دراسةٌ استدلاليّة مقارنة
ـ القسم الأول ـ
الشيخ ذو الفقار عبد الرسول عواضة(*)
مدخل: آثار الاحتكار ومضارّه
يعتبر الاحتكار من أخطر المشاكل المرتبطة بحياة الناس بشكل مباشر. وقد تنبه إليها الإسلام مبكراً، ومنذ عصور متقدمة. فهناك كثيرٌ من الآفات الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب عليه، والتي أسهب علماء الاجتماع والاقتصاد في شرحها وتفصيلها.
فابن خلدون مثلاً يشير إلى أن نفوس الناس تبقى متعلّقة بأموالهم التي بذلوها في سبيل الحصول على أقواتهم بأضعاف مضاعفة تحت وطأة الحاجة إليها من غير رضاً منهم؛ فتكون وبالاً على مَنْ يأخذها مجّاناً([1]). وهذا يخلق بطبيعة الحال الكراهية التي تعصف في النفوس؛ لأنهم ينظرون إلى المحتكرين كعونٍ للدهر عليهم، وخاصّة أنهم عادةً ما يلجأون إلى هذه الوسيلة السهلة في الأزمات الاقتصادية والحروب.
وأما علماء الاقتصاد فيؤكِّدون على أن الاحتكار يؤدّي إلى التضخم في زيادة الأسعار، بحيث تفقد السلعة قيمتها الشرائية الواقعية، مما ينعكس سلباً على قلة الإنتاج، وعدم استغلال الموارد الطبيعية بالشكل الطبيعي؛ وذلك لإحجام الكثير عن شرائها؛ نظراً لغلائها الفاحش رغم حاجتهم إليها. وهذا داعٍ لانتشار البطالة؛ الناجم من عدم الحيلولة دون معالجة تلك الآفة، فضلاً عن انعدام عنصر المنافسة، الذي يضمن العدالة في الأسعار وزيادة العرض، ممّا يؤدي إلى الرواج وخلق فرص العمل، وبالتالي يضمن جودة السلع، وتقديمها بالشكل الأفضل، كعاملٍ دعائي وإعلامي لكسب ثقة المشتري، بخلاف ما لو انفرد المحتكر في امتلاكها، فإنه لا يسعى لذلك؛ لعلمه بأنها ستُباع في آخر المطاف.
أضِفْ إلى ذلك أنه يؤدّي إلى عدم الترشيد في الاستهلاك، وإثراء طبقةٍ على حساب أخرى، فيخلّ في التوازن الاجتماعي. ناهيك عن خلق الأزمات والفوضى، من قبيل: اندلاع الحروب، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت الدول الكبرى تبحث عن مستعمراتٍ جديدة لها؛ بقصد السيطرة الاقتصادية، واحتكار الأسواق أمام سلعها التي باتت تعاني من الكساد.
وممّا يزيد من الخطورة اليوم تطوّر أساليب الاحتكار، لينال جميع ما تتوقّف عليه الحياة، بحيث يمكن لشركةٍ إحكام قبضتها على الأسواق، والتلاعب في مصير الناس كما تشتهي، بل يُعتبر الوسيلة الأولى التي تعتمدها الدول الكبرى لإحكام القبضة على اقتصاد وسياسة الدول الضعيفة، وفرض ثقافتها التي تريد. ومن الواضح أن الضرر لا يقتصر على الفرد والجماعة، بل يعصف بكيان الدول التي تجد نفسها المسؤولة أمام شعبها في تأمين متطلّباته.
وبما أن الإسلام تدخّل في جميع مجالات الحياة؛ بهدف تنظيمها، وحلّ جميع المعضلات، كان لا بُدَّ من تحديد رؤيته تجاه هذه الموضوعة المهمّة، والإشكالية الاقتصادية.
الاحتكار لغةً واصطلاحاً، والعلاقة بينهما
الاحتكار لغةً
قال الخليل الفراهيدي: «حكر: الحكر الظلم في التنقّص وسوء المعاشرة… والحكر: ما احتكر من الطعام ونحوه ممّا يؤكل، ومعناه الجمع، وصاحبه محتكر، ينتظر باحتباسه الغلاء»([2]). وذكر مثله الجوهري([3]).
وأضاف الفيروزآبادي: «الحكر: الظلم، وإساءة المعاشرة…، والسمن بالعسل يلعقهما الصبي، والقعب الصغير، والشيء القليل، وبالتحريك: ما احتكر، أي احتبس انتظاراً لغلائه… »([4]).
وقال ابن منظور: «حكر: الحكر: ادخار الطعام للتربُّص… وعن ابن سيده: الاحتكار: جمع الطعام ونحوه ممّا يؤكل، وانتظار وقت الغلاء به. وعن ابن شميل: إنهم ليتحكرون في بيعهم: يتربّصون، وإنه لحكر: لا يزال يحبس سلعته، والسوق مادة، حتّى يبيع بالكثير من شدّة احتباسه وتربّصه؛ والسوق مادة أي ملأى رجالاً وبيوعاً»([5]).
ومن خلال تشريح مجموع الكلمات المتقدّمة يظهر أن مادة «حكر» استعملت وصفاً للإنسان، ولبعض الأشياء؛ فقد استعملت في الأشياء بمعنى القلّة، كما في القعب الصغير والماء القليل والطعام والسمن بالعسل.
فالاحتكار إمساكٌ بقصد التربُّص، ولا يكون عادةً إلاّ ملازماً لصفة أخلاقية سيئة؛ وذلك لوجود علاقة جدلية بين الاحتكار باعتباره منشأً لتلك الصفة وبين المحتكر الذي يحقّق تلك العلاقة. فالمفهوم اللغوي عامّ لكل ما يحتاجه الناس، ويكون منعهم عنه والاستبداد به موجباً للظلم والتنقُّص، كما هو ظاهر كلمات الفيروزآبادي.
وأما موضوع هذه المفردة لدى أهل اللغة فلا يختصّ بالطعام أو القوت، بل يشمل كلّ ما يحتاج ويرتبط بالمعيشة من الأمور الضرورية؛ من مأكل وغيره، ممّا يترتب على حبسه ندرته وقلته الإيقاع في الحاجة والمشقة، فكل ذلك يكون مصداقاً لتلك الصفة التي سلفت. وهذا ما يستفاد من كلام الفيروزآبادي؛ حيث قال: الحكر «ما احتكر…»، فالاسم الموصول، وهو «ما»، ظاهرٌ في العموم، فيصح القول حينئذٍ بأنه لم يخصّ بجنس أو صنف معين. ويستفاد أيضاً ممّا نقله ابن منظور عن ابن شميل، حيث قال: «وإنه لحكر: لا يزال يحبس سلعته»، فالسلعة تشمل كلّ سلعة تُباع.
وكلام الأخير لا يتنافى وما ذكره الجوهري من التعقيب على تعريف احتكار الطعام بقوله: «وهو الحكرة»؛ لأن الجوهري كان في مقام بيان وتوضيح معنى احتكار الطعام بالخصوص، لا مطلق الاحتكار.
نعم، يتنافى وما ذكره ابن منظور من أن «الاحتكار جمع الطعام ونحوه مما يؤكل». ولا يصار إلى الجمع بينهما بدعوى حمله على ذكر المثال والمصداق الأبرز والأغلب للحاجة المحتكرة ذاك الزمن ـ لا أن موضوعه منحصر به دون غيره؛ لما هو المعروف من أن اللغويين ليسوا في مقام تحديد المعاني والمفاهيم الحقيقية للألفاظ، بل من المحتمل أنه لم يكن يحتكر غير الطعام في تلك الآونة؛ لكثرة الحاجة إليه، أو فقُلْ: إنهم أرادوا الممنوع منه شرعاً([6]) ـ لا يصار إليه لأنه خلاف الظاهر؛ لظهور السياق في كونه بصدد تحديد المفهوم، أو على الأقلّ لا ظهور له في شيءٍ منهما، فلم يبْقَ إلا كلام الفيروزآبادي.
فإن استفيد أن اللغوي في مقام بيان وتحديد المعنى اللغوي للفظ فحينئذٍ يتعارض ما أفاده الخليل مع ما أفاده الفيروزآبادي، حيث كان كلام الثاني ظاهراً في التعميم وكلام الخليل خاصاّ بالمأكولات، والقدر المتيقّن منهما الاحتكار في المأكولات.
لكنّنا ناقشنا في محلّه بأن اللغوي ينقل ما سمعه من الاستعمالات الأعمّ من الاستعمالات الحقيقية والمجازية، وما كان منها على نحو التحديد وعلى نحو الأعمّ الأغلب، لذا فإننا لا نقطع بأن كلام اللغوي واردٌ دائماً في مقام التحديد ليتعارض مع كلام لغوي آخر، فيكون ما ذكرناه قرينةً خارجية حاكمة على سير كلام اللغويين بشكلٍ عامّ.
فما دلّ على التعميم دلّ بظهور اللفظ على ذلك، خلافاً لما دلّ على حصره في المأكولات، فإنّه دالٌّ بمقتضى دالّين اثنين: ظهور اللفظ في أصل المأكولات؛ مضافاً لظهوره في كون المأكول على نحو التحديد. ومع تخلّينا عن الظهور في التحديد لأجل القرينة العامّة السابقة لا يعود هناك تعارضٌ في المقام؛ إذ إنّ أحد الظهورين كان في المأكول لا على نحو التحديد، بينما الآخر له ظهور في التعميم.
فخلص من مجموع كلمات اللغويين أن موضوع الاحتكار عامّ لكل ما يحتاجه الناس من السلع، وأن مفهومه قد أخذ فيه ثلاثة أمور: حبس السلعة؛ وانتظار غلاء السعر.
الاحتكار اصطلاحاً
هناك تعاريف مختلفة، من حيث السعة والضيق، بالنسبة إلى الموارد التي نُهي عن احتكارها.
فقال الشيخ الطوسي: «الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن من المبيع»([7])، وفي المبسوط أضاف الملح([8]). وكذلك فعل العلاّمة([9]).
وقال الشهيد الثاني: «الاحتكار…، وهو جمع الطعام وحبسه يتربّص به الغلاء»([10]).
وعرَّّفه النراقي بأنه: «حبس الشيء انتظاراً لغلائه»([11]).
وقال النووي: «وهو أن يبتاع في وقت الغلاء ويمسكه ليزداد في ثمنه»([12]).
وعرَّفه أبو بكر الكاشاني الحنفي: «فهو أن يشتري طعاماً في مصر، ويمتنع عن بيعه، وذلك يضرّ بالناس»([13]).
وعرَّفه الشربيني الشافعي: «وهو إمساك ما اشتراه وقت الغلاء؛ ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة»([14]).
ويمكن أن تقسّم هذه التعاريف إلى قسمين:
أولهما: ما كان في مقام التعرُّض للأشياء التي ثبتت حرمة احتكارها، أو كراهتها.
وثانيهما: ما كان في مقام تعريف الاحتكار، وتفسيره، والشرائط التي تصيّر الشخص محتكراً، ومخاطباً بالنهي عنه. وهي كما يلي:
القسم الأوّل: وهذا القسم يشمل عدّة تعاريف، ابتداءً من تعريف الشيخ وانتهاءً بتعريف العلامة في القواعد؛ فإنهم لم يكونوا في مقام تعريف مفهوم الاحتكار اصطلاحاً، وإنما في مقام ذكر الموارد التي ثبت لديهم النهي عن حبسها. وممّا يؤيِّد ذلك أن تلك الموارد التي ذكروها هي نفسها التي وردت في الروايات، بل يصرِّحون بسبب دخول أو خروج الموارد المختلف فيها. وهذا ينطبق على رواية غياث بن إبراهيم التي ذكرت الزيت في عداد الغلات الأربع، كما سيأتي. والدليل على ذلك أمران:
أوّلاً: إن بعضهم لم يذكر في التعريف ما هو قيدٌ في مفهوم الاحتكار موضوعاً أو حكماً، وهو الحاجة، مع أنهم يذكرونها في طيات كلماتهم. نعم، عبّر الكثير منهم عنها بالشرط تجوُّزاً([15]).
ثانياً: لا يحتمل في نظر العرف أخذ متعلّق الاحتكار في مفهوم الاحتكار، فلذا لم نجِدْ مَنْ ناقش في انطباق مفهوم الاحتكار على بعض تلك الموارد التي نوقش في حرمة احتكارها.
وقد خلصنا ممّا تقدَّم إلى أن الأجناس التي اقتصر على ذكرها أهل اللغة والفقهاء في تعريف الاحتكار ليست دخيلةً في حقيقة الاحتكار ومفهومه؛ وإنما كانوا في مقام بيان موضوع الاحتكار، باعتبارها أظهر المصاديق وأبرزها، من حيث شدة احتياج الناس إليها. فتكون حينئذٍ تعريفاً بالمثال، لا بالحدّ التامّ.
القسم الثاني: وهذا القسم يشمل سائر التعاريف المذكورة، ابتداءً من تعريف الشهيد الثاني وانتهاءً بتعريف أبي بكر الكاشاني.
فالشهيد الثاني اعتبر في تعريفه للاحتكار الجمع والطعام وتربّص الغلاء، مع أنه لا يرى الاحتكار في بعض الموارد، في حين أن الطعام يشمل غيرها أيضاً.
ويظهر من المحقّق النراقي أنه في مقام تعريف الاحتكار تعريفاً جامعاً مانعاً؛ لأنّه عبّر عن تلك الأجناس بالشيء؛ ليكون أعمّ من جميع التعاريف الأخرى، مع أنه لا يلتزم بحرمة احتكار مطلق الموارد.
ويشكل عليه: إنه لم يذكر اعتبار الاشتراء، مع أنه قد جعله شرطاً في ثبوت الحكم.
كما أن الشربيني جعل ما يجري فيه الاحتكار عامّاً؛ حيث عبَّر عنه باسم الموصول، مع أنه لا يجري في نظره إلاّ في الأقوات خاصة.
وأما النووي فقد ذكر في تعريفه الشراء وقت الغلاء، وعدم تركه للضعفاء. فإن أراد الفقراء فهذا غير تامّ؛ لأنه لا يساعد عليه الدليل؛ وإن أراد أن الناس يصبحون ضعفاء عند افتقاد الطعام فلا بأس به.
وأعمّ التعاريف تعريف الكاشاني، حيث أخذ فيه ملاك الضرر، وإنْ كان يُلاحَظ عليه أنه إذا كان الملاك في التحريم هو الضرر فلا معنى لاختصاصه بالشراء ولا بالطعام، بل لا بُدَّ من تعميمه لكلّ ما يوقع الناس في الضرر، كما هو مقتضى القاعدة.
وأفضل التعاريف وأتمّها؛ بلحاظ ما يراه الفقيه نفسه من الشرائط المعتبرة في نظره، هو ما ذكره العلاّمة في قواعده؛ فلم يَحِدْ عنها في بحثه الاستدلالي، ولا أضاف إليها شرطاً آخر.
وعليه فينبغي تعريف الاحتكار بأنه حبس ما يحتاجه عامّة الناس من الأمور الضرورية، التي تقوم عليها معيشتهم، مع عدم وجود الكفاية، مطلقاً، سواء جمعه بالشراء أو بغيره، في وقت الغلاء أو الرخص، انتظر الغلاء أو لا.
والظاهر أن العلاقة بين مفهوم الاحتكار لغة واصطلاحاً هي نسبة المساواة كما سيأتي، ممّا يعني أن الفقهاء لم يخرجوا في استعمالهم عن المعنى اللغوي، وإنما أضافوا بعض القيود.
شروط الاحتكار
هناك شروطٌ للاحتكار اتفق على اعتبار بعضها، كالحاجة والحبس، واختلف في بعضها الآخر، كالشراء والتحديد الزماني وطلب زيادة الثمن. ومنشأ اختلافهم اختلاف فهمهم للروايات:
أـ الشراء
ذهب بعض فقهاء الإمامية إلى اعتبار هذا الشرط([16]). وكذا أبو حنيفة وأبو يوسف([17])، والشافعية([18])، والمالكية([19])، والحنابلة([20]).
ومستندهم في اعتباره ما يلي:
1ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله×: سُئل عن الحكرة؟ فقال: «إنما الحكرة أن تشتري طعاماً…»([21]).
2ـ رواية ابن القدّاح، عن أبي عبد الله× قال: «قال رسول الله‘: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون»([22]). وقد رواها عمر بن الخطاب، عن النبيّ‘، بالصيغة نفسها([23]).
وتقريب الاستدلال بالصحيحة على المدّعى بمقتضى مفهوم الحصر؛ حيث حصرت الحكرة بالشراء، فإذا انتفى الشراء انتفت الحكرة.
والرواية الثانية تناولت حكم البائع الذي يتملّك السلع بالشراء، فقسمته إلى قسمين: قسم يأتي بالسلعة إلى المصر ويبيعها، وهذا ما يسمى بالجالب، فهو مرزوق؛ وقسم يأتي بالسلعة ويحتكرها، وهذا هو الملعون. وبما أن الرواية جعلت المحتكر في مقابل الجالب، الذي يعتمد الشراء كوسيلة للتملُّك، فإنّها تكشف عن اعتبار قيد الشراء في مفهوم الاحتكار، وإلاّ لم تتمّ المقابلة والقسمة. هذا كلّه بمقتضى قرينية المقابلة بين الجالب والمحتكر، اللذين يتملكان السلع عن طريق الشراء.
ويُلاحَظ على ما أفيد سنداً ودلالةً:
أوّلاً: إنّ في سند الرواية الثانية عليّ بن زيد بن جدعان، وهو ضعيفٌ ومنكر الحديث وغير ضابط، فكان يروي الحديث اليوم ومن ثمّ يرويه غداً وكأنّه ليس له، كما ذكر الرازي([24]) والبخاري البيهقي([25]).
وأما الرواية الموجودة في المصادر الحديثية للإمامية فضعيفة السند؛ لأن فيه سهل بن زياد، ولا نرى وثاقته.
وأما رواية عمر بن الخطاب فقد قال ابن حجر: إن إسنادها ضعيف([26]).
ثانياً: ما ذكره الشيخ الأنصاري من أنه لو كان الشراء شرطاً فيه لدار الحكم مداره وجوداً وعدماً؛ وذلك بمقتضى قرينة التفريع، فيجب القول حينئذٍ: إن كان في المصر طعامٌ مشترى أو متاع غيره فلا بأس، في حين أن الإمام جعل المناط وجود الطعام وعدمه، وهذا ما يظهر من قوله× في الصحيحة: «فإنْ كان في المصر طعام أو متاع يُباع غيره فلا بأس»([27]).
هذا مضافاً إلى أن العرف لا يرى خصوصية للشراء؛ وذلك بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع.
ثالثاً: يمكن التمسّك بمقتضى ظهور مفهوم التعليل في ذيل صحيحة الحلبي، حيث قال×: «ويكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعامٌ»، فجعلت الملاك في تحقّق مفهوم الاحتكار حاجة الناس. وهذا الملاك عامٌّ يشمل ما لو كان قد تملكه بغير الشراء، وإنّما ذكرت الشراء، لا لخصوصية فيه، بل لأن الغالب بين المحتكرين أن لا يكونوا من المزارعين، فيكون هذا التعريف من باب التعريف بالمثال.
بل حتّى لو سلمنا بظهور هذه الصحيحة في اعتبار قيد الشراء، ولكن مع ذلك لا بُدَّ من رفع اليد عنه؛ لأنه لا يقاوم عموم التعليل المذكور؛ حيث يكون قرينة على الحصر الإضافي، لا الحقيقي. وهذا ما أشار إليه الشهيد الثاني. فبعد أن نقل ذلك عن العلامة، قال: «وفي حسنة الحلبي دلالةٌ عليه». ثمّ قال: «والأقوى عموم التحريم، مع استغنائه وحاجة الناس»([28]).
رابعاً: لا ظهور لها في الحصر كي يكون مقيداً؛ لقرينية الذيل على مفادها، وبالتالي فلسنا بحاجةٍ إلى الجمع المذكور بينها وبين الروايات؛ لعدم وجود تعارض مستقرّ في المقام.
خامساً: إن غاية ما تفيده أن البائع قسمان: قسم يشتري السلع من خارج سوق البلد، ويبيعها، ولا يحتكرها، وهذا ما يسمّى بالجالب، ويكون بذلك قد فتح أمامه أبواب الرزق؛ وقسم آخر يحتكرها، ويكون بذلك قد سدّ أمامه أبواب الرزق. وإن شئت قلت: إنها ليست واردة في مقام بيان تمام الموضع، فقد تعرضت للمشتري، ولكنها ساكتةٌ عن حكم احتكار الأجناس التي تُجْمَع من غير شراء.
وخلاصة الكلام: إن المناط في الحكم هو ترك الناس بلا طعام، وهذا يتحقّق في فرض تملُّكه بالشراء أو بغيره.
ب ـ حاجة الناس
لا خلاف في اعتبار هذا الشرط بين الفريقين. لذا نقتصر على الاستدلال عليه بصحيحة الحلبي، التي سأل فيها أبا عبد الله×، قال: سألتُه عن الرجل يحتكر الطعام، ويتربّص به، هل يصلح ذلك؟ فقال×: «إن كان الطعام كثيراً فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلاً لا يَسَع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام، ويترك الناس ليس لهم طعام»([29]).
فهذه الصحيحة صريحةٌ في اعتبار الحاجة. فقد نفى الإمام× عن الاحتكار البأس في حال سعة الناس، وحكم بالكراهية في فرض عدم السعة والكفاية وترك الناس بلا طعام.
ولكنْ يبقى أنه لا بُدَّ من تنقيح المقصود من الحاجة، فهل المقصود منها الحاجة التي تصل حدّ الاضطرار أو العسر والحَرَج؟
وقد ذكر الشيخ شمس الدين وجهين على اعتبار الحاجة، دون الاضطرار، وهما كما يلي:
الوجه الأوّل: لو كان الملاك هو الاضطرار بمعنى العسر والحَرَج للزم منه لغوية أدلة الاحتكار على كثرتها وتنوُّعها. وهذا ما لا يمكن الالتزام به؛ وذلك لكفاية أدلة الاضطرار لرفع سلطنة المالك على أمواله، دون الحاجة لالتماس أدلّةٍ أخرى. أضِفْ إلى ذلك أن الظاهر من أدلة الاحتكار كونه مفهوماً متميّزاً مستقلاًّ في مقابل مفهوم الاضطرار، وذا أحكام خاصة.
الوجه الثاني: إنّ صحيحة الحلبي صريحةٌ في دلالتها على أن الملاك هو الحاجة؛ فإن قوله×: «وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس…» لا يتلاءم إلاّ مع الضيق وصعوبة الحصول على السلع، وبذل الجهد الزائد على المتعارف في البحث عنها([30]).
ويُلاحَظ على ما أفاده:
أوّلاً: لا ضير في الالتزام بتعدُّد الأدلة على النهي عن فعلٍ معيّن، فيكون متعلّقاً لها على اختلافها وتنوّعها، ويكون ذلك من قبيل: التأكيد على النهي عن هذا الفعل ومبغوضيته الشديدة لدى الشارع، والإشارة إلى خطورته وآثاره السلبية على المجتمع، ومزيد اهتمامه بالحفاظ على ملاكاته في عالم التشريع. فقد يصدق الاضطرار والعسر والضرر والحَرَج بمقدارٍ معيّن، وبمعنى من المعاني، على فعلٍ، ويطلق عليه اصطلاح ومفهوم خاصّ، وهو الاحتكار، كما سيتضح في الإشكال الثاني، فاقتضت المصلحة تشريعاً خاصاً للنهي عنه تحت عنوان مستقلّ. وتظهر الثمرة فيما لو تعارضت الأدلة، وسقط بعضها، دون الآخر. وإلاّ لو سلَّمنا بهذه الدعوى للزم لغوية كثيرٍ من الأدلة التي نهَتْ عن كثير من المفاهيم؛ لإمكان إرجاعها إلى مفهومٍ واحد، وهو الظلم، واندراجها تحت هذا العنوان، من قبيل: الغصب، والسرقة، فإنها جميعاً يصدق عليها عنوان الظلم؛ لأنها سلبٌ لذي الحقّ حقَّه كلٌّ بحَسَبه. فهل يلزم لغوية أدلتها؟ وعليه فالمدار إذن على أدلة الاحتكار التي تحدِّد مقدار الحاجة، ومرتبتها.
ثانياً: ما ذكره من أن الحاجة التي اعتبرتها الأدلة جاءت بمعنى الضيق وصعوبة التحصيل وبذل الجهد الزائد عن المتعارف ليس تامّاً؛ لأن المراد منها ما كان بمعنى عدم كفاية السلعة لجميع الناس وعدم توفّرها بالسوق بالمقدار الذي تؤمن حاجة المجتمع. هذا هو مقتضى الأدلة، وخاصّة الدليل الذي أورده. فالاحتكار يتحقّق حتى في فرض قلّة السلعة في السوق، بحيث يتسنّى للبعض الحصول عليها فيما لو بذل أدنى جهدٍ منه. فالمسألة تكمن في الكفاية وعدمها، لا في صعوبة التحصيل. وبعبارةٍ أخرى: إنهم لو تسابقوا إلى المقدار الموجود لما اكتفوا، ويصدق في حقّهم أنّهم مضطرون إليه، لا بمعنى الخوف على النفس من التلف، الذي هو أقصى درجات الاضطرار، بل بمعنى اضطراب المجتمع والنظام المعيشي الاعتيادي واختلاله، وإنْ أمكن استبدالهم لها بغيرها من القوت، وهذا ما يظهر لمَنْ تتبَّع كلماتهم وتصريحاتهم([31]).
ج ـ طلب الزيادة في الثمن
صرّح باعتباره كثيرٌ من الفقهاء المتقدّمين، أمثال: العلاّمة([32])، والمحقّق الحلّي([33])، والشهيد الأول([34])، والمحقّق الأردبيلي([35])، بل نفى المحقّق النجفي الخلاف في اعتباره، نصّاً وفتوى([36]). وذهب إلى اعتباره الشافعية([37]). واختلف الحنابلة في ذلك؛ فلم يعتبره عبد الله بن قدامة([38]) وعبد الرحمن بن قدامة([39])؛ بينما اعتبره البهوتي([40]). وأما من الحنفية فاعتبره ابن عابدين([41])، بخلاف الكاشاني([42]).
ويمكن الاستدلال على اعتبار هذا الشرط بظاهر صحيحة الحلبي، حيث قال: «سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به»([43]).
وما رواه أبو هريرة، عن النبي‘، قال: قال: «مَنْ احتكر حكرةً يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطىءٌ»([44]).
وتقريب الاستدلال بالصحيحة أن الراوي سأل الإمام× عن حكم الرجل الذي يحتكر الطعام في فرض تربُّص الغلاء؟ فأجاب الإمام مفصِّلاً في الحكم بين السعة وعدمها، ولم ينفِ دخالة التربّص في الحكم، مع أنه في مقام البيان من هذه الجهة، فسكوته يكشف عن الإمضاء، وإلاّ لكان عليه أن يبيِّن له.
وكذا الرواية الثانية؛ حيث أخذ النبيّ‘ في الموضوع قصد إغلاء الأسعار بهدف الربح. وعليه فلو انتفى هذا القصد فلا يصدق الاحتكار.
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أوّلاً: إن الرواية الأولى ليست واردة في مقام بيان حقيقة الاحتكار، وإنما هي في مقام بيان الحكم التكليفي لاحتكار الطعام، والتربُّص إنما جاء في كلام السائل، ولم يعقِّب عليه الإمام، بل جاء كلامه عامّاً، حيث أناط الحكم بالحاجة وعدم وجود الباذل.
ثانياً: وأما الرواية الثانية فهي واردةٌ في مقام بيان الجزاء الدنيوي الذي يلحق بمَنْ يقوم بذاك الفعل؛ لمجرد قصد إرادة الغلاء للإضرار بالمسلمين، على الاختلاف في فهم هذه الرواية، كما سيأتي. أما سنداً ففي سندها أبو معشر، وقد ضُعِّف([45]).
د ـ الحبس
اتفق الفريقان على اعتبار هذا القيد في مفهوم الاحتكار. ولكن الكلام في معنى الحبس، فهل يختص بمَنْ حبس سلعته بعيداً عن متناول الأيدي أم أنه يشمل مَنْ عرضها للبيع وغالى في ثمنها، وبالتالي لا يعدو الحبس عن كونه حيثيةً تعليلية؟
ذهب السيد الخوئي إلى صدق مفهوم الاحتكار في هذا الفرض؛ لرجوعه إلى الاحتكار في السوق، معللاً ذلك بأن الاحتكار ليس بمعنى إخفاء المال عن الاشتراء، بل المراد منع الناس عن الوصول إليه، وهذا يتحقق حتّى في فرض مشاهدتهم له([46]). ومن هنا فإذا أجبر الحاكم المحتكر على البيع لم يسعّر عليه ماله، ما لم يبالغ في السعر، بحيث يعجز الناس من الشراء، وإلاّ لانتفَتْ الغاية من الجبر، فيمكنه التسعير عليه حينئذٍ.
ويُلاحَظ على ما أفاده عدم صدقه في هذا الفرض اصطلاحاً؛ لظهور الروايات في الحبس بمعنى عدم وضع السلعة في متناول أيدي الناس، وكونه حيثيّة تقييديّةً، يدور صدق المفهوم عليه وجوداً وعدماً. وإنما يصدق عليه عنوان آخر، وهو الإجحاف في التسعير والتشدُّد فيه، فنخرج بذلك عن محلّ البحث إلى موضوعٍ آخر يبحث حكمه في محلّه؛ فلذلك نرى الإمام× في العهد الشريف قد جعل الإجحاف في الأسعار في مقابل الاحتكار: «وهو قوله: «فامنع من الاحتكار…، وليكن البيع سمحاً..، وأسعار لا تجحف بالفريقين…»([47]). فالحبس بهذا المعنى لا يصدق عليه مفهوم الاحتكار، وإنْ كان يتفق معه حكماً. وإطلاق الاحتكار عليه هو من باب التجوز في الاستعمال، أو من باب تنقيح المناط، كما يظهر من كلامه؛ فإن الاحتكار وإنْ كان هو منع الوصول إلى السلعة، ولكنْ ليس كلّ منع من الوصول يصدق عليه مفهوم الاحتكار، بل المنع أعمّ منه؛ فقد يكون منعاً بالاحتكار وإخفاء السلعة؛ وقد يكون منعاً عبر الإجحاف بالثمن.
هـ ـ الحدّ الزماني
حدّ بعض فقهاء الإمامية الاحتكار بحدٍّ زماني، فحدّه الشيخ الطوسي بثلاثة أيام في القلّة والغلاء، وأربعين في حال الرخص والسعة([48]). وتبعه ابن حمزة([49]). وهو ظاهر الدروس([50]). ولكنّ الأشهر عدمه»([51]).
وقد استدلّ عليه بروايتين:
1ـ موثّقة السكوني، عن أبي عبد الله× قال: «الحكرة في الخصب أربعون يوماً، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوماً فصاحبه ملعونٌ، وما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعونٌ»([52]). وقد استدلّ بهذه الموثقة الشيخ ومَنْ تبعه على التحديد المذكور.
2ـ رواية عمر: قال سمعتُ رسول الله‘ يقول: «مَنْ احتكر على المسلمين طعامهم أربعين يوماً ضربه الله بالجذام والإفلاس»([53]).
وتقريب الاستدلال بموثقة السكوني بدعوى أنها ظاهرة في نفي الاحتكار في غير المدّة المذكورة؛ وذلك بمقتضى مفهوم العدد.
وأما الرواية الثانية بأن يقال: تقييد الحكرة والعذاب بتلك المدّة يكشف عن عدم تحقُّق موضوع الاحتكار في ما دونها؛ وذلك لظهور العناوين في الروايات في كونها احترازية، لا لمجرَّد التمثيل.
ويُلاحَظ على الاستدلال بالروايتين سنداً ودلالة:
أوّلاً: إن الرواية الثانية ليس نقية سنداً؛ فقد اختلف في وثاقة بعض رجاله، فنجد أن ابن حزم ضعَّفه؛ لجهالة الأصبغ بن نباتة وكثير بن مرّة([54])، وقال محيي الدين بأن الأول مختلف فيه([55]). بينما صرَّح ابن حجر بأن إسناده حسنٌ([56]).
ثانياً: إن هذه النوع من الروايات معارِضٌ للروايات الصحيحة التي لم تتعرّض لذلك، رغم كونها في مقام البيان. ولا تصلح لتقييدها على كثرتها. فلو كان قيداً لذكره الإمام×، فمن البعيد جدّاً تجاهله وعدم التعرُّض له. وهذا هو ظاهر كلام المحدث البحراني، حيث قال: «حدّ الشيخ الحكرة في الرخص بأربعين يوماً… والأشهر العدم؛ لإطلاق الأخبار المتقدمة… وتقييد هذه الأخبار بالخبر المذكور كما هو مقتضى القاعدة وإنْ أمكن، إلاّ أن الظاهر بعده من ظواهرها، كما لا يخفى على المتأمِّل»([57]). وإنْ شئتَ قلتَ: إنها معارضة للروايات التي أخذت حاجة الناس في مفهومه، والحاجة قد تحصل قبل المدّة المذكورة، كما هو واضحٌ، كما صرَّح السيد علي الطباطبائي([58]). وبالتالي لا بُدَّ أن يحمل على الأعمّ الأغلب، حيث تحصل الحاجة في المدة المذكورة أيام الرخاء في الزمن الماضي؛ لصعوبة التنقُّل وبُعْد المسافة مثلاً، ولا تتحقق في الثلاثة أيام الأولى للقدرة على تأمينها بحسب العادة.
ومن البعيد أن يريد من المعارضة المعنى الاصطلاحي؛ لإمكان الجمع العرفي بينها، فإن تلك الروايات لم تتعرّض لجميع القيود، فتكون الرواية قرينةً على التحديد الزماني في الأعمّ الأغلب، فتكون حينئذٍ شارحةً ومفسّرة.
ثالثاً: ما ذكره السيد الخوئي، من أنه لا يمكن تصديق السكوني في هذه الرواية؛ فإنّ الناس متى ما كانوا في حاجةٍ إلى ذلك وقت الشدّة والبلاء فلا يجوز الاحتكار، ولو لساعةٍ واحدة، فضلاً عن ثلاثة أيام، فكيف يساوي بين حالتي الغلاء والبلاء في الحكم، في حين أن الحكم في حالة البلاء محلّ اتفاق بين الفقهاء؛ وذلك بمقتضى حكم العقل وإجماع الأمّة؟([59]).
وأما الرواية الأخيرة فإنها واردةٌ في مقام بيان العذاب الدنيوي لمَنْ يحتكر طعام المسلمين، وحدّ نزوله، لا غير.
ولا بُدَّ من الإشارة إلى أن هذا القيد الزماني ورد في احتكار الطعام بالخصوص، فلو قلنا بعموم موضوعه لغيره يقع البحث في اعتباره في غيره أم لا.
فتحصَّل مما تقدَّم أن مفهوم الاحتكار عبارةٌ عن حبس مطلق ما يحتاجه الناس، ولا يختص بالأجناس المذكورة في الروايات. وأما سائر القيود الأخرى، كالتقييد الزماني والشراء وطلب الزيادة في الثمن، فقد تبين كونها قيوداً تعليلية لموارد الحاجة، لا موضوعية لها.
وبذلك يتبين سنخ العلاقة القائمة بين المفهوم اللغوي والشرعي للاحتكار، فإن النسبة بينهما المساواة، حيث قد أخذ فيهما الإمساك والحاجة، وأما التربُّص وقصد الربح والتحديد الزمني والشراء فيمكن حمله على الفرد الغالب. وبذلك قد تنقّح محلّ النزاع، والصور التي يصدق عليها عنوان الاحتكار.
ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنه لو استلزم الاحتكار الضرر والعسر والحَرَج والهرج والمرج، بحيث يخلّ بالنظام العام، فقد اتّفق الفقهاء على حرمته؛ وذلك لانطباق هذه العناوين الثانوية عليه، مضافاً إلى حكم العقل العملي بقبح هذا الفعل في هذا الفرض إذا صدق عليه عنوان الظلم. في حين أن محل البحث هو حكمه بالعنوان الأولي، وعليه فتكون هذه الصورة خارجةً عن محل البحث تخصُّصاً. وإنما محلّ النزاع ما لو أدّى الاحتكار إلى وقوع الناس في الحاجة، بحيث لا يوجد لديهم ما يكفيهم في السوق من الأشياء المعينة، مضافاً إلى تحقُّق الشرائط الأخرى المعتبرة.
التشريعات والقوانين الواردة حول الاحتكار
الحكم التكليفي للاحتكار في الجملة
الاحتكار من الأمور المرجوحة التي نهت عنها الشريعة. إلاّ أنه وقع الخلاف في كونه مكروهاً أو محرماً. إذن في المقام نظريتان. وقد ذهب إلى كلٍّ منهما جمعٌ من الفقهاء.
فذهب إلى الحرمة كلٌّ من: الصدوق([60])، والطوسي في أحد قوليه([61])، وأبي الصلاح الحلبي([62])، وابن إدريس([63])، وابن زهرة([64])، والعلامة في أحد قوليه([65])، والشهيد الأول في دروسه([66])، والشهيد الثاني([67])، والسيد علي الطباطبائي([68])، ومالك، وهو أصحّ قولي الشافعي([69])، وفريق من فقهاء المذاهب الأربعة.
وذهب إلى الكراهة كلٌّ من: الطوسي في قوله الثاني([70])، والمفيد([71])، وسلاّر([72])، والمحقق الحلي([73])، والعلاّمة في قوله الثاني([74])، والفاضل الآبي([75])، والشهيد الأول([76])، والمحقق النجفي([77])، والآخوند الخراساني([78])، والمحقق الإصفهاني([79]).
وبما أن منشأ الاختلاف أكثر ما يرجع إلى اختلاف فهمهم للروايات الواردة في هذا الصدد كان لا بُدَّ من رصدها وتنقيحها.
النظرية الأولى: كراهية الاحتكار، قراءةٌ نقدية
استدلّ أصحاب هذه النظرية عليها بالمستندات التالية:
1ـ قاعدة السلطنة
وهي مستقاة ممّا رُوي عن النبي‘: «الناس مسلَّطون على أموالهم»([80]).
وتقريب الاستدلال بها أن لها عموماً أزمانياً وأحوالياً. فكما أن الناس مسلطون على أموالهم في زمان السعة فكذلك هم مسلطون عليها في حال الحاجة؛ وكما أن لهم حرِّية التصرّف فيها بسائر أنحاء التقلُّبات والتصرُّفات من بيع وغيره في حالة وجود الباذل لمثلها كذلك في زمان الحاجة. ولم يَرِدْ دليلٌ خاص مقيِّدٌ لإطلاقها. ولا يوجد مقتضٍ لرفع اليد عن هذه القاعدة، إلاّ الروايات التي ادُّعي دلالتها على الحرمة، ولكنّها لا تدلّ على أزيد من الكراهة الاصطلاحية التي لا توجب رفع تلك السلطة، أو تحمل الأدلة ـ على فرض دلالتها على التحريم ـ على الكراهة؛ جمعاً بين الأدلة.
وقد استدلّ بها كلٌّ من: العلامة([81])، والمحقق النجفي([82])، والسيد العاملي، حيث قال: «للأصل بمعنيَيْه»([83]).
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أوّلاً: ما ذكره السيد الخوئي([84]) وغيره من أن هذه الرواية ضعيفة سنداً؛ لعدم ورودها في الكتب الحديثية المعتبرة. نعم، وردت مرسلة، ونحن لا نعمل بالمراسيل في شيءٍ من الأحكام الشرعية. هذا مضافاً إلى أنها غير منجبرةٍ بعمل الأصحاب.
ثانياً: ما ذكره المشهور من أن هذه الرواية ليست واردة في مقام التشريع، بل غاية ما تفيد أن الناس مسلَّطون على أموالهم بجميع التصرّفات الشرعية، وليس لغيرهم أن يزاحمهم فيها، ويخرجها عن ملكهم، إلاّ مع قيام دليلٍ شرعي. وفي المقام نشكّ في وجود سلطةٍ شرعية للمالك على احتكار ماله وحبسه، لذا لا يمكن التمسّك بعمومها لإثبات مشروعيّته؛ لأنه تمسُّكٌ بالعام في الشبهة المصداقية. وببيانٍ مختصر: إنها ليست مشرِّعة، بل أقصى ما تدلّ على السلطنة الفعلية للمكلَّف على أمواله في خصوص الجهات التي أباحها الشارع له([85]).
ثالثاً: على فرض كونها مشرّعة للسلطنة على المال لا مجال للاستدلال بها؛ وذلك لحكومة قاعدة لا ضرر ولا ضرار عليها، والتي تنفي تشريع الأحكام الضررية الناشئة من قبل الشارع. فيمكن الاستدلال بفقرة لا ضرار الواردة فيها، بأن يقال: إن لا ضرار ـ بناءً على أن (لا) نافية، لا ناهية ـ مفادها أن كلَّ موقفٍ شرعي يكون سبباً لإضرار العبد فهو منفي، ولا فرق بين الموقف الوجودي والعدمي. وبما أن عدم جعل الشارع الحرمة موقف سلبي يوجب وقوع المكلَّف في الضرر فمقتضى لا ضرار رفعه بجعل الحرمة، وإلاّ لو سكت عن هذا الموقف لصحّ نسبة الإضرار إليه، والعياذ بالله. وليس هذا المورد من موارد تعارض الضررين؛ لأن منع المحتكر ليس ضرراً عليه؛ لانحصار الضرر في النقص في المال، وهو منفي في المقام. كما أنها لا تتنافى مع الملكية أيضاً([86]).
2ـ الروايات الخاصة، تعليقات ومناقشات
وهو عبارةٌ عن روايتين استدلّ بهما القائلون بالكراهة:
أـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله×، قال: إنه سُئل عن الحكرة؟ فقال: «إنما الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره، فيحتكره، فإنْ كان في المصر طعامٌ أو يباع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل». قال: وسألته عن الزيت؟ فقال: «إنْ كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»([87]).
وتقريب الاستدل بها على الكراهة أنها تدلّ بالمنطوق على نفي البأس عن احتكار الطعام أو متاع مع وجود الباذل في المصر، وتدلّ كلمة لا بأس بالمفهوم على وجود البأس في حال عدم وجود الباذل، وثبوت البأس أعمّ من الحرمة؛ فلعل الجامع في موارد إطلاقاته باختلاف هيئاته هو السوء والشدّة، فيكون المقصود منه حينئذٍ أنه منفور ومرغوب عنه([88]).
وستتّضح مناقشة الاستدلال بها من خلال مناقشة الاستدلال بصحيحة الحلبي التالية.
ب ـ صحيحة الحلبي الثانية، عن أبي عبد الله×، قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام، يتربّص به، هل يجوز ذلك؟ قال: «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام، ويترك الناس ليس لهم طعام»([89]).
استدلّ بها العلاّمة على الكراهة([90])، وجعل السيد محمد العاملي عدول الإمام عن التعبير عن قوله: (لا يجوز) إلى قوله: «يكره» قرينةً على أن المقصود منها الكراهة بالمعنى الاصطلاحي المتعارف الآن([91]). ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن الإمام× ليس في مقام التفنُّن في أساليب التعبير، بل اعتبرها المحقق النجفي صريحةً في المدّعى([92]).
نعم، السيد علي الطباطبائي لم يستفِدْ منها إلاّ الإشعار بالجواز على الكراهية، حيث قال: «ووجه الإشعار واضحٌ إنْ قلنا بثبوت كون الكراهة حقيقة في المعنى المصطلح في ذلك الزمان، وكذا إنْ قلنا بالعدم، وكونها فيه منه ومن التحريم أعمّ، بناءً على وجود القرينة بإرادة الأول ـ الكراهة ـ، من حيث العدول عن «لا يجوز» الذي سأل عنه الراوي إلى «يكره». والمسألة محلّ تردُّد([93]).
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أولاً: إن كلمة «يكره» المستندة إلى المعصوم، نحو: نكره؛ أو أكره؛ أو كان عليٌّ يكره، استعملت في كلامهم^ في الحرمة أكثر بكثيرٍ ممّا استعملت في الكراهة، إلى حدّ يوجب انصرافها إلى الحرمة. فالواجب حملها على ذلك؛ بقرينة جملة أخبار المسألة([94]).
ثانياً: إن كلمة «البأس» ظاهرةٌ في الحرمة لغةً وعرفاً([95])، والإمام× نفى البأس في الجملة الأولى، وقد بيَّن المفهوم في الجملة الثانية أيضاً، فيصير قوله: «فإنّه يكره» بمنزلة أن يقول: «فيه بأس»، وظاهر الأخير الحرمة أيضاً([96]).
ولكنّ هذه الملاحظة ليست تامّةً؛ فإنه لو لم يصرِّح لكان المفهوم هو: فيه بأس، فيدلّ على الحرمة، لكنّه صرّح بنقيض المنطوق، ومع التصريح بنقيض المنطوق فلا ينعقد مفهوم للجملة الشرطية، والمدار حينئذٍ على المنطوق المصرَّح به، وهو اللفظ «يكره».
ثالثاً: إن العدول عن التعبير بلفظ (لا يجوز) إلى «يكره» ليس فيه دلالة على كون الكراهة استعملت في الكراهية الاصطلاحية؛ إذ ما المانع من عدول الإمام عن ذلك التعبير إلى تعبير آخر طالما أنه يُستفاد من التعبيرين معنىً واحد، فلا بُدَّ إذن من تنقيح معنى «يكره» في المرحلة السابقة، ومن ثم تطبيقها في المقام. وهذا ما نصّ عليه المحقِّق النراقي أيضاً([97]).
رابعاً: ما ذكره الشيخ الأنصاري، من أن كلمة «يكره» وإنْ استعملت في المكروهات والمحرمات، إلاّ أن ذلك لا يعني حملها على الكراهة؛ لوجود قرينة تدل على الحرمة، وهي تقييد الكراهة بعدم وجود باذل غيره، مضافاً إلى الروايات المانعة عن الاحتكار مطلقاً. وإنْ شئتَ قلتَ: إن المراد بـكلمة «البأس» في الشرطية الأولى التحريم؛ لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضاً، وهي صورة وجود الباذل، فالشرطية الثانية كالمفهوم لها([98]).
3ـ الأصل العملي
بعد أن ناقش هؤلاء الفقهاء في دلالة الروايات التي ادُّعي دلالتها على حرمة الاحتكار يكون الشك في هذا المورد من موارد الشبهة الحكمية، وهو شكٌّ بدوي، فتجري البراءة الشرعية، أي حديث الرفع([99]) وغيره من الأدلّة الأخرى الدالّة على البراءة الشرعية عند الشكّ في الحكم، ولا مقتضي في البين لرفع اليد عن هذا الأصل.
وقد استدلّ بهذا الأصل كلٌّ من: العلامة الحلّي، حيث قال: «والأقرب الكراهة. لنا: الأصل عدم التحريم»([100])؛ والمحقق الأردبيلي، حيث قال: «والأصل يقتضي حمله على معناه الحقيقي، وهو المرجوح مع جواز النقيض([101])؛ والمحقق النجفي، حيث قال: «والأول (أي الكراهة) أشبه بأصول المذهب وقواعده، التي منها: الأصول، وقاعدة تسلط الناس على أموالها، المعتضدة بنصوص الاتجار وحسن التعيّش والحزم والتدبير وغير ذلك، السالمة من معارضة دليلٍ معتبر على التحريم؛ لقصور نصوص المقام سنداً ودلالة…»([102])؛ وكذلك السيد محمد جواد العاملي([103]).
نعم، يحتمل أن يكون المقصود من الأصل في بعض كلماتهم الاستصحاب أو البراءة، أو أن بعضهم يرى أن الأصل في لفظة «يكره» مجرَّد المرجوحية، كما صرّح بذلك المحققق الأردبيلي، أي ثبوت الحقيقة الشرعية أو المتشرِّعية، فتحمل على الكراهة الاصطلاحية عند عدم ثبوت قرينة على إرادة الحرمة. وسوف نناقش الأصل المذكور باحتمالاته المتعدّدة.
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أوّلاً: إنه لم يثبت كون كلمة «يكره» حقيقة شرعية أو متشرِّعية في خصوص الكراهة الاصطلاحية في كلمات الأئمّة^، فضلاً عن كلمات المتقدّمين من الأصحاب. وهذا ما صرَّح به كثير من الفقهاء([104]). بل قد يُراد بها الحرمة، نحو: «ولم يكن عليٌّ يكره الحلال»([105])، حيث إنّ المكروه الاصطلاحي حلالٌ، وعليٌّ× لم يكن يكرهه، فما يكرهه× ليس حلالاً، بل حرامٌ.
ثانياً: إنه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي ـ البراءة الشرعية ـ مع وجود أدلة خاصة في المقام تدلّ على حرمة الاحتكار، كما سيأتي. بل لو سلَّمنا بجريانه في المقام فلا يثبت القول بالكراهة؛ لأن نفي تنجُّز الحرمة لا يثبت الكراهة، إلاّ بالأصل المثبت، وذلك بناءً على حملهم لتلك الأخبار على الكراهة الاصطلاحية. إلاّ أن استدلالهم بالأصل إنّما هو تنزُّل منهم، وعلى فرض عدم وجود أدلة خاصة تتعرّض لحكم الاحتكار كما هو واضحٌ. بل لا تصل النوبة إليه حتّى في فرض عدم نهوض الأدلة على الحرمة؛ لأن أدلة البراءة وحديث الرفع واردةٌ مورد الامتنان، وإجراؤها في المقام مخالفٌ للامتنان على الناس، فأيُّ امتنانٍ مع قلّة الطعام؟! ودعوى أن جريانها امتنانٌ على البائع، وعدم جريانها مخالف للامتنان؛ لإيقاعه في الحرمة واقعاً، وللحيلولة بينه وبين الربح الزائد، معارِضٌ للامتنان على الجماعة، حيث يلزم من جريان البراءة عن حرمة الاحتكار إيقاعهم في الضرر المادي. وبما أن مصلحة الجماعة أهمّ من مصلحة الفرد تُقَدَّم على مصلحته.
ثالثاً: إن استصحاب عدم حرمة الاحتكار معارَضٌ في المقابل باستصحاب عدم كونه مكروهاً. ولو سلَّمنا بجريانه فإن غاية ما يثبت عدم حرمته، ولا يثبت كونه مكروهاً. وهذا ما لا يلتزمون به أنفسهم؛ لوجود الأدلة على الكراهية، كما يصرِّحون. نعم، يقولون بأن الأصل معتضد بتلك الأدلّة، وهذا لا محصَّل له. ولكن من المحتمل أنهم يريدون بالأصل استصحاب الإباحة بالمعنى الأعمّ، في مقابل الأحكام الأربعة: الإلزام؛ الإباحة بالمعنى الأخص…. فالإباحة بالمعنى الأعم ليست جعلاً وجودياً في مقابل جعل تلك الأحكام، بل هي عدم جعل للأحكام الوجودية المعهودة، وقابلة لجعل الأحكام الأخرى، وموضوعها الفعل الذي لم يَرِدْ فيه نهيٌ.
فاستصحاب عدم بيان للنهي ينقح موضوع الإباحة، فتثبت بثبوت موضوعها، وحينئذٍ فلا يجري استصحاب عدم جعل الإباحة؛ لأن هناك أصلاً موضوعياً حاكماً عليه، وهو استصحاب عدم جعل الإلزام، ولا يكون معارضاً له. وليست الإباحة جعلاً وجودياً؛ لأن الشارع لم يجعل الإباحة بالمعنى الأعم، بل هي عدم جعل للإلزام. ولعل هذا المقصود من قوله والأصل بمعنيَيْه.
وبذلك يتبيَّن ضعف نظرية الكراهة بجميع مستنداتها، وأن بعضها على التحريم أدلّ، كصحيحتي الحلبي، لينفتح الباب أمام تحليل مستندات نظرية التحريم.
النظرية الثانية: حرمة الاحتكار
وقد استند أصحاب هذه النظرية إلى مستنداتٍ متعدّدة، نقتصر على ذكر الأهمّ منها، وهي:
1ـ الروايات
وهي مجموعةٌ من الروايات التي تختلف فيما بينها، من حيث السند والدلالة، قوّةً وضعفاً، وسنقتصر على استعراض الأهمّ منها أيضاً.
1ـ صحيحة سالم الحنّاط، قال: قال لي أبو عبد الله×: ما عملك؟ قلتُ: حنّاط، وربما قدمت على نفاقٍ، وربما قدمت على كسادٍ، فحبست، فقال: فما يقول مَنْ قبلك فيه؟ قلت: يقولون: محتكر، فقال: يبيعه أحدٌ غيرك؟ قلتُ: ما أبيع أنا من ألف جزءٍ جزءاً، قال: لا بأس، إنما كان ذلك رجلٌ من قريش، يقال له: حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبي‘، فقال: يا حكيم بن حزام، إيّاك أن تحتكر([106]).
وبيان الاستدلال بها على الحرمة بأن قوله×: «لا بأس» يدلّ بالمفهوم على وجود البأس في حال عدم وجود باذل، وكلمة البأس ظاهرةٌ في الحرمة؛ بمقتضى الفهم العرفي واللغوي؛ لأنها بمعنى الشدة والخوف والعذاب، ولا يكون ذلك إلاّ في فعل الحرام([107]). وكذلك الحال فإنّ قوله‘: «إيّاك» ظاهرٌ في التحذير الشديد، المستلزم للحرمة([108]).
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أولاً: إن هذه الرواية لا تدلّ على التحريم؛ والوجه في ذلك ـ كما صرَّح السيد محمد جواد العاملي ـ أن قوله‘: (إيّاك أن تحتكر) منعٌ خاصّ بالمخاطب، وهو حكيم بن حزام([109]).
ولكنّ هذه الملاحظة ليست تامة؛ فإن الجزم باختصاص كلمة «إيّاك» بحكيم بن حزام، أو احتمال ذلك، لا نكاد نتصوّر له منشأً؛ فإن العرف لا يرى أيّ خصوصية لحكيم هذا في اختصاصه بالخطاب دون غيره. وهناك أحكامٌ كثيرة جاءت على هذا النحو، ومع ذلك لم يُقَل باختصاصها بمَنْ خوطب بها. وإلاّ لو كان الأمر كذلك فلنا أن نتساءل: ما الفرق بين أن يقوم حكيم بشراء الطعام كلّه ويبقى الناس بلا طعام وبين أن يقوم فردٌ آخر بذلك أو جماعة، كما يحصل في وقتنا الحاضر، حيث تقوم الشركات أو الدول باحتكار السلع؟! ومع انتفاء الخصوصية المذكورة نبقى ومقتضى القاعدة، وهي اشتراك جميع المكلَّفين في الأحكام ما لم يقُمْ دليلٌ خاص على وجود خصوصيةٍ معيَّنة، وهي منتفية في المقام، كما ذكرنا([110]).
نعم، ربما يقال بأن تحذير النبيّ إنما كان خاصاً بحكيم؛ لكونه حكماً ولائياً، لا حكماً شرعياً.
ولكنْ يجاب بأن تحذير النبي‘ لم يكن صادراً منه إلاّ بما هو شارعٌ؛ لأنه× إنما استشهد بقصة حكيم ليبين لسالم الحنّاط مصداق الاحتكار المحرَّم، وهذا يتوقَّف على كون التحذير المذكور صادراً منه‘ بما هو شارعٌ، كما لا يخفى.
فالصحيحة ظاهرةٌ في أن الناس كانوا يتصوّرون أن الاحتكار المحرَّم ينطبق على فعل سالم الحناط، رغم وجود باذلٍ غيره، ولذلك كانوا يستنكرون عليه، فأجاب الإمام بالنفي، وأنهم مخطؤون في تصوّرهم، وبيَّن أن الاحتكار المحرَّم ما كان من قبيل: فعل حكيم، الذي كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله. فاستشهاد الإمام بقصة حكيم إنما كان لبيان مفهوم منطوق الرواية ـ أي نفي البأس ـ، وهو الفرد المحرَّم لا أكثر.
ثانياً: لو سلّم بعدم وجود خصوصية فيه فإنّ كلمة «إيّاك» ليس ظاهرة في التحريم وضعاً، ولا استعمالاً، كما هو مختار الآخوند الخراساني([111]) والمحقِّق الإصفهاني([112])؛ وذلك بدعوى كثرة استعمالها في كلامه‘ في المكروهات أيضاً، وبناءً عليه فهي لا تفيد إلاّ التحذير والمنع الشديدين، والمنع أعمّ من التحريمي والتنزيهي. بل جعلوا الاختلاف في التحديد الزمني للاحتكار في رواية السكوني مع إطلاق الروايات دليلاً على عدم التحريم.
ولكن هذه الملاحظة ليست تامّة؛ وذلك لأمرين:
الأوّل: إنّها وإنْ استعملت في المكروهات، إلاّ أنها لقرائن خارجية، وهذا لا يقتضي رفع اليد عن ظهورها في الحرمة ما لم تقم قرينةٌ، وهي منتفية في البين. وإلاّ فإن النواهي والأوامر قد كثر استعمالها في المكروهات والمستحبات([113])، ومع ذلك لو ورد نهي أو أمر يكون ظاهراً في الحرمة والوجوب ـ وهذا ما يلتزم به المحقق الإصفهاني والآخوند نفساهما ـ، أو يكون حجّة على العبد على اختلاف المسلكين([114]).
الثاني: لا نسلِّم بالصغرى التي ادُّعيت، وهي كثرة استعمال كلمة «إيّاك» في المكروهات. هذا فضلاً عن أن تبلغ تلك الكثرة حدّاً يوجب انصرافها إلى الكراهة عند تجرُّدها عن القرينة. فمن خلال تتبُّعنا للموراد التي استعملت فيها كلمة «إيّاك» لم نعثر على موردٍ واحد استعملت في المكروه الاصطلاحي، وإنْ وجد فهو نادرٌ. وأما الموارد الأخرى فقد استعملت في الزَّجْر، ولكن هناك مانعٌ من الأخذ بظهورها فيه، وهي ورود بعضها في سياق الإرشاد إلى الشرطية([115])، وبعضها الآخر في الآثار التكوينية والآفات الأخلاقية التي تترتَّب على المخالفة، من قبيل: التحذير من كثرة المزاح والضحك والنوم بين الطلوعين، والتزويج من خضراء الدمن، والإعجاب، والطمع، وكلّها معللة بترتُّب آثار تكوينية على فعلها، كالفقر والمرض الجسدي والآفات الأخلاقية كالمخيلة وإماتة القلب([116]). وما قد يقال بأن الإمام ما أورد هذه الروايات إلاّ في مقام العمل بمضمونها، وهذا ما يقتضيه الفهم العرفي، فإنّه يجاب عنه بأن ما ذُكر يستفاد من خارج الروايات، لا منها. نعم، استعملت كثيراً في الحرمة بما يزيد على عشرة موارد، إلاّ أنه مع ذلك لا مجال للالتزام بدلالتها على الحرمة؛ إذ من الممكن أن يواجه إشكالاً مفاده أن استفادة الحرمة إنما كانت من قرائن خارجية، لا من حاقّ اللفظ، فتأمَّلْ.
ثالثاً: سجّل المحقق الإصفهاني إشكالاً آخراً على الاستدلال بهذه الصحيحة، وملخّصه أنها واردة في مقام بيان موضوع الاحتكار المحكوم بالحرمة أو الكراهة، لا أنها واردة في مقام بيان حكم الاحتكار؛ ليستدلّ بها على الحرمة، كما هو المدّعى. والوجه في ذلك أن الإمام بعد أن أخبره سالم بأنهم «يقولون بأنه محتكرٌ» تصدّى لبيان موضوع الاحتكار، وهو فيما إذا لم يكن هناك باذلٌ بالخصوص، مستشهداً بقصة حكيم بن حزام، وتحذير النبي‘ له([117]).
ولكنّ هذا الإشكال ليس تاماً؛ فالإمام× بيّن موضوع الاحتكار، وهو عدم وجود الباذل، ولو اقتصر على ذلك فالأمر كما يقول، إلاّ أنه بيَّن ثلاثة أمور: الموضوع؛ والحكم مرتين؛ ومتعلَّقه أيضاً. أما المرّة الأولى التي بين فيها الحكم فذلك عندما قال: «لا بأس»، تعقيباً على جواب سالم بوجود بائع غيره، فدلّ بالمفهوم على وجود البأس عند عدم وجود باذل غيره. والمرّة الثانية عندما نقل قصّة النبي‘ مع حكيم، محذِّراً إيّاه من القيام بالاحتكار، والتحذير يفيد النهي، كما هو واضحٌ.
2ـ رواية ابن القدّاح، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله‘: «الجالب مرزوقٌ، والمحتكر ملعونٌ»([118]).
وتقريب الاستدلال بها على الحرمة بأن يقال: إن قولَه‘: «ملعونٌ» ظاهرٌ في الإخبار عن وقوع الغضب عليه من قبل الله عزَّ وجلَّ، وهو كناية عن الحرمة، فالمحتكر إنما هو ملعونٌ؛ لكونه اقترف فعلاً استوجب غضب الربّ عزَّ وجلَّ؛ أو فقُلْ: إن اللعن دالٌّ بالدلالة الالتزامية على الحرمة، بحَسَب الفهم العرفي، كما لا يخفى.
فالمستفاد منها بحسب الفهم العرفي هو الحرمة على ما هو المستظهر منها، بل يمكن القول: إن هذا اللسان من أشدّ التعبيرات الدالّة على الاستنكار والمبغوضية والحزازة الشرعية التي تتعلَّق بها إرادة الشارع، والتي لا تتلاءم إلاّ مع الحكم بالحرمة.
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أوّلاً: إن هذه الرواية قد وردت في المصادر الحديثية لدى الفريقين. وقد سبق منا مناقشتها من جهة السند، وذكرنا هناك بأنه ضعيفٌ في المصدرين.
ثانياً: إن لعن المحتكر ليس إلاّ دعاء عليه بالبعد عن درجات الأبرار، والبعد له مراتب، منها: ما يتحقق بفعل الحرام، ومنها: ما يتحقق بفعل ما هو مكروه، بحيث إن المكلَّف لا يصل إلى المراتب العالية من القرب الإلهي. فاللعن إذن يتلاءم مع فعل المكروه أيضاً. وأضاف المحقق النجفي: «كادت أن تكون هذه الروايات صريحة في الكراهة، ضرورة كون اللسان لسانها، والتأدية تأديتها، كما لا يخفى على مَنْ لاحظ ما ورد عنهم^ في المكروهات، وترك بعض المندوبات، كغسل الجمعة…»([119]).
ولكن هذه الملاحظة غير تامّة؛ فإن كلمة «ملعون» وإنْ استعملت في المكروهات، إلاّ أن ذلك لوجود قرينة خارجية، ولا يوجد قرينة في المقام لتصرفها عن ظهورها في الحرمة.
ثالثاً: وأما المحقق الأردبيلي فيقول: إن فعل الاحتكار لا يوجب اللعن. ولم يستبعد حملها على عدم وجودان شيء إلاّ عنده، بحيث لو امتنع عن البيع لهلك الناس، كما لو حصلت مجاعةٌ، فيجب أن يبيع حفاظاً على أرواح الناس. ويمكن حملها على المبالغة أيضاً([120]). وكذلك حملها ابنُ عابدين على البعد عن درجات الأبرار، ونفى أن يكون المراد منها الإبعاد عن رحمة الله تعالى؛ لأنه لا يكون إلاّ في حقّ الكفار، ومن المعلوم أن المكلَّف لا يخرج عن الإيمان بارتكابه الكبيرة([121]).
ولكن هذه الملاحظة غير تامّة؛ إذ ليس المراد من كلمة «ملعون» هو الحكم بجواز لعنه من قبل المسلمين، أو أنه فعل كبيرة تخرجه من حدّ الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله، وإنما المراد منه أنه ارتكب فعلاً محرّماً، لا أكثر، ممّا استوجب غضب الربّ، كغيره من المحرّمات. وكثيراً ما يطلق هذا حتّى على المسلم إذا فعل فعلاً سيّئاً. والدليل على ذلك هو أن كلمة اللعن أطلقت على مَنْ ارتكب بعض المحرمات التي لا توجب لعن مرتكبها من قبل المسلمين، ولا الخروج من الإسلام إلى حدّ الكفر([122]). وهذا ما يلتزم به جميع الفقهاء. فما المانع أن يكون هذا المورد من ذاك القبيل؟!
وبناءً عليه فإمّا أن يلتزموا بحمل كلمة اللعن على المبالغة، والكراهة في جميع الموارد التي وردت؛ أو يحملوها على الحرمة، وكونها موجبةً للعن بالمعنى الذي ذكروه، وإلاّ فلا شاهد على التفصيل المتقدِّم. هذا، مضافاً إلى أن الله هو الذي لعنه، لا أن الناس يجوز لهم لعنه. نعم، لو قال: فالعنوه فالأمر كما يقولون، والحال أنه لم يقُلْ ذلك.
إلاّ أن هناك قرينةً في المقام على عدم دلالة هذه الكلمة، أي «ملعون»، على الحرمة؛ وذلك بمقتضى قرينة المقابلة بين كلمتي (الجالب) و(المحتكر)، فقد جعل الجالب ـ أي الذي يجلب السلع إلى البلد، ويبيعها، دون أن يحتكرها ـ مرزوقاً، في حين أنه جعل المحتكر ملعوناً، وهذا يعني أن المعنى المراد من اللعن ما يقابل الرزق، فيصير المعنى أن الجالب مرزوق، وأما المحتكر فإنه غير مرزوق، وقد سدّ أبواب الرزق على نفسه. وهذا إرشاد إلى الآثار الوضعية التي تترتَّب على الاحتكار. وقرينة المقابلة في الإرشاد أقوى من ظهور تلك الكلمة في الحرمة. وهذا من قبيل: ما رواه صدقة، عن الإمام الصادق×، أنه قال: «ملعونٌ ملعونٌ مالٌ لا يُزَكّى»([123])، فاللعن بمعنى عدم الرزق والنماء، فالمال الذي هذا حاله لا ينمو ولا يزكو. نعم، ظهورها في الإرشاد لا يقاوم ظهور الروايات الأخرى في الحرمة، ولذلك لا ترفع اليد عنها، كما هو مقتضى الصناعة.
3ـ معتبرة إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله×، عن أبيه قال: «لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئٌ»([124]). وبهذه الصيغة جاءت أيضاً في دعائم الإسلام([125]).
وقد رواها الشيخ مرسلةً، مسنداً إيّاها إلى النبيّ‘، فقال: قال رسول الله‘:…([126]). وهنا قد يقال بأن نسبتها إلى النبيّ بهذا النحو، لا بنحو «رُوي»، يكشف عن جزم الصدوق بصدورها عنه‘. إلاّ أن ذلك لن يغيِّر في النتيجة طالما أنه لم يصرِّح بسند الحديث، فجزمه بالصدور حجّةٌ عليه، وليس حجّةً على غيره؛ لاحتمال اعتماده بعض القرائن التي من غير المعلوم أن تفيد الجزم بالنسبة لغيره فيما لو وصلته، واطَّلَع عليها.
ورواها مسلم، بدون ذكر الطعام، عن معمر العدوي، عن النبيّ‘([127]). وكذا ابن ماجة([128]). وقد صحَّحه الترمذي، قائلاً: العمل عليه عند أهل العلم([129]). وعلّق العجلوني على الأخبار الواردة في باب الاحتكار قائلاً: «وباب الاحتكار فيه أحاديث كثيرة منقولة، ولم يصحّ منها شيءٌ سوى حديث مسلم»([130]).
ووجه الاستدلال بها على الحرمة، كما ذكره كثير من الفقهاء، أن كلمة (خاطئ) ظاهرةٌ عرفاً في الحرمة، فهي لا تقال إلاّ في حقّ مَنْ ارتكب فعلاً محرماً، وعليه فـ (خاطىء) بمعنى آثمٌ وفاعل الذنب([131]).
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أولاً: يمكن توجيه دلالتها على الكراهة، كما أفاد المحقق النجفي بقوله: «بل قوله: لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ كذلك أيضاً؛ فإنّه بناء على الحرمة يكون من بيان البديهيات، لكنْ على الكراهة يكون المراد منه الشدّة، التي هي بمنزلته في الكراهة»([132]). ويريد بذلك أن كلمة خاطىء لا تستعمل عرفاً إلاّ في المنع عمّا هو بديهي، وإذا أردنا تحديد وتشخيص ذلك الأمر البديهي وجدنا أنه لا ينطبق على الحرمة؛ لأننا ما زلنا بصدد تنقيح حكم الاحتكار، وهل هو حرامٌ أو مكروه؟ فبانتفاء احتمال الحرمة يتعيَّن أن يكون ذلك الأمر البديهي في المقام الكراهة.
ولكنّ ما ذكره غير تامٍّ؛ لأمرين:
الأوّل: إننا وإنْ كنّا نسلّم بالكبرى التي ذكرها المحقّق النجفي، لكننا لا نسلّم بأن هذا المورد صغرى من صغرياتها؛ حيث إن هذه الرواية قد صدرت من الإمام الصادق×، ومن المعلوم صدورُ رواياتٍ متعدّدة من قبل النبيّ‘ دالّة على التحريم في المصادر الحديثية لدى الفريقين. هذا، مضافاً إلى المنع عنه من قبل أمير المومنين× أثناء ولايته، كما ورد في عهده الشريف، وكما هو مسلَّم تاريخياً أيضاً.
الثاني: إذا كان اللفظ مردّداً بين مصداقين، وعلمنا من الخارج انتفاء إرادة أحدهما بالحصر العقلي، فهذا لا يوجب ظهور اللفظ في المصداق الآخر؛ لأن ظهوره ليس نابعاً من حاقّ اللفظ؛ ليكون حجّةً في ظهوره.
ثانياً: ما أفاده الشيخ شمس الدين من أن لسان الحصر في الرواية يحول دون حملها على إرادة الكراهة، التي بالإمكان الاكتفاء عنها بالكناية، بأن يقال: (المحتكر خاطئٌ) ـ إذا فهم منها التنزيل ـ؛ معللاً ذلك بأن لسان الحصر يفيد التأكيد والتحديد، الكاشفين عن أن المراد الجدّي هو نفس المراد الاستعمالي، وهو الحصر في الخطأ المنسجم مع الحرمة([133]).
ويَرِدُ على ما أفاده حلاًّ ونقضاً:
أما حلاًّ فإن لسان الحصر لا يتنافى مع الحمل على الكراهية الشديدة؛ فالمكروهات درجات، فمنها: ما لم يبلغ البمغوضية الشديدة؛ ومنها: ما بلغ، والمبغوضية الشديدة تارةً تكون مغلّظة؛ وتارةً لا تكون مغلّظة. وعليه فلو قال: «المحتكر مخطئٌ» فغاية ما يدلّ على أن المحتكر ارتكب فعلاً مكروهاً كراهية شديدة، أي بمنزلة الخاطئ، والاحتكار يمكن أن يصدر من أي مكلَّف وبلا استثناء، ولكنْ لو قال: «لا يحتكر إلاّ خاطئ» فإنه يستفاد منه معنىً آخر، وهو أن الاحتكار لا يصدر إلاّ من مكلَّف متورِّط في ارتكاب المكروهات المغلّظة. وبعبارةٍ مختصرة: إن لسان الحصر أبلغ كنايةً في التعبير عن الكراهة، فهو وإنْ كان يدلّ على التأكيد والتحديد، إلاّ أنّه لا يستفاد منه إلاّ حصر المعنى المتعلّق به، مع قطع النظر عن كونه محرّماً أو مكروهاً، فغاية ما يدلّ على أن احتكار الطعام لا يصدر إلاّ من الخاطئ، أي الذي يرتكب الكراهة الشديدة المنزَّلة منزلة الفعل المحرَّم، وأما المكلَّف الذي لا يرتكب الكراهة الشديدة فليس من شأنه أن يصدر منه الاحتكار.
وأما نقضاً فيَرِدُ عليه أن هناك بعض الروايات جاءت أيضاً بلسان الحصر، مثل: قوله‘: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»([134])، وقوله: «ولا صلاة إلاّ بأذان وإقامة»([135])، وقوله: «ولا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»([136])،، ومع ذلك لم يعتبر الفقهاء الفاتحة شرطاً في الصحّة مطلقاً، فلو نسيها لم يحكموا ببطلان الصلاة، وهكذا حملوا الرواية الثانية على مرتبة الكمال، دون الحرمة. وأما الرواية الأخيرة فحملت على الاستحباب لا غير.
والإنصاف أن يُقال: إنها قاصرة في دلالتها على الحرمة؛ لأنها ظاهرة في الإرشاد إلى العاقبة السيئة، وإنْ كان الفعل مكروهاً، بل إنّ كل مَنْ ارتكب فعلاً يضرّ بالناس فهو خاطىءٌ، وإنْ كان الفعل مباحاً. ولا يبعد دعوى استعمال كلمة خاطىء في الأعمّ من الحرمة والكراهة المغلّظة.
فالتعبير بلفظ الخاطئ لا يستلزم التحريم؛ فكثيراً ما يستعمل في الزجر الشديد عن المكروهات. وهذا ما ذهب إليه كثيرون([137]).
4ـ رواية أبي مريم، عن أبي جعفر الباقر× قال: «أيّما رجل اشترى طعاماً فحبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين، ثمّ باعه فتصدَّق بثمنه، لم يكن كفارةً لما صنع»([138]). وروى البيهقي مثلها([139]).
وتقريب الاستدلال بها بأن يدعى وجود ملازمة بين ثبوت الكفارة وحرمة ذلك الفعل، وإنْ شئتَ قلتَ: إن الكفارة تكشف عن كونه محرّماً، وإلاّ لا معنى لها. أضِفْ إلى ذلك أن عدم كفاية التصدُّق بالثمن الذي اكتسبه عن طريق حبسه للطعام في التكفير عن فعلته كنايةٌ عن الحرمة الشديدة للاحتكار.
ويُلاحَظ على ما أفيد:
أوّلاً: من ناحية السند هاتان الروايتان ضعيفتان سنداً؛ ففي سند الرواية الأولى أبو مريم، وهو عليّ بن محمد بن الزبير الكوفي، ولم تثبت وثاقته، لذلك فالخبر ضعيف به([140]). وأما سند الرواية الثانية فقد تقدَّم المناقشة فيه.
ثانياً: إنّ دعوى هذه الملازمة غير تامّة؛ فبين الكفارة وفعل المحرَّم عموم وخصوص من وجه؛ فقد تكون الأفعال محرّمة ولا كفارة عليها؛ وقد لا تكون محرّمة وتجب فيها الكفارة، كالظهار بناءً على حرمته.
ثالثاً: لو سلّمنا بهذه الكبرى، وهي وجود ملازمة بين ثبوت الكفارة وكون الفعل محرّماً، فإنّنا لا نسلّم بأن هذا المورد صغرى من صغرياتها؛ لأن التعبير بقوله: «لم يكن كفارة لما صنع» كناية عرفية عن كون الفعل الذي صدر منه محرَّماً. نعم، لو قال×: ليس عليه كفّارة، أو قال: عليه كفّارة، فالأمر كما يدَّعون. بل يمكن القول بأن هذا النوع من التعبير ظاهرٌ في الحرمة المشدّدة؛ لأن الثمن الذي جناه المحتكر لن يكفِّر عمّا فعله مهما بلغ مقداره. ولكنْ هل يمكن التكفير عن ذلك بطريقةٍ أخرى أو لا فالرواية لم تتعرَّض لذلك.
رابعاً: لو كان الملاك في صدق مفهوم الاحتكار وحرمته هو الاحتياج إلى الطعام لكان حراماً حتّى فيما دون ثلاثة أيام، ولو لم يكن الاحتياج إليه محرّماً لما حرم حتّى فيما لو زاد عن الأربعين. ومن هنا نستنتج عدم الموضوعية للأربعين. لذلك نجد أن السيد الخوئي([141]) حملها على أنها واردةٌ في مقام بيان جهة أخلاقية تعبُّداً، مستظهراً منها أن الدافع وراء الاحتكار حبس الطعام بنيّة سيّئة، وهي الإضرار بالمسلمين، لا أنه كان بدافع طلب الربح. وعليه تكون الرواية ناظرةً إلى قبح نية السوء، التي تحول دون تكفير التصدُّق بالثمن لما فعله.
خامساً: إنّ التحديد الزماني وإنْ لم يكن له موضوعية في تحديد مفهوم الاحتكار، إلا أنه غير ضائر بالاستدلال؛ إذ بالإمكان حمله على الأعمّ الأغلب؛ حيث إن الناس عادة يجدون الطعام مدّة ثلاثة أيام في أيّام الشدّة، وأما حبس الطعام لمدّة أربعين يوماً فغالباً ما يوقع الناس في ضيق وحَرَج، وخاصّة في تلك الأزمنة، وغيرها من الوجوه الأخرى المحتملة، كما تقدّم([142]).
5ـ ما ورد في عهد الإمام× إلى مالك الأشتر حينما ولاّه على مصر، حيث قال له: «واعلم مع ذلك ـ أن في كثيرٍ منهم ـ التجّار ـ ضيقاً فاحشاً، وشحّاً قبيحاً، واحتكاراً لمنافع، وتحكّماً في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار؛ فإنّ رسول الله‘ منع منه. وليكن البيع بيعاً سمحاً، بموازين عدلٍ، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمَنْ قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكِّلٍ به، وعاقِبْ، في غير إسرافٍ»([143]).
وروى مرسلاً، في دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين×، أنه كتب إلى رفاعة قاضيه على الأهواز: «انْهَ عن الحكرة، فمَنْ ركب النهي فأوجِعْه، ثمّ عاقِبْه بإظهار ما احتكر»([144]).
وهذا العهد ظاهرٌ في حرمة الاحتكار؛ لأنه لو كان مكروهاً لما جاز أن يأمر الإمام× واليه الأشتر بمعاقبة كلّ مَنْ يقدم على فعله، فاستحقاق المعاقبة لا ينسجم إلاّ مع كون الاحتكار محرماً([145]).
وقد أُشكل على الاستدلال بالعهد سنداً ودلالة:
أوّلاً: من حيث السند قد رواه الشيخ بطريقه إلى الأصبغ بن نباتة، وهو كالتالي: «أخبرنا بالعهد ابن أبي الجيد، عن محمد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون بن مسلم والحسن بن طريف جميعاً، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين×»([146]).
وهذا الطريق يواجه إشكاليتين:
الأولى: إن فيه ابن أبي جيد القمّي، واسمه «علي بن أحمد بن أبي جيد»، والحسين بن علوان الكلبي، وقد وقع كلامٌ بين الرجاليين في وثاقتهما وعدمها.
فابن أبي الجيد القمي ثقةٌ، بناء على النظرية التي تبنّاها السيد الخوئي، وهي وثاقة جميع مشايخ النجاشي([147])، ونحن لا نتبنّى ذلك، كما حُرِّر في محلّه.
الثانية: إن فيه الحسين بن علوان، وقد اختلف في وثاقته، فهو ثقةٌ لدينا، كما يستظهر من كلام النجاشي في ترجمته، حيث قال: «الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم، كوفي، عامي، وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد، ثقة، رويا عن أبي عبد الله×، وليس للحسن كتابٌ، والحسن أخصّ بنا وأولى»([148]). فالمشكلة في رجوع التوثيق للحسين نفسه أو أخيه؛ فمن الفقهاء مَنْ فهم أن التوثيق يرجع إلى أخيه، ومنهم مَنْ فهم أنه يرجع إليه. والصحيح هو رجوع الضمير إلى الحسين بن علوان، لا لأخيه؛ وذلك لنكتتين ذكرهما السيد الخوئي([149]):
الأولى: إن التوثيق يرجع إلى الحسن؛ بقرينة أنه هو المترجَم له، وأما جملة «وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد» فجملةٌ معترضة.
الثانية: إن النجاشي نفسه قد تكرَّر منه نفس هذا التعبير في عدّة موارد، فكثيراً ما يذكر شخصاً من أقارب المترجَم في ضمن ترجمة الشخص الذي عنونه، ممّا يكشف عن أنه كان يعتمد هذا الأسلوب في التعبير. فمثلاً: قال النجاشي في ترجمة ابن أبي الثلج: «محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل الكاتب، أبو بكر، يعرف بابن أبي الثلج، وأبو الثلج هو عبد الله بن إسماعيل، ثقة عين، كثير الحديث، له كتبٌ، منها،: كتاب ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين×، كتاب البشرى والزلفى في فضائل الشيعة…»([150]). ومن الواضح أن مَنْ له هذه الكتب المذكورة هو محمد بن عبد الله المذكور، دون ابن أبي الثلج.
ثانياً: هذا السند يواجه إشكالاً آخر ذكره السيد كاظم الحائري، وهو أن الشيخ لم ينقل إلينا متن العهد الشريف إلى مالك الأشتر؛ فالسند لا يفيد في إثبات كون المتن الموجود في نسخة نهج البلاغة، التي هي بين أيدينا، هو نفس متن العهد الذي رواه الشيخ في الفهرست بسنده الصحيح.
وأضاف، في محاولةٍ منه لردّ المحذور المذكور: «إلاّ أن يُقال: إن كلام الشيخ: «أخبرنا بالعهد فلانٌ عن فلان…» إشارةٌ منه إلى نفس هذا العهد، الذي لم يُعْرَف إلاّ بالنسخ المألوفة، فيثبت ما اتَّفقت عليه النسخ»([151])، ممّا يعني أنه ترك المسألة معلَّقة على صحّة الدعوى المذكورة.
وقد تبنّى الإشكال المذكور الميرزا جواد التبريزي أيضاً، وزاد عليه: إن مجرّد أن يكون للشيخ سند صحيح إلى العهد لا يعني أن العهد الواصل إليه قد تضمَّن بالضرورة تمام ما تضمّنه العهد الموجود في نهج البلاغة من المضامين، وإلاّ لتعرَّض الشيخ له، ولو في بعض كتبه الاستدلالية، فضلاً عن الحديثية، لكنْ نجدها خالية منه([152]).
وهناك محاولةٌ أخرى من أجل تصحيح العمل بالعهد، مفادها أن شهرة العهد تكفي في صحّة العمل بمضمونه. هذا، مضافاً إلى تلقّي الأصحاب له بالقبول. بل نفس مضامينه وقوة محتوياته تعتبر أقوى شاهدٍ على صدق صدوره إجمالاً عن المعصوم، كما صرّح الشريف الرضي نفسه في مقدّمة نهج البلاغة([153]). فإرساله لا يضرّ، طالما أن آثار الصدق منه لائحةٌ، كما لا يخفى للناظر إليه([154]).
ولكنْ يمكن أن يُجاب بأنه لا يكفي في إثبات صحّة الاستدلال بمحلّ الشاهد ثبوت العهد إجمالاً، من خلال قوّة مضامينه. وأمّا تلقّي الأصحاب له بالقبول فيمكن المناقشة فيه صغرىً وكبرى؛ فأما الكبرى فإنّا لا نرى عمل المشهور جابراً لضعف السند، إلاّ أن هذا الإشكال إشكالٌ مبنائي؛ وأما الصغرى فلا يعتبر هذا المورد صغرى من صغريات تلك الكبرى بعد التسليم بها، فدعوى تلقّي الأصحاب له بالقبول أوّل الكلام. فمن خلال مراجعة كتب المتقدِّمين من الأصحاب، الذين عليهم المعوَّل، لا نجدهم يذكرونه في كتبهم الفقهية الاستدلالية. نعم، بعض المتأخِّرين ذكروه في ضمن الأدلة([155])، وعملُ المتأخِّرين لا يعتبر حجّةً. بل نرى السيد الخوئي نفسه قد أشكل على الاستدلال به، وهذا نصّ عبارته: «إن العهد غير ثابت السند بدليل قابل للاستدلال به في الأحكام الفقهية، وإنْ كانت عباراته ظاهرة الصدور عنه×، إلاّ أن مثل هذا الظهور غير صالح للاعتماد عليه في الفتاوى الفقهية أبداً»([156]). ولكن هذا الكلام قد صدر منه في مبحث التقليد، وتبنّيه حجية العهد في مصباحه المختص في البحث في المعاملات، وعادةً ما يبحث التقيلد أوّلاً، ممّا يعني عدوله عن رأيه في التضعيف.
وأمّا شهرته بين الأصحاب فما هو المقصود منها؟ فهل المقصود الشهرة الروائية ـ وهو بعيدٌ ـ فهذا غير واضح. فإذا أفاد كلّ ذلك الاطمئنان الشخصي بصدوره عن المعصوم ـ كما هو الحال بالنسبة إلينا ـ فبها ونعمَتْ، وإلاّ فلا يخرج عن كونه مؤيِّداً. وأما إذا كان المقصود الشهرة العملية فلا نعلم استناد المتقدِّمين في الفتوى إليه. هذا، فضلاً عن التسليم بحجّية هذا النوع من الشهرة. وإذا كان المقصود شهرة العهد فقد تقدّم الجواب في طيّات الكلام.
ثالثاً: وأما من حيث الدلالة فقد ذهب المحقق الإصفهاني إلى أنه لا يستفاد منه جواز التنكيل بالمحتكر على كلّ حال، ليدل على حرمة الاحتكار بالذات، بل غاية ما يستفاد منه جواز التنكيل من قبل الحاكم الحافظ لسياسة البلاد، بعد صدور الحكم من قبله، ومنعه من الاحتكار، وليس لمجرّد اطّلاع الحاكم على أنّه أقدم على الاحتكار الممنوع شرعاً([157]). بل حمله المحقّق النجفي على أنه واردٌ في خصوص ما لو أطبق معظم التجّار على الاحتكار على نحو يحصل الغلاء والإضرار على الوجه الذي يخالف سياسة الناس، لا مطلقاً([158]).
ويُلاحَظ على ما أفيد أمران:
الأول: إن كلام الإمام× ظاهرٌ في الإخبار عن الواقع الخارجي المرير الذي يعاني منه عامة الناس من أفعال التجّار في كلّ زمان، وعلى نحو القضية الحقيقة، وعن الصفة السيّئة التي يتّصفون بها، وهي كثرة قيامهم باحتكار المنافع. فجعل ذلك باب مضرّة لعامّة الناس كنتيجة حتمية للحِكْرة، ويكون بذلك قد شخّص الموضوع، ومن ثمّ أمره بالمنع من الاحتكار، ومعاقبة مَنْ قارفه بعد النهي بالنحو المذكور، معللاً ذلك بأمرٍ ارتكازي عام، وهو قوله: «وذلك باب مضرّة». ومن المعلوم أن المضرة بالآخرين فعلٌ محرّم في حدّ ذاته، بعيداً عن الأمر بالمنع، ومعاقبة فاعله، ووجود الحاكم الفعلي وتصدّيه. وكذلك قوله×: «وعيب على الولاة» ظاهرٌ في أن المقصود جميع الولاة، سواء كلّف بالمنع أم لا؛ فإن من مقتضى وظيفته وواجبه المنع منه. والأمر بالتنكيل بعد النهي لا يغيِّر من واقع تلك القضية التي أخبر عنها× شيئاً. نعم، إنما يأتي هذا الإشكال فيما لو أمره بالتنكيل بعد المخالفة ابتداءً، وبدون تلك المقدّمة التي ذكرت.
وبعبارةٍ مختصرة: إن الإمام× أخبر عن حال التجّار على نحو القضية الحقيقية وبنحو الانحلال، وهو أن التاجر من طبعه عادة الشحّ والإجحاف، وفي ذلك مضرّة للعامة، فلمّا حدَّد طبع التاجر، وشخَّص الموضوع، جعل أمره بالمنع عامّاً؛ لكونه يؤدي دائماً إلى المضرّة. وامتثال المنع والنهي عن الطبيعي يقتضي إعدام جميع الحصص والأفراد؛ لانحلاله إلى نواهٍ بعدد أفراده، فيحرم على المكلَّف الاحتكار بمجرّد علمه بالضيق وعدم الكفاية، سواء وجد حاكم فعلي أو لا.
وبذلك يتبيّن أن الإمام× لم يستشهد بمنع النبي‘ للاحتكار ليعلِّل أمره بالمنع، بحيث يكون الداعي له لا غير؛ بل الملاك في المنع كونه باب مضرّة للعامة. فيكون× قد بيَّن أمرين: الحرمة الذاتية للحكرة؛ ووجوب المنع من قبل الولاة، كما فعل النبي‘.
الثاني: يمكن الترقّي ودعوى عدم الفرق بين كون المنع شرعياً أو ولائياً؛ لأن حكمه× يشمل الأمّة في كلّ زمان ومكان، وهو والحكم الشرعي في ذلك على حدٍّ سواء. وهذا ما ذهب إليه الإمام الخميني([159])، وتبعه في ذلك الشيخ منتظري([160]).
فإثبات المدَّعى بالعهد الشريف لا يتوقَّف على التمسك بذيل العهد، بل يمكن إثباته من خلال التمسُّك بالصدر أيضاً.
ـ يتبع ـ
الهوامش
(*) كاتبٌ وأستاذٌ في الحوزة العلميّة. من لبنان.
([4]) القاموس المحيط 2: 12 ـ 13، مادة حكر.
([5]) ابن منظور، لسان العرب 3: 267.
([6]) المحقق النراقي، مستند الشيعة 14: 45.
([8]) المبسوط 2: 195؛ تحرير الأحكام 2: 254.
([9]) فقد أدخله في تحرير أحكامه 2: 254؛ وأخرجه في منتهى المطلب 2: 1007.
([14]) محمد بن أحمد الشربيني، مغني المحتاج 2: 38.
([15]) كتذكرة الفقهاء (للعلامة الحلي) 12: 166؛ ومسالك الأفهام (للشهيد الثاني) 3: 192،
([16]) تذكرة الفقهاء 12: 166 ـ 167؛ مستند الشيعة 14: 50؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد 4: 40 ـ 42.
([17]) أبو بكر الكاشاني، بدائع الصنائع 5: 129.
([18]) كما في: المجموع (للنووي) 13: 49؛ ومغني المحتاج (للشربيني) 2: 31.
([19]) مواهب الجليل (للحطاب الرعيني) 6: 12.
([20]) كما في المغني (لعبد الله بن قدامة) 4: 283؛ والشرح الكبير (لعبد الرحمن بن قدامة) 4: 47؛ وكشف القناع (للبهوتي) 3: 216.
([21]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 17: 427، كتاب التجارة، باب 28 من أبواب آداب التجارة، ح1.
([22]) المصدر السابق، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح3.
([23]) سنن الدرامي 2: 248؛ البيهقي، السنن الكبرى 6: 30
([24]) الرازي، الجرح والتعديل 6: 186؛ سنن ابن ماجة القزويني 2: 728.
([25]) السنن الكبرى 6: 30؛ التاريخ الكبير 6: 278.
([29]) وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح2.
([30]) الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 77.
([31]) النجفي، جواهر الكلام 22: 481.
([35]) مجمع الفائدة والبرهان 8: 20.
([37]) عبد الكريم الرفاعي، فتح العزيز 8: 216؛ النووي، المجموع 13: 44؛ الشربيني، مغني المحتاج 2: 38.
([41]) حاشية ردّ المختار: 6: 717.
([43]) وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح2.
([44]) مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 351.
([45]) الهيثمي، مجمع الزوائد 4: 10.
([46]) التنقيح في شرح المكاسب (كتاب البيع) 37: 515.
([49]) ابن حمزة، الوسيلة: 260.
([50]) الشهيد الأول، الدروس 3: 180.
([51]) الشيخ يوسف البحراني، الحدائق الناضرة 18: 63.
([52]) وسائل الشيعة 17: 423، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح1. هذه الموثقة استدل بها الشيخ ومَنْ تبعه.
([53]) مسند أحمد للإمام أحمد حنبل 1: 21؛ سنن ابن ماجة القزويني 2: 729.
([56]) ابن حجر، فتح الباري 4: 24.
([57]) الحدائق الناضرة 18: 62 ـ 63.
([59]) السيد الخوئي، مصباح الفقاهة 5: 431.
([62]) الكافي في الفقه: 5: 360 (في المكاسب)؛ وقال في فصل البيع: إنّه حرام، والأقرب الكراهة (الكافي في الفقه: 360).
([66]) الشهيد الأول، الدروس 3: 180.
([69]) الشيرازي، المهذّب 1: 299
([79]) حاشية المكاسب 3: 419 ـ 422.
([80]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 2: 272، باب 33 ما يمكن أن يستنبط من الآيات والأخبار من متفرقات أصول الفقه، ح2؛ عوالي اللآلي 1: 457، ح198.
([83]) السيد محمد العاملي، مفتاح الكرامة 12: 353.
([84]) السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الفقاهة (في المعاملات)(تقريرات السيد الخوئي، بقلم: الميرزا محمد علي التوحيدي) 3: 89 ـ 90.
([87]) وسائل الشيعة 17: 427، كتاب التجارة، باب 28 من أبواب آداب التجارة، ح1. ونحوه رواه الكليني في الكافي 5: 164، ح3، ولكنّه زاد قال: وسألته عن الزيت؟ فقال: «إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه».
([88]) الآخوند الخراساني، حاشية المكاسب: 139 ـ 140؛ الشيخ الإصفهاني، حاشية المكاسب 3: 419 ـ 420.
([89]) وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح2.
([92]) جواهر الكلام 22: 479 ـ 480.
([94]) الشيخ يوسف البحراني، الحدائق الناضرة 18: 61.
([95]) أحمد النراقي، عوائد الأيام: 67 (عائدة 5 في بيان معنى لفظ البأس في الأخبار).
([96]) الشيخ حسين منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 2: 633.
([98]) كتاب المكاسب 4: 366 ـ 367.
([99]) وسائل الشيعة 15: 396، كتاب الجهاد، باب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح1. وهو كالتالي: عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله‘: رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، الحديث.
([101]) مجمع الفائدة والبرهان: 8: 20.
([103]) مفتاح الكرامة 12: 353.
([104]) كما في حاشية مجمع الفائدة (للوحيد البهبهاني) 9: 12.
([105]) وسائل الشيعة 18: 151، كتاب التجارة، باب 15 من أبواب الربا، ح1.
([106]) وسائل الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، باب 28 من أبواب آداب التجارة، ح3.
([107]) يراجع عوائد الأيام: 67، (عائدة 5 في بيان معنى لفظ «البأس» في الأخبار)؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 8: 23.
([108]) الإمام الخميني، كتاب البيع 3: 602؛ السيد الخوئي، مصباح الفقاهة 3: 814؛ الشيخ منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية 2: 631.
([110]) مجمع الفائدة والبرهان 8: 23.
([113]) الشيخ حسن، معالم الدين: 53.
([114]) الإمام الخميني، كتاب البيع 3: 602؛ الشيخ منتظري، دراسات في فقه الدولة الإسلامية 2: 631.
([115]) قال رسول الله‘: «يا عليّ، إيّاك ونقرة الغراب وفريسة الأسد» (الوسائل 24: 219، كتاب الأطعمة والأشربة، باب 57 من أبواب الأطعمة، ح2)؛ فإنها إرشاد إلى حرمة المنخنقة والمتردّية، واعتبار التذكية. وفي رواية سماعة بن مهران أنه قال: قال لي أبو عبد الله×: «إيّاك أن تصلّي قبل الزوال…» (وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، باب 13 من أبواب المواقيت، ح6)؛ فإنها إرشادٌ إلى شرطية الزوال في صحة الصلاة.
([116]) وقد استقرأتُ الكتب الأربعة ومستدرك الوسائل وبحار الأنوار والمصادر الحديثية لدى أهل السنّة فلم أعثر إلاّ على هذه الروايات:
1ـ في وصيّته‘ لعليٍّ×: «يا عليّ، إيّاك أن تركب مثيرة حمراء؛ فإنها من مراكب إبليس» (الوسائل 4: 446، كتاب الصلاة، باب 48 من أبواب لباس المصلي، ح4 و6).
2ـ رواية أبي بصير، عن أبي جعفر×، أن النبيّ أوصى رجلاً من بني تميم، فقال له: «إيّاك وإسبال الإزار والقميص، فإنّ ذلك من المخيلة، والله لا يحبّ المخيلة» (وسائل الشيعة 5: 41، كتاب الصلاة، باب 2 من أبواب أحكام الملابس، ح1).
3ـ وقال‘ في وصيّته لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، إيّاك والسؤال؛ فإنه ذلٌّ حاضر، وفقر تتعجّله، وفيه حساب طويل يوم القيامة ـ إلى أن قال: ـ يا أبا ذرّ، لا تسأل بكفِّك، وإنْ أتاك شيءٌ فاقبله» (المصدر السابق 9: 440، كتاب الزكاة، باب 32 من أبواب الصدقة، ح6).
4ـ وعن الرضا×، عن آبائه^ قال: قال رسول الله‘: «إيّاكم ومشارّة الناس؛ فإنها تظهر النعرة، وتدفن العزّة» (الوسائل 12: 240، كتاب الحجّ، باب 136 من أبواب أحكام العشرة، ح9؛ وكنـز العمال 3: 549، ح7843).
5ـ وفي رواية أبي حمزة الثُّمالي، عن أبي جعفر× قال: أتى رجلٌ إلى رسول الله‘ فقال: علمني يا رسول الله شيئاً، فقال: «عليك باليأس ممّا في أيدي الناس؛ فإنه الغنى الحاضر»، قال: زدني يا رسول الله، قال: «إيّاك والطمع؛ فإنه الفقر الحاضر» (وسائل الشيعة 15: 282، كتاب الجهاد، باب 33 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح6).
6ـ وفي وصيته‘ لأبي ذر: «وإيّاك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه» (الميرزا النوري، مستدرك الوسائل 8: 417، باب 69 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر، ح3).
7ـ ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله×، أنه قال: «إيّاك أن تجامع أهلك وصبيٌّ ينظر إليك؛ فإن رسول الله كان يكره ذلك أشدَّ كراهيةٍ» (وسائل الشيعة 20: 134، كتاب النكاح، باب 67 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح9).
8ـ وقال رسول الله‘: «…إيّاك والإعجاب بنفسك والثقة بها؛ فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه» (الميرزا النوري، مستدرك الوسائل 13: 159، باب 42، ح2).
9ـ ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×، أنه قال: «قال رسول الله‘: ما أتاني جبرئيل قطّ إلاّ وعظني، فآخر قوله لي: إياك ومشارّة الناس؛ فإنها تكشف العورة، وتذهب بالعزّ» (الوسائل 12: 239، كتاب الحجّ، باب 136 من أبواب أحكام العشرة، ح6).
10ـ وفي وصيّته‘ لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، إيّاك والتسويف بأملك؛ فإنك بيومك ولستَ بما بعده، فإن يكن غده لك تكن في الغد كما كنتَ في اليوم، وإنْ لم يكن غده لك لم تندَمْ على ما فرطْتَ في اليوم» (مستدرك الوسائل 2: 107، باب 18 من أبواب الاحتضار وما يناسبه، ح4).
11ـ ما رواه محمد بن أبي طلحة، عن الصادق، عن آبائه^، عن رسول الله‘، أنّه قال للناس: «إيّاكم وخضراء الدِّمَن»، قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدِّمَن؟ قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء» (الوسائل 20: 35، كتاب النكاح، باب 7 من أبواب مقدمات النكاح، ح7؛ المتّقي الهندي، كنـز العمال 16: 496، باب الوليمة، ح45620).
12ـ وقال رسول الله‘: «إيّاك والعجلة في الأمور قبل أوانها، والتواني فيها من زمانها وإمكانها والحكمة فيها إذا تنكّرت، والوهن إذا تبينت؛ فإنّ لكل أمر موضعاً، ولكل حالةٍ حلالاً» (القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام 1: 367، باب ما ينبغي أن يأخذ الوالي به نفسه).
وأما الموارد الأخرى التي استعملت في الحرمة فهي كما يلي:
1ـ في وصيّته‘ أنه قال: «يا عليّ، إياّك ودخول الحمام بغير مئزرٍ. ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه» (وسائل الشيعة 2: كتاب الطهارة، باب 3 من أبواب آداب الحمام، ح5).
2ـ وعن أبي عبد الله×: قال النبي‘: «يا عليّ، إيّاك أن تتختَّم بالذهب؛ فإنه حليتك في الجنة، وإياّك أن تلبس القسي…» (المصدر السابق 4: 416، كتاب الصلاة، باب 30 من أبواب لباس المصلي، ح3).
3ـ وفي وصيّته‘ لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، إيّاك وهجران أخيك؛ فإن العمل لا يقبل مع الهجران. يا أبا ذرّ، أنهاك عن الهجران، فإنْ كنتَ لا بُدَّ فاعلاً فلا تهجره ثلاثة أيام كملاً، فمَنْ مات مهاجراً لأخيه كانت النار أَوْلى به» (المصدر السابق 12: 2، كتاب الحجّ، باب 144 من أبواب أحكام العشرة في السفر، ح2).
4ـ وفي وصيّةٍ أخرى له‘ لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، إيّاك والغيبة؛ فإن الغيبة أشدّ من الزنا» (المصدر السابق 12: 281، باب 152، ح9).
5ـ وفي موعظةٍ له‘ لأمير المؤمنين×: «…يا عليّ، إيّاك والكذب؛ فإنه يسوِّد الوجه،…إلخ» (العلامة المجلسي، بحار الأنوار 74: 67، أبواب المواعظ والحكم، ح3).
6ـ ومن عهدٍ لامير المؤمنين× إلى الأشتر النخعي لمّا ولاه على مصر: «إيّاك ومساماة الله في عظمته، والتشبه به في جبروته؛ فإنّ الله يذلّ كلّ جبار، ويهين كلّ مختال» (نهج البلاغة 3: 85).
([117]) المحقق الإصفهاني، حاشية المكاسب: 420 ـ 421.
([118]) سنن الدرامي 2: 248، باب في النهي عن الاحتكار؛ وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح3.
([119]) جواهر الكلام 22: 479 ـ 480.
([120]) مجمع الفائدة والبرهان 8: 21 ـ 22.
([121]) حاشية ردّ المختار 6: 718..
([122]) كلعن الناظر والمنظور إلى عورة غيره (وسائل الشيعة 2: 56، كتاب الطهارة، باب 21 من أبواب آداب الحمام، ح1)؛ ولعن مَنْ آذى جاره، كما عن يونس بن يعقوب قال: سمعتُ الصادق× في حديث: «ملعونٌ ملعونٌ مَنْ آذى جاره» (وسائل الشيعة 16: 280، كتاب الأمر والنهي، باب 41 من أبواب الأمر والنهي، ح7)؛ ولعن سابّ أبيه (الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 4: 356، باب مَنْ وقع على ذات محرم).
([123]) وسائل الشيعة 9: 23، كتاب الزكاة، باب 3 من أبواب ما تجب فيه وما لا تجب، ح4. ومثله حديث آخر، رواه أبو بصير، عن النبيّ‘ (المصدر نفسه، ح14).
([124]) وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، باب 28 من أبواب آداب التجارة، ح12؛ وكتاب مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 266؛ والاستبصار 3: 114؛ وتهذيب الأحكام 7: 159.
([125]) القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام 2: 35، كتاب البيوع والأحكام فيها، ح77.
([126]) مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 266، ح3959.
([127]) صحيح مسلم 5: 56، باب تحريم الاحتكار في الأقوات.
([131]) العلامة الحلّي، تذكرة الفقهاء 12: 165، 409؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 3: 191؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد 4: 40؛ المحقق النراقي، مستند الشيعة 14: 46؛ عبد الكريم، فتح العزيز 8: 216؛ النووي، المجموع 13: 45 ـ 46؛ عبد الرحمن بن قدامة، الشرح الكبير 4: 47؛ المباركفوري، تحفة الأحوذي 4: 404؛ العظيم آبادي، عون المعبود 9: 255.
([133]) الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 166.
([134]) وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المسجد، ح1.
([135]) المصدر السابق 5: 444، كتاب الصلاة، باب 35 من أبواب الأذان والإقامة، ح2.
([136]) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي 1: 196، ح2.
([137]) المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 8: 21.
([138]) وسائل الشيعة 17: 425، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح6.
([140]) السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث 13: 151.
([141]) السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الفقاهة 5: 427 ـ 428.
([142]) الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3: 229 ـ 230.
([145]) السيد الخوئي، مصباح الفقاهة 3: 814؛ الشيخ منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 2: 622.
([146]) الفهرست: 85. وله طريقٌ آخر رواه النجاشي، وهو: «أخبرنا ابن الجندي، عن أبي عليّ بن تمام، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بالعهد» (رجال النجاشي: 8). ولكنّه ضعيف.
([147]) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 12: 277.
([149]) معجم رجال الحديث 5: 376.
([151]) السيد كاظم الحائري، القضاء في الفقه الإسلامي: 66.
([152]) الشيخ جواد التبريزي، إرشاد الطالب 3: 283.
([153]) الشيخ منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 4: 303 ـ 305.
([154]) السيد الخوئي، مصباح الفقاهة 1: 422.
([155]) المحقق النراقي، مستند الشيعة 14: 46، حيث وصفه بالمروي في نهج البلاغة؛ المحقق النجفي، جواهر الكلام 22: 479، فقد ناقش في صحّة سنده، فرمى جميع ما استدلّ به على الحرمة، بما في فيه العهد، بالقصور من جهة السند.
([156]) التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 366.
([160]) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 2: 622.