر وجود التيارات والاتجاهات الفلسفية المختلفة في إيران المعاصرة ـ من قبيل: الفلاسفة المدافعين عن المدرسة الصدرائية، والتي تشتمل على عدّة تيارات مختلفة، والفلاسفة المنتقدين للفلسفة الصدرائية، والتيار التقليدي لنصر، وأصحاب فرديد، وأتباع المذاهب الفلسفية الغربية، والمخالفين للفلسفة الذين يدخلون أحياناً في النزاعات الفلسفية ـ مؤشِّراً على حيوية وحركة الفكر الفلسفي في هذا البلد.
وما تعرّضنا له في هذه المقالة إنما يقتصر على آراء الفلاسفة المعاصرين من الجيل المتقدّم؛ لأن قصة الفكر الفلسفي في إيران لن تتوقف، وهناك جيل جديد من الفلاسفة والمفكِّرين في الحوزات الدينية والجامعات في طور النموّ والتقدّم.
ومن المناسب هنا أن نذكر بعض تحوّلات في نوع التفلسف للفلاسفة الإسلاميين المعاصرين بنحو الإشارة: الاهتمام بتاريخ الفلسفة، دراسة الفلسفة الغربية، الدراسات المقارنة في الفلسفة، الاهتمام بالفروع المختلفة، لا فلسفة ما بعد الطبيعة وحدها، التحوّل في تعليم الفلسفة، عمومية الفلسفة، كتابة الفلسفة بالفارسية، التغلّب على معارضي الفلسفة، محورية الحوزة الفلسفية لمدينة قم، ودوام الغلبة للفلسفة الصدرائية، فهذه أهمّ مميزات الفكر الفلسفي المعاصر في إيران.
الهوامش
(*) عضو الهيئة العلميّة، وأستاذٌ مساعد، في مؤسَّسة الإمام الخميني التعليمية ـ البحثية.
([1]) الشهيد الصدر هو الفيلسوف غير الإيراني الوحيد الذي سنتحدّث عنه في هذا الفصل، لكنْ بالرغم من ذلك فهو ينتمي إلى حوزة النجف القريبة من النظام الفكري والفلسفي الشيعي في إيران.
([2]) تقريرات فلسفة (شرح منظومة وأسفار) 3 مجلدات، مؤسّسه تنظيم ونشر آثار إمام خميني، طهران، 1381هـ.ش.
([3]) راجع: سيد عبد الغني الأردبيلي، تقريرات فلسفه إمام خميني، شرح منظومة (1)، مقدمة التحقيق، مؤسّسه تنظيم آثار إمام خميني، طهران، 1381هـ.ش.
([4]) حسن جمشيدي، حكمت ومعرفت: 404، طهران، نشر معهد الثقافة والفكر الإسلامي، 1385هـ.ش.
([6]) سيد جلال آشتياني، نقدي بر تهافت فلاسفه غزالي: 30، قم مكتب الإعلام الإسلامي، 1378هـ.ش.
([7]) حائري يزدي، جستارها فلسفي (مجموعة مقالات) : 356 ـ 357، 482، قام بنشرها عبد الله نصري، طهران، مؤسسة حكمة وفلسفة إيران للبحوث.
([8]) نقدي بر تهافت فلاسفه غزالي: 30.
([10]) محمد تقي مصباح يزدي، مقالة (نقش علامه طباطبائي در علوم إسلامي)، ياد نامه علامه طباطبائي [الكتاب التذكاري للعلامة الطباطبائي]: 189، طهران، مؤسسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي، 1362هـ.ش.
([11]) مرتضى مطهري، مجموعه آثار 14 (خدمات متقابل إسلام وإيران): 461 ـ 547، طهران، منشورات صدرا، 1375هـ.ش.
([13]) [أي: أبحاث العقل النظري].
([14]) [أي: أبحاث العقل العملي].
([18]) جستارهاي فلسفي: 395 ـ 396.
([19]) المصدر السابق: 38 ـ 39.
([21]) الوجود من وجهة نظر الفلسفة والعرفان.
([22]) حسن جمشيدي، مقال (گنج پنهان فلسفة وعرفان) ضمن: شريعه شهود: 30 ـ 39. اهتمّ بنشره عبد الحسين خسرو پناه، طهران، منشورات معهد الثقافة والفكر الإسلامي، 1385هـ.ش.
([23]) يقال: إن كتاباً بعنوان (چهرهاي درخسان فلسفه وعرفان) [الشخصيات البارزة في الفلسفة والعرفان] قد أعدّ على ضوء مؤلّفات الآشتياني.
([25]) [أي: مختارات من آثار حكماء إيران الإلهيين].
([26]) سيد جلال الدين آشتياني، منتخباتي أز آثار حكماي إلهي إيران: 1354، طهران، معهد إيران وفرانسه، 1354هـ.ش.
([27]) وردت بعض آراء الآشتياني ضمن مقالات كتاب (شريعه شهود).
([29]) آشتياني، نقدي بر تهافت فلاسفه غزالي: 451.
([31]) يمكن الاطّلاع على هذه الرسائل في «الإسلام يقود الحياة»، للسيد محمد باقر الصدر، طهران، الهدى.
([32]) [أي: علاقة الانسان ـ العالم].
([33]) محمد تقي جعفري، (تفسير ونقد وتحليل مثنوي جلال الدين محمد بلخي)، طهران، منشورات إسلامية، الطبعة الثانية عشرة، 1373هـ.ش.
([34]) حسن حسن زاده آملي، عيون مسائل النفس: 116 ـ 121، طهران، منشورات أمير كبير، 1371هـ.ش.
([35]) حسن حسن زاده، قرآن وعرفان وبرهان أز هم جدايي ندارند، طهران، مؤسسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي، 1370هـ.ش.
([36]) حسن حسن زاده، شرح فص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية: 8، طهران، طوبى، 1381هـ.ش.
([37]) عبد الله جوادي آملي، رحيق مختوم: شرح حكمت متعالية: 1: 20 [القسم 1]، قم، نشر إسراء، 1375هـ.ش.
([38]) المصدر السابق، مقدمة الشارح، فصل الأول والثاني.
([40]) راجع: حسين علي عربي، أنديشه ماندگار: 135، 144، قم، زلال كوثر، 1381هـ.ش.
([41]) سيد موسى ديباج، آرا وعقايد سيد أحمد فرديد: 146، طهران، منشورات علم، 1386هـ.ش.
([42]) بعض تعاليم التيار التقليدي صارت موضع اهتمام في إيران، ودافع عنها أشخاصٌ أمثال: غلام رضا أعواني، ومحمود بيناي مطلق.
([44])﴿سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 62)؛ ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً﴾ (فاطر: 43).
([45]) سيد حسين نصر، معرفت ومعنويت: 135 ـ 136، ترجمه إلى الفارسية: إنشاالله رحمتي، طهران، مركز السهروردي للبحوث والنشر، 1380هـ.ش.